من الاستكلاب البشري إلى التأله الإنساني

هيثم بن محمد شطورو
haithemchtourou@gmail.com

2015 / 6 / 8

كيف يـتسنى الإيـمان باللاه و الملكية في ذات الشخـص؟ أليس في الأمر تـناقـضا؟ إذا كان شغـف التملك للأرض و متاع الدنيا هو الأساس و إن كان متواريا في أشكال التـدين الأكثر تـزمتا، ألا يعتبر الله جسرا لتحـقيق الرغبة و إحاطتها و تـأثـيثها بالمعنى و محاولة لـتـثـبـيتها و شرعـنـتها؟ كيف يـرمز الله بالصليب أو السيف المسـلـول؟
هل نحن إزاء إيمان بـرب الوجود أم انهماك الـذات في الهروب من نـفـسها إلى ما هو خارجها لتـطرد السأم و الضجـر لعجـزها عن تـلمس ذاتها، و بالتالي فيما هو خارجها لتملكه و الاستمتاع به. فالكائن الرغبوي الشهوي أليس هو في نهاية الأمر المسافر دوما في نسيان الـذات. هل نحب فعلا ما نـتـوهم أننا نحب و ما هو القانون الذي من خلاله نميـز بين الرغبة الأصيلة الحـقيقية و الرغبة الطارئة الزائـفة؟ بين التحـقـيق المستـديم و التحـقيق المبتور شعـوريا استمتاعيا؟
أليس أمر الغالبـية العـظمى من البشر هو الهروب من الـذات باسم الذاتية و الهروب من الله باسم الإيمان، بل إني أرى أكثر الناس ابتعادا عن التـشـدق بالإيمان أكثرهم إيمانا. و إلا ، فبربك، كيف تـنجر الجموع نحو تعمير ذهـنياتها المتـكـلسة باحـتـساب الحـسنات و الأجور و كأن في العـرش السماوي ديوان إداري فيه أرشيفـات الحسنات؟ أليس الأمر ميتافـيـزيـقا فـيزيقية فـقيرة و مشوهة و رديئة و مبتـذلـة تخجل العـقـل و الذاتية التي تـنـزه الله من كل أداتية و نـفعية مباشرة ؟
الفارق واضح بين معطى الحـرية الجـوهرية بما هي تحرر من كـل نـفعية في حضرة المطلق الجليل المنـزه من كل قـذارة بشرية حـقيرة، و بـين العبودية بما هي تعلق بالالتهام و الأكل و الرضاعة من صدر الأرض إلى ما لا نهاية. انه الفارق ما بين العـقـل المتـنامي المتصاعـد نحو التجريد و ما بين الشهوة التي تغـلف نـفـسها. انه الفارق بين الصدق مع الذات و تـوهجها و التواصل مع عمقها المطلق الذي هو الوجود برمته و بالتالي الخلود الحقيقي، و ما بين الـنـذالة و الخسة و نـفاق نـفسك و استعباد الشهوة لديك و بالتالي تركيب الكيانية الزائـفة المنطـفـئة التي لا يرجى منها خيرا في الدنيا و الآخرة. فمن لا يتـلمس ضياء نـفـسه لا يمكنه أبدا أن يعـرف الخلود و إنما مصيره العـدم و التلاشي في تربة الأرض.
الشهوة هي الغالبة كميا و هي التي تغـزو العالم بأسماء مستعارة من عالم الروح، و هي التي تحكم على العـقـل الحر بالإقـصاء لأنه يـقـض مضجعها و يفـضحها و يعـريها. يا لنـذالة الوضع البشري. كلهم متهافـتون في اللهاث وراء ما يمكن تملكه، و إن استعـصى أمرهم فإنهم يـرفعـون تملكهم إلى السماء. و إن كان الأمر متـقبلا في القرون التي خـلت فاليوم يجب أن تـتـوقف هذه المهـزلة لأنـك في عصر العـقـل و العلم و السماوات المفـتـوحة.
ها هو الوضع البشري ينهش بعـضه بعـضا. وضع الاستكـلاب و التـناحر، و استعمال ما أنـتجه العـقـل الحر في لحظة تاريخية ما تحرر فيها من كل نزعة تملكية استعبادية للشيء و التـشيء خارج الذات. العـقـل الملتهب بالحرية المتـقاطع ذات لحظة استـثـنائية مع الحرية المطلـقة. يتحول المجرد المنبثـق من الحرية إلى أداة للنـفـس البشرية الوضيعة التي تخـشى أكثر ما تخـشى الحرية الجوهرية. ذاك أنها غير قادرة على تمثلها بما أنها تخالف أمر ربها في القراءة و لأنها تـناقض شهوة التملك. فلا يـبلغ البشر الحـقير مرتبة الإنسانية إلا بالقراءة الحرة، إلا بالكلمة التي تربطه بعمق الوجود و بلـذته الخالدة. إنها اللحظة الفارقة بين الرسالة الجـوهرية الحرة و بـين تأسيسها كـدين أو معتـقـد أو إيـديـولوجية استعمالاتية للأفكار التي تـتم عملية اصنمتها باستمرار حتى تـتحجب اللحظة الجـوهـرية كـليا.
و انك تراقب أبجـديات الحـريات الديمقراطوية المصطنعة تـرتـفع إلى ما هو متجاوز لضمان التواجد السلمي للمخـتـلف في كنـف حرية التعبـيـر، إلى ما هو أرقى، إلى العـقل الحر. إلى الجوهـرية الحرة. إلى الوضع الإنساني النبـيل المتأله في مواجهة الوضع البشري الاستكلابي الناهـش بعضه بعضا باسم الالاه و الحرية و العـدالة الاجتماعية. الوضع الإنساني يكررها العـقل للمرة المليون بعد الملاييـن من المرات، لا يمكن أن يكون إلا بالحب. بحب ذاتـك و حب الآخر في الوقت نفسه، أو حب نفسي عبر حب الآخر، و المختـلف عن أنانية الشهوة التي تستعمل الآخر لبلوغ غايتها. أي أحب لنفسك ما تحب لغيرك. و هو تعبـير يـفهمه الجميع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن