ثقافة التظاهر بين التسييس، والتأسيس .

مرتضى عصام الشريفي
murtadaeessam84@gmail.com

2015 / 7 / 30

كانت الأفكار السياسية في أغلبها تتمحور حول فكرة الدولة؛ فالشيوعية، والنازية، والرأسمالية، وغيرها كانت تعطي للدولة أولوية كبرى، فقد سحقت الشعوب في مصانع الحديد، وحقول الأرز التي كانت ترفد الدولة بثروات لا تنفد ... .
وكانت غايات خوض الحروب توفير الوقود اللازم لتلك المصانع، والحقول؛ كي تستمر بالإنتاج الذي يجعل من هذه البلدان دول عظمى تمكّنها من الحفاظ على مصادر الطاقة المستباحة، والملمح البارز لهذه الدول سيطرتها على شعوبها، فلم تكن فيها ثقافة التظاهر، ومن كان منهم يرفع صوته؛ يقطع رأسه بتهم الجاسوسية، والخيانة العظمى .
.
ولما ظهرت الديمقراطية كردّة فعل على تلك الأفكار؛ أعطت للفرد أولوية كبرى، فالديمقراطية كفكرة سياسية تتمحور حول الفرد، وبالغت في أهميته على الدولة، والحكّام؛ لذلك أعطت للفرد حرية اختيار السلطة الحاكمة، وكذلك تغييرها؛ إنْ أساءت الحكم؛ لذلك أبرز ملمح في طبيعة الحكم الديمقراطي الاعتراض على السلطة عبر ممارسة التظاهرات التي تأتي بمطالب أغفلتها السلطة، أو قصرّت في تلبيتها .
.
فالتظاهرات تعدّ حالة صحيّة في الشعب؛ لأنّها تعني يقظة الشعب، ووعيه للأحداث عبر متابعة فاحصة للأداء الحكومي، وهي تمثّل وسيلة ضغط على المسؤولين أنْ يقدّموا أفضل خدمات؛ لأنّه عندها سوف يشعر المسؤول بمراقبة الشعب له، ومحاسبته على فشله، وتقصيره .
لكنّنا في العراق نعيش نظام ديمقراطيّاً هجيناً، يصبح ديمقراطياً عندما تتغنى السلطة به، وفاشياً عندما تعترض الجماهير عليه؛ لكن ليس بمعنى الفاشية الدموية، بل بمعنى استهلاك الفرد من أجل الدولة ــ باستثناء المسؤولين ــ كما بيّنتُ ذلك في مقدّمة المقال .
.
نحن اليوم نشهد مظاهرات متعدّدة في أكثر من محافظة؛ بسبب تدهور الخدمات الحادة، وتحديداً في الكهرباء في هذا الجوّ الحار، وغيرها من ملفات مهمّة منها : رواتب الموظفين في قطاعات مختلفة؛ لكن اللافت للنظر في ردود المسؤولين عنها؛ إنّها لم تكن بمستوى المسؤولية، فقد دخلت هذه التظاهرات جوّ الخلافات السياسية المقيتة؛ إذ تبادلت الأحزاب السياسية الاتهامات بوقوف بعضها خلف هذه التظاهرات؛ لأغراض سياسية، وفي هذا ظلم كبير لعقول الشعب، وإرادته، وكأنّ الشعب خالٍ من التفكير، والإحساس بما يجري في البلاد .
.
لو أردنا أنْ نأسس لثقافة التظاهر يجب أنْ نرتقي بهذه الثقافة عبر تشكيل هيأة عامة من الكفاءات، والوجهاء في كلّ محافظة، ويجب على الأفراد أصحاب المطالب المشروعة حراسة المظاهرات من المندسين، والمنتفعين الذين يحاولون ركب موجة المتظاهرين، والمطالب؛ لغاياتهم، وعليهم المحافظة على المصالح العامة، والبنى التحتية، وأنّ لا تقع هذه المظاهرات في فخّ التناقض؛ إذ هي تطالب بالخدمات، وفي الوقت الذي تخرج فيه محتجّةً تخرّب تلك الخدمات ..!! .
وعلى المسؤولين أنْ يرتقوا بفكرهم في التعامل مع هذه الجموع، وأنْ لا يسيئوا إليها بتهمة (تسييسها....... !!) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن