حب افتراضي

طالب عباس الظاهر
tatr909@gmail.com

2015 / 7 / 30

حب افتراضي
قصة قصيرة
(اليها... فمن غيرها أجّج في روحي أوار هذا الخراب!)
طالب عباس الظاهر
أضغط على زر تشغيل الحاسوب ويبدأ التحميل، وبعد تكرّمه عليّ بالاستقرار بإبراز مكونات سطح المكتب ببطيءٍ شديد ... أنقر على متصفح النت جوجل كروم (Google Chrome) بلهفة... وغربان الأسئلة تحوم في تلافيف عقلي، وتضجُّ بطنينٍ غريب كذبابةٍ نزقة في خلدي.
خمسة أيام من الغياب ... أهي خمسة أيام فقط؟
ربّاه ...كيف لي أن أصدّق مثل هذا الهراء؟!
لا ... لا ... إنها خمسة قرون، بل لعلها بضع حقب متطاولة من عهر الزمن البليد. من قال بجمود الزمن!
أليست تستحيل أحيانا حتى اللحظات ... لحظات الانتظار المرير وهي تلعب على أعصابنا الى زمن مفتوح من نهش وحوش الآلام في شغاف القلب؟
أليس يمارس معنا الصدق وأخرى الكذب والتسويف، والجد والهزل، والسخرية والتجريح والتطبيب وجميع الحالات؟
أليس هو من يسعدنا ويبكينا؟!
واهم قطعا من يحسبه هكذا... ولابد أن يكون كيان حي هو هذا المدعو الزمن ...
ألسنا نشعره في حالات يمرّ كسولا كقط يتمطى، وفي أخرى يغطُّ في نومه ككلب هرم ينتظر زيارة عزيزة للموت لسأمه من هذي الحياة؟
أوَليس هو ذاته من يستعجل الخطى بأوقات الفرح كأفعى هاربة.
اللهفة تكاد تزقُّ أصابعي بمصل من الارتعاشات القلقة وأنا أبحث عن زرقة مربع الفيس بوك في قائمة المفضلات.
وأنقر بالخطأ على أيقونة غيرها!.
لم هذا الصمت القاتل يا ترى؟ ولماذا لم تعلمني عن نيتها بهذا الغياب؟
رغم تمدد الزمن بيننا باستطالات خرافية، لعلها أطول مدة بعاد قسري منذ لقاءنا العاصف لأول مرة قبل عدة سنوات عبر هذا الفضاء الفسيح الأزرق ... هذا الأزرق كسماء أثيرية تمتد نحو البعيد دونما نهاية؟
لماذا لم تنوّه عن غيابها المفاجئ... هكذا فجأة ودون سابق انذار تختفي ويسود بيننا زمن عاهر من الفراغ؟
لماذا لم تعتذر؟ ولم تبرر سبب غلق صفحتها لتلك المدة المدمرة ولو بكذبة!
وتوضّح ما ألمّ بها ببعض كلمات أو حروف لا غير.
" يعتريني يا حبيبي في هذه الإيام أحساس بالنهاية"
"لا مزاج لشيء.. ولا رغبة لي بالحياة..!"
بائسة ومملة حياتي هنا ..!
"متعبة جدا.."
"حزينة.."
"و...
..........!!"
ولمَ لم ترحم أعصابي حتى ولو بكلمة " لا أدري" العتيدة، وقلت لها بأنها أكثر الكلمات التي بتُّ أمقتها من قبيلة اللغة!، لكثرة ما تتردد في حواراتنا حتى عندما أسألها " كيف صحتك؟" تكتب " لا أدري" وتضحك وتعيد قذفها بوجهي من جديد، وتستعملها كورقة "الجوكر" في لعبة الورق هذه اللا أدري اللعينة! بيد إني الآن أحبها.
خمسة أيام من الغياب ... أهي خمسة أيام فقط؟
ربّاه ...كيف لي أن أصدّق مثل هذا الهراء؟!
لا ... لا ... إنها خمسة قرون، بل لعلها بضع حقب متطاولة من عهر الزمن البليد. من قال بجمود الزمن!
أليست تستحيل أحيانا حتى اللحظات ... لحظات الانتظار المرير وهي تلعب على أعصابنا الى زمن مفتوح من نهش وحوش الآلام في شغاف القلب؟
قد كنّا في كل صباح نلتقي قبل بزوغ الشمس وتوزيع قبلها الحارة على أشياء هذا الوجود ... وعلى تلك الأشياء المستيقظة توا من سبات ليلة شتوية باردة وقد بلّلها الندى أو المطر.
كما البلابل كنا نتحاور هنا مع الغبش الحالم... أستشعر بشيءٍ ما، في داخلي يمارس الرقص الجذل حينما نكون معاً حتى من دون كلمات، فجأة ينطفئ بريق البهجة... ويسكت شجن الغناء.
هنا كنا نبثُّ بعضنا بكل ما يدور في دواخلنا دون قيود، فقد اقتربنا كثيرا في مشاعرنا وفي أفكارنا وفي همومنا وفي تذوقنا لمكامن الجمال ... كجسدين بروح واحدة... توأمين تباعدا في المكان وساقهما الزمن للتوحد فجأة.
وكم كنت أتوق لأن تصافح عيني حروف محبتها كنبع صاف يتدفق من صدر الأرض الصامت، ليرتوي ظمأ روحي من سلسبيل مياه حبها الدافق.
أيكون لنا لقاء آخر؟ أم إنها تريد أن تكتب بغيابها سطر الختام؟
وربما أنا من يجب عليّ نحت سطر القفلة المجنونة... وأسدال الستار لكيلا يطالني موت السأم أو سأم الموت.
خمسة أيام من الغياب ... أهي خمسة أيام فقط؟
ربّاه ...كيف لي أن أصدّق مثل هذا الهراء؟!
لا ... لا ... إنها خمسة قرون، بل لعلها بضع حقب متطاولة من عهر الزمن البليد.
نعم، قد كانت تمرّ بضع أيام شاحبة بلا طعم ولا لون ولا رائحة لم نتحاور أو نلتقي فيها... لكنها كانت حاضرة في روحها معي في كل لحظات وجودي رغم ذاك الغياب المعلوم، فأكتب لها بعض حروف أو كلمات كلما هاج الشوق بي، وتلصق لي رابط أغنية لنسمعها معاً، وأرسل لها لوحة اعجبتني.
أخطط بورتريها لوجهها الباسم ... وتبعث لي أيقونة متحركة لأرنبٍ يطيّر من فمه القبل كبالونات من قلوب الحب تنتفخ قبل أن تطير الى الأعلى بحركة رائعة أعشقها.
خمسة أيام من الغياب ... أهي خمسة أيام فقط؟!
قبل تحميل النت للموقع وانفتاح صفحتي ، نظراتي كانت تركز بلهفة على الزاوية التي سيظهر فيها حقل الرسائل باللون الأحمر كرسول فرح ونبي بشارة!
قد أحببت اللون الأحمر أيضا كما لم أحبُّ أيّ لون ... عشقته فعلا... فقط لأنه من ينبئني بوجود كلمات لها تنتظرني!، وورود رسالة منها لنبدأ طقوس الفرح.
يثير أعصابي هذا البطيء القاتل في تحميل النت للصفحة كأنه يستعذب استطالة زمن ايذائي، ويسعده العبث بأعصابي بدقائقه وثوانيه ... بل والسخرية من عواطفي.
كل جارحة بي كانت تهتف بأمل ان أجدها قد عادت من هذا الغياب، وأجد لها رسالة على الخاص تطمئنني عليها على الأقل... أجل لا أطلب منها الآن سوى أن تطمئنني فقط، من ثم سيأتي أوان اللاحق لذلك، إن كان هناك ثمة عتب أو غضب أو ثورة عليها.
أدخل على حسابي الشخصي على موقع الفيس بوك ... واشفاقي على نفسي يستحيل الى كابوس ثقيل يجثم في عروقي، ويثور قلقي من أن يصدمني النت من جديد كما في المرات السابقة بظهور الرسم الرمزي لشبح امرأة، وتظهر لي أو بالأحرى تصفعني عبارة (تم إلغاء تنشيط هذا الحساب).
ترفرف أجنحة فرح في روحي ويرقص شوقي طربا ... إذ أرى فجأة مجموعة أرقام حمر في حقل الرسائل.
أفتحها الواحدة بعد الأخرى.
اللعنة، هنا رسائل العديد من الأصدقاء ، لم أجد لها أية رسالة أو اشارة ... أعود الى رسائلنا القديمة أعيد قراءتها لمرات.
لا تبدو على حيوية كلماتنا وعلى انطلاقة أحاديثنا بأنها آيلة للرحيل!، لماذا يباغتنا الموت حينما ننتظر الحياة ... وتأتينا الحياة حينما نتوقع الموت!.
الحسنة الوحيدة للفيس بوك أن ترك لنا ثمالة الذكرى رغم الغلق للحساب، وتلك الصورة الرمزية الكريهة لامرأة يمزها شعرها عن رمزية الذكر.
لا شيء يتغير بي، أغوص في كهف حزني وأنزل نحو القاع السحيق في بئر القلق ... قبل أن أخرج منكسرا، ولن أستطيع منع امتعاضي من بعض من أرسلوا تفاهاتهم، أحسّ بأن كل شيء يكتسي بثوب أسود ويتحوّل طعمه الى مرٍّ.
أيا لسخرية القدر... لماذا تكون كوة واحدة للتواصل بيننا؟
لماذا لم نفكر في حلول بديلة؟
ولماذا وضعنا مصيرنا على كف عفريت!، وقبلنا أن نعلّق مصائرنا بخيط أوهى من نسيج العنكبوت؟!.
حب افتراضي... يا ليت الكره يكون كذلك بكل حالاته!.
فجأة أنتبه الى وصول إشارة رسالة جديدة... ينبئني الرقم الأحمر ذاته بوصولها توا.. تسرع أصابعي الى النقر على الأيقونة والعودة لحقل الرسائل بلهفة ... آه إنها صديقة عزيزة على نفسي... كم خجلت من نفسي حينما شعرت بالنفور والقرف منها بتلك اللحظة، أكره نفسي وأخرج من الصفحة مغاضبا.
أجل، فلست بوضع أستطيع به أن أتحاور بلياقة كما يجب مع أي كائن آخر سوى حبيبتي.
أهرب عن اجابة صديقتي ... أعرف بأنها كثيرة الكلام وخفت عليها من سوء مزاجي الذي لابد سينعكس على كلماتي معها، وربما فلتت مني اساءة يتعذر عليّ مسامحة نفسي عنها.
هل يجب ان أكره العالم لأن حبيبتي لم تأتِ ولم تعلمني بسرّ غيابها المفاجئ؟.
أأنّب نفسي لهذا الشعور المتطرف الذي احتلتني لبرهة ... عدت وقرأت الرسائل الواردة كي أرد عليها كنوع من الواجب، فلعل أحدهم يحتاجني في أمر ما، مهم أو مستعجل ... حرام أن أشعل فيه حرائق الانتظار بهذه البلادة واللامبالاة كما أنا الآن أحترق... ما ذنبه أن آخذه بجريرة غياب حبيبتي ولا مبالاتها!.
ثم أقرر أن لا أجيبها حتى لو فتحت صفحتها وأرسلت اعتذارا عن غيابها لتلك الأيام العصيبة... الرهيبة الوقع في روحي.
خمسة أيام من الغياب.......!
فجأة ألمح وجهها الباسم يحلّ محل الصورة الرمزية في حقل الدردشة.
هي فعلاً تفتح صفحتها بعد كل ذلك الغياب القاتل.
تبدأ أرقام رسائلها لي تتصاعد بكلماتها.
أغضب منها، شيء ما، أحسّه ينهار في داخلي ... يتهشّم ... يحترق، ويستقر ألمٌ عميق بي كما الرماد، أشعر إن كل الأوصاف قاصرة عن استيعاب عربدة الألم الضاجة في روحي ... أبحث عن ايقونة الإعدادات لكي ألغي تنشيط حسابي والى الأبد ... هذا حبٌ محكوم عليه بالموت حتى من قبل ولادته.
إذن، لأترك للفراغ أن يتحدث عني بألف ألف لسان أخرسه الوجع ... كأني أمارس ذات الفعلة لكي أحتفظ بثمالة من احترامي لنفسي، وأعاقب حبيبتي بمثل جنس جريمتها بي!.
tatr909@gmail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن