الشعب يريد أن يعرف ماذا يريد .... (3)

مسَلم الكساسبة
msallamk@yahoo.com

2015 / 11 / 27

كثيرا ما كنت ا احتج بالنموذج التركي كمثال عند الخوض في الحديث عن اسباب فشل أول تجربة عربية تشاركية حقيقية هي التجربة المصرية منذ الفراعنة الاول .. وذلك للمقارنة وتعداد الاخطاء والهفوات التي تكبدها ووقع بها اسلاميو مصر أو غيرهم كانت تؤدي دوما لنفس المنيجة ، وفي مصر كمثال الى التفريط بالثورة كلها والرجوع للمربع ما قبل الاول حتى ..

وسأضع في الرد اذا اتيح لي رابطا لحوار محفوظ صورة عنه ناقشت به مع بعض الاصدقاء الأخطاء التي وقع بها اسلاميو مصر حتى فرطوا بالثورة وأدوا بها الى انتكاسة وردة مؤسفة الى ما قبل المربع الاول ..

وهنا نود ان نعيد السؤال نفسه كيف نجح الاتراك بحزب اسلامي او ذي توجه اسلامي في المضي بالسفينة ضمن محيط مائج جدا وتكريس تجربة ناجحة على الارض بنتائجها سواء كانت هي نتائج اقبال الجماهير على ذلك الحزب او نتائج سياسات الحزب نفسه التي تدعو الناس لإعادة انتخابه ؟ اذ اننا لا نستطيع ان ننكر تجربة على الارض اعاد الناس الثقة بها مكررا .. اقول كيف نجحوا دون الوقوع في براثن الفوضى الدموية كما حصل بمصر مثلا .. كيف عرف الحزب الحاكم والتزم بحدوده وبنفس الوقت اذعن الاتراك لنتائج الصناديق واحترموها ؟

من جديد نجدنا مضطرين للقول : انها ليست اسلامية الحزب بل علمانية الدولة هي التي اخذت بيد الجميع دون اصطدام من أي نوع لا مرن ولا عديم المرونة بمصطلحات الفيزياء ..

ففي تركيا بالتأكيد لم يلجأ الحزب لحملة تطهير إسلاموي فيعين المحافظين والوزراء و...الخ منه مما يعطي اشارة بنزعات استحواذية إقصائية .. وهذا تم بالهام من العلمانية ذاتها وحراستها لا مبادئ الحزب او توجهاته.

في تركيا بالتأكيد فهم الحزب ان الناس انتخبوا سياساته وبرامجه وليس عقيدته وإيديولوجيته .. فحاول أن يتناغم مع هذا المعطى في سلوكه وتوجهاته .. فحاول ان يعمل على ما انتخبوه لأجله وهي البرامج العملية الذرائعية .. ل ان يبدأ بالايديولوجبا التي لم يكن مثير من الناحبين معنيون بها او أنهم انتخبوه لأجلها ..

وفي تركيا بالتأكيد ادرك الحزب ان الذين انتخبوه ومنحوه التفويض هم ليس كل الاتراك بل نسبة منهم كانت كافية ليكون هو من يدير البلاد لكن للجميع ولكل الاتراك من انتخبه ومن لم يفعل ..

في تركيا بالتأكيد ادرك الحرية والعدالة ان السلطان القادم من طريق ارادة الجماهير الحرة والصناديق هو غير السلطان القادم بالسيف والغلبة وان طريق كهذه لا يجوز للأول كل ما قد تجوزه القوة والغلبة للثاني .. وهذا ما الهمته لفهمه العلمانية والتشاركية ذاتها ..

وفي تركيا ايضا فبالتأكيد هناك ملايين الاتراك حين يؤذن لا يذهبون للمسجد ولا يوجد مطاوعة يضربون الماشي في الشارع او التاجر الذي يبيع ويشتري في متجره وقت الصلاة.
وبالتأكيد في تركيا يوجد ملايين لهم حسابات في بنوك ربوية ولا احد يلومهم او يأخذ منهم موقفا او يقاطعهم ..

بالتأكيد يوجد اناس يشتغلون في بيع الخمور او تعاطيها ..وتوجد مسارح وموسيقى وفنون .. ويوجد شباب وصبايا يشبكون ايديهم ويتمشون في الشوارع دون حجاب او شادور ودون ان يتعرض لهم صاحب الحسبة او رقيب الحياء العام ...الخ

وبالتأكيد ربما لا يوجد في تركيا قانون ازدراء الاديان او اطالة اللسان على السلطان ..
بالتأكيد المرأة في تركيا تسوق السيارة وتعمل في الجيش وفي الصناعات الثقيلة والخفيفة ..
وبالتأكيد يوحد ملايين في تركيا لا يؤمنون بالأديان ولا يؤيدون ان يحكم البلد بحزب سياسي ذو توجهات دينية (حصل حزب العدالة والتنمية على نحو من نصف اصوات الناحبين)

فما الذي يحصل هنا ؟ ما يحصل هو ان الحزب نفسه يفهم ويأخذ في حسابه هذه المعطيات السابقة.. ..وبالمقابل غير المؤمنين بتوجهاته يذعنون لنتائج الصناديق وإرادة الغالبية ، ودون ان يعترضوا بالصراخ او التكسير او رفع السيوف وبالمقابل دون أن يتعرضوا بدورهم لتضييق او نبذ او ملاحقة من تلك الاغلبية الفائزة.

هذا هو الذي اسمه تعايش وتصالح أو تعدد او تشاركية والذي تجمعه تسمية ديموقراطية ، والذي مكنت له وجعلته قابلا للتحقق تلك العلمانية ذاتها التي لا يألوا متأسلموا العرب جهدا في لعنها وشيطنتها وكأنما هي دين او معتقد بنافس معتقداتهم

إذ لو نظرنا حولنا لرأينا ما تنتج التشاركية سواء من خلال فكر يساري او يميني او علماني او لبرالي او إسلاموي او الحادي حيث القاسم المشترك في النهاية هو التشارك واختيار سلطة شرعية ليست هي من تقرر شكل الحكم بل هي من يطبق ما اتفق عليه ويرعى شؤون الشعب من خلاله ..
يرى بن خلدون ان العرب اهل عصبية ينقادون فقط للقوة والغلبة وهم لذلك ابعد الناس عن سياسة الملك لان العصبية تغلب عليهم وتمنعهم من الانقياد والإذعان إلا بعصبية غالبة فلا ينصاعون أو يلتئم شملهم إلا ريثما تضعف فيعودوا شانهم الاول ، وينفرد كل ذي عصبية بعصبته وكل شيخ بقبيلته .

ربما في هذا القول لابن خلدون ما يجعله مفهوما لماذا تنجح الشعوب الاخرى في التشارك والتعدد سواء تحت لواء حزب ايديولجي او براغماتي ذرائعي او ايا ما شئت وتفشل كل التجارب العربية ..

بالتالي يجعل العرب انفسهم يعرفون ما الذي يريدون او يلزمهم بالضبط حتى يمسك عقدهم دون أن ينفرط ..فلا هو الدين ولا هو القومية ولا هي الجغرافيا رغم اهمية كل تلك الامور .بل هو العقد الذي ينتظم كل تلك المعاني ويمنعها ان تنفرط .. وهو ما تحتاجه اية امة ..




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن