الطبيعة البشرية والسياسة: بين اليمين واليسار

بوناب كمال
bounab.kam@live.fr

2015 / 7 / 15

تعتبر العلاقة بين الطبيعة البشرية والسياسة أحد أهم الانقسامات الرئيسية التي تمحور حولها علم السياسة، وقد ناقش الفلاسفة وعلماء النفس واللاهوتيون طويلا بخصوص جدلية الصراع / التعاون بين البشر، ففي اليمين عادة ما يشار إلى توماس هوبزThomas Hobbes، و دو ماسترDe Maistre، ونيتشه Nietzsche ، وغيرهم من الذين يعتبرون أن العنف والقسوة والصراع من أجل الهيمنة هو شيء متأصل في الطبيعة البشرية، بينما في اليسار يوجد توماس مورThomas moreو جون لوكJhon Lock و جون جاك روسوJean Jacques Rousseau و تولستوي Tolstoï الذين يشددون على احتمالية الإجماع والتعاون بين البشر، لذلك تعتبر العدوانية أمرا فطريا لدى اليمين، بينما هي مكتسبة لدى اليسار.
تبقى قضية "الفطري مقابل المكتسب" غير حاسمة، لأن هناك دوما تأثيرا نسبيا تفرضه المكونات الاجتماعية والجينية على الطبيعة البشرية، فهناك جماعات قبلية تصنف على أنها مكان مميز للتعاون والتوافق يتوقع أن يكون فيها مستوى العدوانية بين الأفراد منخفضا، وعادة ما يشار في هذا الجانب إلى جماعات هنود الزوني Zuni في نيو مكسيكو، بالمقابل تبني جماعة الدوبو Dobu في غينيا الجديدة هيكلها الاجتماعي الكلي على المنافسة والعدوان.
1 ـ قيام نظريات الدولة على جدلية "الطبيعة البشرية / السياسة" :
حاول الكثير من كتاب النظرية السياسية الكلاسيكيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر مناقشة قضية الحاجة إلى وجود دولة وضرورة طاعتها، ففي أقسى اليمين يقف "هوبز" مبديا عدم ارتياحه للحالة الطبيعية الأصلية للفرد، مرددا بأن " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" مقترحا أن في حالة مستعصية كهذه لا بد من اللجوء إلى الدولة ولو في شكلها الأسطوري المتوحش " اللفياتان" Léviathan لأن مكاسب الأمن المرتبطة بقيام دولة كهذه تبقى أكبر بكثير من خسارة الحرية المترتبة عن طاعتها.
في أقسى اليسار جادل " جون لوك " و " جون جاك روسو" ضد هذا الأمر جزئيا، مدافعين على أن البشر حيوانات اجتماعية لديها قابلية التعاون حتى في غياب الدولة، مع أن لوك أقر أن مثل هذا التعاون يمكن أن يولّد نزاعات تتطلب قيام حكم نزيه.
2 ـ انتقال جدلية "الطبيعة البشرية / السياسة" إلى نقاشات نظريات العلاقات الدولية:
مستلهمين من أفكار فلاسفة اليمين يعتقد الواقعيون الكلاسيكيون مثل هانس مورغانتو Hans Joachim Morgenthauو راينهولد نايبور Karl Paul Reinhold أن الدول مثلها مثل البشر، تمتلك ما يسميه مورغانتو بـ Animus dominandi » « أي الرغبة الفطرية في السيطرة على الآخرين، وهو ما يقودها نحو التصادم والحروب، فبديهية ثيوسيديدس Thucydide كانت الأساس المرجعي للفكر الواقعي " القوي يفعله ما تمكنه قوته من فعله والضعيف يقبل ما يجب عليه قبوله".
على طرف النقيض يدين الليبراليون بالولاء لأعمال لوك و روسو وإيمانويل كانط Emmanuel Kant معتقدين أن السلوك العقلاني للدول في ظل محيطها التنافسي يكمن في التعاون، فمواضع المصالح المشتركة بين الدول بإمكانها تلطيف تأثيرات الفوضى.
3 ـ إسقاط جدلية "الطبيعة البشرية / السياسة " على الخلافة الإسلامية:
كان ديدن الكثير من الأدبيات التاريخية النقدية منصبا على نزع الطهارة والعصمة عن قادة الدولة الإسلامية، وهذا قد يكون مستساغا إذا جرى التسليم بأن مفهوم " الدولة الإسلامية" مستحيل التحقق وينطوي على تناقض داخلي، وذلك بحسب أي تعريف سائد لمفهوم الدولة الحديثة، ولكن تبقى معضلة هذه الأدبيات كامنة في الحقيقة " الديونطولوجية" Deontological أي أنها سعت إلى إبراز التناقض بين الممارسات الفعلية للخلفاء ومنظومة "الأخلاق الواجبة " بتعبير "جيريمي بنتام" Jeremy Bentham
لقد كان دأب هذه الاجتهادات البحث عن حقل الأخلاق التي كان يفترض أنها تمثل ما يلائم حياة مجتمعية طيبة وهنية، وباستعارة الآراء الفلسفية السابقة قد يتضح إغفال هذه الكتابات النقدية لتأثير جوانب خفية من بينها إرهاصات الطبيعة البشرية، فعلى رأي "برهان غليون" الدولة كانت أحد المنتجات الجانبية والحتمية للإسلام، وهو المنتج الذي لم يتكلم عنه هذا الدين قبلا أو وعد به المسلمين، ولكن ظهورها ( الدولة) بعث روح التنافس بين كبار الصحابة والتابعين، فهناك من راهن على الترتيب السياسي والإداري وما يقتضيه من حنكة وحيلة وقوة وعنف ، وهناك من راهن على الولاء الروحي والأخلاقي المنتج للجماعة في مواجهة الدولة القهرية. إنها حتما البنية الانقسامية المستقاة من نظرة الطبيعة البشرية للسياسة بين الصدام والتعاون.

المراجع:
ـ Stephen D. Tansey « Politics : the basics »
ـ برهان غليون " نقد السياسة، الدولة والدين"
ـ وائل حلاق " الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأحلاقي". ترجمة: عمرو عثمان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن