هيكل بين سيد قطب وطه حسين

عبدالجواد سيد
abdelgawad885@yahoo.com

2016 / 3 / 17

كان يمكن أن أضع لهذا المقال عنواناً آخر، كلمة فى رحيل هيكل مثلاً ، ولكنى وفى اللحظة الأخيرة ، قررت أن أضع هذا الحدث فى مداه الحضارى الأوسع، أى فى علاقته بقصة مصر الحديثة، وعلاقة مصر الحديثة بالعالم، ولذا فقد كان لزاماً على أن أستدعى معه ذكرى كاتبين آخرين، سيد قطب وطه حسين، حيث مثل ثلاثتهم، ثلاث تجارب كبرى فى تاريخ مصر الحديثة، الناصرية والإسلامية والليبرالية، والذى أسفر الصراع بينها فى النهاية، ليس عن نتيجة، ولكن عن مأساة فى الواقع ، ثلاث تجارب وثلاثة كتاب ، يمكن من خلالهم تلخيص قصة مصر الحديثة، بل والعالم العربى أيضاً.
مثل هيكل التجربة الناصرية، أو تجربة القومية العربية، أو الإشتراكية العربية، سمها ماشئت، فقد كانت ،وفى كل الأحوال، هوساً بالصراع مع الإستعمار، أكثر منها تجربة حضارية فعلاً . كتب هيكل فلسفة الثورة على لسان جمال عبدالناصرسنة 1953 فى كتيب صغير من ثلاثة فصول ، عبر فيه عن فلسفة العصر الجديد، وكانت فلسفة عرجاء مغلوطة منذ البداية. رأى ناصر أو هيكل، وكلاهما واحد، أن التاريخ المصرى، والذى يسميه فى الكتاب بالزمان المصرى، مجرد فضاء يملؤه الإستعمار، وأن جيله وحده، والذى جاء فى موعده مع القدر، هو الوحيد القادر على ملء ذلك الفراغ ، فلم يكن حكم أسرة محمد على، التى أنشئت مصر الحديثة ، سوى حكم أسرة أجنبية جاءت لنهب البلاد، ولم تكن ثورة 1919، بكل مامثلته من خلق جديد للإنسان المصرى، سوى ثورة فاشلة إستفادت منها البورجوازية المصرية على حساب الفقراء، وهكذا وفى عملية إجتثاث غير مسبوقة، تجنى على التاريخ المصرى، وقضى على تضحيات أجيال، وجعل التاريخ المصرى، يبدأ من الصفر من جديد، معه ، ومع جيله الذى جاء فى موعده مع القدر وحده . وبالإنتقال من سياحة الزمان إلى سياحة المكان، نجد المأساة وقد إتسعت أكثر، فمصر والتى تقع على مفترق الطرق بين آسيا وأوربا وإفريقيا، أصبحت فى فلسفة الثورة تتحرك فى دوائر حضارية ثلاث أيضا، هى العالم العربى والإسلامى والإفريقى، ولكن ومع عملية إحتيال بسيطة، أصبحت هذه الدوائر، دائرتين فى الواقع وليس ثلاث، حيث لم يكن العالم العربى والإسلامى فى النهاية سوى دائرة واحدة تتجه شرقا، وذلك فى محاولة مقصودة لتجاهل عمقها الغربى، الذى عاشت فيه وأبدعت نحو ألف سنة من الحضارة اليوناية الرومانية، ونحو قرن ونصف فى عهد أسرة محمد، فهذا العمق الحضارى الغربى المتفوق ، لم يكن فى نظره سوى عمق إستعمارى متوحش، كان يعد نفسه لمحاربته، حاشداً خلفه شعوب العالم العربى والإسلامى والإفريقى، التى كانت فى إنتظار الأبضاية المصرى للعب دور ذلك البطل التائه عن المسرح ، وهكذا فكما تجنى على الزمان بكل قسوة ، تجنى على المكان بقسوة أكبر.
لم تكن فلسفة الثورة مجرد أفكار، فقد تحولت مباشرة إلى سياسات على أرض الواقع، حددت قصة التجربة الناصرية منذ بدايتها حتى نهايتها المأساوية سنة 1967 بكل مامثلته من خسائر مادية ومعنوية ، والتى، وبتأمل واقع مصر الآن، نجد خسائرها المعنوية هى الأكثر قسوة، فذلك الرهاب من الإستعمار قد خلق هوة سحيقة بين الإنسان المصرى وبعده الحضارى الغربى، وزرع فى نفسه نظرية المؤامرة، والتى تحولت إلى مايشبه المرض النفسى، كما أنه ،وهذا هو الأخطر، فقد كان الهدم الجائر الذى قام به هيكل وفلسفته الثورية لميراث طه حسين ومستقبل ثقافته المصرية الأوربية ، بمثابة فتح الأبواب لميراث سيد قطب الإسلامى ومعالمه فى الطريق المظلم ، ليستوليا على مصر بعد ذلك مباشرة، فقد كان ذلك الميراث الليبرالى فقط، هو الوحيد القادرعلى الصمود فى مواجهة المشروع الإسلامى المرعب. هذا هو بإختصار ميراث هيكل فى تاريخ مصر الحديثة، فقد كان هو القلم الذى عبر به ناصرعن مجمل فكره، وقد عاش نحو أربعين عاماً بعد وفاة سيده ، يردد نفس الأفكار الإستعمارية القديمة ، بينما يقضى أجازاته فى لندن.
أهم المراجع :
1-فلسفة الثورة - جمال عبدالناصر- بيت العرب للتوثيق العصرى- القاهرة
2-معالم فى الطريق- سيد قطب - دار الشروق- القاهرة
3-مستقبل الثقافة فى مصر- طه حسين- مؤسسة هنداوى- القاهرة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن