مجتمع يقتل أبناءه(2)

حسين طعمة
hussissss@yahoo.com

2015 / 3 / 3

ثانيا:
حين يغيب الضمير , وينبري الحقد والكراهية لتتسيد المشهد في واقع العلاقات الاجتماعية يضحى الكل غولا عنيفا,مدمرا و قاتلا مثلما سيكون ضحية ايضا بمكان وزمان اخرين ,فالكل قاتل وضحية في ان ,يغرس سكين حقده في جسد حقيقته ووجوده .
شواهد لا حصر لها تدلل على الخراب الخطير الذي جاء على بنية واقعنا ومجتمعنا ودلل بما لا يقبل الشك ان هناك ورم خبيث قد استعصى على السبر والمعالجة رغم ما حصل من رقي وسمو للوعي الانساني وعبوره الكثير من محطات النور والرقي والتطور عبر التأريخ الانساني الطويل .
أورد بعضا من سلوك مجتمعي لا يقيم وزنا للأنسان والانسانية ,بعدما أرتقت شعوب العالم أجمع سلم التمدن والحضارة وعلى طول الأرض وعرضها , فنأت بنفسها خجلا من كل الممارسات و الكوارث التي عفى عليها الزمن وصارت سلوكا مدانا نتيجة لما سببته من دمار وويلات وشوهت فيه صور وتأريخ الانسانية ,لكن مجتمعنا ضل مثلما هو ,منفردا بالقبح ,يتوارى خلف اردية الموت و الفجيعة بجدارة فائقة لا مثيل لها.ستكون الحكاية الاولى عن قصة الفتى (س) :
كان ينقل قدميه بصعوبة بالغة بسبب الوحول التي تمتد على طول الطريق الموصل من بيته التي لفضته المدينه ورمت به خارج اسوارها في حي الصفيح , للشارع الرئيسي محاذرا وصول هذا الوحل الى قدميه عبر حذائه البلاستيكي المتهرئ من جانبيه ,ليسير بمحاذاته متجها صوب المدينة واسواقها الضاجة بالحركة واصوات العربات التي تروم افراغ حمولتها ,وبشق الانفس يتخذ طريقه المعهود ,حاثا خطاه نحو صاحب ومؤجر عربات الدفع الصغيرة ,قبل نفاذها من الصبية وماأكثرهم .
في اغلب الاحيان يصل متأخرا وتفوته فرصة اللحاق بواحدة من هذه العربات التي يقضي يومه بالعمل عليها في حمل ما يقتنيه المتسوققين وبأبخس الاثمان نتييجة للكم الهائل من عربات أصبحت وسيلةللكثيرين ممن وجدها وسيلة سهلة للربح والكسب ,وسائلها ,عربات رخيصة وجهد الصبية وسرقة تعبهم وجهدهم .بعد وصوله متأخرا هذا اليوم ,لم ينل سوى سخرية وضحك مؤجر العربات عليه وهو يصرخ به :امض ايها المجنون !!ابحث عن عمل اخر !!
كثيرا ما كان يردد هذه العبارة في وجهه وحتى عمال العربات يصرخون به مجنون ,مجنون !!وكثير ما تعرض منهم الى العنف والقسوة والضرب دون ايما سبب وأشد ما يؤلمه ليس سوء معاملته او ضربه بين الحين والاخر من اقرانه اصحاب العربات ,وانما صراخهم من خلفه كونه مجنونا !!!.لذا كان يستعر في قلبه حريق عنيف ,لطالما تمنى ان يزفره بوجوههم ((لست مجنونا!!!,,عالمكم هو من يعاني الجنون !!ايها الاشرار).تأخذه نوبة من الحزن ويعرف ان لا طائل من الصراخ الذي سيحسب عليه فيصمت متواريا بعيدا عن قبحهم ونتانتهم ,,يكظم في قلبه الما اكبر من هذا وأعظم ,يتحمل بسببه كل وحشيتهم وقسوتهم ,فهناك أنين امه المريضة وصوتها الواهن بسعالها الشديد ,ممددة على ارضية رطبة وسط جدار من الصفيح لا يمنع بردا او مطرا وصبيان صغيران ينتظرانه بشغف ,عيناهما تحدق في ما يحمله معه عند عودته .
سار قريبا من بائعي الخضر عله يجد عملا اخر ولو كان بثمن بخس ,غير ان احدهم قام بالهزء والسخرية منه...من ثم تعالى الصراخ من حوله ,الا انه غض الطرف وسار مطرقا صامتا فأثار حفيضتهم فرماه أحدهم ببعض من الخضر التالفة ,لتتوالى بعدها الضربات وتزداد عددا ,فنباح كلب مسعور واحد قادر ان يحرض الحشد على النباح الجمعي .لقد اصابته ضرباتتهم بهذه المواد على جميع اننحاء جسده النحيف فقد تأججت الضمائر واتفقت على مواججهة عدووها اللدود ,ومن فرط صحوتها وهيااجها ققام احدهم برميه بمادة ثقيلة ترنح اللضحية الى خلف ,فالتفت ساقه بحبل احد السقائف ,,تهاوى بعدهها وسقط على االارض قريبا من الاوتاد الحديدية التي كادت ان تقضي عليه الا ان احدها اصابه برأسه, اغمي عليه بعد ان اختلطت دماءه بالوحل الذي ملأ حسده ,ومع دموع ساخنة كانت تنهمر على وجهه الشاحب ليكون لوحة أدانة لعالم يحترف الوحشية والجنون



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن