اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر

كامران جرجيس
kamaranjarjees@hotmail.com

2016 / 2 / 17

"اذا الشعب يوماً اراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر....."
كامران جرجيس
قبل خمس سنوات أراد الشعب التونسي إستعادة حقه في الحياة والعيش بالكرامة إسوة بباقي شعوب عالم الحر، حين قام الشاب محمد بو عزيزي بإطلاق شرارة الإحتجاجات الشعبية العارمة بعد أن أضرم النار في نفسه – وعندما وصل لهيب نار جسد بو عزيزي الى ليبيا ومصر، بات لدى كثير منا إعتقاد بان غيوم الظلم والتعسف التي حجبت نور حياة والأمل على شعوب المنطقة للعقود من الزمن زالت الى الأبد وتحولت الى أمطار تحمل معها أمل مجىء ربيع التغيير والتحرر من الظلم والاستبداد.
وحين شهدت شوراع مصر (أم الدنيا) تظاهرات مليونية خاصة تلك الذي شهدها ميدان التحرير وسط القاهرة، بات لدى كثير منا قناعة راسخة بأن ولادة نظام ديمقراطي مدني قائم على التعددية الحزبية بعيد عن مخالب الإسلاميين وحكم العسكر بات وشيكا – كنا نعتقد أن تجمع أكثر من مليون مواطن مصري من مختلف شرائح الشعب في ميدان التحرير ومناشدتهم العلنية للرئيس حسني مبارك بالرحيل والتنحي عن الحكم هو إثبات من جانب المصريين لأنفسهم وللعالم بان إختيار( الفراعنة) المصريين القدماء لوادي النيل مكانا لتأسيس حضارتهم العريقة لم يكن من قبيل الصدفة بل بالاضافة الى توافرعوامل المناخ والجغرافية، قرار تشييد الحضارة الفرعونية جاء نظراً لتمتع الانسان المصري بالصفات العظيمة كالصبر وتحمل المصاعب والايمان القويم بالعمل الدؤوب والتسامح والانفتاح على ثقافات العالم الاخرى.
الحضارة المصرية القديمة أسوة بباقي حضارات العالم بُنيت على أكتاف المؤمنين بها وبدورها في إغناء الإرث الثقافي والحضاري للانسان- كنا نعتقد بإن المتظاهرين في ميدان التحرير وغيرها من ساحات وميادين مصرسيحملون مصر على أكتفاهم وسيعيدون إليها مكانتها الحضارية المرموقة بين حضارات العالم وسيمدونها بروح وافكار جديدة تجعلها تواكب تطورات العصر الجارية – وسوف لايسمحون لا للاسلاميين ولا للعسكر بخطف حلمهم. ماحدث بعد ذلك في مصر حدث، لكن صبر الإنسان المصري وإيمانه في تحقيق التغيير المنشود مازال باقياً وحياً.
كنا نعتقد بإن الإحتجاجات الشعبية في مدينة درعا في اذار 2011 إن لم تؤدي الى إنفجار ثورة جذرية في سوريا ( الأسد) ستجبر حتماً النظام على تبني إصلاحات سياسية وإدارية سريعة إستجابة لمطالب السوريين الشرعية وإدراكا منه للتغييرات السياسية غير المسبوقة التي شهدتها المنطقة. لكن تعنت النخبة الحاكمة في دمشق في التمسك بموقفها الرافض لادخال أي نوع من الاصلاحات على جهاز الحكم والادارة وإصرارها على إتهام المحتجين بالإرهابيين والمرتزقة، أدى الى تعقيد الاوضاع والى تحويل سوريا الى حلبة لتصفية الحسابات السياسية بين القوى الاقليمية والدولية – المجتمع الدولي ومجلس الأمن يحمل أيضا قسطا كبيراً من مسؤولية المأساة الانسانية للشعب السوري لامتناعه عن التدخل السريع والحازم لاجبار النظام على الاضطلاع بمسؤوليته تجاه مايجري وضبط الاوضاع.
بعد خمس سنوات نستطيع أن نقول بأن الاحتجاجات الشعبية لم تؤدي الى التغييرات المنشودة ولم تحقق اهدافها حتى الان، باستثناء تونس التي يبدو ان القدر أستجاب لارادة شعب الشاعر ابو قاسم الشابي صاحب عنوان هذا المقال، لأن المناخ السياسي في تونس ووعي وتجانس شعبها كان اكثر نضجا من بقية بلدان المنطقة والدليل ان تونس نظمت إنتخابات ديمقراطية لمجلس النواب والرئاسة وانشأت دستورا جديدا للبلاد.
على الرغم من المأسي والإحباط التي تحيط بالمنطقة العربية وشعوبها من ليبيا الى سوريا مرورا بمصر ولبنان ومن سوريا الى اليمن مرورا بالعراق ومنطقة الخليج سيبقى هناك أمل حول غد أفضل لشعوب هذه البلدان لان ترسيخ الاستقرارالفكري والسياسي والاجتماعي وفق مبادىء الديمقراطية وتعددية الاراء يحتاج الى فترة طويلة من الزمن خصوصا اذا اخذنا بنظرالاعتبار حجم التصدعات والاضطرابات الاجتماعية الكبيرة التي تعرضت لها هذه البلدان بعد سنوات طويلة من حكم حزب الواحد وقائد الضرورة – حتى الديمقراطيات العريقة التي نستشهد بها في الغرب لم تكن وليدة عقد او عقدين من الزمن بل نتاج مخاض طويل من الصراعات الفكرية والطبقية وواجهت شتى انواع الصعوبات وسال من أجلها أنهار من الدم لحين ترسيخ دعائمها ووصولها الى هذه المرحلة.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن