-التهجيص- في السياسة والإعلام

ناجح شاهين
najehshahin@yahoo.com

2015 / 11 / 3


هناك شابات وشبان شجعان يلقون الحجارة في مياهنا الراكدة. وهناك غالبية تستمتع ب "طيب المشاهدة والمتابعة". وهناك ساسة ومنابر إعلامية. معارك التحرر الوطني تحتاج إلى قلوب مؤمنة بالوطن ولا تهاب التضحية. ولكن ذلك لا يكفي: لا بد من نظرية تهدي الفعل، ولا بد من رؤية واضحة ودقيقة لما يجب أن نعمل، وكيف نعمله، ومتي، مع إدراك تقريبي لطبيعة الثمار التي سنجنيها، ودرجة حلاوتها أو مرارتها. لكننا نخشى أنه لا يوجد شيء من ذلك.
فضائية "القدس" تزين شاشتها بعبارة "الشعب ينشد حقه". ليس واضحاً ما هو الحق الذي تقصده العبارة. هناك اختباء واضح وراء العموميات. ولنلاحظ أن القرار السياسي هنا ملقى على عاتق كيان اعتباري محازي وجمعي هو الشعب. بالطبع لا يمكن أن يكون "الشعب" قد اتفق على أجندة سياسية معينة، ومن هنا فإننا أمام شعار ملتبس من النوع الذي سماه ديفد هيوم ومدرسته التجريبية بالفئة الفارغة التي لا تشير إلى شيء واقعي وملموس.
ويقدم الإعلام ما تيسر من تسجيلات وأغاني مما تراكم في الإرث المناضل في المنطقة. أحياناً يبدو ضرباً من المحال أن نربط الأغنية على أي نحو بما يجري في فلسطين. مثلاً أغنية أظنها لماجدة الرومي حول كفاح اللبنانيين في محطة سياسية تاريخية محددة تقول فقرة منها: "لبنان لن يمنحكم سلام الانتصار". أظن أن أحداً في لبنان ما عاد يبث هذه الأغنية، لكن من الغريب بالفعل أن يكون هناك حدث في الخليل أو نابلس أو قرب بيت ايل ثم تأتي الفضائية بهتاف "لبنان لن يمنحكم سلام الانتصار." أين الصلة؟ أغاني خبط عشواء تبث دون تفكير في هدف أو غاية.
أما رجال السياسة ونساؤها فينصب اهتمامهم أو جله على حشد الأرقام الإحصائية حول جرائم "إسرائيل". كأنهم امتهنوا دور منظمات حقوق الإنسان أو دور الصحافة. مع أننا نتوهم أن دور السياسي هو قيادة شعبه وتوظيف طاقاته من أجل إنجاز الأهداف الوطنية العامة.
في هذا السياق تحولت محكمة الجنايات الدولية إلى نشيدة يومية ولازمة يقفل بها كل حديث سياسي أياً كان صاحبه. لا يعرف الناس الذين يستمعون منذ دهر لتهديدات القيادات باللجوء إلى المحكمة أن "جيراننا" لم يوقعوا على ملاحق اتفاقية جنيف وأنهم تحفظوا على مليون تفصيل وتفصيل. كما أنهم لا يعرفون أن هذه المحكمة حبالها طويلة وواهنة، وعندما يحدث أن تأخذ قراراً فإن تنفيذه الفعلي يترك للدول وخاصة الدولة الأكبر في تاريخ البشرية التي هي راعي "إسرائيل" الأهم.
باختصار أقول لمن يتوهم أنه يخترع العجلة من جديد: فكرة حقوق الإنسان والمحكمة الدولية هي إعادة إنتاج لموقف السادات القائل إن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا، لأن أي كلام عن المجتمع الدولي الفاعل يساوي بالتقريب أمريكا وحلفاؤها.
الخطاب الفلسطيني في حاجة إلى إحكام وإلى تحديد صارم للمفاهيم ، لكن من سيقوم بذلك ؟ السلطة ، أم القوى الدينية أم "اليسار" وحلفاؤه في نطاق المنظمات غير الحكومية؟ لا جرم أن الخريطة السياسية الفلسطينية تعيش أزمة القديم فيها يموت والجديد لا يولد بعد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن