ج3 / ف 3 : إنحلال المماليك بأثر التصوف

أحمد صبحى منصور

2015 / 4 / 11

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية
الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف .
: إنحلال المماليك بأثر التصوف ( السلاطين ، الأمراء ، جمال المملوك طريقة للوصول للمناصب ، المدح بقلة الوقوع فى الفواحش ، الشذوذ عامل فى الفتن السياسية .)
مقدمة
كان المماليك اكثر طائفة تأثرت بالدين السائد، خصوصا وقد جاءوا من بلادهم أطفالا سرعان ماتعودوا وتطبعوا بطابع المجتمع الذى عملوا فى خدمته صغارا ثم حكموه كبارا . إن المماليك حين اعتنقوا الإسلام أفرادا وأطفالا إنما اعتنقوا التصوف دينا عمليا بعقائده وأخلاقه . والمماليك سواء كانوا سلاطين أم أمراء وقعوا فريسة للإنحلال خصوصا الشذوذ الجنسى الذى جعله التصوف دينا ، وساعده عليه تحول المعسكرات التى تجمع صغار المماليك إلى أوكار لممارسة الشذوذ ، وهو نفس الدور الذى كان مؤسسات التصوف تلعبه .
إنحلال السلاطين :
1 ــ لم تبخل الحوليات التاريخية التى كتبت فى عهد السلطة المملوكية بالإشارة إلى انحلال السلاطين وشذوذهم الجنسى ، فيصف المقريزى السلطان فرج بن برقوق ( ت 815) ( بالتجاهر بالفسوق من شرب الخمر واتيان الفواحش والتجرؤ العظيم على الله جلت قدرته ، والتلفظ من الاستخفاف بالله تعالى ورسله ماتكاد الألسنة تنطق بحكايته لقبح شناعته) . أى جمع بين شطحات التصوف وانحلاله الخلقى .
2 ــ وقد يقلع السلطان عن الفسوق إذا مرض وعجز ، وذلك ماحدث للسلطان المؤيد شيخ (ت 822) . وبعضهم كان يتمادى فى التدين الصوفى فيتمادى فى الانحلال الخلقى ، فالظاهر ططر(ت824) كان مريدا للشيخ شمس الدين الحنفى وكان مشهورا فى نفس الوقت ( بمحبة الشباب) .
3 ــ والسلطان برقوق أبرز مثل لهذا الجمع بين التدين الصوفى والشذوذ الجنسى والفساد السياسى ، فقد أوصى برقوق عند موته أن تُعمّر له تربة ( مقبرة ضخمة كمؤسسة صوفية ) تحت الجبل ويوقف عليها الأوقاف ، وأن يدفن فى لحد تحت أقدام مجموعة من الأولياء الصوفية ليتشفعوا فيه ، وهم علاء الدين السيرامى وأمين الدين الخلوتى وعبدالله الجبرتى وعبدالكريم الجبرتى . . ومع ذلك فإن شهرة برقوق فى الشذوذ الجنسى أثرت على عصره . والناس على دين ملوكهم سواء كانوا صوفية أو سلاطين . يقول أبو المحاسن عنه وعنهم ( اشتهر فى أيامه اتيان الذكور ، من اشتهاره بتقريب المماليك الحسان لعمل الفاحشة فيهم) .
4 ــ ووصلت شهرة السلاطين المماليك فى الشذوذ إلى خارج الدولة ، فالسلطان غازان التترى سأل مستنكرا الأمير حسام الدين المجيرى ( كيف تركت امراؤكم النساء واستخدموا المردان؟)
الأمراء المماليك :
1 ــ وكان المؤرخون أكثر صراحة فى وصف كبار الأمراء المماليك بالفسق ، وفى هذا المجال برز المقريزى بحدة ألفاظه ، فيقول عن الأمير قنباك( كان من سيئات الزمان جهلا وظلما وفسقا) ويقول عن الأمير ابن الطبلاوى وموته( أراح به الناس من ظلمه وفسقه وعتوه)
2 ــ وفى نظرة سريعة لبعض صفحات تاريخ (السلوك ) نقرأ للمقريزى الآتى :
( الأمير يشبك اليوسفى (ت824) (من شرار خلق الله لما عليه من الفجور والجرأة على الفسق) .
الأمير آق قجا (ت 824) كاشف الوجه القبلى فى عهد ططر وبرسباى ( افتض مائة بكر غصبا) .
الأمير ابن الرملى (ت 826) ناظر الدولة( من ظلمة الكتاب الأقباط وفساقهم) .
الأمير تيبك ميلق (ت 826) ( كان ظالما سخيفا ماجنا متجاهرا) اى بالمعاصى .
الأمير سودون الأقىت827 ( كان عيبا كله) ،( لشدة بخله وكثرة فسقه وظلمه) .
الأمير تغرى بردى ت( 827)( والد المؤرخ ابى المحاسن ) قال عنه المقريزى:(ماهو إلا الظلم والفسق). الأمير إينال الطوروزى ت828 (كان ظالما فاسقا).
الأمير تاج الدين القازانى ت 839 والى القاهرة ( لم يعف عن حرام ولم يكف عن الإثم) ( ولقد كان عارا على جميع بنى آدم) .
الأمير سودون ت841( كان مصرا على مالا تبيحه الشريعة من شهواته الخسيسة).
الأمير طوخ نازى ت843( من شرار خلق الله فسقا وظلما وطمعا) .
ومن خلال تنويع المقريزى فى وصفهم بالفسق والظلم نتعرف على تجاهرهم بذلك إلى درجة أصبحت لازمة من لوازم السلطة. وحتى الأقباط من خدم السلطة اتصف بنفس الملامح ، كالأمير ابن الرملى.
3 ـ وقبل المقريزى يذكر ابن ايبك الصفدى فى القرن الثامن ان الأمير بغا الداودار الناصرى ت 737 كان يميل الى الشباب وكان يختلق الأعذار ليختلى بهم ، وأن الوزير توبة بن على ت 698 اشتهر ( بشراء المماليك الملاح )، وانه اشتهر بحب مملوك مليح اسمه اقطوان . ( الوافى 10 / 175 ، 10 / 438 : 439 )
4 ــ وبعد المقريزى يذكر ابن اياس أن عمر ابن الأمير دولات باى الداودار كان من أعيان ( أولاد الناس ) أى ( ابناء الأمراء المماليك ) و ( كان شابا حسن الشكل جميل الوجه بهى المنظر ) وأورد ابن اياس شعر عشق فاحش قالها بعضهم فى هذا الشاب المملوكى الذى مات فى طاعون ذى الحجة عام 881. ( تاريخ ابن اياس 3 / 125 )
5 ــ وبعض الأمراء كبعض السلاطين خلط انحلاله الخلقى بانحلاله العقيدى ، ورأينا الناصر فرج يخلط الشطح بالفسق ، ومثله كان خادمه الأمير سيف الدين بلاط (ت 815) وصفه أبوالمحاسن فقال ( كان فاسقا زنديقا يرمى بعظائم فى دينه وكان يقول للناصر فرج .. أنت استاذى وأبى وربى ونبيى ، أنا لا أعرف أحدا غيرك ، وكان يسخر ممن يصلى ويضحك عليه ) .
ومثله الأمير شاهين الأفرم ( كان مشهورا بقلة الدين ، بل كان بعض الناس يتهمونه فى إسلامه ) مع إدمانه الخمر واللواط .
والأمير يشبك الموساوى ت 814 ( كان يتجاهر باللواط )
6 ــ وفى دراسة سريعة لتاريخ الهصر للصيرفى نرى هذه النوعية من الأمراء كالآتى :
الأمير قانم نعجة (ت873) ( كان من الأشرار الظلمة ، كثير الفسق والزنا ، وإن سكر عربد) .
وخوند فاطمة بنت الظاهر ططر لها علاقات متعددة وخلطت ذلك بالتحايل على أموال الناس.
الأمير طومان باى الظاهرى ت 874 ( كان ظلوما غشوما منهمكا فى اللذات ) .
الأمير تانى بك المحمدى ت872 ( كان يظلم نفسه كثيرا لانهماكه فى الملذات ).
ثم الوزير قاسم ( ضبطه الوالى بالجزيرة ومعه امرأة ) .
وكالعادة أيضا خلط بعضهم بين طريقه الصوفى وطريقه فى الانحلال مثل الأمير بتمس الياجاسى الجركسى ( كان يحب الفقراء ويجالسهم ،ولكنه كان له ميل زائد فى الذكور) .
7 ــ وواضح أن معرفة المماليك بالشذوذ كانت تبدأ مع بداية تعليمهم فنون الحرب .
يقول ابن كثير: ( رسم السطان الناصر محمد بالمنع من رمى البندق ، وألا تباع قسيها ولا تعمل ، وذلك لإفساد رماة البندق أولاد الناس، ( يقصد أولاد الأمراء المماليك وصغارهم ) وأن الغالب على من تعاناه ــ أى احترفه ــ اللواط والفسق وقلة الدين ، ونودى بذلك فى البلاد المصرية والشامية ) . وكان ذلك سنة 733 والنماذج السابقة كانت بعد ذلك بأكثر من قرن .
جمال المملوك طريقة للوصول للمناصب :
1 ــ وفى مجتمع تسيطر عليه آفة الشذوذ الجنسى ويتسارع أربابه على التجاهر بذلك يكون من المألوف اعتبار الجمال فى الذكور أهم طريقة للوصول إلى المناصب.
وقد عرضنا للسلطان برقوق واتهامه بحب الذكور، ولذلك يقول ابن حجر عن الأمير شيخ الخاصكى ت 801( كان جميل الصورة جدا ، فكان من أخص مماليك الظاهر برقوق به ) . وعنه أيضا يقول السخاوى ( كان أجمل مماليك الظاهر برقوق وأقربهم إلى خدمته وأخصهم به ، وكان بارع الجمال فائق الحسن منهمكا فى الملذات ) .
2 ــ ويقول المقريزى عن الأمير طنبرق أن السلطان المظفر حاجى( شغف به وأنعم عليه بإمرة مائة) .
وابن الأشرف خليل كان ( يهوى طغجى الأشرفى أحد مماليكه ، فقدمه وخوّله وأنعم عليه بمال كثير ) .
وقال عن الناصر محمد ابن قلاوون أنه ربى طقتمر الدمشقى صغيرا ( وشغف بحبه شغفا زائدا ، فأمَره سنة 710 ( أى جعله أميرا ) وأنشأ له دارا جليلة ) .
وأن الأمير سكربيه ت 824 ( أصبح من خواص السلطان المؤيد لجمال صورته )
3 ـ ويقول أبوالمحاسن عن الأمير تغرى برمش ت 840 أنه كان يجلس عند بعض الخياطين تحت القلعة ثم أعجب به الأمير قرا سنقر لجمال صورته فتدرج فى المناصب .
وقال عن الأمير على باى ( كان خصيصا عند استاذه الملك الأشرف إلى الغاية لجمال صورته ) .
4 ــ ويقول السخاوى عن يلخجا بن رامش ت 850 ( كان مفرط الجمال ، فأخذه السلطان الناصر فرج فجعله " خاصكى" ثم ساقيا واختص به جدا) .
ويقول عن الأمير شاهين غزالى ( كان من خدام نائب قلعة دمشق ، فرآه جرباش المحمدى فأعجبه جمال صورته ، وأعلم الظاهر جقمق بذلك ، فراسل بطلبه فأرسله له سيده مع تقدمه ( هدية) وحينئذ أعتقه الظاهر وجعله خازنا ثم ساقيا، إلى أن عمله الظاهر خشقدم راس نوبة الجمدارية) .
وعن نفس الأمير شاهين غزالى يقول الصيرفى ( كان من خدام نائب قلعة دمشق ، فرآه الأمير كرد الناصرى فابتهج به ، وأعجبه جماله وحسن صوته وشكالته وقامته وهيفه وصار ذلك فى نفسه ، فلما عاد إلى القاهرة أعلم الملك الظاهر جقمق به ، فطلبه من سيده ، فأرسله مع تقدمه معه ، وكان صاحب هذه الدرجة ( أى شاهين غزالى ) من أجمل أبناء جنسه وجها وقدا ويدا وأعذبهم لفظا ، وبالجملة فإنه عديم النظير سيما على مايقال إذا انشرح وانبسط ، وكان منهمكا فى اللذات النفسية ، ويحب السماع الحسن ، وقد هام فيه الشعراء ومدحوه وقالوا : شاهين غزالى ، فصار لايعرف إلا بذلك وترنموا فيه. وكان فى الواقع كل من رآه يكاد لايفارقه لحسن مداعبته . وكان يعاشر ابن رمضان ويحب البسط ولايفارقه ) . أما ابن اياس فقد أورد قول الشاعر فيه :
أيها العشاق اصغوا واسمعوا حسن مقالى كل عاشق له غزال وأنا شاهين غزالى
5 ــ وهذا الوباء شمل غير المماليك ، إذ أصبح الجمال فى الذكور وسيلة للوصول لدى غير المماليك ، فيقول العينى فى ترجمة الشيخ جمال الدين التنسى ت 808 ( كان شابا جميلا خدم بعض الأمراء فتعصب له وولاه القضاء ، فقام جماعة من بينهم الجلال البلقينى على أهل الدولة وتحدثوا فيه لكونه لايليق فعُزل ) . أى كان الجمال من مسوغات تعيين القضاة وغيرهم أيضا .
ويقول ابن حجر فى ترجمة الشيخ فتح الدين الحنفى ( كان بارع الجمال فانتزعه برقوق .. وصار من أخص المماليك عنده وأسكنه عنده فاشتهر حينئذ وشاع ذكره ) أى تداخلت الفوارق بين المماليك والفقهاء طالما اشتركوا فى الجمال الذى أصبح طريقا للوصول .
6 ــ ونتوقف مع قول المقريزى فى حوادث سنة 735 : ( وفيها كثر شغف السلطان ــ الناصر محمد ــ بمملوكه الطنبغا الماردينى شغفا زائدا فأحب أن ينشىء له جامع) . وتم انشاء ذلك الجامع تذكارا لهذه العلاقة الآثمة ، ولايزال جامع الطنبغا الماردينى قائما فى القاهرة حتى الآن شاهدا على هذه النوعية من الدين الصوفى .
7 ــ وبعضهم أنقذه جمال وجهه من القتل صلبا وتسميرا . فقد أرهق الثائر ( سوار) الدولة المملوكية حين قاتل جيوشها على الحدود شمال العراق. وفى النهاية هزمته الدولة وجىء به وبكبار أتباعه أسرى للقاهرة ، وتم تجهيزهم للتشهير مسمرين ليُطاف بهم على الجمال قبل أن يتم صلبهم . وكان من بينهم شاب جميل الصورة . يقول ابن اياس فى أحداث ربيع الأول عام 877 ، وكان حاضرا شاهدا ان هذا الشاب واسمه سليمان ( كان أمرد مليح الشكل ، فرقّ له الناس ، فشفع فيه الأمير بشبك فخلّصه من الشنكلة ) ( تاريخ ابن اياس 3 / 77 : 78 ) . ومعروف ان هذا الشاب سيدفع الثمن للأمير يشبك .
8 ــ ـ وفى الوقت الذى استمرأ فيه الأغلبية هذا الإنحراف نجد الصورة الأخرى فى قلة من الأمراء الذين استهواهم فكر ابن تيمية مثل الأمير بران ت 757، والأمير جنكلى ت 746 الذى كان يميل إلى ابن تيمية ويتعصب له ، ولم يكن له ميل إلى المردان . أى تميز بين أقرانه بعدم الميل للشذوذ الجنسى.
المدح بقلة الوقوع فى الفواحش :
1 ــ كان وجود الصوفى العفيف الطاهر نادرة من النوادر تستحق التسجيل ، نفهم ذلك مما قيل فى ترجمة الشيخ حيدر الرفاعى ( كان خيرا عما ترمى به أوباش الأعاجم ــ أى الصوفية المشارقة ــ وكان قد اجتمع فيه خصال حميدة قلَ أن تكون فى أبناء جنسه ، من اقتدائه بالسنة ومحبته للصحابة وعدم ميله إلى لقيمة الفقراء ــ أى الحشيش ــ والمرد من الشباب .
2 ــ ونفس الحال مع المماليك كان أحدهم يمدح بأنه ( قليل الفسق) كما قيل فى ترجمة أقبغا شيطان أو أنه ( غير مشهور بارتكاب الفواحش ) .
أو أنه لايمارس كل الفواحش بل بعضها ، فقد مُدح السلطان اينال ت 865 باشتهاره بحب الملاح من الصبيان إلا أنه كان يعف عن تعاطى المنكرات والمسكرات .
أو يقال فى السلطان قايتباى على سبيل الفخر( أنه كان لايلوط) . وكما لوكان من الواجب المعتاد والمألوف أحدهم أن يقع فى الشذوذ .
بل يصل الأمر ببعضهم إلى أن يقسم بأغلظ الأيمان بأنه ( قط ما زنا فى عمره ، ولا لاط ، ولا ليط فيه ) . وطبعا ذلك استثناء يحتاج إلى تأكيد وأقسام مغلظة وربما إلى شهود أيضا !!
3 ــ ثم كانت هناك قلة لم يشتهر عنها الوقوع فى الفواحش فوصفت ( بالتنزه عن القاذورات المحرمة كالخمر واللواط والزنا) مثل ابن الكويز وتنبق البجاسى ويلبغا الناصرى . والزردكاش .
أما الآخرون فقد أحدث انحلالهم الخلقى ضجة وصخبا فاستحقوا الخلود بين سطور التاريخ .
الشذوذ عاملا فى الفتن السياسية :
وكما كان الشذوذ عاملا من عوامل الوصول للسلطة والنفوذ فإنه بالتالى كان من عوامل الفتن السياسية فى الدوائر الحاكمة من المماليك والقضاه والولاة .
1 ــ ففى سنة 737 اعتقل السلطان الناصر محمد الخليفة العباسى فى القاهرة وحبسه لمدة سنة ونصف السنة ، وذلك لأن الخليفة توصل إلى الإيقاع بحمدان، وهو أمرد حسن الوجه من حظايا السلطان ، فهجر حمدان السلطان وأقام عند الخليفة ، وتردد الأمراء من عشاق حمدان إلى الخليفة فى مجلسه ، وأهملوا خدمة السلطان ( فاشتد غضب السلطان فضرب حمدان وضرب الواسطة بينهما ، واعتقل الخليفة وأولاده بالقلعة، ثم نفاهم إلى قوص) .
2 ــ وبعض الأمراء كان مرشحا للسلطنة إلا أن فتنته بالشذوذ أطاحت بآماله فى وقت حرج كاد ان يكون فيه سلطانا ، كما حدث للأمير عز الدين الأفرم الذى كان مرشحا للسلطنة بعد مقتل طغجى وكرجى اللذين قتلا السلطان لاجين، وقد عين الأمراء الأمير سيلار بعد أن تخلوا عن فكرة تعيين عز الدين الأفرم ، والسبب أن الأمير الأفرم لم يضبط أعصابه إذ( كان يهوى مملوكا من مماليك طغجى يقال له تستاى ، فلما قتل طغجى تغيب تستاى مدة وهو يتطلبه حتى أحضر إليه ، وهو جالس بشباك النيابة مع الأمراء ، فعندما عاينه لم يتمالك نفسه، فقام وأخذ بشعره وجذبه إلى خلوة ( ليفعل فيه )، والأمراء تنظر إليه ، فإشتد الإنكار عليه ، وأعرضوا عنه إلى سيلار ، ورتبوه بمجلس فى رتبة النيابة ) .
وقد كان ذلك فى عصر دولة المماليك البحرية، وحيث كان هناك بعض الإنكار عليه . وقبل أن يسود وباء الشذوذ فى دولة المماليك البرجية
3 ــ وكان للوزير القبطى ( النشو ) نفوذ هائل فى سلطنة الناصر محمد ، واستخدم هذا النفوذ وسيلة فى الكيد لخصومه فى إتهامهم بالشذوذ الجنسى ، وتمكن بذلك من عزل ضياء الدين من حسبة القاهرة. واستعمل خصوم (النشو) معه نفس الوسيلة فألقوا ورقة تتهم صهر النشو بأنه تعشق شابا تركيا اسمه عمير الذى كان معشوقا من قبل للأمير الماس ، وأن أقارب النشو أولعوا بهذا الشاب وأنفقوا أموالهم عليه ، وحقق السلطان مع النشو فأنكر ، فاعتقل الشاب وعوقب ، فأقر على كثيرين من الأعيان منهم أخو النشو فخشى الحاجب الذى يتولى تعذيبه على الناس من الفضيحة ، فقال للسلطان هذا الكذاب ماترك أحدا فى المدينة حتى اعترف عليه ، فنفى السلطان الشاب وأباه إلى غزة . وقد هجم ولى الدولة أخو النشو مع بعض أخوته على مملوك للأمير الطنبغا القاسمى واغتصبوه فضبطهم الطنبغا ، فما كان من النشو إلا أن اتهم الطنبغا بالشذوذ عند السلطان وتسبب فى نفيه للشام.
4 ــ وفى هذه الأيام 738 عزل قاضى القضاه جلال الدين القزوينى لإتهام ابنه بكثرة اللهو والشراب وأخذ الرشوة ليعين القضاة ونحوهم بنفوذ أبيه ، واشتهر ذلك الإبن بسماع الغناء ومعاشرة الأحداث من أولاد الأكابر ومماليك الأمراء وتجاهر بالمنكرات ، فأخرجه السلطان للشام، ثم أعاده حين توسط أبوه له ، إلا أن الإبن عاد لأقبح مما كان فيه فنفى ثانية ، وأعاده أبوه أيضا ليعود لنفس سلوكه ، واتهموه بأنه لا يولى القضاة إلا بعد أن يجتمع بأولادهم وبعد أن يرتشى منهم . ( وصنع الشاعر الغزى فى ذلك قصيدة شنيعة ) .
5 ــ وقامت بعض الثورات والفتن بسبب ( تعرض المماليك لأولاد الناس فى بلادهم)، فالأمير شيخ الصفوى ت 801 ثار عليه اهل القدس بسبب ( تعرضه لأبنائهم ، وإكثاره من الفساد ) . والأمير جانبك ( فسدت عليه أهل قبرص بسبب فسقه بأولادهم) ، وانتهى الأمر بقتله وفشل حملته على قبرص .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن