بحث في الإشكاليات اللغوية في القرآن

عادل العمري
adibrahim2001@hotmail.com

2017 / 9 / 4

بحث في الإشكاليات اللغوية في القرآن
(رواية حفص عن عاصم)
عادل العمري
(إصدار ثان منقح ومزيد)
فهرس:

تقديم
1- رسم ولغة المصحف
2- تاريخ الكتابة العربية وصناعة النحو العربي
3- عدم التطابق بين المعطوف والمعطوفِ عليه
4- إعراب المبني على الفعل
5- إنْ هذان لساحران
6- فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم
7- إنَّ الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم
8- ليس البر أَن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب
9- والوالدات يرضعن أَولادهن حولين كاملين لمن أَراد أَن يتم الرضاعةَ
10- كلمة (لات)
11- الحذف
12- زيادة الأحرف
13 - إشكالية (ويكأنَّ)
14- الهمز
15- التنوين
16- عدم المطابقة في الإفراد والتثنية والجمع
17- العاقل وغير العاقل
18- تأنيث المذكر وتذكير المؤنث
19- لغة أكلوني البراغيث في القرآن
20- استخدام صيغة الفعل للدلالة على صيغة أخرى
21- كتابة اللفظ الواحد بصورتين
22- استبدال حرف بآخر
23 - هاء الكناية
24- إشكالية واو الثمانية
25- الكلمات غير العربية في القرآن
26- فواتح السور
27- كسر حرف المضارع (التلتلة) والأسماء
28- القراءة السيريانية للقرآن - جهود كريستوف لوكسنبرج
29- طبيعة النظم القرآني
30- استنتاجات
31- المصادر والمراجع

تقديم:
نقصد بالإشكاليات عبارات وألفاظ وتركيبات لغوية أثارت الجدل بين النحويين واللغويين. ونحن نهدف إلى تحليل هذه الإشكاليات وكشف أصل اللبس حول العبارات والكلمات المذكورة بقدر ما نستطيع.
وقد طُرق هذا الموضوع مرارًا منذ صناعة النحو، واستخدم الأقدمون تعبيرات مثل: مشكل الإعراب، الشاذ، غريب القرآن، لحن القرآن.. إلخ، لكن هذا البحث يجمع مجمل هذه الإشكاليات؛ في محاولة لتعليل ظاهرة اختلاف النص عن اللغة العربية الحديثة، والوصول إلى استنتاجات كلية.
ولا شك أن القرآن سابق على علوم اللغة العربية بعقود. ولذلك لا تصلح هذه العلوم معيارًا لصحة أو خطأ آيات من القرآن؛ بل إن الأخير هو نصٌّ عربيٌّ أصيل؛ نسخه عرب أقحاح بلغتهم؛ بغض النظر عن مستوى تطور تلك اللغة، ومدى اتفاقها أو اختلافها عن اللغة المعاصرة، أو اللغة القياسية التي فرضتها مدارس النحويين واللغويين؛ والتي - على العموم - لم تتفق على كل قواعد النحو والصرف( ). لذلك ليس واردًا لدى الباحث تصيد ما يسمى بأخطاء القرآن اللغوية، وكل ما هو غريب ويمكن رصده في لغة القرآن ظواهر أخرى؛ منها: لغات قبائل مختلفة، وألفاظ من لغات أخرى، والخروج على قواعد النحو والصرف الموضوعة الحديثة بالنسبة للغة القرآن؛ رغم أن الأخيرة كانت مقبولة من قبل المتكلمين بالعربية، ووجود كلمات لا تتفق مع كلام أغلب العرب؛ رغم أنها كانت مستخدمة أحيانًا، ووجود كلمات وأساليب تعبير أقدم من غيرها؛ من موروث للغة العرب الأسبق على القرآن، ونحت كلمات جديدة على لغة العرب، كما أن رسم الحروف والكلمات العربية لم تكن له طريقة معيارية وقت نسخ القرآن؛ مما يبرر وجود أشكال متعددة للرسم، واختلافه من زمن لآخر، ومخالفته كثيرًا لطريقة الكتابة العربية الحديثة، أو لقواعد الرسم القياسي.
هناك تعليل يشوبه الاستسهال للآيات القرآنية المخالفة للعربية القياسية - منسوب إلى عائشة وغيرها - ذكره كثيرون: “سُئلت عائشة عن لحن( ) القرآن: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ} (سورة المائدة: آية 69)، {وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ} (سورة النساء: آية 162)، {إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ} (سورة طه: آية 63)، فقالت: يا بن أختي هذا عمل الكتاب، أخطأوا في الكتاب”( ). ولا يمكن التأكد أصلًا من صحة صدور هذا الكلام عن عائشة. وحتى بغض النظر فعائشة ليست من الراسخين في معرفة القرآن وألسنة العرب، ولا تعرف الكتابة أصلًا، وبالتالي ليست مصدرًا يعتمد عليه في هذا الخصوص. كذلك نُسب إلى سعيد بن جبير القول: “في القرآن أربعة أحرف لحن: الصابئون، والمقيمين، فأصدق وأكن من الصالحين، وإن هذان لساحران”( ). كما ذهب ابن قتيبة إلى احتمال خطأ الكُتَّاب: “وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطًا من الكاتب، كما ذكرت عائشة رضيَ اللّه عنها”( ). وكذلك وضع الفرَّاء نفس الاحتمال( )، وذهب كثيرون نفس المذهب.
وهناك العديد من الكتابات التي أراد أصحابها البرهنة على الأصل البشري للقرآن؛ تحاول الكشف عما تسميه (أخطاء لغوية) بالمصحف؛ وهيَ تتسم في أغلبها بالسطحية والتحيز. وعلى النقيض؛ بذل كثير من الإسلاميين جهودًا مضنية للبرهنة على أن كل (غريب) بالقرآن هو من دلائل الإعجاز، وأحيانًا يتم تأويله تأويلًا باطنيًّا؛ في محاولة للبرهنة على مصدره الإلهي. ولا يعنينا هنا لا هذا ولا ذاك؛ فالبحث غير معني لا بمصدر النص، ولا بمحتوى الكتاب المقدس، ولا تعاليمه؛ فهذا مجرد بحث في اللغة.
ملحوظة 1: سوف نميز نصوص القرآن والكلمات التي نستخدمها باعتبارها نصا قرآنيًّا بهذين القوسين: { }.
ملحوظة 2: النصوص والكلمات التي سنستخدمها على أنها من رواية حفص منقولة حرفيًّا بالتشكيل؛ اللهم إلا حين انتفت ضرورة ذلك.

********************************

1: رسم ولغة المصحف:

كثر الكلام عن قراءات عديدة للقرآن؛ منها سبع؛ اعتبرها جل علماء الإسلام الأكثر تواترًا، كما قيل إنه نزل على أحرف سبعة، والأحرف - في أكثر الآراء انتشارًا - هيَ ألسنة عربية مختلفة من حيث الصرف والإعراب، ومعنى كلمة لسان لدى العرب: لغة. وقد استخدم القرآن لفظ لسان؛ وليس لفظ (لغة) لوصف اللغة العربية، وقد نسب لابن عباس أنه وصف الأحرف باللغات: حدَّثنا... عن شيخ لَهُ أنه سمع الكلبي يحدث عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبعة أحرف، أو قال بسبعِ لغات؛ منها خمس بلغة العَجْزِ من هوازن؛ وهم الذين يقال لهم علُيا هوازن؛ وهيَ خمس قبائل، أو أربع( ). أما أبو عمرو الداني( )؛ فوصفها إما باللغات، أو بالقراءات التي أسميت أحرفًا؛ كنحو ما جرت عليه عادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه وما قاربه وجاوره. وهو لم يميز بين الأحرف والقراءات. وكذلك نُسب هذا الرأي للخليل بن أحمد الفراهيدي( )؛ وهو لم يعاصر إقرار القراءات السبع. ومما يعزز ذلك أن الحديث المشهور عن عمر بن الخطاب لم يميز بين الأحرف والقراءات: “سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكدت أُساوره - أيْ أثب عليه - في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فَلَبَّبْتُه بردائه - أيْ أمسك بردائه من موضع عنقه - فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها، فقال: أرسله - أيْ اتركه - اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت؛ إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه( )" (التشديد من عندنا)، والمفهوم من هذا الحديث أن القراءات هيَ نفسها الأحرف.
وقد اختلف العلماء في معنى الأحرف السبعة؛ فبخلاف اعتبارها ألسنة؛ قيل الكثير في معنى الحديث النبوي الذي أشار لذلك، وذهبوا مذاهب شتى في تعريف الأحرف؛ فبلغت الآراء نحو أربعين رأيًا( )؛ شرح منها عدنان بن أحمد البحيصي تسعة مذاهب بتبسيط واضح( )، وطرق ربما المئات هذا الموضوع بتفاصيل أكثر( ). وأهم الآراء في تعريف الأحرف هيَ:
- إنها لغات لقبائل العرب.
- إنها نفس القراءات السبع.
- سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة.
- اختلافات في علامات الإعراب، أو النقط، أو في الحروف والألفاظ، بالزيادة أو النقص، والتقديم والتأخير.
- اختلافات لا تزيد عن سبعة؛ منها اختلاف تصريف الأفعال، أو اختلاف الأسماء؛ من حيث التثنية والجمع، والأداء الصوتي... إلخ.
- غير مفهومة.
وغير ذلك...
والطريف أن هناك حديثًا قال بأن الأحرف عشرة( )!
ويعتقد أكثر علماء الإسلام أن الأحرف والقراءات هما شيئان مختلفان. ومع ذلك لم يستطع أحد قط ممن ميزوهما أن يضع خطًّا فاصلًا بينهما؛ فمنهم من لم يهتم بالتفرقة؛ مثل الطبري( ) الذي تناول موضوع الأحرف، وعرج إلى القراءات دون اهتمام بالتفرقة بينهما بوضوح، والكثيرون راحوا يفرقون. لكن نجد أن معنى كل منهما يتداخل مع الآخر، والبعض يصر على أن الأحرف موجودة في المصحف برواية حفص، أو أيِّ رواية أخرى، والبعض يرى أن الأحرف نسخت في عهد عثمان، وظل واحد منها فقط( ). ومن الآراء المنتشرة كما بسَّطها أبو الفضل الرازي( )؛ أن الأحرف تعني أوجها؛ فهيَ سبعة أوجه من الاختلافات؛ إما في اللفظ والمعنى، أو اللفظ دون المعنى، أو المعنى دون اللفظ.
وقد بذل الباحث جهودًا مضنية، واطلع على عشرات الكتب والدراسات في أمر الأحرف والقراءات؛ عسى أن يخرج بإجابات شافية؛ دون جدوى، والموضوع يبدو غامضًا وبلا نهاية. والأقرب للمنطق أنه لأن القرآن كان مفتتا إلى سور وآيات متناثرة لدى الصحابة، ومكتوبًا على عظام وجلود بكتابة غير واضحة، بجانب النقل الشفاهي، والأمية، وتعدد ألسنة العرب؛ نشأت قراءات مختلفة لم يستطع أبو بكر توحيدها، وحين حاول عثمان ذلك ترك المصحف بدون نقط أو علامات إعراب؛ مما سمح باستمرار القراءات، وظهور المزيد منها بلا حساب؛ مما دفع العلماء إلى حصرها في سبع قراءات؛ أسموها متواترة، زعموا أن النبيَّ قرأ بها جميعًا؛ مضيفين ثلاثًا أخرى مقبولة (والبعض أضاف أربعًا أخرى أقل اعتبارًا)؛ وهناك قراءات الآحاد، وهو ما صح سنده، وخالف الرسم العثماني أو اللغة العربية، أو لم يشتهر بقدر كبير، مع اعتبار الباقي قراءات (شاذة). والشذوذ عند العرب هو البعد عن القياسي، أو هو كلام القلة من العرب؛ وقد أسميت بعض القراءت شاذة لعدم ثبوت صحة نسبها. وقد وضع علماء الإسلام معايير ثلاثة لاعتبار القراءة صحيحة: موافقة اللغة العربية ولو بوجه - موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً - إذا صح سندها، ولكل من هذه المعايير تحديدات عديدة ذكرها من الثقات ابن الجزري( ).
والموضوع لا يقف عند تعدد القراءات؛ بل إن هناك أكثر من راوٍ لكل قراءة متواترة، وحتى الروايات لها أكثر من طريق، ولكن الفرق بين الروايات أو الطرق قليل، ويتعلق أساسًا بكيفية قراءة الألفاظ، والتلاوة، واختلاف حروف قليلة( ).
يمكن تحديد الفروق بين القراءات، والروايات، والطرق؛ بوضوح كالآتي: [القراءة]: هيَ الاختيار المنسوب لإمام من الأئمة بكيفية القراءة للفظ القرآني على ما تلقاه مشافهة بسند متصل إلى الرسول؛ مثل: قراءة نافع، قراءة ابن كثير. [الرواية]: هيَ ما نُسب لمن روى عن إمام من أئمة القراءة، ولكل إمام قارئ أكثر من راوٍ، عُرف كل منهم بها؛ مثل رواية ورش عن نافع، رواية حفص عن عاصم، ورواية المفضل عن عاصم، ورواية السلمي عن عاصم. [الطريق]: أحد أمرين: الأول: ما ينسب للآخذ من الراوي؛ مثل طريق الأزرق عن ورش، أو الأصبهاني عن ورش، والثاني: ما يطلق على طريق تلقي القراءات؛ كطريق الشاطبية، وطرق الدرة وطيبة النشر. وهذه ثلاث قصائد تناولت القراءات المتواترة( )،( )، وكل منها اختص بشرح خصائص قراءات معينة؛ فالشاطبية قصيدة تسمى: حرز الأماني ووجه التهاني، للقاسم ابن فيرة الشاطبي، تشرح خصائص القراءات السبع، والدرة (لابن الجزري) تسمى: الدرة المضيئة في القراءات الثلاث المتممة للعشر المرضية؛ تناولت قراءات ثلاث أخرى، أما الطيبة (لابن الجزري) فهي قصيدة أكثر تفصيلا في شرح القراءات والروايات، وقد تناولت القراءات العشر؛ وهيَ تسمى: طيبة النشر في القراءات العشر. وقد ذكر ابن الجزري لكل قارئ راويين ولكل راوٍ طريقين ولكل طريق طريقين تتفرع منه طرق، وهكذا. وكل قصيدة من الثلاث تقدم سمات أو خصائص القراءات والروايات بشكل مختلف قليلا. وقد قدم ابن الجزري كتابا ضخما بعنوان: النشر في القراءات العشر، يشرح فيه القراءات العشر والفروق بينها، وروايتين لكل قراءة، وعدد كبير من طُرُقها (988) وهو يُعد أهم مرجع في هذا الأمر. وقد اختار الشاطبي طريقًا واحدًا لرواية حفص، بينما اختار ابن الجزري لحفص طريقين رئيسيين؛ الأول: طريق عبيد بن الصباح، وأخذ عنه أحمد بن سهل الأُشناني، وعن الأُشناني طريقين: علي بن محمد الهاشمي، وتفرع عنه عشرة طرق، وأبو طاهر عبد الواحد بن عمر، وعنه أربعة عشر طريقًا، والثاني: طريق عمرو بن الصباح، وعنه طريقين: طريق الفيل (أبو جعفر الفافي)، وعنه أربعة عشر طريقًا، وزرعان أبو الحسن أحمد بن عيسى البغدادي، وعنه أربعة عشر طريقًا، وبذلك يكون قد تناول اثنين وخمسين طريقًا لحفص وحده. وأضاف نور الدين علي بن محمد الضباع خمسة طرق أخذها من مصادر أخرى، ومع طريق الشاطبية يكون لحفص ثمانية وخمسون طريقًا( ). وهناك أيضا مصادر أخرى تناولت القراءات والروايات والطرق؛ منها: روضة الحفاظ بتهذيب الألفاظ، للشريف أبي إسماعيل موسى بن الحسين بن إسماعيل بن موسى بن المعدل، و الروضة في القراءات الإحدى عشر للحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي البغدادي...
والسبعة الذين يعترف بتواتر قراءاتهم علماء السنة هم: عبد الله بن كثير، ونافع بن أبي نعيم، وعبد الله بن عامر، وأبو عمرو بن العلاء، وعاصم، وحمزة، وعلي بن حمزة بن عبدالله الأسدي، أو الكسائي. وعنهم رواة أخذوا منهم؛ أشهرهم اثنان هما اللذان أخذ بهما كل من الشاطبي وابن الجزري( ):
عن ابن كثير: البزي، وقنبل.
عن نافع: ورش، وقالون.
عن ابن عامر: ابن ذكوان، وهشام.
عن أبي عمرو: أبو عمر الدوري، وأبو شعيب السوسي.
عن عاصم: أبو بكر بن عياش الأسدي (شعبة)، أبو عمرو حفص بن سليمان بن المغيرة البزار.
عن حمزة: خلف، وخلاد.
عن الكسائي: أبو الحارث، وأبو عمر الدوري( )،( ).
أما الثلاثة الأقل قبولًا؛ فهم (يقبل قراءاتهم عدد أقل من العلماء كقراءات متواترة): يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي – يعقوب بن إسحاق – خلف بن هشام. وهناك أربعة آخرون اعتبرهم بعض الأئمة أصحاب قراءات غير متواترة أو شاذة، بينما اعترف بهم آخرون( ).
أما بقية القراءات - وهيَ كثيرة – فقد اعتبرت آحادا، أو شاذة، ولم يقبلها عدد يذكر المسلمين.
أما الأحرف السبعة؛ فلم يقل أحد من الثقات إنها تعني سبع نسخ مختلفة من القرآن؛ بل هيَ موزعة في نفس المصحف، وببساطة تعني وجود ألسنة مختلفة في المصحف؛ وهذا وارد حتمًا؛ كما سنرى في هذا البحث، ولكن ليس من المؤكد أن عددها سبع. ولم نسمع عن وجود مصاحف كتبت بأحرف مختلفة؛ منذ عملية توحيد المصحف؛ والتي لم تنجز بشكل نهائي قط؛ حيث مازالت توجد قراءات متعددة؛ رغم سيادة قراءة عاصم (أو بالتحديد رواية حفص عن عاصم) التي توجد بين أيدي أغلب مسلمي العالم حاليًّا. وهناك رواية تقول إن المصاحف كتبت على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة عن الرسول؛ كما صرح به بعض السلف، كمحمد بن سيرين وعبيدة السلماني وعامر الشعبي( )؛ وحسب هذه الرواية تكون قصة الأحرف قد انتهت منذئذ.
وفي النهاية فرضت الدولة العثمانية قراءة عاصم؛ ولها عدة روايات: أشهرها حفص، وورش؛ والأخرى أقل شهرة (مثل رواية المفضل ورواية السلمي)، والأولى لها ثمانية وخمسين طريقا كما أسلفنا، أشهرها اثنان؛ هما طريق المعدل وطريق الشاطبية، والأوسع انتشارًا هو الأخير. وهو الذي دعمته السعودية الغنية؛ فساد دون أن يقضي على الطرق الأخرى، والتي يعترف بها أهل السنة. ومن الروايات المنتشرة حتى الآن: رواية ورش عن نافع؛ منتشرة في المغرب العربي، وغرب أفريقية، وبعض مناطق في مصر، وليبيا، وتونس، وتشاد. وهيَ الرواية التي كانت الأكثر انتشارًا في مصر، ومنها انتشرت إلى تلك البلدان. ورواية قالون عن نافع أكثر انتشارًا في ليبيا، وتونس، وبعض مصر( ).
إذن لا يوجد فعلًا نص قرآني موحد قط، وتكفي نظرة إلى بعض القراءات، أو المصاحف، للوقوف على هذه الحقيقة( ). ولم يسع المسلمون إلى توحيد النص القرآني؛ بل اكتفوا بالرسم العثماني، وأقروا بشرعية القراءات المتعددة.
وعلى أيِّ حال؛ فما هو موجود من مصاحف عديدة منذ عهد أبي بكر لا يسمى أحرفًا؛ بل قراءات. وسواء كانت شيئًا واحدًا، أو شيئين مختلفين؛ فمن الناحية العملية نحن أمام نصوص، وهيَ تعد بالعشرات( )؛ منها قراءة ابن مسعود التي يعتبرها العلماء قراءة شاذة؛ رغم أنه ممن عاصروا الرسول، وكان ملازمًا له لعدة سنوات، وسمع منه القرآن مباشرة، وقرأه عليه.
وقد ظهرت القراءات ربما في عهد الرسول (شفوية بالطبع)، ولكنها انتشرت بعد وفاته؛ وهيَ تتضمن الاختلاف في أوزان الأسماء، وفي تصريف الأفعال، وعلامات الإعراب، والتقديم والتأخير، واستبدال لفظ بآخر، أو حرف بآخر وإضافة، أو حذف أحرف، وكذلك نطق الألفاظ سواء بالإدغام، أو الترقيق، أو الإمالة، وفي التقسيم إلى آيات وهو نادر( ).. إلخ. ومن غير المؤكد أن القرآن في نصه الأصلي المدون في عهد النبيِّ كان نصًّا موحدًا؛ إذ قيل إنه كانت هناك مصاحف لبعض الصحابة؛ وربما اجتهد بعضهم في نسخ مصاحف خاصة بهم للاطلاع عليها؛ منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وربما أُبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، وغيرهم( ). كذلك لم يشر القرآن لا لوجود أحرف، ولا لوجود قراءات متعددة؛ بل في آيات عديدة ذكر أنه بلسان عربي مبين فحسب؛ بل لم يشر كذلك قط إلى أنه كتب بلغة قريش؛ بل وقد ذهب نولدكه - حسب ما ذكر جواد علي( ) - إلى أن القول بنزول القرآن بلسان قريش قد ظهر في العصر الأموي؛ في سياق صراعهم مع بقية العرب؛ وهو من المحتمل تمامًا.
وفي الحالتين - الأحرف والقراءات - هناك اختلافات كثيرة في المعنى؛ بل وأحيانًا ترتب على هذا خلاف في الأحكام. ومن الأمثلة الشهيرة( ):
اختلاف قراءة الآية 6 من سورة المائدة: {وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدۥۥ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا..}؛ إذ اختلفت القراءة لكلمة لامستم؛ فقد قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {لَـٰمَسۡتُمُ} وقرأ حمزة، والكسائي: {لَمَسۡتُمُ}، وبنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءتين؛ فـ (لمستم) تعني مجرد اللمس، أما (لامستم) فتعني ممارسة الجنس؛ هذا لدى جل اللغويين. ومثال ثان هو الآية 222 من سورة البقرة: {فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَ}؛ فقد قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر: {يَطْهُرْنَ}، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في روايتي شعبة والمفضل: يَطَّهَّرن بتشديد الطاء والهاء وفتحهما. وفي مصحف أُبيّ بن كعب وعبد الله وأنس بن مالك: {يَتطَهَّرنَ}. فكان الخلاف على معنى الطهر، وبالتالي اختلفوا على حكم في مضاجعة الحائض. والمثال الثالث الشهير أيضًا هو قراءة الآية 1 من سورة الطلاق: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ والتي قرأها ابن عباس وابن عمر: فطلقوهن {فى قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ} وقرأها ابن مسعود: {لقبل طُهرَهِن}( ). والمعنى الغالب في الأولى: الطلاق بعد حيض وقبل جماع ولا جماع حتى تنتهي العدة فيتم الطلاق، وفي الثانية: الطلاق بعد حيضة. وهناك أمثلة أخرى لا تحصى أدت لاختلاف المعنى وليس الأحكام؛ منها كمثال: {وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِى لِمُسۡتَقَرٍّ لَّهَا}؛ قرأها ابن مسعود: {والشمس تجرى لا مُستَقر لها}( ). ومثال آخر: {وما هو على الغيب بِضَنِينٍ}. وحسب الطبري اختلفت القرّاء؛ فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة: {بِضَنِينٍ} بالضاد؛ بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنـزل إليه من كتابه، وقرأها بعض المكيين، وبعض البصريين، وبعض الكوفيين: {بِظَنِينٍ} بالظاء؛ بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء. وهاك مثالًا آخر: الآية 25 من سورة النمل: {وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ 24 أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِى يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ}؛ قرأ أغلب القراء؛ ومنهم رواية حفص: {ألَّا} بالتشديد، وقرأتها قلة: {ألا} بدون تشديد اللام. في الأولى المعنى أن الشيطان زين لهم ألا يسجدوا لله، وفي الثانية المعنى أن اسجدوا لله. ومن الاختلافات ما أدى لمعنى مناقض للآخر في أمر واقعة تاريخية؛ فقد قُرئت الآيات 1- 4 من سورة الروم في حفص: {الم * غُلِبَتْ الروم * فِى أَدنى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ..}، و: {الم * غَلَبَتْ الروم * فى أَدنى الأَرض وهم من بعد غلبهم سَيُغْلَبُونَ * فى بضع سنين..}. هكذا قرأت {الروم} مرة كنائب فاعل، وفي الأخرى كفاعل. وفي القراءة الثانية انتصر الروم على قبائل عربية ثم انتصر عليهم المسلمون بعد تسع سنوات( )؛ بخلاف القراءة الأولى والتي يأخذ بها جل الإسلاميين؛ إذ تعني هزيمة الروم أولا (على أيدي الفرس) ثم انتصارهم عليهم.
وهذا مثال لاختلاف التعبير مع وحدة النتيجة العملية: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (سورة البقرة: 158)، بينما قرأها ابن مسعود: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا}( )،( )؛ في الصيغة الأولى يعني السماح بالطواف، وفي صيغة ابن مسعود السماح بعدم الطواف.. النتيجة واحدة، لكن الصيغة مختلفة( ). وهناك قراءات تختلف في الكلمات أو الحروف بنفس المعنى تقريبًا؛ كما في {فتثبتواْ}؛ بدلًا من {فتَبَيَّنُوٓاْ}؛ في: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوٓاْ} (سورة الحجرات: 6)، فمن العشرة قرأها كل من حمزة والكسائي وخلف ابن هشام {فتثبتواْ}. وهناك اختلافات عديدة أخرى في القراءات تتعلق فقط بالنطق، ومخارج الحروف، والإدغام، وأصوات اللين.. إلخ؛ لا تؤثر لا في المعنى، ولا في الحكم، ولا في رسم اللفظ، حسب لهجات مختلف قبائل العرب قديمًا( )؛ مثال ذلك: {وأما ثمودُ فهدينـٰهم} (سورة فصلت: 17)؛ حيث قرأها البعض {ثمودَ} بالنصب( ). ويجب أن نلاحظ أن القرآن بناء على وجود قراءات عديدة ليس مصحفًا موحدًا، أو نصًّا موحدًا؛ بل مصاحف عدة بها خلافات القراءات المشار إليها سابقًا. فالقراءات لا تعني مجرد اختلاف النطق كما يشيع بعض خطباء المنابر؛ بل هناك اختلافات في رسم الكلمات، وعلامات الإعراب أيضًا كما رأينا.
إذن الخلاف في القراءات، أو الأحرف قد يتضمن خلافات في المعاني، ونادرًا في الأحكام، وكثيرًا في الألفاظ، وفي النطق دون هذا وذاك.. إلخ.
وتتلخص أهم أسباب ظهور القراءات حسب رأينا في: النقل الشفاهي المتتابع لنص ضخم قبل كتابته قد يتسبب في اختلاف اللحن، واللهجات المختلفة للقبائل، وبعد ذلك كتابة المصحف بلغة غير قياسية، وبلا قواعد صارمة، وبلا علامات إعراب، ولا نقط.
ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن القراءات والأحرف والاختلاف حولها - إلى آخر هذه القصة - هيَ قصة السنة دون الشيعة؛ فجل علماء الشيعة الإمامية يقرون بوجود نص قرآني موحد؛ هو رواية حفص عن عاصم؛ تواترًا عن الرسول، ويرفضون موضوع الأحرف والقراءات، ويعتبرون هذا تحريفًا للمصحف. وهناك باحث شيعي رد بقسوة وموضوعية على مسألة الأحرف لدى السنة( )، كما يرفضون احتمالات تحريف القرآن التي قال بها قلة من علمائهم؛ على رأسهم محمد بن يعقوب الكليني( )؛ وهم يأخذون برواية حفص فقط، اعتقادًا بأنها القراءة الأصلية للقرآن بالتواتر عن الرسول، وبأن كل أسانيدها من الشيعة( ). وقد فسر بعضهم المراد بالأحرف السبعة: “الوجوه التي ترجع إلى معاني كلام الله وتأويلاته”( ).
وهناك اختلاف بين الإسلاميين على تاريخ جمع القرآن؛ فقيل إنه تم في عهد أبي بكر، وقال آخرون في عهد عمر، والبعض في عهد عثمان( )؛ بل زعم غيرهم أنه جمع في عهد الرسول؛ استنادًا لروايات عدة، ولآية: {إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (سورة القيامة: 17)( )، وذكر ابن سعد أنه جُمع في عهد أبي بكر، ولكن جمعه عليُّ بن أبي طالب( ). فإذا كان الأمر كذلك، فماذا فعل زيد بن ثابت؟!
والرأي السائد أن القرآن قد جُمع في عهد أبي بكر، وأنه قد احتفظ بالمصحف لنفسه، ثم أخذه عمر، ثم تركه لابنته حفصة، ولم يكن متاحًا لعامة الناس فلم يتأثر به أحد، وظلت القراءة تتم بطرق مختلفة، أو ظلت قراءات عدة، وانتشرت نسخ المصحف في عهد عمر بن الخطاب بقراءات مختلفة، وبدأ الناس يكفر بعضهم بعضًا؛ مما دفع بالخليفة إلى توحيد رسم المصحف. وقد استعان زيد بن ثابت في عهد عثمان بنسخة حفصة، وقام بتنقيحها، وهناك ما يدل على تغييرات أجريت فيها، ومن القرائن ما قيل عن كلمة (تابوت)، وإحراق هذا المصحف على يد مروان بن الحكم، ولو كان موافقًا لمصحف عثمان لما مسه أحد. ورغم توحيد المصحف( ) في عهد عثمان؛ استمر وجود مصاحف أخرى - ربما سرًّا - ثم ظهرت مصاحف جديدة؛ تتضمن أنواع الاختلافات السابق ذكرها.
وتؤكد روايات عديدة - وواقعة توحيد المصحف وقصة حرق - أو دفن - المصاحف المخالفة بواسطة عثمان بن عفان، ثم حرق مصحف أبي بكر نفسه؛ بواسطة مروان بن الحكم - الرواية القائلة بتعدد المصاحف والقراءات قبل توحيد المصحف؛ كما تكلم الكثيرون عن آيات فُقدت، وغيرها وجدت عند صحابي واحد، واختلافات بين جامعي القرآن أنفسهم.. إلخ؛ مما يدل على وجود مصاحف مختلفة بدرجات؛ سواء في الأحرف، أو القراءات. فكيف وعلى أيِّ أساس تم اعتماد النسخة العثمانية؟ لا أحد يدري بالتحديد. وقد علل ذلك ابن الجزري بما ذكرنا من قوله: “فكتبت المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة عن رسول الله”. ولا يوجد بالطبع ما يدل على أن هذا اللفظ الذي ذكره كان منسوخا؛ خصوصًا أن ابن الجزري نفسه قال أكثر من مرة إن نقل المصحف كان شفاهيًا: ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم فقلت له: رب إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: مبتليك ومبتلي بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، فابعث جندا أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق ينفق عليك. فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرءوه في كل حال كما جاء في صفة أمته: "أناجيلهم في صدورهم"( ). ومما يعزز ذلك الرواية الشهيرة القائلة بأن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب، ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه( )؛ مما يعني عدم الاكتفاء بالمكتوب متناثرا عند الصحابة، أو عدم الثقة به؛ مالم يتوفر شاهدان على صحة نسبه للقرآن. والمفهوم أن النقل الشفاهي يتضمن قراءات متعددة منذ البداية لاختلاف الألسنة والنسيان واجتهاد الناقل للنص؛ فلا يمكن الزعم أن المصحف قد كتب وفقا لمرجع موحد، والدليل هو ما جرى من تعدد القراءات وجمع ونسخ القرآن مرة في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان؛ فهل يمكن أن نتصور أن مصحف أبي بكر قد كتب بالرسم العثماني؟ كما لا يمكن تصور أن الآيات المتناثرة كانت موحدة الرسم؛ لاختلاف النساخ.
وعلى النقيض؛ زعم البعض - مثل القرطبي - أن عثمان قد اعتمد نسخه من المصحف بقراءات مختلفة، إشعارًا بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة( )، ولكن هنا يأتي تساؤل مهم: هل أرسل عثمان المصاحف إلى الأمصار؛ كل مصر بقراءة مختلفة؟ وهل يمكن توقع ذلك؟ هذا لم يشر إليه أحد قط. ونرى أن الأكثر قبولًا أن عثمان قد أزال، أو منع التنقيط والتشكيل، لإعطاء الفرصة لاستمرار القراءات المختلفة، ولكن كانت طريقة الرسم موحدة، ثم ظهرت تباينات محدودة في الرسم وظلت موجودة.
على أيِّ حال تمت عملية تدوين الكتاب وإنتاج المصحف الموحد الرسمي على سنوات عدة، وأنجزت إلى حد كبير في عهد الخليفة عثمان بن عفان؛ فكانت الفترة كافية لتدارك الأخطاء اللغوية المحتملة وتعديلها؛ عوضًا عن توحيد رسم الألفاظ، لكن بدون تنقيط وعلامات إعراب. وهناك من الروايات ما يدل على حدوث خلافات بين جامعي القرآن حول كلمات معينة؛ تم في النهاية حسمها بكتابته – زعمًا - بلسان قريش، أو بالعودة إلى آخرين، أو في حالة واحدة على الأقل إلى الخليفة نفسه( ). وهناك رواية تشير إلى أن عثمان قد راجع وصحح، أو عدّل في المصحف( ). وقد أمر عثمان بالتخلص من المصاحف المخالفة لنسخته التي أقرها؛ مما يوحي بوجود خلاف في بعض الألفاظ، أو العبارات. وهناك ما يشير إلى استمرار وجود تلك المصاحف وهذه الاختلافات بعد كتابة مصحف عثمان؛ مثل مصحف ابن مسعود. فلم يستطع عثمان حرق كل المصاحف، وربما كُتب الكثير منها بعد كتابة مصحفه. وقد اختفت نسخ المصحف العثماني بعد ذلك وظلت القراءات، أو المصاحف المتعددة، لكنها اتبعت طريقة الرسم في مصحف عثمان بوجه عام، عدا بعض الشاذ منها. وقد أسهب الكثيرون في تناول الخلاف في القراءات حسب لهجات القبائل؛ منهم الشاطبي، والداني، والكافي.. مما يؤكد أن اللغة العربية لم تكن موحدة قبل صناعة النحو بعد الإسلام بعقود. وبعد عثمان تم تنقيط المصحف، ثم إضافة علامات الإعراب؛ مما يعني إعادة كتابته في صورة جديدة؛ قد تتضمن مزيدًا من الاختلاف عن النص الأصلي، ونسخًا متباينة في الرسم.
وحسبما سبق؛ يحتمل أن تكون نصوص (أو قراءات) القرآن الموجودة حاليًّا تختلف بدرجة أو بأخرى عن النص الأصلي، حذفًا وإضافة، ولكننا لا نملك هذا النص الأصلي؛ حتى نحدد ماهية تلك الاختلافات المحتملة. ولكن مما ذكر - عن جمع عثمان للقرآن - أنه لم يوحد النص فحسب؛ بل أزال التنقيط والتشكيل أيضًا( )؛ مما ربما سمح بعد ذلك - حين أعيد التنقيط والتشكيل - بتغيير نطق ألفاظ معينة، وتغيير كتابتها. وهذا النص الذي أقره عثمان بن عفان هو أول نص كبير مكتوب وموثق بلغة العرب( ). وهناك في كتب علماء السنة الكثير والكثير من النصوص التي تدل على فقدان آيات، أو سور من القرآن؛ سواء بموت حافظيها، أو بضياع الوثائق، أو بالسهو والنسيان( ). وما نسب لعبد الله بن مسعود حين أمر أبو بكر بجمع القرآن من القول: أفأترك ما أخذت من في رسول الله( )؛ إنما يشير إلى وجود تلك الاختلافات، كما أن نُسخ مصحف عثمان نفسه قد فُقدت. وما يسمى بمصحف طشقند( ) - ويقال إنه نسخة الإمام نفسه - ناقص في مواضع كثيرة، كما أن المصحف منسوخ بخط واضح، وبألوان ناصعة؛ فلا يعقل أن يكون من عصر الإمام. ومن المشهور لدى علماء السنة أن من القرآن ما نسخت تلاوته وظل حكمه؛ أيْ أن هناك آيات قد محيت وظل حكمها، ومن هذه الآيات: آية الرجم، وآية رضاعة الكبير التي أكلتها الداجن في بيت عائشة؛ حسب المذكور في التراث( ). وقد يكون هذا غير صحيح تاريخيًّا؛ إلا أن هناك إشارات عديدة لفقدان أجزاء من القرآن. وقد استعرض السيوطي ما قيل في ذلك بشيء من التفصيل في (الإتقان)( ). يضاف أنه ليس من المستبعد بالكامل أن كلمات ما قد طمسها الحبر، أو بعض حروفها؛ فكتبت مخالفة للنص الأصلي؛ مثال: كلمة {وَقَضَىٰ} (سورة الإسراء: 23)؛ بدلًا من {ووصىٰ}( ). كل هذا قاله وسجله إسلاميون كبار، وليس من ابتكار مشككين، ولا ملحدين. وأخيرا نقول إنه إن كانت هناك عرضة أخيرة للنص على الرسول كما زعموا في التراث، فكيف لا يأمر بجمع القرآن ويتركه مشتتا على الرقاق والعظام في بيوت الصحابة وفي صدور الرجال بعد أن أتم الرسالة؟! ففي الأغلب لم توجد تلك العرضة أصلا.
أيًّا كان الأمر؛ فلن نعرف أبدًا إذا كان المصحف الحالي متفقًا تمامًا مع النص الأصلي الذي دونه كتبة الوحي. والأرجح أن عملية الجمع والتدوين في البداية تمت بقدر من العشوائية والاجتهاد؛ خصوصًا أن كثيرًا من النصوص كانت متناثرة عند الصحابة، ولم يكن هناك معيار لضمان أصالة هذه النصوص؛ سوى عنصر السند؛ أيْ الثقة في هذا الصحابي أو ذاك؛ علاوة على موت بعض هؤلاء الصحابة قبل جمع القرآن؛ في موقعة اليمامة، وبالتالي احتمال فقدان ما كان لديهم من الآيات المكتوبة( ). وهناك كثير مما نُسب لعبد الله بن مسعود عن كراهيته لمحاولة أبي بكر توحيد المصحف؛ مناديًا الناس بالاحتفاظ بمصاحفهم المختلفة، ورافضًا أن يقرأ بقراءة زيد بن ثابت( )؛ بل هناك من ذكر أن ابن مسعود لم يكن يجد غضاضة في استبدال كلمة بأخرى في القرآن، طالما ظل المعنى نفسه، وقد وُجدت في مصحفه اختلافات لفظية مهمة عن مصحف عثمان( )، وذهب مثله أُبيُّ بن كعب( )؛ بل قال ابن حجر العسقلاني: “ثم أبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد، كل ذلك مع اتفاق المعنى، وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم”( ). وهناك كثير من الأقوال والآراء التي ترجح مرونة النص القرآني في عهد الرسول؛ بمعنى إمكانية قراءته بطرق مختلفة؛ من حيث الكلمات، وتركيب الجمل؛ شرط الاحتفاظ بالمعنى العام لرسالته؛ مما يرجح أن الأحاديث التي تكلمت عن أحرف وقراءات مختلفة صحيحة النسب للرسول؛ خاصة أن المسلمين الأوائل كانوا يقرأون القرآن ويتناقلونه شفويًّا، لوجود آياته متفرقة بين الصحابة؛ حيث لم يكن هناك مصحف موحد بعد، ولا عدد من النسخ المتاحة للعامة لقراءتها، ولانتشار الأمية. بلغت المرونة حتى استبدال آيات بغيرها، حسب ما ذُكر في سورة البقرة: آية 106: {مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٍ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآ}، {وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٍ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۢ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (سورة النحل: 101). وقد ذهبت بعض الأحاديث المنسوبة للرسول إلى أنه أُنسيَ وأسقط بعض الآيات؛ فحسب صحيح مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا قرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا. وحدثنا بن نمير حدثنا عبدة وأبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها( ). وكذلك المذكور في التراث عن أجزاء كبيرة فقدت من القرآن( ).
ونحن لا نملك أيضًا نصوصًا عربية سابقة يعتمد عليها كمرجع في اللغة العربية؛ بما فيها مصحف أبي بكر؛ خصوصًا أنه قد تم تفنيد الشعر المسمى بالجاهلي؛ ليس فقط بواسطة مرجليوث وطه حسين؛ بل سبقهما بقرون كثير من الكتاب العرب القدامى؛ أهمهم ابن سلام الجمحي( )، وابن هشام، الذي ارتكب جريمة إزالة شعر هجاء النبيِّ من كتاب السيرة النبوية لابن إسحق؛ وهو ثروة لغوية مهمة( ). وحتى الشعر المعاصر للرسول دارت حوله الشكوك( )، وربما كان هذا من أسباب لجوء النحويين الأوائل إلى فصحاء البدو؛ لأخذ قواعد اللغة من أفواههم.
وكل هذا لا يعنينا في هذا البحث؛ وإنما هو مجرد تمهيد للموضوع المقصود. الخلاصة أن المصحف العثماني قد أُنجز على مراحل، وفي وقت طويل، وأعيد نسخه وتنقيحه عدة مرات. لهذا يصعب كثيرًا الحكم بوجود أخطاء لغوية بمعنى الكلمة في القرآن؛ خصوصًا أن اللغة العربية القياسية لم تكن موجودة - بقواعدها المقررة - قبل عصر التدوين وصناعة النحو العربي؛ بل بعد الإسلام بعقود عدة. لذلك لا تصلح هذه اللغة معيارًا مطلقًا للغة القرآن؛ بل قد يكون النقيض هو الصحيح. ولا يوجد ما يؤكد أن كل العرب كانوا يتبعون قواعد معينة ثابتة وموحدة لدى كل القبائل؛ بل المرجح أنه كان هناك تباين في اتباع قواعد نحوية معينة؛ غير موضوعة بالطبع؛ بل متضمنة في اللغة المستخدمة فعليًّا؛ بدليل وجود طرق مختلفة لجمع كثير من الكلمات. لذلك يبدو لنا أن محاولات اكتشاف أخطاء لغوية في القرآن هيَ مجرد بحث عن سراب. فالأصل - إن صح التعبير – هو اللغة المستخدمة بالفعل؛ أيًّا كان تباين قواعدها، ومخالفتها للغة القياسية التي تم إقرار قواعدها بواسطة اللغويين، ولقواعد الكتابة الحديثة. ومن نافلة القول أن النحو العربي ما هو إلا محاولة لاكتشاف القواعد العامة السائدة للغة العربية؛ لأن اللغة نشأت قبل النحو، وليس بعده. أما اللغة القياسية فنشأت مع وضع قواعد النحو والصرف، وقواعد الكتابة الحديثة؛ ولذلك لا تصلح معيارًا لصحة أو خطأ القرآن، وأيِّ نص سابق على إقرارها. وبالطبع لا نعترف بالتعليلات الغيبية التي لجأ إليها كثير من الأئمة؛ للبرهنة على أصالة النص القرآني، ونقله حرفيًّا من الرقاع والعظام في مصحف أبي بكر، ثم عثمان، والاحتفاظ بالقراءات المتواترة عن الرسول... إلخ. فنحن نتعامل مع عملية جمع ونسخ القرآن كعمل بشري بحت؛ أما الإيمان بأصله الإلهي من عدمه؛ فخارج نطاق هذا البحث.
من المؤكد أن هناك (لحنًا) ما في القرآن بمعنى معين؛ الخروج على المألوف من لغة العرب؛ وهيَ ظاهرة رصدت أيام الرسول( ). والمألوف هنا هو كلام الأغلبية من العرب. وقد اعتادوا الخروج عليه في الكلام الموزون؛ كالشعر، والزجل، وهناك مئات؛ إن لم يكن آلاف الأمثلة على ذلك؛ متناثرة في كتب التراث، والخروج على العربية القياسية التي نكتب بها اليوم؛ والتي وضع قواعدها اللغويون العظام القدامى، واستخدام كلمات جديدة على لغة العرب، أو تعريب كلمات أجنبية، أو استخدامها بدون تعريب؛ كما سنرى. والباحث ينتقد ويرفض المحاولات العديدة للمدافعين عن الإسلام؛ لتطويعه قسرًا للعربية القياسية؛ خوفًا من التشكيك في أصله.
ومن المهم ملاحظة أن اللغة المكتوبة ليست انعكاسًا مباشرًا للغة المقروءة؛ فالكلمة غير اللفظ، والرسم غير النطق، وهناك تباين في حالات كثيرة بين نطق اللفظ وكتابته. وقد كتب القرآن في عهود أبي بكر، وعثمان، وكتب في الأمصار مرارًا، وظهرت مصاحف متعددة تتباين في الرسم؛ نظرًا لتطور أو تغير كتابة الأحرف العربية وطريقة نقش الكلمات، وكل رسم المصحف حسب معرفته، أو قناعته بطريقة الكتابة.
سنرى في هذا البحث كيف بذل كثير من المفسرين واللغويين جهدًا مضنيًا للبرهنة على اتباع القرآن للعربية القياسية؛ وكأنَّ هذا النحو سابق عليه، أو سابق عليه منطقيًّا؛ فيستخرجون النص من القواعد، وليس النقيض، بينما لجأ بعضهم إلى تعليلات خاصة بالبلاغة، أو بلغات القبائل المختلفة؛ وهيَ تعليلات أكثر وجاهة في العموم. ولجأ الكثيرون إلى ابتكار تعليلات نحوية لا تقنع أيَّ شخص يريد تطبيق النحو فعلًا بأمانة، ولكن البعض كان أكثر جرأة واتساقًا، حين أقر بأن هذه اللغة هيَ اللغة العربية كما استخدمها أصحابها؛ وهيَ لا تتبع النحو الموضوع بصرامة؛ فالعرب قد يغيرون من النحو للفت الانتباه، أو للمدح، أو الذم. وذهب البعض إلى أن لغة العرب هيَ ألسنة مختلفة، منها لغة طيِّئ، وبلحارث، وبني تميم، وقيس، وأسد.. إلخ. ويمكن أن نضيف أيضًا أن القرآن كتب بلغة أدبية بها شيء من الوزن والسجع، وفي هذا المجال أجاز العرب تجاوز التقاليد اللغوية التي اعتادوها؛ للمحافظة على الوزن والقافية.
ذكر البعض( ) رواية غير مقبولة؛ منسوبة لعكرمة؛ مولى ابن عباس، تقول: لما كُتبت المصاحف عُرضت على عثمان؛ فوجد فيها حروفًا من اللحن، فقال: لا تغيروها؛ فإن العرب ستغيرها - أو قال ستعربها بألسنتها - لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف( ). وهيَ رواية لا يمكن قبول صحتها؛ فكيف بعثمان الذي وحد رسم المصحف، وأشرف على كتابته، وتخلص من المصاحف المخالفة؛ أيْ التي بها لحن، وعدل بعض الألفاظ حسب الروايات؛ أن يعترف بوجود لحن - أيْ تغيير- في القرآن ويسكت عنه؟ وربما – كما ذهب أبو عمرو الداني - قصدوا باللحن اختلاف القراءة؛ بسبب غياب النقط والتشكيل.
خلاصة القول لا نجيز من حيث المبدأ فكرة البحث عن أخطاء لغوية في القرآن؛ ليس لأسباب غيبية؛ بل لما ذكرناه: عدم وجود معيار للصواب والخطأ سابق على القرآن نفسه، ويضاف للقرآن أيضًا كافة النصوص العربية السابقة على وضع النحو وقواعد اللغة. فاللغة المستخدمة هيَ الأصل؛ أما القواعد فتم استخراجها من اللغة.

***********************************
2: تاريخ الكتابة العربية وصناعة النحو العربي:

سنتناول هذا الموضوع الواسع في حدود علاقته بموضوعنا؛ إشكاليات لغة القرآن.
نشأة الخط العربي غير معروفة بالضبط. وقد اختلف الباحثون المختصون أيما اختلاف في ذلك؛ فقال البعض إنه تأثر بخط المسند( )، بينما ذهب أغلب الباحثين وخبراء اللغات إلى أنه نشأ من السريانية، أو النبطية، وكلتاهما منحدرة من الخط الآرامي. وقد ذهب باحث مختص إلى أن قرابة العربية والسريانية هيَ أوضح ما تكون بين هاتين اللغتين وبين العربية وأيِّ لغة أخرى من اللغات القديمة( )، ولكن حسب أهم الأبحاث نشأ الخط العربي من الكتابة النبطية( )، وتأثر ببقية الخطوط السامية؛ خصوصًا أن علامات الإعراب (الضمة والفتحة والكسرة) كانت موجودة في اللغة البابلية القديمة؛ حسب كلام المختصين؛ بالضبط كما هيَ موجودة بالعربية الفصحى( )، كما أن هناك تشابهًا كبيرًا بين العربية والنبطية في النحو والصرف( ). ومن المرجح أن العرب كتبوا في العصور المبكرة بأحرف من لغات مختلفة، أو بخليط من هذه الأحرف؛ بدليل أن النقوش القديمة المكتشفة ليست عربية واضحة؛ بل متأثرة بأكثر من خط؛ بحيث اختلف المختصون في تحديد أصل تلك اللغة. ومن المرجح - حسب بحوث المختصين( ) - أن خط العربية البائدة تأثر أكثر بخط المسند، بخلاف العربية الباقية( ) - التي كُتب بها القرآن - التي تأثرت أكثر بالخط النبطي، ثم السرياني.
أما اللغة العربية (بخلاف الخط العربي)؛ فقد نشأت إما مع بقية اللغات السامية في أوقات متقاربة، وتداخلت نتيجة اتصال الشعوب المختلفة، أو أن هذه جميعًا تنتمي إلى لغة واحدة، واختلفت الألسن نتيجة تفرق الشعوب. ولم يثبت أحد بشكل مؤكد أيَّا من الاحتمالين. والمؤكد أن اللغات السامية قد اشتركت في كثير من الألفاظ( )؛ أحيانًا بمعانٍ مختلفة( ) (وهذا أمر مهم في حالة قراءة بعض كلمات القرآن باعتبارها غير عربية)، وحتى أصوات بعض الحروف( )، وكثير من قواعد النحو والصرف( ). نقصد من كل هذا أن العربية ليست لغة معزولة ونقية وذات صيغة نهائية؛ بل تداخلت مع لغات سامية أخرى؛ بل وحامية أيضًا بدرجة ما( )، وأنها قد شهدت تغيرات زمنية متلاحقة؛ وبالتالي كُتبت في كل زمن بطريقة مختلفة، وهذا له علاقة بلغة القرآن التي كتبت في فترة انتقالية حاسمة في حياة العرب الاجتماعية والثقافية؛ فمن المؤكد أن لغته قد عكست مرحلة الانتقال تلك.
ويشيع الاعتقاد بأن الكتابة العربية قبل الإسلام لم تكن منقوطة ولا مشكَّلة، وأن هذا قد تم بعد نحو أربعين عامًا من تدوين القرآن.
انقسم الباحثون حول هذا الموضوع؛ فمنهم من قال بأن النقط (علامات الإعراب)، والإعجام (نقاط الحروف) قديمان في اللغات السامية؛ والعربية واحدة منها، ونفت الأغلبية ذلك؛ فقالت بأن الأبجدية العربية كانت لا تعجم ولا تعرب؛ كأخواتها الساميات باستثناء الأبجدية الحبشية.
ومن الغريب أن تكون الحروف العربية - قبل الإسلام وفي أيِّ وقت - بدون نقط على الحروف؛ ومن البديهي أن نتساءل عن الذي وضع الحروف واخترعها أيًّا كان هو.. كيف ميز بين حروفها المتشابهة كالسين والشين والصاد والضاد والباء والتاء والثاء والنون...؟ ولماذا لم يرسم هذه الحروف بأشكال تميزها عن بعضها حسب النطق؟ كذلك لنا أن نتساءل كيف كان العرب يتكاتبون ويقرأون بدون نقط وعلامات إعراب؟! وقد كانت الكتابة النبطية أيضًا غير منقوطة؛ فهل احتفظت العربية بهذا الأصل أم تأثرت بالسريانية وهيَ منقوطة؟ وقد كانت هناك علاقات تجارية وثيقة بين العرب وسكان الشمال المتحدثين بالآرامية، كما كانت لغة الكتاب المقدس ليهود جزيرة العرب.
استبعد عدم تنقيط العربية عدد من العلماء؛ منهم الإمام القلقشندي( )؛ في الغالب نقلًا عن هشام الكلبي، بغض النظر عن تبنيه للرواية الشهيرة عمن وضع الحروف( ): “أول من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من قبيلة بولان على أحد الأقوال؛ وهم مرار بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة، وأن مرارًا وضع الصور، وأسلم فصل ووصل، وعامرًا وضع الإعجام؛ وقضية هذا أن الإعجام موضوع مع وضع الحروف... يبعد أن الحروف قبل ذلك مع تشابه صورها كانت عرية عن النقط إلى حين نقط المصحف”. وقد أخذ بهذا الزعم حاجي خليفة: اعلم أن الصدر الأول أخذ القرآن والحديث من أفواه الرجال بالتلقين، ثم لما كثر أهل الإسلام اضطر إلى وضع النقط والإعجام؛ فقيل إن أول من وضع النقط مرار (مرامر) والإعجام عامر وقيل الحجاج وقيل أبو الأسود الدؤلي بتلقين علي رضيَ الله تعالى عنه، إلا أن الظاهر أنهما موضوعان مع الحروف؛ إذ يبعد أن الحروف مع تشابه صورها كانت عرية عن النقط إلى حين نقط المصحف( )، كما أقر بنفس الشيء صدِّيق بن حسن القنوجي؛ وهو حديث نسبيًّا؛ فقيل: أول من وضع النقط مرار، والإعجام عامر، وقيل: الحجاج، وقيل: أبو الأسود الدؤلي؛ بتلقين علي كرم الله وجهه إلا أن الظاهر أنهما موضوعان مع الحروف( ).
ويعزز هذا ما نُسب لابن مسعود قوله: جردوا القرآن، وأن ابن عمر وابن قتادة كانا يكرهان تنقيطه( )، كما نقل ابن أبي داود( ) كراهة نقط المصحف؛ من جانب كل من الحسن، وابن سيرين، وعباد بن عباد الخواص، وقتادة، وإبراهيم النخعي. وهذا معناه أنه كان منقوطًا في ذلك الوقت؛ أيْ بواسطة زيد بن ثابت على الأقل، أو من قبل. وهناك ما يدل على أن نقط أبي الأسود الدؤلي كانت نقط الإعراب وليست نقط الإعجام( )، وهي ما حولها الفراهيدي إلى علامات الرفع والنصب والجر الحالية( ). وقد ذكر ابن الجزري ما يعزز أن القرآن كان منقوطًا منذ عهد الرسول؛ بأن الصحابة لما كتبوا تلك المصاحف جردوها من النقط والشكل( ). كذلك استنتج أبو عمرو الداني أن الصحابة وأكابر التابعين هم المبتدئون بالنقط ورسم الخموس والعشور( ). ورويَ عن النبيّ أنه قال لكتبة الوحي: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاكتبوها بالياء( ). وهناك قول منسوب لمحمد بن عبيد بن أوس الغساني - كاتب معاوية بن أبي سفيان - ذكره الخطيب البغدادي: حدثني أبي، قال: كتبت بين يدي معاوية كتابًا فقال لي: يا عبيد ارقش كتابك، فإني كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا رقشته، قال: قلت وما رقشه يا أمير المؤمنين؟ قال: أعط كل حرف ما ينوبه من النقط( ).
كما ذكر الطبري ما يعزز ذلك: واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {فَتَبَيّنُواْ}؛ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة {فَتَثَبّتُواْ} بالثاء، وذُكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء( ). كذلك ذكر الفرَّاء: حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرَّاء، قال حدّثني سفيان بن عُيَيْنة رفعه إلى زيد بن ثابت قال: كُتب في حجر ننشزها ولم يتسن وانظر إلى زيد بن ثابت فنقَط على الشين والزاي أربعًا وكتب (يتسنه) بالهاء( ). وقد كانت اللغة الآرامية منقوطة منذ القرن السادس( ) قبل كتابة القرآن، واستخدم السريان الغربيون رموزًا تدل على الحركة (منها الفتحة والكسرة والضمة) منذ القرن الثامن( )، وكانت واسعة الانتشار في الهلال الخصيب وشمال جزيرة العرب ووصلت مناطق أخرى، وقد كانت العربية متأثرة بها ومعاصرة لها. وربما كان البعض ينقط والبعض لا. ويبدو أن نقش جبل الرم المكتوب قبل الإسلام بنحو قرنين كان به بعض الحروف المنقوطة (ي – ج – ن)( )، وكذلك نقش أم الجمال الثاني( )، بينما نقش القاهرة المكتوب عام 32 هجرية غير منقوط( )، مما يفيد بأن التنقيط وعدم التنقيط قد تزامنا، وأن التنقيط كان لبعض الحروف - دون غيرها - في النص الواحد.
ويعتقد بعض ممن يرفضون أن العربية كانت منقوطة أنها في ذلك كانت متأثرة بالخط النبطي؛ وهو غير معجم، وبه أحرف تنطق بأكثر من صوت كالعربية( )؛ وهذا صحيح ولكن تأثير السريانية مؤكد أيضًا.
عمومًا لا يوجد شيء مؤكد في هذه القضية، وكل المتاح قرائن وتكهنات؛ أكثر منها أدلة قاطعة.
أما تاريخ تنقيط، أو إعادة تنقيط المصحف، ووضع العلامات؛ فغير معروف بالضبط، والروايات متباينة. وأكثر العلماء رأى أن أول من نقَّط المصحف هو أبو الأسود الدؤلي، والبعض قال يحيى بن عمرو، وأن الخليل بن أحمد هو الذي جعل الهمز، والتشديد، والرَوم، والإشمام( ). والشائع أن التنقيط تم بعد مصحف عثمان بـأربعين سنة، لكن هناك ما يدل على أن تنقيط الحروف بدأ قبل أبي الأسود الدؤلي على الأقل؛ مما يتضح في نقش يسمى (بردية أهناسيا) مكتوب سنة 22 هجرية( ).
يبدو أن عدم تنقيط وإعجام المصحف في عهدي أبي بكر وعثمان كان نتيجة لتعدد القراءات؛ وليس سببًا له. وما يمكن استنتاجه أن الخلافات كانت ستندلع لو أصر الخليفة على فرض قراءة بعينها؛ فترك الأمر للخيار الشخصي. وقد أشار أبو عمرو الداني إلى ذلك: “ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم (يقصد الصحابة الأوائل) وما اتفقوا عليه، أو أكثرهم فلا شكوك في صحته ولا حرج في استعماله وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة”( ). وقد سادت قراءة عاصم برواية حفص بسبب سلاستها كما قيل، أو لأن الدولة العثمانية تبنتها لسبب ما، وطبعت بها المصحف، ثم أذيعت في الإذاعات، وتبنتها البلدان التي حكمها العثمانيون على الأقل( ).
وما يعنينا - من كل ذلك - أن عملية تجريد المصحف لدى جمعه، ثم توحيد رسمه؛ فتحت الباب واسعًا أمام ظهور قراءات عديدة، واختلافات في رسم المصحف العثماني، كما أنه لو كان المصحف منذ البداية منقوطًا ومشكلًا بالكامل، وبطريقة لا تحتمل اللبس، وتم جمعه وهو على هذه الحال، وكتابته حسب تسلسله الزمني، أو حتى حسب الموضوعات التي يتضمنها؛ لما ظهرت لا قراءات، ولا مصاحف عديدة، ولا علوم قرآنية عدة نشأت بسبب الاختلاف في القراءات؛ مثل علوم: القراءت - الوقف والابتداء – مناسبات النزول – الأحرف – التجويد - التفسير - الناسخ والمنسوخ - غريب القرآن - إعراب القرآن؛ بخلاف التعقيدات البالغة للنحو العربي. فالغالب أن القرآن لم يكن في البداية لا مدونًا بوضوح، ولا تنقيطه كان كاملًا، وكان هناك اعتماد على الرواية الشفهية؛ بل نميل - وفقًا للمعطيات السابقة - إلى أنه كان يُقرأ بقراءات مختلفة؛ بسبب النقل الشفهي؛ غير الدقيق دائمًا بطبيعة الحال، وعدم وضوح الكتابة، وعدم إتاحتها لعموم الناس. ولهذا وجدت لجنة أبي بكر صعوبة في جمعه، واضطر عثمان إلى إعادة جمعه، وإجراء تعديلات يدل عليها القول المنسوب إليه: فإذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش( )؛ بالإضافة إلى إتلاف مصاحف عديدة..
أصول النحو: رغم الاعتقاد الجازم لدى المسلمين بأن لغة القرآن هيَ قمة العربية الفصحى؛ لم يعتمد النحويون واللغويون عليه وحده لدى وضعهم قواعد النحو والصرف؛ فلجأوا إلى مصادر أخرى بجانب القرآن؛ بحيث يمكن أن نقول إنه قد صار هناك معيار للغة القرآن من خارجه للحكم عليه.
استمد النحويون المادة الخام للغة العربية من عدة مصادر:
- القرآن: وقد تم الاستناد إلى كل المصاحف؛ بما في ذلك القراءات المسماة (شاذة) التي تعد أقرب للعربية (الأصلية) من الأحاديث مثلًا؛ لأنها سبقت جمع الأحاديث. وقد اشتغل كثير من القراء بالنحو؛ منهم كبار النحاة الأوائل؛ كالفراهيدي، كما جمع أئمة النحو بين اهتمامهم به واهتمامهم بالقراءات؛ ومنهم سيبويه. وهناك من النحويين من استبعد قراءات معينة؛ مثل المبرد؛ أما الأغلبية فأخذوا بها أحيانًا؛ مفضلين بعضها.
- الشعر السابق على الهجرة بـمئة وخمسين سنة واللاحق عليها بـمئة وخمسين سنة: هذا رغم أن الشعر لا يتبع قواعد النحو ولا المتعارف عليه من اللغة؛ بدافع بلاغي؛ وقد أقر سيبويه بذلك، ولكن يبدو أن عدم وجود نصوص نثرية قبل القرآن قد اضطر النحويين إلى البحث عن مصادر نحوية في الشعر بالشرط المشار إليه.
- كلام من اعتبروا فصحاء العرب من البادية، بينما تمت تنحية الحضر؛ خصوصًا في المراحل المبكرة، وكثير منهم كان يحصل على المال مقابل عبارات يذكرها للنحاة، والبعض كان غير أمين في نقل اللغة لهم. وقد تم اعتماد قبائل معينة كمصادر للغة على أساس نقاء عربيتها؛ هيَ: تميم – بعض طيِّئ – أسد – بعض كنانة – قيس - هذيل( )؛ بل وجدنا من البصريين من يفتخر بأخذهم النحو من لغة البدو؛ متهمًا الكوفيين بالأخذ من الحضر( ). ورغم أن عموم النحويين اعتمدوا لغة المدر دون الحضر؛ لنقائها، إلا أنهم اعتبروا لغة قريش أفصح اللغات، وهيَ لغة حضرية، أيْ ليست نقية حسب معيار اللغويين، وقد اختلط في مكة الناس واللغات. والحجة أن قريشًا خالطت كل العرب وأخذت بأفصح لغاتهم( )، وهذا الكلام أصبح مرفوضًا من اللغويين المحدثين، وقد قدموا الكثير مما يدحض هذا التصور( ). والأرجح أن احترام لغة قريش جاء من كون الرسول قرشيًّا؛ مما أضفى عليها سمة التقديس. وقد ساهم الاعتماد على لغات البدو - وجعل لغة قريش مرجعًا أساسيًّا للنحو- في مزيد من الاضطراب في هذا العلم؛ فإذا كان معيار الفصاحة هو البدوية؛ لكان من المنطقي تنحية لغة قريش كمصدر؛ أما إذا كانت هذه أفصح لغات العرب فوجب الاكتفاء بها مصدرًا لعلوم اللغة العربية الفصحى. أما التناقض بين فكرتين كلتيهما عنصرية؛ فكان مصدرًا للاضطراب؛ بل إن لغة فصحاء البدو نفسها صارت موضع شك لدى النحاة مع الوقت، وبعد أن أصبحت لديهم أدوات معيارية للغة العرب؛ فصاروا يشككون في فصاحة بعص الفصحاء – فرضًا - من البدو؛ مناقضين منطلقاتهم الأولى.
وحسب مصادر اللغويين؛ لم يكن كل العرب يتبعون قواعد معينة؛ مثل نصب، أو رفع المبتدأ بعد (ليس)، والنحويون أخذوا بالأغلبية( )، وبعضهم أجاز استخدام لسان الأقلية أيضًا؛ مثل سيبويه والفرَّاء في أكثر من موضع لكل منهما. فكان النحاة الأوائل أكثر مرونة؛ إلا أنه مع تطور اللغة صارت القواعد أكثر صرامة؛ فاعتبر كلام الأقلية خطأ وهذا سبَّب مشكلة في إعراب القرآن. وقد أثرت القراءات المتعددة في الخلافات بين النحويين؛ فراح بعض النحويين يطعن في بعض القراءات لمخالفتها النحو؛ منهم أبو عثمان، والمازني، وأبو الحسن الأخفش.
– الرواية النثرية: منها أمثال العرب، ورسائل الرسول للملوك، وقد اعتمد عليها النحويون أكثر من الشعر؛ لما سبق ذكره.
– الحديث النبويِّ في عهود أحدث: وقد أخذ بها المحدثون من النحويين، بينما رُفض الأخذ بها في بداية وضع النحو. أما ما ذُكر عن أحاديث دُونت في عهد الرسول؛ منها ما دونه عمرو بن العاص في صحيفة اسمها الصادقة؛ فكلها موضع شك في مصدرها؛ حيث لم يأمر الرسول بتدوينها.
الخلاصة أن مصادر النحو شملت غير القرآن مصادر أخرى عديدة؛ بحيث يمكن أن نستنتج أن لغة القرآن ليست هيَ المعيار المطلق للنحو؛ بل ربما تضمنت لغات الأقلية التي سبق الإشارة إليها. ومن هنا جاءت الاختلافات بين لغة المصحف وقواعد النحو؛ في بعض المواضع.
المرحلة التالية للاستماع إلى تلك المصادر كانت هيَ الاستقراء، والقياس النحوي، والعلة النحوية؛ ومن هنا ظهرت قواعد نحوية استخدمت في استنباط أحكام النحو دون الاستماع إلى لغة العرب؛ مثل تصريف كلمة قياسًا لكلمة أخرى..
أخذ جل النحاة عن الأغلبية، أو الغالب؛ اللغة الفاشية بتعبيرهم، ونحُّوا القلة بقدر ما استطاعوا، وحتى سيبويه فعل ذلك؛ اللهم إلا قليلًا. لذلك لا تنطبق قواعد النحو على كل النصوص العربية الأصلية؛ ومنها بعض القرآن؛ بل يمكن أن يخرج عليها.
وقد أباح النحويون خروج الشعر على النحو، وأجازه ابن مالك للضرورة فقط؛ فهو يرى أن الضرورة الشعرية تقع حين لا يكون للشاعر مندوحة عنها، وحين يكون عاجزًا عن التصرف في العبارة، كما أجاز ذلك في النثر أيضًا.
النحو- وكذلك الصرف - ليس شيئًا واحدًا كما أشرنا من قبل؛ بل به خلاف؛ فمثلًا البصريون يميلون للقياس، والكوفيون يميلون للنقل، أو على الأقل الاستقراء من عدد قليل من الشواهد اللغوية، وبينهما أكثر من مئة خلاف( )؛ وهما أكبر مدارس النحو، كما توجد مدارس أخرى؛ البغدادية، والأندلسية، والمصرية( )، كما أن علم النحو قد تطور مع الوقت وغيَّر مصادره.
لقد لعب الاعتماد على لغات البدو المتعددة دون الحضر- وعدم الاكتفاء بلغة الخاصة من العرب في وضع قواعد النحو- دورًا كبيرًا في اضطراب علم النحو العربي، ومفاقمة انقسام النحويين، وبالتالي ظهور جدل كبير حول بعض عبارات، أو كلمات القرآن. وكان الأجدر بالنحويين الاعتماد على لغة الخاصة من العرب؛ الشعراء والخطباء – والأهم: القرآن نفسه - لأن لغتهم كانت أكثر تطورًا من لغات القبائل البدوية المعزولة، وكانت بالطبع أقرب إلى لغة القرآن. وفي هذه الحالة كان من المؤكد أن اختلافات النحويين ستكون أقل، ولكن لن تنعدم بالطبع؛ لأن القرآن نفسه ليس نصًا موحدًا؛ بل لعب تعدد القراءات دورًا غير قليل في التنوع الكبير في قواعد النحو والصرف.
ورغم الخلافات بين النحويين؛ صار النحو العربي بمدارسه سلطة معرفية ازدادت قوة مع الوقت، وفرض النحاة قواعدهم فرضًا؛ حتى على فطاحل الشعراء؛ وبالتالي جعلوها حتى معيارًا للغة القرآن؛ الأكثر مرونة، ونحوا جانبًا كلامًا كثيرًا للعرب؛ مكتفين بكلام الأغلبية كما بلغهم؛ بل واستخدموا القياس لاستنباط قواعد جديدة غير مرصودة في كلام العرب. فبعد أن كان النحاة يتسولون، أو يشترون الكلام من فصحاء البدو؛ لبناء علمهم؛ صاروا يوجهون الانتقادات لفحول الشعراء وكبار الفصحاء؛ لأنه يخرج على القواعد التي سنّوها( ). وبناء على قواعد النحو والصرف التي سنوها؛ كشفوا عما أسموه شذوذًا (بمعنى مخالفة كلام الأغلبية سواء في الاستعمال أو القياس أو كليهما( )) لبعض الصيغ القرآنية بما فيها القراءات السبع؛ مثل: حذف (أن) المصدرية في: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡىِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآ} (سورة الروم: 24)، واعتبار جمع {ٱلۡأَحۡمَالِ} شاذًا أيضًا في:{وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ} (سورة الطلاق: 4)( )، وغيرها كثير؛ بخلاف شذوذ قراءات عديدة غير السبع أو العشر. وهم إن لم يتجرأوا على القرآن بشكل مباشر- إلا قليلًا- راحوا يبذلون الجهد المتكلف لإخضاعه لقواعدهم وقياساتهم.
لقد صار النحو معيارًا للفصاحة العربية؛ رغم كونه مصطنعًا، أو مبتدعًا جزئيًا.
وكان ضمن نتائج ذلك إنتاج قواعد نحوية بالغة التعقيد، وأصبح لا يستطيع المرء العادي المتعلم أن يقرأ ويكتب العربية على نحو ما يريد النحاة؛ بل صار من الضروري أن يكون المرء متخصصًا في علوم اللغة حتى يجيد استعمال العربية.
وبناء على النحو قام النحويون بقراءة القرآن، محاولين إعرابه؛ وفقًا لتلك القواعد؛ محاولين تطويع النص لقواعدهم بشكل ظهر متكلفًا في أحيان كثيرة، كما سنرى؛ بل ومنتقدين نصوص بعض قراءاته أحيانًا. وقد أقروا قراءات اعتبروها متواترة، بينما حكموا على الأخرى بأنها شاذة؛ ومنها قراءة ابن مسعود الذي عاصر النبيَّ واستمع منه للقرآن.
ومن النحويين من اعتبر القراءات سُنَّة؛ مفضلًا بعضها على بعض؛ مثل سيبويه، ومن حدد القراءات التي اعتبرها صحيحة واعتبر الباقي خطأ، ومنهم المبرد الذي وصف بعض القراءات الشاذة باللَّحن، والغلط، والقبح، وعدم الجواز( ).
ونظرًا لاختلاف القراءات، وخروج القرآن على عرف اللغة القياسية كثيرا؛ ظهرت مسائل جدالية فيما يخص كثيرًا من ألفاظ وعبارات القرآن؛ سنقدم بعضًا منها حسب القراءة السائدة حاليًّا؛ قراءة عاصم برواية حفص، طريق الشاطبية. والقراءة منسوبة لعاصم بن بهدلة أبي النَّجُود الكوفي؛ وتمت روايتها، أو نقلها، عن طريق حفص بن سليمان الكوفي؛ وهذه الأخيرة نُقلت للقراء بثمانية وخمسين طريقا بينهما اختلافات محدودة( )؛ أشهرها طريق الشاطبية؛ وهو منظومة شعرية تسمى: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع لأبي القاسم الرعيني الشاطبي الأندلسي، وقد نقل الروايات من طريق آخرين سبقوه، وطريق روضة ابن المعدل وتسمى: روضة الحفاظ بتهذيب الألفاظ لأبي إسماعيل موسى بن الحسين بن إسماعيل بن موسى بن المعدل، وقد نقل الروايات عن آخرين قبله. وقد شرح كل من الشاطبي وأبي إسماعيل ما يميز رواية حفص حسبما وصلته. أما الطرق الأخرى فأقل شهرة، لكنها تستخدم في تلاوة القرآن( ).
وبالنسبة للقراءات الأخرى؛ فقد تجادل فيها المفسرون واللغويون أيضًا، وتمتلئ كتب التراث بهذا الجدل( )، وسنشير إليها حين يتطلب موضوع البحث.

*****************************
3- عدم التطابق بين المعطوف والمعطوف عليه:

الآية 69 من سورة المائدة:
وهيَ من أكثر الآيات التي أثارت الجدل بين النحويين.
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ}.
وقد تكررت الآية في سورة البقرة (آية: 62)، مع تقديم {ٱلنَّصَٰرَىٰ} على {َٱلصَّٰبِـٔينَ}، ونصب اللفظ الأخير:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ}.
وتكرر النصف الأول منها مع إضافة {َٱلۡمَجُوسَ} في سورة الحج:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبـِ‍ِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ شَهِيدٌ} (آية: 17).
ومن المعروف أن من قواعد اللغة العربية القياسية، أن (إنَّ) تنصب المبتدأ، وترفع الخبر، وأن المعطوف يكون مثل المعطوف عليه: نصبًا، أو رفعًا، أو جرًا. وتكمن إشكالية الآية 69 من سورة المائدة في رفع لفظ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ}؛ خلافًا لتلك القواعد؛ وهو ما أثار كثيرًا من الخلاف بين اللغويين ومفسري القرآن؛ منذ عصر التدوين، ودار الجدل في محاولات مضنية لنفي أيِّ خروج محتمل في القرآن على العربية القياسية؛ مع استخدام كل التعليلات الممكنة؛ كما سنرى في هذا العرض.
- خلاصة رأيِ سيبويه( ):
{ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} مبتدأ في جملة جديدة، كما قال الشاعر بشر بن أبي خازم:

وإلاّ فاعلَموا أنّا وأنتم... بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ
كأنَّه قال: بُغاةٌ ما بقينا وأنتم.
وهذا رأي البصريين عمومًا( ).
وهو تعليل لا يبرر الآية الأخرى التي نصبت فيها {ٱلصَّٰبِـٔين}.
وفي باب: (ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة)؛ قال:
انتصابَه إذا صار ما قبله مبنيًّا على الابتداء لأن المعنى واحدٌ في أنه حالٌ وأن ما قبله قد عمِل فيه ومنعه الاسمُ الذي قبله أن يكون محمولًا على (إنَّ).
وذلك قولك: إن هذا عبدُ الله منطلقًا، وقال تعالى: إن هذه أمتُكم أمة ً واحدة ً....
وأما قوله عزّ وجلّ: {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} فعلى التقديم والتأخير كأنَّه ابتدأ على قوله والصابئون بعدما مضى الخبر( )؛ وهذا هو نفس تعليقه في الفصل المشار إليه أعلاه. وليس من الممكن اعتبار {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} حالًا؛ فلماذا ضرب هذه الأمثلة؟! أما اعتبارها مبتدأ فممكن، لكن ما حال الآية الأخرى الشبيهة؟
- وقد ذهب صاحب “مشكل إعراب القرآن”( ) مذهبًا مشابهًا: والصابئون: مبتدأ وخبره محذوف لدلالة خبر الأول عليه، والنية به التأخير، والتقدير: إن الذين ءامنوا.. من آمن.... والصابئون كذلك.
أما في إعراب الآية 62 من سورة البقرة؛ فلم يعلق على نصب {ٱلصَّٰبِـٔين}؛ {مَن}: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ، جملة {فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ}: جواب شرط جازم مقترن بالفاء، {عند ربهم}: ظرف مكان متعلق بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر، {وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ}: {لا} نافية تعمل عمل ليس، {خَوۡفٌ} اسمها مرفوع. وجملة {مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ}: في محل رفع خبر {إِنَّ ٱلَّذِينَ}، وجملة ولا خوف عليهم: معطوفة على جواب الشرط في محل جزم( ).
وحين أعرب آية سورة الحج قال: إن جملة {إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ} هيَ خبر لعبارة {إنَّ الذين}، والظرفان: {بينهم}، و{يَوۡمَ} متعلقان بـ {يَفۡصِلُ}( ).
فلماذا تكون اسم شرط مبتدأ... إلخ في سورة المائدة، وليست كذلك في سورة الحج؛ رغم أن ترتيبها واحد في الموضعين؟
- تفسير العكبري( ) معناه أن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} تُقرأ بالنصب عطفًا على {ٱلَّذِينَ}، وهذا جاء في قراءات شاذة لكنه صحيح باللغة القياسية؛ مثل آية سورة البقرة. والقراءة الأشهر بالرفع. وفيها أقوال:
الأول قول سيبويه. والثاني أنه معطوف على موضع {إِنَّ}؛ مثل: إن زيدًا وعمرو قائمان. وهذا خطأ لأن خبر (إنَّ) لم يتم، و(قائمان) إن جعلته خبر (إنَّ) لم يبق لعمرو خبر، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لـ (إنَّ) خبر، ثم هو ممتنع من جهة المعنى لأنك تخبر بالمثنى عن المفرد. وكذلك لو قلت: إن عمرًا وزيد قائم، فرفعت زيدًا جاز على أن يكون مبتدأ وقائم خبره، أو خبر إنَّ، ومعنى كلامه أن (إنَّ) يكون لها اسم وخبر لهذا الاسم وحده دون المعطوف عليه إن وجد. والقول الثالث أن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} معطوف على الفاعل في {هَادُواْ}. وهذا فاسد لوجهين: أحدهما أنه يوجب كون الصابئين هودا وهم ليسوا كذلك. والثاني أن الضمير لم يؤكد. والقول الرابع أن يكون خبر {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} محذوفًا وهو ضعيف أيضًا. والقول الخامس أن {إِنَّ} بمعنى (نعم)؛ فما بعدها في موضع رفع؛ فـ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} كذلك. والسادس أن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} في موضع نصب، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال، والجمع بالواو على كل حال وهو بعيد. والقول السابع بجعل النون حرف الإعراب.
واضح أنه قد أخذ بالتفسير الخامس، ولكن هذا لا يفسر لنا نصب نفس الكلمة في آية سورة البقرة، كما أن اعتبار {إنَّ} بمعنى (نعم) فيه جدل بين النحويين، وليس من المعطيات الثابتة في لغة العرب، لكنه محتمل.
رأيُ ابن جنيِّ( ): فإن عطفت على اسم (إنَّ)، ولكن بعد خبرهما (التشديد من عندنا) جاز لك النصب على اللفظ، والرفع على موضع الابتداء، تقول: إن زيدًا لقائم وعمرًا، وإن شئت قلت وعمرُو، وكذلك: لكن جعفرًا منطلق وبِشْرًا، وإن شئت قلت وبشرٌ، ولا يجوز العطف على معنى الابتداء مع بقية أخواتها لزوال معنى الابتداء وتشبه (لا) بـ (إن). وهذا لا يعلل شيئًا؛ فـ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} معطوف على اسم {إنَّ}، لكن قبل خبرها وليس بعده.
وذهب الكوفيون عمومًا - ومنهم الفرَّاء - إلى أن ذلك إنما يجوز إذا لم يظهر عمل؛ فـ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} رفعٌ بالعطف على موضع إنَّ ]المقصود موضع اسم إنَّ قبل دخولها على الجملة فتكون (إنَّ) لا عمل لها مع {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ}[، ولم يأت بالخبر الذي هو {مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ}. ورويَ عن بعض العرب: (إنّك وزيدٌ ذاهبان) وهذا النصٌّ مثال على ما ذهبوا إليه؛ فـ (زيد) جاءت بالرفع بينما الكاف في (إنَّك) منصوبة لأنها اسم (إنَّ)، والمقصود أن (زيدٌ) ليس اسما لإنَّ بل معطوف على اسمها قبل إضافتها للجملة، ولكنها أضيفت للجملة؛ فالفروض أن تؤثر في إعرابها، وهذا ما تجاهله الكوفيون، كأنَّ (إنَّ) لا عمل لها. فأمّا أبو الحسن، والكسائيّ، فأجازاه سواء كان يظهر فيه عمل العامل، أو لم يظهر؛ نحو القول: إنَّ زيدًا وعمرٌو قائمان، وإنّك وبكرٌ منطلقان( )، وعلى ذلك يجوز رفع أو نصب {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ}. خلاصة القول أن (إنَّ) ضعيفة تؤثر في الاسم دون الخبر( )؛ وهو نفس كلام الفراء؛ إلا أن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} معطوفة على اسم {إنَّ}، وليست بخبر؛ فيكون كلام الفراء غير متسق( ).
آراء بعض مفسِّري القرآن:
ابن كثير: قال إنه “لما طال الفصل حسن العطف بالرفع”. وهو تعليل ضعيف؛ فالفصل لم يطل؛ فلفظ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} هو المعطوف الثاني في آية سورة المائدة، وجاءت منصوبة رغم أنها أيضًا المعطوف الثاني في آية سورة الحج ومنصوبة كذلك؛ رغم أنها جاءت المعطوف الثالث في آية سورة البقرة؛ أيْ كان الفصل أطول ولم ترفع.
الثعالبي( ): فاختُلف في إعرابها، ومذهب سيبويه، والخليل، ونحاة البصرة: أنه من المقدّم الذي معناه التأخير.. ووجه ثان أن خبر إنَّ محذوف؛ أيْ (إن الذين ءامنوا لهم أجرهم)، وخبر الصابين {مَنۡ ءَامَنَ} وما بعده. قال ابن عصفور وهو حسن جدًا إذ ليس فيه أكثر من حذف خبر (إنَّ) للفهم وهو جائز في فصيح الكلام. وذكر قول ابن مالك: وهو أسهل من التقديمِ والتأخيرِ. وقيل: إن أصلها (الصابئِين) في موضِعِ نصب، ولكنه جاء على لغة بلحارِثِ الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال، والجمع بالواو على كل حال؛ قاله أبو البقاء، وقيل غير هذا.
لكن خبر إن هنا غير محذوف كما هو واضح من الآية؛ وإلا فما وضع {فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ}؟
القرطبي: لم يقدم رأيًا خاصًّا؛ إنما ذكر بعض الآراء لغيره: {وٱلَّذِينَ هَادُواْ} معطوف، وكذا {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} معطوف على المضمر في {هَادُواْ} في قول الكسائي، والأخفش. قال النحَّاس: هذا خطأ من جهتين؛ إحداهما أن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكَّد( ). والجهة الأُخرى أن المعطوف شريك المعطوف عليه؛ فيصير المعنى أن الصابئين قد دخلوا في اليهودية وهذا محال، ثم ساق رأيَ الفرَّاء السابق، ودعَّم الرأي القائل بأن {إنَّ} بمعنى (نعم)؛ فـ {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} مرتفع بالإبتداء، وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر. وربما جاءت {إنَّ} بمعنى (نعم) في قول الشاعر عبيد الله بن قيس الرقيات المتوفي عام 85 هجرية( ):
بَكرَ العواذلُ في الصَّبا ... حِ يلمْنَني وأَلُومُهُنَّهْ
ويقُلْنَ شَيْبٌ قد علاَ ... كَ وقد كبِرت فقلت إنّهْ
قال الأخفش: (إنه) بمعنى (نعم)، وهذه الهاء أدخلت للسكت.
وإذا قبلنا هذا تكون إنَّ قد جاءت بمعنى (نعم)، لكن في آخر الجملة لا في أولها، وهذا يختلف عن موضعها في الآية موضوع الجدال.
- جلال الدين السيوطي( ): والتقدير: إن الذين ءامنوا والذين هادوا إلى قوله: فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك؛ فحذف الخبر وفصل بين اسم إن بمبتدأ مؤخر تقديرًا. وقال الشاعر:
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيارًا بها لغريب
أيْ: إني لغريب وإن قيارًا كذلك.
وهو نفس رأيْ سيبويه وعامة البصريين كما رأينا.
- أبو حيان الأندلسي: قال في تفسير البحر المحيط ما يعني أن هذا يحتمل أكثر من قراءة؛ فهناك قراءات بالنصب: {وَٱلصَّـٰبِ‍ِٔينَ}، وغيرها بالرفع: {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} وقرأ القراء السبعة: {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} بالرفع، وعليه مصاحف الأمصار، والجمهور. وذكر التعليلات المختلفة: تعليل كل من البصريين، والكوفيين السابق، ورأي الكسائي الذي أجاز رفع المعطوف على الموضع سواء كان الاسم مما خفي فيه الإعراب، أو مما ظهر فيه؛ بخلاف الفرَّاء؛ فإنه أجاز ذلك بشرط خفاء الإعراب، واسم {إن} هنا؛ يقصد: {ٱلَّذِينَ}، خفي فيه الإعراب؛ أيْ ليس واضحًا إن كانت مرفوعة أم منصوبة، كما روى رأيًا آخر للكسائي؛ أنه مرفوع معطوف على الضمير المرفوع في {هَادُواْ}، ورد بأنّ العطف عليه يقتضي أنّ الصابئين تهودوا، وهو مالم يحدث. وانتقد الرأي القائل بأنَّ تكون {إنَّ} بمعنى (نعم)؛ فاعتبره رأيًا ضعيفًا؛ لأن ثبوت {إنَّ} بمعنى (نعم) فيه خلاف بين النحويين، وبفرض ثبوت ذلك من لسان العرب؛ فتحتاج إلى شيء يسبقها تكون تصديقًا له، ولا تجيء في أول الكلام؛ بل ينبغي أن تكون جوابًا لكلام سابق.
- استعرض الفخر الرازي( ) آراء النحويين حول الآية ورفضها جميعًا، وهاك موجز تعليقه: هذا الكلام ضعيف؛ لأسباب: الأول: أن هذه الأشياء التي يسميها النحويون: رافعة وناصبة ليس معناها أنها كذلك لذواتها، أو لأعيانها؛ فإن هذا لا يقوله عاقل؛ بل المراد أنها معرفات بحسب الوضع والاصطلاح لهذه الحركات، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد غير محال، والثاني أن كلام النحويين مبني على أن كلمة (إنَّ) تنصب الإسم وترفع الخبر، والكوفيون ينكرون ذلك ويقولون: لا تأثير لهذا الحرف في رفع الخبر البتة. والوجه الثالث: وهو أن الأشياء الكثيرة إذا عطف بعضها على البعض، فالخبر الواحد لا يكون خبرًا عنها جميعًا؛ بل عن أحدها فحسب، وشرح ذلك بطريقة معقدة: “لأن الخبر عن الشيء عبارة عن تعريف حاله وبيان صفته؛ ومن المحال أن يكون حال الشيء وصفته عين حال الآخر وصفته؛ لامتناع قيام الصفة الواحدة بالذوات المختلفة. وإذا ثبت هذا ظهر أن الخبر وإن كان في اللفظ واحدًا إلا أنه في التقدير متعدد، وهو لا محالة موجود بحسب التقدير والنية، وإذا حصل التعدد في الحقيقة لم يمتنع كون البعض مرتفعًا بالحرف والبعض بالابتداء، وبهذا التقدير لم يلزم اجتماع الرافعين على مرفوع واحد. ولذلك فإن بعد ذكر الاسم وخبره جاز الرفع والنصب في المعطوف عليه، ولا شك أن هذا المعطوف إنما جاز ذلك فيه لأنا نضمر له خبرًا، وحكمنا بأن ذلك الخبر المضمر مرتفع بالابتداء. وإذا ثبت هذا فنقول: إن قبل ذكر الخبر إذ عطفنا اسمًا على حكم صريح العقل أنه لا بد من الحكم بتقدير الخبر، وذلك إنما يحصل بإضمار الأخبار الكثيرة، وعلى هذا التقدير يسقط ما ذكر من الالتزام”.
وهذا الكلام عبارة عن تعليلات فقهية لغوية شديدة التعقيد ولا تحل الإشكالية؛ من ذلك القول بأن الخبر لا يكون لأكثر من مبتدأ “لامتناع قيام الصفة الواحدة بالذوات المختلفة” - حسب قوله - به مغالطة؛ فالأشياء قد تشترك في صفة واحدة رغم اختلافها في باقي الصفات؛ فيأتي الخبر عن هذه الصفة وينطبق على الاسم والمعطوف عليه.
وللشعراوي( ) رأيٌ لم يقل به غيره حسب علمنا؛ محتواه: إذا أخذنا بالإعراب فإن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} يجب أن تأتي منصوبة؛ لأنها معطوف على اسم إنَّ، وهيَ تنصب اسمها. بينما جاءت في آية أخرى منصوبة في مكانها ودون كسر للإعراب، وهيَ قد جاءت مرفوعة قبل كلمة {ٱلنَّصَٰرَىٰ} ومنصوبة بعدها. والصابئة كانوا قومًا متقدمين قبل مجيء النصرانية؛ فإن أردنا أن نعرف زمانهم نجد القرآن يقدمهم على النصارى، وإن أردنا أن نعرف منزلتهم نجدهم يأتون بعد (النصارى). إذن فعندما أرَّخ الله لزمانهم جاء بهم متقدمين، وعندما أرَّخ لكمِّهم ومقدارهم يؤخرهم عن النصارى؛ لأنهم أقل عددًا. وجاء بها مرة منصوبة ومرة مرفوعة؛ لنعرف ونلتفت إليهم. وكسر الإعراب كان لمقتضى لفت الانتباه. وكان الصابئة قومًا يعبدون الكواكب والملائكة؛ وهذا لون من الضلال. إذن فهناك اليهود والنصارى الذين عرفوا أن هناك إلهًا، وهناك المنافقون الذي أعلنوا الإيمان بألسنتهم ولكن لم يلمس الإيمان قلوبهم. وأراد الله أن يلفتنا إلى أن الصابئين هم قوم خرجوا عن دائرة التسليم بوجود إله، وأنه يغفر لهم إن ءامنوا وعملوا صالحًا (التشديد من عندنا).
الحقيقة أن الصابئة حسب كثير من المراجع كانوا يؤمنون بوجود إله( )؛ بل إن آية سورة الحج تميز بوضوح بين الذين أشركوا وبين الصابئة، والمجوس، والنصارى. والآية واضحة بلا لبس وتعني أن الصابئة لم يكونوا مشركين، ومن المعروف أن المسلمين وُصِفوا في البداية بالصابئة من قبل القرشيين؛ فالحجة كلها قائمة على معلومة خاطئة؛ فهيَ معدومة، كما أن حجة لفت الانتباه هنا شديدة الضعف؛ فلا مبرر لها؛ فقد كان يكفي للفت الانتباه تقديم اللفظ، أو حتى جعله سابقًا على {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ}؛ فكان ذلك سيلفت الانتباه أكثر كثيرًا. هكذا يبرر الشعراوي رفع اللفظ تبريرًا غير معقول؛ حتى لا يقر – كما يبدو – بوجود خطأ نحوي بالقرآن، ولم يلتفت لاحتمال وجود سبب آخر لهذا الكسر لقواعد اللغة كما وصفه.
وقد تكررت نفس الإشكالية السابقة بخصوص الآية 3 من سورة التوبة: {أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءۥۥ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥ}.. {وَرَسُولُهُۥ} مرفوعة رغم أنها معطوفة على (الله)..
عللها بعض النحويين بأن {أنَّ} لتوكيد المعنى فقط ولذلك جاز رفع ما عطف عليه. وهذا يعني أنها ليست حرف نصب، وهذا يذكرنا بالجدل حول آية 69 من سورة المائدة. ويمكن أن نقول: رسولُه مبتدأ محذوف خبره تقديره: ورسوله بريء من المشركين. والعبارة واضحة بما فيه الكفاية. وقد ذهب النحويون فعلًا هذا المذهب ضمن تعليلات أخرى منها: الابتداء، واعتبار الواو استنافية وخبر رسوله محذوف معلوم من سابقه، والتقدير: ورسوله بريء من المشركين، أو ورسوله كذلك، أو العطف على الضمير المستتر في {بَرِىٓءۥۥ}، والتقدير هو: بريء هو ورسوله، أو العطف على محل اسم إنَّ، أو على محل إنَّ مع اسمها. وهناك من قرأ ورسولَه بالنصب عطفًا على (الله)، أو على أن اللفظ مفعول به، كما قرأ بالجر ورسولِه تأثرًا بالمجاورة للفظ السابق عليه.. وكل هذا وارد في لغة العرب.
المشكلة الأساسية في تعليلات معظم اللغويين والمفسرين أنها لم تستطع تقديم تفسير مقنع للقول: {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} في سورة المائدة، و{ٱلصَّٰبِـٔين} في آيتي البقرة والحج، وقد انصبت كافة جهودهم على التبرير اللغوي لرفع اللفظ في آية سورة المائدة، دون الاهتمام كثيرًا بنصبه في آيتيّ الحج والبقرة؛ باستثناء الكوفيين. وقد استخدم اللغويون اللغة العربية القياسية كمعيار للغة القرآن؛ محاولين بشتى الطرق البرهنة على التزامه بقواعد هذه اللغة التي استخرجوها منه ومن غيره. وعلى سبيل المثال؛ إذا كانت {إنَّ} قد جاءت بمعنى (نعم) فرفعت {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ}، فلماذا لم ترفعها في الآيتين الأخريين؟ وقد جوَّز الكوفيون الرفع والنصب لأنهم يرون أن (إنَّ) لا تؤثر في الخبر؛ بخلاف قاعدة النحو عند البصريين؛ وهذا التعليل ليس أكثر اتساقًا مع تركيب الآية، والمعنى المفهوم منها، والاختلاف بين الرفع والنصب في الآيات الثلاث المذكورة؛ لأن {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ} معطوف على مبتدأ وليست خبرًا.
وإذا عدنا لتعليلات اللغويين للآية الأولى وجدنا آراء متناقضة ومبررات خلاصتها أنه يجوز كتابة العربية بهذه الطريقة التي تقبل تفسيرات متعددة؛ بل بلا نهاية.. أما الآية الثانية المتسقة مع النحو القياسي فتنقض كلام البصريين، أو تقودنا لاستنتاج جواز الرفع والنصب وهو ما ذهبت إليه مدرسة الكوفة عمومًا بمبررات غامضة؛ فيكون (الخطأ) هو خطأ نحاة البصرة لا (لحن) المصحف.
أما آية {إنَّ الذين ءامنوا والذين هادوا والنّصـٰرى وٱلصَّٰبِـٔين من ءامن باللّه واليومِ الآخرِ وعمل صـٰلحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}؛ فقد قُرأها أبو جعفر: {الصَّـٰبون}( )، وقرأها نافع: {ٱلصَّٰبِـين}، {الصَّـٰبون} وبغير همز( ). وقرأ الباقون {ٱلصَّٰبِـٔين} بالهمز( ). ولم تثر هذه الآية لغطًا يذكر بين النحويين.
الخلاصة أن هناك شكًا في مدى انطباق قاعدة (إنَّ) التي وضعها البصريون على كلام العرب القديم ومنه نص القرآن، وكان الأقرب للمنطق هو وضع قاعدة أكثر مرونة بناء على لغة القرآن وبعض كلام العرب؛ فليس من الضروري للعربية أن تكون (إنَّ) وأخواتها عاملة أصلًا.
الآية 162 من سورة النساء:
{لَّٰكِنِ ٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا}.
هنا تم نصب المعطوف على اسم مرفوع؛ بدون وجود (إنَّ) كما في آية سورة المائدة. وهذا يشبه قول الشاعرة الجاهلية الخرنق بنت بدر:
لا يبْعَدَنْ قومي الذي هُمُو ... سُمّ العُداة وآفَة الجزر
النازلون بكلّ معترك ... والطيِّبين معاقِدَ الأزْر( )
وشعر الكسائي:
وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميرًا أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنــوا أحـدًا ... والقائلون لـمن دار نخليها
ذكر ابن عاشور( ) نفس الرواية المكررة عن عائشة وأبان بن عثمان أنّ نصب {ٱلۡمُقِيمِينَ} خطأ من كاتب المصحف، وضرب مثالًا بالشعر السابق؛ للتدليل على أنه ليس هناك من خطأ؛ معللًا ذلك بنوع من البلاغة؛ راجعًا إلى سيبويه، وإلى التعليق المنسوب زعمًا لعثمان بن عفان بالقول: أحسنتم وأجملتم وأرى لحنًا قليلًا ستُقيمه العرب بألْسنتها.
فسرت الآية لغويًّا بعدة وجوه: {وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ}؛ مخفوض( ) بعطفه على (ما) في قوله: {بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ}؛ فيكون التقدير هو: (يؤمنون بما أُنزل إليك، وبالمقيمين الصلاة)، ويقصد بهم الملائكة( )، أو معطوفٌ على (هم) في {منهم}، ويكون التقدير هو: (لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة)، أو على الضمير في {إليكَ}، ويكون التقدير هو: (يؤمنون بما أُنزل إليكَ، وإلى المقيمين الصلاة)( ). وكلها تعليلات لا تتسق مع ظاهر العبارة؛ الواضحة تمامًا. وهناك التفسير بالنصب على المدح؛ قال به بعض البصريين، والكوفيين؛ حسب الطبري( ): "والمقيمين الصلاة من صفة الراسخون في العلمِ، ولكن لما كان الكلامُ تطاوَل، واعترض بين الراسخين في العلم والمقيمين الصلاة ما اعترض من الكلام فطال، نصب المقيمين على وجه المدح”.
وقيل أنه نسقٌ على الهاء والميم من قوله {مِنْهُمْ}؛ فالمعنى: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إِليك. قال الزجاج: وهذا رديء عند النحويين، لا ينسق بالظاهر المجرور على المضمر المجرور إِلا في الشّعر( ).
وذكر الطبري( ) أن ابن مسعود قرأها: {والـمقـيـمون الصلاة} وهو إقرار ضمني إما بوجود خطأ نحوي، أو لإمكانية القراءتين في العربية. وقد أنكر البعض أن يكون نصب {ٱلۡمُقِيمِينَ} - وكذلك {َٱلصَّٰبِرِينَ} في سورة البقرة: 177، كما سيأتي، جاء علـى وجه الـمدح؛ على أساس أنه من غير الجائز عند العرب نصب لفظ على المدح؛ وهو في وسط الكلام بل بعد تمام خبره. وفي النهاية اعتبر أن الصواب هو: أن يكون الـمقـيـمين فـي موضع خفض نسقًا علـى (ما) التـي فـي: {بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ}.
وذكر العكبري( ) تعليلات عدة بخصوص {ٱلۡمُقِيمِينَ} ذكرنا بعضها؛ أحدها أنه منصوب على المدح، والثاني أنه معطوف على (ما): أيْ يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين، والمراد بهم الملائكة، وقيل التقدير: وبدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين، والثالث أنه معطوف على {قبل}؛ تقديره: ومن قبل المقيمين، فحذف (قبل) وأقيم المضاف إليه مقامه، والرابع أنه معطوف على الكاف في {قبلك}، والخامس أنه معطوف على الكاف في {إليك}، والسادس أنه معطوف على الهاء والميم في {منهم}، وهذه الأوجه الثلاثة عندنا خطأ؛ لأن فيها عطف الظاهر على المضمر من غير إعادة الجار.
واعتبر البعض أن خفض {ٱلۡمُقِيمِينَ} جاء بسبب المجاورة؛ اتباعًا للكلمة المجاورة لها: {قبلِك} وهيَ مجرورة؛ مثلما جاءت كلمة {الْمُشْرِكِينَ} مجرورة بينما الأصل أن تكون مرفوعة في: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتـٰب والْمُشْرِكِينَ منفكين حتىٰ تأتيهم البينةُ} (سورة البينة: 1)، وجاءت كلمة {محيط} مجرورة في: {وإنى أخافُ عليكم عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} (سورة هود: 84) تأثرًا بالكلمة المجاورة لها: {يومٍ}، بينما الأصل أن تكون منصوبة؛ لأنها تعود على {عذابَ}. هذا ما يسمى في النحو بالمجاورة، وقد أجازه بعض النحاة( )، ورفضه بعضهم( )، واعتبره سيبويه غير فصيح أو غير قياسي( )، لكن تكرار نفس الإعراب في آيات أخرى، وفي الشعر، يرجح المجاورة كتعليل لجر {ٱلۡمُقِيمِينَ} في الآية المذكورة، وهيَ التي يرفضها سيبويه؛ لأنها غير قياسية - حسب رأيه - مع أن القرآن يخالف اللغة القياسية في مئات المواضع، كما هو واضح في هذا البحث. والأصح أن نقول إن اللغة المسماة قياسية هيَ التي خالفت القرآن في مواضع كثيرة؛ ببساطة لأنها صُنعت بعده. وقد رأى سيبويه أنه نصب على المدح( )؛ وهو رأيُ البصريين عامة ً: مستشهدًا بالشعر سابق الذكر. فرفع (الطيبين) كرفع (المؤتين). ومن العرب من يقول: الظاعنون والقائلين، فنصبُه كنصب الطيبين؛ إلا أن هذا شتمٌ لهم وذمٌّ، كما أن الطيبين مدحٌ لهم وتعظيم.
وذكر آخرون تعليلات أخرى بعضها مشابهة( ).
والبعض أنكر أن يكون نصب المقيمين على المدح؛ على أساس أن المدح يأتي بعد تمام الخبر؛ منهم الطبري كما أسلفنا وأبو جعفر النحَّاس( )؛ ولا نعرف من أين جاءوا بهذه الفكرة.
الآية 177 من سورة البقرة: {لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِى ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ}.
أما رأيِ القرطبي فهو: {وَٱلصَّٰبِرِينَ} نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح وعلى الذم، وقاس على ذلك أيضًا {ٱلصَّٰبِـٔين} في آية سورة المائدة. واتفق الطبري والجلالان على أنه نصب على المدح؛ كما يفعل العرب. كما ذهب القرطبي أيضًا إلى احتمال النصب على إضمار فعل، ومثله ذهب العكبري، ومكي، والبغوي، وتقدير الفعل: (أعني)( ). ومثل ذلك قيل على {وٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ}( ). وإذا قبلنا فكرة الفعل المضمر هذه فسيكون من الممكن كسر كثير من قواعد اللغة بهذه الحجة؛ مثل القول: قام العمال والفلاحين بإضرابات، فنعلل نصب (الفلاحين) بأنه على إضمار فعل ويكون تقدير الجملة: قام العمال وأعني كذلك الفلاحين بإضرابات، أو (وأضيفُ الفلاحين)، وهو كما نرى تكلف مبالغ فيه.
وأضاف رأيًا قيل؛ اعتبر {َٱلۡمُوفُونَ} مبتدأ مرفوع وخبره محذوف تقديره: وهم الموفون، لكنه رأيٌ لا يبرر نصب {ٱلصَّٰبِرِينَ}.
وقال الكسائي: {وَٱلصَّٰبِرِينَ} عطف على {ذوى ٱلۡقُرۡبَىٰ}؛ كأنَّه قال: وآتى الصابرين.
ووفقًا لهذا الرأي الوجيه لغويًّا يمكن تقدير الجملة كالآتي: ولكن البر من آمن بِاللَّه واليومِ الآخرِ والملائكة والكتاب والنبيّين وآتى المال على حبه ذوِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبِيل والسائلين وفي الرقاب والصابِرِين في البأْساء والضراء وحين البأس وأَقام الصلاة وآتى الزكاة. والبر كذلك الموفون بعهدهم إذا عاهدوا أولئك الذين صدقوا وأُولئك هم المتقون. ولكن هل يُمنح المال للصابرين في البأساء والضراء؟ أليس من الممكن أن يكون هؤلاء من الأغنياء؟ فالأقرب إلى المعنى أنهم ضمن الموصوفين بالبر؛ وبالتالي كان يجب رفع {ٱلصَّٰبِرِينَ}؛ إلا إذا أخذنا بفكرة النصب على المدح، ويكون تقدير العبارة: أمدح الصابرين.
ونقلا عن القرطبي قال النحَّاس: وهذا القول خطأ وغلط بيِّن؛ لأنك إذا نصبت {وَٱلصَّٰبِرِينَ} ونسقته على ذوي القربى دخل في صلة من وإذا رفعت {وَٱلۡمُوفُونَ} على أنه نسق على {مَنۡ} فقد نسقت على {مَنۡ} من قبل أن تتم الصلة، وفرقت بين الصلة والموصول بالمعطوف، وقال الكسائي: وفي قراءة عبد الله: {والمُوفِينَ}، {وَٱلصَّٰبِرِينَ}، وقال النحَّاس: يكونان منسوقين على {ذوى ٱلۡقُرۡبَىٰ}، أو على المدح.
وقرأ يعقوب والأعمش {وَٱلۡمُوفُونَ}، {وٱلصَّٰبِرِوُنَ} بالرفع فيهما، وقرأ الجحدري {بعهودهم}، بخلاف رواية حفص. وقد قيل: {وَٱلۡمُوفُونَ} عطف على الضمير الذي في (آمن)؛ وأنكره أبو علي وقال: ليس المعنى عليه... إلخ.
الواضح أن محاولة تطويع العبارة لقواعد النحو غير ناجح قط ومتكلف كثيرًا؛ فيبدو أن النصب على المدح هو الأقرب للغة العرب الأصلية. ويجب الإشارة هنا إلى أن النصب على المدح أو الذم ليس من العربية القياسية في شيء، إنما يمكن اعتباره ضمن قديم اللغة.
سورة المسد: {تَبَّتۡ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ * سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ * فِى جِيدِهَا حَبۡلۥۥ مِّن مَّسَدِ}. هنا تأتي كلمة {حَمَّالَةَ} منصوبة في رواية حفص (مرفوعة في غيرها؛ منها قراءة ابن كثير؛ في كلتي الروايتين)، وضمن احتمالات إعرابها أن تكون منصوبة على الذم، كما ذهب الفراهيدي( )؛ والنصب بالذم كقولهم (مررت بأخيك الفاجرَ)؛ نُصبت (الفاجر) على الذم، وعلى هذا ينصب هذا الحرف.. وقدم مثالين من القرآن: {إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا * مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (سورة النساء: 142 - 143) و{لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضۥۥ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِى ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا * مَّلۡعُونِينَ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (سورة الأحزاب: 60 - 61)، بينما في الآيتين تم النصب على الحال وليس على الذم؛ كما يتضح من سياق العبارة. وذهب مثله صاحب إعراب القرآن وبيانه( )، والفرَّاء( ). وهناك تقديرات أخرى؛ منها النصب على الحال، والرفع على أنه خبر.. إلخ( ). وهناك قراءات أخرى عديدة للفظ (حمالةُ) بالرفع كما أشرنا؛ على اعتبار الواو حرف عطف فتكون حمالة معطوف على {يَدَآ}، أو تكون الواو استئنافية فتعتبر (حَمَّالَة) مبتدأ( ).
وظاهرة مخالفة الشائع من الكلام عند العرب معروفة في الكلام الموزون للفت الانتباه، أو لغير ذلك، ليس فقط بالرفع والنصب بل أيضًا بتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، فليس هذا المبرر غريبًا عن العرب. فمن الشعر نذكر:
يا أيها الراكب المُزْجي مَطَّيته ... سائل بني أسدٍ ما هذه الصوتُ( )

***********************************
4- إعراب المبني على الفعل:
{يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحۡمَتِهِۦ وَٱلظّـَٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمَۢا} (سورة الإنسان: 31).
كلمة {ٱلظَّـٰلِمِينَ} من ظاهر العبارة هنا هيَ مبتدأ يفترض أنه مرفوع، وعلى ذلك قرأها كل من الزبير وأبان بن عثمان وابن أبي عبلة {وَٱلظّـَٰلِمُونَ}؛ رَفْعًا باعتبارها مبتدأ( )؛ خلافًا لما قرأ حفص.
رأيُ سيبويه( ):
رأيت زيدًا وعمرًا كلمته، ورأيت عبد الله وزيدًا مررت به، ولقيت قيسًا وبكرًا أخذت أباه، ولقيت خالدًا وزيدًا اشتريت له ثوبًا‏. ‏
اختير النصب هنا لأن الاسم الأول مبني على الفعل؛ فجاء بناء الاسم الآخر على الفعل مثل الأول. وهذا ما ينطبق على الآية المشار إليها. ومثلها كما ذكر‏: ‏ ‏{وعادًا وثموداْ وأصحـٰب الرس وقرونًا بين ذلك كثيرًا} (سورة الفرقان: 38)، و{فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلضَّلَٰلَةُۚ}‏ (سورة الأعراف: 30)‏‏. ‏
ومثل ذلك‏: ‏ (كنت أخاك وزيدًا كنت له أخًا)؛ لأن كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك‏. وتقول‏: (لست أخاك وزيدًا أعنتك عليه)؛ لأنها فعل وتصرف في معناها كتصرف كان‏. ‏
ضرب سيبويه مثلًا بنفس العبارة تقريبًا. مرتين في: رأيت زيدًا وعمرًا كلمته، لقيتُ زيدًا وعمرو كلمته. مرة بالنصب ومرة بالرفع؛ لتقديرين مختلفين لنفس العبارة.
وهناك تعليلات أخرى:
قال السّمين الحلبي( ): منصوب على الاشتغال بفعل يفسره (أعدَّ لهم)؛ من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، تقديره: وعذب الظالمين، ونحوه: (زيدًا مررت به).. وكان النصب هنا مختارًا لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها؛ وهيَ قوله: (يدخل). وهذا تعليل لا يتفق مع العربية القياسية؛ فهل يجوز القول: (المجرمون جهزنا لهم السجن)؛ بمعنى سجنَّاهم فتكتب (المجرمين)؟
ومثله ذهب الطبري: الواو ظرف لأعدَّ، والمعنى: وأعدّ للظالمين عذابًا أليمًا. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: {ولِلظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ} بلام الجر.
وكذلك ذهب ابن عاشور؛ فقال إنها نُصبت على أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه المذكور على طريقة الاشتغال والتقدير: أوْعد الظالمين، أو كَافأ، أو نحو ذلك مما يقدره السامع مناسبًا للفعل المذكور بعده. ومثلهم قال الكثيرون( ).
أما النحَّاس( )؛ فأشار إلى رأي سيبويه؛ نصب الظالمين بإضمار فعل يفسره ما بعده أيْ ويعذب الظالمين، ورأي الكوفيين السابق الذكر: الواو ظرف للفعل؛ أيْ ظرف (لأعد). وقد ذهب الفرَّاء إلى أنه يجوز رفعه؛ مثل: {والشعراءُ يتبعهم ٱلۡغَاوُۥن} (سورة الشعراء: 224)، وهو ما رفضه النحَّاس عن حق؛ لأن هذا لا يشبه ذلك؛ لأن آية (والظالمين) قد سبقها فعل (أيْ ويعذب الظالمين)؛ فاختير فيه النصب ليضمر فعلًا ناصبًا فيعطف ما عمل فيه؛ أما الآية الثانية فليس قبلها فعل.
على خلاف ذلك جاء في سورة الحج (آية: 18):
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرۥۥ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ}. فهنا الفعل {يُهِنِ} نصب {من} ويكون تقدير الآية: ومن يهن اللهُ فما له من مكرم وكثيرًا حق عليه العذاب. ولكن {كثيرٌ} جاءت مرفوعة.
أورد القرطبي( ):
وهذا مشكل من الإعراب، كيف لم ينصب ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل: مثل {وَٱلظَّٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمَۢا}. فزعم الكسائي والفرَّاء أنه لو نصب لكان حسنًا، ولكن اختير الرفع لأن المعنى (وكثير أبى السجود)، فيكون ابتداًء وخبرًا، وتم الكلام عند قوله {وَكَثِيرۥۥ مِّنَ ٱلنَّاسِ}. ويجوز أن يكون معطوفًا؛ على أن يكون السجود التذلل والانقياد لتدبير الله عز وجل من ضعف وقوة وصحة وسقم وحسن وقبح، وهذا يدخل فيه كل شيء. ويجوز أن ينتصب على تقدير: وأهان كثيرًا حق عليه العذاب، ونحوه.
وقيل: تم الكلام عند قوله والدواب، ثم ابتدأ فقال وكثير من الناس في الجنة وكثير حق عليه العذاب. وكلها كما نرى تعليلات بلاغية متكلفة.
أما القماش( )؛ فقد عرض ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون تقدير الآية: ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض ويسجد له كثير من الناس. فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة. الثاني: أن يكون قوله: {وَكَثِيرۥۥ مِّنَ ٱلنَّاسِ} مبتدأ وخبره محذوف. والثالث: أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب؛ فتكون {كَثِيرٌ} الثانية معطوفة.
وفي سورة آل عمران (154) لم يتم نصب طائفة في: {يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ
مِّنكُمۡ وَطَآئِفَةۥۥ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ}؛ لأنه - حسب سيبويه – اعتبر الواو واو ابتداء، ولم يعتبرها واو عطف؛ دون أن يعلل ذلك.
الخلاصة أن النصب والرفع في الحالات المذكورة محتمل بتعليلات مختلفة؛ أغلبها مقبول لغويًّا، أبسطها أن وَ{كَثِيرٌ} الثانية مبتدأ.
******************************
5: إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ (سورة طه: 63):
هكذا تكتب في رواية حفص. وحسب النحو الأكثر انتشارًا، إذا كتبت (إنَّ) مشددة يجب أن يقال: هذين لساحران؛ لأن إنِّ تنصب المبتدأ وترفع الخبر. وهناك قراءات أخرى: {إنَّ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ} نُسبت قراءتها لكل من عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن، وكذلك قرأ أبو عمرو بن العلاء( )، وأخرى منسوبة لابن كثير وغيره: {إِن هذانِّ} بتخفيف إن وتشديد نون هذانّ (لم نجد هذا في قراءة ابن كثير المتاحة)، وقرأها عبد الله بن مسعود: {أَنۡ هذان سَاحِرَٰن} بفتح الألف وجزم نونه، و{سَاحِرَٰن} بدون لام. وعن الأخفش: {إنۡ هَذانِ لسَاحِرَٰنِ} خفيفة في معنى ثقيلة وهيَ لغة قوم يرفعون بها. ورويَ عن أبيِّ بن كعب: {مَا هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَٰن}، وروي عنه أيضًا: {إنۡ هذانِ لساحرَٰنَ}، وعن الخليل مثل ذلك، وعن أبيِّ أيضًا: {إِنۡ ذَانِ لَسَاحِرَٰنِ}. هذه هيَ القراءات الشاذة المذكورة في هذه الآية( ).
وقد أثارت هذه الجملة جدلا كثيرًا، وأفتى فيها النحويون والمفسرون، وذهبوا مذاهب شتى؛ محاولين تكييف العبارة مع النحو، أو باعتبارها جاءت على لغة بلحارث.
منها ما قاله السيوطي: المثنى... فإنه يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء نحو (قال رجلان)، ولزوم الألف في الأحوال الثلاثة لغة معروفة عزيت لكنانة وبني الحارث بن كعب وبني العنبر وبني الهجيم وبطون من ربيعة وبكر بن وائل وزبيد وخثعم وهمدان وفزارة وعذرة، وخرج عليها قوله تعالى {إنَّ هذان لَسَٰحِرَٰنِ}.. وأنشد عليها قوله:
تزوّد مِنّا بين أُذناهُ طعنة ً، وقوله: قد بلغا في المجد غايتاها( ).
واختلف النحويون فيها وذكروا وجوها؛ الوجه الأول: وهو الأقوى أن هذه لغة لبعض العرب؛ لغة بلحارث بن كعب، والزجَّاج نسبها إلى كنانة، وقطرب نسبها إلى بلحارث بن كعب ومراد وخثعم وبعض بني عذرة، ونسبها ابن جنيِّ إلى بعض بني ربيعة أيضًا. وأنشد الفرَّاء على هذه اللغة:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
قال الفرَّاء: وحكى بعض بني أسد أنه قال: هذا خط يدا أخي أعرفه.
وممن فسرها على أنها كتبت بلغة بني الحارث: الفرَّاء، والكسائي، والأخفش، وأبو زيد الأنصاري، وأبو حيان، وابن مالك، وأبو علي الفارسي؛ بالقول إنهم الذين يلزمون المثنى في رفعهِ ونصبهِ وخفضهِ الألف. علق الفرَّاء( ): ولست أشتهي على أن أخالف الكتاب، وقرأ بعضهم {إن هذان سَٰحِرَٰنِ} خفيفة وفي قراءة عبدالله: {أنۡ هذان سَٰحِرَٰنِ}، وفي قراءة أُبيِّ بن كعب {إنۡ ذان إلاّ سَٰحِرَٰنِ}؛ فقراءتنا بتشديد (إنَّ) وبالألف على جهتين. ورأى ابن قتيبة( ) نفس الشيء؛ وهيَ لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه... وأشار للشعر سابق الذكر.
وعلى غرار هذا قرأ أبو سعيد الخدري، والجحدري( ): {وأمَّا الغلـٰم فكان أبواه مؤمنان}؛ على لغة بلحارث، بدلًا من {وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ} (سورة الكهف: 80) في حفص، وأجازها أبو الفضل الرازي. ورغم وضوحها، عللها الزمخشري، وابن عطية، وأبو الفضل الرازي أيضًا، على أن في (كان) ضمير الشأن (ضمير غائب مذكر يقع قبل الجملة)، والجملة في موضع خبر لـ (كان)، وأجاز الرازي أيضًا أن يكون في (كان) ضمير الغلام، والجملة خبر كان.
وأشار الزمخشري في تفسيره للقرآن( ) إلى عدة قراءات - تتضمن السابقة - بالإضافة إلى قراءات منسوبة لأبيِّ بن كعب: {إنۡ هذان إلا سَٰحِرَٰنِ}.
وقد رُويَ عن أبيِّ أيضًا قراءة: {إنۡ هذان لَسَٰحِرَٰنِ}، و{ما هذان إلا سَٰحِرَٰنِ}، و{إنۡ ذان لَسَٰحِرَٰنِ}( ).
وقرأها {إنَّ هذانِ} بتشدين النون في (إن) كل من نافع، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، (من القراء السبعة) وأبو جعفر (من العشرة). وقد قرأها من السبعة {إنَّ هذين} أبو عمرو وحده، بينما قرأ ابن كثير مثل عاصم.
وأشار الألوسي إلى أنه مما ينسب لإبراهيم النخعي أنه قال: {إنۡ هذان لَسَٰحِرَٰنِ} و{إنۡ هذين لَسَٰحِرَٰنِ}؛ سواء ولعلهم كتبوا الألف مكان الياء كإبدال حرف في الكتابة بحرف كما وقع في صلاة وزكاة وحياة( )؛ يقصد المرسومة: {صلـٰوة}، {زكـٰوة}، {حيـٰوة} في المصحف؛ وهيَ ظاهرة تكررت أكثر من ذلك: {الربـٰو} - {الغدوٰة} - {مشكـٰوة} - {النجـٰوة} – {منـٰوة}.
وهناك من اعتبر أن (إن) مخففة لا عمل لها فلا تنصب المبتدأ، وهيَ المرسومة في قراءة عاصم، منهم ابن عقيل( )؛ وهو كلام يذكرنا بالذي قيل في آية 69 من سورة المائدة؛ إذ رأى الكوفيون أن إنَّ لا تعمل مع الخبر، لكن الكلام هنا عن المبتدأ وعن (إن) مخففة.
وقال آخرون إنها (إنْ) ساكنة بمعنى (نعم)، وقاسوا عليها قول ابن قيس الرقيات:
بَكَرَ العواذلُ فِي الصَّبُو ... حِ يلمنني وأَلومهنَّـهْ
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلت: إِنَّهْ
لكن (إنَّ) هنا مشددة؛ تمشيا مع القافية؛ فيكون من المقبول أن تقدير البيت: فقلت إنِّه كذلك، وتكون (إنَّ) هنا للتوكيد؛ وفي هذه الحالة تنصب المبتدأ حسب النحو. وأضافوا مثلًا آخر: أن رجلًا قال لابن الزبير: لعن الله ناقةً حملتْني إليك، فأجابه ابن الزبير: إنْ وراكبها، أيْ: نعم وراكبها أيضًا. وغير ذلك قال الشاعر:
شاب المفارق إن إن من البلى ... شيب القذال مع العذال الواصل
أيْ نعم نعم، وقال آخر:
قالت بنات العم يا سلمى وإن ... كان فقيرًا معدما قالت وإن
أيْ نعم( ).
أما بخصوص (إنَّ) المشددة قيل أيضًا إنها قد تأتي بمعنى (نعم)، وهذا كلام سيبويه: ومثل ما ذكرت لك قول العرب: (إنَّه) وهم يريدون (إنَّ) ومعناها أجل. وقال: ويقلن شيبٌ قد علاك وقد كبرت فقلت إنَّه( ).
في العربية تستخدم إنْ أداة شرط، أو للمدة، أو للنفيْ، أو للاستفهام، أو بمعنى الذي، وللتعجب، وبمعنى (ما).
وقد استخدم القرآن (إن) الساكنة في مواضع أخرى بمعنى ما: {إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ} (سورة التوبة: 107)؛ بمعنى: ما أردنا إلا الحسنىٰ، و{إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا} (سورة الكهف: 5)؛ أيْ: ما يقولون إلاّ كذبًا، {إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ} (سورة الأنفال: 34)، {إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (سورة الأنعام: 25)، {وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} (سورة الأنبياء: 36)... {إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِى غُرُورٍ} (سورة الملك: 20)، {إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (سورة طه: 103)، {إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا يَوۡمٗا} (سورة طه: 104)، {إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا} (سورة المؤمنون: 37)، وغيرها الكثير.
ولكن لم تأت (إنَّ) المشددة بمعنى (نعم) في غير الآية المذكورة في بعض قراءاتها، وكاحتمال.
وهناك تفسير آخر للنحاة الكوفيين: {إن} هنا نافية، واللام الداخلة على (ساحران) بمعنى: إلا، فيكون المعنى: ما هذان إلا ساحران، فتكون {هذان} مبتدأ مرفوعًا.
وهناك رأيٌ آخر: قال {إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ} بدل (هذين) لغرض بلاغي؛ مراعاة للوزن( )، وهذا تعليل لا غبار عليه.
الخلاصة أن كلمتي {إِنۡ هَـٰذـٰنِ} قد فسرتا لغويًّا على أن تكتبا بصيغ أخرى كما أسلفنا، أو تكتب {إِنۡ هَـٰذـٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ} مع تنوع التشكيل بين إنَّ، وإنْ، وأنْ، وفي حالة كتابتها (إنَّ) بذلت الجهود لإعرابها حسب قواعد النحو، بينما لجأ البعض إلى اعتبارها تبع لغة بلحارث، وأزد.. إلخ.
والآن لدينا تساؤل: لماذا اختارت لجنة عثمان بن عفان هذا الرسم بالذات؛ مع أنها كانت قادرة على اختيار رسم آخر بنفس المعنى ومتسقٍ مع النحو؟ الاستنتاج المعقول أن الآية لا غبار عليها في علاقتها بلغة العرب في مرحلة صدر الإسلام؛ حيث كانت اللغة العربية بألسنة مختلفة وغير خاضعة بصرامة لقواعد النحو اللاحقة. وإن تعدد القراءات والتعليلات اللغوية لا ينفي في النهاية أن (إن) في صورها المختلفة قد لا تنصب المبتدأ وأن هذه القاعدة الصارمة نشأت فيما بعد على أيدي البصريين، كما أن معاني الألفاظ كانت أكثر مرونة؛ فمن المحتمل أيضا أن {إنَّ} أو {إنۡ} قد جاءت بمعنى (نعم)، كما أن فكرة مراعاة الوزن بتجاوز القواعد واردة بالطبع، وهذا من المسموح في الكلام الموزون.

********************************
6: يَـٰأَيُّها ٱلَّذينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمۡتمۡ إلَى ٱلصَّلـٰوةِ فٱغۡسِلُواْ وُجوُهَكمۡ وأيۡديكمۡ إلى ٱلمَرَافِقِ وامۡسَحُواْ برءوسِكُمۡ وأرۡجلَكمۡ إلى ٱلكعۡبيۡنِ (سورة المائدة: 6).
وقد قُرأت في حفص {وَأَرۡجُلَكُمۡ} بالنصب عطفًا على {وُجُوهَكُمۡ}؛ مما يقتضى غسل الأرجل، لعطفها على مغسول، وقرأها آخرون بالجر {أَرۡجُلِكُمۡ} ، عطفًا على (رؤوسِكم) وهذه القراءة تقتضي مسح الأرجل، لعطفها على ممسوح وهو الرؤوس، وفي ذلك قيل إنه إقرار لحكم المسح على الخفين( ). وهناك تعليل نحوي لهذا الجر يقول إن الأرجل تغسل ولا تمسح؛ فهيَ معطوفة على {وُجُوهَكُمۡ}؛ فكان يجب نصبها ولكنها مجرورة تأثرًا بالكلمة المجاورة لها: {بِرؤوسِكُمۡ}؛ أيْ بالمجاورة.

***********************************
7: إنَّ الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثاُلكم (سورة الأعراف: 194).

لا توجد أيُّ إشكالية لغوية في هذه القراءة، ولكن أشار كثيرون؛ منهم – كمثال - المحاربي( )، أن سعيد بن جُبير قرأها: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادًا أمثالَكم}؛ بتخفيف {إن}، والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتها للبشر؛ بل هيَ أقل وأحقر؛ إذ هيَ جمادات لا تفهم ولا تعقل. وهيَ قراءةٌ اعتبرها العلماء شاذَّةٌ. وقد أوردها العكبري( ) ضمن القراءات الشاذة؛ فلم يقبلها، وقال إنها تعتبر أن (إنْ) جاءت بمعنى (ما)، يقصد أنها لذلك رفعت المبتدأ ونصبت الخبر، وذهب مثله الكسائي، وأكثر الكوفيين - غير الفرَّاء – وغيرهم، حسب السمين الحلبي( ) الذي قبلها؛ مستشهدًا ببيت من الشعر غير منسوب لأحد معين:

إنْ هو مستوليًا على أحد... إلا على أَضْعف المجانين..

وقد استشهد الأشموني( ) بنفس البيت وأضاف مثلًا آخر غير منسوب أيضًا لأحد:

إِنْ الْمَرءُ مَيْتا بِانْقِضَاءِ حَيَاتِهِ... ولَكِنْ بِأَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ فَيُخْذَلا

واعتبر (وغيره أيضًا( )) أن (إنْ) هنا تعمل عمل ليس؛ وهيَ من أخوات كان؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر. وإذا استبدلنا (إنْ) بـ (ليس) في البيتين لاستقام المعنى؛ وحتى لو كان هذا من شواذ كلام العرب؛ فلا ينفي أنه كلامهم.
ورأى النحَّاس( ) أن هذه قراءة مرفوضة من ثلاث جهات؛ إحداها أنها مخالفة للسواد، والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر (إن)، إذا كانت بمعنى (ما)؛ فيقول: إن زيد منطلق، لأن عمل (ما) ضعيف، و(إن) بمعناها فهي أضعف منها، والجهة الثالثة أن الكسائي زعم أنّ (إن) لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى (ما)؛ إلا أن يكون بعدها إيجاب كما في الآية: {إِنِ الْكافِرُونَ إلا فِى غُرُورٍ} (سورة الملك: 20). وعلى العكس انتقد الأندلسي أبا جعفر النحَّاس، بحجة أن القراءة مروية عن أحد التابعين الأجلاء، وأن حجج النحَّاس في رفضها مردود عليها( ).
أما قبول، أو رفض القراءة الشاذة موضع الجدل؛ فلا ينفي أنها تتسق مع كلام بعض العرب، والإصرار على فرض قواعد النحو الصارمة هنا هو - من وجهة نظرنا - محاولة لتطوير العربية؛ بجعلها أكثر التزامًا وانضباطًا، والأرجح أن القراءة المذكورة تمثل مرحلة أقدم في لغة العرب، أو قد تكون لغة غير فاشية وتنحت مع الوقت.

*****************************
8: ليس البر أَن تولوا وجوهكم قبل المشرِق والمغرِب ولٰكنَّ البِر من ءامن باللَّه... (سورة البقرة: 177):

فظاهريًّا يوجد هنا خطأ لغويُّ في: {وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ}؛ فالبر ليس (من آمن)؛ بل هو الايمان بالله واليوم الآخر..
وقد لجأ أهل اللغة إلى تفسيرات شتى. فذهب سيبويه في باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار( )، إلى أن المقصود هو (ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر). وضرب مثالًا آخر من القرآن: {وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡىۥۥ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ}؛ وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ومن الأمثال: بنو فلان يطؤهم الطريق، يريد: يطؤهم أهل الطريق.
وهناك مثال في القرآن أوضح مما ضربه سيبويه: {وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَا} (سورة البقرة: 189). والواضح أنه حذف المضاف لوضوح المعنى المقصود، وهذا من البلاغة، وهو ما ينطبق أيضًا على آية 177. فتقدير الآية: ولكن البر بر من اتقى.
وأضاف القرطبي أنه يجوز أن يكون {البر} بمعنى البار والبر؛ والفاعل قد يسمى بمعنى المصدر؛ كما يقال: رجل عدل؛ وصوم وفطر؛ وذكر مثالًا آخر من القرآن: {إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا} (سورة الملك: 30)؛ أيْ غائرًا.
وذهب المبرد مذهبه فقال: لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت {وَلَٰكِنَّ ٱلۡبَرَّ} بفتح الباء.
وقال الشاعر:
فإنما هيَ إقبال وإدبار
أيْ ذات إقبال وذات إدبار. وقال النابغة: وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب؛ أيْ كخلالة أبي مرحب( ).
وذهب الطبري مثل سيبويه؛ مقدمًا أمثلة من كلام العرب المشهور: الجود حاتم، والشجاعة عنترة، ومعناها: (الجود جود حاتم)؛ فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفًا بالجود من إعادة ذكر الجود.
وفي تفسير الجلالين:
{وَلَٰكِنَّ ٱلۡبَرَّ}؛ أيْ ذا البر، وقرئ بفتح الباء، أيْ البَار من آمن بالله واليوم الآخر؛ وهيَ قراءة مختلفة.
مثلها: {أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ} (سورة التوبة: 19)، ولم يقل: سُقَاة الحاجّ وعامري المسجد الحرام كمن آمن. وقد تكرر هذا في القرآن كثيرًا، وهو من كلام العرب، وحتى في اللغات الأخرى: حذف لفظ للاختصار ولوضوح المعنى، استخدام الصفة بدلًا من الموصوف.. إلخ.

*********************************
9- والوٰلداتُ يرۡضِعۡنَ أَوۡلـٰدهُنَّ حَوۡليۡنِ كَامِليۡنِ لِمَنۡ أرَادَ أن يُتمَّ الرِّضَاعَة (سورة البقرة: 233):
هكذا قرأها الجمهور، وهيَ في رواية حفص.
الإشكالية هنا حول قراءة أخرى؛ هيَ قراءة كل من مجاهد، والحسن، وحميد، وابن محيض، وأبي رجاء: {لمن أراد أن تَتمُ الرَّضاعة}، بفتح التاء الأولى ورفع {الرَّضاعة} بعدها، وقرأ أبو حنيفة، وابن أبي عبلة، والجارود بن أبيسبرة كذلك، إلاَّ أنهم كسروا الراء من الرضاعة( ). فرفعوا الفعل {تتمُ}؛ رغم أنه مسبوق بـ (إنَّ) وهيَ تنصب المضارع إلا في حالات معينة لا تنطبق على الآية( ).
**********************************
10- كلمة (لات):

جاءت في: {كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٍ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (سورة ص: 3).
وقد أثارت جدالا كبيرًا بين اللغويين؛ شارك فيه المحدثون. وقد لخص خيري الجميلي( ) الآراء المتعددة في:
- ذهب جمهور النحاة القدماء إلى أن أصل (لات) في العربية هو (لا)؛ زيدت عليها التاء، كما في تمَّت، وربَّت.
- وذهب بعض النحويين إلى أنها فعل ماض، وانقسموا إلى فريقين؛ يقول الأول: إنها فعل ماضٍ بمعنى نَقَصَ، ويقول الثاني: أن أصل (لات) هو (ليس) وقلبت السين تاء؛ مثل قول الراجز:
ياقبح الله بني السعلاة ... عمرو بن يربوع شِرار الناتِ
ليسوا بأخيافٍ ولا أكياتِ

استخدمت (النات) هنا بدلًا من (الناس)؛ فاستبدلت التاء بالسين.
وهذه لغة غير شائعة في كلام العرب.
- أنكر أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ورود (لات) في العربية، وزعم أن (لات) في القرآن هيَ (لا) والتاء جزء من (تحين)؛ وقد وافقه في هذا بعض البغداديين، وابن الطراوة النحوي.
- ذهب عباس حسن - من المعاصرين - إلى أن (لات) أصل قائم بنفسه.
- ذهب إبراهيم السامرائي إلى أن (لات) في العربية منحوتة من (لا) و(أيت)؛ وهو مذهب اعتمد على مقارنة اللغات السامية.
وقد اعتبرها إميل يعقوب( ) حرفًا يفيد النفي، وتعمل عمل (ليس)؛ بشروط أخواتها؛ إلا أن هناك شرطين آخرين لا بد منهما لإعمالها؛ وهما:
أ- أن اسمها وخبرها لا يجتمعان؛ بل لابد من حذف أحدهما، والأكثر حذفُ اسمِها.
ب- أنها لا تعمل إلا في كلمات تدل على الزمان؛ خصوصًا: حين - وهيَ أكثرها استعمالًا - وساعة وأوان؛ فتقول: تندم الآن ولات حين مندم( ).
أما إذا فقد أحد الشروط المذكورة؛ فتصبح (لات) مهملة غير عاملة، كما في قول الشاعر الشمردل اللّيثي:
لهفي عليك للهفةٍ من خائفٍ ... يبغي جوارك حين لات مجيرُ
حيث بطل عمل (لات) لدخولها على غير اسم زمان فتعرب كحرف نفي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. مجيرُ: مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف، وتقديره: موجود.
وقال البعض أن (لات) تستعمل كحرف جر لأسماء الزمان خاصة، كما في: (طلبوا صلحنا ولات أوانٍ)، و(ولاتِ ساعةٍ مندم). واستنادًا إلى قراءة عيسى للآية: {ولات حينِ مناصٍ}؛ بجر (حين)( ).
وذكر السيوطي أن (لات) كلمة قبطية تعني (فرار)( ).
وذكر الفرَّاء أنها لا تعمل إلا مع كلمة (الحين)، وذهب الفارسي وغيره إلى أنها تعمل مع (الحين) وفيما رادفه( ).
وذكر ابن هشام الأنصاري( ) أن شروط عمل (لات) هيَ عمل (ليس)، ولكنها تختص عن أخواتها بأمرين؛ موجزهما:
أحدهما: أنها لا تعمل إلا في ثلاث كلمات: (الحين) في أغلب الحالات، و(الساعة)، و(الأوان) أحيانًا. وهذا الشرط ينطبق على الآية. وتكون الواو للحال و (لا) نافية بمعنى ليس، والتّاء زائدة لتوكيد النفي والمبالغة فيه، أو لتأنيث الحرف، واسمها محذوف، و(حينَ مَنَاص) خبرها، ومضاف إليه، أيْ: فنادوا: والحالُ أنَّه ليس الحينُ حينَ مناصٍ؛ أيْ: فِرَارٍ وتأخير.
ومن إعمالها في (الساعة) قول الشاعر:
ندِم البغاة ولاَتَ ساعةَ مندمٍ ... والبغي مرتَعُ مبتغيه وخيمُ
وفي (الأوان) قوله:
طلبوا صلحنا ولاَتَ أوانٍ ... فأجبنا أن ليس حِينَ بَقاءِ
والمقصود أنه ليس الحين أوانَ صلح؛ فحذف اسمها، وحذف ما أضيف إليه خبرها.
والثاني: أن اسمها وخبرها لا يجتمعان، والغالب أن يكون المحذوف اسمها والمذكور خبرها، وقد يكون خلافه، وهذا ينطبق على قراءة (حينُ) بالرفع؛ أيْ: (وليس حينُ مناصٍ)؛ حينًا موجودًا لهم عند تَناديهم ونزولِ ما نزل بهم من العذاب.
والرأي السائد هو أنها (لا) أضيفت لها تاء. وأصحاب هذا الرأي ضربوا مثال كلمة: (ثمَّت) وكلمة (ربَّت)؛ إلا أن الكلمتين هما فعل ماض؛ سواء بالتاء، أو قبل إضافتها، و(ثمت) مؤنث اسم الإشارة (ثم)، و(لا) ليس باسم إشارة. أما إضافة التاء إلى (لا) النافية في الآية فلا مبرر لها؛ إلا إذا اعتبرناها من أسماء ليس – ليست وهيَ أيضًا فعل ولكنه فعل ماض فقط.
أما (لات)؛ فقد جاءت أيضًا في صورة فعل مضارع في: {وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ
وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورۥۥ رَّحِيمٌ} (سورة الحجرات: 14)، وفي قراءة واحدة (أبو عمرو بن العلاء) جاءت: لا يَأْلَتْكُمْ، على ما جاء في آية سورة الطور: {والذين ءامنوا وما أَلَتْنَـٰهُمْ من عملهم من شَىۡءٍ} (سورة الطور: 21)؛ بمعنى نقصناهم، أو ظلمناهم.
وأما الآخرون؛ فإنهم جعلوا ذلك من: لات - يليت، كما قال الشاعر:
وليلــة ذاتِ نــدًى ســـريت ... ولم يلِتنــي عن سُـراها لَيْـتُ
وهو شعر غير معروف قائله؛ لا بالتوثيق، ولا بالدليل.
لكن (ألتناهم) قُرئت أيضًا بدون همزة( ).
إذن يمكن اعتبار (لات) فعلًا ماضيَا، بمعنى قريب من (ليس) وله مضارع؛ فيكون معنى {وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} للنفي: ليس من مفر الآن، و(يلتكم): يقلل، أو ينفي بمعنى يجحد، أو يهمل، أو لا يعتبر، أو ينقص، أو يقلل من شأن. وفي {أَلَتْنَاهُمْ} جاءت مهموزة بنفس المعنى وبالهمز على لغة بعض العرب، كما في قراءة ابن العلاء: {يألتكم}؛ بدلًا من {يلتكم}، كما ذكرنا آنفًا، ومن أمثلة كلام العرب في ذلك( ): غطفان: قد أَلَتَه يَالِتُه، يريدون: نقَصَه. وقال الحُطَيْئَةُ:
أَبلغ بنِي ثعلٍ عني مغلغلةً... جهد الرسالة لا أَلْتًا ولا كذبا (مهموزة).
وفي لغةُ أَسد وأهل الحجاز: قد لَاتَه، وهو يَلِيتُه لَيْتًا (بدون همز).

***************************
11: الحذف:

منه حذف أحرف من بعض الكلمات، أو حذف كلمات بأكملها؛ مثل حذف المبتدأ أو الخبر. هذه ظاهرة بارزة في اللغة العربية عمومًا؛ والغرض منها التخفيف والإيجاز، والتوكيد، أو النفي وغير ذلك؛ وهيَ موجودة في لغة القرآن. وقد ذكر ابن جنيّ أن بالقرآن نيفًا على ألف موضع حذف فيها المضاف( ). وقد ورد عن العرب حذف الجملة؛ سواء الاسمية، أو الفعلية، وحذف الضمير وبعضه، وبعض الحرف، وبعض الاسم، والمضاف، والمضاف إليه، وحذف الحال، وخبر إن، وخبر كان، وبعض الاسم المقْرون بأل، وبعض الفعل، وحذف الصوائت، وحرف النداء.. إلخ.
وهنا مثل واحد لتأثير حذف كلمة: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا سُبۡحَٰنَهُ بَلۡ عِبَادۥۥ مُّكۡرَمُونَ‏} (سورة الأنبياء: 26)؛ فتقدير الآية: وقالوا اتخذ الرحمٰن ولدًا سبحانه بل هم عبادٌ مكرمون‏، ولذلك جاءت بالرفع. وقد أجاز البعض نصبها: {عبادًا مُكَرَّمِين} ردًا على {ولدًا}؛ منهم الفرَّاء( ).
وسوف نتناول هنا حذف حروف الكلمات في القرآن بالمخالفة لقواعد العربية القياسية؛ والذي أثار الجدل( ).
الحروف المحذوفة هيَ: الألف، الواو، الياء، الباء، التاء، اللام، النون، الهاء. وحروف المد واللين تحذف أكثر من غيرها، لأن ما قبلها يدل عليها. وسنتكلم عن حذف الهمزة في موضع خاص.
يمكن إيجاز دوافع الحذف في:
كثرة الاستعمال كأحد العوامل؛ وليس من الضروري أن يتم فيه الحذف؛ وهكذا ذهب سيبويه( )، وطول الكلام بهدف الاختصار، والضرورة الشعرية. وهناك أيضًا أسباب صوتية، أو صرفية؛ مثل: التقاء الساكنين، وتوالي الأمثال، واستثقال حروف العلة، واستثقال الهمزة، والحذف للوقف، والحذف في صيغ الجمع والتصغير( ). ويكون التخفيف هو الهدف الأهم للحذف؛ وهو أمر شائع في العربية وفي كافة اللغات.
الحذف للترخيم (الترخيم: حذف حرف، أو أكثر، من آخر المنادَى، أو غيره): يتم حذف الحرف الأخير، ثمَّ إشباع حركة الحرف الذي وقع قبله؛ فينشأ حرف هو من جنس حركته: مع الفتحة ألف، ومع الكسرة ياء، ومع الضمة واو. وهذا ليس إبدالا. وهذه أمثلة من كلام سكان جنوب السعودية( ):
العربية الفصحى
عامية بيش وصبيًّا وأبي عريش... إلخ.

يا مُحَمَّدُ يا مْحَما
جَعْفَرُ جَعْفَا
جئتُم؟ أَجِيتُو؟ (يمكن استعمالها في الخبر والاستفهام)
الَّليل الَّلي
مِسْكِين مِسْكِي
هل تَغَذَّيت؟ تَغَدَّيْ؟ (وهم يقلبون الذال دالًا في كلامهم)
تريد أَنْ تُسَافِر؟ تِبْغَى تْسَافِي؟
الحَجَرُ يتَدَحْرَجُ الحَجَرُ يتَدَحْرَا
سَافَرَ ساَفَا
هَلْ صَمَّمَ؟ شُفْتُنُّهْ صَما؟
هَذهِ سُرُر هَذِي سُرُو
وجَع وجَا

من أمثلة ذلك في القرآن: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ} (سورة القيامة: 33)؛ بدلًا من (يتمطط)، {وقد خاب من دَسَّاهَا} (سورة الشمس: 10)؛ بدلًا من (دسسها).
وقد اختلف الحذف بين القراءات( )؛ ومنه هذه الأمثلة: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا} (سورة البقرة: 116)، {وسارعواْ إِلى مغْفِرةٍ} (سورة آل عمران: 133)، {والَّذِين اتَّخُذواْ مسجِدًا} (سورة التوبة: 107)، فقد قُرئت بواو وبغير الواو، {وبالزَّبرِ وباْلكِتـٰب اْلمنِيرِ} (سورة آل عمران: 184)، بالباء وغير الباء، {وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡ} (يس: 35)؛ بالهاء وغير الهاء، {فبِما كسبتْ أَيدِيكم} (سورة الشورى: 30)؛ بالفاء وغير الفاء، {تجرِى من تحَتها اْلأَنهـٰر} (سورة التوبة: 100)؛ بـ (من) وغير (من)؛ وهيَ في رواية حفص بدون (من)، {فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (سورة الحديد: 24)؛ بـ (هو) وبغير (هو)، {والَّيلِ إِذا يسر} (سورة الفجر: 4)؛ بياء وبغير ياء.
وهناك أيضًا الاختلاف بالتشديد والتخفيف؛ مثل: {بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (سورة البقرة: 10)؛ بتشديد الذال وتخفيفها، {وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ} (سورة البقرة: 102)؛ بتشديد النون وتخفيفها، {وإِنَّ كلا لما ليوفيهم ربك} (سورة هود: 111)؛ بتشديد الميم وتخفيفها.
إن تبرير حذف حرف بأنه يعني السرعة، أو الحسم، أو لتعليلات باطنية لا يبرر عدم حذفه من نفس الكلمة في نفس السياق؛ وبالتالي فهذه الحجة واهية. وحسب ملاحظة الكردي( )؛ فإن حذف الواو من: {وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ} للإشارة إلى السرعة؛ فهل نعتبر إثباتها في: {يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ} يدل على التراخي في المحو والإثبات؟! وإذا كانت زيادة الياء في: والسماء بنيناها بأييد للفرق بين الأيدي التي بمعنى القوة والأيدي التي ليست بمعنى القوة؛ فما تفسير زيادتها في {بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ}؛ دون زيادتها في {أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ}؟! والكردي ينتقد كل التعليلات اللغوية والبلاغية، ويرى أن العلة الحقيقية غامضة وغير مفهومة( ).
وإذا كان حذف الواو من (ندعو) للدلالة على سرعة القرار؛ فلماذا لم تُحذف منها في: {يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡ} (سورة الإسراء: 71)؛ بل زيدت عليها ألف؛ فهل يعني هذا التباطؤ يومئذ؟!
وسنلقي بعض الضوء على هذه الظاهرة فيما يلي:
حذف الألف: من أمثلة ذلك حذفها من: بسم، والله، والرحمن، ولكن.
حذفت الألف من مئات الكلمات في القرآن مع إضافة ألف صغيرة في الرسم لتوضيح النطق؛ مثل: {لكٰنِّا} (سورة الكهف: 38)؛ بدلًا من (لاكنَّا)، ومن {يَٰلَيۡتَ} (سورة الزخرف: 38)؛ بدلًا من (يا ليت)، ومن {كَٰذِبٗا} (سورة غافر: 28، 38)؛ بدلًا من (كاذبًا)، و{لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ} (سورة المؤمنون: 8). وقد جاءت في بعض القراءات: {لأماناتهم}، و{لأمانتهم}، {لكنْ} – {ٱلسَّمَٰوَٰتِ} - {ثَلَٰثَ مِاْئَةٍ} - {ٱلسَّلَٰمُ} – {ٱلظُّلُمَٰتِ} – {سُبۡحَٰنَكَ} – {ٱلصَّٰلِحُونَ}.. إلخ، وكل هذا الحذف للاختصار. وهناك كلمات حذف منها الألف اختصارًا في القراءات المتواترة، بينما كتبت في القراءات الشاذة بدون الألف الصغيرة؛ منها: {الصـٰعقة} (سورة البقرة: 55) بألف صغيرة، ولكن كتبها ابن محيصن {الصَّعۡقة}( )، {مسـٰجد} بالألف الصغيرة، بينما كتبها البعض {مَسۡجِد} في الآية 17 من سورة التوبة( )؛ وهذا الأخير هو مجرد اختلاف في القراءات حول الإفراد والجمع.
ومما يلفت النظر حذف الألف من {جَزَٰٓؤُهُۥ} في ثلاثة مواضع في آيتين متتابعتين في سورة يوسف (74-75)، مع إضافة ألف قصيرة مكانها، بينما جاءت بالألف الطويلة في ستة مواضع بالمصحف، وكتبت في طبعات تعليمية كما تُنطق: (جَزَاؤُهُ)؛ هكذا دون أي مبرر لغوي مفهوم. ويبدو لنا أن اختلاف النساخ قد رافقه اختلاف طريقة النسخ في وقت لم تكن قد ترسخت قاعدة معينة لكتابة الألف.
وفي العربية عمومًا؛ تُحذف الألف مع اللام كما في: للألواح بحذف ألف الوصل التي مع لام التعريف، وأصلها: لالألواح، وكمثال آخر: للرجل، وأصلها: لالرجل، كما تحذف من أسماء الإشارة مثل: هذا، هؤلاء، أولئك، ومن ألفاظ أخرى كثيرة منها: لكن (أصلها لاكن)، مئة.. إلخ؛ رغم أنها في القرآن كتبت بالألف الصغيرة مثلها مثل كلمات: الشيطن، ءايت.. إلخ، وهيَ تُكتب في الكتابًات الحديثة بالألف الطويلة. والواضح أن هذا النوع من الحذف للتخفيف.
وهناك إجماع على حذفها من (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ بعلل متعددة تشمل الآتي( ): قال الفرَّاء: لكثرة الاستعمال.
وقيل: لأن الباء لا تنفصل.
وقال الأخفش سعيد: حذفت لأنها ليست من اللفظ.
والقول الرابع أن الأصل (سمٌ)، وقد أنشد أبو زيد: (بسمٌ الذي في كل سورة سمٌه)؛ بالضم أيضًا فيكون الأصل سمًا، ثم جئت بالباء؛ فصار بسِم، ثم حذفت الكسرة فصار بسم؛ فعلى هذا القول لم يكن فيه ألف قط.
كما قيل أيضًا – وفقًا لعبد الرحيم نبولسي - أنها حذفت لوقوعها قبل ساكن صحيح؛ وهو السين؛ فاجتمع ساكنان، وتسمى هذه بـ) عِلَّة السماع(؛ حيث جاء الرسم موافقًا لنطق اللفظ( ).
ومع ذلك لم تحذف الألف من: {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ} (سورة العلق: 1)، وحسب تعليل الفراهيدي( ): لأنها في (بسم) دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن؛ فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الرسم، ولم تسقط في قوله: {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ}؛ لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في (بسم الله)؛ لأنه يمكن حذف الباء من: {اقرأ باسم رَبّكَ} مع بقاء المعنى صحيحًا. أما لو حذفت الباء من (بسم الله)؛ لم يصح المعنى؛ فظهر الفرق. خلاصة هذا التعليل هو حفظ المعنى. وهذا التعليل غير مفهوم؛ فماذا سيحدث إذا كتبنا الألف في (باسم الله) عموما؟ ولماذا تنوب عنها الباء؟ ثم إذا حذفت من آية سورة العلق لصارت (إقرأ بسم ربك) ولن يتغير المعنى، بل إذا كتبنا: (إقرأ اسم ربك) لتغير المعنى؛ عكسما يقول الفراهيدي. وقد تكرر الشيء نفسه؛ فلم تحذف الألف من : {فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ} (سورة الواقعة: 74، 95، وسورة الحاقة: 52)، وإذا كتبنا (بسم) في هذه المواضع لما تغير المعنى. وقد حذفت الألف من: {بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} في كل المواضع بما فيها آية 30 من سورة النمل، ومن: {وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآ} (سورة هود: 41). ولم تضف ألف قصيرة في كل تلك المواضع. في الواقع الأصل في العربية قديما هو عدم كتابة الألف؛ لذلك نفضل أن يكون السؤال هو لماذا كُتبت الألف في بعض المواضع؟ ولماذا أضيفت الألف القصيرة في مئات مواضع (الحذف). الأقرب أن كثرة استعمال (بسم الله) كان مبررا للاستمرار في كتابتها بهذا الرسم؛ أما (باسم ربك) فلا ينطبق عليها هذا فكتبت الألف ضمن ما حدث لكلمات أخرى عديدة. ونظن أن هذا المنطق ينطبق على كافة حالات حذف الألف؛ أو بالأصح عدم كتابتها.
وحذفت ألف واحدة من {سمـٰوات} في الآية 12 من سورة فصلت، لكن تم حذف ألفين من مئات المواضع الأخرى فكتبت {سمـٰوٰت} أو {السمـٰوٰت}.
أما حذف الألف من لفظ (الله) [أصلها: الّلاه]؛ فعُلل بـ( ):
- أنه كتب على لغة من قال:
قد جاء سيلٌ جاء من أمر الَّهْ... يحرد حرد الجنة المغلة( )؛ حيث حذفت الياء الثانية من (الله).
- أن الألف الأولى تكفي من الثانية.
- أنهم كرهوا أن يشبه النفي.
- أنه قد عرف معناه.
- لأنه اسمٌ مخصوصٌ؛ فلما لم يلتبس بغيره حذفت منه الألف.
- لكراهية اجتماع الحروف المتشابهة بالصورة عند الكتابة( ).
وكلها علل اجتهادية من النحاة؛ خصوصًا التعليل الأول البالغ التكلف، ولا يوجد ما يدل على صحة أيِّ علة منها، ولكن يمكن أن ينطبق عليها ما ينطبق على مئات الألفاظ القرآنية التي حذفت منها الألف واستبدلت بألف صغيرة؛ ثم تأخر استخدام الألف كحرف متحرك كما سنرى بعد، ثم استمر حذفها من ذلك اللفظ لخصوصيته وعدم الحاجة لتغيير رسمه.
أما عن حذف الألف من {ٱلرَّحۡمَٰنِ}؛ فقد ذُكرت عدة علل:
حذفت لكثرة الاستعمال؛ وهيَ علة رفضها النحَّاس بمنطق معقول؛ لأنه اسم مخصوص يدل على الله، فكيف نقول كثرة الاستعمال، أو حذفت فرقًا بينها وبين الألف الثانية( )، أو لأن ما قبلها من الألفات تكفي دونها، أو لأن حذفها لا يشكل( ). وكل هذه التعليلات غير منطقية؛ فالألف حذفت في المصحف من (الرحمن) ووضعت مكانها ألف صغيرة؛ مثل مئات الكلمات الأخرى؛ كثيرة أو قليلة الاستعمال، ولو حذفت دون إضافة لقلنا لأنه اسم مخصوص بالله؛ إما لأن الألفات التي قبلها تكفي، أو لأن حذفها لا يشكل؛ فهو ينطبق على كلمات عديدة في العربية لا يحذف منها الألف. وبخصوص (الرحمن) يتم فعلًا كتابتها بدون ألف ولا إضافة ألف صغيرة خارج المصحف لسبب واضح: إنه اسم مخصوص بالله ولا يستخدم لغيره، ورغم ذلك فهذا لا يبرر حذف الألف إلا بقصد تخفيف اللفظ؛ فاجتمعت هنا هذه العلة مع كون اللفظ خاصًا بالله فقط؛ أيْ أن المعنى لا يتأثر بحذف الألف منه.
وقد حذفت الألف الفارقة التي تضاف للفعل بعد واو الجماعة في كلمات عديدة؛ فهذه الواو ليست أصلية في الفعل ولا تغير إضافتها أو عدمها من النطق ولا المعنى. والأرجح أنها أضيفت في مرحلة أحدث للعربية بدون مبرر. من هذه الكلمات في رواية حفص وغيرها: {جَاءُو} في كل المواضع، باءوا كتبت: {بَآءُو} في كل المواضع، {فَإِن فَآءُو} (سورة البقرة: 226)، {تبوَّءُو الدار} (سورة الحشر: 9)، كذلك نجد ذلك في: {تبؤّو}، {سَعَوۡ}، {َعَتَوۡ}. بينما أضيفت الألف في نهاية كلمات مشابهة مع المفرد كما سنرى في الفصل القادم.
وحذفت الألف التي للتنبيه من كلمات كثيرة منها: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} - {يَٰٓأَرۡضُ} – {يَٰٓأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَٰبِ} - {يَٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ} - {يَٰهَٰرُونُ} - {يَٰمَرۡيَمُ}.. إلخ. ومن ها التنبيه مثل: {هَٰذَآ} - {هَٰٓؤُلَآءِ}، وحذفت من النداء في: {يَٰقَوۡمِ} - {يَٰنُوحُ} - {يَٰرَبِّ}.. إلخ.
ومن سمات الكتابة النبطية - أصل الكتابة العربية الباقية - عدم إضافة حركة الفتحة الطويلة (الألف)؛ في كلمات مثل: حارثة – حرثت، ومالك – ملك( ). وكذلك السريانية درجت على حذف الألف من وسط الكلمة( )، ومثلها لغة سبأ( ). ويبدو أن العربية لم تكن قد حسمت بعد استخدامها في فترة كتابة مصحف عثمان؛ خلاف رمزي الكسرة والضمة الطويلتين( ).
وحتى الآن يتم حذف الألف من كلمات كثيرة؛ منها: الله – هذا – ذلك... إلخ؛ إذ صارت عادة في الكتابة العربية.
وعلى النقيض لم يتم حذف الألف من القرآن لبعض الكلمات القصيرة مثل: {عاد} – {مات}، وحتى في كلمات طويلة: {ٱلۡحِسَابِ} – {ٱلۡعَذَابِ} – {ِيُحَآجُّوكُم} – {شاقَّواْ} – {صَاحِبۡهُمَا} – {كِذَّابٗا}.
وهناك كلمات جاءت بالألف في مواضع وبدونها أحيانًا؛ مثل: {أيها} المتكررة كثيرًا بالألف جاءت (أيه) في 3 مواضع: {أَيُّهَ المؤمنون} (سورة النور: 31)، {يَا أَيُّهَ الساحر} (سورة الزخرف: 49)، {أَيُّهَ الثقلان} (سورة الرحمن: 31)، {شَعَآئِرِ} (سورة البقرة: 158) و{شَعَٰٓئِرَ} (سورة المائدة: 2، والحج: 32، 36)، {عَتَوۡ} (سورة الفرقان: 21) جاءت بالألف: {عَتَوۡاْ} (سورة الأعراف: 77، 166، والذاريات: 44)، {سَعَوۡ} (سورة سبأ: 5)، {سَعَوۡاْ} (سورة الحج: 51)، {يَعۡفُواْ} (خمسة مواضع)، {يَعۡفُوَ} في موضع واحد (سورة النساء: 99)، {الميعـٰد} (سورة الأنفال: 42)، {قَالَ}؛ جاءت بالألف عدا موضعين: {قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ} (سورة المؤمنون: 112)، {قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ} (سورة المؤمنون: 114) وهذا تكرر مع كلمات أخرى.
وقد علل الداني( ) حذف الألف عند التقاء ألفين للاختصار؛ مثلما في: يأيها النّاس، ويأهل يثرب، ويأبت ويا برٰهيم، ويأخت هارون، ويأولى الألبـٰب، ويأيتها النّفس، ويئادم.. إلخ. وفي: يا أيه، لالتقاء ساكنين( )، كما علل حذف الألف من (يا) التي للنداء و(ها) التي للتنبيه اذا اتصلتا بكلمة أولها همزة مثل: هأنتم، وهؤلاء( )، لكن لماذا لم تُكتب: (يأيه الذين)، (يا أيه الناس)؛ مثلما كتبت {يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ}، و{أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ}؟!
كما قدم تعليلًا غير لغويٍّ لحذف الألف من: أيه المؤمنون، أيه الساحر، أيه الثقلان، وإثباتها في بقية المواضع: تطويل هاء التنبيه في النداء... والإشارة إلى معنى الانتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبةٌ يمتد النداء إليها وتنبيه على الاقتصار والاقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي( ). وهو تعليل يعني إمكانية تغيير صرف الكلمات لأسباب باطنية تقديرية؛ وهو غير وارد في قواعد النحو والصرف.
وقد قدم غانم قدوري تعليلًا أكثر تماسكا: إن تقصير الحركات الطويلة إذا لقيت حرفًا ساكنًا غير متحرك تفسر لنا كثيرًا من ظواهر حذف رموز الحركات الطويلة في الرسم العثماني؛ لأن الحركة الطويلة إذا قصرت صارت حركة قصيرة والحركة القصيرة لم يكن لها حينذاك رمز في الكتابة، وهذا يعني سقوط رمز الحركة الطويلة دون أن يخلفه شيء، يشير إلى ما تبقى منها بعد تقصيرها( ).
وهذا الحذف غير المبرر لغويًّا غير موجود في الكتابة العربية الحديثة ولا حتى في كلمات عديدة في الطبعات التعليمية للمصحف( ).
في النهاية لا نستطيع استنباط أيِّ معيار، ولا تعليل نحوي، أو صرفي، لحذف الألف، أو بقائها، والأكثر قبولا ومعقولية أنه لم تكن هناك بعد قاعدة راسخة لكتابة الألف كعلامة فتح طويلة؛ فلم تحذف؛ بل لم تُكتب، كما أشرنا من قبل.
حذف اللام: حذفت في: {الَّيل}، {الّذى}، {الذين}، {الَّذان}، {التَّى}، {ٱلَّٰتِى}، ٓ {ٱلَّٰٓـِٔى}. عللها الداني بكثرة الاستعمال ولكراهة اجتماع صورتين متّفقتين.
كما أثبتت على الأصل في: {اللـٰعنون}، {اللعنة}، {اللـٰعبين}، {اللغو}، {اللهو}، {اللؤلؤ}، {اللـٰت}، {اللمم}، {اللهبِ}، {اللطيف}، {ٱللَّوَّامَةِ}، اسم {الله}.. ( ).
وحُذفت في مواضع أخرى؛ غالبًا للحفاظ على الوزن وللتخفيف؛ مثل (وليتّخذ) في: {وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الذين ءامنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظـّٰلمين} (سورة آل عمران: 140)، ومثلها في: {وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (سورة آل عمران: 141). وفي: {وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗا} (سورة طه: 97)، {لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (سورة الواقعة: 65)؛ وهيَ عين الفعل الثلاثي، وأصلها (ظلّلت)، و(ظللتم)، وهذا مما اعتبره اللغويون من الشذوذ في العربية( ). وعلى النقيض احتفظ باللام في: {وَلِيَبۡتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمۡ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (سورة آل عمران: 154).
وقد كتب في القرآن لفظ {الله} بلامين، بينما كتب لفظ {ٱلَّذِى} بلام واحدة، مع استوائهما في اللفظ وفي كثرة الاستعمال، وهناك عدة تعليلات( )؛ الأول: أن (الله) اسم معرب متصرف تصرف الأسماء؛ فأبقوا كتابته على الأصل؛ أما (الذي) فهو مبني لأنه ناقص؛ لأنه لا يفيد إلا مع صلته؛ فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيًا، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ولذلك كتبوا (اللذان) بلامين؛ لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف؛ فالحرف لا يثنى؛ وهيَ حجة لا يسندها حذف اللام من (اللذان) أحيانًا. الثاني: أن لفظ (الله) لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله إله، وهذا الالتباس غير حاصل في قولنا (الذي). الثالث: أن تفخيم ذكر الله في اللفظ واجب؛ فكذا في الخط، والحذف ينافي التفخيم وأما لفظ (الذي) فلا تفخيم له في المعنى؛ فتركوا أيضًا تفخيمه في الخط. وهذه الحجة ضعيفة لأننا لا نتحدث هنا عن التفخيم؛ لأننا بصدد حذف الأحرف وليس زيادتها، فإذا جاء الكلام عن زيادة أحرف، صار من الممكن الكلام عن التفخيم. الواضح أنه لا يمكن كتابة (الله) بلام واحدة؛ لأن المعنى سيتغير؛ فستصبح (إله) كما قال، ومما يعزز هذا الرأي أن {اللـٰت} كتبت بلامين؛ فهل قُصد تفخيمها؟ محال طبعًا.
والحذف في تلك الحالات ليس له أيُّ مبرر واضح. وبالتالي يمكن أن نستنتج أنه غياب قواعد محددة لرسم تلك الألفاظ، واجتهاد النسَّاخ، وتباين معرفتهم بالرسم. وفي طبعات تعليمية من المصحف كُتبت: الليل، اللاَّتِي، اللاَّئي، اللذان، ظَلَلْتَ؛ وهو ما ينفي العلل الباطنية والصرفية المختلفة، والإقرار الضمني بتطور العربية وتجاوزها مرحلة الرسم العثماني؛ وهو ما ينطبق على مئات المواضع في هذا الرسم.
حذف النون:
من مضارع كان: {وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ} (سورة النحل: 127)، {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ} (سورة الأنفال: 53)، {إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (سورة النحل: 120)، {قالت أَنَّىٰ يكون لى غلـٰم ولم يمسسنى بشر ولم أَكُ بغيٍّا} (سورة مريم: 20)، {وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا} (سورة النساء: 40)، {قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ} (سورة المدثر: 43)... وقد تم حذف النون من مضارع كان في ثمانية عشر موضعًا في القرآن، وأُثبتت في اثنين وستين موضعًا. وقد أُضيفت النون في بعض مواضع الحذف في طبعات تعليمية من المصحف.
استنبط النحويون من هذه العبارات قواعد جواز حذف النون من مضارع (كان) كالآتي( ):
1- أن تكون بلفظ المضارع لا الماضي.
2- أن تكون محذوفة وصلًا؛ لا وقفًا؛ فلا يجوز أن تقول: لم أك.
3- ألا يليها ساكن؛ مثل: {لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} (سورة البينة: 1) فهيَ مضارع، ومجزومة، ولم يُوقَف عليها، وليست متصلة بضمير نصب؛ إلا أنها متصلة بساكن؛ فمنع حذف النون.
4- ألا يتصل بـ (كان) ضمير نصب متصل؛ فلا يصح أن تقول في (لا يكنه): لا يكه.
وفي الهمع( )؛ شرح السيوطي الأمر؛ فرأي أن تحذف النون إذا كانت ساكنة بالجزم، أو إذا كانت تامة( )، شرط ألا تكون موصولة بضمير، أو متبوعة بحرف ساكن؛ خلافًا ليونس الذي رأى أنه يجوز حذف نون (كان) تخفيفًا؛ بشروط أن يكون من فعل مضارع، أو أمر مجزومًا بالسكون، وألا توصل بضمير متصل، ولا متبوعة بحرف بساكن؛ مثلما في: {لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ}، ومن أمثلة ما اجتمعت فيه الشروط: {ولم أك بغيًّا}، {لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ}، {ولا تَكُ فى ضيق}، {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ}. أما في (كان) التامة؛ فالحذف فيها أقل نحو: {وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا} (سورة النساء: 40). قال أبو حيان: وحذف هذه النون شاذ في القياس؛ لأنها من نفس الكلمة لكن سوَّغه كثرة الاستعمال؛ وهذا تبرير ضعيف؛ لأن الحذف جاء في مرات معدودة فقط. وأجاز يونس بن حبيب حذفها مع الساكن، ووافقه ابن مالك تمسكا بقول الشاعر:
لم يكُ الحقُّ سوى أن هَاجَهُ ... رسْمُ دار قد تعفّتْ بالسَّرَرْ( )
وقوله: فإن لم تَكُ المرآة أبدت وسَامة ً( )
وقال الجمهور: إن ذلك ضرورة، وقال ابن مالك: إن النون حُذفت للتخفيف وثقل اللفظ، ولكن رفض ذلك أبو حيان، بحجة أن التخفيف ليس هو العلة؛ إنما العلة كثرة الاستعمال؛ ويقصد كثرة استعمال فعل (يكون).
والحذف جائز وليس وجوبيًّا؛ بدليل حذفها من: {فَلَا تَكُ فِى مِرۡيَةٍ مِّنۡهُ} (سورة هود: 17)، والإبقاء عليها في: {فَلَا تَكُن فِى مِرۡيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِۦ} (سورة السجدة: 23)؛ رغم تشابه تركيب العبارة. والقرآن مليء بأمثلة من عدم الحذف؛ رغم توفر شروطه المذكورة أعلاه.
وقد انتقد ابن جنيِّ الحذف مع اتباعها بحرف ساكن: وحذف النون من (يكن) أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع؛ لأن النون في (يكن) أصل؛ وهيَ لام الفعل، والتنوين والنون (يقصد نون التثنية والجمع) زائدتان فالحذف فيهما أسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أيضًا من (يكن) أقبح من حذف نون (من) في قوله:
............... غير الذي قد يقال مِ الكذب( ).
خلاصة ما سبق أن حذف النون من مضارع (كان) قد تم في القرآن في ثمانية عشر موضعًا؛ ليس سهوا؛ بل لأسباب تخص الوزن والإيقاع؛ للتخفيف، أو لأسباب بلاغية أخرى، وهو ما يتفق مع لغة القرآن شبه الموزونة. أما القواعد التي وضعها اللغويون للحذف؛ فكانت محاولات غير ناجحة (لتقنين) الحذف في المصحف؛ لا أكثر، وفي أغلب الطبعات التعليمية تم حذف تلك النون في مواضع أقل؛ دون التزام برواية حفص.
كما تم حذف النون من فعل {نجِّى} (سورة الأنبياء: 88) مرة واحدة، وكتبت مرتين كاملة: {نُنَجِّى}، وكتبت {فَنُجِّىَ} في سورة يوسف: 110، بدون مبرر من النحو والصرف، ولا نجد سببًا سوى تحقيق سلاسة الإيقاع.
حذف الواو: حذفت الواو من أربعة أفعال مرفوعة: {وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ} (سورة الإسراء: 11) - {وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ} (سورة الشورى: 24)- {يَدۡعُ ٱلدَّاعِ} (سورة القمر: 6) - {سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (سورة العلق: 18). قال الداني تعليلًا لذلك: ولم تختلف المصاحف في أن الواو من هذه المواضع ساقطة وكذا اتَّفقت على حذف الواو من قوله في التحريم {وصـٰلح المؤمنين} (أصلها وصالحوا)؛ وهو واحد يؤدّي عن جمع( )؛ فتُعرب فعلًا مضارعًا مرفوعًا وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو المحذوفة. قيل إنها حذفت لأن بعدها حرف ساكن، ولكنها مع ذلك لم تحذف في كل مثل تلك الكلمات؛ رغم أنها أيضًا متبوعة بساكن: {يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (سورة الرعد: 39)، {لَّا تَدۡعُواْ ٱلۡيَوۡمَ ثُبُورٗا وَٰحِدٗا وَٱدۡعُواْ ثُبُورٗا كَثِيرٗا} (سورة الفرقان: 14)؛ مما يدحض التعليلات الصرفية.
كما حذفت من كلمات تحتوي أصلًا على واوين: {دَاوُۥدُ} – {يستوۥن} – {تلوۥن}؛ بدلًا من داوود – يستوون- تلوون..
ومثلها: {الغاوۥن}؛ بدلًا من (الغاوون)؛ {لِيَسُ‍ُٔواْ}؛ بدلًا من (لِيَسُوءُوا)، {تُ‍ٔۡوِيهِ}؛ بدلًا من (تؤويه)، {فَٱدۡرَءُواْ}، {فَآءُو}، {يَدرَءون}، {يطوُن}، {لتستوۥا}، {بَدَءُوكُم}، {مُسۡتَهۡزِءُونَ}، {متَّكؤن}، {فَمَالِ‍ُٔونَ}، {أأَنۢبِ‍ُٔونِى}، {لِيُطۡفِ‍ُٔواْ}، {لِّيُوَاطِ‍ُٔواْ}، {يَسۡتَنۢبِ‍ُٔونَكَ}، {ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ}، {يَ‍ُٔوسٗا}..
وحذفت الواو من {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ}؛ قرأها ابن مسعود {وأكونَ من ٱلصَّٰلِحِينَ}. أما كلمة {فَقُولَا} (سورة طه: 44، 47، سورة الشعراء: 16)؛ فقد ذكر الفرَّاء أن ابن مسعود كتبها: {فقلا}؛ مسقطًا الواو، معللا ذلك بأن العرب قد تسقط الواو كما أسقطت الألف من (سلمان) وأشباهه( )، كما حذفت الواو التي في صورة الهمزة من: {ٱلرُّءۡيَا} – {رُءۡيَاكَ} – {رُءۡيَٰىَ}.
واضح أن هذا الحذف تم بلا قاعدة معينة ولم يحقق أيَّ تأثير على نَظم القرآن؛ لأنه لا يؤثر في منطوق الألفاظ. ويبقى مبرر واحد هو تأثر الخط العربي بالخط الأم؛ الكتابة النبطية التي اتسمت بحذف حروف المد الطويلة؛ حسب خليل يحيى نامي( )؛ غالبًا في مرحلة مبكرة من تطورها.
حذف التاء:
حذفت في: {فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ} (سورة الكهف: 97)، {ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (سورة الكهف: 82). بينما لم تحذف في: {وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (سورة الكهف: 97)، {قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (سورة الكهف: 78).
ولا نرى سببًا يدعو لهذا الحذف سوى المحافظة على سلاسة العبارة: {فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وما اسْتَطَـٰعُوا لَهُ نَقْبًا}.
كما حُذفت التاء أيضًا من تتنزَّل في ثلاثة مواضع؛ فكُتبت - كمثال - {تنزَّل الملـٰئكة والروح فيها} (سورة القدر: 4) وجاءت {تَتَنَزَّلُ} في موضع واحد، ومن: {لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ} (سورة هود: 105)؛ بدلًا من (تتكلم نفس)، {تَذَكَّرُون} في سبعة عشر موضعًا وأصلها (تتذكرون)؛ جاءت بدون حذف في ثلاثة مواضع. وتكرر هذا كثيرًا في القرآن؛ فتأتي الكلمة أحيانًا بحذف التاء وأحيانًا بإثباتها.
كما تم حذف تاء العوض في مواضع، منها: {رِجَالۥۥ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةۥۥ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ} (سورة النور: 37)، {وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (سورة الأنبياء: 73)؛ والواضح أن هذا الحذف قد جرى للمحافظة على التوازن الموسيقي والانسجام الصوتي، ولنفس السبب حَذَفَ التاء من {غَلَبِهِمۡ} في سورة الروم وأصلها (غلبتهم)( ).
حذف الياء، أو رمز الكسرة الطويلة:
مثل: {ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَ‍َٔاتُ}؛ أصلها الجواري، وكتبت بطبعات تعليمية: الْجَوَارِي الْمُنشَآتُ - {بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ}؛ أصلها بالوادي وكتبت كذلك في بعض الطبعات التعليمية – {يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ}؛ أصلها ينادي- {إلـٰفهم} بدلًا من إيلافهم – {يَسۡرِ}؛ أصلها يسري وقرئت {يسرىِ} في بعض القراءات – {يَوۡمَ يَأۡتِ}، وأصلها يأتي؛ ومثلها: {المتعال} - {المهتد}، {الداع}، {ننج}، {يا قوم}، {يَوْمَ التَّنَادِ}، {يَوْمَ التَّلاقِ}..
حذفت ياء المتكلم المتصلة بالاسم من: {مَتَابِ}، وأصلها (متابي) - {مَ‍َٔابِ} ، وأصلها (مآبي) – {دُعَآءِ} في موضع واحد، وجاءت {دُعَآءِىٓ} في موضع آخر – {دِينِ} في موضع واحد، وجاءت {دينى} في موضعين – {عَذَابِ}، وجاءت {عَذَابِىٓ}، في تسعة مواضع – {عِقَابِ} في كل المواضع، ,اصلها (عقابي) – {َنُذُرِ} في كل المواضع، وأصلها (نذري) – {نَكِير} في كل المواضع، وأصلها (نكيري) – {وَعِيدِ} في كل المواضع، وأصلها (وعيدي).
نحويًّا؛ تحذف الياء من الفعل في حالة الجزم: للشرط، أو لجواب الشرط – لفعل الأمر – للنهي وتحذف الياء من المنادى الذي أضافه المتكلم إلى نفسه؛ مثل: {يـٰقوم ادخلوا} (سورة المائدة: 21)، {يعٰبادِ} (سورة الزمر: 10، 16، وسورة الزخرف: 68)، يـٰربٍّ (سورة الفرقان: 30، والزخرف: 88)؛ إلا أنها لم تحذف من: {يَٰعِبَادِىَ} (سورة الزمر: 53، العنكبوت: 56) واختلف فيها القراء بالفتح والسكون( ). ولم تُحذف من: {وَمَا تُغۡنِى ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ} (سورة يونس: 101)، والمفروض – قياسيًّا - أن تُكتب: (تغنِ)؛ مثلما جاءت في: {فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ} (سورة القمر: 5)؛ لأن (ما) أداة جزم، والفعل مجزوم بحذف حرف العلة وهو الياء؛ في سورة القمر. وضع الفرَّاء احتمال خطأ النساخ( ). كما أثبتت الياء التي هيَ لام الفعل والزائدة التي للإضافة في الرسم في كل المصاحف في أربعين موضعًا؛ منها: في البقرة: {وَٱخۡشَوۡنِى}، و{فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِى بِٱلشَّمۡسِ}؛ وفي آل عمران: {فَٱتَّبِعُونِى يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ}؛ وفي الأنعام: {لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِى رَبِّى}( )...
يُلاحظ أنها حذفت من فعل الأمر للجماعة، كما في : {فَارْهَبُونِ} – {ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} – {لاتَقۡرَبُونِ} – {فَٱتَّقُونِ} – {فَكِيدُونِ}. وعلى النقيض لم تحذف من: {وَٱخۡشَوۡنِى} – {فَٱتَّبِعۡنِىٓ} – {فَٱتَّبِعُونِى} – {فَكِيدُونِى}.
والملاحظ فيما سبق أن الياء قد حذفت في مواضع وكتبت في مواضع أخرى لنفس الكلمة في بعض الحالات.
كذلك حذف أحد اليائين أحيانًا حين كانت الثانية علامة للجمع: {ٱلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ} – {البنيِّن} – {ربنيِّن} - {الأميِّن}، وأثبتت في مواضع واحد هو {لفى علّيّين}.
لكنها لم تُحذف من: {أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِ} (سورة ق: 15)، {يُحۡيِيكُمۡ} في خمسة مواضع، ومن الكلمات المماثلة إذا اتصل بها ضمير؛ مثل: {حُيِّيتُم} و{يُحۡيِيهَا} و{يُحۡيِينِ}. وقد قال أبو عمرو الداني في حذف الياء ما معناه: المصاحف اتفقت على حذف إحدى الياءين إذا كانت الثانية علامة للجمع والأقرب للغة القياسية حذف الياء الثانية كما في: {النبيّن} و{الأمّيّن} و{ربّنيّن} و{الحواريّن}... إلا موضعًا واحدًا اتفقت مصاحف أهل الأمصار على رسم الياءين فيه على الأصل، وهو: {لفى علّيّين} في سورة المطففين. وكذلك حذفت الياء التي هيَ صورة الهمزة في كلمات مثل: {مُّتَّكِ‍ِٔينَ}، و{ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ}، و{خَٰسِ‍ِٔينَ}؛ وما مثل ذلك. وكذلك حذفت في قوله في سورة مريم {أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} وهذا الحذف لكراهة اجتماع ياءين في الخط؛ فأما في: {أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِ} (سورة ق: 15)؛ فقد أجمعت المصاحف على رسمه بياءين على اللفظ والأصل، وكذلك اجتمعت على رسمهما، إذا اتصل باللفظ ضمير؛ مثل: {يُحۡيِيكُمۡ} و{حُيِّيتُم} و{يُحۡيِيهَا} و{يُحۡيِينِ}. أما إذا وقعت الياء في نهاية الكلمة؛ كما في {نُحۡىِۦ وَنُمِيتُ}، و{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡىِۦٓ}، و{أنت ولىّ} وما كان مثله سواء كانت الياء أصلية، أو زائدة للإضافة فتم حذفها في مصاحف أهل المدينة والعراق؛ فرسمت بياء واحدة، كما تم الحذف في: {وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَة} (سورة الأنفال: 42)، وكذلك في: {إنَّ وَلِـِّۧىَ الله} (سورة الأعراف: 196)، {لِّنُحۡـِۧىَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا} (سورة الفرقان: 49)، و{علىٰ أَن يُحۡـِۧىَ ٱلۡمَوۡتَىٰ} (سورة القيامة: 40)( ).
وقد كُتبت كلمات أحيانًا بالياء وأحيانًا بحذفها؛ منها: {وَٱخۡشَوۡنِى} (سورة البقرة)، وفي مواضع أخرى: {وَٱخۡشَوۡنِ}، {ٱلۡمُهۡتَدِى} (سورة الأعراف)، و{المهتد}، و{يُؤۡتِى} (سورة البقرة)، {يُؤۡتِ ٱللَّهُ} (سورة النساء). ولا تصلح التبريرات اللغوية التي قدمها النحويون؛ لأنها تعلل الحذف في كلمة ولا تعلل عدمه في نفس الكلمة، ولا توجد أيُّ قاعدة للحذف والإثبات مثل التقاء ساكنين؛ وهيَ العلة المشهورة للحذف. فحذفت الياء من {يؤت كل}، و{يؤت من}، وأثبتت في: {يُؤۡتِى مَالَهُۥ}؛ دون التقاء ساكنين في الجميع، وحذفت من {يؤت الله}، وأثبتت في {يُؤۡتِى ٱلۡحِكۡمَةَ}؛ رغم التقاء ساكنين في الحالتين.
وفي حالات تم تنوين الكلمة عوضًا عن حذف الياء من آخرها؛ مثلما في: {نَاجٍ} – {بَاغٍ} – {عَادٍ} – {هادٍ} – {واقٍ} – {والٍ} – {باقٍ} – {غواشٍ} - {لآتٍ}..إلخ والأصل: هادي، والي، واقي، لآتي.. إلخ. ذلك أن العرب – كما قال ابن معاذ( ) – استثقلت الواو على الياء فأزالوها؛ فاجتمع ساكنان: الياء والتنوين، فحذفوا الياء. وهذا ما تتبعه العربية الحديثة الآن.
تتلخص حجج اللغويين لحذف الياء في:
ـ للموافقة بين اللفظ والكلمة المرسومة. وهذا لا يفسر حذفها تارة وإثباتها تارة في نفس اللفظ؛ وحتى في عبارة شبيهة.
ـ استبدال الكسرة بها؛ لأنها دالة عليها.
ـ للتخفيف. ومن الأمثلة الواضحة حذفها من: {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبۡغِ فَٱرۡتَدَّا عَلَىٰٓ ءَاثَارِهِمَا قَصَصٗا} (سورة الكهف: 64).
- لالتقاء ساكنين؛ مثلما في: {ناج} – {باغ} – {وال} – {باق} - {لات}، والأصل: ناجي، باغي، والي.. إلخ. وفي كل هذه الحالات سقطت الياء بدون جزم؛ لالتقاء ساكنين؛ حسب تعليل نحويي الكوفة. أما نحويو البصرة؛ فكانوا إذا وقفوا وقفوا بالياء؛ لأن التنوين يزول في الوقف، فردوا الياء( ).
وهناك كلمات حذفت منها الياء مع التقاء ساكنين، وغيرها لم تُحذف منها، رغم التقاء ساكنين أيضًا: أمثلة في الحالة الأولى: {وَادِ ٱلنَّمۡلِ} (سورة النمل: 18) – {بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ} (سورة طه: 12) – {لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ} (سورة الحج: 54) – {يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ} (سورة ق: 41) – {فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ} (سورة القمر: 5) – ننج المؤمنين (سورة يونس: 103) – {ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ} (سورة القصص: 30) – {صَالِ ٱلۡجَحِيمِ} (سورة الصافات: 163) – {وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (سورة النساء: 146) وغيرها. أمثلة في الحالة الثانية: {يُؤۡتِى ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُ} (سورة البقرة: 269) – {فَسَوۡفَ يَأۡتِى ٱللَّهُ} (سورة المائدة: 54) – {وَمَا تُغۡنِى ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ} (سورة يونس: 101) – {أَنِّىٓ أُوفِى ٱلۡكَيۡلَ} (سورة يوسف: 59) – {أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ} (سورة الرعد: 41)، وغيرها.
لكن لم يقدم اللغويون تعليلات لعدم الحذف.
- اختلاف النطق في الوقف والوصل.
- يمكن أن نضيف: لحفظ السجع والوزن (أو التوازن، بتعبير الثعالبي( ))، كما في: {قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ * أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ* فَإِنَّهُمۡ عَدُوّۥۥ لِّىٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهۡدِينِ * وَٱلَّذِى هُوَ يُطۡعِمُنِى وَيَسۡقِينِ * وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ * وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحۡيِينِ * وَٱلَّذِىٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِى خَطِيٓ‍َٔتِى يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (سورة الشعراء: 75 – 82)، كما تفسر لنا ظاهرة تقصير الحركات الطويلة؛ إذا لقيت حرفًا ساكنًا غير متحرك؛ كثيرًا من ظواهر صرف رموز الحركات الطويلة في الرسم العثماني( ).
حذف الياء من (إبراهيم): حسب ما ذكر الفرَّاء كُتبت كلمة إبراهيم في العربية بأربعة أشكال: إبراهيم، وهيَ الأكثر انتشارًا – إبرهُم – إبرهِم – إبرهَم( ). في الثلاثة رسوم الأخيرة تُقرأ (إبراهم) وتضاف قراءة (إبراهام) و(إبرهم) بدون ألف( ). وقد كتبت في رواية حفص بطريقتين: {إبرهِم} في سورة البقرة، و{إبرهِيم} في بقية المواضع؛ مع إضافة ألف قصيرة بدلًا من حرف الألف. وكتبها ابن عامر عن ابن زكوان، وهشام من طريق الداجوني من طريق طيبة للنشر {إبرهم}، مع إضافة ألف قصيرة لتُنطق (إبراهام) في عدد كبير من المواضع اختلف الرواة على عددها وموقعها في المصحف( ).
وفُسرت كتابة {إبراهام} في بعض المواضع تفسيرات مختلفة، منها ما ذكره الأخفش من أنها لغة أهل الشام( ). أما تبرير كتابتها {إبرٰهم} في سورة البقرة في رواية حفص؛ فلا نجد أفضل من تعليل الداني: ولم يكتبوه فيها كذلك إلا على مراد الألف دون الياء؛ لأن الياء لا تحذف من الكتابة في نحو ذلك، والألف قد تحذف منها كثيرًا في نحو: إسمعيل وإسحق وشبههما من الأسماء الأعجمية المستعملة تخفيفًا واختصارًا( )؛ أيْ أن أصلها (إبراهام) بدون الألفين، لكن يبقى السؤال: لماذا لم تُكتب (إبراهيم) بطريقة واحدة في المصحف الواحد؛ خصوصًا الأكثر انتشارًا الآن (حفص)؟ التفسير الذي نراه أنه ينطبق عليها ما انطبق على غيرها من الكلمات التي كتبت بأكثر من طريقة في المصحف، وأشرنا إليها تفصيلا في هذا البحث؛ عدم وجود طريقة متفق عليها بين العرب للكتابة في ذلك الوقت؛ مما منح الكتاب ومن روى عنهم حرية الاختيار. أما تبرير الاختلاف بأن (إبراهيم) في سورة البقرة كان في تلك المرحلة من القصص اسمه إبراهام؛ وهو ما لجأ إليه بعض المجتهدين( )؛ فواضح التكلف؛ لأنه ذُكر في مواضع عديدة بالقرآن؛ وهو في ذات المرحلة باسم إبراهيم؛ خاصة وأنها كتبت بإثبات الياء في بعض القراءات وقيل في المصحف المدني، والمصحف المكي، وكذا المصحف الإمام؛ بإثبات الياء؛ حسب ما ذكر الداني، ولكن وجدناها في مصحف طشقند المنشور مصورًا على الإنترنت مكتوبة {إبرهم}( )؛ وهو المشكوك في أنه مصحف الإمام، ولكنه على الأقل نسخة قديمة غير منقوطة من المصحف.
ومن المحتمل أن يكون حذف الياء من آثار الخط النبطي؛ أبي الكتابة العربية الباقية. حذف الباء: {إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَىۡءٍ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (سورة النمل: 91). من المحتمل هنا أنه قد تم حذف الباء، أو اللام من (بأن)، أو (لأن). وهذه ظاهرة واسعة الانتشار في العربية الحديثة.

*******************************
12: زيادة الأحرف:
قال ابن يعيش: ومعنى الزيادة إلحاق الكلمة من الحروف ما ليس منها؛ إمّا لإفادة معنى؛ كألف (ضارب)، وواو (مضروب)، وإمّا لضرب من التوسّع في اللغة؛ نحو ألف (حمار)، وواو (عمود)، وياء (سعيد)... وحروف الزيادة عشرةٌ؛ وهيَ: الهمزة، والألف، والهاء، والياء، والنون، والتاء، والسين، والميم، والواو، واللام.. وأصل الأحرف الزيادة حروف المدّ واللين التي هيَ الواو والياء والألف ( ).
الألف: أما الألف في العربية فتزاد لثلاثة أسباب: للإلحاق، أو التأنيث، أو للحشو( )، ونحن هنا نتكلم عن الزيادة حشوًا. عللها ابن يعيش؛ لتكثير الكلمة، وإتمام بنائها( ).
فأضيفت في حالات، منها بعد الواو الأصلية في الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو مرفوعًا، أو منصوبًا مثل: {يَدۡعُواْ}، {ليرۡبواْ}، {ترۡجواْ}، {يرۡجواْ}، {ندۡعواْ}، {نبۡلواْ}، {أشۡكواْ}، {يتۡلواْ}، {يعۡفواْ}؛ إلا في موضع واحد هو {عسى الله أن يَعۡفُوَ عنهم} (سورة النساء: 99)؛ فلم تضف.
كما أضيفت ألف بعد الواو في كلمات منها: {مُّلَٰقُواْ}، {مُرۡسِلُواْ}، {كاشفواْ}، {بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ}، {أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ}، {ٱمۡرُؤٌاْ}، {ٱلرِّبَوٰاْ}، {يَعبؤواْ}. وزيدت ألف بعد واو مهموزة في كلمات؛ مثل: {يَتفيّؤاْ}، {ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْ}، {أَتَوَكَّؤُاْ}، {جَزَٰٓؤُاْ}، {تَظۡمَؤُاْ}، {يدرؤاْ}، {يَعۡبَؤُاْ}، {يَبۡدَؤُاْ}، {نَبَؤُاْ}، {يُنَشَّؤُاْ}، {الملؤاْ}، {يُنَبَّؤُاْ}، {شُرَكَٰٓؤُاْ}، {عُلَمَٰٓؤُاْ}، {ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ}، {يُنَشَّؤُاْ}، {دُعَٰٓؤُاْ}، {شُفَعَٰٓؤُاْ}، {ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ}.. إلخ. وقد فسر الداني الحالة الثانية بأحد احتمالين؛ إما تقوية للهمزة لخفائها؛ وهو قول الكسائي؛ وإما على تشبيه الواو التي هيَ صورة الهمزة في ذلك بواو الجمع من حيث وقعتا طرفًا فاُلحقت الألف بعدها كما ألحقت بعد تلك؛ وهو قول أبي عمرو بن العلاء والقولان جيدان( ).
ولكن لماذا تشبه الواو بواو الجمع؟ وهل يجب أن نكتبها دائمًا هكذا؟ وإذا كان كذلك فما تفسير كتابة بعض تلك الكلمات وألفاظ مشابهة في المصحف بدون تلك الألف؟ كل هذا غير مجاب عليه؛ وربما تكون قد أضيفت قبل وضع قاعدة واو الجماعة؛ فربما كانت تكتب عند بداية كتابة الألف في العربية.
كما أضيفت ألف إلى (ذو) لتكتب {ذوا} في مصحف طشقند؛ وهو ما قيل عنه إنه أحد نسخ مصحف عثمان كما أشرنا.
وكتبت {لُؤْلُؤًا} (سورة الإنسان: 19) منصوبة ومنونة، و{من ذهبٍ ولؤلؤٍا} (سورة الحج: 23، فاطر: 33)، رغم أنها مجرورة بالكسر، و{لؤلؤٌ} (سورة الطور: 24)، و{ٱللُّؤۡلُؤُ} (سورة الرحمن: 22) و{ٱللُّؤۡلُوِٕ} (سورة الواقعة: 23). وقد اختلفت فيها القراءات المختلفة( )، كما كُتبت في نصوص عربية بعد القرآن؛ إذ أشار غانم قدوري - نقلًا عن عبد العزيز الدوري - إلى أن إثبات الألف بعد الواو في الفعل المضارع قد جاء في بعض البرديات العربية( ).
وقد علل النحويون زيادة الألف في هذه المواضع تعليلات عدة، أكثرها صوتية، ولكن لم يعللوا حذف الألف من نفس الكلمات أحيانًا، كما لم يقرروا إضافتها كقاعدة عامة؛ بل على النقيض لم يعد أحد يكتب العربية بهذه الطريقة؛ بما في ذلك الطبعات التعليمية من المصحف.
- كما زيدت ألف بعد الواو المتبوعة بهمزة في: {أنْ تَبُوٓأَ بإثمى} (سورة المائدة: 29) وفي سورة القصص: {لَتَنُوٓأُ بالعصبة} (آية 76).
- كما كتبت ألف مكان النون الخفيفة كما جاء في: {كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ
لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (سورة العلق: 15)؛ بدلًا من (لنسفعَن) وتنطق نونًا، {وليَكُونًا} (يوسف: 32)؛ بدلًا من (وليكونَن)، وتنطق نونًا كذلك. هنا نجد أن علامة المد الطويلة حلت محل علامة المد القصيرة. وقد كُتبتا: (لنسفعَ)، (يكونَ) في طبعات تعليمية من المصحف بدون مبرر مفهوم. وهذا ليس استبدالا؛ بل زيادة حرف نون التوكيد الخفيفة، ولأنه جاء في الوقف استبدل ألفًا. هذا بخلاف نون التوكيد الثقيلة في: {لَيُسۡجَنَنَّ}؛ حيث أضيفت النون مشددة.
أما زيادة الألف فِي {لأاْوضعواْ}، و{لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ}؛ فقدم لها الداني أربعة تعليلات( ):
1- أن تكون صورة لفتحة الهمزة.
2- أن تكون الحركة نفسها؛ أيْ أن الفتحة كتبت في صورة ألف، كما تكتب الكسرة ياءً والضمة واوًا؛ قبل تشكيل اللغة العربية.
3- أن تكون دليلا على إشباع فتحة الهمزة وتمطيطها في اللفظ؛ لخفاء الهمزة وبعد مخرجها، وفرقًا بين ما يحقق من الحركات وبين ما يختلس منهن، وليس ذلك الإشباع والتمطيط بالمؤكد للحروف؛ إذ ليس من مذهب أحد من أَئمَّة القراءة؛ وإنَّما هو إتمام الصوت بالحركة لا غير.
4- أَن تكون تقْوِية للهمزة وبيانًا لها؛ ليتأدى بذلك معنى خفائها، والحرف الذي تقوى به قد يتقدمها، وقد يتأَخر بعدها.
والأرجح - كما نرى - هو التعليل الثاني؛ فجعلها صورة لفتحة الهمزة شيء لم يتكرر في المصحف وغير مبرر؛ فكان يمكن وضع فتحة. أما التعليلان الثالث والرابع؛ فتكلفهما واضح. والهمزة في الكلمة غير مخفية مما لا يبرر التعليل الثالث والرابع.
زيادة ألف ساكنة في: {لَّٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى} (سورة الكهف: 38). وفيها أقوال: فبعض القراء يثبتها في الوقف، والبعض يحذفها، كما قال العكبري إن أصلها: (لكِنْ أنَا)؛ فألقوا حركة الهمزة من (أنا) على النون من (لكنْ)؛ فتحركت فأزالوا عنها الحركة ثم أدغموها وهيَ ساكنة في النون المتحركة التي بعدها فصارت نونًا مشددة، كما اختلف النحويون حول حذف الهمزة من (أنا) فقال البعض لالتقاء ساكنين وقال آخرون لكثرة الاستعمال. وقيل إن أصلها: (لكنْ أنَّا)؛ فحذفوا الهمزة تخفيفًا، ثم أدغموا النون الساكنة من (لكنْ) في النون المتحركة من (أنا)؛ فصارت نونًا مشددة( ).
زيادة الألف في: الظنونا، الرسولا، السبيلا (سورة الأحزاب: 10، 66، 67). وهنا واضح أن الغرض هو المحافظة على الوزن؛ لأن كل آيات السورة تنتهي بألف مفتوحة ما عدا آية رقم 4: {... وهو يهدى السبيلَ}؛ بدليل أنها جاءت في آيات أخرى بدون الألف الزائدة: {إنَّا هديناه السَّبيل إما شَاكِرٗا وإما كفُورًا} (سورة الإنسان: 3)، {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ} (سورة النساء: 59)؛ رغم أنها جاءت منصوبة. وللسبب نفسه زيدت في {ثموداْ} (سورة الفرقان: 38، هود: 68، النجم: 51، العنكبوت: 38) غير منونة وبالسكون وبفتح ما قبلها في قراءة عاصم رواية حفص، وحمزة، وبالتنوين كل من ابن كثير، وقاطع، وأبي عمرو، وابن عامر، والكسائي( )، وفي طبعات تعليمية كُتبت (ثمودَ) بدون ألف.
أحيانًا تضاف تلك الألف كما في: {ولا تقولن لِشَاْىۡءٍ إنَّى فاعل ذلك غدًا} (سورة الكهف: 23)، {جاْىٓء} (الزمر: 69)، {تَاْيۡ‍َٔسُواْ}، {ياْيئس} (سورة يوسف: 87). ولها عدة تعليلات لكل كلمة منها تضمن أنها كتبت على قراءة البزي بالألف، أو لتقوية الهمزة، أو للتفريق عن كلمات مشابهة، أو لإشباع الفتحة( )؛ أيْ بدلًا من علامة النصب.
الألف اللينة: تم استبدال الألف اللينة الممدودة بالمقصورة؛ في: {لدا} (يوسف: 25)؛ بدلًا من (لدى)، {الأقصا}؛ بدلًا من (الأقصى) (سورة الإسراء: 1)، {أقصا}؛ بدلًا من (أقصى) (سورة القصص: 20، يس: 20)، {طغا}؛ بدلًا من (طغى) (الحاقة: 11)، {رءا}؛ كتبت في كل المواضع هكذا (ثلاثة عشر موضعًا)؛ بدلًا من (رأى)، وتكتب {رأى} في طبعات تعليمية. وعلى النقيض رُسمت ألف لينة أصلها واو مقصورة، والمفروض أن تكتب مفتوحة: {يزَّكَّىٰ}، {تزَّكَّىٰ} في عدة مواضع، {يَٰٓأَسَفَىٰ} (سورة يوسف: 84) وأصلهما (زكَّا)، و(يا أسفا)، و{الضحى}؛ بدلًا من (الضحا). وفي موضعين استبدلت الألف اللينة المتطرفة بعلامة المد القصيرة: {وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ} (سورة يوسف: 43، 46).
وجاءت تعليلات كثيرة من اللغويين غير متسقة؛ لأنها تبرر حالة ولا تبرر نقيضها.
ووجود الطريقتين في الرسم يعني بوضوح أن علم الصرف قد غير من طريقة الكتابة العربية القديمة وقت رسم القرآن؛ والتي كانت تحتمل جواز الكتابة بالطريقتين، أو أن تلك كانت مرحلة انتقالية في اللغة العربية. وقد ذهب الزمخشري( ) إلى أن الفتحة كانت تكتب ألفًا قبل الخط العربي، والخط العربي اختُرع قريبًا من نزول القرآن وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع؛ فكتبوا صورة الهمزة ألفًا وفتَحتها ألفًا أخرى. وكذلك ذهب المهدوي( ) إلى أن زيادة الألف من مذاهب العرب في إشباع الحركات، وأن الكتابة كانت تجري على لغة الإشباع مرة وعلى غير الإشباع أخرى. وإشباع حرف العِلَّة، أو اللين الذي يقع قبله ليتولَّد عنه حرف علَّة، أو لين طويل، هو إجراء لغوي تشترِك فيه معظم اللغات، وتفسر في ضوئه كثير من مشكلات الحذف الذي يقع فيها، ولا نعرف له سببًا واضحًا( ).
وهناك من علل هذا (المراكشي( ))؛ عللًا ملكوتية مبالغًا فيها وغير مقنعة وذاتية تمامًا.
زيادة أحد حروف المد (الألف – الواو – الياء) بعد الهمزة مثل: {أوْلئك}، و{أوْلى}، وقبل الهمزة مثل: {ماْئة}، وبعد حرف صامت مثل: {ركبواْ}. وزيادة ألف في كلمات مثل: {لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ} (سورة النمل: 21) – {لأاْوضعواْ} (سورة التوبة: 47)، والأخيرة ليست في رواية حفص وأشار إليها البعض كقراءة ما( )، ولم نجدها في أيٍّ من القراءات السبع - {ياْيئس} (سورة الرعد: 31)، {تَاْيۡ‍َٔسُواْ} – {يَاْيۡ‍َٔسُ} (سورة يوسف: 87) - {جِاْىٓءَ} (سورة الزمر: 69، والفجر: 23)؛ بدلًا من (وجىء) - {لِشَاْىۡءٍ} (سورة الكهف: 23)؛ بدلًا من (لشيء)- {نَبَؤُاْ} (سورة إبراهيم: 9)؛ بدلًا من (نبأ)، والواو في: {سَأُوْرِيكُمۡ} (سورة الأنبياء: 37، والأعراف: 145) - {جَزَٰٓؤُاْ} (سورة المائدة: 29).
وعللها علماء العربية كالآتي:
ـ دليل على إشباع فتحة الهمزة وتمطيطها في اللفظ؛ لخفائها، وبعد مخرجها، وفرقًا بين ما يحقق من الحركات وبين ما يختلس منها. والغرض هو إتمام الصوت بالحركة لا غير.
ـ تقوية للهمزة وبيانًا لها؛ ليتأدى بذلك معنى خفائها والحرف الذي تقوى به قد يتقدمها وقد يتأخر بعدها.
- وقال أبو عمرو واتّفقت المصاحف على رسم واو وألف بعدها في قوله في الممتحنة: {إنّا بُرَءَؤا منكم}، وكذلك اتفقت على رسم واو بعد الهمزة في سورة آل عمران في قوله: {قل أؤُنبئّكم}، وذلك على مراد التليين، ولم يرسموها في نظائر ذلك نحو {اءُنزل عليه} و{اءُلقى الذكر}، وذلك على إرادة التحقيق وكراهة اجتماع ألفين والهمزة قد تصوّر على المذهبين جميعًا.
زيادة الياء: في مواضع كثيرة: {أفإين مات أو قتل} (سورة آل عمران: 144)، وتكررت في: {أفإين متَّ} (سورة الأنبياء: 34)، {من نَّبإِىْ المرسلين} (سورة الأنعام: 34)، {مِن تِلۡقَآىِٕ نَفۡسِىٓ} (سورة يونس: 15)، {وَإِيتَآىِٕ ذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ} (سورة النحل: 90)، ومن {ءاناى الَّيل} (سورة طه: 130) {وراىٕ حِجَابٍ} (سورة الشورى:51)، {بِأَيۡيْدٍ} (سورة الذاريات: 47)، {بِأَييِّكُمُ} (سورة القلم: 6)، {بِلِقَآىِٕ} (سورة الروم: 8).
قال أبو عمرو الداني: ورأيت في مصاحف أهل المدينة والعراق وغيرها: {وملأيه} و{ملأيهم} في جميع القرآن بالياء بعد الهمزة... فيجوز أن تكون الياء في ذلك هيَ الزائدة والألف قبلها هيَ الهمزة، ويجوز أن تكون الألف هيَ الزائدة بيانًا للهمزة والياء هيَ الهمزة( ).
أغلب التعليلات التي قُدمت تشمل إما أنها رسمت مراعاة للأصل، وإما لتخفيف الهمزة؛ فتقلب ياء محضة لانفتاحها وانكسار ما قبلها. وقد علل المهدوي زيادة الياء كالآتي (باختصار): في: {نَبَإِى}، {ءَانَآى}، {َإِيتَآىِٕ}، {تِلۡقَآىٕ}، {وَرَآءِى}؛ إما لإشباع الحركة؛ فتكون الياء متولدة من كسرة الهمزة، وإما أن تكون الياء صورة الهمزة صورت حرفًا كالحرف الذي تكون منه حركتها. وفي {أفإين} فتحتمل إما أن تكون الألف مشبعة من فتحة الفاء، أو أن تكون الألف صورة الهمزة والياء مشبعة من كسرة الهمزة. وفي {بِأَيۡيْدٍ} ، {بِأَييِّكُمُ} - بالنسبة لمن يريد تخفيف الهمزة - يقلب الهمزة فيهما ياء محضة، ومن يريد تحقيق الهمزة يكتبها ألفًا وقد كُتبت الكلمتان على اللغتين( ).
هذه المبررات المختلفة تعني أن هناك لهجات مختلفة وقت كتابة المصحف، أو مراحل مختلفة من الكتابة العربية، وإن قصر زيادة الياء وغيرها على كلمات دون غيرها، وحتى في الكلمة نفسها أحيانًا وليس دائمًا، يعني عدم وجود قواعد واضحة للكتابة وللتعبير عن الصوت بالرسم؛ لغة في حالة انتقال.
وهناك أيضًا تعليلات باطنية قدمها المراكشي وغيره.
زيادة الواو:
في: {أوْلواْ}، {فَأُوْلَٰٓئِكَ}، {َأُوْلَٰتُ}، {سَأُوْرِيكُمۡ}، {أبناؤاْ}، {وَجَزَٰٓؤُاْ}، {أوْلى}، {العلمـٰوء}، {البلوٰء}..
زيادة الكاف:
وتقع زائدة في: {أَوۡ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ} (سورة البقرة: 259)؛ فالتقدير: أو الذي مر على قرية، وكذاك في: {ليس كمثله شَىۡءۥۥ} (سورة الشورى: 11)، والمعنى: ليس مثله شيء، وفي: {وَحُورٌ عِينۥۥ * كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ} (سورة الواقعة: 22-23).
إضافة هاء السكت:
هاء السكت ضمن أشكال الوقف في اللغة العربية التي منها التسكين، ونقل الحركة، والروم، والإشمام، وإبدال تاء التأنيث هاء، وإبدال تنوين الحرف ألفًا، والتضعيف( ). وتزاد هذه الهاء في آخر الكلمة في الوقف، ومن ذلك اتصالها بفعل الأمر، إذا كان محذوف العين واللام نحو: (عِ)، من وعى يعي. وكذلك قد تُضاف إلى الفعل المعتل اللام (أيْ الحرف الثالث في محل فعل)، إذا كان مجزومًا؛ مثل: يسعى، ويرمي؛ فنقول: لم يسعه، ولم يرمه؛ وذلك لأن أهل العربية كرهوا حذف اللام والإسكان معًا؛ إذ كرهوا أن يسكنوا المتحرك( ). وقد ذهب القدامى إلى أن الهدف من إضافة هاء السكت في الوقف هو تبيان حركة ما قبلها، ولكن بعض المحدثين ذهب إلى أبعد من ذلك( ).
لكن بعض العرب يوقف في كل الحالات بدون هاء السكت؛ فيقولون: ارم، اغز، اخش( ).
وفي القرآن دخلت هاء السكت في تسعة مواضع هيَ: {فَانظُرْ إلى طعامك وشرابك لم يَتَسَنَّه} (سورة البقرة: 259) – {أُولـئك الذين هَدَى اللّهُ فَبِهُدَهُٰمُ اقْتَدِهْ} (سورة الأنعام: 90) – {وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ} (القارعة: 10)، و ستة مواضع في سورة الحاقة: {فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَـٰبِيَهۡ * إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةۥۥ * كُلُواْ وٱشۡرَبُواْ هَنِيٓ‍َٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِى ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنۡ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَـٰلَيۡتَنِى لَمۡ أُوتَ كِتَـٰبِيَهۡ * وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ * يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ * مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّى مَالِيَهۡۜ * هَلَكَ عَنّى سُلۡطَٰنِيَهۡ}. من ذلك جاءت في موضعين في الوصل: {يَتَسَنَّهۡ وانظر إلى حمارك} (سورة البقرة: 259)– {ٱقۡتَدِهۡ قل لا أسئلكم} (سورة الأنعام: 90). وقد ثُبتت هذه الهاء في الوقف في كل القراءات، لكنها في الوصل أثبتها بعض القراء وأسقطها بعضهم (منهم حمزة، والكسائي، يعقوب، وابن محيصن). وقد اختلف القراء أيضًا في ثلاثة: {مالِيَهۡ} – {سُلۡطَٰنِيَهۡ} - {مَا هِيَهۡ}( ).
ولا يميل العرب إلى إثبات الهاء وصلًا، وقال بذلك أيضًا سيببويه( ). أما في القرآن؛ فبعضهم أجاز الحذف بناء على الأصل، وبعضهم أثبتها تأدّبًا مع رسم المصحف، وبعضهم أثبت بعضًا منها ليعلم أن القراءتين جائزتان( ).
وإذا كان هناك سبب صرفي في إضافة الهاء في الوقف، فلا يوجد هذا المبرر لإضافتها في الوصل؛ إلا لضبط الوزن والموسيقا؛ وهو لا غبار عليه في الكلام الموزون. وفي الموضعين المذكورين آنفًا في القرآن: {يتسنَّه}، و{ٱقۡتَدِهۡ}، آخرهما غير متحرك بعد الحذف، ولكنهما في حالة وصل لا وقف، وهذا هو (الشاذ) في القرآن، لكنه ككلام شبه موزون أو موزون في بعض أجزائه لا غبار عليه، إذا لجأ إلى هذا؛ مثلما لجأ العرب عمومًا، فلا يكون شذوذًا.
زيادة حرف (أن) بدون علة لغوية: في: {فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ} (سورة يوسف: 96)؛ والمعني واضح بدون {أن}. ولا نجد من مبرر سوى عله المحافظة على وزن الجملة وموسيقاها.
وهناك تعليلان مهمان لظاهرة زيادة الأحرف ذكرهما الداني( ):
1 ـ في مرحلة قديمة للغة العربية كانت تصور الحركات حروفًا: الفتحة ألفًا والكسرة ياء والضمة واوا؛ وذلك قبل ابتكار علامات الإعراب للفتح والكسر والضم.
2 ـ العرب قبل التنقيط والإعجام كانوا يفرقون بين الرسوم المتشابهة بزيادة الحروف؛ مثل إلحاق الواو في (عمرو) فرقًا بينه وبين (عمر)، وفي (أولئك) فرقًا بينه وبين (إليك)، وفي (أولى) فرقًا بينه وبين (إلى)، وإلحاقهم الياء في قوله: {وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْد} فرقًا بين الأيد الذي معناه القوة، وبين الأيدي التي هيَ جمع يد، وإلحاقهم الألف في (مائة) فرقًا بينه وبين (منه)، و(منة)؛ حيث اشتبهت صورة ذلك كله في الكتابة.

**************************
13- إشكالية (وَيۡكَأَنَّ):

جاءت في: {وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (سورة القصص: 82).
قيل إنها تتكون من كلمتين: وي، وكأن، بنون مشددة، أو مخففة.
- حسب البيضاوي( ): عند البصريين (وي) للتعجب (وكأن) للتشبيه، والمعنى: ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق.
- ووفقًا للقرطبي( )؛ قال النحَّاس: أحسن ما قيل في هذا قول الخليل، وسيبويه، ويونس، والكسائي: إن القوم تنبهوا، أو نبهوا؛ فقالوا: (وي)؛ وهيَ كلمة تعجب، ويقال: ويك، ووي، وقد تدخل (وي) على (كأن) المخففة والمشددة؛ تقول: ويكأن الله. وقال الخليل: هيَ مفصولة؛ تقول: (وي)، ثم تبتدئ؛ فتقول: (كأن). ورويَ عن الكسائي أيضًا الوقف على (وي) مثل الخليل.
- وقالوا إنها تتكون من كلمتين: (ويك) بمعنى (ويلك)، و(أن) تقديره ويك اعلم أن الله( ). وقال ابن عباس والحسن: ويك كلمة ابتداء وتحقيق تقديره: إن الله يبسط الرزق( ).
- قال الفراء( )، وغيره من نحويي الكوفة( )؛ هيَ كلمة تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله.
وأنشد:
ويكأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضُرّ
وقال وأخبرني شيخ من أهل البصرة قَال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك ويلك؟ فقال: ويكأنَّه وراء البيت. معناه: أما ترينه وراء البيت.
- وقيل حسب القرطبي: هو تنبيه بمنزلة (ألا) كما قال الشاعر( ):
سألتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر
ويكأنَّ من له نشب محبب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر
- كما قيل إنها كلمتان: (ويلك)، و(أن)، وحسب القرطبي قال قطرب: إنما هو (ويلك)، وأسقطت لامه وضمت الكاف التي هيَ للخطاب إلى (وي)؛ كما قال عنترة( ):
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قول الفوارس ويك عنتر أقدم
وقيل: معناه ألم تر أن الله.
- وقال ابن قتيبة( ): وقال بعضهم: ويكأن: أيْ رحمة لك، بلغة حمير.
- وقيل إنها مركبة من ثلاث كلمات؛ وقد ذكر ذلك ابن عاشور عن الأخفش وقطرب: وي، وكاف الخطاب، وأن. فأما (وي)؛ فهي اسم فعل بمعنى: أعجب، وأما الكاف فهي لتوجيه الخطاب تنبيها عليه مثل الكاف اللاحقة لأسماء الإشارة، وأما (أن) فهي أخت (إن) المكسورة الهمزة؛ فما بعدها في تأويل مصدر هو المتعجب منه؛ فيقدر لها حرف جر ملتزم حذفه لكثرة استعماله، وكان حذفه مع (أن) جائزًا؛ فصار في هذا التركيب واجبًا، وهذا الحرف هو اللام، أو (من)؛ فالتقدير: أعجب يا هذا من بسط الله الرزق لمن يشاء.
- وفقًا لابن عاشور( )؛ ذهب أبو عمرو بن العلاء (من البصريين) والكسائي والليث وثعلب (وهو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني، أبو العباس وهو من الكوفيين) إلى أنها مركبة من أربع كلمات: ويل وكاف الخطاب وفعل اعلم وأن. وأصله: ويلك اعلم أنه كذا، فحذف لام الويل وحذف فعل اعلم فصار (ويكأنَّه). ولاختلاف هذه التقادير اختلفوا في الوقف؛ فالجمهور يقفون على (ويكأنَّ) بتمامه، والبعض يقف على (ويْ) والبعض يقف على (ويك).
*************************
14- الهمز:
مالت بعض القراءات إلى التهميز؛ مثل قراءة ابن كثير، وبالغ البعض لدرجة تهميز ألفاظ مثل: {الضألين}؛ بدلًا من {ٱلضَّآلِّينَ}، {خطؤات}؛ بدلًا من {خُطُوَٰتِ}، {الجأن}، بدلًا من {ٱلۡجَآنَّ}؛ {يؤنس}؛ بدلًا من {يُونُسَ}، {يؤسف}؛ بدلًا من {يُوسُفُ}، {ضئاء}؛ بدلًا من {ضِيَآءٗ} في قراءة ابن كثير، و{ٱلنَّبِيءُ} {النَّبِيـُٔونَ} في قراءة نافع فقط (توجد مدة على الياء في النسخة الأصلية)؛ رغم ميلها لعدم التهميز. وقد سار هؤلاء القراء سيرة بعض العرب الذين كانوا يهمزون مالا يستحق الهمز؛ مثل: رثأْت زوجي بأَبيات( )؛ فيقولون بناء على هذا: حلأت السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت( )؛ عن طريق القياس الخاطئ، مبالغة في التفصح؛ في تقدير رمضان عبد التواب.
كما أن هناك قراءات مخففة للهمزة؛ فعلى سبيل المثال؛ كُتبت {جزّا}؛ بدلًا من {جُزۡءٗا}، و{المرّ}؛ بدلًا من {ٱلۡمَرۡءِ}، و{ٱلصَّـٰبـين}؛ بدلًا من {ٱلصَّـٰبِـٔين}، و{الارض} و{الاعلون}، و{المومنين}، و{الايام} و{اية} و{ياتيهم} و{الانهار} و{الى}، و{ياجوج وماجوج}.. إلخ، بألف غير مهموزة، أو استخدام الألف الممدودة؛ كما في: {ءآنذَرۡتَهُمُ}؛ بدلًا من {ءَأَنذَرۡتَهُمۡ} (سورة البقرة: 6)، في رواية ورش عن نافع. وحذف الهمزة من بعض الكلمات أمر موجود لدى العرب عمومًا؛ فطيِّئ كانت تميل إِلى التخلص من صوت الهمزة؛ مثل: يؤاخي، ويؤاكل، ويؤاسي؛ فتكتب وتنطق: يواخي، ويواكل ويواسي( )، كما حذفها بعض العرب من (أُناس)؛ فقالوا: ناسٌ، ومن (خُذْ) و(كُلْ) و(مُرْ)، والأصل اؤْخُذْ، اؤْكُلْ، اؤْمُرْ؛ مثل نظم أبي الأسود الدؤليّ:
يابا المغيرة، رُبَّ أمر معضلٍ ... فرَّجته بالمكر مِنِّي، والدَّها( )

(يابا بدلًا من يا أبا). لكن هذا يتم بشكل محدود وعارض بخلاف أنها ظاهرة في لغة طيِّئ، كما قام البعض بإبدال الهمزة بالهاء، أو التاء، أو اللام على طريقة بعض قبائل العرب في النطق( )؛ مثل: (هِنْ فعلتَ)؛ بدلًا من (إنْ فعلتَ)( ).
وقد حُققت الهمزة في الرسم العثماني بطرق ثلاثة: برسم الألف في موضع واحد مثل: {لَتَنُوٓأُ} (القصص: 76)؛ بدلًا من (لتنوء)، وبرسم الواو في: {يَبۡدَؤُاْ} (تكررت ست مرات)؛ بدلًا من (يبدأ)، وبرسم الياء كما في: {إِيتَآىٕ} (سورة النحل: 90)؛ بدلًا من إيتاء.
وكُتبت {ٱلۡأٓخِرَةِ} في كل القراءات كذلك، بينما تُقرأ ألفًا ممدودة (آ)، ومثلها {ءَاتِنَا} تُقرأ ألفًا ممدودة، وكتبت كذلك حديثًا: آتنا، كما كُتبت {ءَأَٰلِهَتُنَا} كذلك في عاصم، و{ءاٰلِهَتِنَا} في ابن عامر وغيرها، وكتبت {أَآلِهَتُنَا} في طبعات تعليمية، ومثله: {ءَامَنُواْ} ، {ءَامَنَّا}، {ءَايَٰتِۢ} ، {ءَاتُواْ}..
وذهب ورش عن نافع مذهبًا مخالفًا لحفص وغيره؛ فقد سهل الهمزة الثانية في حالة اجتماع همزتي قطع، وأضاف ألفًا ممدودة بين الهمزتين؛ مثل: {ءآنذرتهم} – {ءآنت} - {ءااْؤنبئكم}، وبدون فصل في: {ءَامَنتُم} - {ءَالِهَتِنا}، وكتب: {أٮٕمَّةً} وقرأها بالإمالة.
قرئت الهمزة في رواية حفص عن عاصم (واتفقت معها قراءة الكسائي) بطرق متعددة من الإبدال، والإسقاط، والتحقيق، والحذف( )، وقد اتبعت لغات قبائل مختلفة؛ منها قريش التي تميل إلى عدم تحقيق الهمزة إلا قليلًا، وغيرها من القبائل التي تبالغ بعضها في التهميز( )، لكن بوجه عام تميل رواية حفص إلى تحقيق الهمزة بالمخالفة للغة قريش؛ باستثناء همزات الوصل؛ كما في (ال) التعريف وكلمات مثل (اسم) ـ (امرأت) ـ (ابن)، وفي فعل الأمر الثلاثي؛ مثل: (اقرأ) ـ (اكتب)، وفي الأسماء الموصولة؛ مثل: (الذي) - (التي)، وغيرها.
من أمثلة الإبدال: استبدال حرف مد بالهمزة الساكنة من جنس حركة ما قبلها؛ فتبدل ألفًا بعد الفتح؛ مثلما في: {وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ} (سورة طه: 132)، وياء بعد الكسر كما في: {ضِيزَىٰٓ}؛ بدلًا من (ضئزى) (سورة النجم: 22)، وقد حقق همزتها ابن كثير، و{جيت}؛ بدلًا من (جِئت) في غير حفص، وواوا بعد الضم؛ نحو {يومنون}؛ بدلًا من {يُؤۡمِنُونَ}، في قراءات غير رواية حفص. وبينما حقق حفص الهمزة المتحركة المسبوقة بحرف متحرك؛ مثل: {رِئَآءَ}، {رَءُوف}، {ٱلصَّـٰـبِـ‍ُٔونَ}.. وغيرها، استبدلها في (هزؤًا) بـ {هزوًا} في أحد عشر موضعا، و(كفؤًا) بـ {كفوا} في سورة الإخلاص، لكنه حقق الهمزة المتحركة المسبوقة بحرف ساكن؛ مثل: {ٱلَّٰٓـِٔى} في كل المواضع وهيَ أربعة. وقد أبدلت الهمزة في: ضئاء {ضياء}، البريئة {ٱلۡبَرِيَّةِ}، وأوصى {وَوَصَّىٰ}، بينما حُققت في: {ٱلۡأَيۡكَةِ}، {لأَهَبَ}، {رِدۡءٗا}، {دَكَّآءَ}، وغيرها.
ولدى التقاء همزة متحركة مع همزة ساكنة مال حفص إلى إبدال الهمزة الثانية الساكنة حرف مد يناسب الحركة التي قبلها؛ بوضع حرف المد بعد الهمزة .من أمثلة ذلك: {ءَامن}، {ءَادم}، وهذا تكرر كثيرا.
أما في حالة دخول همزة الاستفهام على همزة الوصل الداخلة على لام التعريف؛ فلجأ حفص إما إلى إبدالها ألفا مع المد المشبع، أو تسهيلها مع القصر. وقد تم إبدالها مع المد المشبع في ستة مواضع: {قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ} (سورة الأنعام: 143، 144) – {ءَامَنتُم بِهِۦٓ ءَآلۡـَٰٔنَ} (سورة يونس: 51)، {ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ} (سورة يونس: 91) – {ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (سورة النمل: 59)، {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡ} (سورة يونس: 59). وهي تكتب بهذه الصورة في المصاحف. أما في حالة تسهيل القراءة فتكتب هكذا: ءا۬لله، وتنطق الهمزة الأولى كاملة والثانية تنطق خفيفة، أو بين بين؛ بينها وبين الألف.
من أمثلة الإسقاط (وهو يعني حذف همزة إذا التقت همزتان): أسقطت همزة الوصل بدون بدل في حالة دخول همزة الاستفهام عليها؛ كما في: {قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا} (سورة البقرة: 80)، {أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا} (سورة سبأ: 8)، {أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ} (سورة الصافات: 153)، {أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا} (سورة ص: 63).. {أَسۡتَكۡبَرۡتَ} (سورة ص: 75).. وغيرها. وتكتب هذه الكلمات في طبعات تعليمية من المصحف: أاتخذتم، لكن كتبت: (أَأَتَّخِذُ) في سورة يس: 23، بينما هي في حفص: {ءَأَتَّخِذ}، أافترى، أاصطفى، أاتخذناهم، أاستكبرت. وكذلك من (أرجئه): {قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِى ٱلۡمَدَآئِنِ حَـٰشِرِينَ} (سورة الشعراء: 36)، ولكن في كلمات مشابهة قام حفص بتحقيق الهمزة كما في: {ءَأَسۡلَمۡتُمۡ} – {ءَأَقۡرَرۡتُمۡ} – {ءَأَنذَرۡتَهُمۡ}، وغيرها؛ مثلما فعل في {ءَأَتَّخِذ} كما أشرنا.
من أمثلة الحذف: {لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ} (سورة الأنبياء: 103) من الفعل (حزن) بلغة قريش، وبالهمزة تكون: (يأحذنهم) من الفعل (أحزن)، إذا قرأ مهموزًا بلغة تميم. النبيء كتبت النبيّ - مرجئون كتبت مرجون – ترجئ كتبت ترجي، وغيرها كثير. من أمثلة حذف الهمزة لدى العرب عمومًا: حذفها من لفظ الله؛ فأصله في أحد قولي سيبويه (إِلاه)؛ فحُذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وصارت الألف واللام عوضًا منها. وكذلك من: خذ، وكل، وأصله: أأخذ، وأأكل؛ فحذفت الهمزة تخفيفًا( ). والأمثلة على حذف الهمزة تخفيفًا في العربية لا تنتهي.
إذن لم يسر حفص على قاعدة صارمة في تحقيق الهمزة أو عدمه؛ ففعل الشيء ونقيضه؛ إلا في بعض الحالات؛ منها تحقيق الهمزة في كل المواضع، إذا اجتمعت همزتان؛ الأولى في نهاية الكلمة الأولى، والثانية في بداية الكلمة الثانية( ). وهذا التنوع إنما هو لهجات عربية مختلفة في المصحف. وحتى الآن تتعامل العربية الحديثة مع الهمزة بطرق متباينة من التحقيق والحذف، لكن صارت لها قواعد أكثر صرامة.
*******************************
15: التنوين:
التنوين هو نون ساكنة زائدة تلحق الآخر لفظًا لا خطًا؛ لغير توكيد( ). والتنوين هو علامة الصرف، فالمراد به تنوين الصرف( )، وعلة استخدام النون للصرف أنها تشبه حروف المد واللين( ).
يقول عامة النحويين إن التنوين هو علامة تنكير، لكن بالقرآن يوجد تنوين للأعلام ولبعض الأماكن المعروفة المحددة. وفي آية مثل: {وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ} (سورة التوبة: 30)؛ جاءت كلمة {عُزَيۡرٌ} منونًة؛ يعني أنهم زعموا أنه ابن الله، ولكن إذا جاءت بغير تنوين لكان المعنى أنه ابن الله بالفعل، وتكون الجملة مبتدأ ينتظر الخبر( ). ومثل هذا توجد أمثلة أخرى؛ مما حدا ببعض الباحثين المحدثين إلى ترجيح أن التنوين كان في الأصل علامة للتعريف، وبقيت هذه العلامة في قسم من الأعلام إشارة إلى أصلها القديم( )، وهذا الترجيح له ما يدعمه حسب جواد علي؛ فاللغة السبئية، واللهجات العربية الجنوبية كانت تستعمل النون للتعريف، وتضعها في آخر الكلمة المراد تعريفها( )، كما أن تنوين بعض الأعلام وعدم تنوين بعضها يزيد هذا الترجيح.
وقد رجح برجشتراسر أن ظاهرة التنوين في العربية كانت في الأصل للتعريف، ثم انقلبت إلى التنكير؛ فالتنوين وفقًا له هو أصلًا التمييم( )، وإن للتمييم آثارًا من معنى التعريف في اللغة الأكدية العتيقة. وهناك من أنكر العلاقة بين التمييم والتنوين؛ مثل الدكتور محمود بكر- أستاذ اللغات السامية - معتبرًا كليهما ظاهرة مستقلة وأن التمييم كان مستعملا للتنكير لا للتعريف، ومثله ذهب جورجي زيدان( ).
ووفقًا لنظرية برجشتراسر؛ فإن كثيرًا من الكلمات الممنوعة من الصرف يتم تصريفها في الشعر، والشعر كثيرًا ما يحافظ على القديم؛ بخلاف الحديث، كما لاحظ أن التنوين يطبق على أعلام ولا يطبق على أعلام أخرى( )؛ فقد تم في القرآن تنوين للعَلَم؛ رغم أن النحاة قد قرروا أن الأصل في العلَم ألاَّ ينون؛ إلا إذا دخل عليه شيء من التنكير؛ مثال ذلك {مُحَمَّدٌ} في سورتي الفتح آية 29 والأحزاب آية 40، و{لوطًا} في سور: هود والعنكبوت والصافات. وهناك من الأعلام العربية ما لم ينون في القرآن؛ مثل: يعقوب، يونس، كما تم تنوين الممنوع من الصرف من غير الأعلام في بعض القراءات: {إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (سورة الإنسان: 4). قرأها هكذا نافع، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وهشام عن ابن عامر.
جاء في الآية لفظ {سَلَٰسِلَاْ} منونًا في القراءات المشار إليها – ليس من بينها رواية حفص - وحسب قواعد الصرف هذا لفظ ممنوع من الصرف، وهو جمع تكسير وسطه ألف؛ من صيغ منتهى الجموع، وكل ما جاء على هذه الصيغة يمنع من الصرف( )؛ مثل مدافن، ومساجد، ومعابر.. وقد أقر ذلك كبار النحاة القدامى أيضًا.
وحسب ذلك؛ كان يجب أن تُكتب: (سلاسلَ) بدون تنوين. ولكن تم تنوين اللفظ خلافًا للنحو والصرف. وهناك من السبعة من قرأها بغير تنوين؛ مثل أبو عمرو، وقنبل عن ابن كثير، وذكوان عن ابن عامر؛ فاستبدلوا التنوين ألفًا ساكنة (كتبوها: سلاسلاْ). أما في رواية حفص عن عاصم؛ فقد أجيزت قراءة اللفظ بالطريقتين: {سَلَٰسِلَاْ} عن طريق الشاطبية، و{سَلَٰسِلَ} عن طريق روضة المعدل( )؛ الأولى بإثبات الألف، والثانية بحذف الألف وإسكان اللام؛ ذلك في الوقف؛ أما إذا وصلها، فإنه يفتح اللام من غير تنوين: سَلاسِلَ وأَغْلالًا( ).. والطريقة الأولى هيَ الأكثر انتشارًا في العالم حاليًّا.
ومن تعليلات صرف هذا اللفظ؛ موافقته للاسمين اللذين قبله؛ في الآية: {إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ السَّبِيلَ إِما شَاكِرًا وإِما كَفُورًا} (سورة الإنسان: 3)، والاسمين اللذين بعده؛ وهما: أغلالًا وسعيرًا، وهذه الموافقة يسميها أهل اللغة الاتباع والمزاوجة، وحسب ابن فارس الرازي( ): رُويَ أن بعض العرب سئل عن هذا الاتباعِ؛ فقال: هو شيء نتد به كلامنا، وضمن أمثلته: مُعْفِتُ مُلْفِتٌ، وإنّه لعِفْريتٌ نِفْرِيتُ. من ذلك ما جاء في الحديث النبوي( ) يضرب به المثل في هذا الأمر؛ حديث سؤال الملكين: لا دريت ولا تليت، وكان الأصل أن يقال: ولا تلوت؛ فجاء بلفظ (تليت) مزاوجة لقوله: دريت.
ويُسمى هذا التنوين بالتناسب؛ ويطلق عليه في الشعر تنوين الضرورة؛ لأنه يتم بغرض الحفاظ على الوزن أو السجع.
خلاف ذلك؛ جاءت بالقرآن صيغ منتهى الجموع دون صرفها: {فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} (سورة التوبة: 25)، {وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ} (سورة فصلت: 12). فـكلٌ من: {مَوَاطِنَ}، و{مَصَٰبِيحَ} قد سُبق بحرف جر؛ غير أنهما حُرِّكا بالفتحة عوضًا عن الكسرة؛ لأنهما ممنوعتان من الصرف، وأيضًا: {لهدمت صوٰمعُ وبيع وصلـٰوت ومسـٰجدُ} (سورة الحج: 40)؛ حُرك اللفظان (صوامعُ)، و(مساجدُ) بالضمة وليس بتنوين الضم؛ لأنهما ممنوعان من الصرف. وكذلك: {ولئن أذقنٰه نعماء بعد ضرَّاءَ مسته} (سورة هود: 10)، {وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ} (سورة يونس: 21)، {وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ} (سورة فصلت: 50)؛ فالكلمة: ضراء، جاءت في آخرها الفتحة بدلًا من الكسرة باعتبارها مجرورة، ولكنها جاءت مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف. ومن المعلوم أن الأسماء المنتهية بألف ممدودة، أو ألف مقصورة يمنع صرفها( ).
وفي المنع من الصرف وجدت إشكالية أخرى ليست في حفص؛ ففي قراءتي الكسائي، ونافع، قُرئت: {ويُطَافُ عَلَيْهِمْ بِ‍َٔانِيَةٍ من فِضَّةٍ وأَكْوابٍ كَانَتْ قَوارِيرًا * قَوارِيرًا من فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} (سورة الإنسان: 15- 16)؛ فقد تم تنوين (قوارير)؛ رغم أنهاَ ممنوعة من الصرف.

وقد لخص ابن عادل مذاهب القراء في قراءة (سلاسل) و (قوارير) كالتالي( ):
1- تنوينهما معًا والوقف عليهما، لنافع، والكسائي، وأبي بكر.
2- عدم تنوينهما، وعدم الوقف عليهما بالألف؛ لحمزة وحده.
3- عدم تنوينهما والوقف عليهما بالألف، وعلى الثانية بدونها لهشام وحده.
4 - تنوين الأولى دون الثانية، والوقف على الأولى بالألف، وعلى الثانية بدونها؛ لابن كثير وحده.
5 - عدم تنوينهما معًا، والوقف على الأول بالألف، وعلى الثاني بدونها؛ لأبي عمرو، وابن ذكوان، وحفص.
وقال الفراء: إن أهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعًا( ).
وفي الآية: {فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا} (سورة الحج: 36) لم يتم صرف كلمة {صوافّ} الممنوعة من الصرف، في رواية حفص، لكن تم صرفها في قراءات أخرى؛ منها في قراءة عبد الله: {صوافن}، وقرأها الحسن: {صوافى}( )، وقرأها عمرو بن عبيد: {صوافنًا} بالتنوين( ).
وقيل إن هناك من رأى أنه يمكن صرف الممنوع من الصرف إلا لسبب عارض؛ منهم الأخفش والكسائي( ). وقد لجأ الشعراء إلى صرف الممنوع من الصرف؛ حسبما أشار الأخفش( )، والمبرد( ). وعمومًا يمكن صرف الممنوع من الصرف في الشعر؛ كما جاء في النحو المصفى( ): والمقصود بذلك ضرورة موسيقا الشعر ونغمه التي تتمثل في أوزانه وقوافيه؛ فإذا لم تستقم هذه الموسيقا إلا بتنوين الاسم الممنوع من الصرف، كانت تلك ضرورة تبيح للشعراء هذا التنوين. وهناك شواهد من الشعر على ذلك مثل:
عمرو بن كلثوم( ):
كأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهـم ... مخاريْقٌ بأَيـدي لاعبينـا
وقول لبيد( ):
فضلًا وذو كرمٍ يُعِيْنُ على النَّدى ... سَمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامها
(تم هنا تنوين لفظي مخاريق، ورغائب).
وقول امرئ القيس( ):
ويوم دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ... فقالتْ: لَكَ الويْلاتُ إنكَ مُرْجِلِي
فكلمة (عنيزة) ممنوعة من الصرف لأنها علم مؤنث، وصُرِّفت في البيت لضرورة الشعر.
ويمكن ببساطة أن نعلل تنوين اللفظ المذكور بدافع الحفاظ على القافية والوزن. وممن أقر بهذا التعليل الزمخشري، ضمن تعليلين له( ).
والأهم من ذلك أن العرب لم تكن تضع قواعد صارمة للنحو؛ بل كانوا يتكلمون على سجيتهم؛ متبعين ما يحفظ نظم الكلام ووزنه وسلاسة العبارات، وعلى ذلك ينبغي عدم اعتبار قواعد الصرف، أو المنع من الصرف قواعد صارمة؛ خصوصًا أنه لا فائدة منها فيما يتعلق بالمعنى، وقد جاءت عبارات المصحف سابقة الذكر في أكثر من قراءة حسب تذوق كل قارئ لمدى سلاسة العبارات. ومما يعزز هذا ما رواه الكسائي أن بعض العرب يصرف كل مالا ينصرف إلا (أفعل منك)( ). وأشار لغويون غيره أن بعض قبائل العرب كانت تصرف مالا ينصرف عمومًا؛ منهم بنو أسد( )؛ كما قال الأخفش: “سمعنا من العرب من يصرف هذا وجميع ما لا ينصرف، وقيل: إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف، فصرفه على الاتباع لخط المصحف”( ). وقد نُسب لبعض الشعراء:
والصرف في الجمع أتى كثيرًا ... حتى ادعى قوم به التخييرا( )
بل ومن العرب من يحذف التنوين إذا تلاه ساكن( ).
جاء التنوين في القرآن بمضاعفة حركة نهاية الاسم، لكنه جاء سبع مرات بإضافة حرف النون في كلمة (كأيِّن): {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡ} (سورة العنكبوت: 60)، {فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِىَ ظَالِمَةۥۥ} (سورة الحج: 45)، {وكأيِّنْ من آية فى السمـٰوٰت والأرض} (سورة يوسف: 105)، {وكأيِّن من قرية أمليت لها} (سورة الحج: 48)، {وكأيِّنْ من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} (الطلاق: 8)، {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرۥۥ فَمَا وَهَنُواْ} (سورة آل عمران: 146)، {وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةۥۥ} (سورة محمد: 13). وقد جاءت كلها متبوعة بـ (من).
وقد اختلف أهل اللغة حول ما إذا كان هذا تنوينًا حقيقيًّا أم أنها كلمة بسيطة نونها أصلية؟
وقال ابن فارس: سمعت بعض أهل القرية يقول ما أَعلم كلمةً تثبت فيها النون خطًا غير هذه( ) وهذا قد يعني لنا أنها لم تكن معروفة لدى العرب وأنها مما ابتكر في لغة القرآن.
وقد قرأها البعض: {كائن} وهي مكتوبة في روايتي قنبل والبزي عن ابن كثير: {كآئن}، {كأين} بهمزة ساكنة وياء مكسورة، {كيْئِن} بياء ساكنة وهمزة مكسورة، {كأَنْ} بهمزة مفتوحة ونون ساكنة، وفي بعض القراءات الشاذة تم حذف النون والوقوف بالياء فقط. وقد ذُكرت في قول الشاعر بأكثر من لغة( ):
وكائنْ لنا فضلًا عليكمْ ونعمةً...
وقال:
اطرد اليأس بالرَّجا فكأيِّنْ ... آلِمًا حُمَّ يسره بعد عسر
ومن أنصار اعتبارها كلمة مركبة؛ أبو جعفر النحَّاس؛ قال: قال الخليل وسيبويه هيَ (أيّ) دخلت عليها كاف التشبيه فصار في الكلام معنى كم فالوقف على قوله {وكأيِّن}، وقرأ أبو جعفر، وابن كثير: {وكاإن} وهو مخفف من ذاك وهو كثير في كلام العرب( ). وقال القرطبي: وقرأ ابن محيصن {وكَئِنْ} مهموزًا مقصورًا مثل (وكَعِن)، وهو من (كائن) حذفت ألفه. وعنه أيضًا وكأْيِن مثل (وكَعْيِن) وهو مقلوب (كيء) المخفف. وقرأ الباقون {كأَيِّنْ} بالتشديد مثل (كعيِّن)( ).
والبعض اعتبرها كلمة بسيطة نونها أصلية.
ويمكننا إيجاز ما قاله أهل العربية في هذه الكلمة:
- بمعنى (كم) الخبرية. وهيَ مركبة من كاف التشبيه و(أيِّ). والأكثر أن تستعمل مع (من) كما في الآيات السابقة جميعًا.
- (كأيِّ) قد تكون خبرية، أو استفهامية.
- فيها خمس لغات أشرنا إليها؛ (كأين)، و(كاء) بوزن (اع)، و(كيء) بوزن (كيع)،
و(كأي) بوزن (كعي)، و(كإ) بوزن (كع).
- أصل نونها التنوين؛ فيصح الرجوع إلى أصلها عند الكتابة والوقوف: كأيٍّ.
- بمعنى (كم) للتكثير لأنها كناية عن العدد.
وقد اعتبرتها الأكثرية كلمة مركبة والقليل اعتبرها كلمة بسيطة وضعت للإخبار بعدد كثير؛ مثل: كم، ولهذا تم إثبات نونها في الكتابة بينما نون التنوين تقرأ ولا تضاف للخط.
وقد جاء هذا اللون من التنوين في تلك الكلمة فقط؛ مما قد يعني أنه ليس تنوينًا، وأن الكلمة بسيطة بمعنى (كم)؛ سواء للخبر أو للاستفهام. وكل هذا اللغط حولها يشير إلى أنها إضافة من القرآن للعربية وليست متفشية في كلام العرب.

***********************************
16: عدم المطابقة في الإفراد والتثنية والجمع:
- حسب قواعد النحو يجب أن يكون الضمير المتصل للجمع المذكر العاقل؛ بإضافة ميم (مثل قابلتكم)، ولجمع المؤنث العاقل تُضاف نون مشددة مفتوحٌ جزؤها الثاني (مثل هذبكنَّ)؛ أما للجمع غير العاقل فيُستخدم ضمير المفردة الغائبة، وهو الأفضل، أو ضمير جمع المؤنث الغائب (وهذا غير مستحب) وإذا كان المثنى مذكرًا ومؤنثًا يكون الضمير مذكرًا. وفي حالة جمع التكسير المذكر يستخدم ضمير الجماعة للمذكر، أو ضمير المفرد المؤنث (مثل: إذا الرجال شتُّوا، أو شتَّت)، وضمير الجمع المؤنث لجمع المؤنث، ويجوز أن يستخدم ضمير المفرد المؤنث في حالة جمع القلة للإناث( ). والأصل في اللغة العربية استخدام (هم) ضمير غائب لجمع العاقل، و(ها)، أو (هن) لجمع غير العاقل؛ فيقال عن جمع العاقل: رأيتهم، وعن جمع غير العاقل: رأيتها، أو رأيتهن. وكذلك يُعبَّر بضمير الفاعل لجمع المذكر السالم بالواو؛ مثل: يكتبون، يقرأون.. ولغير العاقل بالنون؛ مثل: يمشين، كما يُستخدم حرف (من) للعاقل و(ما) لغير العاقل. هذا بكل اختصار( ).
- في الواقع قواعد الضمير شديدة التعقيد، ولا توجد لاستخدام الضمائر معايير مستقيمة وصارمة، وهناك كثير مما يجوز بخلاف ما سبق. وعلى هذا سار القرآن.
- في هذه الآية تم استخدام ضميرين مختلفين لنفس المرجع: {إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِى لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ* وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡر * لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرۥۥ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ* تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ * سَلَٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ} (سورة القدر)؛ (ربهم) تأتي مع جمع التكسير للمذكر، لكن {فِيهَا} قد تأتي مع جمع التكسير للمؤنث للقلة، وكان المفروض أن تُكتب: (فيهم). ولذلك قال البعض: فضمير {فيها} لـ {لَيۡلَةِ}، وزعم بعضهم أن الجملة صفة لألف شهر، والضمير لها، وجوز بعضهم كون الضمير للملائكة على أن {ٱلرُّوحُ} مبتدأ لا معطوف على {ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ}، وفيها خبره لا متعلق بـ {تَنَزَّلُ}، والجملة حال من الملائكة. وهو خلاف الظاهر( ).
ويمكن استخدام (فيها)، إذا اعتبرنا الملائكة جمعًا لغير العاقل وهذا محال، أو جمع تكسير مؤنث للقلة، وهذا أقرب لأن الملائكة ليست من الذكور ولا الإناث؛ فعوملت في الآية نفسها بالمعنيين.
- وفي القرآن تم أحيانًا جمع المثنى:
{هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمۡ} (سورة الحج: 19)
يبدو ظاهريًّا أنه حسب قواعد اللغة أنها يجب أن تكتب: هذان خصمان اختصما. الحقيقة أن المثنى في العربية نوعان: حقيقي لفظًا ومعنى؛ ما كان واحده مفردًا في الوجود؛ مثل (الكتاب)، وهذا النوع إذا وُصف أو استُؤنف الحديث عنه وجب تثنية الضمير العائد عليه؛ مثل: {رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ} (سورة المائدة: 23). والنوع الثاني هو المثنى لفظًا لا معنى؛ فيكون واحده فردًا من عدة؛ مثل (شعب) وليس فردًا واحدًا؛ فإذا وصف أو استؤنف الحديث عنه جاز فيه مراعاة اللفظ، أو مراعاة المعنى؛ فيثنَّى أو يُجمع.
وبالنسبة للآية؛ فقد روعيَ فيها جانب المعنى دون اللفظ؛ فأعاد الضمير جمعًا على {خَصۡمَانِ}؛ المثنى اللفظي. وتوجد أمثلة أخرى لذلك في القرآن: {خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٍ} (سورة ص: 22)، {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا}، وقد قرأها البعض {اقتتلا} و{اقتتلتا}( ) (سورة الحجرات: 9)، {لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ} (سورة فصلت: 37)، {كَانَ لِمُؤۡمِنٍ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ} (سورة الأحزاب: 36)، قيل أن المقصود هنا كل مؤمن ومؤمنة؛ ولذلك جمعت، كما قيل إن الكلام جاء في سياق النفي ولذلك جاء الضمير مجموعًا( ).
لكن توجد عبارات أخرى في القرآن تم فيها الإشارة إلى المثنى الحقيقي بالجمع؛ مثل: {فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَا} (سورة التحريم: 4)، {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يَسۡتَوُۥنَ} (سورة السجدة: 18)، {وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَا وَمِنۡ ءَانَآىِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ} (سورة طـه: 130) وهما طرفان، {عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِى بِهِمۡ جَمِيعًا} (سورة يوسف: 83) ويقصد يوسف وأخاه، {وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِى ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ}، وقد قرأت كذلكَ {لحكمهما}( ) (سورة الأنبياء: 78)، {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا} (سورة المائدة: 38)، {قَالَ كَلَّا فَٱذۡهَبَا بِ‍َٔايَٰتِنَآ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ} (سورة الشعراء: 15)، {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرها قالتا أتينا طَآئِعِينَ} (سورة فصلت: 11).
وهناك عبارات تكررت بالطريقتين: {قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢا بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّۥۥ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدٗى} (سورة طه: 123)، {قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدٗى} (سورة البقرة: 38). في الآيتين يخاطب نفس الأطراف؛ فإما يقصد إبليس من ناحية وآدم وحواء من ناحية أخرى، أو آدم وحواء؛ أيْ طرفين في الآيتين. ومع ذلك حاول بعض المفسرين تعليل الاختلاف باختلاف المقصود من المخاطب في كل مرة( ). كما قال: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ} (سورة هود: 114) بينما قال كما أشرنا: {فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ}.
وعلى النقيض: {وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (سورة الرحمن: 6)؛ عاملهما باعتبارهما مثنى؛ رغم أن الشجر اسم جنس جمعي، ضميره يكون مفردا مذكرا، أو مؤنثا، والضمير هنا له مرجعان متساويان في القوة ومع ذلك لم يقل (يسجد). ولنا أن نتصور كيف يضطرب لحن سورة الرحمن الجميل إذا كُتبت الآية: والنجم والشجر يسجد، أو يسجدون باعتبارهم يعاملون معاملة جمع العاقل؛ فالمرجح أنه مراعاة للوزن. في الآية: {وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ} (سورة التوبة: 62)، وغيرها بنفس الصيغة، لم يقل يرضوهما؛ رغم أن للضمير مرجعان؛ فاكتفى بمرجع واحد؛ وهو المتبع في قواعد النحو.
قال سيبويه( ): كما لفظ بالجمع وهو أن يكون الشيئان كلُّ واحد منهما بعض شيء مفردٍ من صاحبه. وذلك قولك: ما أحسن رءوسهما وأحسن عواليهما. وهذا ينطبق على {أَيۡدِيَهُمَا}، و{قُلُوبُكُمَا} في الآيات السابقة ولكن لا ينطبق على {أَن يَأۡتِيَنِى بِهِمۡ جَمِيعًا} ولا على {لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ}.
وهنا يُقال إن أقل الجمع اثنين؛ أيْ أن المثنى هو أيضًا جمع. وقد ذكر ذلك سيبويه: وسألت الخليل رحمه الله عن: ما أحسن وجوههما فقال: لأن الاثنين جميع وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا وبين ما يكون شيئًا من شيء( ). ووفقًا لسيف الدين الآمدي( )؛ اختلف العلماء على ما هو أقل الجمع: هل هو اثنان، أو ثلاثة؛ فذهب عمر، وزيد بن ثابت، ومالك، وداود، والقاضي أبو بكر، وجماعة من أصحاب الشافعي؛ أنه اثنان؛ وذهب ابن عباس، والشافعي، وأبو حنيفة، ومشايخ المعتزلة، وجماعة من أصحاب الشافعي؛ إلى أنه ثلاثة. احتج الأولون بحجج من جهة القرآن والسنة وإشعار اللغة والإطلاق. ومن جهة الإشعار اللغوي؛ فهو أن اسم الجماعة مشتق من الاجتماع؛ وهو ضم شيء إلى شيء؛ وهو متحقق في الاثنين أو أكثر. وأما من جهة الإطلاق؛ فمن وجهين؛ الأول: أن الاثنين يخبران عن أنفسهما بلفظ الجمع؛ فيقولان: قمنا وقعدنا وأكلنا وشربنا كما تقول الثلاثة. الثاني: أنه يصح أن يقول القائل إذا أقبل عليه رجلان في مخافة: أقبل الرجال، وذلك كله يدل على أن لفظ الجمع حقيقة في الاثنين؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة. أما أصحاب الرأيِّ الآخر؛ ففسروا آيات القرآن على أن المقصود في الآيات أكثر من اثنين؛ وهو تفسير غير دقيق؛ حيث إن الآيات شديدة الوضوح. وأما ردهم على الإشعار اللغوي؛ فهو: وإن كان ما منه اشتقاق لفظ الجماعة في الثلاثة موجودًا في الاثنين، فلا يلزم إطلاق اسم الجماعة عليهما؛ إذ هو من باب القياس في اللغة وقد أبطلناه، وقدموا تعليلات لغوية عديدة؛ كلها لا تنفي وجود آيات قرآنية تجمع المثنى، وقد رفض حججهم كلها الآمدي وأشار إلى ما هو منسوب لزيد بن ثابت: الأخوان إخوة، أقل الجمع اثنان وليس العمل بأحدهما أولى من الآخر.
وقد حلل المسألة عبد القادر البغدادي( )؛ فقال إن كل ما في الجسد منه شيءٌ واحد؛ لا ينفصل كالرأس، والأنف، واللسان... فإنك إذا ضممت إليه مثله، جاز فيه ثلاثة أوجه: أحدها: الجمع، ويكون المراد التثنية لأنها جمع. وقال الفرَّاء: إنما خص هذا النوع بالجمع؛ لأن الشيء الواحد منه يقوم مقام الشيئين. قال ابن يعيش: وهذا من أصول الكوفيين. ويؤيده أن ما في الجسد منه شيء واحد؛ ففيه الدية كاملة كاللسان والرأس، وأما ما فيه شيئان كالعين؛ فإن فيه نصف الدية. ومما قال الفرَّاء: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما: وفي قراءة عبد الله: السارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما، وإنما قال أيديهما لأن كل شيءٍ موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جُمع ويقصد أن اليد اليمنى هيَ واحد في جسم الإنسان وقد أضيفت لمثنى هو السارق والسارقة فجُمعت. وحكاه سيبويه في أوائل كتابه: وضَعا رحالَهُما، يريد رحليِّ راحلتين، وقال في أواخر كتابه: زعم يونس أنهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما؛ وإنما هما اثنان. هذا حكم ما كان منه في الجسد شيءٌ واحد؛ فإن كان اثنين كاليد والرجل، فتثنيته إذا ثنيت المضاف إليه واجبة. تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما؛ لأنك لو قلت: أعينهما وآذانهما لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع، ولكن القرآن ذكر: فاقطعوا أيديهما؛ فجمع اليد، وفي الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع. فالجواب أن المراد فاقطعوا أيمانهما. وكذلك هيَ في مصحف بن مسعود. فلما علم بالدليل الشرعي أن القطع محله اليمين؛ وليس في الجسد إلا يمينٌ واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد؛ فجمعت كما جمع الوجه، والظهر، والبطن. وهو تعليل متكلف كما نراه؛ فلماذا لم يقل اقطعوا أيمانهما على قراءة ابن مسعود؟ الثاني من الوجوه الثلاثة: الإفراد؛ مثل القول: ما أحسن رأسهما. كما جوز التثنية أيضًا؛ على شاكلة: ظهراهما مثل ظهور الترسين، أو ضربت رأسيهما.
وقد أشار عباس حسن إلى أن الجمع يبدأ من ثلاثة لدى النحويين، ولكن لدى اللغويين؛ فالجمع عندهم ما دل على اثنين، أو أكثر( ).
وقال القرطبي في تفسيره( ): واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان؛ لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتضي أنها جمع. وقال عليه السلام: الاثنان فما فوقهما جماعة. وقد صح قول الشاعر:
ومهمهين قذفين مرتين... ظهراهما مثل ظهور الترسين
وأنشد الأخفش:
لما أتتنا المرأتان بالخبر... فقلن إن الأمر فينا قد شهر
وقال آخر:
يحيى بالسلام غني قوم... ويبخل بالسلام على الفقير
أليس الموت بينهما سواء... إذا ماتوا وصاروا في القبور
(التشديد من عندنا). والظاهر من القرآن والشعر أن جمع المثنى ورد في كل الحالات، باعتبار أن الاثنين أول الجمع عمومًا، وفي الغالب كانت هذه القاعدة متبعة في لغة العرب ثم تُركت. فالقضية ليست فقط ما هو أول الجمع؛ بل ما تعليل التثنية والجمع لنفس اللفظ في بعض الحالات إلا أن اللغة كانت تمر بمرحلة انتقالية من جمع الاثنين إلى تثنيتهما؛ وصارت التثنية قاعدة صارمة بعد ذلك.
بل جاء في الشعر مخاطبة المفرد بضمير المثنى:
قإن تزجراني يا بن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحسم عرضًا ممنعًا( )
- وفي آيات تم استخدام ضمير الجمع للمفرد:
{وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (سورة ص: 21)؛ فـ {تَسَوَّرُواْ} تعود على {ٱلۡخَصۡمِ} وهو لفظ مفرد. ومثال آخر: {وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ..} (سورة محمد: 16)؛ فيعود كل من {خَرَجُواْ} و {قَالُواْ} على {مَّن} وهو الذي يستمع؛ فهو مفرد، أو العكس؛ هو جمع أخذ ضمير المفرد في {يَسۡتَمِعُ}.
وكذلك هنا: {لِإِيلَٰفِ قريش(1) إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحلةَ الشتاء والصيف(2)} (سورة قريش). قال {إيلافهم} ولم يقل (إيلافها) أيْ قريش. والمقصود رحلتي الشتاء والصيف. ومثلها: {واصنعِ الفلك بأعيننا} (سورة هود: 37). الضمير هنا كالمفرد في قوله: {وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِىٓ}، وجمعت هنا، قيل لتكثير الكلاءة والحفظ، وديمومتها (الكلاءة هيَ أحد أشكال حفظ الشيء)، وهو تعليل غير لغوي.
- {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةۥۥ} (سورة البقرة: 7). جمع {قُلُوبِهِمۡ}، و{أَبۡصَٰرِهِمۡ}، دون {سَمۡعِهِمۡ}؛ والمفهوم أنها (أسماعهم)، والأقرب أن الإيقاع تطلب ذلك.
- {وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِى خَاضُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ} (سورة التوبة: 69):
فهنا يبدو أن اسم الموصول الذي هو مفرد يعود على جمع؛ وهو من خاضوا.
- يمكن تعليلها كالتالي:
- أبسط وأوضح تعليل والأكثر معقولية أن العبارة تقديرها: وخضتم خوضًا كالذي خاضوه أولئك؛ فـ (الذي) تعود على مفرد لا على جمع.
الاسم الموصول (الذي) استعمل في الشعر العربي للمفرد والجمع؛ فمن أمثلة استعماله مع الجمع، ما جاء في قول الراجز( ):
يا رب عبس لا تبارك في أحد
في قائم منهم ولا في من قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
- تخفيف اسم الموصول مستعمل في بعض لغات العرب؛ كلغة هذيل وتميم؛ حيث يحذفون النون من المثنى، ويحذفونها من الجمع؛ من باب التخفيف في اللفظ؛ فمن تخفيفهم الاسم الوصول المثنى؛ قول الأخطل( ):

أبني كليب إن عمي اللـذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

فخفف الشاعر الاسم الموصول المثنى (اللذان)، وجعله (اللذا).
وفي قول أشهب بن رميلة( ):

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد

فخفف الشاعر الاسم الموصول الجمع (الذين)، وجعله (الذي).
وأنشد الفرَّاء: ( )حاذفًا الياء والنون من (اللذيْن):
فكنت والأمر الذي قد كيدا ... كاللذ تزبى زبية فاصطيدا
وفي آية: {كلتا الجنَّتينِ آتت أُكُلَهَا} (سورة الكهف: 33)؛ جاء خبر المثنى بالمفرد: جنتين وأكلها بدلًا من أكلهما. قيل (العكبري، والسيوطي، والبيضاوي) إن الضمير يعود على (كلتا)( )، أو أن التثنية ليست مقصودة حقيقةً؛ فهيَ جنة واحدة ذات وجهين؛ فيكون (أتت أكلها) عائدًا على (الجنة) في الواقع. قال الزركشي: “فإنه ما ثنى هنا إلا للإشعار بأن لها وجهين وأنك إذا نظرت عن يمينك ويسارك رأيت في كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قرة وصدرك مسرة"( ). وهذا من البلاغة في القرآن.
- هناك كلمات شكلت موضع خلاف بين القراء؛ فقرأها بعضهم بالجمع والبعض الآخر مفردة؛ فكتبوها جميعًا بالتاء؛ لتوافق القراءتين:
- {لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ} (سورة يونس: 64، الأنعام: 34).
- {لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتۥۥ مِّن رَّبِّهِۦ} (العنكبوت: 50).
ـ {غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ} (سورة يوسف: 10).
- {ءَايَٰتۥۥ لِّلسَّآئِلِينَ} (سورة يوسف: 7).
ـ {فِى ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (سورة سبأ: 37).
- {عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنۡهُ} (سورة فاطر: 40).
ـ {مِن ثَمَرَٰتٍ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا} (سورة فصلت: 47).
- {كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتۥۥ صُفۡرۥۥ} (سورة المرسلات: 33).
يمكن إيجاز إشكاليات الضمير السابقة في: مراعاة الوزن والسجع أحيانًا – لغة عربية قديمة في بعض المواضع – عدم وجود قواعد صارمة للضمير في العربية واضطراب تعريف الجمع، على الأقل وقت نسخ المصحف.

********************************
17- العاقل وغير العاقل: معاملة غير العاقل على أنه عاقل والعكس:
- {فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٍ فِى يَوۡمَيۡنِ} (سورة فصلت: 12) - {فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٍ} (سورة البقرة: 29)، والأفضل أن يقول: فقضاها، فسواها. وهذه الصيغة ليست مرفوضة نحويًّا، لكنها ليست الأفضل، والأفضل( ) هو استخدام ضمير المفردة كما أسلفنا. ومثلها: {ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرۥۥ مَّعۡلُومَٰتۥۥ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ} (سورة البقرة: 197)، والأفضل أن يقول: (معلومة) و(فيها).
- {وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَ} (سورة الأنبياء: 79)؛ بدلًا من (تسبِّح).
- {لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ} (سورة فصلت: 37)، والمفروض: خلقهما، وإذا اعتبرنا الاثنين جمعًا، فالأكثر شيوعًا أن يُقال: خلقها لأنه جمع لغير العاقل، وإذا أخذنا بقاعدة الأقرب، لقال: خلقه لأن القمر مذكر؛ على شاكلة: {وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (سورة التوبة: 34)، {وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (سورة البقرة: 45). وقد ذكر أبو بكر الرازي أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناءً بذكره عن ذكر الآخر( )، وهذا مالم نجده في الآية المذكورة أعلاه من سورة فصلت. لكن استخدام (خلقهن) هو من كلام العرب، لكنه ليس الأكثر شيوعًا.
- {إِنِّى رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِى سَٰجِدِينَ} (سورة يوسف: 4)؛ بدلًا من ساجدة أو ساجدات؛ وهيَ الأفضل؛ في الجمع لغير العاقل.
- {أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ} (سورة النور: 41)، وقد جاءت بصيغة (ما) لغير العاقل في: {سبح لله ما فى السمـٰوٰت والأرض} (سورة الحديد: 1)، {يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ} (سورة الحشر: 24)، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ} (سورة الحشر: 1، وسورة الصف: 1)، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ} (سورة الجمعة: 1، وسورة التغابن: 1).
- {وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (سورة الأعراف: 198)؛ والكلام هنا عن الأصنام.
- {أَوَ لَيۡسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُم} (سورة يس: 81)؛ بدلًا من مثلها، أو مثلهن. وتكررت في: {أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۡ وَجَعَلَ لَهُمۡ أَجَلٗا} (سورة الإسراء: 99).
- {ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ} (سورة البقرة: 31)؛ بدلًا من عرضها، أو عرضهن.
- {وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ كُلّۥۥ فِى فَلَكٍ يَسۡبَحُونَ} (سورة الأنبياء: 33)؛ بدلًا من: يسبح نسبة إلى كل، أو يسبحن.
- {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ} (سورة النمل: 18)؛ بدلًا من (ادخل مساكنك)، و(يحطِّمك)، أو حتى بالصيغة الأقل قياسيا.
- {فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ} (سورة الأنبياء: 58)؛ بدلًا من جعلها و لها حيث الكلام عن الأصنام، وهو الأفضل، أو جعلهن، لهن؛ صيغة أقل قياسيا لكن مقبولة.
- {فَإِنَّهُمۡ عَدُوّۥۥ لِّىٓ}؛ بدلًا من (فإنها)؛ فالكلام عن الأصنام. عللها البعض بأن الأصنام لدى معتنقيها عاقلة فعاملها القرآن كعاقلة.
- {أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ}؛ بدلًا من (تُعبد).
- {قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗا} (سورة البقرة: 260)، بدلًا من الصيغة الأفضل: فصرها ومنها وادعها وتأتيك.
- {وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (الأحقاف: 5)؛ {من}؛ بدلًا من (ما)؛ فهيّ تعود على (الأصنام).
- {وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ} (سورة غافر: 18)؛ بدلًا من (كاظمة)، أو (كاظمات).
- {وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ كُلّۥۥ فِي فَلَكٍ يَسۡبَحُونَ} (سورة الأنبياء: 33، سورة يس: 40)؛ بدلًا من (يسبح) أو (يسبحن).
- {فظلت أعنـٰقهم لها خاضعين} (سورة الشعراء: 4)؛ بدلًا من خاضعة أو خاضعات؛ بررها البعض بأن الأعناق نُسب إليها فعل الخضوع وهو لا يصدر إلا عن العاقل. وهيَ حجة ضعيفة للغاية؛ إذ قد يخضع غير العاقل أيضًا مثل خضوع الحيوان المستأنس.
- {وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ} (الحجر: 20)؛ بدلًا من (ما)؛ لأن الكلام عن الكائنات الأخرى.
- {فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (سورة فصلت: 11)، و{طَآئِعِينَ} هنا في صيغة الحال، والقاعدة أن الحال توافق صاحبها، تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا، ولكنها في الآية جاءت جمع مذكر سالم للعاقل، وصاحبها ضمير تثنية لغير العاقل، فكان حسب القاعدة يجب أن تُكتب: أتينا طائعتين.
- {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَا قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ} (سورة فصلت: 21)، قال {شهدتم}؛ بدلًا من (شهدت).
- {وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن
يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٍ} (سورة النور: 46).
وهاك نصا طويلًا من القرآن يتكلم فيه عن الأصنام: {أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ * وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ لَهُمۡ نَصۡرٗا وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمۡ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡ أَدَعَوۡتُمُوهُمۡ أَمۡ أَنتُمۡ صَٰمِتُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ * أَلَهُمۡ أَرۡجُلۥۥ يَمۡشُونَ بِهَآ أَمۡ لَهُمۡ أَيۡدٍ يَبۡطِشُونَ بِهَآ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡيُنۥۥ يُبۡصِرُونَ بِهَآ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانۥۥ يَسۡمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} (سورة الأعراف: 191-195). والملاحظ أنه استخدم {ما} لوصف الأصنام في البداية؛ فعاملها معاملة جمع غير العاقل، ثم عاملها معاملة جمع العاقل المذكر أربع عشرة مرة في النص؛ باعتبارها عاقلا في نظر من يعبدونها؟ أو للسخرية منهم جميعًا؟
تتلخص تعليلات هذه الظاهرة في:
1- نسب لتلك الأشياء عمل من أعمال العقلاء؛ مثل السجود، وهذا تعليل غير مقنع؛ حيث إن هذا يناقض الآية: {سَبَّحَ لَهُ ما فِى السمـٰوٰت والأرض}؛ فاستخدم {ما} رغم نسبة فعل التسبيح لغير العاقل، وفعل الخضوع أيضًا قد يقوم به الحيوان؛ وهو غير عاقل.
2- اعتقاد بعض الناس بأن الأصنام عاقلة؛ وهذا أيضًا تعليل غير كاف؛ فهل هذه تصلح قاعدة لغوية؟ فمن المنطقي أن يتبع المتكلم اعتقاده لا اعتقاد غيره؛ خصوصًا إذا كان غير معترف بمشروعية اعتقاده.
3- تصرف غير العاقل تصرفات تليق بالعاقل؛ مثل طلب الرزق.
4- السماوات والأرض تتضمن من فيها من ملائكة.. إذن كان يجب بناء على هذا اعتبار الكلمتين للعاقل في عموم اللغة؛ وهو ما لم يحدث.
5- وصف الشيء بوصف يسم العاقل؛ فيعامل معاملة العاقل.
وإذا كل من الممكن استخدام هذه التعليلات لهذا النص القرآني أو ذاك، فلماذا لم تدخل كقاعدة، أو قواعد في صميم النحو العربي؟! يمكن هنا أن نرصد (وفي مواضع أخرى عديدة) أن القرآن قد خالف قواعد النحو، وربما السائد في كلام العرب؛ تغليبًا للسجع أوالوزن، أو لاعتبارات بلاغية أو لحكمة لا علاقة لها بقواعد العربية. وكذلك فعل الشعراء، ومنهم النابغة الجعدي؛ حيث قال:
تمززتها والديك يدعو صباحَه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا( )
فذكَّر بنات نعش؛ وهو جمع لغير العاقل؛ مثل بنات آوى، وبنات عرس.. إلخ.
ما نستنتجه أخيرًا أن تجاوز القواعد مقبول في الكلام الموزون؛ لاعتبارات الإيقاع ولدوافع بلاغية. ومما يدعم هذا أنه استخدم كلمة {ما} للعاقل؛ الله؛ بدلًا من (من)، في: {وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (سورة الكافرون: 3). ولو قال: (من) بدلًا منها لصار إيقاع السورة أقل اتساقًا. كما أن استخدام الضمائر في العربية يخضع لقواعد معقدة وفضفاضة وبها مرونة؛ والواضح أنها كانت بالغة المرونة وقت كتابة المصحف، لكن حديثا صارت أكثر صرامة.

********************************
18: - تأنيث المذكر وتذكير المؤنث:
(ملاحظة: لا يوجد في العربية القياسية شيء اسمه تذكير أو تأنيث الفعل؛ بل إسناد الفعل للمؤنث، أو المذكر مفرد، أو مثنى، أو جمع، ولكن نستخدم هذا التعبير مجازيًّا للإيضاح والإيجاز لا أكثر، وحتى بعض اللغويين فعل ذلك)
من الأمثلة الشهيرة التي أثارت جدلا: {بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَة} (سورة القيامة: 14). والظاهر أنه أنَّثَ الخبر المفرد؛ {بَصِيرَة}؛ رغم كون المبتدأ مذكرًا؛ {ٱلۡإِنسَٰنُ}. وقد فُسَّر العكبري( ) ذلك بثلاثة احتمالات: الأول: هيَ داخلةٌ للمبالغة؛ أَيْ بصيرٌ على نفسه؛ وهو نفس ما ذهب إليه ابن عباس ومجاهد وأبو عبيد؛ وهيَ التي يسميها أهل الإعراب هاء المبالغة؛ كالهاء في قولهم: داهية وعلامة وراوية( ) – والثاني: هو على المعنى؛ أَيْ هو حجةٌ بصيرة على نفسه؛ ونسب الإبصار إلى الحجة. وهذا الاحتمال الأخير يؤدي إلى المطابقة بين المبتدأ والخبر تذكيرًا وتأنيثًا؛ وفقًا للنحو. وذكر القرطبي( ) ما قاله بعض أهل التفسير: المعنى؛ بل على الإنسان من نفسه بصيرة؛ أيْ شاهد؛ فحذف حرف الجر. ويجوز أن يكون {بَصِيرَة} نعتا لاسم مؤنث؛ فيكون تقديره: بل الإنسان على نفسه عين بصيرة؛ وأنشد الفرَّاء: كأنَّ على ذي العقل عينًا بصيرة، وحسب القرطبي أيضًا قال الأخفش: جعله هو البصيرة، كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك. والثالث: ما قيل من أن {بَصِيرَة} هنا مصدر، والتقدِير: ذو بصيرةٍ؛ ولا يصحُّ ذلك إلا على التبيين.. وقال ابن عباس وفقًا للقرطبي( ): بصيرة أيْ شاهد؛ وهو شهود جوارحه عليه. وجاء تأنيث البصيرة؛ لأن المراد بالإنسان ها هنا الجوارح؛ لأنها شاهدة على نفس الإنسان؛ فكأنَّه قال: بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة؛ قال معناه القتبي وغيره.
ويبدو لنا أن الآية لا تخالف قاعدة المطابقة بين المبتدأ والخبر؛ فكلمة {بَصِيرَة} هنا ليست مؤنث بصير؛ بل جاءت بمعنى آخر؛ فراسة، أو حجة، فطنة، بعد نظر.. إلخ؛ وهيَ مؤنث مجازي مثلها مثل: وردة - حجة – نكرة – صيحة – عبرة - صحة، وتشبه معناها في الآية: {قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ} (سورة يوسف: 108).
وهناك آيات أخرى جاءت على نفس المنوال:
- {هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةۥۥ لِّقَوۡمٍ يُوقِنُونَ} (سورة الجاثـية: 20)، فلم يقل: (هذه)؛ بل {هذا}. والتقدير كما ذهب ابن عادل: هذا القرآن بصائر، جُمع خبره باعتبار ما فيه وقد قُرئ: {هذه}( )، وبالمثل ذهب الزجَّاج( ). وقد تكررت في: {هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ} (سورة الأعراف: 203)، ولم يقل (هذه)، {قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ} (سورة الأنعام: 104)، ولم يقل (جاءتكم).
- {إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبۥۥ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (سورة الأعراف: 56)؛ فتم تذكير (قريب). وفيها عدة احتمالات:
- وفقًا للنحاس( ): القريب لا تثنيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنثه.
- الرحمة والرحم واحد؛ حسب النحَّاس( ).
- حسب القرطبي( )؛ قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، وحق المصدر التذكير؛ كقوله: {فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةۥۥ مِّن رَّبِّهِۦ} (سورة البقرة: 275)؛ لأن الموعظة بمعنى الوعظ. وقيل: أراد بالرحمة الإحسان؛ ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًّا جاز تذكيره، وقيل: أراد بالرحمة هنا المطر؛ قاله الأخفش. قال: ويجوز أن يذكَّر كما يذكَّر بعض المؤنث. وأنشد:
فلا مزنة ودقت ودقها... ولا أرض أبقل إبقالها
- وذكر الفرَّاء( ) أن العرب تؤنث القريبة في النسب ولا يختلفون في ذلك. وقال هو وأبو عبيدة (حسب ابن عاشور( )): إن قريبًا أو بعيدًا؛ إذا أطلق على قرابة النسب أو بعد النسب؛ فهو مع المؤنث بتاء لابد من ذلك، وإذا أطلق على قرب المسافة أو بعدها، جاز فيه مطابقة موصوفه وجاز فيه التذكير على التأويل بالمكان.
ووجود تأنيث المذكر، أو تذكير المؤنث لفظًا – زعمًا - في القرآن ظاهرة وليست عبارة عابرة، من ذلك:
{وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبۥۥ} (سورة الشورى: 17)؛ فلفظ {ٱلسَّاعَةَ} مؤنث، وجاء خبرها مذكرًا؛ {قَرِيبۥۥ}؛ بدلًا من (قريبة)، قيل لم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي، ومجازها الوقت، وإتيانها قريب... وتنوعت الآراء.
- {فَمَن جَآءَهُۥمَوۡعِظَةۥۥ مِّن رَّبِّهِۦ} (سورة البقرة: 275)؛ كلمة موعظة مؤنث لفظي مجازي؛ لأنه لا مذكر له من جنسه؛ يجوز تذكيره حسب كلام القرطبي؛ وبالتالي يجوز أيضًا تأنيثه كما في: {قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةۥۥ مِّن رَّبِّكُمۡ} (سورة يونس: 57). وهذا ينطبق أيضًا على {ٱلسَّاعَةَ} وغيرها الكثير.
- {وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (سورة مريم: 28).
- {وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا} (سورة ق: 11)، وقد تكررت {لِّنُحۡـِۧىَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا} في سورة الفرقان: 49، وسورة الزخرف: 11. قيل إنه حمله على المكان( ).
- {يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٍ مِّنۡ خَرۡدَلٍ} (لقمان: 16)؛ بدلًا من (يك)؛ قيل لأنه مُسْنَد لـ (مثقال) وهو مذكر، لكن لما أضيف إلى {حبة} اكتسب منه التأنيث؛ فساغ تأنيث فعله.
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَا} (سورة الأنعام: 160)، جاءت {عَشۡرُ} مذكرًا موافقًا للمعدود المذكر (الأمثال)، وحسب النحو يجب أن تختلفا. وقد بُررت تبريرًا نحويًّا وبررها البعض بلاغيًّا.. وهنا نتساءل: هل لو كُتبت: عشرة أمثالها لقيل إنه خطأ نحوي، أو أنها عبارة تنقصها البلاغة؟!
وأمثلة أخرى: {كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةۥۥ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ} (سورة عبس: 11 - 12)؛ فقد أنث {تذكرة} وذكَّرها في نفس العبارة.
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ * فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمۥۥ} (سورة البقرة: 180). فالضمير المذكر المفرد في {بَدَّلَهُ} يعود على (الوصية)؛ وهيَ مفرد مؤنث. وضمن التعليلات أن الضمير عائد على (الميت) الموصوف في الآية وهو تعليل شديد الضعف كما هو واضح من سياق العبارة؛ فكيف يبدَّل الميت؟! أو أنه عائد على المعنى: (الإيصاء)؛ وهو ما يعني أننا سنلغي المؤنث والمذكر عمومًا؛ لأن كل لفظة لها معنى قد يخالفها في التذكير والتأنيث. والتعليل الأكثر اتساقًا مع المعنى - إلى حد ما - هو أن الضمير في الآية راجعٌ على أمر الله الذي بدأ بـ (كتب عليكم)( )؛ وهو ما رفضه الطبري بحجة ضعيفة؛ هيَ "أنه لا يستطيع أحد أن يبدل أمر الله؛ بينما يمكن للناس أن تخالف تعاليم الدين أو تبدلها"( ). والأكثر اتساقًا مع المعنى أن الضمير قد خالف العائد عليه، كما تكرر كثيرًا في القرآن.
{ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (سورة المؤمنون: 11)؛ لفظ {ٱلۡفِرۡدَوۡسَ} مذكر، وجاء الضمير العائد عليه بلفظ التأنيث. قالوا: حملًا على معنى الجنة؛ وكأنَّ المعنى: الذين يرثون الجنة هم فيها. وفقًا لهذا التعليل؛ يمكن تأنيث وتذكير أيِّ اسم له مرادف، أو مقارب له في المعنى مثل: تلاشت الحب بمعنى تلاشت المودة، وقامت التمرد بمعنى الانتفاضة، أو الثورة، وهذا غير مقبول في العربية الحديثة. وقد تكرر هذا في القرآن: {ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦ} (سورة المزمل: 18)، وهنا ذكَّر كلمة {ٱلسَّمَآءُ}؛ عللها أبو عبيدة( ) بأنه قد جُعلت السماء بدلًا من السقف بمنزله تذكير سماء البيت، وعللها العكبري بأنه جاءت على النسب؛ أيْ ذات انفطار( )، وقال سيبويه: زعم الخليل - رحمه الله - أن {ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦ}؛ كقولك: معضّل للقطاة، وكقولك مرضع للتي بها الرضاع (يعني القادرة على الإرضاع)، وأما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك منشقةٌ وكقولك مرضعة للتي ترضع( ) (أيْ تقوم بالإرضاع كمهنة)؛ أما الفراء فعللها بأن لفظ (السماء) يؤنث ويذكر( ). ونفس الشيء في: {كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ}، {كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوط}، {وَإِن كَانَ طَآئِفَةۥۥ مِّنكُمۡ ءَامَنُواْ}، {فَمَن جَآءَهُۥمَوۡعِظَةۥۥ مِّن رَّبِّهِۦ}، {فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ}. وقد جاءت في القراءت المختلفة بما فيها السبع أمثلة أكثر بكثير مما في رواية حفص السائدة الآن( )... علل هذا أبو عبيدة بأنه مجاز( )؛ وهو ما يمكن قوله على مئات الألفاظ؛ أما {إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ}؛ فقد أوَّلها اللغويون والمفسرون على أنه يقصد بها طائفة وجماعة بني إسرائيل.
وقد جوز سيبويه (وغيره( )) تذكير الفعل للمفرد المؤنث الجماد، وقال بعض العرب: قال فُلانةُ... وإنما حذفوا التاء لأنهم صار عندهم إظهار المؤنث يكفيهم عن ذكرهم التاء، كما كفاهم الجميعُ والإثنان حين أظهروهم عن الواو والألف. وهذا في الواحد من الحيوان قليل وهو في الموات (أيْ الجماد) كثير.. ( ). ولا نرى إلا أنه استخرج هذه القاعدة من القرآن.
{وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةۥۥ لِّذُكُورِنَا} (سورة الأنعام: 139)، والمفروض قياسيًّا: خالص. وقد علل البعض ذلك لكونه عائدًا على معنى مذكر، وهو الخلوص؛ كأنَّه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة؛ فجرى مجرى راوية ونسابة. وقال آخرون: أُنِّثت لتأنيث {ٱلۡأَنۡعَٰمِ}؛ لأن ما في بطونها مثلها، فأُنِّثت لتأنيثها. وهذا يعني إمكانية تأنيث أيِّ شيء يخص المؤنث، ولكن هذه ليست قاعدة في العربية الحديثة قط. وقالوا: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرًا، كما تقول: العافية، والعاقبة، لكنه قال: خالصة وليس الخالصة مما ينقض هذا التفسير.
يضاف إلى ذلك أن القرآن استخدم أحيانًا الكلمة الواحدة مذكرة في موضع ومؤنثة في موضع آخر؛ من ذلك: تأنيث السحاب في: {وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (سورة الرعد: 12)، وتذكيره في: {يُزۡجِى سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا} (سورة النور: 43)، {فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةۥۥ مِّن رَّبِّكُمۡ} (سورة الأنعام: 157)، وقال في موضع آخر: {قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةۥۥ مِّن رَّبِّكُمۡ} (سورة الأعراف: 73)، {وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ} (سورة هود: 68)، {وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ} (سورة هود: 94)، {جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفۥۥ} (سورة يونس: 22)، {وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ} (سورة الأنبياء: 81)، جاءت الصفة في الآية الأولى {عاصف} بصيغة المذكر؛ وجاءت في الآية الثانية {عاصفة} بصيغة التأنيث، {فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلـٰلة} (سورة النحل: 36)، {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلـٰلة} (سورة الأعراف: 30).
وقد جادل بعض المفسرين وأهل العربية في لفظ {ٱلۡأَنۡعَٰمِ}: {وَإِنَّ لَكُمۡ فِى ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ} (سورة النحل: 66)، فتم تذكير {الأنعام} المؤنثة، كما قيل على المعنى: بمعنى (النِّعَم). وهذا تعليل خاطئ؛ إذ إن (الأنعام) تؤنث وتذكر في العربية، وقد جاءت في القرآن مؤنثة في: {وَإِنَّ لَكُمۡ فِى ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا
مَنَٰفِعُ كَثِيرَةۥۥ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (سورة المؤمنون: 21). وقد ذكر الألوسي( ) أنها اسم جمع( )؛ فيجوز تذكيره وإفراده باعتبار لفظه، وتأنيثه وجمعه باعتبار معناه، ولذا جاء بالوجهين في القرآن؛ وهذا من كلام العرب. وذكر القرطبي( ): “اختلف الناس في الضمير من قوله: {مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ} على ماذا يعود؛ فقيل: هو عائد إلى ما قبله وهو جمع المؤنث... وقيل: لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال: هو الأنعام وهيَ الأنعام، جاز عود الضمير بالتذكير... وقال الفراء: الأنعام والنعم واحد، والنعم يذكَّر، ولهذا تقول العرب: هذا نعم وارد، فرجع الضمير إلى لفظ (النعم) الذي هو بمعنى الأنعام". قال ابن العربي: "إنما رجع التذكير إلى معنى الجمع، والتأنيث إلى معنى الجماعة؛ فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع، وأنثه في سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة”. واعتبر سيبويه (الأنعام) مفردًا فقال: “فقد يقع للواحد من العرب من يقول‏: ‏ هو الأنعام”( )‏. ‏
وفي العربية توجد كلمات كثيرة تعتبر مذكرًا ومؤنثًا في نفس الوقت؛ منها: ضحى، فردوس، سروال، عنكبوت، لسان، فرس.. يُضاف ما ذكره رمضان عبد التواب أن كثيرًا من الكلمات التي تسمى بالمؤنثات السماعية في اللغة العربية - وهيَ التي تخلو من علامات التأنيث - قد تعامل كمذكر أيضًا. وينسب ذلك في بعض الأحيان إلى مختلف القبائل العربية؛ نحو قول أبي زيد: أهل تهامة يقولون: العُضُد والعُضْد، والعُجُز والعُجْز، ويؤنثونهما. وتميم تقول: العَجُز والعَضُد( ).
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّى} (سورة الأنعام: 78)، ولم يقل هذه ربي؛ مع أن الشمس مؤنثة؛ على معنى: هذا الطالع. علل الزمخشري( ) ذلك بأنه قد جعل المبتدأ مثل الخبر كقولهم: ما جاءت حاجتك، لصيانة الرب عن شبهة التأنيث. ألا تراهم قالوا في صفة الله: علام، ولم يقولوا: علامة، وإن كان (العلامة) أبلغ؛ احترازًا من علامة التأنيث. والأكثر اتساقًا مع كلام العرب أن نقول نسبة للشمس (طلعت) أو (طلع)( )، وكذلك لموعظة نقول (جاءت) أو (جاء)؛ فهذا مؤنث مجازي. وهذا لا ينفي وجاهة كلام الزمخشري السابق؛ فقد اختار التذكير ولم يختر التأنيث، ربما للسبب الذي ذكره. والزمخشري يفضل التأنيث للمؤنث المجازي( )؛ وهو ما نستخدمه في العربية الحديثة؛ مما يعني أن تذكيرالمؤنث المجازي لغة قديمة.
{كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةۥۥ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ} (سورة عبس: 11- 12)، واضح أنه اختار التذكير للحفاظ على السجع والوزن في هذا الجزء من السورة.
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ} (سورة النساء: 8)، فالقسمة مؤنث، وضميرها مذكر؛ قيل إن الضمير عائد على المقسوم، وهو قول معقول.
{يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِ} (سورة النساء: 60)، {وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا} (سورة الزمر: 17)، وفي: {كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٍ} (سورة الحاقة: 7)، {تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ مُّنقَعِرٍ} (سورة القمر: 20). وقد برر ذلك صبحي الصالح( ) بأنه قصد جنس النخل في التذكير، وجماعته في التأنيث؛ مستعينًا بالمبرد في تبرير القول: (البلدة) فتقصد البقعة، و(البلد) فتقصد المكان؛ وهو فرق كبير لأن (البلد) لفظ مذكر، و(البلدة) لفظ مؤنث؛ فالقياس خاطئ؛ والتبرير يعني إلغاء المذكر والمؤنث عمليًّا؛ فيمكن إذن أن نقول: نجحت البنت إذا أردنا نوعها، أو نجح البنت إذا قصدنا جنسها وهذا ينطبق – تقريبًا - كإمكانية على كل كلمة!! والأقرب إلى المعقول أنه لم يكن هناك إجماع بين العرب على تأنيث أو تذكير تلك الألفاظ كما أشار هو نفسه( )؛ وربما لم يكن الفصل بين المذكر والمؤنث لدى العرب قد تم بصورة نهائية. وقد عللها حسن موافي بطريقة أكثر بساطة ووضوحًا؛ فقال: إن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز في ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا؛ نحو قوله تعالى: أَعجاز نخل منقعر؛ أيْ: (هو)، وقوله تعالى: أَعجاز نخل خاوية، أي: (هيَ)( ). وهذا مأخوذ به فعلًا في العربية الحديثة. وقد أقر الأنباري - فيما بعد - أنه إذا كان المؤنث غير حقيقي، جاز تذكير فعله وتأنيثه، إذا تقدم عليه، واعتبر كلمات منها العنكبوت والطاغوت والمحل مؤنثًا ومذكرًا( ).
ومن العبارات التي أثارت الجدل: {وَقَالَ نِسۡوَةۥۥ فِى ٱلۡمَدِينَةِ} (سورة يوسف: 30)، و{قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ} (سورة الحجرات: 14).
وقد ذهب بعض المفسرين بعيدًا - أكثر من الضروري - إلى أنه عامل لفظ {نِسۡوَة} كمذكر، وذلك مراعاة لمكرهن، كما اعتبر كلمة (الأعراب) مؤنثة مراعاة لقلة عقولهم. ونري أن هذا التعليل ما هو إلا محاولة غير موفقة لإخضاع النص القرآني لقاعدة لغوية مصطنعة؛ فقد تكرر التذكير في القرآن كثيرًا، أو التأنيث لجمع التكسير: {وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَىۡءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَىۡءٍ} (سورة البقرة: 113)، {إذا جاءكم المؤمنـٰت مهاجرٰت} (سورة الممتحنة: 10)، {وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡ} (سورة البقرة: 120) {غلبت الروم} (سورة الروم: 2)، {وإذا الرسل أُقِّتت} (سورة المرسلات: 11)، {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ} (سورة التوبة: 5)؛ بدلًا من انسلخت، {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ} (سورة المائدة: 3)، {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِٱللَّهِ بِهِ} (سورة النحل: 115)؛ في الأولى فعل مبني للمجهول وفي الثانية الفعل ماضٍ، لكن في الأولى جاء مؤنثًا وفي الثانية مذكرًا.
{إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا} (سورة الإسراء: 36)؛ بدلًا من تلك..
{قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلۥۥ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ} (سورة آل عمران: 183)، {وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ} (سورة المائدة: 32).
هذا التكرار ينفي احتمال (الخطأ) تماما.
وذكر الفرَّاء أن تذكير الفعل جاء لقلَّة النسوة مثلما قال: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ} (سورة التوبة: 5)، {إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا} (سورة الإسراء: 36)( ).
ورأى البعض أن تأنيث الفعل يكون ضروريًّا وليس جائزًا في حالات معينة؛ مع ألفاظ جمع تكسير لغير العاقل؛ مثل: الإبل والخيل والغنم، بينما رفض بعض النحويين ذلك.
والقاعدة أنه يمكن تأنيث أو تذكير الضمير لجمع التكسير. وقد اتفق النحويون على ذلك؛ فنقول: قالت النسوة، أو قال النسوة، وكذلك ذهب الرجال، أو ذهبت الرجال. قال ابن مالك:
والتاء مع جمع سوى السالم من ... مؤنث كالتاء مع إحدى اللبن
بل وفي شرح ابن عقيل( ) اعتبر أنه يجوز ليس فقط مع جمع التكسير؛ بل أيضًا مع جمع المؤنث السالم إثبات التاء وحذفها؛ فتقول: قامت أو قام الهندات؛ فإثبات التاء لتأوله بالجماعة وحذفها لتأوله بالجمع.
وقد اتبع القرآن في آيات كثيرة قاعدة تأنيث أو تذكير الفعل مع جمع المؤنث السالم:
وهذه بعض الآيات تم فيها تذكير الفعل مع جمع المؤنث السالم: {جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ} (سورة آل عمران: 86، 105)، {ذَهَبَ ٱلسَّيِّـ‍َٔاتُ عَنِّىٓ} (سورة هود: 10)، {فَأَصَابَهُمۡ سَيّـِ‍َٔاتُ مَا عَمِلُواْ} (سورة النحل: 34)، {إذا جاءكم المؤمنـٰت مهاجرٰت} (سورة الممتحنة: 10)، {إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ} (سورة الممتحنة: 12)، {وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتۥۥ مِّن رَّبِّهِۦ} (سورة العنكبوت: 50).
كما تم تأنيث الفعل في آيات أخرى عديدة: {مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ} (سورة النساء: 153)، {وأنتم تتلى عليكم ءايـٰت الله} (سورة آل عمران: 101)، {وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُ} (سورة الرعد: 6)، {هَلۡ تَسۡتَوِى ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ} (سورة الرعد: 16)، {وإذا تتلى عليهم آيـٰتنا بينـٰت} (سورة الحج: 72)، {إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (سورة المطففين: 13)... إلخ.
وقد رأينا فيما سبق أنه قد تم أيضًا تأنيث فعل المذكر المفرد، أو تذكير فعل المؤنث المفرد.
وحتى في جمع المذكر السالم جوز بعض النحويين (الكوفيون) تأنيث الفعل، بينما رفضها غيرهم (البصريون) لعدم وجود نصوص عربية ذهبت هذا النحو، ولأن سلامة نظمه – حسب رأيهم - تدل على التذكير( ).
ساق المفسرون تبريرات نحوية مختلفة ومتناقضة أحيانًا، وتفسر شيئًا ولا تفسر نقيضه، من ذلك تذكير وتأنيث نفس الكلمة في نفس السياق من الكلام والمعنى.
كل هذا موجود في كلام العرب المعاصر للقرآن، كما أن قبول أصحاب القراءات جميعًا لهذا التنوع يفيد أنها لغة العرب المعتادة من مختلف القبائل.
ويشهد علم العربية شيئًا من الغموض في هذا الجانب من جوانب مصطلحاته المعبرة عن قضية التذكير والتأنيث، ويعود السبب في ذلك إلى الخلط بين الذَّكَر والمُذَكَّر وبين الأنثى والمؤنث؛ إذ قد يجري التعبير عنهما دون تمييز( ). فالمذكر أو المؤنث هو وصف للفظ اللغوي الذي يشمل الذكر والأنثى وغيرهما؛ ومن هنا يـأتي الخلط واللغط؛ فكثير من الألفاظ تعتبر مذكرة، أو مؤنثة لفظًا دون أن تدل على ذكر أو أنثى؛ وهذا مجاز قد يقبل تذكير أو تأنيث ضميره، أو فعله، أو صفته؛ وهو ما نراه في القرآن.
اختلفت قبائل العرب على التأنيث والتذكير لكلمات كثيرة، لكنَّ النحويين أخضعوها للمنطق العقلي؛ وما لم يخضع لقواعدهم أولوه تأويلات بعيدة عن واقع اللغة( ).
كان يجوز إضافة التاء إلى الفعل مع المؤنث المجازي، أو عدم إضافتها. وفي لغتنا المعاصرة قرر النحويون أن تضاف. وقد يكون لهذه الظاهرة علاقة بالتطور التاريخي للعربية( ).
- هناك كثير من الكلمات لا يمكن تأنيثها؛ مثل صقر، نسر، غراب؛ فتؤنث بإضافة كلمة أنثى. وخلافه صحيح أيضًا مثل بطة، نملة.
- وجود كلمات ليست قليلة تعامل كمذكر ومؤنث؛ مثل: زوج، وجاءت كذلك في القرآن: {وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓ} (سورة الأنبياء: 90)، {ٱلنَّبِىُ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡ} (سورة الأحزاب: 6). و{عَجُوز}؛ استخدمت للمؤنث في سورة هود، آية: 72.
ويمكن تعليل ما جاء في القرآن من تداخل التأنيث والتذكير؛ فهو يشمل: الحمل على المعنى – الحفاظ على السجع والإيقاع – الحمل على لفظ محذوف – هناك كلمات عربية كانت تذكر أو تؤنث، منها المصدر الذي يأتي بصيغة المؤنث مثل (موعظة) واسم الجنس؛ فيجوز فيه التذكير حملًا على الجنس - والتأنيث حملًا على الجماعة؛ مثل نخل ومفردها نخلة؛ فيمكن تذكير جمعها بتقدير أنه جنس النخل، أو تأنيثه باعتبارها جمع تكسير مؤنث – ارتباط الصفة بالموصوف لم تكن له قاعدة بعد - المؤنث المجازي يجوز تأنيث أو تذكير فعله وصفته وضميره؛ بل وهذا الارتباط ليس مطلقًا في العربية المعاصرة؛ فيقال للمرأة، أنت طالق ويقال: محمد علامة - الملاحظ البلاغية - الدلالات النفسية والشعورية - أغراض التعبير وأهداف المعنى – أغراض أدبية( ). وأخيرًا نضيف عاملا آخر؛ فالنحويون هم الذين حاولوا تحديد قواعد للتأنيث والتذكير دون جدوى، وحاولوا استخدام قواعدهم الموضوعة معيارًا للنص المقدس؛ فراحوا يبررون ويعللون خروجه على قواعدهم، بخلق مزيد من القواعد والاستثناءات؛ دون جدوى أيضًا، لكن القرآن قد اتبع لغة العرب في المرحلة التي عاصرها وقت كتابته؛ حيث لم تكن هناك قواعد صارمة للتذكير والتأنيث، وهكذا جاء.
وفي آخر هذا الفصل نشير إلى آية أثارت بعض الجدل، وألهمت خيال الباحثين عن الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي: {وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ * ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗا يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابۥۥ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءۥۥ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة النحل: 68- 69).
يبدو من ظاهر الآية أن ضمير المفرد المؤنث قد استخدم ليعود على جمع ومذكر لفظًا، لكن (النحل) هو اسم جنس جمعي، وهو جمع لغير العاقل؛ فيجوز فيه استخدام ضمير المفرد المذكر أو المؤنث، أو ضمير الجمع المؤنث، وقد استخدم القرآن الأول؛ وبذلك لا يوجد أيُّ شذوذ لغوي في الآية.
وقد جاء في الشعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل( )
ومع ذلك علق البعض:
علق السمين الحلبي على استخدام ضمير المؤنث المفرد بالقول: “وبخصوص النحل تم تأنيثه؛ فهو يذكّر ويؤنّث على قاعدة أسماء الأجناس. والتأنيث فيه لغة الحجاز”( ).
وحسب القرطبي؛ قال الجوهري: والنحل والنحلة الدّبّر يقع على الذكر والأنثى؛ حتى يقال: يعسوب. والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء. وقال بعض أهل العربية: النحل يذكر ويؤنث وقد أنثها الله - عز وجل - فقال: أن اتخذي من الجبال بيوتا، ومن ذكر النحل فلأن لفظه مذكر، ومن أنثه فلأنه جمع نحلة( ). أما أصحاب الإعجاز العلمي؛ فأبدعوا في ذكر الخرافات؛ متناسين أن (النحل) هو جمع تكسير لمفرد؛ هو (نحلة)، وأن هذه الكلمة الأخيرة تطلق على المؤنث والمذكر من ذلك النوع؛ وبالتالي فالآية متفقة مع مجمل كلام العرب، وحتى مع قواعد النحو والصرف في العربية الحديثة.

**************************
19: لغة (أكلوني البراغيث) في القرآن:
وهيَ التي تضيف للفعل علامة التثنية، أو الجمع؛ خلاف القاعدة التي بنى عليها النحاة: “منع اتصال الفعل بعلامة الجمع، أو التثنية مع إسناده إلى اسم ظاهر في سياق دلالة الجملة”. فوفقًا للنحو العربي؛ إذا أُسند الفعل إلى ظاهر مثنى، أو جمع وجب تجريده من علامة تدل على تثنيته، أو جمعه؛ فيكون حكمه مع المثنى والجمع كحكمه مع المفرد؛ على شاكلة: (قال الرجل – قال الرجال)، (قالت المرأة – قالت النساء)( ). وعلى ذلك؛ فالمفروض أن نقول: (أكلني) أو (أكلتني) البراغيث، لكن عُرف من العرب من كان يضيف للفعل علامة التثنية، أو الجمع. وهذه لا تعتبر عربية قياسية ولا يقبلها النحويون واللغويون.
فقد ذهب أبو عبيدة إلى أن العرب تجوز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث( )؛ مثل قول الشاعر:
يلومونني في اشتراء النخي … لِ أهلي فكلّهم أَلومُ
وعن الفضيل بن عياض:
لو كان مع علمائنا صبر ... لما تمندلوا بهم هؤلاء
يعني الملوك.

أحيحة بن الجلاح الأوسي( ):
يلومونني في اشتِراءِ النَخيـ ... ـل قَومي فَكُلُّهُمُ يَعذِلُ
وأهل الذي باع يلحونه ... كما عُذل البائعُ الأولُ
الفرزدق:
ولَكِن دِيافِيٌّ أَبوه وأُمهُ ... بحَوران يعصرن السليط أَقارِبُه( )
عمرو بن ملقط الطائي:
أُلفيتا عيناك عند القفا ... أَولَى فأَولى لكَ ذا واقيهْ
وفي العامية نجد استخدام لغة أكلوني البراغيث كثيرا؛ مثلما نقول: زاروني أقاربي، ناموا الأولاد بدري، ظلموني الناس، في أغنية لأم كلثوم، وفي أغنية لإيمان البحر درويش: لاموني الناس، ولفيروز: سألوني الناس، وأغنية تونسية ألقاها الهادي الجويني وغيره: لاموني اللي غاروا مني.
وحسب المختصين؛ تجد لغة (أكلوني البراغيث) أصولها في اللغات السامية الأخرى؛ العبرية والآرامية والحبشية والأكادية( ).
وقد اشتهرت هذه اللغة بـ أكلوني البراغيث؛ كما أسماها سيبويه( ). أما ابن مالك فيسميها لغة: (يتعاقبون فيكم ملائكة)؛ نسبة للحديث النبوي الشهير.
وقد نُسبت هذه اللغة لغير القرشيين؛ ومع هذا جاء مثل هذا في لغة قريش؛ ومنه قول عبيد الله بن قيس بن الرقيات:
تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم
والمفروض أن يقول: (أسلمه) على حسب النحو. (المقصود بـ مبعد: شخص غريب عنه، وبـ حميم: شخص قريب له، وقد أسلماه لأعدائه؛ يريد القول إن الغريب والقريب باعاه لأعدائه).
وقول محمد بن عبد الله العتبي:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
هنا النواضر فاعل والفعل: رأين أضيفت إليه نون النسوة والمفروض قياسيًّا أن تكتب: رأت.
ولكن هذا الشعر جاء بعد القرآن، فهل استخدم القرشيون أصلًا لغات قبائل أخرى، أم أن الشاعر تأثر باستخدام القرآن للغات غير قرشية؟ لا فرق؛ فالنتيجة واحدة؛ أن القرآن تضمن لغة بني الحارث وطيِّئ.. إلخ كما سنرى، كما أن لغة قريش أخذت من مختلف القبائل.
جاء في القرآن: {ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِى غَفۡلَةٍ مُّعۡرِضُونَ * مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ * لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرۥۥ مِّثۡلُكُمۡ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (سورة الأنبياء: 1-3).
فالمفروض حسب النحو أن يقول: وأسرّ النجوى، ولكنه أتى بضمير فاعل، وهو {ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ}. وقد ذهب اللغويون والمفسرون مذاهب مختلفة في إعراب الآية:
منهم من حاول إعراب الجملة بما يتفق مع قواعد النحو:
- قدم النحَّاس( ) ستة احتمالات رفضها عدا الأخير؛ هي باقتضاب شديد: بدلًا من الواو- وعلى إضمار مبتدأ - ونصبًا بمعنى أعني (يقصد التقدير: أعني الذين ظلموا) - وأجاز الفرَّاء أن يكون خفضًا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم( ) - وأجاز الأخفش أن يكون على لغة من قال أكلوني البراغيث - الجواب السادس وهو أن يكون التقدير يقول الذين ظلموا وحذف القول؛ مثل: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (سورة الرعد: 23- 24). وللتوضيح يقصد من القول السادس؛ وهو ما يتبناه، أن تقدير العبارة: لاهيةً قلوبهم وأَسَرُّوا النَّجْوى. يقول الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون؛ مع حذف كلمة (يقول) أسوة بآيتي سورة الرعد؛ حيث حذف كلمة (يقولون) لأن التقدير أن الآية: يقولون سلام عليكم؛ وهو تفسير معقول تمامًا ويتسق مع أسلوب القرآن. ولكنه لا ينفي وجاهة التفسير الخامس؛ لغة أكلوني البراغيث؛ حيث تكرر في القرآن كما سنرى، ولو كانت العبارة منقسمة بعد كلمة النجوى (أيْ إلى آيتين)؛ لكان تفسير النحَّاس نهائيًّا، ولما ظهرت إشكالية حول العبارة.
- اعتبار {ٱلَّذِينَ} مبتدأ مؤخرًا، وجملة {وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى} خبرًا مقدمًا، وقد رأى ذلك الكسائي( ). لكن الواو في {وَأَسَرُّواْ} تجعل هذا التفسير غير معقول.
- إعراب {ٱلَّذِينَ} خبر لمبتدأ محذوف( )، وتكون {ٱلَّذِينَ} في محل رفع خبر، ويصبح تقدير الكلام: وأسروا النجوى.. هم الذين ظلموا. ويمكن إعراب {ٱلَّذِينَ} فاعلًا على تقدير فعل محذوف؛ فيكون التقدير: وأسروا النجوى.. قال الذين ظلموا، بدليل جواب الآية: هل هذا إلا بشر مثلكم.
- وقد تعرب {ٱلَّذِينَ} مفعولًا به على الذم، والتقدير: وأسروا النجوى أذم، أو ألعن الذين ظلموا، وتكون نائب فاعل في حال قدر الفعل المبني للمجهول: لُعن الذين ظلموا.
- أو تُعرب مفعولًا به على الاختصاص، والتقدير: وأسَّروا النجوى.. أيْ الذين ظلموا. أما سيبويه فاعتبرها كأنَّه قال: انطلقوا فقيل له: مَن فقال: بنو فلان( )؛ أيْ يكون التقدير: وأسروا النجوى فقيل: من؟ فقال: الذين ظلموا. والواضح أنه تعليل متكلف وغير معقول؛ فيمكن بهذا المنطق التحرر من كثير من قواعد النحو التي فرضها سيبويه نفسه.
- ووفقًا لابن حجر العسقلاني( )، والقيسي( ) وغيرهما، ذهب البعض إلى أن {وأَسَرُّوا} عائد على الناس المذكورين أولا، و{ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ}؛ بدلًا من الضمير. من هؤلاء سيبويه الذي شرح بلغة مقتضبة وغامضة: وأسَرّوا النّجوى الذين ظلموا فإنما يجيء على البدل؛ وكأنَّه قال: انطلقوا فقيل له: مَن فقال: بنو فلان. فقوله جلّ وعزّ: وأسَرّوا النجوى الذين ظلموا على هذا فيما زعم يونس( ). ومثله المبرد: هذا كقولك (إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله)؛ على البدل مما في انطلقوا( )، وكذلك ذهب ابن الجوزي( ). وبناء على ذلك يكون تقدير العبارة: اقترب للنَّاسِ حسابهم.. لاهِيةً قلوبهم وأَسَرُّوا النَّجْوى، الذين ظلموا (أيْ الناس) نقول لهم هل هذا إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون، والعبارة كما هو واضح تكون غير متناسقة ويكون الناس هم الذين ظلموا، والحقيقة أن الذين ظلموا كما يُفهم من الآية هم بعض الناس فقط.
- حدد الزجَّاج احتمالين؛ أفضلهما كما ذهب أن يكون {ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} في موضع رفع بدلًا من الواو من {أَسَرُّواْ} ومبينًا عن معنى الواو؛ أيْ أن {ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} هيَ بدل الواو في {أسرُّوا}، أو النصب على الذم على معنى هم الذين ظلموا( )؛ فيكون تقدير العبارة: وأسرُّوا النجوى، هم الذين ظلموا. والاحتمال الأول الذي فضَّله يعني أننا نستطيع قبول لغة أكلوني البراغيث كعربية قياسية متفقة مع قواعد النحو؛ فنقول إن البراغيث بدل لضمير المتكلم في (أكلوني)، أو نقول؛ كمثال أوضح: زاروا الجيران أمي؛ فيكون لفظ الجيران بدل الواو في (زاروا)، ولا نظن أن النحاة سيقبلون ذلك.
- وقد ذهب كثير من النحاة إلى اعتبار الفاعل هنا هو {ٱلَّذِينَ}؛ وعلى ذلك تكون الجملة قد جاءت على لغة أكلوني البراغيث. وقيل إنها لغة بني الحارث، أو لغة طيِّئ وأزد شنوءة. وقد أشار لهذه اللغة سيبويه: واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك وضرباني أخواك؛ فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في قالت فُلانة وكأنَّهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامةً كما جعلوا للمؤنث؛ وهيَ قليلة( )، ولكنه أنكر وجودها في القرآن، وذهب مذهبه نحاة كثيرون؛ منهم أبو حيان. وذهب من النّحاةِ المتقدّمين إلى أنَّ هذهِ الأَحرف ضمائر في محلِّ رفع فاعل، وليست مجرَّد علامات دالّة على التثنية أو الجمع( ). وذهب الأخفش – وفقًا للعسقلاني- إلى القول بأن الآية جاءت على لغة بلحارث؛ منتقدًا بعض النحويين؛ فقال: وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل؛ وهو تكلف مستغنى عنه، فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح( )؛ ويقصد أنها من الفصحى القياسية. وقال أبو عبيدة وغيره الواو والألف علامة أن الفاعل مجموع كالتاء في قولك (قامت هند)، و{ٱلَّذِينَ} فاعل بـ {أَسَرُّواْ}؛ وهذا على لغة من قال أكلوني البراغيث( ).
وفي القرآن أمثلة أخرى للغة أكلوني البراغيث:
- {وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةۥۥ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرۥۥ مِّنۡهُمۡ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (سورة المائدة: 71).
وقد ذكر العكبري أربعة آراء: أنها خبر لمبتدأ محذوف؛ أيْ العمى والصم كثير، أو هيَ بدل من ضمير الفاعل في {صَمُّواْ}، أو هو مبتدأ والجملة قبله خبر عنه، أيْ (كثير منهم عموا)؛ وهو ضعيف (حسب رأيه)؛ لأن الفعل قد وقع في موضعه، فلا ينوي به غيره، وقيل الواو علامة جمع لا اسم، و{كثيرٌ} فاعل {صَمُّواْ}( ). والرأيُ الرابع هو بالضبط لغة أكلوني البراغيث.
- {وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ} (سورة يونس: 42)، بينما قال بعدها مباشرة: {وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡىَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (سورة يونس: 43). هنا جاءت {يَسۡتَمِعُونَ} وليس (يستمع).
- {لَيۡسُواْ سَوَآءٗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةۥۥ قَآئِمَةۥۥ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (سورة آل عمران: 113).
{لَيۡسُواْ} تكون بدلًا من (ليس).
اعتبر العكبري( ) الواو اسم (ليس) وهيَ راجعةٌ على المذكورين قبلها و{سَوَآءٗ} خبرها. ومن قبلها حسب الآيات السابقة عليها هم بنو إسرائيل؛ وهو قول معقول إذا أصبح تقدير الآيات: بنو إسرائيل ليسوا سواءً مع بقية أهل الكتاب، لكن من سياق الآيات يمكن أن يكون التقدير: بنو إسرائيل.. كفروا. ليسوا أهل الكتاب سواءً، فمنهم أمة يتلون آيات الله.. فتكون على لغة أكلوني البراغيث.
كما نُسب إلى أبي عبيدة القول( ) بأن الواو في {لَيۡسُواْ} علامة جمع لا ضمير؛ أيْ على لغة أكلوني البراغيث؛ وهذا رفضه النحَّاس وفيها جدل..
- {لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (سورة مريم: 87). {يَمۡلِكُونَ}؛ بدلًا من يملك.
وهذه الآية فسرها البعض (مثل الزمخشري) – كاحتمال - أن تكون قد جاءت على لغة أكلوني البراغيث( ).
- {قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ فِى صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (سورة المؤمنون: 1- 2)؛ والتي لها قراءة أخرى عن طلحة بن مصرف: {أَفۡلَحواْ} على لغة أكلوني البراغيث ( ).
- {خشّعًا أبصـٰرهم يخرجون من الأجداث كأنّهم جرادٌ منتشر} (سورة القمر: 7): هكذا في رواية حفص، وقرأها ابن مسعود: {خاشعًا}( ). وقد جاءت في سورة القلم 43: {خٰشعة أبصارهم}. أما عن {خُشّعًا}؛ فهناك من قال إنها جاءت على لغة أكلوني البراغيث على أساس أن {خُشَّعًا} من الفعل (يخشعن) جاء بدلًا من (تخشع)( ).
- {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا} (سورة الإسراء: 23). والمفروض – حسب العربية القياسية - أن تكتب: يبلغ أو يبلغان، وقد قرأها كذلك كل من حمزة الكوفي( ) والكسائي( ) وغيرهما، وتكتب في تلك المصاحف: {يَبۡلُغَٰــٰنِّ}؛ بإضافة الألف القصيرة.
ضمن ما قال بعض اللغويين من إعراب الآية أن يكون {أَحَدُهُمَآ} فاعلا، و{كِلَاهُمَا} عطفًا عليه، ويكون ذلك على لغة من قال أكلوني البراغيث؛ بدلًا من أن تكتب: (يبلغ). وهناك محاولات عديدة لإعراب الآية وفقًا لقواعد النحو، كما أن هناك أكثر من قراءة تهدف إلى الشيء نفسه: يبلغن بنون التوكيد الشديدة والفعل مسند إلى أحدهما، أو بالنون الخفيفة، أو يبلغانّْ بألف التثنية ونون التوكيد المشدّدة، فتكون {أَحَدُهُمَآ} هيَ الفاعل، أو يبلغان منسوبة إلى الاثنين في العبارة السابقة عليها: {وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا}؛ فيخرج الفعل على عددهما مثنَّى ويفسر رفع أحدهما، أو كلاهما، على أحد وجهين: إما أن يكون بدلًا من الضمير في يبلغان، أو أن يرفعه بفعل مجدد تقديره: إما يبلغان عندك الكبر يبلغه أحدهما، أو كلاهما.
وهناك حديث شهير( ) - على نفس المنوال - يعزز فكرة أن بالقرآن لغة أكلوني البراغيث: “يتعاقبون فيكم ملائكة في الليل وملائكة في النهار”، ورويَ أيضًا بصيغة: “والملـٰئكة يتعاقبون فيكم، ملائكة في الليل وملائكة في النهار”، وروي بصيغة ثالثة: “إن الملـٰئكة يتعاقبون فيكم”، وصيغة رابعة: “تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار..“، وخامسة: “إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة في الليل وملائكة في النهار”. وهكذا نُقل الحديث - بغض النظر عن صحة مصدره وهو النبيّ- بصيغ لغوية مختلفة؛ منها ما هو منسوب للغة طيِّئ، أو لغة يتعاقبون فيكم ملائكة، أو أكلوني البراغيث.
من الحديث وكلام السلف: “من كن له ثلاث بناتٍ يؤويهن، ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة، لا تضربوا إماء الله”، جاء عمر إلى رسول الله فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، من الأحاديث النبوية إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجان اثنان دون صاحبهما، وعن عائشة: كن النساء يصلين مع النبي. ومن كلام السلف: عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قلن النساء يا رسول الله. وعن أبي قتادة: كنا عند عمران بن حصين في رهط منا. وفينا بشير بن كعب. فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله عليه وسلم: الحياء خير كله قال إنه قال: الحياء كله خير فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب، أو الخدمة أن منه سكينة ووقارًا للهز ومنه ضعف. قال فغضب عمران حتى احمرتا عيناه( ). وعن عبد الكريم الجزري: رأيت على أنس بن مالكٍ جبة خز، وكساء خز وأنا أطوف مع سعيد بن جبيرٍ بالبيت، فقال سعيد: لو أدركوه السلف لأوجعوه( ).
*******************************
20: استخدام صيغة الفعل للدلالة على صيغة أخرى:
في المستقبل بدلًا من الماضي؛ مثل: {فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (سورة البقرة: 87)؛ بدلًا من قتلتم.
في المضارع بدلًا من الماضي: {خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (سورة آل عمران: 59)؛ بدلًا من (فكان)، {كَذَٰلِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (سورة الشورى: 3)؛ بدلًا من أوحى إلى الذين من قبلك مثلما جاءت في: {وَلَقَدۡ
أُوحِىَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ} (سورة الزمر: 65).
واستخدام صيغة الماضي للدلالة على المستقبل: {فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓ‍َٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (سورة الملك: 27) - {وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِلۡغَاوِينَ* وَقِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلۡ يَنصُرُونَكُمۡ أَوۡ يَنتَصِرُونَ * فَكُبۡكِبُواْ فِيهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ * وَجُنُودُ إِبۡلِيسَ أَجۡمَعُونَ * قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ * تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ} (سورة الشعراء: 90-97) – {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (سورة آل عمران: 59).
وهذا كثير في القرآن، والواضح أن الغرض هو أحيانًا غرض بلاغي، وأحيانًا المحافظة على الإيقاع والسجع؛ وهيَ صيغ تستخدم كثيرًا في النصوص الأدبية، ولا يمكن تصور أنها أخطاء لغوية كما حاول البعض تصوير الأمر.
*************************
21: كتابة اللفظ الواحد بصورتين:
- {وَطُورِ سِينِينَ} بدل (وطور سيناء) مراعاة للوزن (؟)، بينما ذكرها {سَيۡنَآءَ} في: {وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ} (سورة المؤمنون: 20). ونجد لنفس العلة: {سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِلۡ يَاسِينَ} (سورة الصافات: 130)؛ بدلًا من (إلياس)؛ وقد قرأها البعض {الياسين}؛ وهو اسم أعجمي؛ ذكر في آية أخرى هكذا: {وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَ كُلّۥۥ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} (سورة الأنعام: 85). وحسبما ذكر القرطبي( ): والعرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجمية ويكثر تغييرهم لها. قال ابن جنيِّ: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبًا؛ فياسين، وإلياس، وإلياسين، شيءٌ واحد.
- كلمة (أيكة) رسمت في المصحف برسمين مختلفين: {وأصحابُ لْئَيْكَةِ} (سورة الشعراء: 176، وسورة ص: 13)، {أصحابُ الأيْكَةِ} (سورة الحجر: 78 وسورة ق: 14). وبالنسبة لموضعي كل من سورة الشعراء، وسورة ص؛ بهما قراءتان مختلفتان، بينما اتفقت القراءات بالنسبة لموضعي كل من سورة الحجر، وسورة ق( ).
ولا يوجد أيُّ تفسير مؤكد لهذا التباين في الرسم؛ وقد يكون قد كتب كل منها شخص مختلف. وقد اختلف المفسرون حول معنى اللفظ. قال القرطبي( ): والأيكة: الغيضة وهيَ جماعة الشجر والجمع الأيك... وقيل: الأيكة اسم القرية وقيل اسم البلدة وقال أبو عبيدة: الأيكة وليكة مدينتهم بمنزلة بكة من مكة وتقدم خبر شعيب وقومه.
وجاء في تفسير البحر المحيط( ): الْأَيْكَةُ: الشجرة الملتفةُ واحدة أَيك. قال الشاعر:
تجلو بقادمتي حمامةُ أَيْكَةٍ ... بردًا أَسف لثاته بالإثمد
أما ليكة؛ فقال عنها ما معناه: قرأ الحرميّان (يقصد ابن كثير، ونافع)، وابن عامرٍ: {ليكة} هنا، وفي سورة ص بغير لامٍ ممنوع الصّرف. وقرأ باقي السّبعة {الأيْكَةِ} بلام التّعريف. وقال أبو عبيد: وجدنا في بعض التفسيرات: ليكة: اسم للقرية، والأيكة: البلاد كلها، كمكة وبكة، ورأيتها في مصحف عثمان في سورتي الحجر وق: الأيكة، وفي الشعراء وسورة ص: ليكة، واجتمعت مصاحف الأمصار كلّها بعد على ذلك ولم تختلف. وقد طعن في هذه القراءة المبرّد، وابن قتيبة، والزجَّاج، وأبو علي الفارسي، والنحَّاس، وتبعهم الزمخشري.. ثمّ مادة ل ي ك لم يوجد منها تركيب؛ فهي مادّة مهملة.. وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطّعن فيها، ويقرب إنكارها من الرّدّة. أمّا نافع؛ فقرأ على سبعين من التّابعين؛ وهم عرب فصحاء، ثمّ هيَ قراءة أهل المدينة قاطبةً. وأمّا ابن كثيرٍ؛ فقرأ على سادة التّابعين ممّن كان بمكّة؛ كمجاهدٍ وغيره. وأمّا ابن عامرٍ؛ فهو إمام أهل الشّام؛ وهو عربيّ قحّ، قد سبق اللّحن؛ أخذ عن عثمان، وعن أبي الدّرداء وغيرهما. فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحَرمان مكّة والمدينة، والشّام، وأمّا كون هذه المادّة مفقودةً في لسان العرب؛ فإن صحّ ذلك كانت الكلمة عجميّةً؛ فتمنع من الصرف. وتقدّم مدلول الأيكة في سورة الحجر، وكان شعيب عليه السّلام من أهل مدين؛ فلذلك جاء: وإلى مدين أخاهم شعيبًا. ولم يكن من أهل الأيكة؛ فلذلك قال هنا: إذ قال لهم شعيب. ورُوي عن ابن عبّاسٍ أنّ أصحاب الأيكة هم أصحاب مدين، وعن غيره أنّ أصحاب الأيكة هم أهل البادية، وأصحاب مدين هم الحاضرة.
وروي في الحديث: «إنَّ شعيبًا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة، أمرهم بإيفاء الكيل..”
الخلاصة أن هذا التباين في الرسم غير مفسر. وينطبق نفس الشيء على مكة، وبكة التي قيل فيها الكثير أيضًا. وقد يكون مجرد استبدال أحرف للتخفيف.
المقطوع والموصول:
هناك كلمات عدة كُتبت متصلة ومنفصلة. وقد اتفقت القراءات على بعضها، واختلفت في بعضها. وهيَ في رواية حفص:
{فيما}: كتبت متصلة في أربعة وعشرين موضعًا؛ ومنفصلة في أحد عشر موضعًا؛ منها: {لِيَبْلُوكُمْ فِى ما آتَاكُمْ} (سورة المائدة: 48).
{لكى لا}، و{كى لا} منفصلة في ثلاثة مواضع ومتصلة في أربعة مواضع.
{مما}: جاءت موصولة في كل المواضع عدا ثلاثة؛ منها: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ} (سورة المنافقون: 10)
{عن ما}: التي كتبت هكذا في آية واحدة (سورة الأعراف: 166)، وفي بقية المصحف كتبت {عمَّا}.
{عن من}: جاءت منفصلة فقط في موضعين؛ مثل: {فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (سورة النجم: 29).
{إنِّ ما}: كتبت منفصلة في موضع (سورة الأنعام: 134)، بينما كتبت {إنَّما} في بقية المصحف (مئة ستة وأربعين موضعًا).
{إنْ ما}: جاءت منفصلة في موضع واحد (سورة الرعد: 40)، ولم تأت موصولة.
{أنَّ ما}: جاءت موصوله في كل المواضع؛ منها: {وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَىۡءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ} (سورة الأنفال: 41)، عدا موضعين؛ من ذلك: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ} (سورة الحج: 62).
{أم من}: كُتبت {أمَّن} في أحد عشر موضعًا (منها سورة يونس: 35)، وكتبت {أم مَّن} في أربعة مواضع (منها سورة التوبة: 109)، بينما كُتبت {أمْ مَنْ} في طبعات تعليمية الحديثة.
{كل ما}: جاءت موصولة في اثني عشر موضعًا ومقطوعة في موضعين؛ مثل: {كُلَّ
مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَا} (سورة النساء: 91).
{ابن أمِّ}: كتبت منفصلة في سورة الأعراف (آية: 150) ومتصلة: {يبنؤمَّ} في طه: آية 95.
وكلمتا {أن لا} جاءتا في صورة كلمة واحدة {ألا} في خمسة وأربعين موضعًا، ولكن جاءت منفصلة في أحد عشر موضعًا أخرى؛ منها: {حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ} (سورة الأعراف: 105)، و{أَن لَّا يَقُولُواْ} (سورة الأعراف: 169).
كذلك {أين ما}، و{كيف ما}، و{بئس ما}، و{كل ما}.. وغيرها؛ كتبت أحيانًا متصلة وأحيانًا منفصلة( ).
لا توجد تعليلات يعتد بها لهذه الظاهرة، والظاهر أن الوصل والقطع تم لضرورة اتفاق الرسم مع النطق؛ بحسب ميل القارئ إلى القطع أو الوصل والنبر، أو عدمه. وقد اكتفت الأغلبية العظمى من العلماء والباحثين بتبيان مواضع القطع ومواضع الوصل وما اتفق عليه القراء وما اختلفوا فيه دون تعليل لغوي، لكن الإعراب اختلف حسب إذا ما ذكرت الكلمات مقطوعة، أو موصولة.
علل الزركشي( ) ذلك تعليلًا باطنيًّا: الموصول في الوجود توصل كلمته في الخط كما توصل حروف الكلمة الواحدة، والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط كما تفصل كلمة عن كلمة؛ ضاربًا مثالا من سورة الأنعام: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَأٓتٍ}؛ فصل حرف التوكيد لأن حرف (ما) يقع على مفصل؛ فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به لأهل الشر؛ فمعنى (ما) مفصول في الوجود والعلم( ). وهو تعليل في غاية الضعف والرد عليه سهل؛ فحين قال {إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ
ثُمَّ يَتُوبُونَ} (سورة النساء: 17)، هل تعني أن التوبة مقصورة على هؤلاء؟ بينما باب التوبة مفتوح للجميع (عدا من أشرك بالله).
الواضح أن فصل هذه الكلمات ينتمي إلى مرحلة أقدم في العربية؛ بدليل أن العربية الحديثة تميل إلى كتابتها موصولة للتخفيف، ولتسهيل النطق.

**********************************
22- استبدال حرف بآخر:
وهو شائع في لغة العرب وغيرها. وقد تناول هذه الظاهرة كثير من الباحثين واللغويين القدامى والمحدثين بالتفصيل( ).
الإعلال هو قلب حروف العلة بالحذف، أو التسكين، أو القلب إلى حرف آخر، أو النقل؛ فأما القلب؛ فيختص بحروف العلة، وأما الإبدال؛ فيكون فيها وفي الحروف الصحيحة مع بقاء المعنى، فكل قلب بدل لكن ليس كل بدل قلب( ). وقد اختلفوا حول حروف الإبدال، في العربية؛ فقيل اثنا عشر، و أربعة عشر وقال البعض اثنين وعشرين. وقد استعرض ابن السكيت حروف الإبدال؛ فشملت الأبجدية العربية كلها ما عدا الظاء( )؛ وهيَ أيضًا تستبدل. فالإبدال نوعان: ما أبدل إبدالًا شائعًا للإدغام؛ وهو جميع الحروف إلا الألف، وما أبدل فيه حرف من غيره لبعده عن الإدغام. وحروف البدل - لغير إدغام - اثنان وعشرون حرفًا( ).
وهناك قواعد شائعة في العربية لهذا وذاك، وما يخرج على هذه القواعد يعده اللغويون شذوذًا؛ ويعتبره بعضهم خطأ؛ وهو ليس إلا مجرد خروج على القاعدة؛ إذ افتقد إلى وجود مسوغ صوتي للإبدال. ذلك أن لكل قبيلة عربية صفات صوتية تميزها حسب ما توصلت الدراسات اللغوية الحديثة( ).
وهذا يحدث في سياق تطور اللغة.
ويعبر الإبدال - حسب كلام بعض أهل اللغة - عن لغات مختلفة؛ فإبدال حرف معين بحرف آخر؛ إنما يسم لغة جماعة، أو قبيلة معينة( )، كما أن اختلاف اللهجتين في المنطقة الواحدة ممكن ومعقول؛ وقد يعبر عن تطور تاريخي( ). وقد ذهب بعض الباحثين المحدثين إلى أن هذه الظاهرة قد تعود إلى عوامل التطور التاريخي لأصواتها، وما احتفظت به من آثار اللغات السامية القديمة.
كما ذهب برجشتراسر إلى أنَّ تبديل الواو والياء بالهمزة في حالة وقوعهما بعد فتحة ممدودة - مثاله (قائم) و(سائر) - هو مطرد قديم جدًا من آثار اللُّغة السامية الأم؛ بدليل أن هذا التبديل موجود في الآكادية والآرامية مع استمرار وجود شواذ لهذا في العربية؛ مثل (قاول) و(زاوية) و(زوايا)( ).
الإبدال في المصحف: سنتناول هنا ما أثار اهتمام أهل العربية؛ وهو قليل من الإبدال في القرآن عمومًا.
1- تم استبدال الواو بالألف في القرآن في أربعة أصول مكررة: {صَّلَوٰةَ}؛ وقد كتبت بالواو في سبعة وستين موضعًا، وبالألف في: {ٱلصَّلَوَٰتِ}، {صَلَوَٰت}، {بِصَلَاتِكَ}، {صَلَاتِى}، {صَلَاتُهُمۡ}، وبالواو مرة واحدة في {صلوٰتك} (سورة التوبة: 103)، و{الزكـٰوة} جاءت اثنين وثلاثين مرة كلها بالواو، و{الحيـٰوة} التي ذكرت بالواو في أغلب الآيات، وجاءت بألف في: {حَيَاتُنَا} (سورة الأنعام: 29 – الجاثية: 24 – المؤمنون: 37)، و{حَيَاتِكُمُ} (الأحقاف: 20)، و{لِحَيَاتِى} (سورة الفجر: 24). و{ٱلرِّبَوٰاْ} جاءت في سبعة مواضع بالواو. وتم نفس الشيء في أربعة ألفاظ متفرقة وهيَ: {الغدوٰة} جاءت في موضعين، و{مشكـٰوة}، و{النجـٰوة}، و{منـٰوة}، جاءت كل منها في موضع واحد.
كما كُتبت كلمة {نَّشَآءُ} و {نَشَآءُ} و{يَشَآءُ} بالألف في عشرات المواضع، ومرة واحدة كُتبت {نَشَٰٓؤُاْ} (سورة هود: 87).
وقد ذهب العلماء مذاهبَ في تعليل هذه الظاهرة:
ـ تعظيمًا لهذه الألفاظ لعظم ما تدل عليه؛ وهو ما يسمى بالتفخيم وهو: التعظيم والتضخيم عن طريق ملء الفم بالحرف كالطاء والظاء( ). ومما يناقض فكرة التفخيم أن الواو قد زيدت في: {وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (سورة النجم: 20)؛ فهل أراد تفخيم هذا الوثن أيضًا؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالتفخيم، فكيف لا يتم تفخيم لفظ الجلالة فيكتب: اللـٰوه؟
وممن قال بذلك المراكشي( )، والفراهيدي( ) الذي قال: والحيـٰوة كُتبت بالواو ليُعلم أن الواو بعد الياء، ويقال: بل كتبت على لغة من يفخم الألف التي مرجعها إلى الواو؛ نحو: ٱلصَّلَوٰةَ و الزكَوٰةَ.
وهو يتجاهل أن الألفاظ المذكورة قد جاء بعضها، أو مشتقاتها في آيات أخرى بالألف وليس بالواو. ومع ذلك لجأ البعض إلى تعليل هذه المفارقة تعليلًا بلغ حد الانحراف بالمعنى؛ رغبة في إثبات علة التفخيم؛ فـ (الربا) بالألف ليس الربا المعروف بل المال المُهدى، والصلاة بالألف في {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗ} (سورة الأنفال: 35) ليست صلاة شرعية؛ فلا تستأهل التفخيم، و{إن صلاتى ونُسكى ومحياىَ} (سورة الأنعام: 162) جاءت في مقام تذليل واستسلام لله، فليس التفخيم بلائق بالمقام، و{ٱلدُّنۡيَا} (سورة الأنعام: 29) بألف؛ لأن الدهريين حياتهم ضائعة؛ فليست جديرة بالتفخيم( ).
وممن قال بالتفخيم أيضًا كاحتمال: ابن جنيِّ؛ مثلما نجدها حسب قوله في: سُلام عليك، وقُام زيد، بالضمة على السين والقاف. وعلى منوالها كتبوا: صلـٰوة؛ لأن الألف مالت نحو الواو( ).
وقد عزى ابن جنيِّ ذلك أيضًا إلى لغة بعض أهل اليمن: ورُوينا عن قطرب أن بعض أهل اليمن يقول ٱلصَّلَوٰةَ والزَّكَـٰوةُ والحيـٰوة بواو قبلها فتحة؛ فهذه الواو بدل من ألف صلاة وزكاة وحياة؛ وليست بلام الفعل من صَلوتُ وزَكَوتُ. ألا ترى أن لام الفعل من الحياة ياء وقد قالوا الحيـٰوة( ). كما قال الفرَّاء: قيل إِنما كتبوه بالواو على لغة لفصحاء اليمن( )، أما عن الرِّبـٰوا؛ فنسب النووي للفراء أنه قال: إن أَهل الحجازِ تعلموا الخط من أَهل الحيرة ولغتهم الرَّبْو فَعلموهم صورة الْخَطِّ على لغتهم، وكذَا قرأَها أَبو سماك العدوي بالواو، وقرأَ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء، وقرأَ الباقون بالتفخيمِ لفتحة الياء. قال ويجوز كتبه بالأَلف والواو والياء( ).
- الرسم على الأصل الصرفي: ممن قال بذلك ابن قتيبة: وقال بعض أهل الإعراب: إنهم كتبوا هذه الكلمات بالواو على لغات الأعراب، وكانوا يميلون في اللفظ بها إلى الواو شيئًا. وقيل: بل كتبت على الأصل؛ إذ الأصل فيها واو؛ لأنك إذا جمعت قلت: صلوات، وزكوات، وحيوات؛ وإنما قلبت ألفًا، لما انفتحت وانفتح ما قبلها( )، ولكن هذا لا يفسر أن هذه الكلمات قد جاءت بالألف في آيات أخرى.
- الرسم السرياني: يرى كمال بشر أن هذا النطق اللهجي متأثر بنطق أجنبي عن العربية في مستواها الفصيح؛ بدليل أن كلمات مثل ٱلصَّلَوٰةَ و الزكَوٰةَ إلخ؛ هيَ كلمات سريانية الأصل على ما نعلم( ).
كما ربط الصولي بين قلب الألف واوًا؛ وتعلم العرب للكتابة من أهل الحيرة: من ذلك ٱلصَّلَوٰةَ ، و الزكَوٰةَ ، والغدَوٰة، والحيـٰوة، والمشكَوٰة، الربَوٰاْ. كتب كل هذا في المصحف بالواو، وكان يجب أن يكتبن بالألف للفظ؛ وإنما كتبن كذلك على مثل أهل الحجاز لأنهم تعلموا الكتاب من أهل الحيرة، وهذا إنما فعل بسبب قلة الكتاب في ذلك الزمان، وإن الذين كتبوه أهل الحجاز( ). وهو يقصد تأثر العرب بالسريانية. ورغم أن الرأي السائد والأكثر اتساقًا - مع الآثار والنقوش المكتشفة - هو أن العربية أقرب للنبطية، أو انحدرت منها؛ إلا أن تأثرها بالسريانية وارد تمامًا، وهناك ما يدل على ذلك؛ مثل الحروف المتصلة والمنتظمة على خط واحد. وقد رأى غانم قدوري أن كتابة هذه الكلمات قد تم هكذا تأثرًا بالخط النبطي( ).
والأقرب للمنطق أن نقول إنه قد تم استبدال الألف بالواو في العربية الحديثة؛ وليس استبدال الواو بالألف؛ فالأصل في تلك الكلمات هو الواو، وأول ما كتبت كتبت هكذا بالقرآن عدا مواضع قليلة، ثم كتبت بالألف مع تطور العربية. وهذا أحد أشكال البعد عن الأصل، ويكون هدفه إما تسهيل النطق، أو لتحقيق المجانسة الصوتية، أو لتقليل الجهد.. إلخ. والبعد عن الأصل ظاهرة واسعة الانتشار في لغة العرب وضمن علامات تطورها. وهي تكتب في الطبعات التعليمية من المصحف بالألف، وكذلك في الكتابة العادية.
2- {وَفُومِهَا}؛ بدلًا من (وثومها) في سورة البقرة: 61، وقد اختلف اللغويون على الأصل في فومها؛ هل هو الفاء أم الثاء، وقد فسر الأمر الفرَّاء( )؛ بأن (فوم) لغة قديمة تعني الحنطة والخبز، وأن من العرب من قال: فوموا لنا، بمعنى اخبزوا لنا، وهيَ لغة تميم، بينما نطقها الحجازيون بالثاء، وقرأها ابن مسعود بالفاء؛ رغم أنه من الحجاز؛ فحسب قراءته: {من بقلها وقثائها وثومها وعدسها وبصلها} .
3 - إبدال القاف كافًا في بعض القراءات؛ منها ابن مسعود في: {فأما اليتيم فلا تقهر} (سورة الضحى: 9)، قرأها: {تكهر}، والنقيض في: {وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ} (التكوير: 11)، {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} (سورة الإنسان: 5)؛ قرأها البعض بالقاف؛ {قشطت}، و{قافورا}. والواضح أن الكاف أخف من القاف.
4- في بعض القراءات دون رواية حفص استبدلت الهمزة بالعين في بعض المواضع، وكذلك الكاف بالشين... إلخ ( ).
5- استبدلت – كاحتمال - النون بالألف في (إذَن) في كل المواضع، ولم تأت في القرآن بالنون قط: {وإذًا لا يلبثون}، {فإذًا لا يؤتون الناس}، {قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذٗا}، {وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡ‍ٔٗا قَلِيلًا * إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ} (سورة الإسراء: 74 -75). وفي الآية الأخيرة جاءت متضمنة لمعنى الشرط في الماضي. وحين تكتب إِذٗا تنطق بالنون الخفيفة.
وقد ذهب اللغويون في كتابتها مذاهب عدة( ):
1- بالنون في الوصل، وبالألف في الوقف.
2- بالألف عند إهمالها، وبالنون عند إعمالها؛ عندما تنصب الفعل المضارع( ).
3- بالألف دائمًا كما كتبت في القرآن.
4- بالنون دائمًا في الوصل والوقف للتمييز بينها وبين (إذا) الشرطية. ولأنها حرف والحرف لا يدخله التنوين، لأنه من خصائص الأسماء.
وقيل أن السواد الأعظم من النحاة القدامى كتبوها بالنون، لكن السيوطي قال بإجماع القراء على الوقوف عليها بالألف المبدلة من النون. كما جوز بعضهم - مثل المبرد والمازني في غير القرآن - الوقوف عليها بالنون؛ مثل (لن) و(إن)، وينبني على الخلاف في الوقف عليها كتابتها؛ فعلى الأول تكتب بالألف كما رسمت في المصاحف، وعلى الثاني بالنون. واستنتج من الإجماع في القرآن على الوقف عليها وكتابتها بالألف دليلًا على أنها اسم منون لا حرف آخره نون( )‏. ‏
وقد اختلف اللغويون في أصل الكلمة؛ فالبعض - ومنهم الفراهيدي - قالوا إنها مكونة من كلمتين: (إذ أن)، وذهب آخرون إلى أنها كلمة واحدة من ثلاثة أحرف: إذن.
ليس هناك اتفاق بين أهل العربية على أصل كلمة (إذن)، أو (إذًا)، وليس مفهوما لماذا كُتبت بالألف في القرآن. ولا نجد شيئًا أكثر ترجيحًا من غيره، وحتى اذا اعتبرناها حرفًا لا يجب تنوينه؛ فقد نون القرآن الممنوع من الصرف في أكثر من موضع اتباعًا لبعض العرب والشعراء؛ كما رأينا.
- استبدال الصاد بالسين والعكس، حتى في مختلف طرق رواية حفص؛ مثل: {وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (سورة البقرة: 245)، {اللَّهُ يَبْسُطُ الرزق لمن يشاء} (سورة الرعد: 26)، {وَزَادَكُمۡ فِى ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗ} (سورة الأعراف: 69)، {وَزَادَهُ بَسۡطَةٗ فِى ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِ} (سورة البقرة: 247).
{ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (الفاتحة: 6)، وقد نُسب لبعض القراء قراءتها بالسين {السِّرَٰط}.
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلۡمُصَۜيۡطِرُونَ} (سورة الطور: 37)، {لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (سورة الغاشية: 22)، وتقرأ بالصاد فقط، لكن جاءتا في بعض الطبعات التعليمية بالسين.
قال ابن جني: وإذا كان بعد السين غين، أو خاء، أو قاف، أو طاء، جاز قلبها صادًا وذلك قوله ـ تعالى: {يُسَاقُون}، و{يصاقون}، و{سَقَر}، و{صقر}، {وسَخَّر}، و{صخر}، {وأَسْبَغَ}، و{أصبغ}، و{سراط}، و{صراط}. وقالوا في (سقت) صقت، وفي (سويق) صويق( ). وقد عزى سيبويه هذا الإبدال إلى لغة بني العنبر الذين كانوا يؤثرون الصاد على السين( )؛ وهيَ موجودة في العربية الحديثة في العراق( ).
لكن الفراء نسب هذا الإبدال أيضًا إلى قبائل حجازية( )؛ والمعروف أن الحجازيين لا يميلون إلى التفخيم بخلاف البدو. ولنتذكر أنه في الهمزة تميل قبائل الحجاز إلى عدم تحقيقها لتخفيف النطق، لكن لم يمنعها هذا من تحقيقها أحيانًا طلبًا للفصاحة؛ وقد جاء هذا في المصحف كثيرًا( ).
- استبدال الضاد بالظاء؛ كما في {ضنين} (سورة التكوير: 24)، قُرأ أيضًا {ظنين} ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي( ).... إلخ.
من (شذوذ) الإبدال في المصحف:
أسلفنا الإشارة إلى أن الشاذ عند اللغويين؛ خاصة البصريين، هو ما يخالف القاعدة، أو كلام الأغلبية، وبالتالي يشار إليه ولا يعلل ولا يُستخدم للقياس؛ أما الكوفيون فهم أكثر مرونة في هذا؛ فيقيسون على الشاذ( ). والبعض يعتبره فقط هو الأبعد عن الفصاحة، أو الأضعف.
من أمثلة شذوذ الإبدال في القرآن:
- {أَئِمَّةَ}: لا يميل جل العرب إلى تحقيق همزتين في كلمة واحدة، إذا كانت الثانية مكسورة وأصلها السكون؛ فحسب النهج السائد ورأيْ جل اللغويين كان يجب أن تكتب: (آمَّة)؛ لأن أصلها: أَإْممة؛ وقد خرج على هذا النهج بعض العرب( )؛ وهو ما قد يعد ضمن عربية قديمة؛ حيث إن مع تطور اللغة تميل إلى التسهيل.
- {ٱتَّخَذَ}: اختلف اللغويون حول أصل هذا الفعل؛ فمنهم من قال إنه من (أخذ) وأصله (اأتخذ)، وبعد الإبدال والإدغام صارت اتَّخذ. ومنهم من قال إنه من (تخذ) بدليل الآية: {لو شئت لتَّخذت عليه أجرًا} (سورة الكهف: 77)، ومن قال إنه (وخذ) مثل (اتَّعَظ) وأصلها (وعَظ)، و(اتَّعَد) وأصلها (تعِد).
- {أَحَد}: بمعنى اسم (مثل: ما رأيت أحدًا) وبمعنى الواحد: أحد عشر. وبالمعنى الواحد الهمزة أصلية ولا جدل حول الكلمة، لكن بالمعنى الآخر هناك بعض الجدل؛ وقد اختلف اللغويون على أصله: 1- الهمزة أصلية وهذا لا يمثل إشكالية، 2- وحد - 3- واحد، وهذان الاحتمالان يمثلان الشذوذ في لغة العرب.
- {ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰن} (سورة المجادلة: 19)، وتكررت في: {أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ} (سورة النساء: 141). حسب النحو والقياس: استحاذ؛ على منوال: استعان، واستباح، واستقال، واستعاذ.. إلخ، لكن هذا أيضًا جائز في لغة العرب؛ مثل: استصوب واستهدف، واستنوق، وأطولت، وأخيلت؛ وهيَ ظاهرة لغوية مندثرة( )؛ ولذلك اعتبرت ضمن الشاذ في المصحف.
{الجياد}: {إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (سورة ص: 31). ومفردها جواد، وفي الجمع أُبدلت الياء بالواو؛ وهو شاذ في لغة العرب؛ حيث لا يتم في مثل هذه الكلمات استبدال الواو؛ حيث إنها هنا حرف حركة وليس حرف علة.
{القصوىٰ}: والشائع في التصريف أن تكون مثل: الدنيا، العليا؛ فتكون (القصيا)؛ وهيَ لغة أهل الحجاز.
وهناك العديد من الكلمات الأخرى المُتفق على شذوذ صرفها مثل: {قِيَم} – {مِحال} – {وجهة} – {ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ}... إلخ.
وقد ذهب اللغوين المحدثون إلى تفسير هذا الشذوذ بأنه من بقايا لغة مندثرة. ومثال ذلك: {ٱسۡتَحۡوَذَ} سابقة الذكر؛ وهيَ من حاذ يحوذ. وهذه عربية قديمة؛ فالأحدث أن تتحول الواو إلى ألف في مثل: (قال)؛ بدلًا من (قول) وهيَ الأصل؛ وبالتالي نقول استحاذ؛ بدلًا من استحوذ، أوأن يكون مستعارًا من نظام لغوي آخر مثل تحقيق الهمزة في لغة تميم التي استخدمها القرشيون أحيانًا، وتميل إليها رواية حفص( )، أو بداية لتطور لغوي جديد.
- ابدال التاء المفتوحة بالتاء المربوطة والعكس:
وهو من ظواهر الإبدال في القرآن لكن له مغزى خاص:
جاءت كثير من الكلمات في القرآن في رواية حفص وغيرها أحيانًا بالتاء وأحيانًا بالهاء وهيَ:
رحمة: تسعة وسبعين مرة؛ منها سبع بالتاء، منها: {إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبۥۥ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِين} (سورة الأعراف: 56).
كلمة: ستا وعشرين مرة؛ منها أربع، أو خمس بالتاء وفيها خلاف؛ منها: {كَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوٓاْ أَنَّهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (سورة يونس: 33).
سنة: خمس عشرة مرة؛ سُنّة ست مرات، سَنَة سبع مرات، سِنة مرة واحدة، ومرة واحدة سُنَّت بالتاء: {فقد مضت سُنّتْ الأولين} (سورة الأنفال: 38).
نعمة (أحيانا بنعمة، ومرة واحدة النعمة، ومرة أَفَبِنِعْمَةِ): ستا وثلاثين مرة؛ منها إحدى عشرة بالتاء؛ منها: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآ} (سورة إبراهيم: 34).
لعنة: ثلاث عشرة مرة؛ منها مرتان بالتاء؛ مثل: {فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (سورة آل عمران: 61).
امرأة: إحدى عشرة مرة؛ منها سبع بالتاء؛ منها: {ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِى عِندَكَ بَيۡتٗا فِى ٱلۡجَنَّةِ} (سورة التحريم: 11).
بينة: تسع عشرة مرة؛ منها واحدة بالتاء: {أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنۡهُۚ} (سورة فاطر: 40).
قرة: ثلاث مرات؛ منها واحدة بالتاء: {وقالت ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ قُرّتُ عين لى ولك} (سورة القصص: 9)
جنة: تسعًا وسبعين مرة؛ منها واحدة بالتاء: {فَرَوۡحۥۥ وَرَيۡحَانۥۥ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} (سورة الواقعة: 89).
بقية: ثلاث مرات؛ منها واحدة بالتاء: {بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرۥۥ لَّكُمۡ} (سورة هود: 86).
شجرة: تسع عشرة مرة، منها واحدة بالتاء: {إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ} (سورة الدخان: 43).
قرة: ثلاث مرات، منها واحدة بالتاء: {قُرَّت عَيْنٍ لِى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} (سورة القصص: 9).
ءاية: أربعًا وثمانين مرة؛ منها كلها بالهاء.
وهناك كلمات جاءت بالتاء فقط؛ منها:
جمالت: {إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٍ كَٱلۡقَصۡرِ * كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتۥۥ صُفۡرۥۥ} (سورة المرسلات: 32- 33)، ابنت: {ومريم ابنت عمران التى أَحصنت فرجها} (سورة التحريم: 12)، {مَرۡضَاتَ} – {فِطۡرَتَ} – {مَعۡصِيَتِ} – {غيابت}.
وهناك كلمات جاءت بالتاء المربوطة فقط؛ مثل: {قَرۡيَةٍ}، {ثَمَرَةٍ}، {ٱلۡغُرۡفَةَ}.
هناك من فسر اختلاف التاء لعلة بلاغية، أو ملكوتية؛ من ذلك كمثال من قال إن كلمة (جنة) بالهاء تعني أنها مجهولة بدرجة ما، أما (جنت)؛ فتعني أن من يدخلها يكون في أعلى منزلة في الجنة؛ لأنها جاءت في آية: {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ
* فَرَوۡحۥۥ وَرَيۡحَانۥۥ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} (سورة الواقعة: 88- 89)؛ بسبب أن من دخلها هو من المقربين( ).. وهو تفسير بالغ التكلف والافتعال؛ ببساطة لأن آدم نفسه؛ وكان أقرب المقربين أدخل الجنة؛ وليس الجنت: {وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ} (سورة البقرة: 35). وضرب نفس الباحث مثالًا آخر عن (قرت)؛ ففي آيتين جاءت بالهاء لأنها كانت ماتزال غير محققة؛ أيْ القرة بينما كانت محققة في الآية: {وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (سورة القصص: 9)، لكن الافتعال واضح لأن القرة في هذه الآية لم تكن تحققت بعد؛ لأن الوليد كان مازال مهددًا بالقتل، وقدم مثالًا آخر في غاية التكلف معتبرًا أن كلمة (امرأت) تأتي بالتاء حين تكون المرأة معرفة؛ مقدمًا آيتين كمثالين: {قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمۥۥ وَقَدۡ بَلَغَنِىَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِى عَاقِرۥۥ} (سورة آل عمران: 40)، {فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمۥۥ} (سورة الذاريات: 29).. فكيف يمكن أن يكتب اللفظ بالهاء هنا وفي أيِّ لغة؟!
وهذه الطريقة في التفسير ككل عقيمة لسبب أساسي؛ أن هناك قراءاتٍ مختلفة تباين فيها رسم الألفاظ.
اتفق معظم علماء العربية على أن التاء هيَ الأصل في علامة التأنيث، وأن الهاء تخلفها في الوقف؛ منهم المبرد ( )، وابن جني( ) وابن يعيش( ). بينما ذهب الكوفيون إلى خلاف ذلك( ).
كما اتفقت أغلب قبائل العرب على وصلها (تاء)، والوقوف عليها (هاء)، ولكن البعض ومنهم قبيلة طيِّئ لم تشارك في ذلك؛ فكانوا إذا وقفوا على كلمة مثل (رحمة) يقفون عليها بـ (التاء) نطقًا وكتابة؛ فلما كُتب القرآن كُتبت بعض الكلمات التي تلحقها هاء التأنيث أحيانًا بالتاء المربوطة، وأحيانًا أخرى كتبت الكلمات هيَ نفسها بالتاء المبسوطة( ). وقد أشار سيبويه إلى نفس الشيء: وزعم أبو الخطاب أن ناسًا من العرب يقولون في الوقف طلحت( )، كما قيل إن حِمْيَرٍ تقلب الهاء في الوقف تاء؛ فيقال تمرت وطلحت( ).
ومن أمثلة ذلك من الشعر قول أبي النجم( ) المتوفي في أواخر عهد الدولة الأموية:
الله نجاك بكفي مسلمت ... من بعدما وبعدما وبعدمت
صارت نفوس القوم عند الغلصمت ... وكادت الحرة أن تدعى أمت
من المهم ملاحظة أن موضوع الوصل والوقف في القرآن تال للكتابة؛ وليس سابقًا عليها؛ فحفص يقف على الكلمة كما رُسمت؛ فإن رسمت هاء مربوطة وقف عليها بـ (الهاء) (وعلى ذلك أيضًا جميع القراء بلا خلاف)، وإن رسمت مبسوطة وقف عليها بـ (التاء)، وهذا الوقف مختَلفٌ فيه بين القراء( ).
وقد ذكر باحث مختص أنه في النبطية كان التأنيث بالتاء، أو بالهاء؛ مثل: إلهت = (إلهة)، حده = (الأولى)( )، ومن المحتمل أن التأنيث بالهاء قد ظهر في النبطية المتأخرة، وقد أصبح بالهاء المنقوطة، أو التاء المربوطة في العربية الحديثة، أو بعد تنقيط المصحف، وتكتب هكذا في العربية الحديثة. أما في أقدم اللغات السامية؛ الأكادية، فقد أشار دولاكي إلى أن التأنيث فيها كان بالتاء، ويضيف عبد الصبور شاهين أنه بالنسبة للعربية كانت الألف المقصورة بديلًا للتاء، ثم ظهرت الألف الممدودة( ).
وفي إطار التطور التاريخي للكتابة العربية؛ علل غانم قدوري هذه الظاهرة بأنها تعبر عن مرحلتين في تطور الكتابة النبطية والعربية؛ من التاء المفتوحة إلى الهاء( )، وبناءً على ذلك يمكن القول بأن رسم تاء التأنيث بالتاء في تلك الكلمات المشار إليها يحتمل أن يكون احتفاظًا بالصورة القديمة لرسم تلك الكلمات.
كذلك رأى برجشتراسر أن التاء مع الفتحة قبلها (at) سامية الأصل؛ ويدل على قدمها وجودها في ماضي الفعل نحو فعلت. وكثيرًا ما كانت الفتحة تحذف في اللغة السامية الأم، ولم يبق من ذلك في العربية إلا القليل نحو (بنت) و(ثنتان)؛ مؤنث tinani و(كلتا)؛ مؤنث (كلا)( ). وقد علل حصول هذه التاء صرفيًّا في كلمة (أخت)، و(بنت)؛ استنادًا الى رأيْ الزمخشري: ذكر الزمخشري أن التاء في الأخت، والبنت أبدلت من الواو وذلك انه ظن أن مادتهما: (أخو) و(بنو)، وأن التاء الأصلية لام الفعل قامت مقام الواو، ونحن نعرف أن الأخ والابن من الأسماء القديمة جدًا التي مادتها مركبة من حرفين فقط؛ لا من ثلاثة أحرف، وأن التاء - وإن لم تسبقها فتحة - هيَ تاء تأنيث؛ فهي في غير العربية - وخصوصًا في الأكادية والعبرية - كثيرًا ما لا فتحة قبلها( ).
لكن ابن جني قد نفى هذا الكلام؛ قال: “أخت وبنت وليست التاء فيهما بعلامة تأنيث كما يظن من لا خبرة له بهذا الشأن بسكون ما قبلها هكذا مذهب سيبويه وهو الصحيح وقد نص عليه في باب ما لاينصرف".
وحسب التطور اللغوي، قدم رمضان عبد التواب تصورًا موجزه أن تاء التأنيث قد أسقطت في الوقف، وبقي ما قبلها مفتوحًا ذا حركة قصيرة، والعرب تكره هذا؛ فتقوم بإلحاق هاء السكت باللفظ؛ فإضافة الهاء لم يكن له علاقة بحذف التاء، ثم استخدم بعض العرب الهاء في الوصل أيضًا( ).
وهنا نتساءل: ما العلاقة بين هاء السكت والتاء المربوطة المستخدمة فعلًا في التأنيث؟ ولماذا تم استخدام تلك الهاء في الوصل أيضًا لدى بعض العرب؛ كما أشار رمضان عبد التواب نفسه، ثم ساد هذا الاستخدام في القرآن، وأصبح قاعدة صارمة في العربية الحديثة؟ وكيف تحولت الهاء إلى تاء مربوطة تنطق هاء في الوقف؟
أما الدكتور عماد حاتم؛ فيرى بصدد التاء المربوطة أنه لا مكان لها في الأبجدية العربية؛ لأنها ليست إلا شكلًا من أشكال التاء المفتوحة بعد أن ضمت نهايتاها.. ومن خصائص هذه التاء أنها لا تكتب إلا في آخر الكلمة؛ ومع الكلمات المفردة فقط، وأنها تنقلب تاء مفتوحه عندما ترد وسط الكلمة، كما تنقلب هاءً عند الوقف( ). وهو استنتاج معقول؛ فلم يتم استبدال الهاء بالتاء؛ بل كتبت في صورة (هاء) قبل التنقيط، ولكن بعده تم إظهار النقطتين؛ فبانت كتاء مربوطة.
ولم تستبدل الهاء في القرآن بتاء التأنيث في الوقف فقط؛ بل نجدها في الوصل أيضًا، ولم نجد أيَّ قاعدة لهذا الاستبدال. وكمثال جاءت: رحمت الله ورحمة الله، كلمت ربك وكلمة ربك، نعمت الله ونعمة الله.. وهذا يعني أنها تكتب بأيِّ طريقة، ولم تكن لها قاعدة محددة في لغة العرب قبل وضع علوم العربية. وقد اختفت هذه الظاهرة في العربية الحديثة؛ فاستخدمت التاء المربوطة للتأنيث في الوصل والقطع. أما المواقع الإعرابية للكلمات المذكورة فكانت متنوعة في القرآن؛ فمنها المبتدأ، والخبر، واسم إن، والمفعول به، والمنصوب على المفعولية، والمضاف والمضاف إليه، والجار، والمجرور، والنعت، أوالبدل، والاستثناء المفرغ( ).
وإذا عدنا إلى نقش المصحف، نجد أن استخدام التاء المفتوحة - بدلًا من المربوطة - جاء في عدد قليل من الكلمات بالنسبة للعدد الإجمالي؛ فهل تكون هذه الكلمات من آثار اللغات السامية أم من لغات قبائل عربية معينة؟؟
على جانب آخر هناك رأيٌ يرى أن التأنيث والتذكير هو اختيار عشوائي؛ لا يخضع للعقل، وأنه لا توجد علامات تأنيث أصلًا؛ استنادًا إلى:
- عدد علامات التأنيث خمس عشرة علامة؛ حسب ما قرر بعض اللغويين.
- الأغلبية العظمى من الكلمات مذكرة، أو مؤنث مجازي.
- علامات التأنيث المزعومة - ومنها التاء - لا ترتبط بالكلمات المؤنثة: فهناك مثلًا كثير من الأسماء المذكرة تنتهي بالتاء؛ وهذا ينطبق أيضًا على بقية اللغات السامية( ).
- تستخدم التاء في طائفة من جموع التكسير؛ مثل: المارة، والأدوية، والأمكنة..إلخ، كما تستخدم كصيغة مبالغة؛ كما في: علامة.
- اختلفت قبائل العرب على التأنيث والتذكير لكلمات كثيرة( ).
- هناك وقف بالتاء أيضًا في العربية؛ وليس بالهاء فقط؛ في كلمات مثل: حياة، نجاة.
- ذهب Wensinck إلى أن تلك العلامات ترتبط بفكرة الجمعيةٌ أكثر من ارتباطها بفكرة التأنيث؛ باعتبار أن ما تسمى بعلامات التأنيث - كالتاء والألف المقصورة والممدودة - ليست في الحقيقة إلا علامات تفيد الكثرة، ولذلك نراها في كلمات مذكرة؛ مثل علامة، وفهامة، وفي بعض الجموع؛ مثل قتلى، وجرحى( ).
- وعلى قول وليام رايت ليست التاء فقط التي تُستخدم علامة للتأنيث؛ بل هناك الألف المقصورة (مثل: دعوى، وبشرى، وحمى، رؤيا)، والألف الممدودة أيضًا (مثل: صحراء، وبيداء، وكبرياء) اللتان قد تحملان مغزى مجردًا، وهناك الياء؛ كما في تأنيث (شبعان) بـ (شبعى)، و (الأصغر) بـ (الصغرى)( ).
- يمكن أن نضيف أن وجود علامة مثل التاء في نهاية أسماء مؤنثة (مثل وقفة، أو صرخة) لا يعني أنها علامة التأنيث؛ بل جاءت كما جاء أيُّ حرف آخر في الكلمات الأخرى؛ أيْ بالصدفة وحدها، وهذا لا ينفي استخدامها لتأنيث كلمات قليلة؛ مثل: كلب – كلبة، سيد - سيدة.
- أما استخدام التاء في الفعل للدلالة على المؤنث؛ فغير صحيح؛ لأنها تُستخدم أيضًا مع جمع التكسير للجنسين: قالت الرجال – قالت الأعراب – التقت الجيوش، والعكس: قال نسوة.. وفي المفرد يمكن أن نقول: طلعت الشمس، أو طلع الشمس.. وهذا شائع في القرآن. وفي هذا دليل على حداثة هذه الظاهرة اللغوية وعدم أصالتها حسبما ذهب إبراهيم السامرائي( ).
- وقد تشير التاء إلى معنى القلّة والصغر؛ وذلك في الأسماء المصغّرة للمؤنثات التي لا تلحقها العلامة؛ وهيَ مكبّرة؛ مما أطلق على طائفةٍ منها المؤنثات السماعية؛ مثل: عيينة من عين.. وهذه التاء التي لحقت المصغّر تشير إلى أن الأصل مؤنث؛ وهيَ في بعض المواد تفيد القلة والصغر مع الإشارة إلى التأنيث؛ وهيَ هنا كذلك لأن التأنيث معروف في عين( ).
والأغلب أن التاء المفتوحة هيَ الأصل في الكلمات التي استخدمت فيها؛ لأنه على الأقل لا يوجد حرف التاء المربوطة في الأبجدية العربية، كما أن الأخيرة تقلب تاء مفتوحة في وسط الكلمة، وفي الفعل أحيانًا. ووقت تدوين القرآن تم استخدام الطريقتين في الكتابة حسب الخط العربي وقتها، ومع تطور العربية تم تنحية التاء المفتوحة لحساب المربوطة في الطبعات التعليمية للمصحف، وفي كل الكتابة العربية؛ في الكلمات التي تنتهي بالتاء؛ إلا نادرًا مثل: {وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ} (سورة التحريم: 12). ونضيف أخيرًا ملاحظة أن استخدام التاء في بعض الكلمات المؤنثة قليل بالنسبة للعدد الكلي للمؤنث في العربية؛ مما يرجح أنها ليست علامة تأنيث، إلا في بعض الكلمات فحسب.

*********************
23- هاء الكناية:
وتُسمى أيضًا هاء الضمير؛ وهيَ الهاء الزائدة عن بنية الكلمة؛ حيث يكنى بها عن المفرد المذكَّر الغائب؛ وهيَ تضاف للاسم، أو الفعل، أو الحرف؛ مثل: كتابه، فتحوه، به؛ على التوالي.
والأصل في هذه الهاء هو أن تُبنى على الضم؛ فنقول: (لهُ)، (منهُ). فإذا كان الحرف السابق عليها مكسورًا، أو كان ياء ساكنة، يتم كسرها لدي غير الحجازيين( )؛ مثل: (بِهِ)، (فِيْهَ).
ولها قواعد معينة في الوصل والقطع حسب موقعها بين الأحرف من ساكن ومتحرك. وقد اختلفت فيها القراءات بين الحركة والتسكين والاختلاس (أيْ ضم الهاء من غير صلة؛ أيْ لا توصل بواو مَدِّية) والإشباع( )، ( ).
وقد خالفت رواية حفص كل القراءات في آيتين:
آية 10 من سورة الفتح: {وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا}، وآية 63 من سورة الكهف: {وما أنسانيهُ إلا الشيطـٰن}.
فجاءت الهاء في الحالتين بالضمة، وبالكسرة في كل موضع آخر، وفي كل القراءات الأخرى لنفس الآيتين.
على خلاف ذلك قرأ حفص بسكون ورفع الهاء بدلًا من كسرها في: {أرجِهۡ وأخاهُ} (سورة الأعراف: 111 وسورة الشعراء: 36)، وكذلك في: {فألقِهۡ إليهم} (سورة النمل: 28)؛ رغم مجيئها بين متحركين؛ خلاف قراءات أخرى( ). أما {يرضَهُ لَكم} (سورة الزمر: 7)؛ فقد قرأها بضم الهاء من غير صلة؛ اختلاسًا (من غير مدّ) بخلاف قراءات أخرى.
وعلة هذا وذاك هو اختلاف لغات العرب( )؛ إذ اختلفت اللهجات العربية في استعمال هاء الكناية أيما اختلاف.

**********************************
24- إشكالية واو الثمانية:

1- {سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةۥۥ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةۥۥ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةۥۥ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ} (سورة الكهف: 22).
2- {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (التحريم: 5).
3- {العـٰبِدون الحـٰمدون السّـٰئحون الرّٰكعون السّـٰجدون الأمرون بِالمعروف والنّاهون عنِ المنكرِ والحـٰفِظون لِحدودِ الله وبشِّرِ المؤمِنِين} (سورة التوبة: 112).
4- {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلۥۥ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ * قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ} (سورة الزمر: 71- 72).
5- {سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٍ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗا} (سورة الحاقة: 7).
جاء حرف الواو في الآيات السابقة إما قبل العدد ثمانية، أو قبل ثامن صفة، أو بمناسبة فتح أبواب الجنة وهيَ ثمانية أبواب حسب المتفق عليه في العقيدة الإسلامية.
من هنا أسماها البعض بواو الثمانية.
وممن أخذ بفكرة واو الثمانية من علماء اللغة والمفسرين زاعمًا أنها من كلام العرب: ابن خالويه، والحريري، والفيروزأبادي، وأبو بكر بن عياش، والمالقي، والثّعالبي، وابن عاشور، وصلاح الخالدي( )؛ اعتمادًا على العبارات السابقة من القرآن.
وقد نفي واو الثمانية جمهور النحويين، واللغويين، والمفسرين، ومنهم النحَّاس، والزجَّاج، والسهلي، والمرادي، والقرطبي، والزمخشري، والأندلسي، وابن عادل، والألوسي( )، وابن قيم الجوزية( ).
في الواقع لم يقدم مؤيدو الفكرة من كلام العرب غير الآيات السابقة ما يؤيد زعمهم؛ بل وجاء في القرآن ما ينفي ذلك: {هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (سورة الحشر: 23)؛ حيث لم تضف واو للصفة الثامنة. وكذلك في: {حمٓ * تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ * غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِى ٱلطَّوۡلِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (سورة غافر: 1- 3)؛ حيث أضيفت الواو قبل الصفة الرابعة فهل نسميها واو الأربعة؟! وفي: {هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلبَاطِنُ} (سورة الحديد: 3)، فهنا أضيفت الواو قبل الصفة الثانية.
وفي العبارة الثانية لا يمكن أن يقال: ثيبات أبكارًا لأنهما صفتان متناقضتان؛ فإضافة الواو هنا لا علاقة لها بالرقم 8 بل بمعنى العبارة، كما أن عدد الصفات في الآية 9 لأن {خيرًا منكن} هيَ أيضًا صفة( ). كما أن حرف الواو قد أُضيف ثلاث مرات في العبارة الثالثة سابقة الذكر ولم يقتصر على الرقم ثمانية. أما موضوع أبواب الجنة الثمانية؛ فلا يمكن التدليل عليه؛ وحتى لو صح؛ فلا علاقة لهذا بسن قاعدة لغوية؛ حيث لم تذكر الآية عددًا معينًا. وكذلك في العبارة رقم خمسة لا يمكن أن تكون الجملة مفيدة إلا بإضافة الواو؛ فلو قال: أربع ليال سيضيف وخمسة أيام حتى يستقيم المعنى، وذلك على شاكلة الآية: {سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (سورة سبأ: 18).
مما سبق يتضح أن واو الثمانية هيَ مجرد خرافة لا دليل عليها، ولم يتبع القرآن ولا أيُّ كلام للعرب هذه القاعدة المزعومة، ومن بررها هم من النحاة الضعفاء وصغار المفسرين ضعاف الحجة.

*******************************
25- الكلمات غير العربية في القرآن:

ذهب بعض القدامى إلى أن بالقرآن كلمات غير عربية؛ منهم السيوطي، والجويني، وابن النقيب وفقًا للسيوطي( )، والراغب الأصفهاني( )؛ وكثير غيرهم؛ ومن أسانيد هذا الفريق ما رُويَ عن ابن عباس، ومجاهد، وابن عكرمة، وعطاء، وغيرهم من الثقاة؛ أنهم قالوا بذلك، وما اتفق عليه النحاة على منع صرف كثير من الأسماء الموجودة في القرآن لأنها أعجمية. من هذه الكلمات: (الطور): جبل بالسريانية - (طَفِقَا): قصدًا بالرومية؛ يقصد اليونانية – (القِسطَ) و(القسطاس): العدل بالرومية - (إنا هدنا إليك): تبنا بالعبرية - (السجل): الكتاب بالفارسية - (الرقيم): اللوح بالرومية - (المهل): عكر الزيت بلسان أهل المغرب - (السندس): الرقيق من الستر بالهندية - (قبس): أصلها مصري - (الإستبرق): الغليظ بالفارسية بحذف القاف - (سريا): النهر الصغير باليونانية - (طه): أيْ طأ يا رجل بالعبرية - (يصهر): أيْ ينضج بلسان أهل المغرب - (سينين): الحسن بالنبطية - (المشكاة): الكوة بالحبشية - (دري): مضيء بالحبشية - (الأليم): المؤلم بالعبرية - (نظرِين): إناه أيْ نضجه بلسان أهل المغرب - (الملة الآخرة): أيْ الأولى بالقبطية - (وراءهم ملك): أيْ أمامهم بالقبطية - (سورة): أصلها سرياني - (مرج): أصلها فارسي حسب الجواليقي - (اليم): البحر بالقبطية – (الطاغوت): الكاهن بالحبشية - (بطائنها): ظواهرها بالقبطية - (الأب): الحشيش بلغة أهل المغرب - (أواه): نُسب لابن عباس أنها حبشية معناها موقن، أو مؤمن - (أن ناشئة الليل): قال ابن عباس قيام الليل بلغة الحبشة - (كفلين): ضعفين بلغة الحبشة - (قسورة): أسد بلغة الحبشة. وقال الزمخشري إن (التوراة) و(الإنجيل) أعجميان، ورجّح ذلك بقراءة الحسن لكلمة إنجيل بفتح الهمزة( ). بل وكلمة (قرآن) نفسها يحتمل أن تكون من أصل سرياني (قريانا) وسوف نخصها بالبحث بعد قليل.
وذُكر منها أيضًا: (سجيل)، (أباريق)، (زنجبيل)، (عدن)، (فرعون)، (فردوس)، (ماعون)، (التنور)، (أسباط)، (أسفار)، (منفطر)، (إصرى)، (أكواب)، (إلا)، (إناه)، (آن)، (آنية)، (أواب)، (سلسبيل)، (مرجان)، (سجين)، (عليين)، (أبابيل)، (حنانا)، (غسلين)، (فرقان)، (رحمن)، (آمين)، (بيعة)، وأسماء أعلام كثيرة؛ منها (إبراهيم)، و(نوح)، و(عزير)، و(جبريل).. إلخ.
كما اعتبر بعض المستشرقين كلمة (مثاني) و(المثاني) مشتقة من كلمة (مشنا) العبرية؛ وآخرون اعتبروها مشتقة من (ماثنيتكا) الآرامية.. ويبدو أنها لم تُستخدم في العربية قبل القرآن؛ مثل كلمات أخرى عديدة، ولكن في الغالب لها أصل عربي؛ فقد جاءت بعض اشتقاقاتها في القرآن: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدٗى
وَلَا كِتَٰبٍ مُّنِيرٍ * ثَانِىَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيۥۥ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (سورة الحج: 8- 9)، و{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُ} (سورة هود: 5). وقد اختلف المفسرون حول ما هيَ المثاني وعلى معناها وأصلها: الفاتحة، السبع الطوال، لا إله إلا الله محمد رسول الله، حم لأنها جاءت في أول سبع سور، الحروف في أول السور مثل: {الم}.
وقد ثار خلاف بين المفسرين واللغوين حول كلمة {إلَّا} الواردة في: {لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗ} (سورة التوبة: 8)، {لَا يَرۡقُبُونَ فِى مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗ} (سورة التوبة: 10). والمعروف أن كلمة (إل)، أو (إيل) تعني إله، أو الرب في اللغات السامية؛ وهو الإله الأعلى؛ كلِّيُّ القدرة في ديانات الساميين القدامى؛ خاصة الكنعانيين، وكذلك الآراميين والهكسوس، ومنسوب له أسماء الملائكة مثل جبريل وعزرائيل.. إلخ. وقد استخدمت الكلمة في التوراة اسما لإله الكنعانيين الذي صار إله العبرانيين وسمَّى نفسه (يهوه)، كما اعتبره العرب رب العالم وأسموه (الله). وفي العربية الباقية لم يتم استخدام (إل) بمعنى الله إلا نادرًا؛ من ذلك الحديث المنسوب لأبي بكر الصديق حين سمع سجع مسيلمة: هذا كلام لم يخرج من (إل)، ولم يصف القرآن الله باسم (إل)؛ ربما على أساس أن اللفظ تحور إلى (الله). ومع ذلك اعتبره مجاهد من أسماء الله الحسنى حسبما قال القرطبي( )؛ وهو ما رفضه بقية المفسرين. وأسماء الملائكة المنسوبة (لإل) ممنوعة من الصرف، مما يرجح أنها أجنبية الأصل؛ وقد جاءت كلمة (إل) في القرآن (حفص) غير منونة؛ وهذا يرجح دون أن يؤكد أن تكون أجنبية؛ حيث تم تنوين الممنوع من الصرف في بعض المواضع لمراعاة الوزن أو السجع، لكن يحتمل أيضًا أن تكون مشتركة في اللغات السامية.
وقد فسر البعض كلمة (إل) بمعنى القرابة، الحلف، العهد، الجار، الجهر بالصوت... إلخ( ). وقد استخدمها تميم بن مقبل، وحسان بن ثابت - في الشعر- بمعنى القرابة أو العهد( ):
قال تميم:
أفسد الناس خلوف خلفوا... قطعوا الإل وأعراق الرحم
وقال حسان بن ثابت:
لعمرك إن إلك من قريش... كإل السقب من رأل النعام
وقال آخر:
وجدناهم كاذبًا إلهم ... وذو الإل والعهد لا يكذب( )
ومعنى العهد ليس بعيدًا عن معنى الإله؛ فيقال: فلان لا يراعي الله في تصرفاته؛ والمقصود أحكامه وتعاليمه، أو عهده.
وقد ذهب الراغب الصفهاني مذهبًا مختلفًا؛ فاعتبر (الإلّ) كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة: تئلّ: تلمع، وأَلَّ الفرس؛ أيْ: أسرع، والإلَّة: الحربة اللامعة، وأَلَّ بها: ضرب، ورفض اعتبار إلّ وإيل اسم الله، وأذن مُؤَلَّلَة، والأَلَالان: صفحتا السكين( ). ومثله ذهب الزجَّاج( )؛ فقال: وحقيقة الإلّ عندي على ما تُوحيه اللغة تحديد الشيءِ؛ فمن ذلك: الإلَّةُ: الحربة، لأنَّها محدَّدَة؛ وهو ينفي حقيقة مؤكدة ومعروفة جيدًا؛ أن إيل وإل تعني الرب في اللغات السامية؛ وقد استخدمت في التوراة بهذا المعنى مرارًا. وليس من النادر أن يكون للفظ الواحد معانٍ متعددة؛ وبخصوص (إل) فضمن معانيها - كما تُستخدم في العامية - ما يحمل معنى الضرر والشر، بخلاف معناها في القرآن.
خلاصة ذلك أن المعنى الذي استخدم به لفظ (إيل) أو (إل) في القرآن، وهو القرابة، أو العهد، قد يكون ضمن معانٍ عدة للفظ؛ وهو لفظ سامي، قد يكون مشتركا بين تلك اللغات، أو انتقل من إحداها للعربية.
في الحقيقة وجود كلمات من أصل غير عربي في العربية أمرٌ متوقع تمامًا؛ بحكم اختلاط البشر، وتأثرهم ببعض كما أسهب الخفاجي( )، والجواليقي( ). وقد استعرض الجواليقي نحو سبعمئة وثلاثين كلمة استعارتها لغة العرب وعربت بالفعل؛ بخلاف الكلمات الدخيلة التي لم تعرب، جاء بعض منها في القرآن. وقد رد بعض ما أورده الجواليقي إلى العربية الدكتور عبد الجليل عبد الرحيم، كما استعرض بشيء من التفصيل كثيرًا من الكلمات الدخيلة من مختلف اللغات( ).
ومن الأمثلة في شعر المعلقات( ):

مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل (امرؤ القيس)
وتضيء في وجه الظلام منيرة... كجمانة البحري سلَّ نظامها (لبيد بن ربيعة)
حَذَرَ الجَورِ والتعدي وهل ينـ ... قض ما في المهارق الأهواء (الحارث بن حِلِّزة)

أما أغلب القدامى؛ منهم ابن جرير، وأبو عبيدة، والقاضي أبو بكر والشافعي، وابن فارس، فقد رفضوا تمامًا فكرة وجود كلمات غير عربية بالقرآن( )؛ باعتبار أن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين، وما به من كلمات تبدو غير عربية هيَ مما توارد من كلمات في سائر اللغات، كما ذهب معظم اللغويين العرب نفس المذهب، وهذا ما يفسر لجوءهم في تعليل وصرف الكلمات في حدود افتراض أصلها العربي الخالص؛ دونما اعتبار لاحتمال منشئها غير العربي.
وهناك من ذهب إلى حل وسط؛ فالعربية قد امتصت كلمات غير عربية وأدمجتها في منظومتها؛ فصارت عربية، كما يحدث في كافة اللغات الحية. وهذا رأي القاضي عبد الجبار؛ كما أشار لويس عوض( )، وأبو عبيد القاسم بن سلام؛ وفقًا لابن فارس( ) الذي قال: والصواب عندي مذهب فيه القولان جميعًا؛ وذلك لأن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، ولكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها؛ فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب؛ فمن قال إنها عربية؛ فهو صادق، ومن قال إنها أعجمية فصادق. ‏ وتم تعريب الكلمات باستبدال حروف والحركات وتبديل الأساليب الصوتية ليصبح اللفظ متسقًا مع بنية اللغة.
وقد انقسم المحدثون بنفس الطريقة؛ من الاتجاه الأول، رمضان عبد التواب، ومن الثاني: أحمد شاكر، ومن الثالث: طاهر حمودة، لكن العلوم اللغوية الحديثة أتاحت إمكانية أكبر لتحليل أصول الكلمات، ومنبتها، وإذا ما كانت قد انتقلت من هذه اللغة إلى تلك، أو العكس بناء على تحليل العائلات اللغوية ومعرفة بنيتها ومختلف فصائلها وحركاتها التاريخية؛ بخلاف القدامى الذين اعتمدوا على الظن والترجيح وثرواتهم اللغوية الشخصية، ومما يضعف افتراضاتهم أن العربية لم تكن لغة موحدة منذ نشأتها؛ ومازالت هناك كثير من الألسنة( ).
وهناك عديد من محاولات المحدثين البرهنة على أن عربية القرآن صافية؛ باستخدام العلوم الحديثة؛ وكأنَّ وجود كلمات أعجمية بالقرآن يقلل من عروبته التي نص عليها.
أما أن القرآن بلسان عربي مبين، وعدم وجود ما يدل على اعتراض (كفار) العرب على ذلك؛ فيعني لنا أنه قد تم بالفعل تعريب كلمات غير عربية (الرأي الثالث)، كما استخدمت غير المعربة بدون تحفظ؛ منها أسماء بعض الأعلام؛ مثل: نوح، إبراهيم، لوط، إسرائيل، جبريل، وغيرها؛ مثل آمين، بيعة... إلخ. أما تحديد ما هيَ هذه الكلمات في القرآن؛ فما زال موضع خلاف بين علماء اللغة.
ومن المرجح أيضًا أن خلطًا قد تم بين بين اعتبار بعض الكلمات من أصل أجنبي، أو من بين ألسنة العرب، أو من أصل عربي جرى عليه التطور التاريخي، وهناك كلمات مشتركة بين اللغات السامية؛ ربما اعتبرها البعض غير عربية؛ مثل: جهنم، حور، خاتم، سفر، شهر، يم( ).. إلخ.
وهناك من الكلمات الدخيلة التي اعتبرها علماء العربية والمفسرون من كلام العرب، وترتب على هذا تغيير كبير في المعنى والاستخدام. من ذلك كلمة (جَوّ) في الآية: {أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ} (سورة النحل: 79)؛ فقد اعتبروا معناها: الهواء المحيط بينما هيَ – كما أشار كريستوف لوكسنبرج( ) - كلمة سريانية؛ معناها الدخيلة، أو الباطن، ويمكن استخدامها أيضًا حرف جر؛ بمعنى (داخل)؛ وهو ما يُستخدم في العامية: جوا البيت؛ وهو المعنى الأكثر اتساقًا مع الآية: فالطيور داخل السماء وليس خارجها، ولكن قراءة الكلمة القرآنية بمعنى هواء هو الذي ساد، وأصبح جزءًا من العربية (يقال كما أشار لكسنبورج: البريد الجوي، القوى الجوية... إلخ).

ونخص بالاهتمام هنا كلمة القرآن التي أثارت كثيرًا من الجدل:
جاءت الكلمة في الكتاب المقدس سبعين مرة إشارةً لما جاء به النبيّ كوحيٍ.
وفي هذه الآية ميز بين الكتاب والقرآن بوضوح: {تلك ءايـٰت الكتـٰب وقرءان مُّبين} (الحجر: 1).
المفهوم من الآية أن القرآن صفة للكتاب المقدس، أو اسم خاص له مثل التوراة والإنجيل.
وقد تقبل الباحثون الغربيون عمومًا اقتراح ف. شوفالي، باعتبار الكلمة من أصل سيرياني؛ كلمة قريانا Keryana التي تعني الكتاب المقدس( )، أو قراءة الكتاب المقدس.
وفي رأي أغلب علماء الإسلام أصل الكلمة هيَ (قراءة)؛ وقد قُرئت الكلمة بالهمزة، بينما قرأها البعص بدون الهمزة؛ منهم أبو قتادة، وأبو عبيدة( ).
وممن قرأوها كذلك بدون همزة: الشافعي؛ فاعتبر الكلمة غير مشتقة؛ وهيَ أرسلت من الله لرسوله؛ لتعني الرسالة المقدسة( )؛ فليست إذن منقولة من لغة أخرى، ولا مشتقة من كلام العرب؛ فلو كانت مشتقة من (القراءة) لسُمي كل كتاب مقروء قرآنا. وهو رأي شديد الوجاهة، ولكن ما المانع أن يُسمى كل كتاب مقروء قرآنًا، كما نسمي أيَّ كتاب كتابًا؟ لكن اعتاد الناس أن يقولوا القرآن وصفًا لقرآن المسلمين، واعتادت جماعات من الناس قول (الكتاب) بألف لام التعريف؛ وصفًا لكتاب معروف لديهم. وقيل إن الشافعي كان يقرأ (قرأت) بالهمز، ولا يهمز (القران)؛ مما اعتُبر أن (القران) اسم علم وغير مشتق( ). ولكن بما أن الكلمة موجودة أصلًا في لغة أقدم من العربية؛ فما يمنع أنها قد نقلت منها مباشرة؟ خصوصًا أنها لم تكن مستخدمة في كلام العرب قبل أن استخدمها النبي محمد.
وحسب الزركشي قال القرطبي إن (القران) بغير همز مشتق من (القرائن)؛ لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضًا، ويشابه بعضها بعضًا؛ فهيَ حينئذ قرائن( )، ولكن هذا يعني إطلاق اسم (قران) على أيِّ كتاب مشابه.
وأبو الحسن الأشعري بالذات اعتبر الكلمة مشتقة من (قرن)؛ بمعنى ضم الشيء وجمع بعضه إلى بعض( )، وكذلك ذهب أبو عبيدة( ).
أما أغلب علماء الإسلام؛ فقرأوا الكلمة بالهمزة؛ فاعتبرها الزجَّاج مشتقة من القراءة؛ بمعنى الجمع؛ مثل جمع الماء في الحوض، واعتبرها أبو الحسن اللحياني مشتقة من قراءة؛ بمعنى تلاوة؛ على وزن غفران.
ويُلاحظ أن كلمة (قرأ) في العربية لا تعني دائمًا قراءة كلمات مكتوبة؛ فيقال في العربية: قرأ عليه السلام: أبلغه السلام، وهيَ أيضًا تفيد التلاوة، أو الأداء؛ مثل: قرأ علامات الغضب على وجهه؛ أيْ لاحظها، قرأ القرآن عن ظَهْر قلب: حفظًا دون كتاب، قرأ الغيب: تكهن به، قرأ ما بين السطور: فهم الأمر المضمر، أو استشف المعنى الضمني، قرأ على فلان النحو: درسه على يديه، قرأ للمستقبل حسابه: احتاط له، قرأ ما في ذهنه: استشف ما يفكر فيه.
وتتضمن كل المعاني السابقة الكشف والتبيان، وفي آيات عدة جاءت (قرآن) بمعنى ظاهر هو التلاوة التي هيَ بطبيعتها عملية معلنة. وقد جاءت كلمة قراءة حسب بعض علماء اللغة من الآرامية( ).
وقد رد ابن قيم الجوزية بإسهاب على من قال بأنها تعني الضم، أو الجمع؛ فقال ما معناه: القَرء ليس مشتقًا من الجمع، فالمشتق من الجمع؛ هو من الفعل المعتل: قرى يقرى، أما القرء؛ فهو مهموز من قرأ يقرأ؛ وهما أصلان مختلفان؛ فيقولون: قريت الماء في الحوض أقريه، أيْ: جمعته، ومنه سميت القرية. وأما المهموز (قرأ)؛ فيعني الظهور والخروج على وجه التوقيت والتحديد، ومنه قراءة القرآن؛ لأن قارئَه يظهره ويخرجه مقدارًا محدودًا ويدل عليه قوله: {إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (سورة القيامة: 17)؛ ففرق بين الجمع والقرآن. وعلى ذلك يُقال: فلان يقرئك السلام، ويقرأ عليك السلام، هو من الظهور والبيان( ).
وقد ذكر القرآن نفسه كلمة قرآن في أحد المواضع بمعنى تلاوة: {إِنَّ عَلَيۡنَا
جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُ* فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ} (سورة القيامة: 17- 19)، والظاهر من المعنى هنا أن {قرآنه} الأولى تعني تلاوته (يقصد على لسان جبريل)؛ وما يؤكد ذلك بقية الآية: فاتَّبِع قُرْآنه، أيْ اتبع تلاوته. و{قُرۡءَانَهُ} في الآيتين جاءت بمعنيين يختلفان عن كلمة (القرآن)، ويمكن استخدامها فيما يخص غير القرآن - حسب ظننا - رغم أن كلمة (قرآن) تخص الكتاب المقدس وحده اسما له؛ كما قال الشافعي سواء قُرئت بالهمزة، أو بدونها. وقد شرح الفرَّاء الآية هكذا: إذا قرأه عليك جبريل عليه السلام فاتبع قرآنه، والقراءة والقرآن مصدران، كما تقول: راجح بين الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان، والطواف والطَوفان( )؛ وهو شرح له وجاهته.
ومما يرجح عربية كلمة (قرآن) شيوع استخدام صيغة فعلًان في العربية( )؛ وهو من المصادر السماعية؛ أيْ لا تخضع لقياس صرفي عام( )؛ مثل: فرقان، قربان، سلطان، سودان، عدوان، طوفان، برقان، ورلان، شُبَّان، بركان، سُبحان... وقد أسهب سيبويه في تناولها.. وقد ذُكر كثير منها في القرآن وهيَ تكون اسمًا، أو صفة.
خلاصة: كلمة قرآن كلمة عربية سواء بالأصل، أو بالتعريب استخدمت لأول مرة في القرآن؛ قد تكون مشتقة من (قراءة) وتم نحتها لتعبر عن أكثر من معنى؛ حسب موقعها في الكلام: تسمية للكتاب المقدس، وصفة له، أو بمعنى التلاوة، أو تمت استعارتها من الآرامية، وتعريبها، بتحويلها من (قريانا) إلى (قرآن) واشتقاق كلمات أخرى تشبهها. أما (يقرأ)، فهيَ آرامية الأصل في الغالب بمعنى (يتلو). وهناك احتمال أن تكون مشتركة بين العربية والآرامية.

**********************************
26- فواتح السور:
وهيَ خمس عشرة كلمة مذكورة في أوائل السور. وهيَ أربعة عشر حرفًا؛ جاءت في أوائل تسع وعشرين سورة، وقد تكرر بعضها؛ خصوصًا {حم}.
ومنذ القدم احتار الإسلاميون والمستشرقون في تفسير هذه الفواتح، ومعناها وقيل فيها الكثير والكثير.
ونحن نهتم هنا بالقيمة اللغوية لهذه الفواتح.
الاجتهادات اللغوية بهذا الخصوص محدودة؛ منها ما ذكره نولدكه من أن هذه الفواتح قد تمثل أسماء من جمعوا السور، ثم اعتبر هذا الاحتمال غير أكيد؛ بسبب صعوبة تفسير ذلك لكلمات طويلة مثل كهيعص، وحمعسق( ).
وقد اعتبرها البعض سرًّا، أو بأنها أسماء سرية للنبي لا يجوز السؤال عنها، كما فُسِّر بعضها على أنه كلمات لها معنى. منها كلمة {طه} التي تعني (طأ يا رجل) بالعبرية( )؛ وهيَ تُستخدم اسم علم وتُعامل على أنها ضمن أسماء الرسول. وكلمة {يس}؛ قد تكون تحويرًا لكلمة سن Sin التي تعني إله القمر؛ وهو أحد آلهة شمال جزيرة العرب( )، كما أن القمر يتمتع بالاحترام في الإسلام؛ في صورة الهلال، ويعد أحد رموز الديانة، أو تحويرًا لـ (سين) Syn؛ وهو إله جنوبي؛ هو إله الشمس( )، أو اختصارًا لاسم (ياسين)؛ خاصة أن البعض قرأها {ياسين والقرءان}( )، وياسين في القرآن هو النبي إلياس. واعتبر السيوطي أن طس وحم هيَ أسماء أعجمية( )؛ وقد قرأ البعض {طاسين}( ). وذكر آرثر جيفري( ) نقلًا عن Schwally أن {ن} في أول سورة ن تعني السمكة في لغات الشمال السامية؛ مشيرًا أيضًا إلى تفسير البيضاوي( )، وقد فسرها القرطبي نفس التفسير: والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله: {نْ والْقَلَمِ}، كذلك ذهب ابن كثير في تفسيره.
وقيل إن ابن عباس قد اعتبر تلك الفواتح أقسام أقسم بها الله؛ وهيَ من أسمائه، وأن ابن مسعود اعتبر {الم} اسم الله الأعظم( ). وهذا رأيٌ لم تـأخذ به الأغلبية العظمى من أهل التفسير.
ولجأ البعض إلى مسألة الإعجاز العددي لتعليل وجود هذه الفواتح، كما اعتُبرت المقصودة بالسبع المثاني المشار إليها في القرآن.
كما اعتبرت اختصارًا لعبارات مثل: ا ل م = أنا الله أعلم، ا ل ر: أنا الله أرى... إلخ( )، أو اعتبار كلمات مثل: الر، حم، ن، تساوي كلمة الرحمن( )؛ بدون أيِّ تدليل على هذا. ونُسب لابن عباس القول بأن كهيعص في بداية سورة مريم تشير إلى خمس من صفات الله؛ الكريم، والهادي، والحكيم، والعليم، والصادق، وكذلك ترمز {المص} إلى أنا الله الرحمن الصمد( ).
لسنا في معرض تفسير معاني هذه الفواتح، ولكن الواضح أنها من الناحية اللغوية ليس لها معنى محدد، أو مفهوم بشكل مؤكد، ويمكن اعتبارها شيئًا يشير إلى وجود أسرار ما في القرآن؛ خاصة أنه ليس مجرد كتاب في التعاليم الدينية؛ بل يمتلئ بالحكم، والمواعظ، والعبر؛ وهو بهذه الفواتح يحاول الإيحاء بوجود علاقة سرية بين النبيّ والله، ولغة خاصة بينهما؛ وبالتالي فهو يتلقى وحيًا وأسرارًا؛ وهو دور ربما قامت به أيضًا الكلمات الأجنبية والغريبة و(الشاذة) كما نعتوها. كما قد يكون الهدف من استخدامها إظهار القدرات اللغوية الإعجازية للقرآن وكاتبه.

**********************************
27- كسر حرف المضارع (التلتلة) والأسماء:
وجد كسر الفعل المضارع في العبرية، والسريانية، والحبشية؛ حسب أبحاث المختصين( ). وقد نطقت بعض قبائل العرب بهذه الطريقة وقرأت القرآن بها. حسب أبي زكريا الفرَّاء( )؛ كل من قيس، وتميم، وربيعة، ومن جاورهم؛ يكسرون أوائل الحروف، فيقولون للبعير: بِعير وللئيم لِئيم، وللبَخيل بِخيل.. وقد قرأت القراء في نِستعين وفي غيرها بالكسر؛ من ذلك: أنهم قرأوا: {ولا تِركنوا}، {وما تِشاءون}، {تِخافون}، {ومالك لا تِيمنًا على يوسف}، {وألم إِعهد إليكم}، {وقبل أن إِيذن لكم}، {يوم تِبيض وجوه وتِسود وجوه}.
من خلال استقراء الشواهد الواردة في لهجات القبائل العربية؛ وجدُ أنَّ الكسر يشمل جميعَ أحرفِ المضارع (أ، ن، ي، ت) ولم يقتصر على حرفٍ دون آخر( ).
وممن يكسرون المضارع أسد، وكلب، وقيس، وعامر( )، وقبيلة بهراء( ).
وحسب سيبويه؛ كان كسر أول الفعل سائدًا عند العرب؛ ماعدا أهل الحجاز، وهو الأصل ( ).
وردت بعضُ قراءاتِ القرآن موافقةً مع كسر حرفِ المضارع. وأشهرُ تلك القراءات ما ورد في: إِيَّاكَ نَــــــعْبُدُ وإِيَّاكَ نَــــــسْتَعِينُ (الفاتحة: 5)؛ حيث قُرئت بكسر النون: نـِعبد( ). ونـِـسْتَعِينُ كذلك، وهيَ لغة قيس، وتميم، وأسد، وربيعة( )، ومثلها: {ولا تِركنوا إلى الذين ظلموا فتِمسكم النار} (سورة هود: 113)؛ جاءت في بعض القراءات الشاذة( ). وتكرر كسر تاء المضارعة في بعض القراءات: {يَومَ تِـــبْيَضُّ وجُوهٌ وتِــــسْودُّ وجُوهٌ} (سورة آل عمران: 106). أما حرفُ المضارع بالهمزة؛ فقد جاء مكسورًا في: {فكيف ءاسَىٰ على قومٍ كـٰفرِين} (الأعراف: 93)؛ حيث قُرئ الفعلُ المضارع {إيـِسى}.. وفي العامية المعاصرة نجد التلتلة واسعة الاستخدام: ومن ذلك يـِسمع، يِضرب، يِسرق.. إلخ على سبيل تخفيف النطق. وحتى في الفصحى نجد آثارًا للتلتلة:
قال العباس بن مرداس:
قد كان قومك يحسبونك سيدًا... وإِخالُ أنك سيد معيون( )

ولا توجد هذه الظاهرة في رواية حفص؛ متبعةً لغة قريش.

****************************
28- القراءة السيريانية للقرآن - جهود كريستوف لوكسنبرج( ):
بذل هذا الباحث الألماني جهدًا لإعادة قراءة القرآن على ضوء تأثر لغته باللغة السائدة شمالي الجزيرة العربية وفي الهلال الخصيب وقت كتابته بالسريانية؛ وهيَ لهجة آرامية، وبدون الالتزام بسيبويه ولا بالتفسيرات العربية وغير العربية، محاولا البرهنة على أنه كتب بلغة هجينة من العربية والآرامية. والفكرة الأساسية له هيَ أنَّ كثيرًا من الآيات الغامضة والمبهمة في القرآن يمكن فهمها بشكل أفضل، إذا تمت قراءة بعض الكلمات قراءة سريانية.
وقد سار الباحث بالابتداء بتفسير الطبري، ثم الرجوع إلى لسان العرب لابن منظور، ثم تغيير نقاط الحروف في حدود القراءة العربية، ثم تغيير نقاط الحروف بهدف إيجاد مصدر لقراءة سريانية، ثم في ترجمة التعبير العربي إلى السريانية؛ لاقتباس مفهوم هذا التعبير من معاني مرادفه السرياني.
ورغم المبالغات – حسب ظننا – قدم تعليلات معقوله للغاية بمنهجه الفريد لعبارات قرآنية شديدة الغموض؛ لم ينجح أحد في تفسيرها بطريقة تتسق مع منهج ومعاني الكتاب. من أمثلة ذلك:
الآية 64 من سورة الإسراء( ): {وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِى ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا}. وموضوع الآية أن الله بعد أن طرد إبليس من الجنة؛ فاستأذن منه الأخير أن يسمح له أن يجرب الناس إلى يوم الدين؛ فأذن له. وحسب الطبري {استفزز} بمعنى أفزع بصوتك؛ مع أن الإفزاع بالصوت يناقض المفهوم القرآني القائل بأن إبليس يوسوس في صدور الناس. وأشار لوكسنبرج إلى أن لسان العرب يشرح استفزه بمعنى ختله حتى ألقاه في مهلكة؛ وهو تعريف لم يكن مستخدما في الفترة التالية مباشرة للقرآن، مما يعني أنه مصطنع، ولذلك قرأها: (استفرر) بمعنى أبعدهم، أو اشغلهم عني. أما {وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ}؛ فشرحها الطبري بمعنى الهجوم على الناس بجلبة لتخويفهم بالخيالة والمشاة؛ بما يخالف أيضًا المعنى القرآني للوسوسة. وعلى هذا قرأها لوكسنبرج أخلِب عليهم بحيلك ودجلك؛ بمعنى الاحتيال؛ مما يتوافق والمنطق القرآني. أما {وَشَارِكۡهُمۡ فِى ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ}؛ فقد أثارت استغراب المفسرين؛ ففسرها الطبري بمعنى مشـاركة إبليس الناس بمال الحرام وأولاد الزنى، بينما فسرها لوكسنبرغ بالأخذ في الاعتبار أن الشَرك والأشراك بالعربية مشتق من (سـرك) بالسريانية؛ وهيَ بمعنى أغرى؛ مستشهدًا لذلك بالحديث النبوي: أعوذ بك من شرّ الشيطان وشَرَكِه؛ فيكون قصد القرآن أن إبليس يغري الناس بوعده الكاذب وخداعه لهم بالمال والبنين، وليس بمشاركته إياهم بهم؛ مما يتسق مع آخر جزء من الآية: {وَعِدۡهُمۡ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا}.
ومن الأمثلة الأخرى؛ حل إشكالية كلمة {قَسۡوَرَةِ} في سورة المدثر: {فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ * كَأَنَّهُمۡ حُمُرۥۥ مُّسۡتَنفِرَةۥۥ * فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۢ}؛ إذ ذهب المفسرون إلى أنها كلمة حبشية تعني الأسد، ثم جاء المفسرون الغربيون فبحثوا في أصل هذا التعبير ولم يجدوا له اشتقاقًا من الحبشية. وقد توصل لوكسنبرج إلى أن الكلمة سريانية يفيد معنى الحمار العجوز الضعيف، واستعان بلسـان العرب، الذي أشار إلى أن أهل البصرة يقولون للمرذول ابن قَوْصَرة qausara والأصح قُوْصْرَة qusra بمعنى القاصر، أو الفاشل. ومع تغيير الرسم القرآني من قسورة إلى qasora يصبح معنى الآية فرار الحمير من دابة هرمة لا يجب أن يُهرب منها؛ وهو ما يتسق أكثر مع روح الآية( ).
ومن السور التي صعب تفسيرها تفسيرًا مقنعًا سورة الكوثر: {إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ}. توصل لوكسنبرج إلى هذا التفسير: إِنّا أعطيناك مَزِيَّةَ الإصْرَار*فصلِّ لربِّك وثابر (في الصلاة)*إنَّ شَانِئُكَ (الشيطان) هُو الأبترْ (المهزوم)، بعد إعادة قراءة السورة كالآتي: إنا أعطينك الكوثر، فصل لربك وانجر، إن سانيك هو الأبتر( )؛ وهو تفسير أكثر إقناعًا من التفسير الإسلامي الشائع، لكنه غير قائم على تحليل لغوي سليم؛ بل مجرد ادعاء( ).
وقد أشرنا من قبل إلى تفسيره لـ: {أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ} (سورة النحل: 79).
وبنفس المنهج راح لوكسنبرج يحلل كلمات كثيرة من غريب القرآن؛ مثل: {حور} – {يلحدون} – {الحوايا} – {رقيم} – {زنيم} – {حنيف} – {سريا} - {ناديه} - {ناصية}.. إلخ.
وقد ذهب لوكسنبرج بعيدًا أكثر مما ينبغي في قراءة القرآن قراءة آرامية؛ منها: التعسف في قراءة: سندع الزبانية، وتغييرها إلى: He will (only) call upon a transitory God بمعنى سيدعو إلهًا زائلًا، أو غير أصيل (ص 319)، وكذلك تفسيره الغريب (ص ص 192- 195) للآية 259 من سورة البقرة: {أَوۡ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡىِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُۥ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٍ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرۥۥ}.. وهيَ واضحة بما فيه الكفاية وبلغة العرب، ولا يوجد غموض يبرر اللجوء إلى قراءتها بالسريانية. هناك أيضًا إصراره على قراءة كلمة {ءَاذَنَّٰك} حسب ما قرأها حفص (سورة فصلت: 47) (إزاك)، ثم تفسيرها ككلمة سريانية. والكلمة تكررت في: {فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنۡ أَدۡرِىٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدۥۥ مَّا تُوعَدُونَ} (سورة الأنبياء: 109)؛ ومعناها واضح في العربية بغض النظر عن أصلها: أبلغناك، أبلغتكم، على التوالي. وتغيير كلمة {عتل} إلى (عال) (سورة القلم: 13)، والكلمة جاء مشتق منها في: {خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ} (سورة الدخان: 47 - 48). والتعسف في تفسير: {فنادٰها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا * وهزِّى إليك بجذع النخلة تسـٰقط عليك رطبًا جَنيِّا} (سورة مريم: 24 - 25)؛ فحسب تفسيره يجب أن تُكتب: فناداها من نُحاتِها ألا تحزني قد جعل ربك نُحاتكِ شـريًّا؛ بمعنى: فناداها حال وضعها ألا تحزني قد جعل ربك وضعَكِ حلالًا (ص ص 127- 129)؛ بينما التفسير الإسلامي المعتاد بتنوعاته هو أكثر اتساقًا مع آية 25؛ بمعنى أن الكلام عن توفر الماء والطعام وليس عن الحلال والحرام، دون عدم الأخذ في الاعتبار أن كلمة {سريا} قد تكون سريانية، أو نبطية. وقد لجأ لوكسنبرج إلى التلفيق أكثر من مرة في كتابه للبرهنة على سريانية بعص نصوص القرآن( ).
- في الحقيقة يجب أن ننتبه إلى أن اللغتين العربية والآرامية من مجموعة واحدة؛ فليس من الغريب أن نجد كلمات مشتركة؛ دون أن يعني ذلك أنها كلمات دخيلة، ومن الطبيعي رغم ظهور بنية لغوية عربية خاصة أن يكون هناك تأثير متبادل بين مجموعة اللغات السامية. وإذا طبقنا منهج لوكسنبرج على أيِّ نصٍ عربي، فسنصل إلى نتائج لا علاقة لها بالمعاني المقصودة؛ بل وقد نعتبر في النهاية أننا لا نكتب ولا نقرأ العربية أصلًا!

***********************************
29- طبيعة النظم القرآني:
- من الجديد الذي أتى به القرآن النظم الخاص به؛ فهو ليس شعرًا، ولا نثرًا؛ وهو به كثير من الوزن، وكثيرًا ما التزم القافية، ويتجاوز أحيانًا قواعد اللغة بغرض المحافظة على الموسيقا، أو القافية. مع ذلك؛ فقد رفض كثير من الإسلاميين - قدامى ومحدثين - فكرة وجود السجع في القرآن؛ خاصة الأشاعرة وبعض المعتزلة، ووصفوا القوافي بالفواصل؛ تهربًا من الاعتراف بوجود السجع. وهناك الكثير منهم لم يرفض الفكرة؛ بل ودافع عن وجود السجع في القرآن؛ مفرقًا بينه وبين سجع الجاهلية( ).
والأمر لا يحتاج إلى مهارة كبيرة لرؤية السجع في القرآن منتشرًا طولا وعرضًا؛ بل يمكن بثقة أن نقول إن الأغلبية العظمى من آيات القرآن مسجعة.
وقد جاء كثير من الكلمات واشتقاقاتها لضرورة الإيقاع، والقافية؛ بالمخالفة الصريحة للشائع من كلام العرب في النثر. وهذا كان يفعله الرجاز والشعراء بشكل عاديٍ. وهناك من الإسلاميين أيضًا من أقر بهذا ودافع عنه؛ وهو على العموم شيء لا يعيب النص المقدس في شيء، لكنْ الرافضون برروا ذلك على أساس أن هناك حديثًا نبويًّا يرفض السجع ويدينه، ولأن السجع ارتبط في أذهانهم بأنه سجع الكهان السابق على الإسلام، كما أنهم ينفرون من فكرة أن القرآن يتصنع السجع بدافع جمالي بحت؛ كأنَّ ما نقرأه يهدف فقط إلى إبراز المعنى ببلاغة، وأن القوافي والأوزان كلها تأتي بالصدفة تابعة للمعنى. وهذا مخالف للواقع تمامًا( ).
- أما أن القرآن شعر؛ فهذا ما لا دليل عليه؛ إذ إن أغلب نصوصه غير خاضع للأوزان العروضية الشعرية؛ رغم أن بعضًا منها خاضع لها، وأغلب هذه تكون عبارات مقتطعة من آيات لا تخضع في مجملها لأيِّ أوزان شعرية( ). وهو أحيانًا يلتزم الوزن وأحيانًا يكسره، وأحيانًا يلتزم القافية وأحيانًا يكسرها، ويتعدد الإيقاع في السورة الواحدة( ). فالمعنى في القرآن هو الهدف؛ وفي السياق يتم تقديم إيقاع جميل بقدر الإمكان، وتتم المحافظة على السجع في معظم الآيات؛ ولو بكسر قواعد النحو والصرف من حين لآخر، لكن يظل المعنى هو الهدف ولا يُكسر لصالح السجع والإيقاع إلا نادرًا كما سنشير؛ وبدرجة أقل مما يحدث في الشعر.
- والواضح من قراءة النص القرآني أنه متعدد الوجوه؛ به السجع بأنواع مختلفة ومن الوزن والإيقاع المتنوع الكثير( )؛ وهو لا يسير على منوال واحد، ونجد أوزانًا شعرية متعددة في السورة الواحدة؛ بل وأحيانًا في الآية الواحدة. وفي سوره الأولى - وهيَ قصيرة - يشبه سجع الكهان، أو المنسوب لهم، ومع الوقت اتخذ مساره الخاص، وأضاف للغة الأدبية صورة فنية جديدة، تجمع بين النثر والشعر؛ فهو ليس مجرد سرد أو شرح أو تعاليم؛ بل يتسم بالتصوير الفني؛ كما قال بحق سيد قطب، وحلل هذا الجانب( ). وإن التشابه الواضح بين السور الأولى والسجع السابق على الإسلام ليفسر لنا جزئيًّا سر الرفض الشديد من أغلب الإسلاميين لوجود السجع في القرآن؛ حرصًا على نفي أيِّ شبهة حول مصدره الإلهي. ومن المحتمل كثيرًا أن المنسوب للمتنبين والكهان منحول؛ إلا أن القرآن نفسه قد أشار لوجود كلام للكهنة: {وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٍ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ * وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٍ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلۥۥ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (سورة الحاقة: 41 - 43)؛ مما يعني أيضًا أنه قد اتهم بأنه شعر، أو كهانة وأن هناك بعض الشبه على الأقل( ). وحتى المنحول من كلام الكهان – فرضًا- قد تشبه بالسور القرآنية الأولى؛ وهو اعتراف ضمني من جانب العرب بسجع القرآن وتشابهه مع كلام الكهنة.
- وقد اتبع النص القرآني عددًا من القواعد الخاصة به حفاظًا على الإيقاع والسجع؛ مثل:
* جواز إضافة حرف أو أكثر في الكلمة.
* جواز دمج الكلمتين في كلمة واحدة.
* جواز تبديل حرف بحرف آخر.
* جواز تبديل السكون بالحركة.
* جواز حذف حرف من الكلمة.
* التعديل في علامات الإعراب، وفي بنية الكلمة.
وغير ذلك..
وهذه مجرد أمثلة قليلة من التصنع للمحافظة على السجع والإيقاع:
* حذف الياء بدون مبرر نحوي؛ من: {قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ * أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ * فَإِنَّهُمۡ عَدُوّۥۥ لِّىٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهۡدِينِ * وَٱلَّذِى هُوَ يُطۡعِمُنِى وَيَسۡقِينِ * وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ * وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحۡيِينِ * وَٱلَّذِىٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِى خَطِيٓ‍َٔتِى يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (سورة الشعراء: 75- 82). ومن (يسر) في: {وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡرٍ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ * وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ * هَلۡ فِى ذَٰلِكَ قَسَمۥۥ لِّذِى حِجۡرٍ} (سورة الفجر: 1- 5): تم حذف الياء من (يسري) بدون مبرر لغوي، كما حُذفت الياء من (ليالي) وتم تنوين اللفظ عوضًا عن الحذف؛ وهو سائغ في العربية، وهذا أمر متكرر في القرآن، ومن: (بالوادي) في: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التى لم يخلق مثلها فى البلـٰد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذى الأوتاد} (سورة الفجر: 6- 10)..
* تم حذف الكاف؛ ضمير المخاطب للمحافظة على القافية أو الفاصل: {والضُّحىٰ * والّيْل إذا سجىٰ * ما ودّعك ربُّك وما قلىٰ * وللأخرةُ خيْرٌ لك منْ الأُولىٰ * ولسوْف يُعْطيك ربُّك فترْضىٰ} (سورة الضحى)؛ حيث قال (قلى)؛ بدلًا من (قلاك).
وهذه ظاهرة متكررة في القرآن.
* تم حذف أحرف أخرى للمحافظة على الإيقاع والوزن، أشرنا إليها من قبل.
* {إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحلةَ الشتاء والصيف} (سورة قريش: 2): قال {رحلة}؛ بدلًا من (رحلتى)؛ فجاء الإيقاع أجمل وأسلس.
* تكرار كلمات لا لزوم لها لتوصيل المعني؛ مثل تكرار (هم) في: {وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ} (سورة النمل: 3).
* إضافة هاء السكت مع قراءتها بالوصل: {..فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡ
وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ} (سورة البقرة: 259)، {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡ قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ} (سورة الأنعام: 90).
* وزاد حرفًا لمراعاة الإيقاع في: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب: 10)، {فأضلونا السبيلا} (الأحزاب: 67) {وأطعنا الرسولا} (الأحزاب: 66) دون أيِّ مبرر لغوي.
* عكس الصفة والموصوف في: {وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضۥۥ وَحُمۡرۥۥ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودۥۥ} (سورة فاطر: 27). فالغربيب يعني الشديد السواد؛ أشد من معنى أسود؛ فكان مقتضى الكلام أن يٌقال أسود غربيب، كما نقول أصفر فاقع وأحمر قان وأسود حالك أو حلكوك، ولكن قيل في الآية {غَرَابِيبُ سُودۥۥ} حفاظًا على السجع.
* تنوين الممنوع من الصرف، كما في: {إنا أعتدنا للكـٰفرين سلـٰسلًا وأغلـٰلًا وسعيرًا}: تم تنوين {سلاسلًا}؛ وهيَ ممنوعة من الصرف؛ للمحافظة على الإيقاع؛ في روايات غير حفص.
* تغيير قراءة اللفظ مثلما في: {وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (سورة التين: 1- 3): هنا يستخدم كلمة {سينين}؛ بدلًا من (سيناء) للمحافظة على الإيقاع لا أكثر، وهيَ كلمة إما معدلة، أو أنها كلمة نبطية استخدمت خصيصًا لهذا الغرض.
* {إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَنَهَرٍ * فِى مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقۡتَدِرِۢ} (سورة القمر: 54 - 55). والمفروض أن يقول (أنهار)، لكنه لجأ إلى الإفراد للمحافظة على السجع.
وقد أشار السيوطي( ) بتفصيل إلى سجع القرآن على حساب اللغة، فقال: ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي كتابًا سمَّاه أحكام الرأي في أحكام الآي؛ قال فيه اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكل لها أمور من مخالفة الأصول‏. قال‏: ‏ وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكمًا، ثم ذكرها تفصيلًا؛ نوجزها كالآتي: تقديم المعمول إما على العامل أوعلى معمول آخر - تقديم ما هو متأخر في الزمان - تقديم الفاضل على الأفضل - تقديم الضمير على ما يفسره - تقديم الصفة الجملة على الصفة المفردة - حذف ياء المنقوص المعرف - حذف ياء الفعل غير المجزوم - حذف ياء الإضافة - زيادة حرف المد - ومنه إبقاؤه مع الجازم - إيثار تأنيثه - إيثار تذكير اسم الجنس - صرف مالا ينصرف - الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك - إيراد الجملة التي رد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية - إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر - إيثار أغرب اللفظين نحو إيراد أحد جزئي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة أخرى - حذف المفعول - الاستغناء بالإفراد عن التثنية - الاستغناء به عن الجمع - الاستغناء بالجمع عن الإفراد - إجراء غير العاقل مجرى العاقل - الإتيان بصيغة المبالغة كقدير وعليم مع ترك ذلك في نحو هو القادر وعالم الغيب - إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض - الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه - إيقاع الظاهر موقع الضمير - وقوع مفعول موقع فاعل - وقوع فاعل موقع مفعول - الفصل بين الموصوف والصفة - إيقاع حرف مكان غيره - تأخير الوصف الأبلغ عن الأبلغ - حذف الفاعل ونيابة المفعول - الجمع بين المجرورات - إثبات هاء السكت - تغيير بنية الكلمة - العدول عن صيغة الماضي إلى صيغة الاستقبال.
* وهناك من السجع والوزن ما جاء حتى على حساب المعنى؛ مثال ذلك: {وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (سورة الإسراء: 45)؛ فالمعنى يتطلب أن يقول: ساترًا. ويمكن طبعًا تبريرها تكلفًا بالقول إنه يعني: فجعلك مستورًا وحذف (فجعلك)؛ وهو غريب عن سياق العبارة.
* ونجد أن السور المدنية تختلف عن المكية في طول السور وفي طول الآيات؛ وهيَ أقل التزامًا بالسجع والوزن؛ فهي أميل للنثر من السور الأولى. وعلة ذلك كما يبدو أنه مع الوقت واكتساب الأنصار، ومع تكون دولة صلبة؛ أصبح من الممكن التخلص من قيود السجع والوزن؛ فقد أصبحت الأفكار أهم للسامعين من النظم في حد ذاته؛ فصار الناس يدخلون في الدين بدوافع جديدة؛ ليس أهمها حلاوة النص - كما كان الأمر في البداية - بل قوة الدولة، والمكاسب المادية، والانتصارات المتوالية، والأحكام الأكثر عدالة.
* ونجد في القرآن ظاهرة (الإقواء)؛ وهو يعني تغيير القافية؛ فتأتي مرة بالرفع ومرة بالجر. وهيَ ظاهرة شعرية وجدت في أشعار فطاحل الشعراء( ). مثال ذلك في سورة المُلك (آيات 1- 12): {تَبَٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ * ٱلَّذِى خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقٗا مَّا تَرَىٰ فِى خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٍ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير * وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ * إِذَآ أُلۡقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقٗا وَهِىَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِ كُلَّمَآ أُلۡقِىَ فِيهَا فَوۡجۥۥ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِير * قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرۥۥ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَىۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ كَبِير * وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ * فاعترفوا بذنبهم فسحقًا لأصحـٰب السعير * إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةۥۥ وَأَجۡرۥۥ كَبِير}.
- على خلاف ما سبق هناك تركيبات لغوية كان من الممكن أن تكتب بطريقة أكثر سلاسة، ولكن تم تفضيل المعنى دون اهتمام بالوزن؛ وهو ما يدل على أن القرآن ليس شعرًا ولم يعط أولوية للإيقاع في كل عباراته. وهذه بعض الأمثلة:
* {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ} (المنافقون: 10)؛ والأكثر سلاسة أن تكتب (ممَّا).
* {إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرۥۥ كَرِيمۥۥ} (سورة الحديد: 18). أليس الأفضل للمعنى والوزن ألا تُكتب الواو؟
* {أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ} (سورة الأعراف: 169)، وإذا قال (ألَّا) كان الإيقاع أفضل.
* {وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرۥۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (سورة البقرة: 217). إذا كتبت: (يرتدّ) يكون الإيقاع أكثر سلاسة.
* {كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِىَ * وَقِيلَ مَنۡۜ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ * وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ* إِلَىٰ رَبِّكَ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡمَسَاقُ} (سورة القيامة: 26- 30)؛ وكان الأكثر انسجاما أن يتم حذف الياء من (التراقي) كما تم في: {والفجر* وليالٍ عشر* والشفع والوتر* والَّيل إذا يسر * هل فى ذلك قسم لذى حجر} (سورة الفجر: 1- 5).
* سورة المدثر: جميع آيات السورة شديدة القصر ومسجوعة وذات إيقاع سلس وممتع ما عدا الآية 31؛ فهيَ طويلة جدًّا؛ رغم التزامها لقافية الآيات السابقة والتالية لها، وبسبب طولها الشديد بالنسبة لبقية الآيات فقد قطعت الإيقاع الجميل للسورة: {سأصليه سقر(26) وما أدرٰك ما سقر (27) لا تبقى ولا تذر (28) لوّاحةٌ للبشر(29) عليها تسعة عشر (30) وما جعلنا أصحـٰب النّار إلاّ ملـٰئكةً وما جعلنا عدّتهم إلاّ فتنةً للّذين كفروا ليستيقن الّذين أوتوا الكتـٰب ويزداد الّذين ءأمنوا إيمـٰنًا ولا يرتاب الّذين أوتوا الكتـٰب والمؤمنون وليقول الّذين فى قلوبهم مرضٌ والكـٰفرون ماذا أراد اللّه بهٰذا مثلًا كذٰلك يضلّ اللّه من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو وما هيَ إلاّ ذكرىٰ للبشر (31) كلاّ والقمر (32) والّيل إذ أدبر (33) والصّبح إذا أسفر (34) إنّها لإٍحدى الكبر(35)}.
* {أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ} (سورة الماعون: 1- 2). فلو قيل: (فذاك)؛ بدلًا من (فذلك) لأصبحت هذه العبارة القرآنية بيتًا شعريًا من البحر على وزن: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، وقد قرأها الشاعر بالفعل هكذا: (أرأيت الذى يكذب بالدينِ فذاك الذى يَدُعُّ اليتيما)( ).
* {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمۥۥ} (سورة الحج: 1)؛ فلو حذفت (إنَّ) لصار الوزن شعريًّا( ).
30- استنتاجات:
1- لقد ترتب على وضع علم النحو - بالطريقة التي تم ذلك بها - إعادة قراءة وفهم معاني القرآن؛ بناء على ما وضعه النحاة واللغويون من قواعد. فرغم أن القرآن هو أول كتاب عربي ذي لغة فريدة تحدى بها العرب؛ صار في النهاية خاضعًا لمقاييس النحاة الذين بلغت جرأتهم حد تنحية قراءات قرآنية معينة لصالح غيرها، وأخضعوا نصوص القرآن المرنة للغاية لنحوهم ومفاهيمهم؛ فصار يُعامل كأيِّ نص عربي حديث؛ مما فتح الباب واسعًا لزعم الكثيرين بوجود أخطاء لغوية ونحوية بأول كتاب عربي؛ لأنه لا يتفق مع مدارس النحاة في كثير من كلماته وتركيباته؛ بل ظهرت مصطلحات عجيبة أسماها اللغويون العرب: غريب القرآن، شواذ القرآن، مشكل القرآن، القراءات الشاذة.. رغم أنه كُتب بلسان عربي مبين، ولم يجرؤ أعداؤه العرب الأقحاح على نفي ذلك. ومن القواعد التي سببت جدلًا حول بعض عبارات القرآن قاعدة إنَّ وأخواتها؛ والتي لا ضرورة لها على الإطلاق.
2- لا يمكن اعتماد قراءة واحدة، أو عدد محدد من القراءات؛ بل يمكن الاستفادة من كل القراءات المتاحة لتحقيق فهم أفضل للغة القرآن؛ بما في ذلك حتى القراءات السريانية.
3- تكلم الكثير من اللغويين وكتاب التراث عن اختلاف ألسنة القبائل العربية، لكنهم لم يهتموا بالكشف عن قواعد هذه الألسنة؛ فقد انشغلوا أكثر ما انشغلوا بدراسة لغة القرآن؛ ولذلك جاءت إشاراتهم لألسنة القبائل متناثرة وفي سياق البحث في معنى النص القرآني. وباعتبارهم النص القرآني مقدسًا - وبالتالي لغته مقدسة وتسمو على اللغات جميعًا - فقد نظروا إلى ألسنة العرب المخالفة لألسنة القرآن بالقراءات التي اعتبروها قياسية؛ على أنها أدنى من لغة القرآن، وأصروا أنه كُتب بلغة قريش( ).
وتنقسم لهجات العربية الباقية إلى فرعين أساسيين؛ لهجة تميم، ولهجة الحجاز؛ وخاصة قريش، وفروع كثيرة؛ استعرض الفروق بينهما صبحي الصالح( ) وغيره.
في الحقيقة لم يُكتب المصحف بقراءاته المتعددة بلغة قريش فقط( ). حدد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه: لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم، ألفاظًا قرآنية من لغات مختلف قبائل العرب، كما ذكر ابن حسنون أيضًا كثيرًا من لغات مختلف القبائل في القرآن، كما قال الفرَّاء: أمللت لغة أهل الحجاز وبني أسد، وأمليت لغة بني تميم وقيس، ونزل القرآن العزيز باللغتين معًا ( )..
ومن أمثلة ذلك:
- الإدغام: قريش تميل إلى فك الإدغام بخلاف تميم، وقد كُتب المصحف بالطريقتين لنفس الألفاظ: {وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ} (سورة البقرة: 217) ( )، {من يرتدّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ} (سورة المائدة: 54).
{وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (سورة الأنفال: 13)، {ومن يشاقّ الله فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (سورة الحشر: 4).
{ومن يضْلل اللّه فلن تجد له سبيلا} (سورة النساء: 88)، {مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا} (سورة البقرة: 26)، {مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسۡتَقِيمٍ} (سورة الأنعام: 39)، {كُتِبَ عَلَيۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهۡدِيهِ
إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (سورة الحج: 4).
{إذ تقول للمؤمِنين أَلن يكفيكم أن يُمِدَّكُمْ ربكم بثلاثة ءالـٰف من الملـٰئكة منزلين* بلى إن تصبروا وتتقُوا ويأتوكم من فورِهم هذا يُمْدِدْكُمْ ربكم بخمسة ءالـٰف من الملـٰئكة مسومِين} (سورة آل عمران: 124- 125).
وقد وضع اللغويون قواعد معقدة للإدغام وشروطه وأنواعه( )؛ إلا أن العرب لجأوا إليه بدون معرفة تلك القواعد؛ للتخفيف وتحقيق الانسجام في النطق؛ فهذه هيَ القاعدة العملية.
ويعتبر الإدغام أحد أشكال البعد عن الأصل في الصرف، ونتيجته التخفيف؛ وهو تالٍ على الأصل.
- قريش لا تهمز إلا قليلًا؛ بخلاف تميم التي تميل أكثر إلى الهمز( )، ولكن القرآن يميل إلى الهمز؛ خاصة في بعض القراءات؛ منها قراءة ابن كثير.
- والحجازيون ينصبون الخبر بعد (ما) النافية، بينما يرفعه بنو تميم، وقد استخدم القرآن في هذا لغة الحجاز: {ما هٰذا بشرًا} (سورة يوسف: 31)، {ما هنَّ أمهـٰتِهم} (سورة المجادلة: 2)( )، ولذلك يقسم أهل النحو ما النافية إلى حجازية وتميمية.
- {والقائلين لإخوٰنهمْ هلمَّ إلينا} (الأحزاب: 18)؛ بدلًا من هلموا إلينا بصيغة الجمع. وهذه لغة أهل الحجاز؛ يقولون هلُمَّ للفرد والجماعة؛ بخلاف لغة تميم حيث يقولون هَلُمَّ، هلما، هلموا، هلممن، هلمي؛ وإِنَّما هي (لم) لحقتها الْهَاء؛ فعلى هَذَا تَقول: هلمن، وهلممنان؛ فَيكون بمنزِلة سائر الأَفعال( ). ومع ذلك نُسب لعمر بن الخطاب قوله على لغة تميم: هلمّوا نزدد ايمانًا( ).
- الحجازيون ينصبون خبر (ليس) دائمًا، والتميميون يرفعونه إذا اقترن بإلا؛ مثل: “ليس الطيب إلا المسك” بنصب المسك عند قريش ورفعها عند تميم( ). في القرآن: {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلۥۥ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (سورة هود: 16)؛ جاءت بلغة تميم.
- كما رأينا استخدم القرآن أحيانًا صيغة (أكلوني البراغيث)؛ وهيَ لهجة غير قرشية.
- وهناك أمثلة أخرى.
وقد اختلفت الآراء بين اللغويين القدامى والمحدثين والمستشرقين حول أصل العربية الفصحى؛ والرأيُ الأكثر انتشارًا بأن العربية الفصحى المشتركة لكافة العرب قد نشأت في مكة، وكانت هيَ لغة الشعر الجاهلي، ولغة القرآن؛ وليست لغة العامة من العرب( ). على هذا يمكن أن نقول إن لغة القرآن ولغة الخاصة من العرب هما شيء واحد؛ فلغة القرآن ليست إذن هيَ لغة قريش، والأخيرة ليست أفصح لغات العرب؛ بدليل أن لغة القرآن والعربية المشتركة؛ وهما واحد؛ قد أخذتا من لغات قبائل متعددة كما رأينا. أما ما نراه في النصوص العربية من تركيبات وصيغ تخص اللهجات العربية المحلية؛ فيسميها اللغويون (شذوذًا). وإذا تتبعنا شعراء المعلقات السبع؛ وهيَ كلام يعده اللغويون شديد الفصاحة؛ لا نجد منهم أيَّ قرشيٍّ؛ فإذا صح نسب تلك القصائد لهم يكون هذا معززًا للكلام السابق. وما يناقض هذا أن هناك من الشعر ما يتضمن ما أسماه اللغويون (شذوذًا) في اللغة، ولهجات محلية منه؛ ذكرنا بعضه من قبل، وقد يكون بعضه أيضًا منحولًا لأغراض ما( )؛ مثل تعليل تركيب بعض آيات القرآن، بالإضافة إلى أن لغة الشعر قد تكسر المتعارف عليه في اللغة.
على نقيض هذا الرأي؛ ذهب اللغويون القدامى إلى أن لغة فصحاء البدو هيَ العربية الفصحى؛ وعلى أساس هذا التصور أخذوا قواعد النحو من المضر دون الحضر، باستثناء قريش، وما أنقذ النحو إلى حد كبير إلا استعانتهم أيضًا بالقرآن والحديث.
4- الركام اللغوي:
ابتكر هذا المصطلح رمضان عبد التواب( ). وهو يقصد به “البقايا الصرفية من النظام القديم، تبدو في صورة الشواذ داخل النظام الجديد”( )؛ بمعنى بقايا الظاهرة اللغوية المندثرة. فاللغة كائن حي، تتطور باختلاف الظروف المحيطة بها، ومن صور تطور اللغة؛ ظهور الظواهر الجديدة فيها؛ لا تقضي على الظواهر القديمة مرة واحدة؛ بل تحل محلها تدريجيًّا، بينما تبقى أمثلة قليلة من الصورة القديمة. ويسميها سمير شريف بالرسوبيات اللغوية؛ وهيَ عنده تشمل رسوبيات صوتية، وصرفية، ومعجمية، ونحوية( ).
كما استخدم البعض تعبيرات أخرى مثل: الممات، والرواسب، والمتحجرات، والمستحثات( ).
وقد انتبه القدماء أيضًا لهذه الظاهرة؛ مثل السيوطي الذي أفرد لها أجزاء من كتابه (المزهر)( )، واستخدم لوصفها كلمات منها: الحوشي، والغرائب، والشواذ، والنوادر، وبعض المفاريد، والضعيف، والمنكر، والمتروك من اللغات. وهناك عشرات الكتب للقدماء تتكلم عن وجود هذه الظاهرة في القرآن تحت عناوين مثل (غريب)، و(شواذ).. وقد وصف السيوطي هذه الألفاظ بأنها خلافُ الفصيح( )، وأشار إلى أمثلة منها في القرآن: {فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ}، {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٍ}، {سَيِّدٗا وَحَصُورٗا}، {وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ}( ).
وأحيانًا لا يمكن إصدار أحكام قاطعة في موضوع الركام اللغوي؛ فيكون من الصعب تحديد أيَّ ظاهرة لغوية هيَ القديمة مقابل الجديدة.
والركام بهذا المعنى موجود بكل اللغات ومنها العربية. وقد رأينا في هذا البحث كثيرًا من الأمثلة في المصحف يمكن إيجازها كالآتي:
* كُتبت كلمات كثيرة بدون الألف؛ واستخدمت بدلًا منها الألف الصغيرة بأنواعها؛ مثل ألف المد الخنجرية؛ مثلما في: كَـذَٰلِٰكَ، ٱلصَّلَوٰتِ، جَـٰدِلهم، والألف اللينة المتطرفة، ويبدو أنها موجودة في رسالة الرسول للمقوقس، وفي نقوش عربية قديمة، ثم تكررت في القرآن. وهذه من آثار النبطية المتأخرة؛ إذ كانت الألف رمزًا للهمزة، وغير مستعملة كرمز للفتحة الطويلة. وقد ترك هذا أثره في العربية؛ وهذه علامة على أنها سابقة على العربية الأحدث؛ حيث تضاف الألف واضحة وصريحة، لكن مازالت هناك آثار لها؛ حيث إننا لا نكتب الألف في كلمات كثيرة مثل: (هذا)، و(لكن).. ( ). وهناك ركام شبيه أيضًا يتعلق بالواو والياء.
* استخدام المجاورة: وهيَ لغة قلة من العرب حسب سيبويه (وغيره( ))؛ وهو يعتبرها – كما يُفهم من كلامه - أقل فصاحة وغير قياسية( ).
* النصب على المدح أو الذم؛ وهذا لغة متنحية لا تأخذ بها العربية القياسية.
* توجد من صيغ الفعل صيغتا: (تفعَّل) و(تفاعل) مقابل صورة: (اتفعَّل) و(اتفاعل). وقد استخدم القرآن كلا من الصيغتين:
من الصيغة الأولى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (سورة النجم: 8)، {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفۥۥ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (سورة الأعراف: 201)، {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةۥۥ لَّهُۥ} (سورة المائدة: 45)، {وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (سورة البقرة: 158)، {قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ} (سورة النمل: 49).
من الصورة الثانية: {حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ} (سورة يونس: 24)، {لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (سورة الصافات: 8)، {لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِىٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} (سورة المنافقون: 10)، {بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ} (سورة النمل: 66). في هذه الصيغة تم إدغام التاء في الحرف التالي لها.
كما جاءت الصيغتان في آية واحدة: {لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (سورة ص: 29).
بل وجاءتا في نفس السياق تقريبا: {وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (سورة التوبة: 108)، {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (سورة البقرة: 222).
وقد ذكر رمضان عبد التواب أن الصورة الأولي ضمن الركام اللغوي مقابل الصيغة الثانية؛ الأحدث والمستخدمة فعليا في العامية المصرية حسب زعمه( ). وقد ضرب أمثلة من العامية المصرية؛ فذكر أنه يقال: فلان اصدعت دماغه، وأسرع في كلامه، فلان اشَّاتم مع فلان، واصَّالحوا سوا؛ ولا يقال: فلان تصدعت دماغه، وتسرع في كلامه؛ تشاتم، وتصالحوا.
في الواقع نحن لا نقول ذلك، بل نقول: اتصدعت، اتسرع، اتشاتم، اتصالحوا. كما أن الفصحى الحديثة تستخدم الصيغتين، لكن الأولى أساسا؛ فلا أحد يقول اليوم: ازَّينت، اذَّكر، يسَّمع، يدَّبَّر، يطَّوَّع؛ بل نقول: تزينت، يتذكر، يتسمع، يتدبر، يتطوع؛ وهي الصيغة الأخف، كما أن هناك فارقا في المعنى بين (المطهرين) و (المتطهرين)؛ فاختلاف الصيغة له علاقة باختلاف المعنى. وعلى العموم فالاحتكام إلى العامية فليس معيارا لتحديد الفصاحة؛ فالعامية العربية عموما مازالت تستخدم لغة أكلوني البراغيث، وصيغة (مفعول) للفعل الأجوف اليائي على نطاق واسع؛ وكلتاهما لغة متنحية.
* استخدام صيغة (افتاعلتم)؛ وهيَ صيغة قديمة وثقيلة لا تستعمل في العربية الحديثة: {أثَّاقلتم إلى الأرض} (سورة التوبة: 38)، {فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَا} (سورة البقرة: 72)( ).
والصيغة التي يأخذ بها اللغويون هيَ (تفاعلتم)( )؛ فيجب أن يقول: (تثاقلتم)، و(تدارءتم)؛ إلا أن البعض قد اعتبر استخدام {أثَّاقلتم} أكثر بلاغة وتعبيرًا عن المعنى المقصود( )، ولكن لم يعلق على تجاوز العربية لهذا التصريف. وكذلك اعتبر أحد الباحثين أن استخدام (ادَّرأتم) أكثر تعبيرًا عن المعنى المقصود من (تدارءتم)( )؛ يبدو للارتباط بين ثقل اللفظ ومعنى التثاقل المطلوب إبرازه؛ وقد يكون محقا، لكن هذا لا ينفي أن هذه الصيغة لم تعد مستخدمة في العربية الحديثة، بغض النظر عن مغزى استخدامها لتثقيل هذا اللفظ بالذات.
وقد قرأ عبد الله بن مسعود {تدارءتم}، كما قرأ الأعمش {ثَاقَلْتُمْ} - على الأصل - وفقًا للمهدوي( ). وإن تجاوز صيغ قديمة على أيِّ حال لا يعني أنها الأسوأ، أو الأقل بلاغة؛ فالغالب أنه يتم تجاوز الصيغ الأثقل؛ بغرض التخفيف والتسهيل.
* استخدام صيغة قديمة من الفعل الأجوف؛ في: {ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰن} (سورة المجادلة: 19)، والأحدث منها صيغة: استحاذ( ).
* استخدام لغة بلحارث، وطيِّئ في بعض المواضع؛ وهيَ لغة بها خصائص متنحية لم تعد تُستخدم في العربية الحديثة، وقد عزيت لقبائل عديدة؛ منها طيِّئ، وبلحارث، وأزد شنوءة، وكنانة، وبني العنبر، وبني الهجيم، وبطون من ربيعة، وبكر بن وائل، وزبيد، وخثعم، وهمدان، وفزارة، وعذرة. وهيَ من اللغات التي نُسبت لها عبارات قرآنية مخالفة للنحو القياسي.
وقد أشار كثير من اللغويين والنحاة إلى هذه اللغة؛ منهم أبو حيان الأندلسي( )، وعبد القادر البغدادي( )، وابن قتيبة( )، والفرَّاء( ).
رصد اللغويون عدة اختلافات للسان بلحارث عن لسان قريش:
- إبدال الياء ألفًا.
تقر اللغة الفصحى أن المثنى يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء. وقال ابن عقيل في شرح الألفية: ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقًا: رفعًا ونصبًا وجرًّا؛ فيقول: جاء الزيدان كلاهما، ورأيت الزيدان كلاهما، ومررت بالزيدان كلاهما. ففي هذه اللغة يتم استخدام الألف بدلًا من الياء في الأحوال الثلاثة؛ ومن أمثلة ذلك: “لا وتران في ليلة”، “تزود مِنّا بين أُذْناهُ طعنة”، “قد بلغا في المجد غايتاها”( )، وقياسي اللغة هو: وترين، أذنيه، غايتيها؛ بل لم تقتصر هذه الظاهرة على الأفعال المعتلة عند طيِّئ؛ فإنهم يقلبون كل ياء ألفًا؛ فيقولون: ناصاة، وباداة، وتوصاة، وباقاة..
- صيغة أكلوني البراغيث: وقد أسلفنا شرحها.
- وتتسم لغة الطائيين بالتخلص من الهمزة وأحيانًا المبالغة في الهمز، كما كانوا يجهرون بالسين والصاد؛ أيْ تجعل الأوتار الصوتية، تتذبذب معهما، بينما هما من الأصوات الأسنانية اللثوية المهموسة التي لا تتذبذب معها الأوتار الصوتية( )، وكذلك قلب الواو (والياء) ألفًا، وقلب ألف المقصور ياء: مثل أَفْعَى وحُبْلى؛ تصبحان: أفعي، وحبلي. ويرى رمضان عبد التواب أن الاطلاع على اللغات السامية من جانب، وتحكيم القوانين الصوتية من جانب آخر يدلان على أَن مثل: حُبْلَيْ وأَفْعَيْ بالياءِ، أَسبق في سلسلة التطور اللغوي من أَفْعَى وحُبْلَى بالأَلف( ).
وسبق أن ذكرنا من القرآن ما اعتُبر ضمن هذا. وليس من المؤكد أن القرآن قد استعار منهما؛ بل الأرجح أن قريشًا وغيرها أيضًا استخدمت هذا الأسلوب بشكل محدود.
ونعود إلى الركام اللغوي:
* استخدام التاء المفتوحة علامة تأنيث في بعض المواضع؛ وهيَ لغة قديمة، وسبق أن حللنا ذلك.
* تحقيق الهمزة تم في مواضع كثيرة، لكن احتفظ المصحف بلغة قريش في عدد من المواضع بعدم تحقيق الهمزة، وقد شهدت العربية الحديثة تغيرات في هذا الجانب؛ فتميل إلى الهمز دون مبالغة.
* اللغة القياسية تجاوزت رسم المصحف في عدد آخر من المسائل؛ قواعد الصرف ومنعه، وحددت قواعد للفعل المضارع المنتهي بواو الجماعة، كما أصبحت تميل لاستخدام كلمات متصلة؛ مثلا: عمَّا بدلا من عن ما، بالإضافة إلى وضع قواعد محددة – إلى حد كبير – للضمائر، مع التفريق بين المؤنث والمذكر، وبين العاقل وغير العاقل، وبين المفرد والمثنى والجمع، ووضعت قواعد أوضح لكتابة الهمزة، كما صار استخدام حروف المد الطويلة خاضعا لقواعد واضحة.
وبذلك يمكن أن نقول إن بعض مكونات لغة المصحف هيَ لغة عربية قديمة؛ تم تحديثها – جزئيًّا - في الطبعات التعليمية منه، وكليا في الاستخدام العادي للعربية. ومثل هذا حدث لكل اللغات.

5- دور القرآن في تطوير وتوحيد العربية:

القرآن عمل فني وأدبي به إبداع؛ فلا نتوقع أن يكون ملتزما بكل كلام العرب قبله؛ بل نتوقع أن يضيف ويعدل ويطور اللغة العربية مثل أيِّ إبداع؛ وهذا ما يفسر وجود عبارات وتركيبات لغوية خاصة؛ منها الجديدة في اللغة كما رأينا. فوجود (اللحن) في القرآن يكون أحيانًا ضمن علامات تطور العربية. من ذلك كتابة الألفاظ - بأكثر من طريقة - هيَ ضمن ظواهر التطور اللغوي، وأحيانًا تكون لغات قبائل مختلفة؛ أخذت الفصحى ببعضها دون الأخرى.
ويجب أن نلاحظ أن العلاقة ليست مطلقة بين اللفظ والكلمة؛ فلا يجب أن نتوقع هذا الارتباط دائمًا، كما أن تطور اللغة لا يتواكب معه دائمًا - بنفس الوتيرة - تطور الكتابة. ولا يمكن اعتبار حذف الحروف هو دائمًا تطور لغوي كما قال سمير شريف( )؛ وكمثال حذف علامة الفتحة الطويلة؛ الألف هو ضمن الترسبات اللغوية؛ كما رأينا من قبل، وإضافتها كان خطوة جديدة في العربية، أما حذف الهمزة من ألفاظ معينة مثل (يأحزُنُهم) التي كُتبت {يَحۡزُنُهُمُ} (سورة الأنبياء: 103)؛ فيمكن اعتباره تطورًا؛ لأنه يؤدي للتخفيف دون مساس بالمعنى؛ فهناك رأيٌ سائدٌ بين اللغويين يربط التطور اللغوي بالتخفيف.
في أسواق العرب قبل الإسلام كانت تستخدم لغة عامة يفهمها كل خاصة العرب؛ وإلا فكيف كان يمكن لهم أن يتباروا في الفصاحة؟ فكانت الفصحى تختلف عن اللغات المحلية التي تكلم بها أهل القبائل. فكانت الفصحى لغة الشعر الذي يُلقى في الأسواق والخطب العامة ليفهمها الجميع؛ أيْ أن اللغة الفصحى العامة كانت متميزة عن لهجات القبائل، وهذا ما يتضح في الشعر المعاصر للقرآن( ).
وقد كُتب القرآن بنفس اللغة العامة؛ وهيَ تختلف عن لغة قريش؛ وإن كانت قد أُسست عنها( ). من هنا جاء التحدي اللغوي للعرب.
أما الكلام عن لغة موحدة للخاصة قبل الإسلام ففيه نظر، وإلا فكيف عرفنا الفرق بين لغات العرب؟ فلابد أن الخواص أيضًا احتفظوا ببعض خصائص ألسنتهم، وقد عرفنا ذلك من تعدد قراءات القرآن. كما أن القرآن قد قُرئ بلهجات القبائل المختلفة لأنه – باعتباره نصًا شفاهيًّا - كان متاحًا للعامة منذ البداية، وكان هذا عاملًا مهمًا في ظهور القراءات، ثم ابتُكرت الأحاديث التي تتكلم عن أحرف سبعة.
وقد لعب توحيد المصحف دورًا مهمًّا في تطوير اللغة العربية؛ بجانب وضع قواعد النحو وتطويرها؛ بغرض ضبط قراءة المصحف قبل أيِّ شيء. ورغم اختلاف مدارس النحو؛ فقد تم وضع (ضوابط) للعربية إلى حد كبير؛ صارت سيفًا مسلطًا؛ حتى على رقاب فطاحل الشعراء كما أشرنا.
وبجانب دور القرآن في تطوير العربية كما رأينا؛ كان له دور أيضًا في إعاقة تطورها. فقد صارت عربيته لغة مقدسة، دفعت اللغويين إلى مقاومة تطورها، بل على النقيض؛ راحوا يبحثون عن كلام البدو لتأصيل العربية، ونفروا أشد النفور من الألفاظ الدخيلة، وتمسكوا حتى بالرسم العثماني حتى وقتنا هذا (رغم صدور طبعات من القرآن بالعربية المعاصرة). ورغم تطور العربية في صورة لهجات محلية؛ إلا أن اللغة القياسية مازالت تعتمد الإعراب، وقواعد الصرف القديمة، وقواعد النحو بالغة التعقيد؛ بسبب خوف اللغويين من فقدان لغة القرآن أو تجاوزها؛ وبالتالي ضياع الإسلام؛ زعمًا. وقد وضع اللغويون القدامى معايير في اللغة للخطأ والصواب والشاذ.. إلخ، وقد اعترفوا بتطور العربية القديمة؛ دون اهتمام كاف بفكرة تطور اللغة الحديثة. وقد وضعوا عشرات، وربما مئات المؤلفات( ) في (اللحن)؛ لتبيان الخطأ والصواب في العربية؛ حسب تصورهم؛ بهدف تثبيت اللغة، ومنع (اللحن)؛ وبالتالي التطور.
بل ذهبت جمهرة الإسلاميين إلى حرمة مخالفة الرسم العثمانى؛ باعتباره أمرًا توقيفيًّا؛ أيْ بإلهامٍ إلهي المصدر؛ للرسول والصحابة لا تجوز مخالفته( ). وعلى النقيض ذهبت أقلية فقط إلى أنه ليس توقيفيًّا، ولا مانع من مخالفته. وتساهم سيادة رأيِ الأغلبية العظمى في إعاقة تطور اللغة العربية. فإذا اعتبر القرآن إعجازًا لغويًّا وقمة تطور العربية، فكيف ننتظر ممن يقولون بذلك أن يتطلعوا لتطوير هذه اللغة؛ اكتفاء بما بلغته من قمة النضج؛ حسب اعتقادهم.
وهناك من أهل العربية من ساهم في وضع قواعد النحو والصرف، وفي نفس الوقت اعتبر لغة المصحف قمة العربية الفصحى؛ مبررين لذلك بأن للقرآن لغة خاصة به، وإعجاز لغوي، وأسرار خاصة لرسمه المخالف في مئات المواضع لنفس قواعدهم؛ ذلك أن مجرد التفكير في التعامل مع هذا النص بوصفه منتجًا بشريًّا هو من المحظورات لدى الإسلاميين؛ بل ونجدهم يتكلفون أشد التكلف في تفسير وتعليل الآيات؛ لدرجة تجعل الحوار معهم حوله مستحيلا؛ فكل ما به إعجاز؛ بغض النظر عن أيِّ محتوى، أو صيغة تثير الارتياب أو عدم الارتياح. وهناك بالتأكيد قليل من (الشواذ)؛ خصوصًا من القدامى الذين كان منهم شجعان وعلماء أفاضل؛ لم يتحرجوا من التحليل الموضوعي.
6- تعليق على التفسير الباطني للرسم القرآني:
الاتجاه السائد بين الإسلاميين حول مخالفة رسم المصحف لقواعد الرسم القياسي أن الصحابة الذين كتبوا المصاحف كانوا متقنين لقواعد العربية والخط العربي؛ فكتبوا المصاحف على هذه القواعد، وخالفوها في بعض الكلمات؛ لعلل وأسرار كثيرة، تتفق مع مكانة القرآن وكيفية تلاوته( ).
وقد قدم البعض تعليلات باطنية محددة للمفارقات اللغوية، واعتبروها ضمن الإعجاز اللغوي؛ على رأسهم المراكشي؛ فيعلل زيادة أحرف مثلًا بالرغبة في تفخيم الكلمة لأهمية المعنى، أو لإظهار معنى الكثرة.. أما حذف أحرف فيبرره بالتعبير عن السرعة، أو الحسم.. وهو لا يشير إلى قراءات مختلفة أحيانًا تخالف حفص ولا تحقق تفسيراته. وذهب مثله الزركشي، وغيرهما.
سنأخذ مثالًا سورة الكافرون: {قُلْ يَـٰأَيها الكـٰفرونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ * ولا أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ ما أَعْبُدُ * ولا أَنَا عَابِدٌ ما عَبَدتُّمْ * ولا أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ ما أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ ولِىَ دِينِ}.
ذكر أحد الباحثين أنه لا يوجد مدٌ على كلمة (ما) في {ما تَعْبُدُونَ}، {ما عَبَدتُّمْ}، لتحقير معبوداتهم، لكنها توجد في {مآ أعبد} مرتين، للدلالة على عظمة ما يعبد رسول الله( ).
نفس الكاتب يعلل المد في {الضآلين} في سورة الفاتحة؛ على أنه يعني كثرة عددهم (ص 202)؛ فلماذا لا يعني هنا عظمتهم أيضًا؟!
وقد اختلفت القراءات المتواترة؛ منها قراءة ابن كثير: كتبت ما هكذا: {مَا} في السورة كلها ما عدا في {مَّا عَبَدتُّمُ}؛ حيث تم تشديد الميم؛ فهل لم يتم في هذه القراءة تعظيم ولا تحقير؟ ونفس الشيء في قراءات أخرى من السبع، منها رواية قالون عن نافع( )، الدوري عن أبي عمرو( )، والسوسي عن أبي عمرو( ).. فما هو إذن تعليل الرسم في هذه القراءات المتواترة؟! أما في بعض الطبعات التعليمية من المصحف؛ فجاءت السورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ * ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ * ولا أَنَا عَابِدٌ ما عَبَدتُّمْ * ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ}؛ أيْ بدون علامة المد أصلًا.
كما أن الباحث المشار إليه لا ينتبه إلى أن القرآن استخدم {ما} لوصف العاقل؛ وهو الله؛ بدلًا من (من)، في كل القراءات السبع: فأين الإعجاز البلاغي هنا؟!
وهذا باحث آخر يقارن بين آيتين؛ {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ..} (لقمان: 33)، {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٍ مَّا كَسَبَتۡ..} (سورة البقرة: 281)؛ حيث حُذفت (فيه) من الآية الأولى وذُكرت في الثانية؟ وهو يعلل ذلك بأن الحذف يفيد الإطلاق ولا يختص بذلك اليوم؛ فالجزاء ليس منحصرًا في ذلك اليوم؛ وإنما سيمتد أثره إلى ما بعد ذلك( ). وهيَ محاولة فقيرة للبرهنة على الإعجاز اللغوي؛ كأنَّ اليوم المذكور في الآية الثانية لا يمتد أثره بينما هو أيضًا يوم القيامة والحساب. وهناك هذه الآية: {يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصـٰر} (سورة النور: 37): أليس هذا اليوم ممتد الأثر أيضًا؟ أليس بعد أن تتقلب القلوب والأبصار سيتم الحساب، وما يترتب عليه وهو ممتد إلى الأبد؟!
- ومن المحدثين؛ محمد شملول( ) الذي بذل الجهد للبرهنة على إعجاز الرسم العثماني؛ زاعما أنه توقيفي من الله ولا دخل لكتبة الوحي فيه؛ سائرًا على خطى المراكشي في تعليل الرسم العثماني بحجج ميتافيزيقية، وأحمد صبحي منصور( ) الذي يبرر الظواهر اللغوية المشار إليها باعتبارها ضمن أدلة إعجاز القرآن؛ وهو يصر على أن الرسول كان يعرف القراءة والكتابة، وأنه هو الذي جمع وكتب القرآن، وأن كل ما فعله أبو بكر وعثمان هو نسخ ما كتبه الرسول وكتابته في صورة مصحف. ويلجأ إلى ما يسمونه الإعجاز الرقمي؛ لتدعيم وجهة نظره؛ وهو مجموعة حسابات مليئة بالمغالطات، ولا تعني شيئًا. وبناء على هذا الكلام؛ يكون المطلوب منا أن نؤمن بوجود حكمة إلهية في رسم القرآن بهذه الطريقة، واعتبار ذلك من المعجزات. ويتجاهل منصور أن هناك قراءات متعددة للقرآن، وأن مصحف عثمان قد فُقد، ولا أحد يعرف كيف كان مكتوبًا. ورغم أن القراءات السبعة متقاربة فيما بينها وتعتمد الرسم العثماني عمومًا؛ إلا أنها ليست موحدة تمامًا؛ ناهيك عن القراءات المسماة بالشاذة. ويضاف الكلام الكثير عن تاريخ جمع القرآن، وقصة حرق المصاحف المخالفة لمصحف عثمان، وفقدان آيات.. إلخ.. ويصور منصور الأمر كما لو كانت هناك مؤامرة كبرى على القرآن؛ شارك فيها كبار المسلمين الأوائل؛ لتبرير تعدد القراءات؛ بالزعم بأمية الرسول، واختلاق قصة جمع القرآن في عهدي أبي بكر وعثمان.. إلخ.
على الطرف الآخر؛ هناك من رأى أن من رسموا المصحف كانوا يجهلون قواعد الخط وصناعة الكتابة. من أشهر هؤلاء ابن خلدون الذي قال: “ فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة؛ ولا إلى التوسط، لمكان العرب من البداوة والتوحش، وبعدهم عن الصنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك من رسمهم المصحف؛ حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها، تبركًا بما رسمه أصحاب رسول الله.. ولا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط.. ويقولون في مثل زيادة الألف في {لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ}: إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، وفي زيادة الياء في {بِأَيۡيْدٍ}: إنه تنبيه على كمال القدرة الربانية.. وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط، وحسبوا أن الخط كمال، فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا ما خالف الإجادة من رسمه، وذلك ليس بصحيح”( ).
7- هناك تركيبات لغوية كان من الممكن أن تكتب بطريقة أكثر سلاسة؛ وقد ضربنا منها أمثلة في الفصل السابق؛ ومحتواها باختصار هو:
- إدغام حرف متكرر أكثر سلاسة، وهذا واضح عند استخدام كلمات مثل: {يُضۡلِلِ} و {يُضۡلِلۡ} و{يُضۡلِلۡهُ} (جاءت في ثلاثة عشر موضعًا)، {يَرۡتَدِدۡ} (سورة البقرة: 217).
- استخدام كلمات متصلة بدلًا من الكلمات المنفصلة؛ مثل: {عن من}، {من ما}، {أن لا}؛ فيكون الإيقاع أسلس.
- تحاشي التكرار، وهو كثير في القرآن؛ لجعل النص أكثر إيجازا.
كما أن طريقة العرض وتقسيم النص كان من الممكن أن تكون أوضح؛ إذ تم تناول الموضوع الواحد في مواضع متفرقة، ولم يتم تقسيم السور لا على أساس زمني ولا على أساس محتواها.
8- يُحتمل وجود ألفاظ ليست من كلام العرب ولا العجم ولا مبرر لها؛ ربما كانت من إبداع الناسخ ولم يجرؤ أحد على تصحيحها؛ مثل: {بِأَيۡيْدٍ} ، {بِأَييِّكُمُ}.. إلخ. ولا نستبعد أن ألفاظًا كتبت كيفما اتفق؛ بواسطة بعض الصحابة الثقات، ولم يجرؤ أحد على تعديلها؛ لأنه لم تكن هناك بعد قواعد واضحة للكتابة العربية؛ فكان الرسم يخضع لاجتهاد الناسخ. فهناك مثلًا من الحروف الزائدة مالا لزوم له؛ مثل الألف في: {لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ} - {وَجِاْىٓءَ} - {لِشَاْىۡءٍ} - {نَبَؤُاْ}، والواو في: {سَأُوْرِيكُمۡ} - {وَجَزَٰٓؤُاْ}.. إلخ.
9- من أسباب اختلاف القرآن في مئات المواضع مع قواعد النحو والصرف للعربية القياسية - بالإضافة إلى بعض حروف الكتابة - أنه كُتب بلغة عربية في مرحلة ما من تطورها لم تكن قد بلغت بعد ما بلغته الآن من تحديد، وكذلك الميل إلى المحافظة على السجع والوزن الموسيقي في كثير من العبارات.

المصادر والمراجع
باللغة العربية:
إبراهيم السامرائي، الإدغام والإبدال في أبنية الفعل،
http: //www. majma. org. jo/index. php/2009- 02- 10- 09- 36- 00/522- 50- 1. html
إبراهيم السامرائي، دراسات في اللغتين السريانية والعربية،
http: //www. 4shared. com/postDownload/RMwCIMbN/_____- __. html
إبراهيم السامرائي، عود إلى التذكير والتأنيث ولوازمه،
http: //www. majma. org. jo/index. php/2009- 02- 10- 09- 36- 00/854- mag34- 2. html
إبراهيم الشمسان، المذكر والمؤنث ماهيته وأحكامه،
http: //www. google. com. eg/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=web&cd=2&ved=0CCcQFjABahUKEwifwZLQxrXHAhWD1xQKHZeOBeQ&url=http%3A%2F%2Fwww. qassimedu. gov. sa%2Fedu%2Fattachment. php%3Fattachmentid%3D27388%26d%3D1317121892&ei=0azUVd- UMoOvU5edlqAO&usg=AFQjCNH4LFKrAMansU6IBIoJvDRm45n0XA&bvm=bv. 99804247,d. d24
إبراهيم أنيس، في اللهجات العربية،
http: //www. 4shared. com/office/puxP9uxo/_____. html?locale=ar
إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة،
http: //ia600806. us. archive. org/18/items/lis- group46/lis00384. pdf
إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر،
https: //ia700406. us. archive. org/22/items/moseeqa_alshear/moseeqa_alshear. pdf
إبراهيم بركات، نشأة اللغة العربية ومصادرها، مجلة لسان العرب، العدد الثاني،
http: //lisaanularab. blogspot. com. eg/2013/01/1- 56. html
ابن الجزري، محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن يوسف أبو الخير شمس الدين العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، الدرة المضية في القراءات الثلاث المتتمة للعشر،
http://shamela.ws/index.php/book/7749
ابن الجزري، النشر في القراءات العشر،
http://shamela.ws/index.php/book/22642
ابن الجزري، متن طيبة النشر في القراءات العشر،
http://shamela.ws/index.php/book/7795
ابن أبي داود، أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/msaheef. zip
ابن الجوزي، جمال الدين أو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير،
http: //shamela. ws/index. php/book/23619
ابن السراج، أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي، الأصول في النحو،
http: //shamela. ws/index. php/book/7365
ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، القلب والإبدال،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 5420
ابن جني، أبو الفتح عثمان، اللمع في اللغة،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=1908
ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص،
http: //shamela. ws/index. php/book/9986
ابن جني، أبو الفتح عثمان في: سر صناعة الإعراب،
http: //ia700404. us. archive. org/35/items/waq8458/8458. pdf
ابن حزم، علي بن أحمد الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=36&book=286
ابن حسنون، اللغات في القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?book=1173&cat=7
ابن خلدون، عبد الرحمن محمد، تاريخ ابن خلدون،
http: //www. al- eman. com/Islamlib/viewtoc. asp?BID=163
ابن خلف المقرئ، العنوان في القراءات السبع،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=46&book=2051#. VfRZKxGqqko
ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى،
http: //www. al- eman. com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%AA+%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89+**/i54&p1
ابن سلام، أبو عبيد القاسم، لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم،
http: //saaid. net/book/open. php?cat=2&book=601
ابن عادل، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي، اللباب في علوم الكتاب،
http://shamela.ws/index.php/book/9108
ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?book=636&cat=6#. VfRYchGqqko
ابن عصفور، الممتع الكبير في التصريف،
http: //shamela. ws/index. php/book/8667
ابن عقيل، عبد الله بن عبد الرحمن العقيلي الهمداني المصري، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك،
http: //www. google. com. eg/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=web&cd=1&ved=0CCAQFjAA&url=http%3A%2F%2Fuqu. edu. sa%2Ffiles2%2Ftiny_mce%2Fplugins%2Ffilemanager%2Ffiles%2F4320150%2Fbook_ebn_aquil. doc&ei=mt9GVKqqGcbnatusgtAC&usg=AFQjCNFqsMMZjnnG0Jsc0Xz6t 8WWlfrSEQ&bvm=bv. 77880786,d. d2s
ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، تأويل مشكل القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=7&book=3523
ابن قدامة، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي، المغني،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 8463
ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد،
http: //www. almeshkat. com/books/open. php?cat=26&book=714&PHPSESSID=d48c4d9060144fdcd6178d4722986b0d
ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدى خير العباد،
http: //saaid. net/book/open. php?cat=94&book=779
ابن كثير، الحافظ، فضائل القرآن،
http: //saaid. net/book/open. php?cat=2&book=1146
ابن ماجة، سنن ابن ماجة،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=8&book=62&PHPSESSID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6
ابن مالك، ألفية،
http: //shamela. ws/index. php/book/8522
ابن مجاهد، عاصم، أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر، السبعة في القراءات،
http: //shamela. ws/index. php/book/5530
ابن معاذ الجهني الأندلسي، كتاب البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان،
http: //ia601404. us. archive. org/3/items/Badeea_Moshaf_Othman/Badeea_Moshaf_Othman. pdf
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين، لسان العرب،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=468#. VZ_55vmqqko
ابن هشام الأنصاري، شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/shzor%20aldhab. zip
ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=2218&PHPSESSID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6
ابن هشام، عبد الملك المعافري، السيرة النبوية
http: //www. al- eman. com/Islamlib/viewtoc. asp?BID=249
ابن هشام، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،
http: //shamela. ws/index. php/book/11825
ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، الصاحبي في فقه اللغة،
http://shamela.ws/index.php/book/9977
ابن يعيش، ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، شرح المفصل،
http: //shamela. ws/index. php/book/13301
أبو إبراهيم حسان بن سالم عيد، رواية حفص من طريق المعدل،
http: //www. google. com. sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=6&cad=rja&uact=8&ved=0CEMQFjAF&url=http%3A%2F%2Fwww. ust. edu%2Fopen%2Flibrary%2Fislamic%26arabic%2Folom_quran%2FWord%2F1231%2F001. doc&ei=iRTOVNv3H870aoLPgrAL&usg=AFQjCNGRT5qpnG3dtfibI0uGi5VpWm979 A&sig2=E_6Vw9jOqoJphNTiAoMkwg
أبو البقاء العكبري، إعراب القراءات الشواذ،
http: //books. islamway. net/1/i3rab_9iraat_1. pdf
أبو البقاء العكبري، التبيان في إعراب القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=45&book=5000#. VISoAslvCfM
أبو البقاء العكبري، اللباب في علل البناء والإعراب،
http: //shamela. ws/index. php/book/6986
أبو البقاء العكبري، إملاء مامن به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن،
www. yasoob. com
أبو البقاء العكبري، كتاب التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين،
https: //ia600807. us. archive. org/29/items/tabmadnah/tamana. pdf
أبو البقاء العكبري، مسائل خلافية في النحو،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=1962#. ViYwF34rLb0
أبو الطيب، عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي، كتاب الإبدال،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=4397
أبو بكر الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين،
https: //archive. org/details/TBKATN
أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، إعراب القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/iarab%20alqraan. zip
أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، البحر المحيط في التفسير،
http: //shamela. ws/index. php/book/23591
أبو رامي، بني الحارث،
https: //ahmadsa. wordpress. com/taif/%D8%A8%D9%86%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB/
أبو زرعة، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، حجة القراءات،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=46&book=2645#. VejHDhGqqko
أبو زيد الأنصاري، النوادر في اللغة،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=7750#. VJkXuarAc
أبو عبيد القاسم بن سلاّم، لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم،
http://shamela.ws/browse.php/book-920
أبو عبيدة معمر المثنى، مجاز القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=7&book=1165#. VMn2A2iUeS
أبو علي القالي، إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سلمان، شذور الأمالي،
http: //shamela. ws/index. php/book/9160
أبو عمر صادق العلائي، إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السلف،
http: //www. shiaweb. org/books/tahrif/index. html
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، الأحرف السبعة،
http: //www. tafsir. net/books/open. php?cat=9. &book=887
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، التيسير في القراءات السبع،
http: //shamela. ws/index. php/book/5527
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، المقنع في رسم مصاحف الأمصار،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=46&book=1920#. VJMPk_8UOo
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، المحكم في نقط المصاحف،
http: //shamela. ws/index. php/book/5552
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، كتاب النقط،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=1354#. VJMPpf8UOo
أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، جامع البيان في القراءات السبع،
http: //shamela. ws/index. php/book/37649
أبو مُسْلم عبد المجيد العَرَابْلي، حزمة التاءات التي بسطت في القرآن الكريم،
http: //vb. tafsir. net/tafsir12649/
أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، كتاب: الصناعتين: الكتابة والشعر،
http: //shamela. ws/index. php/book/23787
أحمد بن محمد الخراط، مشكل إعراب القرآن الكريم،
http: //www. al- eman. com/Islamlib/viewtoc. asp?BID=369
أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري، الإقناع في القراءات السبع،
http: //shamela. ws/index. php/book/10017
أحمد سامي جاسم، المصدر في اللغات السامية، دراسة سامية مقارنة،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=7498
أحمد سعد الخطيب، المعنى القرآني في ضوء اختلافات القراءات،
http://www. tafsir. net
أحمد شوقي عبد السلام (شوقي ضيف)، المدارس النحوية،
http: //shamela. ws/index. php/book/10546
أحمد عاشور، لغة أكلوني البراغيث بين الأصالة والشذوذ،
http: //nasheron. com/blogs/299/1476/-
أحمد عبد المجيد محمد خليفة، قضية السجع في القرآن الكريم،
http: //uqu. edu. sa/page/ar/18757
أحمد قاسم عبد الرحمن، أثر القراءات القرآنية في توجيه المعنى التفسيري،
http: //www. google. com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=8&ved=0CF0QFjAH&url=http%3A%2F%2Fwww. riyadhalelm. com%2Fresearches%2F2%2F57_athr_qraat. doc&ei=LsuNVImxB7jIsATBw4LQDA&usg=AFQjCNHQQ01N3fg7zzq8bAxc6DXCvi9GJA&sig2=ErM0- tQypEI- j9DA9dPpSw
أحمد محمد علي الجمل، القرآن ولغة السريان،
http: //www. muslim- library. com/dl/books/ar0344. pdf
آرثر جيفري، الحروف الغامضة في القرآن،
http: //www. aramaic- dem. org/Arabic/Language/7. htm
الأخفش الأوسط، أبو الحسن المجاشعي، معاني القرآن،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 22371#page- 118
الأشموني، علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن، نور الدين، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك،
http: //shamela. ws/index. php/book/11742
الأكاديمية النبوية للقراءات العشر والسنة، علل حذف ألف البسملة،
http: //www. qeraatacademy. com/vb/showthread. php?t=4247
الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،
http://shamela.ws/index.php/book/22835
الألوسي، محمود شكري البغدادي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=7587
الآمدي، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، الإحكام في أصول الأحكام،
http: //shamela. ws/index. php/book/10801
الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين،
http: //shamela. ws/index. php/book/7362
الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، البلغة في الفرق بين المؤنث والمذكر،
http: //shamela. ws/index. php/book/7002
الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، أسرار العربية،
http: //shamela. ws/index. php/book/7502
البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع،
http: //shamela. ws/index. php/book/13012
البغدادي، عبد القادر بن عمر، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=1112
البغوي، الحسين بن مسعود، معالم التنزيل في تفسير القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/41
البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل،
http: //shamela. ws/index. php/book/23588
البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسي الخسروجردي الخراساني أبو بكر، شعب الإيمان،
http: //library. islamweb. net/hadith/display_hbook. php?bk_no=682&pid=335689&hid=5726
الترمذي، الجامع الصحيح،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=8&book=60&PHPSESSID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6
التنسي، محمد بن عبد الله، الطراز في شرح ضبط الخراز،
https: //archive. org/details/toraz
الثعالبي، أبو زيد عبد الرحمن بن مخلوف، الجواهر الحسان في تفسير القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=6&book=1131#. VefXyfmqqko
الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور، فقه اللغة وسر العربية،
http: //shamela. ws/index. php/book/11235
الجمحي، ابن أبي سلام، طبقات فحول الشعراء،
http: //www. almeshkat. net/books/search. php?do=title&u=%D8%C8%DE%C7%CA+%DD%CD%E6%E1+%C7%E1%D4%DA%D1%C7%C1
الجواليقي، موهوب أحمد بن محمد بن الخضر، المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، تحقيق الدكتور ف. عبد الرحيم،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=5561
الرازي، أبو الفضل، معاني الأحرف السبعة،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=46&book=8578#. VLCtY3tlyDk
الرازي، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني، أبو الحسين، الإتباع والمزاوجة،
http: //shamela. ws/index. php/book/6933
الرازي، فخر الدين، مفاتيح الغيب،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=6&book=1523
الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/23636
الرماني، علي بن عيسى، النكت في إعجاز القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/13981
الروض الباسم في طرق حفص عن عاصم،
http://mlffat.tafsir.net/files/2588.pdf
الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق، معاني القرآن وإعرابه، الطبعة الأولى 1988،
http: //shamela. ws/index. php/book/922
الزُرْقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=7&book=1562
الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر، البرهان في علوم القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/11436
الزمخشري، محمود بن عمرو بن أحمد، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،
http: //shamela. ws/index. php/book/23627
الزمخشري، محمود بن عمرو بن أحمد، المفصل في صنعة الإعراب،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=16&book=1070
السمين الحلبي، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون،
http: //shamela. ws/index. php/book/9057
السيوطي، جلال الدين، إعراب القرآن،
http: //www. al- eman. com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A5%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86+**/i32&p1
السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن،
http: //www. al- eman. com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/p1
السيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر في النحو،
http: //ia802304. us. archive. org/10/items/waq84661/02_84662. pdf
السيوطي، جلال الدين، الاقتراح في علم أصول النحو،
http: //ia902606. us. archive. org/20/items/iktirah_sayuti/iktirah_sayuti. pdf
السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور،
http: //www. al- eman. com/Islamlib/viewtoc. asp?BID=248
السيوطي، جلال الدين، المزهر في علوم اللغة وأنواعها،
http: //shamela. ws/index. php/book/6936
السيوطي، جلال الدين، المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/almuraab. zip
السيوطي، جلال الدين، شرح شواهد المغني،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 17724#page- 126
السيوطي، جلال الدين، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/hma%20alhwama. zip
الشاطبي، القاسم بن فيرة بن خلف الأندلسي، القرآن الكريم بالرسم الإملائي،
http: //www. alargam. com/alquran/11. htm
الشاطبي، القاسم بن فيرة بن خلف الأندلسي، حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع،
http: //www. islamicbook. ws/qbook%5Calom/hrz- alamani. html
الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن،
http: //library. islamweb. net/newlibrary/display_book. php?idfrom=1220&idto=1220&bk_no=64&ID=1062
الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح، الملل والنحل،
http: //www. al- %20eman. com/Islamlib/viewtoc. asp?BID=241
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبدالله، فتح القدير،
http: //shamela. ws/index. php/book/23623
الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، متى جمع القرآن،
http: //www. holyquran. net/books/gathered/
الصعيدي، حمد بن مُحَمد الرائقي الْمالِكِي، فتح المتعال على القصيدة المسماة بلامية الأفعال،
http: //shamela. ws/index. php/book/3863
الصولي، أبو بكر محمد بن يحيى، أدب الكتاب،
http: //shamela. ws/index. php/book/1601
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/7798
الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن،
http: //www. yasoob. com/books/htm1/m016/20/no2011. html
العبدي، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندَه، معرفة الصحابة،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 21481/page- 85
العسقلاني، الحافظ بن حجر، فتح الباري في شرح صحيح البخاري،
http: //www. almeshkat. net/books/archive/books/fath%20albaari. zip
الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، لغات القرآن،
http: //www. 4shared. com/office/muTyMZWWce/___online. html
الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، معاني القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/23634
الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين،
http: //majles. alukah. net/t4307/
الفراهيدي، الخليل بن أحمد، الجمل في النحو،
http: //shamela. ws/index. php/book/6961
الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، أبو العباس، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير،
http: //shamela. ws/index. php/book/12145
القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين، الجامع لأحكام القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=6&book=254
القلقشندي، أحمد بن علي، صبح الأعشى في كتابة الإنشا،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=12
الكسائي، علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي أبو الحسن، معاني القرآن،
https: //archive. org/details/m3any
الكسائي، علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي أبو الحسن، معاني القرآن،
https: //ia802700. us. archive. org/3/items/m3any/m3any. pdf
الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي،
http: //www. 14masom. com/hdeath_sh/index. htmhtml/research/research. php?ID=47
المالكي، الحسن بن محمد بن إبراهيم، الروضة في القراءات الإحدى عشر،
http://up.tafsir.net/do.php?id=547
المبرد، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي أبو العباس، المقتضب،
http: //shamela. ws/index. php/book/6965
المرادي، ابن أم قاسم، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 9988/page- 389
المراكشي، أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي، عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل،
http: //shamela. ws/index. php/book/1594
المرزباني، أبو عبيد الله بن محمد بن عمران بن موسى، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء،
http: //shamela. ws/index. php/book/9427
المصحف الشريف برواية ابن زكوان عن ابن عامر عن طريق الصوري،
http: //www. nquran. com/index. php?group=othm_view&rewaya=7&sora_no=2
المصحف الشريف برواية الدوري عن أبي عمرو،
http: //www. nuralislam. com/Mas7af/05. pdf
المصحف الشريف برواية السوسي عن أبي عمرو،
http: //www. nuralislam. com/Mas7af/06. pdf
المصحف الشريف برواية قالون عن نافع،
http: //www. nuralislam. com/Mas7af/01. pdf
المصحف العثماني بالقراءات،
http: //www. nquran. com/index. php?group=qeraat&rno=36
المعلقات السبع،
http: //www. khayma. com/almoudaress/moualakat/index. htm
المهدوي، أبو العباس أحمد بن عمار، هجاء مصاحف الأمصار،
https: //ia802708. us. archive. org/20/items/FP99923/99923. pdf
الموسوعة العالمية للشعر العربي،
http: //www. adab. com/
النحَّاس، أبو جعفر، إعراب القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=7&book=1598#. VJQhqv8UOo
النحَّاس، أبو جعفر، عمدة الكتاب،
http: //sh. rewayat2. com/n7w/Web/26803/001. htm
النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج،
http: //shamela. ws/index. php/book/1711
الهذلي، يوسف بن علي بن جبارة، الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=4948
الهمداني، ابن الحائك، أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود، الإكليل،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 352
الهندي، علي بن حسام الدين المتقي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=8&book=586
أماكن انتشار القراءات اليوم (بدون اسم مؤلف)،
http: //www. ibnamin. com/recitations_current_places. htm
إميل يعقوب يعقوب، معجم الإعراب والإملاء،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=6548
أنجب غلام، الإعلال والإبدال والإدغام في ضوء القراءات القرآنية واللهجات العربية،
https: //ia902501. us. archive. org/24/items/lis02267/lis02267. pdf
أنور راكان شلال، لغات القبائل في شرح ابن عقيل وتوجيهها نحويًّا،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=88284
برجشتراسر، التطور النحوي للغة العربية،
http: //www. 4shared. com/get/xRxInCLa/________. html?simpleLogin=true&startDownload=true
تاريخ انتشار القراءات، مقال بدون اسم مؤلف يلخص تاريخ وأماكن انتشار القراءات، على موقع الشيخ محمد الأمين،
http: //www. ibnamin. com/recitations_current_places. htm
جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=13&book=2138
جولدتسيهر، إجنتس، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي بمصر، 1955،
http: //www. 4shared. com/office/rXGSTHDece/___. html
حازم عبد الفتاح أبو عليا، باب الهمزة وأحكامها في رواية حفص عن عاصم من طريقي (الشاطبية)، و(الطيبة)،
http: //www. dar- alhejrah. com/t8986- topic
حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=18&book=1129#. VKl8J3tlyDk
حسام عبد علي الجمل، ظاهرة التنوين في العربية،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=75009
حسن عبد الجليل العبادلة، أبو الأسود الدؤلي وجهوده في نقط المصحف،
https: //journals. ju. edu. jo/-dir-asatLaw/article/viewFile/568/566
حسن نعمة، موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ومعجم أهم المعبودات القديمة، دار الفكر اللبناني، بيروت 1994،
http: //www. al- maktabeh. com/play. php?catsmktba=1398
حليمة سال، روايتا ورش وحفص - دراسة تحليلية مقارنة،
http: //shamela. ws/index. php/book/13240
خيري جبير الجميلي، حقيقة (لات) في العربية،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=15828
راكان الناهس، اللهجات العربية في القراءات،
http: //www. 3nazh. com/vb/showthread. php?t=42073
رمضان عبد التواب، التطور اللغوي – مظاهره وعلله وقوانينه،
http: //www. mediafire. com/download/r1ibtzjht9ge3bg/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D9%88%D9%8A+%D9%80+%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%87+%D9%88%D8%B9%D9%84%D9%84%D9%87+%D9%88%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86%D9%87+%D9%80+%D8%AF. +%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%A8. pdf
رمضان عبد التواب، الخصائص اللغوية لقبيلة طيِّئ القديمة،
http: //www. google. com. sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&ved=0CB4QFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww. arabicacademy. org. eg%2Fadmin%2F-print-ingUpload%2F103%2F231%2520- %2520252. doc&ei=NY6dVLumK8a9UaXKg6AL&usg=AFQjCNGBMXStMvIVqGqsRBZzGW3VdNBtSw&sig2=kVPZdJmFAJHfid- 7pN7u7g
رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة،
http: //www. ketabpedia. com/187332
رمضان عبد التواب، بحوث ومقالات في اللغة،
https: //archive. org/details/bhothwmqalat- abdaltwab
رمضان عبد التواب، فصول في فقه العربية،
http: //www. 4shared. com/get/wJFI1NPF/________- _. html
رمضان عبد التواب، في قواعد الساميات،
http://ia600807.us.archive.org/7/items/toubc/toubc.pdf
- رمضان عبد التواب، لحن العامة والتطور اللغوي،
http: //majles. alukah. net/t86160/
رمضان عبد التواب، مشكلة الهمزة العربية.
http: //www. almaktabah. net/vb/showthread. php?t=53312
رمضان عبد التواب، مقدمته لكتاب جاك بيرك: إعادة قراءة القرآن،
https: //drive. google. com/uc?export=download&id=0B0ZC5Rs8kfTaYUhXY1picGlPSWc
سامح سالم عبد الحميد، توجيه رسم المصحف،
http: //vb. tafsir. net/tafsir9236/#. VLjavUeUeSo
سامح سالم عبد الحميد، حكم هاء الكناية مع العناية بتوجيهها على رواية حفص،
http: //vb. tafsir. net/tafsir19434/
سعيد الأفغاني، في أصول النحو،
http: //wadod. net/bookshelf/book/1518
سليمان بن عبد الرحمن الذييب، قواعد اللغة النبطية،
http: //www. kfnl. org. sa/Ar/MediaCenter/DigitalLib/Documents/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A9/%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D8%A9. pdf
سمير شريف استيتية، اللسانيات- المجال، والوظيفة، والمنهج،
https: //archive. org/download/lis00347/lis00347. pdf
سهيل نجمان حاجي، ليث سعدون كوّه سعيد، لغة أكلوني البراغيث بين الرفض والقبول عند النحويين،
https://www.4shared.com/office/yiAW1rxpei/_______.html
سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، الكتاب،
http: //shamela. ws/index. php/book/23018
شبكة الفصيح، الفرق بين كان التامة وكان الناقصة،
http: //webcache. googleusercontent. com/search?q=cache: TgExpIpVC6kJ: http://www. alfaseeh. com/vb/showthread. php%3Ft%3D72579+&cd=4&hl=en&ct=clnk&gl=sa%D8%8C%20http: //www. uobabylon. edu. iq/uobColeges/lecture. aspx?fid=19&lcid=28304
شعبان محمد إسماعيل، رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=8422
شعر زيد الخيل الطائي،
http: //www. 4shared. com/postDownload/Eeu0m8T_/___. html
شفيع الدين، محمد، اللهجات العربية وعلاقتها باللغة العربية الفصحى،
http://www.m- a- arabia.com/site/wp- content/uploads/2015/04/book1_20816.pdf
شهاب الدين أحمد الخفاجي، شفاء الغليل لما في كلام العرب من الدخيل،
http: //www. al- mostafa. info/data/arabic/depot3/gap. php?file=i000106. pdf
صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة،
http://shamela.ws/index.php/book/9998
صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/7317
صديق حسن خان القنوجي، أبجد العلوم،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=12&book=3008#. VK0CmlIcS1w
صحيح البخاري،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=8&book=64&PHPSESSID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6
صحيح مسلم،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=8&book=63&PHPSESSID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6
صموئيل طلعت، مصحف عبدالله بن مسعود- إعادة فحص،
https: //www. academia. edu/4889678/%D9%85%D8%B5%D8%AD%D9%81_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8%D9%86_%D9%85%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF_- _%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9_%D9%81%D8%AD%D8%B5_The_Mushaf_of_Abdullah_ibn_Masud_Re- Examined
عادل محمود آل سدين مكي، أوجه القرءات العشر في هاء الكناية،
http: //www. alukah. net/sharia/0/68983/
عايد محمد عبدالله، وواثق غالب هاشم، إذن – رسمها وعملها،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=31515
عباس حسن، النحو الوافي،
http: //www. ibtesamh. com/showthread- t_300500. html
عبد الجبار عبدالله العبيدي، الإبدال في اللهجات وأثر الصوت فيه، مجلة جامعة الأنبار للغات والآداب العدد 3 لسنة 2010،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=64091
عبد الجليل عبد الرحيم، لغة القرآن الكريم،
http: //vb. tafsir. net/tafsir26209/
عبد الحق بن غالب بن عبدالرحمن بن تمام بن عطية المحاربي، المحرر الوجيز،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 23632
عبد الرحمن بن محمد القماش، الحاوي في تفسير القرآن،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=6&book=3578
عبد الرحمن يوسف الجمل، أثر اختلاف القراءات القرآنية في الرسم العثماني،
http: //resportal. iugaza. edu. ps/articles/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%84%20%D8%A3%D8%AB%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA. pdf
عبد الرحيم بن عبد السلام نبولسي، نظرات في بعض ما انحذف حشوا من الألفات،
http: //www. shatiby. edu. sa/mag/magallah1/04_1. pdf
عبد الصبور شاهين، القراءات القرآنية،
http: //www. 4shared. com/postDownload/gWvMJ_q2/______. html
عبد الصبور شاهين، في التطور اللغوي،
http: //www. mohamedrabeea. com/books/book1_12343. pdf
عبد القيوم عبد الغفور السندي، صفحات في علوم القراءات،
http: //shamela. ws/index. php/book/8639
عبد الله محمد هنانو، الجموع في اللغة العربية،
http: //int. search. myway. com/search/GGmain. jhtml?searchfor=%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9&ts=1442593281331&p2=%5EZ4%5Exdm020%5ETTAB02%5Eeg&n=781b8a5a&ss=sub&st=tab&ptb=DA78C778- 0DC1- 41C9- A225- 311ECB48CB7E&si=CPuAn9q0zMYCFeLHtAod- soJLA&tpr=sbt
عبد الوهاب محمد عبد العالي، المشترك والدخيل من اللغات السامية في العربية،
http: //www. abualsoof. com/INP/Upload/pdf/joinintruder. pdf
عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات،
https://ia600703.us.archive.org/14/items/DiwanQaisAlru9ayat/DiwanQaisAlru9ayat.pdf
عدنان بن أحمد البحيصي، المتحف في معنى الأحرف السبعة،
http: //www. holyquran. net/books/gathered/
علي عبد الواحد وافي، فقه اللغة،
https: //archive. org/details/fiqh_allougha
عوض المرسي جهادي، ظاهرة التنوين في اللغة العربية،
http: //lisaanularab. blogspot. com/2010/12/blog- post_6571. html
غانم قدوري الحمد، رسم المصحف- دراسة لغوية تاريخية،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=1435
عيد أبو إبراهيم حسان بن سالم، رواية حفص من طريق المعدل،
http://www.google.com.sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=6&cad=rja&uact=8&ved=0CEMQFjAF&url=http%3A%2F%2Fwww.ust.edu%2Fopen%2Flibrary%2Fislamic%26arabic%2Folom_quran%2FWord%2F1231%2F001.doc&ei=iRTOVNv3H870aoLPgrAL&usg=AFQjCNGRT5qpnG3dtfibI0uGi5VpWm979A&sig2=E_6Vw9jOqoJphNTiAoMkwg
فاروق مواسي، الفصاحة ودلالتها، وهل هيَ لغة قريش تخصيصًا؟،
http: //arabmail. de/Faruq_Mawasi04. 12. 04. html
فدوى محمد حسان، أثر الانسجام الصوتي في البنية اللغوية في القرآن الكريم،
http: //www. mohamedrabeea. com/books/book1_20893. pdf
فرهاد عزيز محيي الدين، ظاهرة التذكير والتأنيث بين المنطق العقلي وواقع اللغة،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=43582
فريال زكريا العبد، الميزان في أحكام تجويد القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/38104
فريد بن عبد العزيز الزامل السُّليم، شواذ الإعلال والإبدال في القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم،
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=74924
فهمي حسن النمر، ظاهرة المجاورة في الدراسات النحوية ومواقعها في القرآن الكريم،
http: //bib- alex. net/files/zahrh- almjawrh- fy- aldrasa- ar_PTIFF. pdf
كاملة الكواري، الوسيط في النحو،
http: //alkuwarih. com/node/183
كريم زكي حسام الدين، العربية تطور وتاريخ – دراسة تاريخية لنشأة العربية والخط وانتشارهما،
http: //www. abualsoof. com/INP/Upload/pdf/Historical- Study- of- the- Emergence- of- Arabic- Calligraphy- and- Spread. pdf
كمال بشر، دراسات في علم اللغة،
http: //shamela. ws/index. php/book/9996
لحلوحي صالح، قراءة في القراءات القرآنية الشاذة، قراءة عبد الله بن مسعود أنموذجًا،
http: //univ- biskra. dz/lab/Labreception/images/labreception/doc_pdf/Revue_Quiraat/revue_qiraat_Quiraa_fi_elquiraat_Elqorania_Echaadha. pdf
لويس عوض، مقدمة في فقه اللغة العربية،
http: //www. 4shared. com/file/200983429/b33a4f8b/__- ______. html
ماجد أحمد الخوالدة، الحذف في القراءات القرآنية في تفسير الطبري،
http: //www. mohamedrabeea. com/books/book1_17037. pdf
مجيد محمد، هاء السكت بين القراء والنحويين،
http: //www. ruowaa.com/vb3/showthread. php?t=20089
محمد إبراهيم خليفة الشوشتري، ظاهرة الوزن في القرآن الكريم – حقيقتها والجديد فيها،
file: ///C: /Users/SAMY/Downloads/AIJH7074- 12600. pdf
محمد أبو زيد، تأنيث الفعل وتذكيره مع جمع التكسير وجمع المؤنث،
http: //jamharah. net/showthread. php?p=63026%20- %20. VKriLHtlyDk
محمد الحبش، القراءات المتواترة الإصدار وأثرها في اللغة العربية والأحكام الشرعية والرسم،
http: //www. almeshkat. net/books/search. php?do=title&u=%D8%C8%DE%C7%CA+%DD%CD%E6%E1+%C7%E1%D4%DA%D1%C7%C1
محمد الشيباني، اللهجة المذحجية واثرها على قبائل الحجاز،
http: //www. otaibah. net/m/archive/index. php/t- 140192. html
محمد بن أحمد العمري، هاء الكناية،
http: //www. mohamedrabeea. com/books/book1_817. pdf
محمد خير الحلواني، الواضح في النحو والصرف،
https: //ia700509. us. archive. org/31/items/wvcf7/wvcf7. pdf
محمد رضا الحوري، مفهوم واو الثمانية في القرآن الكريم،
http: //www. google. com. sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=11&ved=0CB0QFjAAOAo&url=http%3A%2F%2Ffaculty. yu. edu. jo%2Faljamal%2FLists%2FPublished%2520Research%2FAttachments%2F2%2F%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2588%2520%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D9%2585%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%258A%25D8%25A9. pdf&ei=fW- uVK_lD4KuU5a6gsAO&usg=AFQjCNGAxhbDBUksoDwPUHylJ_ePasCYDg&sig2=zrmX9sfISEP8HS74YghlaQ
محمد شملول، إعجاز رسم القرآن وإعجاز التلاوة،
http: //media. tafsir. net/ar/books//330/E3gaz_Rasm_Quran. pdf
محمد صنقور، حذف الياء من اسم إبراهيم في خصوص سورة البقرة،
http: //hodaalquran. com/details. php?id=10109
محمد صنقور، من رسم التاء في القرءان الكريم،
http: //www. ahlulbaitonline. com/karbala/New/html/research/research. php?ID=47
محمد طاهر بن عبد القادر المكي الشافعي الخطاط الكردي، تاريخ القرآن الكريم،
http: //shamela. ws/index. php/book/2228
محمد عباس الباز، مباحث في علم القراءات،
http: //shamela. ws/index. php/book/38039
محمد عبد الله العليان، في بطلان القول بأن سن هو إله القمر،
http: //www. alfalq. com/?p=2602
محمد عيد، النحو المصفى،
http://sh.rewayat2.com/n7w/Web/2099/001.htm
محمد متولي الشعراوي، تفسير،
http: //www. al- eman. com/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/a738&t33&p18
محمد متولي الشعراوي، خواطر حول فواتح السور،
http: //www. alargam. com/fawateh/14. htm
محمد محمد أبو شهبة، المدخل لدراسة القرآن الكريم،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=1082
محمود إسماعيل عمار، التذكير والتأنيث في العربية والاستعمالات المعاصرة،
http: //www. majma. org. jo/index. php/2009- 02- 10- 09- 36- 00/229- m615. html
محمود فهمي حجازي، علم اللغة العربية،
http: //www. almeshkat. net/books/open. php?cat=18&book=1129#. VKl8J3tlyDk
محمود مبارك عبد الله عبيدات، هاء السكت ودورها في تصحيح البنية المقطعية للكلمة العربية،
http: //resportal. iugaza. edu. ps/articles/%D8%AF. %20%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF%20%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D8%AA%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D9%88%D9%8A. pdf
محيي الدين الدرويش، إعراب القرآن وبيانه،
http: //waqfeya. com/book. php?bid=2785
مرتضى العسكري، القرآن الكريم وروايات المدرستين،
http: //ahlulbait. gigfa. com/books/html/index. html
مزيد إسماعيل نعيم، روفائيل أنيس مرجان، القراءات والدّرس النّحوي،
http: //www. tafsir. net/article/4543
مسعد زياد، الإدغام والإعلال والإبدال والوقف،
http: //www. drmosad. com/index129. htm
مصحف طشقند،
http: //www. mediafire. com/download/tjmhvimzymm/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%AD%D9%81+%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85+%D9%85%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9+%D8%B7%D8%B4%D9%82%D9%86%D8%AF+%D8%A5%D9%84%D9%89+%D8%B5+DSC00199. zip
مصطفى أحمد النماس، صيغة فعلًان واستعمالاتها في اللغة العربية،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 23075
مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب،
http: //shamela. ws/index. php/book/10548
مكي بن أبي طالب حموش القيسي، أبو محمد، الإبانة عن معاني القراءات،
http: //ia802608. us. archive. org/29/items/waq13544waq/13544. pdf
مكي بن أبي طالب حموش القيسي، مشكل إعراب القرآن،
http: //shamela. ws/index. php/book/5538
ملفنسون، إسرائيل، تاريخ اللغات السامية،
http://www.4shared.com/office/wVSpSrYVce/___online.html
منيـــر تيسير شطناوي وحسين إرشيد العظامات، مظاهر صوتية من “الرُّسوبيات اللغويَّة” المتداولة في بادية شمالي الأردن،
https: //www. google. com. eg/?gfe_rd=cr&ei=gvz2VaKrH6- p8wffr4L4Cw&gws_rd=ssl#q=%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%85+%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D9%88%D9%8A
مير نحمدي زرندي، بحوث في تاريخ القرآن،
http: //www. yasoob. com/books/htm1/m016/20/no2088. html
نائل عبد العزيز، نشأة جذور مصادر اللغة العربية،
http: //vb. arabsgate. com/archive/index. php/t- 497753. html
ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي،
https: //ia601802. us. archive. org/11/items/Msshgakita/msshgakita. pdf
نبيل جلهوم، هلموا نزدد إيمانًا،
http: //www. saaid. net/rasael/665. htm
نشوان الحميري، الحور العين،
http: //shamela. ws/browse. php/book- 22885/page- 42#page- 42
نصر الدين فارس، وعبد الجليل زكريا، المنصف في النحو واللغة،
http: //www. 4shared. com/get/S2S- rJPY/_________. html
نولدكه، تاريخ القرآن،
http: //www. 4shared. com/postDownload/y4L- b0d6/__- ___- __. html
وجدي حسن سري، فواتح السور القرآنية وعلاقتها بفاتحة الكتاب،
http: //islamnewview. com/FATEHA. pdf
وليد مقبل السيد علي الديب، المقطوع والموصول بين رسم المصحف والأداء اللغوي،
http: //www. slideshare. net/abozzahraa/ss- 43604947
يحيى المصري، ظاهرة قلب الألف إلى واو في القرآن الكريم،
http: //www. alwaraq. net/Core/dg/dg_honorable_comments?recid=82043&sort=u. adminrating&order=asc&begin=2861
يحيى بن علي المباركي، إبدال الحروف الصوامت حروفًا صوائت في اللغة العربية، وتوجيه ذلك وفق القوانين الصوتية اللغوية،
http: //www. alukah. net/literature_language/0/27830/
يونس حمش خلف محمد، الحذف في اللغة العربية،
http: //www. iasj. net/iasj?func=fulltext&aId=7586


بالإنجليزية:
Abbot, Nabia, The Rise of the North Arabic Script and Its Kur anic Development, with a Full Description of the Kur an Manuscripts in the Oriental Institute
http://oi.uchicago.edu/sites/oi.uchicago.edu/files/uploads/shared/docs/oip50. pdf
Aziz, Farhat, word of Quran,
http://pu.edu.pk/images/journal/szic/previousissue_pdf/1Miss%20Farhat%20Aziz. pdf
Islamic- awareness. org, The Arabic & Islamic Inscriptions: Examples of Arabic Epigraphy,
http: //www. islamic- awareness. org/History/Islam/Inscriptions/
Jeffery ,Arthur, Materials for the history of the text of Qur’an,
https://www.4shared.com/zip/A3AEK6xxca/materials_for_the_history_of_t.html
King, Daniel: A Christian Qur’an? A study in the Seriac background to the
language of the Qur’an as presented in the work of Christoph Luxenberg,
http://www.cardiff.ac.uk/share/research/centres/clarc/jlarc/contents/King%20A%20Christian%20Qur an. pdf
Luxenburg, Christoph، The Syro- Aramaic Reading of the Koran،
http: //ulozto. net/xM67p7Kw/christoph- luxenberg- the- syro- aramaic- reading- of- the- koran- rar#download
Wright, William, Lectures on the comparative grammar of the Semitic languages,
http: //www. mohamedrabeea. com/books/book1_2124. pdf



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن