*في نقد الحداثويون

عبدالاله سطي
abdosate@hotmail.com

2005 / 9 / 17

قال صاحبي وهو يتحدث عن ما أسماه ب"مداخل الحداثة /في نقد السلفية و التو فيقية"**(...وهذه المراجعة تجد أسبابها كذلك في التحول التصاعدي في دور الحداثة،هاته التي بدأت شيئا فشيئا في التخلي عن دورها التقليدي كخصم أو محاور مستقل للعقل العربي المعاصر، لتلعب دور أكثر أهمية إذ بدأت تدخل بفاعلية في تشكيل هذا العقل ذاته، و إن كان ذلك إضطرارا لأن القيم الاستعمالية للحداثة تفرض تبني أطرها و مقولاتها دونما إستئذان).
هذا الكلام وشبيهه من الكلام الكثير الذي يدور حول بوثقة الحداثة و تجليات الحداثة، يؤكد و بالدليل الدامغ أطروحة "أزمة المثقف العربي" الذي صار بشدة صدمته بالتنوير وعهد التنوير، وومضاة الحداثة الأوربية، شارد الذهن، مبتذل التفكير،عجز الفعل، أصولي الابتكار.فلم يجد أمامه بذلك إلا صرح الحداثة ليبني منه حائط مبكاه، بعد أ استنفذ كل مقولاته و كل تحليلاته فيما ليس مثمر و فيما ليس منتج و لا مجدي.
وهكذا غدت الحداثة أشد الأوهام حجبا و أكثرها إعاقتا عن خلق الأفكار، إذ هو يحول بينه و بين الاستقلال الفكري أو ممارسة التفكير النقدي، و أعنيبهذا الوهم تعلق الحداثي بحداثيته كتعلق الاهوتي بأقانيمه أو المتكلم بأصوله أو المقلد بنماذجه، وهكذا فنحن إزاء سلوك فكري يتجلى في تقديس الأصول أو عباة النماذج أو التعلق الماورائي بالأسماء والتوقف الخرافي عند العصور كما يضيف المفكر علي حرب.
إن أزمة علاقتنا بالحداثة تتجلى أول ما تتجلى في تعاملنا معها بعقلية الأدلوجة و الدعوة، و بعقلية التسويق و الإشهار، لا بعقلية القارء الناقد المنتج للطفرات المعرفية، فكانت النتيجة واحدة ووحيدة مزيدا من النكوس إلى الوراء، مزيدا من التزلف المعرفي، مزيدا من الأطروحات المتوحشة و الظلامية، و بالتالي مزيدا من التقليدانية و التخلف.
وما يؤكد صحة كلامي، أننا لا نجد مفكرا أو مثقفا عربيا واحدا قدم لنا اليوم، عما تنويريا متكاملا بوزن أعمال "ديكارت" العقلانية، أو بلون تركيبات " كانط "
النقدية، أو بجرأة " هابرماس " الفكرية. فمن رائد النضة " رافع رفاعة الطهطاوي " إلى حارس الحداثة " عبدالله العروي "،و أفكارنا ليست سوى ما ننتجه مع
صرح أشياء الآخر.و من ثم كانت ا نتاجاتنا المعرفية في شتى المجالات و من طرف مختلف التلوينات الفكرية و الأيديولوجية مجرد لكاءة حول حلقة الحداثة و التنوير. لذا كانت أضعف من أن تحدث طفرات نوعية في ذات الفكر قادرة على أن تنقلنا من أغوار الظلام إلى صفاء النور ، و من الانبهار بتفوق الآخر إلى القدرة على منافسة و مجابهة الآخر.
فالتنوير ليس نصا مقدسا و لا يقينا معرفيا قاطعا، بقدر ماهو فعل نقدي ينطلق أولا من الذات إلى الذات على أساس إعادة ترتيب و صياغة علاقة الفرد بنفسه و مقولاته، ثم علاقته بالغير وذهنية الغير.
فلا سبيل للحداثي الآن سوى إنتاج نصوص تملك حداثيتها و تفرض وقائعيتها ونابعة ن راهنيتها و ضرفيتها.فلا ممارات ولا تنكيل و لاتكذيب، في أن الحداثة
ليست قالبا جاهزا أو حقا صارخا، بقدر ماهي كما يضيف صاحب " أوهام النخبة " المفكر اللبناني علي حرب انخراط في تجارب و علاقات تجري العمل عليها من أجل تحويلها عبر نقد الأفكار و تفكيكها، أي من أجل إعادة إنتاجها في أتون التجارب المعاشة و الممارسات الحية، مثل هذا النقد للمقولات و الممارسات الفكرية ذاتها، لدى النخب المثقفة ، يفتح إمكانيات جديدة للعمل، بمنطق تركيبي و منطق تحويلي و فكر توصيلي، و على نحو يتيح للمثقف أن يفك
عزلته عن الناس و المجتمع، بقدر ما يتيح له ممارسة فاعليته المجتمعية والتنويرية. عبر منتجاته المعرفية و العلمية. أو عبر إبداعاته الفلسفية و الأدبية أو الفنية و الجمالية.
فلا مناص من أن الدخول إلى الحداثة لا يمر إلا عبر نقد الحداثة ذاتها و تو صيفاتها و تطبيقاتها. وليس التنكيل بهترفات السلفية و بربرية الأصولية و لا دغمائية السلطة.لأنه بشكل من الأشكال فالحداثويون في نفس الآن لا يختلف أصوليتا و لا إستبدادا من هاؤلاء ما دام متعلقا بأوهام الحداثة و أقانيمها و عقائدها.
ولذا فمن الأجدى و الأجدر ، ومن الأذكى و الأبصر، أن نحول المعلومات التنويرية، في ميزان النقد و التشخيص الفكري، إلى مشاتل خصبة و إلى مفاهيم براقة و خلاقة ذات علاقة راهنة حية ومتجددة مع حاضرنا. لا أن نحول المفاهيم و التجارب التنويرية الغربية إلى نسخ كربونية و محفوظات تحفظ عن ظهر قلب، ولا إلى توهيمات سياسية و متحجرات فكرية لا تغني و لا تسمن من جوع.
فهل من قراءة جديدة للحداثة الغربية؟
و هل من مراجعة جريئة لمفهومنا حول الحداثة؟
و في كلمة صغيرة أختم بها لصاحبي أقول" غننا الآن لإي أتم الحاجة إلى الكشف إكثر من ممارستنا للحجب".

*الحداثويون= أعني به ألئك الذين يتعاملون مع الحداثة بشكل طوبوي.
** عادل البكوري= مداخل الحداثة / في نقد السلفية والتوفيقية.rezgar العدد 1315



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن