الطاهي الداهي

فيليتسيا البرغوثي
vilitcia@gmail.com

2015 / 11 / 20


الداعشية تركيبة من خلطة أعدت لطبخة دسمة قذرة، الطاهي فيها ماهر جدا، عرف كيف يمر مرور "الكرام" بوجبته ليفتح شهية اللاكرماء من الجبناء على مزيد من الغبن الغباء. أدرك هذا الطاهي شراهة الالتهام وسر الإدمان على هذا الالتهام، وعلم جيدا أن وجبته تروق لملايين البطون ومعِداتهم، موحدا "الذوق" العربي والغربي في فنون الالتهام، برغم الاختلاف الكبير في ثقافة التذوق لهوية الأشياء وأصولها ونهاياتها. وجبة هذا الداهي، وحّدت المذاقين، مذاق يلتهم في العلن بوقاحة ودون أي اعتبار لشيء، وآخر يلتهم في السر بخبث مغلف بأغلفة براقة وجذابة لناظرها وسامعها . لكن اللغز ليس في الطبق المعّد ولا في تلك الوجبة، بل في سِر وصفتها ومكوناتها، سِر يمتلكه الطاهي وحده. الطاهي "المجهول" الهوية والجنسية والجغرافيا والدين والثقافة،"اليتيم الأبوين" كيف لا والكل ينكره و الكل يدّعي ان لا صلة له لا من بعيد ولا من قريب، لا بل الكل يدعي انه عدوه اللدود. أما البحث عن هوية الطاهي وأصله وجذوره فسيبقي غائما ضبابيا بضبابية النوايا ، ومعقدا بتعقيدات الحالة. وتائها بضياع الأجندة.
الطاهي الداهي "الذكي" أدرك تفاهة وسطحية الأذواق و جاحتهم الملحة للالتهام، فقرر ان يعذي هذه النزعة مستثمرا في الرغبة الملتهبة المكبوته والمقيدة، ونزعات الانتقام وليدة الفقر والحرمان والكبت الخوف وحب السلطة والمال. هذا الطاهي استثمر بامتياز ودهاء بهذا الجهل المستفجل لذوي الرؤية المحدودة، وجهلهم بلغز الهيمنة، وانبهارهم بالقشور، وواصل طهو وجبته على نار هادئة أحرقت العالم بدخانها، وأبقت على وقود الشر في جعبتها وبين تفاصيل وصفتها "السحرية". وجبة قذرة"شهية" للأشرار انصهرت في معدنها الفاسد وحالتها المادية الشهوانية، المغذاة من وهم الإدعاء وزيفه. دعوهم يتسوقون من "سوق الصبايا" لاختطاف الزوجات الكثيرات الصغيرات الطفلات، دعوهم يغتصبونهن كي لا يستيقظوا من سباتهم ويحلموا "بجواري الجنة" اللواتي سيأتين لهم من كل صوب، بعد كل حريق يشعلوه.
الطاهي "الماهر" أدرك جيدا كيف يتلاعب في "شؤون النفس البشرية" الهشة ليعد وجبته، وعرف كيف يمد جسور التواصل لاجزاء تلك الوصفة التي عبرت حدود الأرض وحدود السماء، فأدواته كانت وسيلته، النفس الساكنة في الظلام والخراب المعرفي، والعارية فوق اللباس، التواقة للجنس والمال والثروة والهيمنة و الاستعمار و"النجومية" قبل الموت وفيه وبعده. الطاهي عرف كيف سيوحد أجزاء وجبته ليجزأ العالم ويتفرد وحده بمطبخه.
الطاهي ينطر من نافذة مطبخة "كمتفرج محايد" يفكر في وصفة لوجبته القادمة التي سيعيد بها ملأ خزانة الطافح برأس المال من المخزون الفارغ من القيم والمشبع بالخرافات. الطاهي سيوقع عقد صفقته الجديدة مع جذور الظواهر من جديد ليعذي نزعته في الشر والانتقام والاختلاس ويؤكد على مهارته في الطهو السري، تاركا الشرفاء في حيرة السؤال عن مكمن الإنشطارات يتحققون من سلامة أدمغتهم التي استعصي عليها احتمال ما لا يحتمل.
لكن ما لا يدركه هذا الطاهي أن موته أصبح "حتميا" وأنه سيقتل يوما بأدوات طهوه ذاتها. فمنطق "الأقزام" الذي يمس "قداسة" الذات الإنسانية وحقها الطبيعي في حياة آمنة، سيدفن يوما ويداس تحت الأقدام.
المجد في السماء لكل شهداء الأرض وأحرارها، والمجد في السماء لكل ضحايا التفجيرات الإرهابية في كل بقاع الأرض. والموت للطاهي الداهي ولمن يقف خلفه وأمامة وبجانبه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن