ظاهرة الغزل العذري في الشعر العربي

ماجد عزيز الحبيب
majidson90@yahoo.com

2015 / 12 / 6

ظاهرة الغزل العذري في الشعر العربي

الحب غريزةٌ انسانية جميلة ونبيلة تعلمها البشر منذُ تكوينه ,وهو يعدُ من الفضائلِ لما له من محتوى واخلاق قيمة كبيرة ونية صادقه وطيبة ,فمن الحب يأتي الحنان والاخلاص والوفاء والرقة والطيبه والصدق,هناك تسميات عديدة للحب فهو الصبابة والهوى والغرام والهيام والشغف والعشق.
برز الحب في الشعر العربي منذ القدم فمنذ العصر الجاهلي نرى ان الشعراء ينظمون قصائدهم في الحب وكان هناك العديد بل الكثير من هذه القصائد قد ذاع صيتها ومازالت تردد الى وقتنا هذا لما لها من بعد انساني صادق,في الحب نوعان من الغزل الغزل العذري والغزل الاباحي وهناك الفرق الكبير بين الاثنين.فالغزل العذري جذوره قد تمتد الى ابعد من العصر الجاهلي ولكن القصائد التي وصلت الينا وفي هذا المضمار تؤكد ان اول ظهور لهذا النوع من الشعر قد كان في العصر الجاهلي ,عرف الغزل العذري في الجاهلية ولكن تميز تميزاً واضحاً في صدر الاسلام.فكان الشاعر يصور ألم فراق الحبية والبعد عنها وتصويره شده العشق والهيام للمحبوبه وصدقه لها وهو يصور كل هذا دون التلميح الى الجسد او الوصف الدقيق لجسد حبيبته فكان الشعر مقتصر بنسبة كبيره على ما ذكرناه وقد يتطرق البعض من الشعراء الى بعض الشئ الى الوصف او التلميح لجزء من جسم المحبوبه كالشفاه والخدود دون التطرق الى الاجزاء الاخرى بغية ان يبقى هذا العشق عفيفاً ونظيفاً وان لا يخرج الشعر من الغرض الذي يقصده الا وهو الغزل العذري الصافي,وكان اغلب الشعراء حين نظمهم لقصائدهم في محبوباتهم تكون هذه القصيده بينه وبين معشوقته ولكن بعضاً منهم يتكلم بها فتنتشر هذه القصيده كأنتشار النار في الهشيم وقد يفقد الشاعر من خلال قصيدته هذه التي اشيعت حياته وما اكثر الشعراء الذين فقدوا حياتهم جراء ذلك.ينسب الكثير ان هذا النوع من الشعر الى قبيلة عنزه الذين كانوا يسكنون المدينه المنوره من جهة الشمال ويعزوا اسباب هذا النسب ان رجال هذه القبيله عرفوا بقوة عشقهم لمحبوباتهم وكانوا صادقين في العشق والغرام ,ولان اهل البادية كانوا فقراء ولم يفسدهم الترف والغنى واللهو الذي افسد اهل الحضر فهذا ما ساعد على انتشار الغزل العذري وشيوعه في الباديه.اغلب شعراء الغزل العذري اقتصرواعلى محبوبه واحده واهتموا بجمالها المعنوي دون التطرق الى النواحي الاخرى الا في بعض الاحيان وقد تكون هذه الحالات شاذه,لان الغزل العذري او العفيف هو تعلق الشاعر بأمرأة واحده ويبدي استعداده للتضحية من اجل عاطفته ولو تاه في الصحراء وهجر اهله وتعرض للمخاطر,وهذا النوع من الشعر يتعامل مع المرأه بنوع من الترفع والتعالي عن كل نزوع مادي.ان ما اتسمت به الحياة في شبه الجزيره العربيه في العصر الجاهلي من البداوه القائمه على التنقل والتراحال الدائم طلباً للعشب والماء وان الاقامه والترحال تنشأ عنها حالات عدة من التعارف والموده المتبادله والترحال والفراق مما ينتج في نهاية الامر الى اللوعه والاشتياق والحنين والاحاسيس المرهفه كلها عوامل ساعدت على ظهور هذا النوع من الشعر.تأثر الشعر الغزلي ومر بمراحل متعدده فمن العصر الجاهلي الى عصر الاسلام مروراً بالعصر الاموي والعباسي فكان تأثره بالاسلام واضحاً فتأثر الشعراء بالقرأن مما اصل في نفوسهم التقوى والمثل الاسلاميه كذلك انتشار حالة الزهد والانصراف عن الحروب واللهو الجاهلي كلها اثرت في الشعر العذري ,كل شعراء الغزل العذري يتشابهون في مضامين قصائدهم العذرية فأغلب قصائدهم هي ضمن سياق قد يكون واحداً الا وهو وكما ذكرت الفراق والعشق والقرب من الحبيب والبعد عنه واللهفة والاشتياق واللوعه والحسرة والحرمان,الخ,اغلب شعراء الغزل العذري هم اناس محافظين بدرجه كبيرة ومخلصين الى من يحبون حيث ان اغلبهم لم يذكر وحرص على عدم ذكر اسم حبيبته لان حبه طاهر وعفيف ,كما ان اغلب هؤلاء الشعراء قد عاهدوا انفسهم بأن يحفظوا ويحافظوا على الموده للحبيبه,كانوا جميع شعراء الغزل العذري واضحين في المعنى ودقيقين في التعبير والبراعة والحيوية التي تدور في اشعارهم واسلوب تنوعهم في نقل الخبر والاستفهام وصدق العاطفه,كما تميز شعراء هذا النوع من الشعر على نقل مشاعرهم في لقطات سريعة كالوقوف على الاطلال او الوصف السريع للجمال دون فضح الاسماء والتطرق الى المسميات حتى ان في بعض الاحيان حين يقول قصيدته قد نراه يعرض عن ذكر الحبيبه كأنه لا يعرفها تداركاً للاحراج وخوفاً على الحبيبة,ان بساطه المعنى وسهوله اللفظ قد تكون واضحه في هذا النوع من الشعر اضافه الى الرصانه اللغويه ودقة التصويب والتعمق والتلوين الفني المميز كما قد تجد فيها بعضاًمن الغموض ايضاً,الغزل العذري هو شعراً صادقاً لانه يخرج من قلب صادق وكان يصدر عما يختلج النفس من اشجان الحب والحرمان والمكابده,والعفه في هذا النوع من الشعر هو من الضروريات بل من الواجب وجودها في هذا النوع من الشعر ,لقد نرى ان لذة الألم التي يجنيها الشاعرمن خلال قصائده هي حاله قد تكون متواجد عند اغلب شعراء الغزل العذري.
ان شعر الغزل العذري يختلف اختلافاً جذرياً عن شعر الغزل الاباحي الذي يسعى الشعراء فيه تحقيق المتعة الماديه عن طريق وصف مفاتن المرأه واستعراض النزوات والمغامرات الغراميه.
نقدر ان نقول ان شعراء الغزل العذري هم شعراء حب نظيف خال من اي شوائب ,خال من الجنس لان شعرهم قد حرم المتعه الجنسيه وابقوا على العاطفه الجياشه والقيم الانسانيه النبيله ولهذا فقد احبه الكثير من الناس وحفظوا الكثير من القصائد.
ان الشعر العذري هو ثروة شعرية خلقتها لنا النفوس المحبه التي تذرعت بالايمان والعفه والحب الصادق والمشاعرالجياشه ونستطيع ان نقول بأن شعر الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففه والمتلهبه في ان واحد.

ماجد عزيز الحبيب
السويد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن