الارهاب و ثقافة التمرد

عبد اللطيف بن سالم
bensalem.abdellatif@yahoo.fr

2015 / 5 / 17


الإرهاب - من الناحية النفسية - هو نوع من التمرد على الواقع وعلى التاريخ وعلى القدر . هو في الآن نفسه رفض لمقومات الوجود ذاته ورغبةٌ في الانعتاق والتجاوز وتغيير الواقع .ويحدث مثل هذا التمرد كلما كان الواقع غير مناسب وغير مقنع للعيش فيه بسلام وأريحية ، والشعور بالنقص وعدم الرضا طبيعة متأصلة في الإنسان منذ ظهوره على وجه البسيطة والإحساس بالفوضى واللامعقولية في هذه الحياة من خصائص النفس البشرية رغم فعل تهذيبها وتنويرها بمختلف الثقافات الدينية والفلسفية والعلمية بكل أنواعها لهذا نرى مثل هذا الإحساس يطفو على سطح الوعي كلما كانت الفرصُ سانحة ومهيَّأة . والتمرد في الحقيقة هو رغبة مُلحّة في الهدم وإعادة البناء كلما كان الواقع الذي نعيش فيه غير مناسب وغير لائق بالدرجة الكافية .
قد يكون إذن الإحساس بعبثية الوجود في هذا الزمن الرديء من أهم أسباب التمرد والرغبة في الانخراط في الحركات الإرهابية خصوصا وأن ثقافة العولمة قد آتت أكلها في ظهور الهامشية في صفوف الشباب المحلي والعالمي مما يسهل معه التغريرُ بهم وإلحاقهم سريعا بعمليات التمرد على شعوبهم وعلى أوطانهم ما دامت هذه الشعوب والأوطان عاجزة – ثقافيا -على الاهتمام بهم وتشغيلهم وتأطيرهم في نُظم اجتماعية محترمة تليق بهم وبتطلعاتهم وتلبي حاجاتهم وتصون كرامتهم .
الإرهابي يعيش في الحق مأساة وجودية حتى أنه لم يعد يعي بوجوده أو يبالي به وهو بالتالي جاهز ومستعد بأن يضحي بنفسه شماتة في نفسه التي لم تلق – في اعتقاده – حظها في هذه الحياة كما ينبغي ، إنه بالفعل مُصاب بمرض نفسي لا يبرأ منه- في تصوّره - إلا بقتل غيره المتسبّب له في هذا الوضعية أو قتل نفسه هذه الفاشلة العاجزة ،إنه بانخراطه في أي تنظيم إرهابي قد أعلن الحرب على الغير وعلى نفسه وبالتالي فليس هناك علاج لهذا المرض إلا في تشغيل الشباب والاهتمام به عساه يستمرئ الحياة من جديد ويرضى عن نفسه وعن محيطه الذي يعيش فيه ويتحرر من القلق . إن من القلق ما يُفضي أحيانا إلى إرادة القلق والاستمرار فيه مما يتسبب لا حقا في الإخفاق والفشل والشعور بالإحباط الدائم ومن ضحايا هذه الحالات المزرية هؤلاء المنخرطون في شبكات الإرهاب أو غيرها من الحركات المتطرفة .
الإرهاب من صنعنا :
أما الإرهاب - اجتماعيا – من حيث هو مظهر للتطرف الديني فهو – في الحقيقة - من صنعنا ونحن الذين نمكنه من أنفسنا بوعي أو بدون وعي منا . الإرهاب لا ينتهي أبدا ما لم نقدر على تجفيف منابعه الأصلية ونوقف تدفقه المتواصل على مر الزمن ، إنه مرض عضال مزمن متجذّر في لاوعي أصحابه يصعب اجتثاثه في أية مدة وجيزة كانت أو طويلة .إننا نُرضعه لأبنائنا في حليب أمهاتنا ونعلّمهم إياه في روضاتنا وفي مدارسنا ونطبّقه لا حقا في مجالسنا ومساجدنا وتصرفاتنا ونُقيم له المعالم في كل بلداننا إذ ترى الصوامع مثل الصواريخ الهابطة علينا من السماء ونُحدث له وزارة كاملة بميزانية هائلة لتهتم بشؤونه الدائمة الخاصة منها والعامة ثم نتساءل : لماذا الإرهاب يهددنا ؟ كم نحن نعيش في تناقضات غريبة ومزعجة ؟
إنه في مخططات الامبريالية العالمية الوباءُ الذي سيقضي علينا إن عاجلا أو آجلا وذلك بدافع وهم من المعرفة نظنه الصواب دائما ونعتبره السلاح الأوحد الذي نقاوم به " الأعداء ". وإن المساجد عندنا هي الأبواق الدعائية لغسل الأدمغة من أي فكر جديد وحشوها فقط وعلى الدوام بما يؤكد وينشر هذا الوباء كما لو كان رحمة من السماء ليس لنا رحمة غيرها . إن وزارة الشؤون الدينية تسمح بصرف عشرات المليارات من العملة الصعبة من ميزانيتنا المتهالكة للحج مرة في كل سنة وللعُمرات المرات العديدة المتتالية وعائلات عديدة في شمال البلاد وجنوبها تموت جوعا وعطشا ، ونفعل ذلك كله لتغذية هذه النزعة العدوانية المتأصلة فينا ضد البشرية قاطبة منذ ظهورنا ونقول بيننا وبين أنفسنا لماذا الغرب يكرهنا ويخطط دائما للقضاء علينا .
ألسنا نحن الذين نستفزه بتصرفاتنا الغريبة والمُزرية ؟
إن الإرهاب من صنعنا ونحن الذين نمكّنه من أنفسنا ونساعد الغرب على استعماله وتوظيفه ضدنا أحببنا ذلك أم كرهنا .
وليس الحل أبدا في إحداث قانون لمقاومة الإرهاب إذا لم نقدر على اجتثاثه من أصوله المثبتة ونقضي على خلاياه النائمة مرة واحدة وهو ما ليس بالسهل أبدا ولكنه ليس بالمستحيل علينا أيضا إذا وضعناه مركزا لاهتمامنا .
أما – تاريخيا – فثقافة الاستسلام والخضوع لمعبود وهمي يتحكم في كل حركة من حركاتنا ويراقب كل تصرفاتنا وسلوكاتنا لأكثر من ألف وأربعمائة سنة من عمرنا ليس من السهل التحرر منها للانتقال إلى ثقافة أخرى خصوصا ونحن قد صرنا نتوارثها ونعمل دائما على ترسيخها مجددا في نفوس أبنائنا وبناتنا عن طريق التربية الأُسرية في بيوتنا أو عن طريق التربية المدرسية في مختلف مراحلها ونتساءل لماذا الغرب يكرهنا ويعمل عل إبادتنا . ها قد صنعنا له " داعشا " لمقاومته فإذا ب "داعش لا تقاتله بل تقاتلنا فتقتل بالتالي أبناءها وأبناءنا . هل في الوجود غباء أكبر من هذا الغباء ؟؟؟

يقظان ابن الحي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن