قصتي مع الفتاة الروسية

هيثم بن محمد شطورو
haithemchtourou@gmail.com

2015 / 6 / 14

" ساشا " فتاة روسية كـنت قد تعرفت عليها منذ سنوات و هي تجيد اللغة العربية و حين نطقت باسمها أول مرة ابتسمت فسألتني عن مبعث الابتسامة فقـلت أني سعيد لأني جالس الآن مع شخـصية من أشخاص "تولستوي" الأديب الروسي العظيم فابتهجـت بدورها و كانت روسية إلى النخاع فهي تعتبر روسيا منقـذة العالم بثورتها الاشتراكية و أن عالم الثلاثينات و الأربعينات الطاحـن هو الذي اضطر بناء الدولة الشمولية و بعد ذالك و بالرغم من أن الفـضل الكـبير في تخـليص العالم من شرور النازية يرجع إلى بسالة الجـيش الأحمر فان الغـرب الديمقراطي و على رأسه تاج الامبريالية و الشرور الولايات المتحدة الأمريكية كانوا يخططون للقضاء على أول إمبراطورية اشتراكية في التاريخ.
كانت " ساشا " عـبقرية في الربط بيـن الأشياء سواء كانت أفكارا أو آلات فحـين وجـدت آلـة غـسـل الادباش في بـيت أبي معطلة قامت بتـفكـيكها كـلها و طلبت بعـض القـطع و ركبتها فغـدت الآلة تـشتـغـل بصفة أفـضل مما كانت عليه. كانت تضفي أجـواء المرح في أكثر الأماكن كآبة فروحها دائمة الإشراق كما أن لباسها الذي يعتبـر عندنا فاضحا يجعـل منها مبعثا للبهجة فهي دائمة التعري حتى في أجواء شتائنا الذي تعتبره ربيعا روسيا. كان أبي يخاف عليها من التعرض للاغتصاب و لكنها تبتسم لهذه الفكرة قائلة أن الإنسان لو توقع الشرور في كل خطوة يخطوها لبقي في البيت مثـل آلة الغسيل بلا روح. أتـذكر قولتها التي لم أجـدها في متن أي كتاب روسي أو عـربي أو غـيره. قالت :
ـ بلا حـريـة و شـجـاعة و تـفـاؤل لا تـستـحـق الحـيـاة أن تـعـاش.
و "ساشا" في كـل الحالات تمارس الحب بصفة اعتيادية جدا بل إنها تطلبه و أحيانا في متن حديث فكري جاد قائلة :
ـ على كـل هذه قـضية أخرى معـقـدة يلزمها جلسة أخرى و لعل ممارسة الحـب الآن تكون أفـضل مجدد للروح ـ تبتسم و تضيف قائلة ـ الآن أنا محتاجة إلى تعمير دينامو الحياة في جسدي...
لم تـكن تـتصنع أي شيء و اكبر المحـرمات عنـدها هو الكذب على الناس و على الذات قائلة أن الله لا يمكن أن يدخل إلى جـنته المنافـقين لان طبعهم شيطاني يناقض نور الله و إشراقه و" أنا أعيش مثلما ارغـب فالرغبة المقموعة تغدو سما يسمم الجسد و الروح و أنا لا ارض أن تستـقبـل الأرض جسدا مسموما حين موتي و لا ارض أن أبعـث إلى الله بروح مسمومة"..
إنها تملك نظرة للحياة فيها عـبقرية إبداعية و لكن ما اغاضني فيها هو انقطاعها التام عن المجيء إلى تونس منذ انتخابات 2009 حيث قالت أن هذا البلد غدا مسموما بالكامل في جسده و روحه. طلبت مني أن افعل شيئا ما فـقـلت ما أنا بقادر الآن إلا على تجـرع السم بهدوء سقراطي إلى أن تـنبلج سطوة الحـقـيـقة يوما. كانت المفاجئة الشبـيهة بإحياء العظام و هي رميم يوم السبت أي الخامس عشر من أكتوبر 2011 في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال حين تـلقـيت مكالمة من رقم تـلفوني غير مسجـل عندي.
ـ أنا " ساشا " أين أنت يا تـشيخـونـتي ؟
ـ أهلا , أين أنت أيتها العبقرية الروسية؟
ـ أنا أمام باب حديقة منزلكم.
كانت المفاجئة صاعـقة. أتت لتهنئني بالثورة و اعتـذرت للموقـف الذي اتخذته تجاهي سنة 2009. قالت:
ـ اعتبرتك جبانا غيـر جـدير بالحياة و لكن انتم العـرب لكم طبائع معقدة جدا. من توقع أن ينقـلب ذاك السكون إلى ثورة بدون أي جرس إنذار. لقد فاجأتم العالم و صدمتموه.. اليوم الخامس عشر من أكتوبر كل العالم يقـتـفي أثركم في الثورة. دفعتم بثورة الحريـة و العـدالة أن تـنـبثـق في العالم لتعلم الآن المدن الحديثة المتطورة النـقص الفادح في معادلتهم. كل العالم اليوم يطالب بديمقراطية حـقيـقية لا تكون فيها الحرية كـفتاة لعوب في إحدى صالات القمار أو البورصة و إنما واقعا حيا في المجتمع يعيشه.
ـ على كـل, إن لم يكن اليوم هو إعلان جنازة الحداثة الأوربية فانه إعلان وفاة الرأسمالية. وفاة النفاق و التـزييف. وفاة عبادة الدولار. العرب يعلون كلمة الله مرة أخرى و تـلك هي رسالتهم الخالدة.
ـ أوه.. هيا.. اشـتـقـت إليك. على كـل هذه قـضية أخـرى معـقـدة...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن