الى احبة لي من خارج العشيرة...

علاء هادي
Hadi2345@yahoo.com

2015 / 3 / 15

ان نتأنسن قَليلا...
الى احبة لي من خارج العشيرة...

في زحمة الجوازات، وتراخيص العبور، وفي لجّة النَظرات المتوجسة والمستريبة من المسافر الغريب في مطارات الغير! نحاول انت، وانا، وذلك الآخر المشتول في صالة الانتظار منذ حين.. نحاول صاغرين ان نَمّر. ان نمّرُ بهدوءٍ وروية دون ان نخدش قوانين الهجرة واللجوء ولا نُعكر مزاجات ضباط ألجوازات ولاحتى عمال ألمراحيض. ولكي تكتمل طقوس الرحلة عليك وعليّ ان نُقّبّل طواعية كل مايُقبّل التقبيل: الرؤوس، الأيادي، الارجل،الاحذية مانتِن منها وما لم يتعفن بعد! وحتى ان تطلب الامر تقبيل تلك الارجل التي ركلتنا خارج المطار، فسنقبلها آملين ان نعود من جديد وبجواز سفر آخر نصطنع على وجوهنا التي ادمنت السُقم والزقوم لترسم ابتسامة مُستجدية خائبة، علها تعود علينا بختم عبور..
وهيهات لك ان تعبر وانت المحكوم عليك بالجدب والتصحر، وانت تبقى هناك بعيدا في قبوك الموروث من جدك السابع المكنى يوما بالبدوي الغازي- ومايؤطر تلك الكنية من خوف وذكريات-وعصورٌ من الخوف والامتعاض منك كفردِ او هوية.....ووفقا لمراسيم المطار عليك ان تجلس وحيدا وتبتسم عن بُعد لكل المسافرين والمخرين وكلاب الحراسة وإن مرت عليك خمسين مرة، "بالصدفة"..
وكجزء لايتجزء من مزامير العبور عليك ان تٌلطًش ابدا في خانة المشبوهين بانتظار رجل الامن الذي سيفتشك ويفتشك، وبعد ان لايجد شيء فيك غير البؤس والحرمان وامنية باجتياز الحدود، عندها ومن باب الحرص على سلامة المسافرين، عندها يدس اصبعه او اصابعه في ثقوب "عادة"لاتتقبل اصابع المفتشين...وآلاتهم "الرسمية"
وبعد ان ينتهي من التفتيش يقودونك لغرفة ضابط الهجرة لتجيب بكل مااوتيت من تملّق ومذلّة على كل الاسئلة الامنية منها والجنسية، وان تشرح بكل تحضّر وموضوعية عن تلك الاسباب التي دعتك لترك بلدك والمجيء لهذا البلد.. وتحكي له ولهم.. وتقول: كنت هناك-هناك في خرابة ما اسموها وطن أجلس بين ثلاثة حيطان ومرحاض آيل للسقوط بانتظار خلوة شرطي لم يتَرفّع بعد! كنت هناك أكنّسُ اشيائي وامعائي وبعض الذكريات من بصاق المخبرين،والمحققين ومايدخل بينهما من موظفي دولةّ وسماسرة!
كنت هناك تقضي جُل وقتك تبحث لنفسك عن تلك الانا المنقادةِ عنوة لدوامة النحنُ القسرية التي حُشرتَ بها بناءاً على لونك او عرقك أو ربما دينك الذي ورثته بالفطرة عن جدك المقتول ثأرا لاخيه المقتول خطأُ في مناظرة عشائرية.
هناك حينما يكون لزاما عليك ان كل يوم ان تتشرب حد العظم ناموس الانتماء القسري لبيئة اوعشيرة لاتُرضيك ولا ترتضيك ، لتاريخ لايعنيك، وان تحمل بمرارة او طواعية هو شيء اسموه وطن...
وبحكم الواقع المفروض في ذلك الوطن بات عليك ان تعاشر اشخاص يشاركونك "الهوية الوطنية" وعليك عندها ان تماشيهم، تحاكيهم، تآلفهم ليس من باب الخَيار او من باب التفاهم، وانما من باب الانصياع للقوانين.. وتماشيا مع تلك القوانين بات عليك ان تحاكي الجار او الزميل الذي يشاطرك الحَيّز "الوطني" المُتاح، ويشاركك بطاقة الهوية،وربما أمنية عاق بحيز اكبر في عالم اكبر من خطابات الرئيس وفتاوى الشيخ..
وحينما ينبض فيك ذلك العِرق المدفون بين ترابات الخوف والعزلة ويريك في الآخر-البعيد الآخر المختلف عنك في اللون اوالعرق اواللغة اوباقي الآطر الاممية..تلك الاطر التي وضِعت لتجرد الانسان من تلك المشاعر السامية وتجعله يتعامل مع اناس مثله لا على ما يحملون وانما وفقا لارثهم الديني او العرقي او مكان ولادة جدهم المولود قبل الميلاد...
تلك هي ياصاحبي قوانين الاقوى المنتصر على الدوام. تلك القوانين التي لاتقبل الانسان كما هو او كما يريد هو فعلا ان يكون بعيدا عن مفردات الفصل العنصري. تلك المسميات التي وضعت حدودا وفوارق بين من يسكن في الشمال على حساب ألجنوبيين، التي وضعت فاصل بين الاحمر والاخضر، وباقي الالوان، وضعت فواصل وفقا لما ورثته انت عن جدك وما ارغمت انا على ارثه من جدي البدوي.
تلك القوانين التي حَتَمَت عليك وعلي ان نعيش وفقا لها وننفذ حرفيا ماجاء فيها لكي ندرج في خانة "المواطن الصالح" تلك الاطر التي لااراني اعبء بها وبواضعيها، وإن كانت رؤيتى لايعبأ بها الاخرين، كثيرا، كوني لست منهم.
واليوم اودني ان اقولها لك ولها وللآخر الناطر في غرفة الانتظار، عسىاني في صرختي هذه أُغير زمناً فضّا او مسارٍ حُدد لي بناءا على ماورثت من جدي وليس على ما سأورِث ابنائي!
وهي مجرد صرخة مبحوحة عساها تُغير تلك الوضعيات الدونية، وان تُفيق فيهم نظراتهم اللاجغرافية ويرونا أُناس مجردين من عقابيل المكان ومفاهيم النحن والهُم. عسى لهم ان يرونا اناس مجردين من قوانين جنيف او ماأُتفق عليه في اجتماعات مجلس الامن العادية منها والطارئة. عساك ياصاحبي ان تبصرني كما انا وكما احبذ فعلا ان تراني دون عرقٍ وتاريخ او الوان. ورجائي اليك عندما يصل ذلك الغريب الاجنبي لديارك مد يدك له وتَقَبَله كأنسان وان اختلف عن ما أأتلفت عليه، وتربيت عليه. حاول ان تَقبله وان كان لايشترك معك سوى برغبة السير سوية للوصول الى عالم يتسع لكما سوية، عالم قد يرضي الجميع، عالم يواطن الجميع عندها ياصاحبي حينما ندخل انا وانت وهي الى عالم السوية، سوف نتجرد جميعا من صفات النحن والآخرين، صفات الفيزا وبطاقات الهوية وننتمي الى عالم اكبر من دوائر النفوس في "بلداننا وبلدانهم" ونكون جميعا ابناء وطن بلا هويات او صلوات او حدود...حينها ياصاحبي سنكون مواطنون في عالم الانسان وعندها فقط سنكون فعلا آناس متحضرون...
علاء هادي
Hadi2345@yahoo.com




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن