المفاوضات النووية الإيرانية ... والتحولات السياسية في الشرق الأوسط

جاك جوزيف أوسي
jackaussi@hotmail.com

2015 / 3 / 25

كان لدى صانع القرار الأميركي أربعة سيناريوهات ممكنة وخطيرة للتعامل مع طهران في حال فشل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وهي:
1- التخلي عن استراتيجية "الديبلوماسية المباشرة" والعودة إلى اعتماد الخيار العسكري وتوجيه ضربة جوية كبيرة إلى المنشآت النووية الإيرانية.
2- تشديد نظام العقوبات المفروضة ضد إيران بفرض المزيد من العقوبات الخانقة اقتصادياً ومالياً في محاولة لإجبار طهران على إعادة النظر في موقفها الرافض.
3- الجمع ما بين نظام العقوبات الجديد والتهديد بعمل عسكري يستهدف المنشآت النووية والأساسية في إيران.
4- اعتماد استراتيجية إميركية جديدة تجاه إيران تجمع ما بين نظام العقوبات الصارم وتهديد المصالح الجيو -ستراتيجية (الإقليمية) الإيرانية – في المنطقة.
هذه السيناريوهات الأربعة أثبتت فشلها لعدة أسباب أهمها: أثبتت سياسة فرض العقوبات فشلها بسبب وجود إجماع في الشارع الإيراني على أحقية بلادهم امتلاك مشروع نووي للأغراض السلمية. أما خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية فدونه صعاب كثيرة بسبب الرد الإيراني الذي قد يجبر واشنطن على خوض معركة مباشرة قد لا يتحملها اقتصادها المنهك بسبب المغامرتين الفاشلتين في أفغانستان والعراق، ومن أجل ذلك لجمت تل أبيب عن الثيام بأي تصرف منفرد ضد طهران. أخيراً، محاولة واشنطن وحلفائها تحجيم الدور الإيراني في المنطقة أدى إلى نتائج عكسية زادت من قوة المحور الذي تقوده إيران في المنطقة.
وإن تقييم السياسات التي تتحكم بمسار التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط تدل وتشير إلى أن إيران وحلفائها لهم اليد الطولى في التحكم بمسار التطورات والأحداث في المنطقة، الذين نجحوا خلال السنوات الأربع الماضية من تحقيق الفوز المتراكم على حساب تقهقر وتراجع محور ما يسمى بمحور الإعتدال في أكثر من ساحة إقليمية، بعد فشل الأخير من الاستفادة من الدعم الأميركي والغربي المطلق له في السنوات الماضية والذي لم يمكنه من تحقيق طموحاته الإقليمية خصوصا في العراق وسورية ولبنان واليمن وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث نجح محور المقاومة والممانعة وبشكل مطلق في أن يكون صاحب الكلمة الأساس في أكثر من ملف سياسي إقليمي لا سيما في العراق وسوريا واليمن وفي ملف الشرق الأوسط الرئيسي وهو الصراع العربي الإسرائيلي.
قد أدى ظهور التنظيم الإرهابي "داعش" إلى خلط الأوراق مجدداً في المنطقة والعالم بسبب التهديد المباشر الذي شكله لأمن الدول الغربية. الأمر الذي استدعى عمل واشنطن على تأسيس تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في المنطقة، لكن هذا التحالف واجه تعقيدات كثيرة بسبب تضارب مصالح القوى الإقليمية الرئيسية الحليفة للولايات المتحدة (تركيا والسعودية) مع مصالح وأولويات واشنطن التي تشكل قواتها العسكرية العمود الفقري للتحالف في الحرب ضد "داعش".
ولأن السياسة تحكمها المصالح لا العواطف قررت واشنطن إعادة تفعيل دبلوماسية الأبواب الخلفية التي اعتمدتها مع طهران في مقاربتها للملفين الأفغاني والعراقي والتي أدت إلى نتائج إيجابية صبت في مصلحة الطرفين. هذه الدبلوماسية السرية كشفت عنها النقاب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية والتي كانت خطوطها العريضة رغبة واشنطن العمœm‘QDAلى تجاوز أزمة العلاقات القائمة بين البلدين منذ عام 1979. وأثبتت الأحداث الأخيرة في المنطقة أن هناك تنسيق عالي المستوى بين العاصمتين في تنسيق العمليات ضد "داعش" في العراق، ويتحول شيئاً فشياً ليتناول البحث في إعادة هندسة لعبة النفوذ والمصالح في منطقة الشرق الأوسط. خصوصاً بعد التداعيات الدراماتيكية للأزمة السورية التي أفلتت من كل الضوابط بعد أن تدخلت فيها العوامل الجيوسياسية والطائفية والثأرية بشكل أعمى.
جميع المؤشرات تدل على أن الاتفاق النووي سيتم بين طهران ومجموعة الدول (5+1)، وإن جابه بعض الصعوبات لمحاولة كل طرف زيادة مكاسبه والإقلال من خسائره. هذا الاتفاق سيكون بداية النهاية في علاقات واشنطن مع حلفائها التقليدين في المنطقة (السعودية وتركيا) بعد أن أثبتت الأيديولجية الوهابية إن أصل كل الشرور التي أصابت المنطقة في الآونة الأخيرة، وفشل العثمانيين الجدد في أنقرة في تقديم نموذج قابل للتطبيق في المنطقة بعد أن أثبتوا للجميع إن عقلية القتل والذبح لم تفارق صانع القرار السياسي التركي وهي المحرك الوحيد لخيالهم السياسي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن