شهادة حية لحرب 1967

هيثم بن محمد شطورو
haithemchtourou@gmail.com

2015 / 6 / 3

كانت حرب 1967 هـزيمة سياسية و ليست عـسكرية مثـلما قال المشير "عبد الحكيم عامر" القائد العام للقوات المسلحة المصرية آنذاك. فالحرب الفعـلية أي الـقـتال بين جيـشين لم تـقع إلا في الأردن أي فيما يسمى بالضفة الغـربية، بينما دخلت إسرائيل إلى سيناء حتى مشارف قناة السويس، و دخلت إلى الجولان السوري دون ان تصدها رصاصة مصرية أو سورية واحدة، أي دون أي شكل من أشكال الـقـتال.
كان هذا من حديث الشيخ محمد شطورو، و هو من مؤسسي التيار البعثي في تـونس. كان لنا لقاء معه في بيته بساقية الزيت من مدينة صفاقس، حيث أفادنا بشهادة مطولة عن حرب 1967، و أدهـشتـنا شهادته التي تخالف الرأي السائد حول ما يسمى بنكسة 1967. و قـد آثرنا الاطلاع على شهادته التاريخية و الإفادة بها، بحكم كونه مناضلا قـوميا معروفا و بحكم وجوده أثـناء الحرب في دمشق حيث كان يدرس الفـلـسفة في جامعتها.
قال كنا يوم 5 جوان في فترة تـأدية الامتحانات، و فوجئـنا في بهو الجامعة بأعضاء اتحاد الطلبة السوريـين البعثيـين ينادون للقـتال و يسجلوا أسماء الراغـبـين في الالتحاق بالجبهة. كان اغـلب التونسيـين متحمـسين و لكن كان من المفـترض ان يـوكل أمر الحرب إلى الجيش النظامي، هذا من جهة ثم ان الدعوة إلى التطوع للقـتال كان من المفترض ان تـسبق هذا التاريخ بشهر أو شهرين، ليتم التـدرب على استعمال السلاح و على كيفية التحركات في المعارك. و الخلاصة أننا لم نـنـدفع وراء الحماسة و إنما حكمنا العـقل و نحمد الله على عـدم انجرارنا في مهزلة كبرى لم تـنـتج إلا المهازل المتلاحقة إلى اليوم.
و لكي نـفهم المسألة بدقة، يجب العـودة إلى الوراء قـليلا. نعود إلى ميثاق نيسان 1963. مشروع الوحدة الجديد بين العراق و سوريا و مصر. كانت العراق و سوريا تحت حكم البعثيـين الذين أعـدوا مشروع وحدة فيدرالية يتـلخص في حكومة موحدة على مستوى السياسة الدفاعية و الخارجية، و برلمانات قطرية و حكومات قطرية لها استـقـلالية في إدارة الشأن الداخلي نظرا للخصوصيات المختـلفة لكل قطر. رفض جمال عبد الناصر هذا المشروع و أصر على الوحدة الاندماجية في دولة واحدة تكون على أساس الالتحاق بالدولة القاعـدة أي مصر. في الحقيقة كان يرمي إلى ابتلاع بقية الأقطار و الوحدة العربية بالنسبة له هي مجرد امتداد لمصر و لسلطته الشخصية. ذكره البعثيون بفـشل الوحدة السابقة بين مصر و سوريا لأنها حولت سوريا إلى مجرد مقاطعة مصرية، إلا انه أصر على موقـفه بل انه عبر عن خوفه من ابتلاع حزب البعث لمصر لأنه مدرسة فكرية و له ايديـولوجية و مناضلين سياسيـين و ليس مجموعة من العسكر الانـفعاليـين. حينئـذ تحركت الآلة الإعلامية المصرية ضد البعث و ضد مؤسسه و رئيسه الأستاذ ميشال عـفـلق قائـلين انه لا خير في حزب رئيسه مسيحي، بل إنهم كفروا البعثيـين و اعتبروهم متـنصلين من الإسلام.. لكن الأمر لم يتوقـف هنا، فالمخابرات المصرية بدأت العمل في اتجاه الانـقـلاب على حكم البعـثيـين في البلـدين.
نعود كـذلك إلى أزمة نهر الأردن سنة 1964، حيث أرادت إسرائيل تحـويل مجرى النهر. أمين الحافظ رئيس سوريا البعثية الأصلية دعا إلى محاربة إسرائيل و محوها من الخريطة مدعما هذا المقـتـرح بخطة عسكرية متكاملة، إلا ان جمال عبد الناصر رفض هذا الأمر معتبرا إياه مغامرة كبرى ستجـلب عـداوة العالم، و دفع إلى مشروع وضع مضخات مائية تمنع مياه النهر الوصول إلى فلسطين. اعتبر البعثيون المسالة تخاذلا و عدم جـدية في التوجه الفعلي نحو الحرب و ان عبد الناصر مجرد ظاهرة صوتية على المستوى العسكري.
و يجب ان نعـود كذلك إلى المحطة الأهم و التي كانت لها علاقة مباشرة بحرب 1967. هذه المحطة هي 1 جانفي 1965 حيث تم الإعلان عن ابتـداء الثورة الفلسطينية المسلحة انطلاقا من الأراضي السورية. على فكرة كان أول شهيد للثورة الفلسطينية تونسي. ذاك ان مئات الجنود التونسيـين الذين حاربوا مع الجيش الفرنسي في سوريا ضد المقاومة هربوا من الجيش الفرنسي و التحقوا بالثورة السورية. بعد استـقـلال سوريا سنة 1946 بنت لهم الدولة السورية حيا سكـنيا مرموقا في دمشق سمي بحي المغاربة. كان احد أبناء هؤلاء الجنود أول شهيد للثورة الفلسطينية. و الثورة الفلسطينية أعلنها الزعيم أبو عمار بعدما انـقـلب على احمد الشقيري معتبرا إياه مجرد موظف عند جمال عبد الناصر. كما ان انـقـلاب عرفات جاء على أساس فكرة ان فلسطين تـتحرر بأبنائها و ليس بالأنـظمة العـربية.
كانت الثورة الفلسطينية قد مـثـلت حرجا كبيرا لجمال عبد الناصر. و كانت هي السبب المحوري لانـقلاب 23 فيفري 1966 ضد أمين الحافـظ. سمى الانـقلابـيون أنـفـسهم بالحركة التصحيحية و قد لقيت مباشرة الاعتراف المصري بها.
أراد عبد الناصر من النظام الجديد في سوريا إطفاء نار الثورة الفلسطينية التي كانت على الحدود السورية. اعتبر ان الجيـوش العـربية هي التي تحرر فلسطين و ليس المقاومة الفلسطينية، و بالتالي الانتـظار حتى لحظة بناء جيـوش قـوية. فالمقاومة الفلسطينية على الحدود السورية تـفـتح المطالبة بإيجادها على الحدود المصرية الفلسطينية في غزة، إضافة إلى ردات الفعل العـسكرية الإسرائيلية.
كان قـد تم الانـقلاب على البعثيـين في العراق بواسطة عبد السلام عارف و الآن تم الانـقـلاب عـليهم بواسطة ما سمي بالحركة التصحيحية، التي اعـتبرت البعثيـين الأصليـين يمينيـين و يدعمون البورجوازية. فالاشتراكية البعـثية تـقـوم على أربعة قطاعات هي القطاع العام و الخاص و المختلط و التعاوني، و ذهبت الحركة التصحيحية إلى تـطبـيق ما يسمى بالاشتراكية العـلمية أي السوفياتية التي تـقوم على تأميم جميع وسائل الإنتاج بما فيها الأرض و أدوات الحلاقة للحلاقين الذين يصبحـون موظـفين عند الدولة..
و بدأ القضاء على كوادر الثورة الفلسطينية في دمشق بهدف الوصاية الكاملة على الثورة الفلسطينية إلا ان قيادة فتح رفضت الارتهان للتعـليمات. حينها أدركت إسرائيل ان جمال عبد الناصر لا يريد الحرب و ان الحرب عنده ليست إلا حرب طبول إعلامية. و أدركت انه قد تم في سوريا و العراق إزاحة القوى التي تـؤمن فعـليا بتحرير فلسطين و الوحدة العربية على شكل الفيدرالية، و ان الأقـطار الثلاث الآن هي مجرد أبواق إعلامية و مجرد حرب كلامية و مزايدات سياسية و متاجرة بالقضية الفلسطينية.
حشدت إسرائيل بعض قـطعات الجيش على الحـدود السورية، لإيهام عبد الناصر أنها ستغـزو سوريا، بينما كان الحشد الأساسي و الرئيسي على الحدود المصرية. أعـلنت إسرائيل الحرب على سوريا في أواخر ماي 1967، فتحركت الأبواق المصرية معلنة أنها ستسحق إسرائيل ان اعتـدت على سوريا. و في غرة جوان طلب عبد الناصر بإخلاء خليج العـقبة من القوات الأممية التي انتـصبت كقوى عازلة بين مصر و إسرائيل اثر حرب 1956. و اعتبرت اسرائيل الأمر إعلان حرب عـليها.
ليلة 5 جوان 1967، اجتمع عبد الناصر مع سفيري الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي و ضمن كل منهما عـدم مبادرة إسرائيل بالحرب. و حين لم تـضرب إسرائيل في الفجر و الصباح الباكر تم فك استـنـفار الجـيش المصري ليخلد إلى راحة قصيرة. عند الساعة التاسعة صباحا و نظرا للمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية حول فـك الاستـنفار قامت بضربتها الجـوية التي دمرت القوى الجـوية المصرية بأكملها في ساعات محدودات.
في نـفـس الوقت تم زحف الجيش البري الإسرائيلي على سيناء و الضفة الغـربية حيث قاومت وحدات الجيش الأردني. أما الحدود السورية فكانت هادئة، حيث لم تـدخل إسرائيل إلى الجولان إلا في آخر يوم من الحرب دون أدنى مقاومة من الجيش السوري..
ضباط الجيش المصري محمد فوزي و المشير عبد الحكيم عامر ذهبوا في اتجاه مواصلة الحرب البرية بالهجوم السريع بغية الالتحام بقوات العـدو لتـتـم إزاحة سلاح الطيران الإسرائيلي من المعـركة. بل ان الضابطين المذكورين كانا متـفائـلين بالوصول السريع إلى تل أبيب و تحرير فلسطين بما ان جميع القوات الإسرائيلية في الجبهة. إلا ان عبد الناصر أصر على الانسحاب الكامل من سيناء على أساس استرجاعها عن طريق القنوات الدبلوماسية و السياسية كما كان الأمر في حرب 1956،و بذلك يتحـصل الانتصار السياسي. لم يدرك ان حسابات القوى العظمى قد اخـتـلفت فحرب 56 كان التدخل للإعلان عن إزاحة فرنسا و بريطانيا كـقوى عظمى و افتكاك السيادة الدولية من طرف الأمريكان و السوفيات.
و خلاصة الأمر ان عبد الناصر كان يعـول على الانـتصار السياسي أما من الناحية العسكرية البحتة فهو يخاف الحرب. اعتمد على القوة الإعلامية التي تحول الهزيمة إلى انتصار، و التي حولت حربا لم يخضها الجيش السوري و المصري إلى نكسة قـومية و ما استـتبعته بالتالي من عـقـلية الهـزيمة و جلد الذات و الضرب للمشروع الوحدوي العـربي مما بعث التيارات الإسلامية الرجعية إلى احتلال الساحات.
فهزيمة 1967 يمكننا التعبـير عنها كما قال الكاتب توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي: " عبد الناصر يتكـلم كـثيرا عن الحـرب بينما يـبحث في السر عن وسائل السلام، لكن إسرائيل تـتـكلم كثيرا عن السلام و هي تعـد نـفـسها باستمرار للحـرب..."



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن