حرية الرأي والتعبير بموجب التشريعات والقوانين العراقية النافذة

بطرس نباتي
pettar_nabati@yahoo.com

2015 / 4 / 15


المقدمة :
تشهد الساحة الإعلامية والصحفية في العراق بعد 2003 تزايدا ملحوظا في الاعتداءات وانتهاكات ضد العاملين في الحقل الاعلامي والصحفي وصل العديد منها لحد منها التصفية الجسدية للعديد من المشتغلين فيهما على ايدي الجماعات المسلحة وكذلك لوحظ التصاعد فيما قدم أمام المحاكم العراقية من دعاوى طالب فيها بعض المسؤولين بإنزال عقوبات بحق الكتاب بتهمة التشهير وبالفعل تم إصدار حكم ببعض القضايا وتبرئة ساحة البعض منهم حيث تعرض 42 صحفي وإعلامي للاعتقال و18 صحفيا للمحاكمة والسجن جراء دعاوى رفعت ضدهم من قبل المسؤولين بتهمة القذف والتشهير. وتم قتل أكثر من 215 صحفيا وإعلاميا عراقيين وأجانب بسبب عملهم الصحفي وخطف 68 لازال مصير 16 منهم مجهولا لغاية عام 2007، أحد تقارير المرصد الصحفي الصادر في 2012 يتحدث عن انتهاكات خطيرة ضد الصحفيين والإعلاميين في العراق منذ مايس2011 ولغاية مايس 2012 حيث ذكر مصرع ثلاثة صحفيين بهجمات مسلحة 31 اعتداء من قبل قوات مسلحة احتجاز واعتقال 66 صحفيا وإعلاميا منع من التصوير 84 حالة ونجاة 7 من هجمات مسلحة أصيب منهم ثلاثة بجروح بالغة الخطورة، ولا زال العراق بالنسبة إلى هذه التقارير وغيرها أسوء مكان يتعرض به الصحفيين والإعلاميين إلى شتى أنواع الاضطهاد والملاحقة والتصفيات الجسدية .
ومن جهة أخرى أن معظم الذين يعملون في الحقل الإعلامي والصحفي يجهلون الجانب القانوني والجزاءات التي يتعرضون لها نتيجة كتاباتهم و تناولهم لبعض القضايا التي تقع ضمن طائلة تهمة القذف و التشهير ولا تسعفهم تشبثهم ببعض المواد الدستورية التي تؤكد على حرية الرأي والتعبير في العراق .
ونتيجة هذا التعارض بين ما تناولته الدساتير العراقية بهذا الصدد وما جاء في قانون العقوبات من مواد تحد من هذه الحريات وجدت من الضروري بيان هذا التعارض وبالأخص في المديات المسموح بها.

موقف التشريعات الدولية:

بعد 2003 وفسح المجال لأول مرة في العراق بعد قرون من كبت الحريات الأساسية الواردة في معظم التشريعات الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي وقع العراق عليه في فترة مبكرة من إعلانه في 1948والتي نصت المادة 19 منه على لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي مضايقة و استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي وقع بتاريخ 16 /12/ 1966 والعراق صادق عليه في 25/1/1997ملزما نفسه بهذا العهد فقد ذهب بنصوصه إلى مديات أوسع في النص على الحريات الأساسية للفرد وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وقد نص هذا العهد على:

1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة
2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ان يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية لـ
أ‌- احترام حقوق الاخرين و سمعتهم
ب‌- لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة اوالاداب العامة.
.


الدساتير العراقية وحرية الرأي والتعبير:

تتفق جميع الدساتير العراقية على بعض الحريات الأساسية للإنسان منها حرية إبداء الرأي والتعبير رغم اختلافها بما تورده من أحكام دستورية حول المساحة المسموح بها لهذه الحريات.
حيث ورد في الباب الأول المادة 12 من الدستور الأول الذي سمي بالقانون الأساسي العراقي في عام 1925 تحت عبارة حقوق الشعب ما يلي:
(للعراقيين حرية ابداء الراي وتاليف الجمعيات والانظمام اليها(ضمن حدود القانون )
في عام 1958 سن الدستور المؤقت للجمهورية العراقية ونصت المادة العاشرة منه إلى ( حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة (وتنظم بقانون ) رغم التطور الذي كانت تشهده الحريات العامة في القانون الدولي إلا أن هذه الفقرة جاءت بأقل ما جاء به القانون الأساسي لعام 1925
أما دستور عام 1964 فقد ذكر حرية التعبير والصحافة بتوسع اكبر مما تم ذكره في الدساتير السابقة حيث جاء في المادة 29 منه:
(إن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في( حدود القانون) كما نصت المادة 30منه على:
( أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون)
كما كرر الدستور العراقي المؤقت في 21 ايلول 1968 الفقرة نفسها من الدستور السابق بفقرتها (29)، إلا أنها حملت التسلسل (31)
والتي نصت على : (أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون) ، ولم يتم أي تعديل عليها، وفي المادة (32) من دستور عام 1968 المؤقت جاء: حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وفي حدود القانون). ولم تكتف هذه الفقرة بتنظيم حرية الصحافة وفق حدود القانون، بل قرنتها قبل ذلك بـ( مصلحة الشعب) وهو قيد آخر تتسم به دساتير غالبية النظم التي تقوم بالتغيير بشكل انقلابي، حيث تطلق مثل هذه المفاهيم لإظهار الانقلابين وكأنهم هم وحدهم الساعين من اجل مصالح الشعب وإنقاذه من السلطة السابقة لانقلابهم.
لحق بالدستور المؤقت لعام 1968 دستور مؤقت آخر في عام 1970، والذي سمي دستور الجمهورية العراقية المؤقت، الذي حدد في فقرته رقم(26):
( أن الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون). وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة
أما الدستور الاتحادي الدائم لجمهورية العراق والذي اقر بالتصويت العام يوم 15 ت1 عام 2005 فقد نصت المواد35و36و37و38 و 39و40و41و42و43و44 أي في الفصل الثاني ( الحريات) وجميع مواد هذا الفصل تنص صراحة على الحريات الأساسية للفرد العراقي وهي تتطابق في العديد من مضامينها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكن هناك فقرتين أساسيتين في الدستور وفي هذا الباب أود ان أقف عندها وهي:
المادة 36 التي تنص على ( تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب أولا حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون ..
والمادة الأخرى التي تهمنا هي المادة 44 والتي هي الخلاصة الكلية لهذه المواد جميعها حيث تنص (على لا يكون تقييد أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية)
لدى قراءتنا في الدساتير العراقية جميعها منذ 1925 ولغاية 2005 نلاحظ ما يلي :
1- جميعها لا تختلف حول حرية التعبير والتي تتفق جميعها بكونها إحدى الحريات الأساسية للإنسان ،عدا دستور مؤقت صدر في عام 1970 الذي نص في فقرته (26) بأن حرية الرأي والنشر والاجتماع وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وممارسة حرياتها تحدد بما ينسجم مع خط الثورة القومي التقدمي. فهذا كان تراجعا وتسقيطا للمفاهيم التي جاءت بها الدساتير العراقية قبل هذا التاريخ.

2- جميع الدساتير نصت على أن حرية التعبير والنشر سيتم تحديدها بموجب القانون و الدستور الدائم والذي جاء بفقرات أخرى تعتبر تشديدا وأكثر تحديدا للحريات من الدساتير الأخرى وخاصة في فقرتين 36و44 والتي أوردنا نصيهما فيما سبق

3- الفقرة 36 تربط كفالة الدولة بالحريات بما (لا يخل بالنظام العام والآداب ) والفقرة 44 تنص على عدم تقييد أو تحديد جميع الحريات التي وردت في باب الحريات ( إلا بقانون وبناء عليه ، أي أنها تماشت أو سايرت الدساتير الأخرى عدا عبارة وردت في خاتمتها والتي تنص ( على أن لا يمس ذلك التحديد والتقيد جوهر الحق أو الحرية ( وهذه العبارة أي جوهر الحق والحرية تعتبر من العبارات العامة التي من الصعب تحديد مفاهيمها ومدياتها القانونية فيمكن أن تختلف الآراء أو المفاهيم في مسألة إحقاق الحق أو المساحات المتسامح بها من اجل ضمان الحق والحرية إذا ما تم عرضها على القضاة أو الفقهاء، أما ما يحفظ النظام العام فهذا أيضا يخضع للاجتهاد رغم أن النظام العام في العراق تم تحديده بالحفظ على الأمن العام والسكينة العامة والمحافظة على الممتلكات العامة أما تقدير أية قضية تمس هذه الأمور الثلاثة ستترك حتما لتقدير قاضي الموضوع ،
الأمر الأساسي في مسألة تطبيق المواد الدستورية هذه بموجب مبدأ السمو الدستوري على التشريعات والقوانين الأخرى للبلد ولكونه يتمتع بهذه الميزة فهو غير مختص بتدوين كل التفاصيل في التشريعات ويكون القوانين الوضعية ألاحقة للدستور دورها في تطبيق المواد الدستورية وهي التي تحكم العلاقة القضائية .
رغم مرور سبع وثمانون عاما على صدور أو دستور عراقي والذي ينص على تنظيم هذه الحريات بقانون لم يصدر لحد الآن أي قانون لتنظيم هذه التشريعات الدستورية وما صدر لحد الآن ليس سوى لوائح تصدرها أو قوانين جائرة منها ما صدر في 1981 الذي سمي بقانون وزارة الثقافة والإعلام الذي يؤكد على نشر أفكار ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي ورغم حل وزارة الإعلام إلا أن وزارة الثقافة لا زالت موجودة ولم يتغير قانونها لحد الآن وقانون دار النشر 98 لسنة 1971 وتشير إحدى مواده على أن دار الجماهير للنشر تشرف على الصحف والمجلات والمطبوعات والدار المذكورة لم يعد لها وجود ولكن لحد الآن لم يتم إلغاء هذا القانون .

بعد 2003 صدرت من سلطة الائتلاف عدد من التشريعات منها ما ورد في قانون إدارة الدولة في الفترة الانتقالية وكقانون 65 لتأسيس الهيئة الوطنية للاتصالات والإعلام وقانون 66 لإصدار صحيفة يومية ومحطة تلفزيون الصادر عن بول بريمر 2004 ولكن اخطر ما صدر عن سلطة الائتلاف الأمر 14 والذي يسمح بموجبه مطاردة الصحف وتفتيشها وإغلاقها وما زال ساري المفعول و القرار رقم 7 الذي أكد على بقاء معظم أحكام قانون العقوبات لسنة 1969 والذي اعتبر نافذ المفعول بموجب نص المادة 130 من الدستور الاتحادي الدائم والتي تنص على تبقى التشريعات النافذة معملا بها ما لم تلغى أو تعدل وفقا لأحكام الدستور .

حرية الرأي والتعبير و قانون العقوبات:
تم سن قانون العقوبات العراقي في عام 1969 ويحمل الرقم 111يتكون من 508 مادة عالج فيها معظم القضايا الجنائية ولا زال لحد الآن هو الحكم والفصل ونافذ في القضايا التي تخص الدعاوي الخاصة بالقذف والتشهير .
ومن أجل التعرف على وصف جريمة القذف تنص المادة 433 على ان اركان جريمة القذف
1 – القذف هو اسناد واقعة معينة الى الغير باحدى طرق العلانية من شانها لو صحت ان توجب عقاب من اسندت اليه او احتقاره عند اهل وطنه.
ويعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين.
واذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او باحدى طرق الاعلام الاخرى عد ذلك ظرفا مشددا.
2 – ولا يقبل من القاذف اقامة الدليل على ما اسنده الا اذا كان القذف موجها الى موظف او مكلف بخدمة عامة او الى شخص ذي صفة نيابية عامة او كان يتولى عملا يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما اسنده القاذف متصلا بوظيفة المقذوف او عمله فاذا اقام الدليل على كل ما اسنده انتفت الجريمة.
الفعل الجنائي يتطلب توفر جانبين مادي ومعنوي فالفعل المادي نجده في مادة القذف المنشورة في الصحف والمجلات أو وسائل الإعلام الأخرى والقصد الجنائي هو ذكر العبارات النابية التي ينطق بها القذف) فإذا انتفى اسم الشخص أو الوسيلة كأشياء مادية أو القصد الجنائي معها ركن الضرر الذي يلحقه الجاني بالمجني عليه فأي ركن يسقط في الدعوى الجنائية من هذه الأركان تكون الجريمة غير واقعة فإذا استطاع المجني أن يبرهن بان القذف قد جاء نتيجة اتصال المقذوف بوظيفة عامة ونتيجة فعل القاذف متصلة بمصالح الجمهور فإذا أقام المتهم بالقذف هذا الدليل فإن الجريمة منتفية والمواد الأخرى التي تعالج جريمة القذف هي 434 و435و436و437و438و439 وما يهمنا في هذا الموضوع هي المادة 434 والتي تنص
السب من رمي الغير بما يخدش شرفه او اعتباره او يجرح شعوره وان لم يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة.
ويعاقب من سب غيره بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين.
واذا وقع السب بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او باحدى طرق الاعلام الاخرى عد ذلك ظرفا مشددا.
السب هنا يقصد به الكلمات النابية بما تخدش شرف المجني عليه فقد شدد المشرع هذه العقوبة في حالة وقع السب بطريقة النشر والمحاكم غالبا ما تحكم بالغرامة في مثل هذه الحالات إلا إذا أخذ بظرف التشديد
أما الجرائم الأخرى الخاصة بالتشهير والتي ورد في ق.ع .ع فقد نصت المادة 81 على معاقبة رئيس التحرير إضافة إلى الناشر وفي مادة 82 حتى إذا ما نشرت خارج العراق والتي حددها بجرائم الماسة بأمن الدولة والماسة بمسؤول حكومي ووصل الأمر لحد إعدام المدانين بهذه الجريمة غلا انه تم تخفيف العقوبة في عام 2004 إلى سجن مدى الحياة .
حرية الرأي والتعبير في إقليم كوردستان :
منذ تشكيل المؤسسات الرسمية في إقليم كوردستان سعت نقابة الصحفيين في الإقليم إلى سن قانون خاص بالعمل الصحفي والإعلامي وقد اقر قانون باسم قانون العمل الصحفي من قبل برلمان كوردستان في جلسته المنعقدة في 22م9/2008 بعد أن أعاد رئيس الإقليم قانون سابق إلى برلمان الإقليم بغية تعديل بعض فقراته وقد تضمن هذا القانون أربعة عشرة مادة قانونية عالجت معظم القضايا التي تخص العمل الإعلامي والصحافي في الإقليم وفتحت مساحة جديدة من حرية الرأي والتعبير فقد جاء في المادة الثانية منه بان
أولاً: الصحافة حرة ولا رقابة عليها وحرية التعبير والنشر مكفولة لكل مواطن في إطار احترام
الحقوق والحريات الخاصة للأفراد وخصوصية حياتهم وفق القانون والالتزام بمبادئ أخلاقيات العمل الصحفي وفق ميثاق شرف الفيدرالية الدولية لعام 1954 المعدل.
ثانياً: للصحفي الحصول على المعلومات التي تهم المواطنين والمرتبطة بالمصلحة العامة من
مصادرها المختلفة وفق القانون.
ثالثاً: للصحفي إبقاء مصادر المعلومات أو الأخبار التي يتم الحصول عليها في سرية بالنسبة للدعاوي المعروضة على المحكمة إلا إذا قررت المحكمة المختصة خلاف ذلك.
رابعاً: يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي تملك الصحف واصدارها وفقاً لأحكام هذا القانون.
خامساً: يحظر منع صدور الصحف او مصادرتها.
واهم ما تضمنه هذا القانون هو عدم النص على عقوبات مقيدة للحرية كما ينص عليها قانون العقوبات العراقي والتي تتراوح بين السجن لمدة سنة إلى عقوبة السجن المؤبد، والامر الاخر هو الاشارة في المادة الاولى إلى الالتزام ميثاق الشرف للفدرالية الدولية لعام 1954 رغم ذلك فلا زال القانون بحاجة إلى تعديل آخر بغية تقليص مبالغ الغرامات التي تراوحت بين مليون دينار عراقي وعشرين مليون كما هو بحاجة إلى تفسير بعض ما ورد به من الأسباب التي تستوجب العقوبة
1- زرع الأحقاد وبذر الكراهية والشقاق والتنافر بين مكونات المجتمع.
2. إهانة المعتقدات الدينية او تحقير شعائرها.
3. إهانة الرموز والمقدسات الدينية لأي دين أو طائفة أو الإساءة إليها.
4. كل ما يتصل بأسرار الحياة الخاصة للأفراد ولو كانت صحيحة إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم.
5. السب أو القذف أو التشهير

هذه المواد التي نص القانون على عدم جواز المساس بها والتي تتخذ في مواقف عديدة كحجة لمعاقبة الصحفيين، وهي تتعارض مع ما ورد في المادة الثانية بالإشارة إلى ميثاق شرف الفدرالية الدولية والذي ينص على احترام حقوق وحريات الأفراد وخصوصية حياتهم فإن كان هذا الالتزام مذكورا في مقدمة القانون فلم يكن داع من تعداد ما يمكن أن يحد من حرية الرأي
بتكرار ما هو موجود أصلا في قانون العقوبات العراقي والذي تتعارض بعض مواده مع حقوق الرأي والتعبير .
رغم ما تبديه حكومة الإقليم من خلال مؤسساتها التشريعية والقضائية من إظهار حرصها على الحريات الأساسية للإنسان إلا أن هناك تجاوزات لا زالت تحصل ضد العاملين في الصحافة أو في الحقل الإعلامي واخطر هذه التجاوزات والتي تتنافى مع قانون العمل الصحفي هو معاقبة الصحفيين بعقوبات مقيدة للحرية بموجب قانون العقوبات الذي لازال ساريا في العديد من مواده في الإقليم وقد رصد مرصد الحريات الصحفية ( J F O) الانتهاكات والاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون في كوردستان خلال عام 2012 وقدمها بتقريره الصادر في 8/1/2013عن عدد الصحفيين الذين تعرضوا للانتهاكات حيث بلغ عددهم 132 صحفيا وكما يلي :
اعتقالات : 50 ، تهديد بالقتل: 5 ، ضرب:21 ، منع مزاولة العمل الصحفي: 67 المسبات و والإهانات : 12 ، كسر و احتجاز المعدات الصحفية:34 ، وسجل المرصد تراجع في حالة الهجمات المسلحة على المؤسسات الصحفية والفرق الإعلامية حيث بلغ (1) فقط إطلاق نار على إذاعة احد الأحزاب .
رغم أن قانون العمل الصحفي لم ينص على عقوبة سجن أو اعتقال الصحفي فقد أورد التقرير المذكور أن عقوبة السجن تم فرضها على بعض الصحفيين عملا بنص إحدى مواد قانون العقوبات العراقي لكون الصحفي غير منتمي إلى النقابة وهذا ما يتعارض مع قانون النقابة حيث لم يلزم نظامها الداخلي جميع العاملين في الإعلام أو في الصحافة بالانتماء إلى النقابة حيث فتح المجال كي يكون الانتماء إليها اختياريا ، ولو لا هذه التجاوزات لأعتبر إقليم كوردستان من المناطق والأقاليم المتطورة في مجال حرية الرأي والتعبير ونأمل أن يشهد هذا العام المزيد من الخطوات والتشريعات في هذا المضمار.

الخلاصة:

1- المواد القانونية في قانون العقوبات 81و82و83 و84 والتي تصل فيها العقوبة على حد الإعدام وجميعها خاصة بالنشر وحرية الرأي والتأليف وقد خفف بعضها بعد عام 2003 لتصبح عقوبتها السجن المؤبد أما المواد 202 و 227 و 215 و225 و225 و 229 و 305 و 327 و 372 و404 و434 و435 و 437 فهذه أيضا تتراوح العقوبات الخاصة بحرية الرأي والفكر والنشر بالسجن لسنوات عدة وصولا إلى الإعدام.
2- معظم المواد التي سنت بعد 2003 وعدلت بموجبها بعض الفقرات في قانون العقوبات لازالت قاصرة عن مواكبة روح القوانين الدولية بهذا الشأن، وهي لم تتجاوز إلا في استبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد أو تخفيف بعض الأحكام الأخرى ولكن عقوبة السجن لا زالت قائمة لحد الآن بالنسبة إلى المواد التي تتعامل مع حرية الرأي والتعبير.
3- معظم المواد التي وردت في قانون العقوبات والتي لها مساس بالحريات الأساسية ومنها حرية الرأي والتعبير أوقف العمل بها من قبل المؤسسات القضائية في حكومة الإقليم حيث بلغ تعداد هذه المواد( 70) مادة يتجاوز الحكم بها من 5 سنوات ولحد عقوبة الاعدام وهناك عدة دراسات تجري منذ 1011 في إقليم كردستان بغية سن قانون عقوبات جديد يحفظ كرامة وحرية الإنسان بالاستفادة من بعض القوانين المشابهة الأوربية كالقانون السويدي.

4- إن تطبيق فقرات من قانون العقوبات على الشكاوى المقدمة بحق المشتغلين بالحقل الصحفي والإعلامي يعتبر تضيقا وانتهاكا لحرية الصحافة ، ويشكل تهديدا حقيقيا لحرية الرأي والتعبير، ذلك لان حماية حقوق الآخرين من تشويه للسمعة أو السب أو القذف؛ لا يجب بكل حال من الأحوال أن يمر عبر القانون الجنائي أو قانون العقوبات، وإنما يجب أن يمر عبر القانون المدني والتشريعات الخاصة بحرية الصحافة ومواثيق الشرف التي صدر منها في العراق وعند إخضاع العاملين في هذا الحقل للمسائلة القانونية يتوجب أن تتم بحضور نقيب الصحفيين أو من ينوب عنه قانونا .
5- على النقابات والاتحادات الصحفية والإعلامية إيجاد قاعدة بيانات لجمع كل ما يتعرض له الصحفيين والإعلاميين من جميع انتهاكات لحقوقهم ومهما كان نوعها وشدتها والعمل على ربط منظماتهم بالفدراسيون الدولي، وتزويد المنظمات الدولية بالتقارير السنوية حول اوضاع الصحافة والاعلام وما تتعرض له من معوقات وانتهاكات .
6- فضح الجهات والمسؤولين الحكوميين والحزبين عبر وسائل الاعلام المختلفة بنشر انتهاكاتهم وممارساتهم القمعية ضد حرية النشر والتعبير ؛




المصادر:
القانون الاساسي العراقي لسنة 1925
جميع الدساتير المؤقتة الصادرة بعد 1958
الدستور الدائم 2005
قانون العقوبات المرقم 111 في 1969
تعديلات قانون العقوبات الصادرة بعد 2003 في قرارات سلطة التحالف



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن