سادسة الكابوس السوري

سعد الله مزرعاني
lcparty.lcparty@gmail.com

2016 / 4 / 2



حين أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن القضاء على «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل، تعامل الجميع مع هذا التصريح بكثير من الاستغراب والدهشة. أكثرية لم تدرك حجم التحوُّل الانعطافي الذي شكله إعلان «الدولة» ثم تمددها السريع في سوريا والعراق قبل حوالى السنتين: في ظروف ملائمة للنشوء والتوسُع.

كثرة بينهم أيضاً نظرت بارتياب إلى الموقف الأميركي، واعتبرت كلام الرئيس أوباما تعبيراً عن خطة لاستخدام المشروع المتطرف الجديد (الناشئ فجأة كما كان يحصل في السابق) من أجل تحقيق أهداف واشنطن في المنطقة: الهيمنة وتعزيز النفوذ... بوسائل متنوعة كان بينها، سابقاً، الغزو المباشر وإشعال الحروب بين دول المنطقة أو في داخلها، إلى إثارة الفتن وتغذية الانقسامات والعصبيات...
طبعاً كان كلام الرئيس الأميركي بإضافة ثلاث سنوات، على الأقل، على الأزمة السورية، المشتعلة منذ أواسط آذار عام 2011، قد خيّب، بشكل خاص، القوى التي تستعجل حسم الصراع في سوريا بوسائل القوة والتدخل الخارجي تحديداً، وخصوصاً منها تركيا وقطر والمملكة السعودية. وصادف أن طعم الخيبة كان لا يزال عالقاً في الأفواه بعد تراجع واشنطن عن توجيه ضربة عسكرية إلى الجيش السوري، قبل عام، إثر تسوية تسليم السلاح الكيميائي بوساطة/ مخرج قدمها الطرف الروسي لإنقاذ الحليف السوري، وفك إحراج «الشريك الأميركي»، وتفادي إرباك موسكو نفسها حين تصبح في موقع العاجز عن التورط العسكري، لمنع الضربة أو للمشاركة فيها، إذا امتنع الطرف السوري عن التعاون.
طبعاً لن نذكر هنا سقوط أوهام كثيرين كانت قد برزت منذ بدايات الأزمة حين كان يكرر الإعلام الرسمي السوري والصديق، بأن الأزمة عابرة ومفتعلة وخارجية، وستتحطم، حتماً، خلال أيام أو أسابيع، أو حين كان يضرب خصوم النظام السوري، والعرب منهم بشكل خاص، مواعيد متلاحقة لإسقاط النظام بعد انهيار مؤسساته وتصفية قادته أو هروب من يتاح له ذلك منهم.
مع إعلان دولة «الخلافة الإسلامية» انقلب المشهد السوري بشكل يكاد يكون كاملاً. سارعت الولايات المتحدة إلى إنشاء حلف عالمي لمواجهتها انطلق من العاصمة السعودية. الحلف المذكور استثنى إيران وسوريا وروسيا. لكن تبين، لاحقاً وتباعاً، أن التنسيق الروسي – الأميركي قد بات العامل الأبرز في التعاطي مع أزمات المنطقة وفي تحديد الموقف الدولي المشترك بشأنها، وصولاً إلى الهدنة الحالية التي سبقت مفاوضات جنيف3، وأعقبت مفاوضات فيينا (قبل بضعة أشهر) التي ظهّرت معالم تفاهم روسي أميركي عام بشأن الأزمة السورية خصوصاً. في أثناء ذلك توصل الأميركيون وشركاؤهم (5+1) إلى تفاهم مع الحكومة الإيرانية بشأن ملفها النووي (تموز الماضي)، أكَّد وأوضح عناصر جديدة في «استراتيجية أوباما». تدخل روسيا عسكرياً في الأزمة السورية، أوضح أيضاً جوانب مهمة من هذه الاستراتيجية التي تقوم، في آن معاً، على التباين والتعاون مع الاستراتيجية الروسية، فيما كانت، في السابق، تقتصر على التباين فحسب (النموذج الأوكراني وما قبله). من جانبه، الرئيس الأسد تنفس الصعداء بعمق في تلك المرحلة، إذ أن نظامه لم يعد هدفاً أساسياً للضغط الأميركي بعد بروز «داعش» وبعد تمدد خطر هذا المشروع الإرهابي الوحشي في المديين الإقليمي والدولي.
كانت هذه المتغيرات هائلة، لكنها جوبهت بشكل مكابر من قبل الدول الحليفة لواشنطن والعاملة على إسقاط النظام السوري بكل الطرق والأساليب. كذلك فإن حكومة الرئيس بشار الأسد، قد وجدتها سانحة لتبرير سياساتها القديمة الجديدة، وللمثابرة على نفس نهج رفض التسويات الذي اعتمدته منذ بداية الأزمة، مع ما يعني هذان من مساهمة في إطالة معاناة الشعب وتأجيل مفتوح لمعالجة أزمته القاتلة.
في امتداد كل ما ذكرنا من التطورات وسواها، دفعت عوامل عديدة (منها الاستنزاف وتوسُّع مخاطر الإرهاب) الطرفين الأميركي والروسي إلى بذل جهود منسقة ومتسارعة لاحتواء الأزمة السورية على وجه الخصوص. تجاوزت تلك الجهود ما اصطدمت به من عقبات من قبل طرفي النزاع. واشنطن رفعت مستوى تبرُّمها بالموقفين السعودي والتركي إلى درجة الانتقادات العلنية. موسكو، من جهتها، ردّت على اللهجة الانتصارية للقيادة السورية بإعلان إنهاء مهمة قواتها في سوريا (باستثناء استمرار القتال ضد الإرهابيين). كان هذا الإعلان التكتيكي احتجاجاً على تصريح للرئيس الأسد قال فيه إن «الحل السياسي يبدأ بعد سيطرة الجيش السوري على كل الأراضي السورية»، وعلى وزير خارجيته الذي اعتبر البحث بمصير الرئيس السوري خطاً أحمر لا ينبغي أن يقاربه أحد (أياً كان).
استشراء وجموح التطرف الى الدرجة المخيفة التي بلغها (والتي يمكن أن يبلغها) لم يأتِ فقط من مناورات ومؤامرات الخارج. إنه يعشش في التقاليد المكرَسة والمناهج الرسمية، وفي تسييس الدين والتمذهب والطائفية... خطره تخطى كل الحدود وخرج عن كل سيطرة. للأسف (الأسف فقط!)، القوى المحلية والإقليمية والمؤسسات المنشأة لشؤون التنسيق لم تمارس من الأدوار إلا ما هو سلبي أو فئوي. الجامعة العربية، على سبيل المثال، مستتبعة لأحد طرفي الصراع وعاجزة عن لعب دور مستقل يمثل المصالح العربية مجتمعة كما يفترض بها أن تفعل. كذلك فالمبادرات معدومة من قبل المنخرطين المحليين والإقليميين في الصراع، وكأن البحث بالتسويات، وما يجب أن يرافقها من تقارب وتنازلات ومراجعات، بات معادلاً للهزيمة والانكسار! في مجرى ذلك، كان يمكن لحوار إيراني سعودي (تبادر إليه المملكة السعودية، لا أن ترفضه أو تحبطه بالاشتراطات والسلبيات) أن يشكل رافعة لاستعصاء بالغ التكلفة بكل المقاييس المادية والبشرية والمعنوية والأخلاقية والحضارية... لا شيء يحصل من هذا القبيل. ما هو ممارس، إنما هو اشتراطات متبادلة على الحوار الأميركي الروسي الذي شكل وحده نافذة أمل لاحتواء الأزمة المخيفة وللسيطرة على بعض مخاطرها وكوارثها.
إن ازدياد منسوب ودور العصبيات المذهبية هو أحد العوائق الكبرى في اختلال الصراع. استخدام الدين والمقدسات في الصراعات السياسية بلغ ذروته في التطرف الإرهابي وجعل الربط ما بين الإرهاب والدين إسلامي مادة يومية في معظم الإعلام والتعبئة الغربيين. لا يجوز أن ننسى بأن المسلمين، بما هم مواطنون، قد دفعوا أكبر الأثمان سواءً في استشراء «الإسلاموفوبيا» في الغرب، أو بسبب التنابذ المذهبي الذي يدفع ثمنه أبرياء من أمنهم واستقرارهم ولقمة عيشهم، أو بسبب عمليات التطهير والتفجير التي استهدفت آلاف المواطنين في أماكن عبادتهم وحركتهم اليومية.
في السنة السادسة للأزمة السورية ولأزمات قبلها وبعدها (أكثر أو أقل اشتعالاً) ما زالت أولويات المعنيين الأساسيين بها ذات طابع فئوي، رغم كل ما يتراكم من عظيم الخراب والموت والمآسي. لن يجعل ذلك انتهاء الصراع والأزمات قريباً. القوى الكبرى ذات مصالح. هي تعبث، من أجل تحقيق هذه المصالح، بدمنا وعافيتنا وثرواتنا ومصائرنا. الجميع شريك في المسؤولية عن الاستعصاء، وعن الخسائر، وعن إقحام القوى الأجنبية في قضايانا الداخلية... خلال ذلك يواصل البعض فئويته حتى... الموت المبين!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن