عسكرة المجتمع و أثرها على السلوك المجتمعي و الأمن القومي السوداني

عمر يحي احمد
omeryahya123@hotmail.com

2015 / 11 / 21

المقدمة
شهدت كثير من الدول في مرحلة ما بعد الإستقلال مجموعة من الظواهر و المشكلات التي أصبحت تواجه المجتمعات حديثة الإستقلال خصوصاً الدول الإفريقية مثل عمليات التنمية و النهوض و الفقر و البطالة وغيرها من الإشكاليات ، ويبدو إن إشكالية الحكم و طبيعة السلطة السياسية كانتا من أهم المشاكل التي و اجهت دول العالم الثالث ، الأمر الذي أدي إلى تدخل المؤسسه العسكرية إشكالية الحكم أو ما يعرف بالعسكرة .
يجئ هذا البحث لدراسة أثر ظاهرة العسكرة على السلوك المجتمعي و اثرها على الأمن القومي للدول تأخذ الدراسة من الحالة السودانية كدراسة حالة ، يتناول البحث هذا الموضوع في محورين ريئسيين : الأول عبارة عن إطار نظري عن مفهوم العسكرة و أنواعها و أساليبها ،أما المحور الثاني فيتناول الإسقاطات العملية لهذا المفهوم على السودان كإطار تطبيقي ، ثم تقدم الدراسة عدد من النتائج و التوصيات التي خرجت بها .
مشكلة الدراسة
تكمن مشكلة الدراسة في السؤال الرئيسي التالي : ما هو أثر عسكرة المجتمع على السلوك المجتمعي للشعب السوداني ، و ما هو أنعكاسها على الأمن القومي السوداني ؟
ثم تطرح الدراسة التساؤلات الفرعية التالية :
1 ـ ماهو مفهوم العسكرة و ما هي أشكالها و مبرراتها ؟ .
2 ـ هل تؤثر العسكرة على السلوك المجتمعي و الأمن القومي للدول ؟ .
3 ـ متي ظهرت العسكرة في السودان و ماهي أسباب تطورها ؟ .
4 ـ ما هي إنعكاسات ظاهرة العسكرة على السلوك المجتمعي و الأمن القومي السوداني؟.
حدود الدراسة :
ـ الحدود المكانية : السودان
ـ الحدود الزمانية : 1990 ـ 2015م .
المطلب الأول : ماهية العسكرة
إشتق مصطلح العسكرة من الأفعال ( عسكر ـ عسكري ـ عساكر ـ عسكرية ) ، ويبدو إنه مصطلح يختلف كثيراً عن بقية الإشتقاقات الأربعة سابقة الذكر ، فإن كلمة "عسكرة " تشير إلى فعل مقصودة ، أما تعريف العسكرة في اللغة الإنجليزية فيقابلها مصطلح militarization) ) و تترجم إلى ( سلطة الجند ) و تستخدم للإشارة إلى هيمنة الجند على السلطة المركزية دون تحمل مسؤولياتها مباشرة .
تعريف عسكرة المجتمع
يعد مصطلح عسكرة المجتمع من المصطلحات الحديثة التي برزت في وسائل الإعلام و البحوث العلمية و في خطابات رجال السياسة خاصة في خطاب قادة المعارضة في الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية أو دول العالم الثالث بصورة عامة ، نسبة لحداثة مفهوم عسكرة المجتمع عليه يمكن عرض أربعة تعريفات له موضح كالأتي :
1 ـ عسكرة المجتمع : هي إن تحكم الدولة بنظام عسكري .
2 ـ عسكرة المجتمع : هي إن تتولى قيادة المجتمع طبقة من العسكريين في مجالات غير عسكرية .
3 ـ عسكرة المجتمع : هي الحالة التي تكون فيها غالبية الشعب من العسكريين ؛ و يكون ذلك من خلال مقارنة عدد المدنين بعدد الأفراد الذين ينتمون إلى مؤسسات عسكرية .
4 ـ عسكرة المجتمع : هي العملية التي تهدف إلى إلباس المجتمع لباس العسكر و تحويل سلوكه إلى نمط يختلف عن النمط المدني أو النمط السايد .
لقد عرفت البشرية مفهوم العسكرية و مشتقاتها بإنها كلمة تشير إلى الجنود الذين يقومون بالقتال و الدفاع عن الدولة و المجتمع من الأعداء ، و أحياناً يستخدم مصطلح الجند و الجنود و الجيوش و المقاتلين ككلمات مرادفة .
يتضح إن مصطلح المجتمع المدني هو المصطلح المناقض لفكرة عسكرة المجتمع ويذهب كثير من المفكرين إلى إن فكرة المجتمع المدني جاءت لمواجهة ظاهرة عسكرة المجتمعات
المطلب الثاني : التطور التاريخي لظاهرة عسكرة المجتمع
يتضح من خلال التتبع التاريخي لتطور البشرية إن العسكرية قد إرتبطت بصفات و خصائص معينة فليس كل شخص يصلح لأن يدخل في عالم العسكرية ، و في الكتابات اليونانية القديمة نجد إن فلاسفة أثينا و إسبرطة على سبيل المثال ( إفلاطون ) قد قسم وظائف المجتمع إلى طبقات بناءاً على الخصائص المميزة لكل طبقة ، وقد تم تلخيصها في ثلاثة طبقات :
1 ـ الطبقة الأولى : و هم يتميزون بالحنكة و الفطنة و هؤلاء يصلحون لأن يكونوا قادة الدولة و رجال سياسة .
2 ـ الطبقة الثانية : يتميز أفرادها بالقوة الجسدية و المهارة في فنون الحركة و المراوغة وهؤلاء يصلحون لأن يعملوا كجنود و مقاتلين لحماية الدولة من الأعداء و تنفيذ قرارات طبقة رجال السياسية .
3 ـ الطبقة الثالثة : حيث يتميز أفراد هذه الطبقة بالوسطية بين الطبقتين فهم ليس لهم القدرة الكافية من الفطنة و الحنكة التي تؤهلهم ليكونوا رجال دولة و لا القوة الجسدية المهارة الكافية التي تؤهلهم لأن يكونوا جنود في صفوف الجيوش ، و بالتالي يصلح أفراد هذه الطبقة لأن يكونوا فلاحين يحرثون الأرض و يوفرون طعام المجتمع .
أساليب عسكرة المجتمعات
هنالك إسلوبين لعسكرة المجتمع هما :
1 ـ إسلوب العسكرة من الداخل
وهي الذي تقوم به مجموعة أو طبقة العسكريين من داخل المجتمع كما هو الحال في كثير من دول العالم الثالث ، وينقسم إسلوب عسكرة المجتمع من الداخل إلى نوعين أساسيين هما عسكرة المجتمع من أعلى و عسكرة المجتمع من أسفل :
أولاً : العسكرة من أعلى :
و يتم ذلك خلال حدوث إنقلاب عسكري في المجتمع و من ثم فرض تعاليم و مبادئ العسكرة على المجتمع وذلك من خلال الاتي :
أ ـ تعيين رئيس عسكري للدولة و تولى الجنرالات لقيادة المجتمع .
ب ـ إلغاء القانون الساري في الدولة و إستبداله بقانون عسكري أو قانون الطوارئ.
ج ـ حظر نشاط الأحزاب السياسية و جميع المؤسسات السياسية .
د ـ حل النقابات و مؤسسات المجتمع المدني أو السيطرة عليها و توجيه نشاطها .
هـ ـ تحطيم الروح المعنوية للمجتمع وذلك من خلال رفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة و الجنود .
ثانياً: عسكرة المجتمع من أسفل
وهو قيام طائفة أو جماعة أو حزب سياسي بنشاطات عسكرية مثل التدريب العسكري أو الدخول في حرب مباشرة مع الحكومة أو جهة محددة ، مثال ذلك العسكرة التي تقوم بها الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة ، جماعة بوكو حرام ، حركات التمرد ....الخ .
مبررات العسكرة من الداخل
هنالك مجموعة من الأسباب و المبررات التي تؤدي إلى عسكرة المجتمع من الداخل ، يمكن الإشارة إلى المبررات الأتية :
أ ـ الإستقلال : حيث أكدت كثير من الوقائع إن إستقلال و تحرر كثير من دول العالم من الإستعمار قد يؤدي إلى بروز عسكرة المجتمعات ؛ خصوصاً إذا نالت الدولة إستقلالها عن طريق حروب و صراعات مع قوات المستمر فعندها تنشئ روح الإستعلاء لدي العسكريين بإنهم هم من جلبوا للدول الإستقلال و قادوا عملية التحرر و طرد المستعمر الأمر الذي يجعلهم يشعرون بإنهم هم من يستحق حكم البلاد و تولى قيادتها .
ب ـ الجهل : هنالك نظامين من أنظمة الحكم قد إرتبطا بمستوى الجهل في المجتمع و هما النظام العسكري و النظام الملكي ، يؤدي الجهل إلى عدم معرفة الشعوب و المجتمعات بحقوقها ، كما تقل قدرتها على التنظيم و الأدارة الأمر الذي يقود إلى تفشئ مجموعة من الظواهر السالبة ، فيما دلت الوقائع على إن هنالك علاقة وثيقة بين الوعي و التعليم والأنظمة الديموقراطية أو النظم العادلة .
ج ـ التعددية : تلعب التعددية دوراً مهم في نشوء ظاهرة عسكرة المجتمعات ؛ حيث تقود التعددية إلى حدوث الصراعات بين الأطراف ( قبائل ، أحزاب ، جماعات سياسية ، أقليات ...الخ ) الأمر الذي يسهم في إضعاف المجتمع المدني في الدولة و هنا يتدخل العسكريين لإحتواء الصراع القائم بين الأطراف ، خاصةً عندما تفشل الدولة في معالجة هذه المشكلة ـ مشكلة التعددية ـ ، وقد يتم ذلك من خلال قيام العسكريين بإنقلاب ضد السلطة القائمة .
2 ـ إسلوب العسكرة من الخارج
وهو قيام دولة خارجية بالتدخل العسكري في دولة ما و من ثم تظهر عسكرة المجتمع في شكل حركات مقاومة و حرب عسكرية كما حدث في التدخل الأمريكي في الصومال عام 1991م أو تدخل صدام حسين في الكويت ، و عسكرة المجتمع العراقي من خلال الغذو الامريكي للعراق عام 2003 ، أو التدخل العربي في اليمن .
مبررات عسكرة المجتمع من الخارج
يوجد سببين لتدخل في شؤون الدول عسكرياً و التي تقود مباشرةً لظاهرة عسكرة المجتمع هما :
الأول : حماية الأمن القومي
يحدث ذلك عندما تصبح الدولة مهددة لأمن الدول الأخري مثل التهديد الناتج من دول الجوار ، و من أجل الحفاظ على أمن الدولة و إزالة الخطر فإنه تضطر إلى إستخدام القوة من خلال التدخل العسكري مباشرة في الدولة المجاورة مثل غزوة صدرام حسين للكويت بغرض حماية أمن العراق القومي أو التدخل الكيني في الصومال لمواجهة تنظيم المحاكم الإسلامية .
الثاني : حفظ السلم و الأمن الدولي
وهو تقوم به هيئة الأمم المتحدة حيث نص ميثاق المنظمة على التدخل العسكري في أي دولة أو منطقة تهدد الأمن الدولي و التدخل العسكري الخارجي في دول قد يكون جزئي يرتبط بمناطق التهديد أو كلي يتعلق بالدولة المجاورة ككل .

المطلب الثالث : عسكرة المجتمع في السودان
بدأت عسكرة المجتمع السوداني بظاهرة انتشار السلاح وهي مظهر من مظاهر عسكرة المجتمع وقد ارتبطت ظاهرة انتشار السلاح في السودان باستخدام الأسلحة الخفيفة مع بداية تمرد الكتيبة الإستوائية في توريت بجنوب السودان في عام 1955م كان مقتصراً على حركات التمرد في مصادماتهم مع الحكومة والجيش السوداني في ذلك الوقت ، وقد شهدت الفترات 1964 الي 1968 تزايد مستمر في انتشار السلاح في السودان ، ثم أنتشر السلاح بصور أكبر حتي أصبح ظاهرة ملفتا للنظر في الفترة من 1983 الي 1985 نتاج لتزايد العنف المسلح في الجنوب .
في عام 1987 توسعت دائرة الحرب و القتال بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية وعندما اقتربت قوات تمرد من بعض المناطق الأستراتيجية كبيرة وبدأ جنود الحركة الشعبية ينهبون الأبقار وبعض المتاجر مما دفع الحكومة السودانية لتبنئ سياسة عسكرة المجتمعات من خلال توزيع سلاح على المواطنين بصورة مباشرة لحماية انفسهم ، كما قامت بتجنيد الشباب وتدريبهم على استخدام البنادق
استخدمت الحكومة السودانية في فترة ما بعد 1990م سياسة أدت إلى عسكرة القبائل و المجتمعات الرعوية وكان الغرض من تسليح القبائل حماية مواشيهم من استهداف قوات الجيش الشعبي ، أدت هذه السياسية إلى ان تعمل هذه المليشيات جنباً الى جنب مع القوات المسلحة السودانية في محاربة الجيش الشعبي .
خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2003 توسعت عمليات النهب المسلح في غرب السودان وفي ذات الوقت بدأت بوادر مشكلة دارفور تظهر في الأفق ، حيث أستمرت الحكومة في سياسة دعم القبائل و بعض الجماعات ( الجنجويد ) ولكن استطاعت كثير من هذه القبائل و المجموعات ان تصبح قوى مسلحة مستقلة ثم تطور الامر حتى ظهرت مجموعة من الحركات المسلحة في دارفور حركات كبرى لها وزنها العسكري في ميادين القتال و قوتها السياسية في طاولات التفاوض و اصبح امتلاك الأسلحة مسألة متأصلة في الثقافته والتقاليد وجاء تفاقم انتشار الأسلحة الصغيرة كنتيجة لانعدام الاستقرار السياسي وما نجم عنه من صراعات بين القبائل المختلفة أدت كذلك التوترات الامنية الى سوء استخدام الأسلحة الصغيرة .
عسكرة المجتمع السوداني في عهد الإنقاذ
جاءت حكومة الانقاذ عبر بانقلاب عسكري في 30 يونيو1989 ، وقد ذهب كثير من المحللين على إن فترة الانقاذ هي أكثر الفترات التي انتشرت فيها ظاهرة العسكرة ، أستمرت الانقاذ كغيرها من الحكومات بسياسة عسكرة المجتمع و تجييش قطاعات كبيرة من الشعب السوداني عبر معسكرات ( الدفاع الشعبي ) التي نشطت في بداية التسعينيات و استمرت حتي الآن و إن كانت قد شهدت تراجع نسبي في الوقت الحالي .
استخدمت حكومة الانقاذ مجموعة من الاساليب لعسكرة المجتمع السوداني و التي تمثلت في الاتي :
1ـ إعلانها للجهاد في جنوب السودان و إعتبار ان الصراع مع الجنوب هو صراع ديني بين مسلمين وكفار .
2 ـ استخدام سياسة التجنيد الإجباري في كافة الولايات التي تتبع لسلطة الحكومة و تسيطر عليها .
3 ـ رفع مكانة وقيمة العسكريين في أعين المواطنين من خلال ( برنامج ساحة الفداء )
قادت سياسات الحكومة لرفع درجة الروح العسكرية لدي قطاع كبير من المجتمع السوداني الأمر الذي أدي إلى تزايد معدلات إنتشار السلاح حتي إضطرت في عام 1993 لإصدر قأنون الأسلحة والذخيرة بغرض خفض ظاهرة إنتشار السلاح في المجتمع السوداني حيث تتلخص أهم أهداف هذا القانون في الأتي:
1ـ تنظيم استيراد وتصدير ونقل الأسلحة والذخائر.
2ـ وضع إجراءات وشروط الترخيص لإمتلاك واستخدام الأسلحة .
3ـ حدد القانون اقصي عدد من الأسلحة التي يستطيع الشخص امتلاكها بمسدسين فقط
4ـ ضرورة عرض المعلومات و البيانات التي تتعلق بالكمية الأسلحة والذخيرة التي يمكن استيرادها وتصديرها
5ـ توضيح فئات الاشخاص المسموح لهم بحمل الأسلحة وماهي الأسلحة التي يسمح لهم بحملها
بالرغم من ذلك ظلت ظاهرة انتشار الاسلحة مستمرة في السودان و تحولت من الظاهرة الي الثقافة خصوصاً في مناطق النزاعات ، حتي أصبح كل فرد بلغ الثامنة عشر أو اكثر قادر إستخدام كافة انواع الاسلحة ، فضلاُ عن انه في كل منزل تتوفر مابين قطعتين الى ثلاثة من السلاح .
المطلب الرابع : أساليب عسكرة المجتمع السوداني
شهد المجتمع السوداني نوعين من أنواع العسكرة الداخلية و الخارجية تفصيلها كالاتي :
أولاً : عسكرة المجتمع السوداني من الداخل :
إستخدمت كثير من الأحزاب السياسية السودانية إسلوب عسكرة المجتمع وذلك من خلال عمليات التدريب العسكري لكوادرها سواءً كان ذلك داخل الاراضي السودانية أو في دول الجوار و هو إسلوب العسكرة من أسفل .
أما إسلوب عسكرة المجتمع من أعلى فهو الذي يتم فيه الإستيلاء على السلطة من خلال إنقلاب عسكري وقد شهد السودان حدوث ثلاثة إنقلابات عسكرية إستطاعت إن تسيطر على الحكم في السودان وهما إنقلاب الفريق عبود 1958م و إنقلاب المشير جعفر نميري 1969 و إنقلاب العميد عمر البشير1989م .
ثانياً : عسكرة المجتمع السوداني من الخارج
إن عسكرة المجتمع السوداني من الخارج حسب الإطار النظري الذي سبق ذكره وذكرنا فيه إن عسكرة المجتمع من الخارج هو تدخل دولة خارجية أو مجموعة من الدول عسكرياً في دولة ما ، وقد تم هذا النوع من خلال تدخل القوات الأممية في دارفور المعروفة باسم ( يوناميد ) كأكبر بعثة عسكرية في تاريخ الأمم المتحدة ترسلها لمناطق النزاعات ( حوالي 26) الف جندي من مجموعة من الدول .
المطلب الخامس : إنعكاس ظاهرة العسكرة على سلوك المجتمع السوداني
أدى إنتشار ظاهرة العسكرة في السودان إلى إنقسام المجتمع السوداني إلى ثلاثة طبقات لكل طبقة سلوك إجتماعي :
1/ طبقة العسكريين الأقوياء
وهي تمثل الطبقة القوية لانها تتمع بلسطة عسكرية قادرة بواسطتها إخضاع بقية طبقات المجتمع ، ويتميز سلوك أفراد بعض هذه الطبقة بالإستعلاء الذاتي تجاه الأخر و النظر إليه من منظور الدون ، يقوم أفراد طبقة العسكريين بإظهار سلطاتهم و صلاحياتهم من أمام أعين المواطنين على سبيل المثال تجد العسكري في السودان يقوم بأظهار مسدسه بصورة واضحة ليراه الأخرون ويستخدمه في المناسبات ، و من جانب أخر تلاحظ العسكريين من الرتبة العليا لا يكادون يغيرون ملابسهم الرسمية فيذهبون بها إلى العمل و الي المناسبات و الاجتماعات حتي المؤسسات العلمية مثل الجامعات ، لتجسيد مظاهر القوة .
2/ طبقة المقربين
وهم ليس عساكر بصفة رسمية و إنما يتمتعون بنفس السلطات التي يتمتع بها الأفراد في طبقة العساكر لأنهم أقرباء و أصدقاء العسكريين ، ففي السودان أصبحت سلطة العسكري سلطة ممتدة ، فعندما ينتمي الفرد إلى أي مؤسسة عسكرية في السودان يعني ذلك إمتداد سلطات وصلاحياته لكل أفراد الأسرة و المقربين منه ، هنالك بعض المصطلحات التي تستخدم في السودان و التي تؤكد حقيقة هذه السلطة الممتدة مثل : ( ود اللواء ، بت اللواء ، زوجة اللواء ....لخ .
3/ طبقة المواطنين ( الملكية )
وهي الطبقة التي لا تضم الطبقتين السابقتين ، فأفراد هذه الطبقة هم ليس عساكر أو لهم أقراباء ينتمون لأي مؤسسة عسكرية ، ويسميهم العسكريين في السودان باسم ( الملكية ) ، ولما كان أفراد هؤلاء الطبقة ضعفا فإنهم غالباً ما يكون سلوكهم الإجتماعي مبنئ على أساسين :
الأول : تعظيم رجال العسكر و رفع مكانتهم .
الثاني : الخوف و الحزر من أقرباء العسكريين و عدم التعرض لهم .
دلت تقارير المحاكم في السودان إن المادة ( 193 ) المتعلقة بإنتحال شخصية النظاميين في المؤسسات العسكرية هي واحدة من أكثر الجرائم إنتشاراً ، حيث يميل كثير من الشباب السوداني إلى إنتحال شخصية وصفة العسكريين و رجال الأمن وهذا السلوك يرد إلى إحتمالين:
1 ـ تزايد عدد العسكريين في المجتمع وتفشئ روح العسكرة في السودان .
2 ـ أو كتعبير عن رغبة الفرد في الإنضمام للصفوف العسكريين .
كذلك هنالك ملاحظة ثالثة وهي تزايد حجم مبيعات العاب الأطفال مثل الالعاب النارية و المسدسات و الدبابات و غيرها فهي أكثر الاشياء المحببة لأطفال السودان ، و كذلك شراء و لبس الملابس العسكرية فكيف سيكون حال هؤلاء الاطفال في المساقبل ؟ .
أثر عسكرة المجتمع على السلوك السياسي السوداني
إن أكبر أثر ترتب على عسكرة المجتمع السوداني من الناحية السياسية هي ظاهرة ( عسكرة السياسة في السودان ) والتي يمكن التعرض إليها في المؤشرات الأتية :
1 ـ أصبح السلاح و العنف المسلح هو الطريق المفضل للوصول إلى السلطة و المشاركة في الحكم ، مثل : حصول الحركة الشعبية و حركات دارفور على مناسب سيادية وقيادية في السودان بعد إستخدامهم لسياسة العنف و القوة مع الحزب الحاكم .
2 ـ تراجع دور التنشئة السياسية و إستبدالها بظاهرة التدريب العسكري لمواجهة متطلبات الواقع .
3 ـ بروز حكومة وطنية غير متحدة أو متناسقة من حركات مسلحة ، و جماعات متمردة واحزاب سياسية الأمر الذي يجعل عمل الحكومة غير متناغم أو موحد لوضع سياسة قومية شاملة .
4 ـ إن وصول كثير من الشخصيات و الحركات إلى السلطة عن طريق العنف و القوة أدي إلى تزايد عدد الحركات المسلحة الامر الذي سيزيد من تزايد العنف و يهدد الأمن القومي السوداني .
الآثار الإقتصادية لسياسة عسكرة المجتمع السوداني
1 / تراجع معدلات التنمية و نمو الناتج القومي للإقتصاد السوداني وذلك بسبب وجود طبقة كبيرة من العسكريين و تزايد مرتباتهم و مخصصاتهم المالية .
2 / تغيير مسار القوى العاملة من قوة منتجة إلى قوة عسكرية غير منتجة ، حيث أدى تزايد مميزات العسكريين و كبر حجم مخصصاتهم المالية إلى دفع كثير من الشباب السوداني للإنضمام لهذه المؤسسات العسكرية .
3/ تحويل ميزانية السودان السنوية من ميزانية إقتصادية إلى ميزانية حرب بسبب تزايد العنف و العمل العسكري .
المطلب السادس : أثر العسكرة و انتشار السلاح على الامن القومي السوداني

1ـ انتشار الجرائم
ظهرت جرائم متعددة نتيجة انتشار السلاح غير المشروع مثل حادثة مسجد الثورة فى العام 1992 وحادثة مسجد الجرافة وكثير من الحوادث المؤدية الى الموت او الاصابات البليغة نتيجة لاستخدام السلاح فى مناسبات الزواج وقد قامت سياسة الانقاذ بتجييش قطاعات كبيرة من الشعب السوداني عبر معسكرات الدفاع الشعبي التي نشطت في بداية تسعنيات القرن الماضي في عملية عسكرة الشعب لمواجهة ما يسميه النظام ( اعداء العقيدة والوطن ) في اشارة للتمرد ، وكان القصد من العسكرة استخدام المواطنين في الحرب التي كانت تدور في جنوب السودان

2ـ ظهور المجرمين المسلحين
اصبحت الشرطة السودانية فى بعض الاحياء الطرفية فى ولاية الخرطوم مثل الكلاكلة والحاج يوسف تواجه بمقاومة مسلحة لمجرمين ينتشر بينهم السلاح مما قد يؤدي الى نوع جديد من الجرائم التي لم تكن مألوفة للسكان خصوصاً سكان ولاية الخرطوم

3ـ التوظيف القبلي للسلاح
تعيش القبائل الرعوية في أطراف الولايات وكمحصلة للثقافات والقيم المختلفة وندرة الموارد وفرص العمل غالباً ما تحدث النزاعات بين الأفراد والمجموعات وتتسم النزاعات القبلية باستخدام الأسلحة النارية فقد أصبح امتلاك الأسلحة شيء ضروري للقبائل الرعوية التي تستخدمها لحماية عائلاتها وقطعان مواشيها ، خاصة مع عدم توافر الحماية من المؤسسات العسكرية و الأمنية ، حيث تقوم هذه المجتمعات بالتعويض عن الفراغ الأمني بامتلاك الأسلحة و التدرب على مهارات القتال و فنون الحرب فيتعسكر المجتمع بصورة لا إرادية ، من جهة أخرى يرى البعض أن السلاح هو رمز للفروسية والرجولة وأن البعض يمتلكها فقط بدافع المباهاة بين أفراد المجتمع
انتشرت كثير من الاسلحة مثل بنادق كلاشنكوف – بنادق جيم 3 – جيم 4 وبعض البنادق المعدلة محليا وبعض المسدسات وبنادق الصيد والرماية. معظم هذه الأسلحة تتم حيازتها بصورة غير مشروعة من مناطق الحروب والنزاعات المسلحة والتي تسربت عبر الحدود وتجار الأسلحة ثم وصلت أطراف المدن مع حامليها.
4 ـ استغلال تجارة السلاح
في أعقاب صدور مذكرة توقيف الرئيس عمر البشير من المحكمة الجنائية الدولية اعلن متجر "هابى هوم" لبيع الأسلحة الذي يقع في شارع الجمهورية بالخرطوم عن تخفيضات هائلة في أسعار السلاح ، يتضح من هذا الإعلان في ظاهره إنه يحث المواطنين السودانيين على التسلح للدفاع عن إنفسهم ، ولكنه في ذات الوقت يشير إلى إستغلال تجار السلاح في السودان ، و تؤكد بعض التقارير إنه في ولاية الخرطوم كان يوجد بها حوالي 48 فصيلاً مسلحاً يعيشون في الأحياء السكنية وسط المواطنين المدنين .
5 ـ انتشار محلات بيع الاسلحة
يوجد في الخرطوم ( 28 ) محلا لبيع السلاح وتحمل جميعها تراخيص من المباحث الجنائية القومية، غير أن هذه المحالات ليست هي المصدر الوحيد لشراء السلاح، فهناك سلاح يُباع أيضا بوفرة فى السوق السوداء (الكيرى)، حيث تعد الخرطوم أكبر سوق أسود لبيع السلاح.
هناك في السودان اربعة مليون معاق بسبب الحروب وانتشار الأسلحة والألغام فى الجنوب ودارفور ومناطق اخرى، هذا إضافة إلى عدد كبير من القنابل التي لم تنفجر بعد والتي سقطت خلال الحرب الأهلية ولا تزال موجودة وسط المدنيين.
وجود الفصائل المسلحة بين المدنيين حوالي 48 فصيل وأغلب الفصائل المسلحة التي سكنت الخرطوم هي ميليشيات صنعتها الحكومة السودانية بنفسها إبان حربها ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الجنوب وقبل اتفاق السلام الشامل بنيفاشا،
6 ـ تهديد أمن الجنوب و المناطق الحدودية
كانت حكومة الخرطوم تستخدم مجموعة من المليشيات لتأمين البترول فى مناطق اعالى النيل و كردفان من الهجمات المحتملة للجيش الشعبى ولكن بعد انفصال الجنوب أصبحت هذه المليشيات مهدد لأمن دولتي الجنوب و الشمال ففي الجنوب اصبحت متمردة على حكومة الحركة الشعبية ،كما ان بعض هذه المليشيا لا تزال موجودة حتى اليوم فى منطقة الكلاكلة بالخرطوم ومنطقة الفتيحاب بامدرمان. المليشيات الموجودة في الأحياء السكنية تقوم بترويع المواطنين الامر الذي يؤدي الي تزايد اعمال العنف و انتشار الجريمة و يزيد من الرغبة في امتلاك السلاح وكثير من المواطنيين قد رحلوا الى منطقة اخرى خوفا على حياتهم.
علي الصعيد الاجتماعي اصبحت ثقافة العنف مستشرية فى كثير من طبقات المجتمع السودانى. وثقافة رفض الاخر وعدم تقبله واحتقاره والتراتبية الاجتماعية الموجودة فى المجتمع السودانى وان هذه الثقافة هى التى تحرك السلاح.
7 ـ تزايد تجارة السلاح غير المشروع
الكيرى او السلاح غير القانونى في السوق الاسود وتعتبر الخرطوم اكبر سوق لبيع السلاح الكيرى فى السودان تاتى بعدها ولاية النيل الازرق، واكثر اماكن بيعه هي مدينة امدرمان ، عن ان هذه المهنة مربحة جدا لانها محصورة بين اناس محددين، ولان قطعة السلاح فى الاسواق السوداء تباع بأضعاف سعرها الحقيقى ولكن ثمة أسئلة يمكن ان تطرح تتمثل في : من أين إستجلب المواطنون الاسلحة الثقيلة؟ وكيف يتحصلون على الذخائر بشكل دوري يمكنهم من اطلاق أعيرة النار ؟ وأين هي الجهات التي تعمل على صيانة السلاح ونظافتة ؟
ان سوق السلاح تكون رائجة عند الاضطرابات الامنية فى البلد كاحداث امدرمان فى العام الماضى،وبان سعر السلاح ارتفع بشكل مذهل، واصبحت مصادر السلاح هي من القوات المسلحة السودانية واجهزة الامن، خاصة عندما يؤمروا بنقل السلاح فيقومون ببيع جزء منه وكانت من نتائج كل ذلك هي حالة عدم الاستقرار الذي يشهده السودان الان و تراجع معدلات التنمية و التطور و تزايد الحروب و الصراعات
النتائج :
أولاً : بدأت ظاهرة العسكرة في السودان بعد إستقلال الدولة السودانية ، وقد إرتبطت كثيراً بالإنقلابات العسكرية ، إلاَ إنها تطورت بصورة ملفتا للنظر في الوقت الحالي ، بسبب دمجها بالعامل الديني و الفكري و السياسي و القبلي ، كما شهد السودان نوعين من العسكرة الداخلية و الخارجية .
ثانياً : أثرت ظاهرة العسكرة سلباً على عملية بناء و تطور الدولة السودانية و السلوك المجتمعي للشعب السوداني و أدت الي تقسيم المجتمع الي طبقات إستناداً على أساس السلطة و القوة .
ثالثاً : لم تقف ظاهرة العسكر على عسكرة المجتمع السوداني فقد بل إمتدت لتشمل مؤسسات المجتمع المدني ، كما شهدت كثير من المؤسسات العسكرية حدوث إنشقاقات و تمرد في صف المؤسسة الواحدة ، وهي التي قامت بعدد من المحاولات الإنقلابية .
رابعاً : أدت عسكرة المجتمع إلى تزايد ظاهرة إنتشار السلاح و عسكرة السياسة في السودان مما جعل كثير من الحركات المسلحة تعتمد على سياسة ( حارب في الميدان و فاوض في المنصة ) الأمر الذي جعل الدولة السودانية في حلقة مفرغة بين العسكرة و التدهور .
التوصيات :

أولاً : الإعتماد على سياسة التداول السلمي للسلطة و ترسيخ التطور الديمقراطي وتشكيل ثقافة تؤسس لمجتمع مدني يؤمن بالحرية والمساواة و العدالة للجميع .
ثانياً: العمل على تأهيل وتقوية منظمات المجتمع المدني للقيام بدورها بأكمل صورة
ثالثاً : وجود دستور شامل متفق عليه يحدد الحقوق و الواجبات و يحمي جميع أفراد الشعب السوداني و عدم التهاون في تطبيق نصوصه على كل من يعتدى على أي فرد .
رابعاً : التركيز علي التنشئة السياسية والتربية الوطنية ونشر التعليم والثقافة السلام بدلاً من التدريب و التجيش و العسكرة لفئات الشعب السوداني .
خامساً : الإستفادة من التجارب الإقليمية و الدولية و الإنسانية التي تتشابه حالتها مع الحالة السودانية .
ـــــــــــــــ
الأستاذ : عمر يحي ، جامعة الزعيم الأزهري ، كلية العلوم السياسية و الدراسات الإستراتيجية ـ السودان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن