قراءة في نص - جفر...- للقاص توفيق صغير المتلوي

عماد ابو حطب
imadabouhatab@yahoo.de

2015 / 11 / 16

قراءة في نص " جفر..." للقاص توفيق صغير المتلوي
***************************************************
النص/
جَفْـــــــــــرٌ ... (ق ق ج)
سارَعَ إلى فِطْنَتِهِ الأولىَ..
اِسْتَعَارَ دمْعَتَيْنِ منْ مُقْلَةٍ قُذَامٍ، ثمَّ أمَرَ الرُّمَاةَ أنْ يَهُبُّوا...
كانَ شعْبُهُ يسْتَسْقِي خَطـــيئَتَهُ بشَغَفٍ..
أرْسِلَ عليْهِ مَنْ يطْمُرُ المُقَلَ.
**************************************.
القراءة:
العنوان عتبة النص...واستاذنا العزيز توفيق صغير المتلوي عنون نصه بجفر ومعناها المباشر البئر وان أردفت بما يفهم من المعنى الحرفي لمقلة قذام ويطمر البئر كنا امام قراءة مباشرة وإسقاط مباشر للكلمات على النص...فهل هذا ما يوصله لنا النص أم أن العنوان يخفي ما هو ابعد من هذا؟سأحاول أن أقدم قراءة غريبة لكنها ما سيطر علي عند قراءة النص مرارا.
عودة إلى مفردات النص
المَقْلُ : أسفلُ البئر
انغمس في الماءِ حتى جاءَ بالمَقْل : هو الحصى والتراب قذام : واسع .
- قذام : « بئر قذام » : كثيرة الماء
الجَفر : البِئْرُ الوَاسِعَةُ
جَفْـــــــــــرٌ ... (ق ق ج)
سارَعَ إلى فِطْنَتِهِ الأولىَ..
اِسْتَعَارَ دمْعَتَيْنِ منْ مُقْلَةٍ قُذَامٍ، ثمَّ أمَرَ الرُّمَاةَ أنْ يَهُبُّوا...
كانَ شعْبُهُ يسْتَسْقِي خَطـــيئَتَهُ بشَغَفٍ..
أُرْسِلَ عليْهِ مَنْ يطْمُرُ المُقَلَ. هل فعلا يقصد بالجفر البئر الواسعة ؟سأحاول ولوج النص انطلاقا من العنوان وبناء قراءة أساسها العنوان.واعتذر مقدما على التوسع في معنى العنوان ولكني أعتقد أنه مفتاح النص الاساسي.
كنت قد قرأت منذ أعوام بعيدة عن كتاب اسمه الجفر خاص بالعقيدة الاثنى عشرية وما أشيع عنه انه هو كتابٌ أملاه رسول الله محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) على سيدنا علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و فيه علم الأولين و الآخرين و يشتمل على علم المنايا و البلايا و الرزايا و علم ما كان و يكون إلى يوم القيامة و قد جُمعت في جلد شاة و هنا يوجد خطأ شائع فالمكتوب ليس مكتوب على جلد الشاة وانما جلد الشاة هو حقيبة حاضنه للكتاب.
والبعض أشار إلى ان عِلْمُ الجَفْرِ " : عِلْمٌ يَبْحَثُ عَنِ الحُرُوفِ مِنْ حَيْثُ دَلاَلَتُهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الحَوَادِثِ عَلَى انْتِهَاءِ العَالَمِ . انه كان مكتوب في جلد ثور صغير فسمي "الجفر" باسم الجلد الذي كتب عليه لان الجفر في اللغة هو الصغير ، وصار هذا الاسم عَلَمًا على هذا الكتاب عندهم.
وتعريف الجفر لغةً هو مولود الشاة حينما يكبر ويصبح لديه كرشا، لذلك فمن الراجح أن يكون اسم علم الجفر قد جاء منسوباً إلى ابن الشاة هذا سيما وأن هذا العلم كان يكتب على جلده، وعلم الجفر اصطلاحاً هو ذلك العلم الذي يدرس علاقة الحروف واستدلالاتها في استقراء أحداثٍ سوف تحدث في المستقبل. تباينت الأقوال في تبيان ماهية الجفر، ولكن معظم الأقوال إن لم يكن كلّها قد استفرد فيها أصحاب المذهب الاثني عشري من الشيعة، وحتى أقوالهم فيه قد جاءت متباينة، فمن قائل منهم وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام،وانه هو كاتبه وواضع كل الأقسام المذكورة فيه، وأن معلوماته عبارة عن نبوءات وأحداث ستحدث في المستقبل قد كشف الله له الغطاء عنها بأمر منه وبمشيئته، وأنه كتاب قد أملاه وسرده الرسول الكريم على سيّدنا علي ابن أبي طالب وفيه علوم الأولين وما سوف يكون إلى يوم الدين، وجاء في أدبيات أصحاب المذهب العشري أن أئمة الشيعة الاثني عشرة يتوارثونه فيما بينهم ولا يُطلعون على محتوياته أحداً سواهم، لأنه وحسب معتقدهم أن هذا الكتاب لم يطّلع عليه ولن يطّلع إلّا من كان نبياً أو وصياً لنبي. كما ورد عنهم – أي الشيعة الاثني عشرية – أن هناك كتابان من الجفر، أولهما يسمى كتاب الجفر الأبيض وهو التوراة الصحيحة التي نزلت على سيّدنا موسى عليه السلام، والثاني هو كتاب الجفر الأحمر أو ما يسمى بمصحف فاطمة والذي يحتوي حسب زعمهم تبياناً وذكراً لجميع الحوادث والأحداث التي ستحدث وستكون ومن سيولدون حتى يوم قيام الساعة ومن بعدها القيامة، وفيه أيضاً تبياناً لجميع ما يفيد المسلمين من أمور دينهم ودنياهم المختلفة، وقد أوردوا بهذا الصدد كلاماً نسبوه إلى الإمام الصادق عليه السلام يفسر فيه ويشرح عن المقصود بكتاب الجفر كلاماً جاء فيه بأن محتوياته عبارة عن وعاء من أديم الأرض يحتوي جميع علم النبيين والعلماء من بني إسرائيل. وقد ورد في كتاب الكافي وهو الكتاب المعتبر والمرجع الأول لدى الشيعة الاثني عشرية أقوالاً وأحاديث جمة وكثيرة حول كتاب الجفر الذي ورد فيه أن الأئمة قد أخبروا عن أربعة تفسيرات حول الجفر، أولها هو كتاب الجفر السالف ذكره، أما الثلاثة الأخرى فما هي إلّا مخازن وأوعية لمعلومات روحية قيمة، وورد في كتاب الكافي الزعم بالقول منسوباً إلى أبي الحسن عليه السلام قوله بما معناه: أن ابنه الأكبر علي، يشاركه النظر في الجفر الذي لا يطّلع عليه إلّا الأنبياء أو أوصياؤهم.
فهل لعلم الجفر الذي نعرف اليسير عنه علاقة بجفر كاتبنا؟
إن عدنا إلى النص هو جفر وهي كلمة غير معرفة وقابلة للتفسير في اتجاهات عدة حتى لو أخذنا تفسير البئر فهو ينطبق أيضا على كتاب جفر فهو كالبئر العميقة لا يقدر أي كان الوصول إلى مياهه إلا أن كان وصيا أو نبيا....فماذا حمل لنا جفر الكاتب؟ ومن الذي سارع إلى فطنته الاولى؟ ومن استعار دمعتين من مقلة قذام؟ قد يفسر هنا أن الفاعل مختلف في كلا الجملتين وان الفاعل الأول رمز لشيء مختلف عن الفاعل الثاني..وقد ذهب أستاذنا العزيز حسن فهمي إلى القول أن الأول الشعب الذي هب...أعتقد أن النص يتحدث عن شيء سياسي محدد عن وصف لنموذج بات سمة تتحكم في العباد والرقاب..فالجملة الأولى هو نفس فاعل الجملة الثانية :الراعي الذي ما أن يحس بأن الأرض تريد من تحت قدميه يسارع إلى فطنته الاولى...وهنا الفطنة تعبير عن الحيلة
والدهاء وقديما قيل: "الذئب لولا فطنته ليس بذئب....لا صار إلا حين ناور وكسر بالانياب" .
إذن من عاد إلى فطنته الأولى الذئب/الراعي/الحاكم/أو من تسيد على رقبة العباد.وكيف تكون الفطنة هنا ادعاء الفضيلة والتقوى (استعار دمعتين ) من( مقلة قذام) وهل هنالك أقوى وأكثر إقناعا لبني آدم وأكثر تعبير عن مقلة قذام من الدين والتدثر به وادعاء حمل لوائه ؟حمل لواء الدين دمعته الأولى وإخراج كل القتلة باسم الدين من سجونه كانت دمعته الثانية...هنا تقية واضحة ولعل لهذه التقية علاقة ما بالجفر؟خاصة أن مقلة قذام قد تكون تعبيرا عن شيء عميق كما وصف الجفر بأنه وعاء من أديم الارض.
اعتقد ان الكاتب بنى نصه على سمة محددة باتت مميزة لنا بعد ثورات الربيع العربي وهنا هنا إشارة واضحة إلى من تغطوا بغطاء الدين (مقلة قذام) وفي الوقت ذاته يسنون سكاكينهم لذبح الرعية (أمر الرماة أن يهبوا)...وباسم الدين أيضا يتحضر لذبحهم وبيد رماته الذين يرمون من بعيد ...لماذا الرماة ؟ الرماة لا يعرفون من هم وهكذا لا تعلم من خصمك...الرامي يقتلك وقد يكون أخاك أو اباك أو ابن عمك...أليس هذا ما نراه اليوم:حكام ورعاة فتحوا أبواب سجونهم ليخرج القتلة الذين باتوا يقتلون باسم الدين ونحن لا نعرف من أين يأتي الموت من حاكم يذرف دمعتين أم من رعية بيننا ومنا؟
وحتى عندما ثار الشعب واستسقى خطيئة الحاكم وأمل بالخلاص من خطاياه ارسل لهم من بينهم وباسم دينهم من سد أفق الخلاص عنهم وطمر المقل أي سد البئر وبماذا بكتابهم وبدينهم فاستحكمت الحلقة ضدهم.
ما علاقة هذا كله بالجفر ؟ التقية وادعاء معرفة الحقيقة و مآل الأرض وما عليها وهو ما برع به حكامنا أو من تسيد باسم الدين...احتكار الحقيقة والدين والمعرفة وباسم هذا كله تباد الشعوب. ..
يقال ان في الجفر إشارات لما يحدث الآن فهل جفر توفيق صغير المتلوي هو تعبير عن جفر لا يعلم عنه شيء إلا القلة القليلة؟
قد أكون غاليت وشطحت بعيدا...لكن النص يبدأ عادة من حيث انتهى الكاتب....ونصوص المتلوي تدفعنا عادة لتوقع ما هو غير متوقع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن