وماذا لو استخدمنا الأوستراكيسموس ؟

محمد يسري
m.yossri@yahoo.com

2016 / 1 / 13

دائماً ما نجد السياسيين وأهل النخبة وأصحاب الرأي ما ييمنون وجوههم شرقاً وغرباً للبحث عن اختراع رأسمالي أو فكرة اشتراكية أو عقيدة يونانية أو فلسفة لاتينية، لاستخدماها للوصول لضبط الحياة السياسة والمجتمعية في بلادنا
فهؤلاء يعتقدون في تقديس كل غريب ... ويرون ان الأصالة لا توجد الا في كل أمر مستحدث مستورد من بلاد غير بلادنا ونابع من ثقافة تختلف عن ثقافتنا
تجدهم قد أنفوا من استعمال المصطلحات النابعة من حضارتنا فيخجلون منها ويبعدون السنتهم عن ذكرها او مجرد التلفظ بها
والى هؤلاء – واليهم فقط – أتوجه بمقالتي وبفكرتي عسى ان يسمع منهم سامع او يجيب منهم مجيب
هل سمعتم من قبل عن الأوستراكيسموس ؟؟
الأوستراكيسموس Ostrakismos هو قانون النفي السياسي الذي أقره مصلح سياسي أثيني في القرن السادس قبل الميلاد يدعى كليستنيس Kleisthenes
وبموجب هذا القانون أصبح للجمعية العمومية الأثينية الحق في نفي أي مواطن يخشى منه على أمن الدولة لمدة عشر سنوات، بشرط أن يؤيد الحكم ستة آلاف مواطن.
وقد لاقى هذا القانون رواجاً كبيراً في أثينا، وتم تطبيقه في الكثير من الحالات التي قدر المواطنون الأثينيون انها قد تمثل خطراً على المجتمع، فتم نفي الكثير من القادة وأصحاب السطوة بل وتم نفي الكثير من السياسيين وكان كليستنيس – صاحب القانون – واحداً من المنفيين.
والسؤال الذي نطرحه في هذا المقال، كيف من الممكن ان يستفاد مجتمعنا حالياً بتطبيق قانون مثل قانون الأوستراكيسموس؟
دائماً ما ندعي السعي وراء الديموقراطية، ودائماً ما نحاول ان نثبت ان اختياراتنا السياسية المجتمعية مبنية على أساس ديموقراطي متين، فماذا لو طبقنا الديموقراطية بشكل معكوس ومازا لو قلبنا هرمها رأساً على عقب ؟؟
استخدامنا للديموقراطية دائماً ما يتم بشكل ابراز وتفريخ أفضل ما في المجتمع، فيتم استخدام الألية الديموقراطية الانتخابية للحصول على
(أفضل رئيس جمهورية – أفضل برلماني – أفضل طالب جامعي – أفضل تلميذ في الفصل .... وهكذا)
ماذا لو استخدمنا نفس الألية -ولكن بشكل إقصائي بدلاً من الشكل الانتخابي -لإخراج أسوأ ما في المجتمع لنبعده وننفيه وندمره.
بتلك الألية نستطيع ان نتخلص من الكثير من مظاهر الفساد التي لا سبيل الى تغيرها، ثم ان تلك العملية الإقصائية لن يتحكم بها فصيل أو حزب أو جماعة، بل ستكون أداة في يد كل مواطن يتمتع بحقوق المواطنة في الدولة.
لاحظ ما يحدث الآن في مجتمعاتنا لتفهم مقصدي
سياسي يتفوه بأكثر الألفاظ بذائة وسفالة أمام الملايين في شاشات التلفاز
إعلامي يستغل برنامجه اليومي في التحريض والتنديد بخصومه الشخصيين
نائب برلماني يحلف بالطلاق في البرلمان
مقدمة برامج تدعو الشباب لمشاهدة الأفلام الإباحية
وأخرى تعرض لقطات وصور شخصية لبعض الفتيات دون علمهم
منتج سينمائي يقم بفعل منافي للآداب العامة -مستخدماً أنفه -في برنامج حواري
كل تلك الأفعال وغيرها الكثير والكثير، والمشكلة ان عددها قد وصل الى الحد الذي جعلنا لا نلتفت اليها ولا نعيرها اهتماماً أو انتباه
ف (التغيرات الكمية تحدث تغير كيفي بمرور الوقت)
قالها قبل ذلك كل من ماركس وانجلز وجعلاها أحد قواعد الفلسفة المادية الديالكتيكية، وهي الآن في هذا الموقف تثبت صحتها بامتياز
وتلك هي المشكلة الحقيقية ...تلك هي أس البلاء والمصيبة الكبرى، فأي مجتمع بشري يعرف الأخطاء والذنوب وإلا فأنه يفقد صفته البشرية ويتحول الى مجتمع ملائكي وجنة طوباوية لا توجد على الأرض
أما المشكلة العظمى لأي مجتمع فتتمثل في أن يفقد فطرته التي هي بمثابة البوصلة التي تحدد وضعه والطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه
وهذا هو ما يشهده مجتمعنا حالياً، غياب في الوعي وانعكاس للفطرة وهو ما أدى لظهور ردود أفعال مرضية (بفتح الراء وليس ضمها)
فالكثير من أفراد المجتمع يتجهون لتجاهل الظواهر السابقة الذكر، والكثير من الأفراد يعملون على السخرية منها وهو ما يؤدي الى عظمها وتفاقم خطرها.
وهنا تبرز الأوستراكيسموس كحل منطقي وموضوعي، فالديموقراطية التي ستأتي برئيس الدولة هي التي ستنفي أكثر المخربين في المجتمع
والنظام الذي سيختار أصحاب أهم المناصب وأعلاهم قوة وشأناً هو نفس النظام الذي سيعاقب أكثر الناس خطراً على حالة السلام الاجتماعي.
تخيل معي ماذا لو طرحنا سؤال واحد على جميع المواطنين، ذلك السؤال هو
من أكثر شخصية عامة تريد أن يتم نفيها من البلاد؟
من المؤكد الذي لا يقبل الجدل أن الإجابات التي سوف يتم الحصول عليها سوف تقترب من بعضها البعض بشكل كبير وسوف تؤيد بعضها البعض
فالمذيعة والبرلماني ومقدم البرامج والمنتج السابق ذكرهم يوجد شبه إجماع على رفضهم والرغبة في إبعادهم ...الأوستراكيسموس هي التي سوف تقدم الحل والألية المناسبة لتنفيذ رغبة الشعب.
فإذا ما رفض أحد فكرة الأوستراكيسموس بدعوى ما فيها من تقييد للحريات وعنف معنوي من المجتمع ضد أفراد بعينهم، رددنا عليه حينها بأن ما في الفكرة من مصالح يزيد بمراحل عما قد يوجد بها من مفاسد، ثم انه من الممكن ان يتم الاستعاضة عن النفي بعقوبة أخرى مثل ان يمنع المدعى عليه من الظهور الإعلامي أو ان يتم منعه من وظيفته أو أي مظهر أخر من مظاهر العقاب – المعنوي -التي يظهر بيها المجتمع حنقه وسخطه على ذلك الشخص
وفوق كل ذلك فانه يجب ان نرد على المعترض على فكرتنا، بان تقييد الحرية والعنف المعنوي اللذان يعيب هو استخدامهما من قبل المجتمع، هما من سلطات المجتمع في الأساس وليسا من سلطات الدولة وانه وان كانت الدولة هي التي تقوم بهما فذلك لأنها أخذت هذا الحق من المجتمع وهذا لا ينفي ان السلطات اصلاً نابعة من المجتمع وليس العكس
واحب ان أوضح في النهاية ان الأوستراكيسموس هي كغيرها من القوانين السياسية الغربية ، قد تناسب مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية لبعض الوقت وفي بعض الظروف ولكنها غير قابلة للتنفيذ كحل ثابت ودائم والا لكان يتم العمل بها الآن في اليونان والمجتمعات الغربية ، وانما قصدنا من طرح الفكرة ان نلقي حجراً في المياه الراكدة وان نلفت نظر مدعي الثقافة وادعياء الفكر والتنوير الى ان هناك في معين ثقافتهم الغربية ما يمكن الاحتكام به واللجوء اليه لإصلاح حال المجتمع بعيداً عن الشعارات الزائفة و القوالب المحفوظة التي تبرر إفساد المجتمع بدعوى الحفاظ على قيم الحرية والأبداع .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن