بوكو حرام - قراءة في الجذور

نضال الابراهيم
lawyer77777@yahoo.com

2015 / 3 / 25


توطئة

من يتتبع أخبار ما يسمى الدولة الإسلامية " داعش " , في سائل الأعلام العربية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة, سوف يصدم من حجم الاتفاق بين مثقفين، من مختلف المشارب وجماهير القراء من أصحاب التعليقات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وما ينشروه على صفحاتهم الشخصية، على ان تنظيم داعش هو صناعة أمريكية نعم أمريكا، من قامت بصناعة داعش، إما الهدف فهو تشويه صورة الإسلام، والبغدادي من اصل يهودي وعميل للمخابرات الأمريكية، والأدلة على ذلك كثيرة، منهم من يستشهد بالفيديوهات التي تبثها داعش حيث يظهر للعيان، ضخامة إجساد الجلادين الملثمين ونوعية أدوات الذبح، ولا ينسون الإشارة إلى لون البدلة البرتقالية وهي ذاتها المستخدمة في السجون الأمريكية، هذه هي الخلاصة المريحة لعقل العربي والمسلم، ذلك كله ينصب في إطار الفكرة المركزية التي تم الترويج لها على مدى عقود في العالم العربي، وهي نظرية " المؤامرة "حتى اصبح كل حدث وفعل سياسي، هومؤامرة تهدف إلى تقسم وتمزيق الأمة العربية، أو تشويه الإسلام.
يبدو ان هذا العقل يهوى الصور المجتزئة و اللوحات المتشظية، ولا يريد ان يرى الصورة كما هي، ولا يريد الاسترسال في السؤال والتفكير التسلسلي المنطقي، الذي يحاكم كل الفرضيات للوصول إلى اكثرها منطقية، على الأقل وان لم تمثل كل الحقيقة . فهل يمكن تفسير إي حدث أو ظاهرة في التاريخ، بناء على عامل واحد فقط؟ هذا على فرض ان نظرية المؤامرة صحيحة من حيث المبداء، وهي ليست كذلك بالتأكيد، ولكن لنفرض جدلا إنها صحيحة في جانب منها على الأقل، فكيف يتم التغاضي وأغفال العوامل الأكثر فاعلية، التي تشكل حركة التاريخ وتؤدي الى بروز الظواهر الاجتماعية والسياسية، خصوصا إنها لا تظهر فجاءة من العدم، بل دائما هناك مقدمات تنذر بهذه الحركة او البروز . وهل يمكن في المقابل تفسير ظهور كل هذه الحركات والتيارات والمذاهب لمجرد إنها تجمع على اعتناق فكر متطرف، أو تفسير متشدد للنصوص المقدسة الإسلامية .
في البداية لا ان نقرر أن الإرهاب أو العنف المسلح، ليس خاصية ترتبط بأي دين بشكل عام والإسلام ليس استثناء على ذلك، فكل الديانات تقريبا أو على الأقل الكبرى منها ارتبط جزء من تاريخها بالعنف وكان هذا الارتباط له مبرراته الدينية والتاريخية، فمن يقرأ التوراة وتحديدا سفر التكوين سوف يجد ابشع إشكال القتل والحروب التي خاضتها قبائل بني إسرائيل ضد الشعوب المتحضرة شرق وغرب نهر الأردن، وهو لا يختلف كثيرا عما مارسته وتمارسه إسرائيل من عمليات قتل وأباده جماعية للفلسطينيين اليوم, وكذلك الامر بالنسبة للمسيحية التي ارتكبت باسمها الحروب المقدسة والمجازر بحق مسحيين قبل غيرهم، من أصحاب الديانات الأخرى ومنها ومحاكم التفتيش .
وبما الموضوع هو تنظيم بوكو حرام، وحتى نفهمه بصفته ظاهرة وتحول اجتماعي، في المجتمع والدولة النيجيرية، لا بد من فهم المحيط الاجتماعي والتاريخي لهذا التنظيم، وكيف كانت البديات التي أدت إلى ولادته، وتعاظم شأنه ودوره في منطقة غرب أفريقيا.

التشكيل العرقي والطبقي

كما هو الحال في اغلب مفاصل التاريخ البشري، فان العلاقة بين السلطة وجموع الخاضعين لها كانت متغيرة ومتقلبة، بأشكال مختلفة حسب نوع السلطة وممارساتها، ونوع الجماعات البشرية الخاضعة لها ففي العادة التغيرات الطبقية والاجتماعية تأخذ وقت أطول نسبيا، من التغيرات السياسية، وفي بعض الأحيان تكون التغيرات الاجتماعية غير مرئية أو على الأقل لا تظهر على السطح، لذلك قد يغفلها بقصد أو غير قصد المختصين والباحثين، وذلك تبعا لانتمائهم الأيدلوجي الذي يحدد مسبقا، الأدوات التي يستخدمونها في البحث والتحليل بهدف الوصول إلى نتائج محددة مسبقا أيضا .
وفي المقابل فان هذه التغيرات في طبيعة المجتمعات، من حيث تمركز السلطة والثورة بيد طبقة او فئة محددة، او انهيار طبقات وفئات كاملة بسبب السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتبناها السلطة السياسية في دولة ما، يتم التعمية عليها في الخطاب السياسي الرسمي للدولة، فلا يوجد نظام سياسي، يرغب بان يدين نفسه بنفسه، ويعلن مسؤوليته عن حالات التشظي الاجتماعي والتموقع لجزء من مواطنيه حول بؤر اجتماعية بديلة عن الدولة، بسبب فشل هذه الدولة بالقيام بادوارها التاريخية والاجتماعية، حيث تبرز التشكيلات البديلة التي تحتضن الفئات الاجتماعية المهمشة أو المضطهدة، وقد تكون القبيلة أو الطائفة أو الأثنية، أو التنظيم السياسي المعادي للدولة، مثل الحركات الانفصالية أو التنظيمات الدينية المتطرفة المؤمنة بالفكر السلفي الجهادي، وهو فكر معادي للدولة بكل مؤسساتها، لان شكل الدولة الوحيد الذي يؤمن به ويقاتلمن اجله هو، دولة الخلافة الإسلامية .
ينتمي تنظيم بوكو حرام إلى النوع الأخير، اي تيار السلفية الجهادية ، أما جغرافيا وعرقيا فهو ينتمي الى منطقة غرب أفريقيا التي تتشابك عرقيا ودينيا، مع بعضها البعض بسبب التركة الاستعمارية، التي تركها الغرب التي ساهمت بشكل مباشر، بخلق كل بؤر التوتر، وشكلت الحدود السياسية لدول هذه المنطقة، ومنها دولة نيجريا التي بزغ نجم بوكو حرام منها . و يتبادر لي السؤال هنا، هل نعرف في العالم العربي، ما يكفي عن إفريقيا بشكل عام ؟ وعن هذه المنطقة الجغرافية بشكل خاص، حتى نفهم ما الذي يجري فعلا، ولا نكتفي بالوجبات الإخبارية السريعة التي تبثها الفضائيات العربية، بهدف تشكيل وعي محدد مسبقا لخدمة أهداف من يملكها، أكاد اجزم أن أغلبية كبيرة من القراء العرب لا تعرف الكثير عن هذه المنطقة، لذلك لا بد من البدء مع الجغرافيا النيجيرية، حتى نفهم ما الذي تشكل على سطحها .
نيجيريا الدولة والمجتمع
الدولة الينجيرية الحديثة، كانت مستعمرة بريطانية، وقد نالت استقلالها في العام 1960 وهي جمهورية اتحادية يتشابه نظامها السياسي، مع النظام المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية، فهيا مقسمة إلى ولايات، وكل ولاية لها حاكم وبرلمان محلي، ويقابلها الحكومة الاتحادية، ويقدر سكانها حسب بعض الإحصائيات بانه يفوق 160 مليون نسمة ، وتنضم أكثر من 250 مجموعة عرقية مختلفة، فيها ثلاث مجموعات قبائلية تعتبر الأكبر، من حيث العدد هي الهوسا، واليوروبا، والإجبو أو الإيبو. تتواجد الهوسا بصفة أساسية في شمال نيجيريا ، وفي بعض البلدان المجاورة مثل النيجر، وتشاد .
يعمل معظم الهوسا في الزراعة، والحرف اليدوية والتجارية ، ويعيش اليوروبا في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد ، لغة قبائل الهوسا هي الهوسية التي تنتمي الى مجموعة اللغات الأفروآسيوية، وتكتب بأحرف عربية ،تعتبر اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في نيجيريا . يعيش نحو 84% من سكان نيجيريا في الريف، ولكن في النصف الثاني من القرن العشرين، انتقل عدد كبير من سكان الريف الى المدن، لاسباب اقتصادية او غيرها وسندا لبعض الإحصائيات والتقارير المشورة، على الأنترنت يقدر بعضها ان 50٪-;- من سكان نيجيريا مسلمون، 48٪-;- مسيحيين، و1.4٪-;- يتبعون ديانات أخرى .
يتواجد اغلب المسلمين النيجيرين في الولايات الشمالية، وفي المناطق الجنوبية الشرقية يتركز المسيحيين، غالبية المسلمين في نيجيريا هم من السنة، مع وجود أقلية من الشيعة والصوفية، وأقلية صغيرة من الأحمدية . ومما هو جدير بالذكر، إن الشريعة الإسلامية مطبقة ،في اغلب الولايات الشمالية لنيجيريا، ذات الكثافة السكانية المسلمة .
هذه التركيبة السكانية الينجيرية، لا تختلف كثيرا عن اغلب دول إفريقيا، التي في اغلبها جمهوريات كانت مستعمرة، من قبل احد القوى الاستعمارية الغربية، إن كانت بريطانية أو فرنسية أو إيطالية أو بلجيكية أو ألمانية او هولندية، هذه القوى التي تركت بصامتها على القارة الأفريقية كاملة ، بأشكال مختلفة وقد يكون أهمها التأثير الثقافي واللغوي، ولكن الأهم بوجهة نظري كان قيام هذه القوى وقبل رحيلها من هذه المستعمرات، ومنها نيجيريا بإعادة تشكيل البنية الاجتماعي والاقتصادية والسياسية لهذه المستعمرات، فتجد مثلا أن القبائل الأفريقية قد تم تقسيمها أفقيا بحيث يكون جزء منها في دولة والجزء الأخر في دولة مجاورة أو في عدة دول أضافه إلى تشكيل نخب سياسية موالية لها ، وهو ما يفسر الكثير من الصرعات السياسية والانقلابات العسكرية الكثيرة في إفريقيا، التي هي في جوهرها ذات مضمون قبلي وطائفي، وفي الغالب فأن التشكيلات القبلية بسبب طبيعتها تدخل في حالة نزاع أو صدام مع الدولة، خصوصا عندما يسيطر مكون قبلي و أو طائفي واحد، على مقاليد السلطة في هذا النوع من الدول.

بوكو حرام التكوين والعداء للدولة

قد تشي حالات الولادة لتنظيم بوكو حرام، ببعض ملامح ما قد اسلفنا، فلا يمكن ولا يجب قراءة هذا الشكل من التنظيم، على أنها حالات شذوذ فكري وديني ظهر فجاءة، في جسد الفكر الديني الإسلامي " المتسامح "، كما يروج لذلك أصحاب الخطاب الديني الإسلامي، ان كانوا رجال دين من موظفي السلطة، او اتباع تيارات الإسلام السياسي، الذي يطلق عليه معتدل مثل الأخوان المسلمين، وبعض تيارات السلفية الغير جهادية.
فالتاريخ الإسلامي يزخر بالتنظيمات والحركات ذات الصبغة الدينية، التي كانت على عداء مع الدولة بمختلف أشكالها، لأسباب أما أيدلوجية دينية ( معتقدات الفرقة او الطائفة )، أو طبقية وأثنية بدء من الخوارج وما تفرع عنهم من تنظيمات، والحركة الشعوبية، وحركة القرامطة، والحشاشين، وثورة الزنج، وغيرها الكثير الذي يحتاج النظر به إلى مقولة اخرى . وهنا أود أن استشهد بمقدمة مهمة، يلخصها الدكتور السيد ولد ابأه في مقال منشور له في جريدة الاتحاد الإماراتية، بتاريخ 23/4/2015 تحت عنوان " الدولة والسياسية الشرعية "، حيث يقول ( سبق للمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري أن تساءل في كتاباته عن أسباب العطل السياسي العربي، أي أزمة العرب العميقة مع السياسة من حيث هي مجال تدبير الشأن الجماعي وفق أسس عقلانية ثابتة وناجعة. الإشكال مطروح بحدة في اللحظة الراهنة بعد أن انهارت بصفة مأساوية البناءات السياسية للدولة العربية الحديثة في عدد من أهم البلدان المحورية، وأظهرت مؤسسات الدولة عجزاً كاملاً عن احتواء صدمات التحول العنيف التي انجرت عن حركات التغيير والانتفاضات الأهلية الأخيرة. في قلب هذه الأزمة طرحت المسألة الدينية - السياسية بقوة في اتجاهين بارزين، يتعلق أحدهما بالمرجعيات الدستورية والقانونية الناظمة للمجال العمومي، ويتعلق ثانيهما بالعنف المتوحش الذي اتجر عن تنامي موجة التطرف الديني المسلح الذي أخذت في شكلها الجديد نموذج «الخلافة الشرعية» العابرة للحدود. في الحالتين ورغم اختلاف السياقات، يطرح مفهوم الشريعة إشكالات قوية، باعتباره المقولة المحورية في المستوين: مستوى المرجعية المعيارية الناظمة للبناء السياسي للدولة ومستوى القوة الدافعة للتمرد والخروج على الدولة باسم شرعية بديلة ) .
قد تخلص هذه المقدمة أشكالية فهم معضلة حركات الإسلام السياسي، مع الدولة بصفتها مؤسسة في العالم العربي، ولكن ذلك لا يمنع أيضا من الاستناد إليها، لفهم أزمة الإسلام السياسي الأسيوي والأفريقي، مع الدولة والمجتمع في ذات الإطار، ولكن في حدود انتماء كل هذه الحركات والتنظيمات لذات المرجعية الأيدلوجية الدينية، ومحاولة أسقاطها على مجتمعاتهم، بالارتباط مع ممارسة فعل العنف أو " الإرهاب " لتحقيق غاياتها.

وطبيعة بدايات بوكو حرام قد تؤيد ما ذهبنا إليه، فهذا التنظيم السلفي الجهادي اسمه " جماعة اهل السنة للدعوة والجهاد "، وقد عرف إعلاميا تحت اسم بوكو حرام، وهو تعبير باللغة الهوساوية يعني التعليم الغربي حرام، يهدف هذا التنظيم كما تشير بعض المصادر، وما رشح عنه من أفكار، إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، والقاعدة الرئيسة لهذا التنظيم تقع في ولاية يوبه النيجيرية التي اغلب سكانها من السلمين، أما مؤسس هذا التنظيم أو الجماعة فيدعى محمد يوسف.
من المعروف ان اغلب المسلمين الأفارقة، ومنهم أهل نيجيريا يتبعون في إسلامهم طرق المتصوفة، ومنها "الطريقة التيجانية " التي لعبت دورا ولا زالت، في الاستقرار السياسي لدولة مثل السنغال، وهذه الطريقة منتشرة في نيجريا، وهذا الأمر مؤشر على شكل وطبيعة الإسلام المنتشر بأغلب الدول الأفريقية الإسلامية، أو التي يقطنها أقليات مسلمة كبيرة، وهو اقرب للتعايش والتسامح مع الأخر، ولكن ذلك لم يمنع السلفية المتشددة، القادمة من الجزيرة العربية من التمدد إلى هذه الدول، فقد بدء ظهور التيار السلفي الينجيري في أوائل سبعينات القرن الماضي، مع ظهور حركة أطلقت على نفسها اسم جماعة " إزالة البدعة وإقامة السنة "، والتي اشتهرت باسم "إزالة"، ومؤسس هذه الحركة يدعى إسماعيل إدريس شارك معه في التأسيس مجموعة من الطلاب العائدين من الدراسة، في المملكة العربية السعودية، وانتشرت دعوته في شمال نيجيريا وجنوب النيجر، يقول قادة هذه الحركة إنها تهدف إلى القضاء على ما يسمونه، الشركيات والبدع في أوساط أتباع الطرق الصوفية، وقد أسست الحركة تنظيم على شكل مليشيات ، وهي حالة شبيهة بكل حركات الإسلام السياسي، أينما كان منبتها وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمين، التي بدأت حركة دينية اجتماعية، لتتحول شيء فشيء إلى تنظيم سياسي، يتولد عنها " تنظيم سري" مسلح.
في حقبة ثمانينات القرن العشرين، ظهرت أيضا في ينجيريا حركة ثانية، تحت اسم جماعة الإخوان المسلمين، بقيادة الشيخ إبراهيم يعقوب الزكزكي، واستقطبت آلاف الأتباع، وانضم إليها محمد يوسف الذي تكلمنا عنه سابقا، وفي فترة لاحقة من التسعينات انشقت هذه الحركة على نفسها بسبب بدء انتشار التشيع، في صفوف بعض كوادرها، ونتج عن هذا الانشقاق، انضمام محمد يوسف إلى جماعة " أزاله "، ولكنه في عام 2002 أسس جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، التي شرعنا في الحديث عنها، ولكن الوجود الفعلي لهذه الجماعة أو التنظيم، بدء في العام 2004 في ولاية يوبي، ومنها انطلقت عملياته الإرهابية، ضد الدولة وضد مؤسسات المجتمع، وتشير اغلب التقارير والدراسات المنشورة عن هذا التنظيم، أن اغلب أعضاؤه هم من الشباب المسلمين الذين تركوا التعليم بسبب كونه غربي المنهاج، ويؤدي إلى انتشار الثقافة الغربية، وهو ما سوف يؤدي حسب اعتقادهم إلى أفساد عقيدتهم الإسلامية، لذلك كان احد اهم أهداف الحركة هو تطبيق الشريعة الإسلامية، ليس في الولايات التي يقطنها أغلبية مسلمة فقط بل في كل أنحاء جمهورية نيجريا، وهنا يشير البعض إلى التشابه بين حركة طالبان الأفغانية وبوكو حرام لكون ان طالبان أيضا تشكلت من مجموعة من طلاب المدارس الدينية، في أفغانستان وهم يرفضون كل أشكال الحضارة الغربية، بما فيها التعليم طبعا، وبرأي قد يكون الأمر مجرد تأثر فكري فقط ليس بالضرورة ان يكون له اي اطر تنظيمية او رابط بين الحركتين. وفي العام 2009 حصل تحول مهم في مسيرة التنظيم، وهو قتل مؤسسه محمد يوسف بعد نزاعات مسلحة وعنيفة مع قوات الأمن والجيش النيجيرية، حيث تزعم التنظيم بعده، أبوبكر شينكاو زعيمها الحالي .
اذا حصرنا فهمنا للسرد التاريخي السابق، بسياق أيدلوجي ديني محض، يستند على عامل انتشار أيدلوجيا الفكر السلفي بشكل عام، والسلفي الجهادي لتنظيم القاعدة بشكل خاص، والتنظيمات التي تولدت عنه أو انشقت عنه، أو حتى التي تبنت ذات أيدلوجيا دون أية صلات تنظيمية، مع تنظيم القاعدة، ومنها بوكو حرام نكون، قد وقعنا في معضلة التفسير السطحي، الذي لا يعالج جذور الظاهرة السلفية الجهادية في نيجيريا . وفي ذلك يقول الأستاذ سيد طاهرلون معاذ المحاضر في جامعة بايرو النيجيرية، ( إن إسلام النيجيريين في غالبه ينتمي إلى الصوفية من طرق تيجانية ‏وقادرية وهناك أيضا شيعة وسلفيين لكن معظم المسلمين يعتبرون جماعة بوكو ‏حرام جماعة إرهابية ويدركون أن تطرف الجماعة زاد بعد أن هدمت الحكومة ‏‏النيجيرية مسجد الجماعة وقتلت مؤسسها ويضيف بأن الإحساس العام أن تطرف ‏بوكو حرام تقف وراءه دوافع سياسية ) .‏
ويضيف كبير مراسلي مجلة ليكسبريس الفرنسية فانسون هيجو، الذي زار نيجيريا وكتب الكثير ‏من التقارير عن بوكو حرام، ( أن تطرف الجماعة زاد بالفعل بعد قتل مؤسس ‏الجماعة ولكن الفوارق الموجودة بين الشمال النيجيري المسلم والجنوب المسيحي ‏تساعد بوكو حرام على أن تكون لها قاعدة اجتماعية لدى بعض الشباب المسلمين ‏في الشمال النيجيري ) .
وإذا احذنا بعين الاعتبار ما ورد في بعض التقارير والمقالات، التي تتحدث عن الظروف التي ساهمت في تقوية شوكة بوكو حرام في نيجيريا، مثل ترك الحكومة النيجيرية بعض ‏الميلشيات المسيحية القيام باضطهاد المسلمين، مما ساهم في تشكيل اعتقاد لدى بوكو حرام ولدى جموع مسلمين نيجيريا، إن هذه الحركة تحمي الإسلام والمسلمين، يضاف إلى ذلك ما كان قد تعرض له المسلمون في نيجيريا خلال صراعهم مع المسيحيين، من احراق للمساجد، والقتل الجماعي واغتصاب للنساء المسلمات، وهو بتأكيد ما سوف يؤجج روح الانتماء الديني والطائفي بشكله المتعصب والعنيف أيضا.
في ذلك الوقت كانت جماعة بوكو حرام، أعلنت انتمائها لتنظيم القاعدة حتى أوائل هذا العام 2015 ، حيث قامت بمبايعة ابو بكر البغدادي، باعتباره خليفة المسلمين، مما يعني أنها أصبحت جزء من تنظيم داعش، وهو أمر طبيعي برأي له ما يبرره، فتنظيم القاعدة بدء يفقد بريقه وكثير من كوادره بدأت تتحول للانضمام لداعش، ناهيك عن اشتراك بوكو حرام مع داعش بنفس الأصول الفكرية تقريبا، ونفس الأهداف ونفس أسلوب حرب العصابات، الذي يطلقون عليه جهاد ، وقد تكون الحاجة الى التمويل، سبب اضافي مهم لاستمرار بوكو حرام، خصوصا مع الحرب الإقليمية التي تشن عليها الان، من قبل كل من تشاد والنيجر،وبعد قرار الاتحاد الافريقي بتشكيل قوة عسكرية إقليمية تضم عدة دول هي، نيجيريا والنيجروتشاد والكمرون وبنين، تكون مهمتها كما اعلن ( التصدي لتمدد فعاليات بوكو حرام وغيرها من المنظمات الإرهابية وتصفية وجودها) كل هذه الأحداث زادت من توحش التنظيم، في تنفيذ عملياته الإرهابية، من قتل وخطف النساء وتفجير للكنائس ولمرافق الدولة، وهو ذاته عين فعل داعش في العراق وسوريا، فما الذي ينتظر تنظيم بوكو حرام الوصول اليه؟ .

ما الذي تريده بوكو حرام ؟

تتلخص أهداف هذا التنظيم، في مطلبين هما:
1- تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة أنحاء نيجيريا، مما يعني أعلان نيجيريا دولة إسلامية بالكامل، او جزء من الخلافة الإسلامية بعد مبايعة البغدادي وداعش .
2- تغير نظام التعليم في نيجيريا إلى نظام تعليم إسلامي، ومحاصرة الثقافة الغربية المنتشرة بين مختلف فئات الشعب النيجيري .
وهنا نلاحظ غياب إي أجندة اقتصادية واجتماعية، لهذا التنظيم أو حتى انفصالية يبدو انه يؤمن أما أن يحصل على كل شيء، وأما لا شيء . هنا يتبادر سؤال عن طبيعة الحاضة الاجتماعية، لبوكو حرام ومدى تفاعلها مع أهداف، هذا التنظيم ؟ . كما أوضحنا سابقا فان معاقل هذا التنظيم هي الولايات الشمالية لينجيريا،ذات الاغلبية الإسلامية، وهم في اغلبهم ينتمون إلى لون قبلي واحد، هو قبائل الهوسا، وكثيرا ما تحصل احتكاكات لأسباب قبلية أو دينية بينهم، وبين قبيلة الايبو المسيحية . فى هذه الأثناء، يطرح تنظيم بوكو حرام نفسه كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، مما يعطى نوعا من التعاطف معه من قبل الفئات البسيطة والأقل تعليما من المسلمين.
يضاف إلى ذلك تردى الوضع الافتصادي وانتشار البطالة في نيجيريا، مع العلم إنها دولة نفطية ولكن انتشار الفساد بين النخب السياسية والاجتماعية، زاد عميق الشرخ بين الدولة التي تمثلها هذه النخب، وبين فئات مختلفة من الشعب الينجيري ومنهم المسلمين . ومما زاد الأمر سوءا استخدام بعض السياسيين، الانقسامات العرقية والطائفية من أجل الوصول للسلطة، عن طريق إثارة الاضطرابات العرقية والدينية، وهي فرصة لتنظيم بوكو حرام لرفع شعار المظلومية، كونه يمثل المسلمين في المنافحة عن دينهم .
يقول الكاتب السيد ابو داود في مقالة له تحت عنوان " بوكو حرام والمعادلة النيجيرية المعقدة " اكد الرئيس النجيري ( أن الجماعة لها مناصرون، وتدعمها أوساط داخل أجهزة الدولة، وفي البرلمان، وفي الجهاز القضائي، وفي صفوف القوات المسلحة، والشرطة، وأجهزة الأمن. هذه الاتهامات بوجود تواطؤ بين "بوكو حرام" وأعضاء في أجهزة الدولة ... ويتحدث القادة المسلمون في نيجيريا عن الفقر وتفشي الأمية وتدني الأجور بشكل مرعب، وشيوع الدعارة التي أصبحت تشكل ظاهرة مع ما تستتبعه من أمراض مثل الإيدز، كما تنتشر آفات أخرى كالاغتصاب والسرقة والسطو والقتل خاصة في المدن الكبرى. بعض المحللين يرون أن وجود رئيس مسيحي على رأس دولة مسلمة هو أحد مظاهر تحكم الأقلية بالأكثرية، وما مشكلة تطبيق الشريعة المثارة في البلاد إلا فرع من ذلك الأصل ... وقد جعل الواقع التنصيري الذي يهيمن على نيجيريا من شعار تطبيق الشريعة موقفًا دفاعيًا تتخذه الأكثرية من حكم الأقلية، وكان الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الغربية انشغلت بالحديث عن مساوئ الشريعة كما تراها، وانشغلت أجهزتها السياسية بتعزيز النظام القائم، وتغاضوا تمامًا عن حملات التنصير التي أصبحت تتحرك بشكل علني ومتغطرس في أرجاء البلاد، وأصبحت مدينة "لاجوس" المركز الرئيسي للنشاط التنصيري في وسط وغرب أفريقيا كلها. والغريب هذه المرة الأخيرة أن مجموعات شباب ما يسمى "بوكو حرام" لا يعلنون أهدافاً سياسية مباشرة تجاه الحكم أو مطالب اجتماعية للتغيير الشامل في مجتمعاتهم، بل إنهم يعزلون أنفسهم باسم الدين عن حركة احتجاجية تشمل نيجيريا كلها الآن سواء باسم "احتلال نيجيريا" أو " الثورة ممكنة " رداً على مصاعب المعيشة وتصاعد الأسعار عموماً، ومواد الوقود خصوصاً، اعتقاداً منهم أن رجال الأعمال النيجيريين هم المستفيدون من عملية التصدير والاستيراد للبترول والوقود بفوارق مذهلة في الأسعار وتكوين الثروات على حساب الجماهير الشعبية، وليس الأسواق العالمية ) .
وفي ذات الوقت فان العلميات الإرهابية التي ينفذها التنظيم، فى نيجيريا اثأر قلق الحكومة والنخب السياسية ، والدول المجاورة لها، والشركات والدول صاحبة المصالح النفطية، خوفا من تنتهي الأمور إلى بروز إشكال من التحالف، بين بوكو حرام والتنظيمات او الحركات المسلحة الاخرى، في المنطقة مما قد يؤدي الى عدم الاستقرار في مناطق إنتاج النفط ، في بلد يقدر حجم احتياطه من النفط باكثر من 2.6% من اجمالي الاحتياطيات النفط العالمية .

المألات

إذا حاولنا تلخيص كل الوقائع والمعطيات السابقة، في إطار فهم فاعل وموضوعي، اعتقد ان الصورة سوف تكون اكثر اكتمالا، في محاولة تتبع جذور بوكو حرام، ضمن التشكيلة الثقافية والاجتماعية في نيجيريا فالفقر والتهميش السياسي و الاجتماعي، والشعور بالاضطهاد والانتماء إلى فئات اجتماعية ريفية، ونسب التعليم المنخفض، كل ذلك يشكل عوامل ومحفزات لتشكيل التنظيمات المتطرفة، والانفصالية في اي دولة بالعالم، فإذا اجتمعت هذه الأسباب لتلتقي في بوتقة واحدة، مع أيدلوجيا دينية سلفية متطرفة بطبيعتها، سوف يصبح من الطبيعي ظهور تنظيم متعصب وعنيف، مثل بوكو حرام .
لذلك فان البحث الواعي الهادف، الى تفكيك مكونات هذا التنظيم الأيدلوجية بالترافق مع العوامل الاجتماعية والسياسية، وكل التنظيمات التي تشترك معه في نفس أيدلوجيا، يتطلب أعادة قراءة للواقع الاجتماعي والتركيبة الطبقية، داخل الدولة الوطنية المعاصرة العربية وغير العربية ومراكز الأزمة أو بؤر الصراع، داخل هذه الدولة لأنها المعنية أساسا بحروب هذه التنظيمات وحتى يكون هناك بالمقابل، مشروع مواجهة حقيقي للدولة ضد هذه التنظيمات .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن