بروفة فيدرالية وقصف واقعي- رداً على المفكر الفلسطيني سلامة كيلة

إبراهيم اليوسف

2016 / 4 / 4

بروفة فيدرالية وقصف واقعي
رداً على المفكر الفلسطيني سلامة كيلة
إبراهيم اليوسف
لم أرد للمفكرالفلسطيني/السوري سلامة كيلة أن يتطوّع بتسجيل اسمه في قائمة هؤلاء المثقفين الذين اتّخذوا مواقفَ انفعاليةً من الشعب الكوردي لاعتبارات كثيرة، في مقدمها خصوصية حضوره الفكري والثقافي بل وموقفه اليساري-وإن القوموي أرومة- فقد صدر له حوالي أربعين كتاباً في الفكروالسياسة، ولطالما أقدمنا على قراءة بعض كتبه المهمة ومنها: نقد الحزب-1983 وإشكالية القومية العربية 1991- أطروحات من أجل ماركسية مناضلة- عصرالإمبراطورية الجديدة- الإسلام في سياقه التاريخي، بالإضافة إلى كتب عدة عن ثورات الربيع العربي، ومنها ثلاثة كتب عن الثورة السورية، وكتاباً عن الثورة المصرية. غير أن مفكرنا كيلة، في مقاله الأخير-الفيدرالية في سوريا- والذي نشره في صفحة الرأي في صحيفة "العربي الجديد" 24-3-2016 انخرط مع هاتيك الأسماء التي أنكرت على الكرد أصالة الانتماء إلى مكانهم، من خلال الالتقاء مع هؤلاء الذين طالما روجوا لفكرة أن الكرد في سوريا ضيوف على أرض ليست لهم.
صحيح أن المفكر كيلة يرى أنه لابد من منح الكورد في سوريا بعض الحقوق الثقافية ضمن مبدأ المواطنة- لحل للقضية الكوردية- التي لا يراها قضية طبعاً- بل إنه يشمل ضمن هذا الحق الإقرار ببعض الحقوق القومية ومنها مايتعلق بالتكلم باللغة وتعليمها، ويزيد على ذلك: قيام الإدارة الذاتية في المناطق الأساسية لتمركز الأكراد، وهي هنا في" الشمال الشرقي السوري"، لكنه يرى أن الدقة مطلوبة لذلك يضيف قائلاً" وفي مناطق محددة فيه" ثم يقول في آخر مقاله: من حق الأكراد الحصول على حقوقهم، في إطار سورية موحدة".
ولكم تمنيت لو أن كيلة الذي اعتقل بسبب نضاله في حزب العمل الشيوعي بضع سنوات لدى النظام السوري-وإن كانت خلفيته الرؤيوية تعد امتداداً إلى قومويي الماركسية التقليديين من أمثال: إلياس مرقص وياسين الحافظ، استذكر من خلال مرجعيته الفكرية حقوق الكورد في سوريا، مادام أنه ينظر إليهم-كشعب- حيث من حق أيّ شعب إعلان حق تقرير مصيره، وإن على الإنتلجنسيا الثقافية في أي بلد أن تسبق رجل السياسة في الإشارة إلى هذه الحقوق، لا القفز فوقها، أو إنكارها..!؟.
مناسبة افتتاح شهية كثيرين للنيل من الكورد تكمن في إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن إطلاقه نسخته"الحزبية" من الفيدرالية في المناطق الكوردية، هذه النسخة التي يعترف الصديق كيلة بأن القائمين عليها ليسوا كورداً فقط، وإنما هناك من بينهم من يمثل التكوينات السورية الأخرى، بل لاشيء في ماصدر عن المؤتمر الذي أقر هذه النسخة من الفيدرالية يشير إلى أي مشروع انقسامي في البلاد، بل العكس، فإن المعنيين بالشأن الكوردي رأوا في هذا المشروع إجهاضاً للفيدرالية الحقيقية التي لابد منها كحل لرأب الصدع السوري بعيد كل ماجرى في هذا المكان منذ آذار2004 وحتى الآن، لأن واقع الحال يشير إلى تقسيم حقيقي، لاسيما في ظل تمدد داعش-بإماراته- وممارسته عربدة الدم والقتل، ويكاد هذا التنظيم الإرهابي يغدومقبولاً لدى كثيرين من المثقفين الذين لم يتخذوا مواقفهم ضده، بل راحوا يعاضدونه-علناً أو سراً- مادام أنه يقف ضد أي حضور كوردي في مكانه.
أمر هؤلاء المثقفين يغدو مفهوماً في حقيقة الأمر عندما ينظر إلى المنهل الثقافي لهم، وهو محض شوفيني عفلقي، غير أن ماهوغير مفهوم البتة هو أن يكون سلوك هؤلاء الذين كان لهم موقفهم الماركسي المختلف، والمؤسس على الاعتراف بحق الأمم في تقرير مصائرها، حيث يلاحظ-هنا- التقاء الإسلاموي، والقوموي، واليساري، في جبهة واحدة، ضد الكرد، وهوما لمسناه-عن قرب- في محطات عديدة منذ 2004 وحتى الآن، حيث باتت هذه التكوينات المتناقضة تلتقي على هذه الكلمة غير-السواء- دون أن يتوقف الأمر عندها وحدها، ضمن إطار المعارضة، بل أن النظام يبدو أكثر تشدداً تجاه كل ماهو كردي، ناهيك عن مواقف أئمة خليفة داعش، وأمراء حربه..!؟
لست هنا، في موقع الدفاع عن الاتحاد الديمقراطي، بالرغم من موقفي النقدي، اللاذع، والرافض، لمجمل سياساته التي قام بها منذ بداية الثورة السورية، وإن كنت أرى-الآن- في أن القوة العسكرية التي شكلها-ونقدت بعنف طريقة تشكلها الحزبي- قد دافعت، عن الوجود الكوردي وحمت المناطق الكوردية-بالإضافة إلى شركاء المكان- باستبسال منقطع النظير إلى حد الملحمية، أو الأسطورية، في جزء من مهماتها غير أن هذا الحزب ليس في برامجه على المديين القريب والبعيد ما يدعو إلى الانفصال، ولنا في الكثير من مقولات بعض قادته ما يؤكد ذلك، صراحة، لا مجازاً، أومواربة. غير أن مايحدث فإن هناك كثيرين-من العنصريين المعادين لكل ماهو كردي في قراراتهم- من باتوا يطلقون حملاتهم ضد الكرد، بدعوى استهداف طرف واحد هو ب ي د وهم هنا أشبه بذلك القائل-في المثل الكوردي- لأحدهم:" كيت وكيت لأم شقيقك.."، حيث يكشفون عن عدوانيتهم الرعناء، والجاهلة، تجاه وجود الشعب الكوردي برمته، بمايجعلهم وداعش في كفتي ميزان متقابلين..!؟


إن أكثر ماهو استفزازي في مقال كيله حديثه عن الوجود الكوردي المستحدث في سوريا، واعتباره أن الكورد يقيمون على أرض"عربية" بعد أن جاء العثمانيون بهم في القرن التاسع عشر لضمان طريق الحجاز، وهو هنا يعترف بحوالي مئة عام على وجودهم في-محطتهم هذه- بعكس كورد-شمال العراق- أبناء المكان. متناسياً أن الحدود التي يحتكم إليها لم تكن موجودة قبل سايكس بيكو1916 التي كانت-كوردستان- ضحيتها الكبرى، وتم تقسيمها بين أربع دول هي: تركيا-إيران-العراق-سوريا، ولعل التوزع الديمغرافي للشعب الكوردي في الأجزاء الأربعة، وحده، يبين وحدة المكان وأهله، ودحض مزاعم طارئيته على خريطته.
أما عما سماه ب" أقلية" الكورد في مناطقهم "شأن غيرهم" وهو مااشتغل عليه النظام وبعض من معارضته المستنسخة عنه، فإني أحيل الصديق كيلة إلى الإحصائيات التي تمت في عهد الانتداب الفرنسي، بل إلى كراس "محمد طلب هلال" الذي يقر بأكثرية الكرد-في منطقتهم..!- ولعلم مفكرنا أن الاتحاد الديمقراطي الذي لايفتأ يشن عليه هجومه تم تهجير جزء كبير من الكرد بسبب سياساته-تجاههم- على نحو استثنائي.
لن أبحث في المحاججات والأدلة التاريخية، الأثرية، التي تؤكد وجود الكرد في مناطقهم، إذ يراهم قد حلوا ضيوفاً على المنطقة في القرن التاسع عشر، مادام جد أبي قد توفي ودفن في قرية-محمد ذياب-"السورية" في القرن الثامن عشر على بعد بضع كيلومترات من قرية أبيه"جامرلوك" التي شقها الخط الحدودي الفاصل بين سوريا/ تركيا، وتحولت إلى ما"فوق الخط/ وما تحت الخط، وأضيف على هذا: إن بعض المناطق الكوردية الخالية من السكان كانت مراعي للكورد الذين يسكنون الجبال، جبال كوردستان، وليس أدل على هذا أنه كانت لأسرتنا-تحديداً- مقر إقامتها الذي- لايزال- مستمراً في جبال طوروس، وفي هذا مايدل على أن كلا المكانين جزآن من كردستان الكبرى..!؟
مشكلة الخطاب القوموي العروبي الأنتي كوردي أنه بات يكشف يوماً بعد يوم عن سوء طويته تجاه الكورد بشكل عام، بذريعة معاداة طرف كوردي، فحسب، بعد أن وظف-أي هذا الخطاب- موالياً، أومعارضاً، في خانة مشروع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، على صعيد الموقف من الشعوب الأصلية في المكان-أو شركاء المكان- إذ نكاد لانجد أحداً تناول بإنصاف حقيقة وجود هؤلاء، وحقوقهم، ومعاناتهم، ومنهم مفكرنا كيلة الذي كنت أود أن يكون على إطلاع على تاريخ وجغرافيا الكورد، وأن يكون له مجرد كتاب واحد من أصل أربعين كتاباً عن الكورد الذين عايشهم- ويظل هو نفسه كفلسطيني مديناً لهم-من جهة صلاح الدين الأيوبي في أقل تقدير- الذي اشتغل على نحو عكسي، واستحدث حضور الكورد في فلسطين لحماياتها، بعد تحريرها، وكذلك في أماكن عديدة ستسمى ضمن-دول العالم العربي-وكان ذلك أحد أول حملات تهجيرالكرد عن كردستان. هذا المأخذ ينسحب على أجيال متلاحقة من الكتاب الذين عايشوا الكرد-ماخلا حالات استثنائية ديكورية في أكثرها-
في تصوّري أن من يقف ضد فدرلة سوريا، تحت ذريعة الخوف على وحدتها-والفدرالية الآن ضمانة الوحدة الأجدى- أشبه ببعض المحيطين بأحد المرضى الذين يمنعون استطبابه-بداعي الحرص عليه- وهو إما نتيجة قصور، وعدم فهم مدى خدمة الفدرالية لواقع ومستقبل سوريا، أو أنه نتيجة أحقاد ذاتية، أو"موضوعية" دفع إليها، مادام أن ذلك يكفل للكوردي-شريك المكان- حضوره السياسي والثقافي في البلاد، بما يكفل تعلم ابنه في المدرسة بلغته، وهوما لا تتصوره الذهنيات التي نشأت على استعباد الآخر، ولو من موقع الضحية، وفي هذا أخطر إشكاليات وعي رفض تقبل شراكة الآخر..!؟.
جريدة"كوردستان" العدد533





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن