في الشائعة : أقدم وسيلة إعلام في التاريخ البشري : تأملات في المشروع الفكري الرائد ل جان نويل كابفيرير . دار الساقي بيروت لبنان الطبعة الأولى 2007 ترجمة : تانيا ناجيا

عبد الله عموش
ammouch.mmb@gmail.com

2015 / 2 / 2

ـ ماذا حدث لو بدأوا في استهدافك بنشر إشاعة مرض قريب لك أو بإصابة زميل لك في العمل بالعمى ؟ كيف ستتعرف مصدر الشائعة قبل أن يتدخل مصدرها قائد الجماعة المعبأة لنشرها وسط العامة ليعلن أنك المقصود بالسهم ؟ هل الشائعة جريمة ؟ هل مصدرها مجرم ،؟ هل مجتمع الشائعة مجرم ؟ .
إن الشائعات تسبق أي سقوط أو انهيار ، و مثالا على هذا نشر إقدام شركة ما على تسريح عمال أو إصلاح منظومة العمل و الأجور عكس تطلعات العاملين بها ؛ هذا على المستوى الإقتصادي فما هي الحقيقة قبل الفعل ؟ أما سياسيا فتسبق إعفاء وزراء في حكومة ما إعفاءهم أو إجراء .نفس الشيء في المجال العسكري كما حدث في التداول في الأوساط الأمريكية عن تسليح الجيش بنظام ريتا بدلا من منافسه البريطاني ...
إن مصلحة مكتب المعلومات الحربية في الأنة السياسية هي وحدها المؤهلة وظيفيا في مراقبة تدفق الشائعات ، و في هذا الصدد تأتي الدعوة إلى ترك القلق لما تصبح الشائعة أبدا غير ذات مصداقية و لا تحظى بأي قدر من الصحة و عارية منها ، لذا و منذ زمن تعودت العامة التشكيك في صحة الشائعة عند ظهورها .
و كل الإرتباك هو مايحصل عند الهم بإثبات صحة الشائعة . و في الحرب يمكن للطابور الخامس إدراك الحقائق الثاوية وراء الشائعة . و مدلول هذا هو انطواؤها على صحة ما غير التي تتداول بها . .
و لقد عملت مكاتب العلومات الحربية في عدة دول كأمريكا على حمل المواطنينعلى تفادي تناقل الشائعة و ترويجها تحت كليشيهات مثل : (صه ؛ للجدران آذان ) ، و لهذا ومن منظور سيكوسوسيولوجيا الشائعة نجد جماعة الشائعة تلجأ إلى أماكن خلاء أو غابات للإجتماع لأجل بلورة الشائعة و التعبئة لنشرها حتى يبقى مصدرها في مأمن من أعين السلطة من مثل أماكن الإختباء نجد الجبال و الغابات و الشواطئ و الحدــــائق كأماكن تتوارى إليها الجماعة لتحقيق النجاح لشائعاتها ...يجري هذا و معضلة عدم القدرة على تلقين و تعليم الجماهير آلية معرفة الشائعة .
ماذا يعني إذن تعبير : "غير مثبتة " ؟ هذا ما جرى بين النبي عيسى عليه السلام و القديس توما الذي أصر على الرؤية قبل الإيمان ، و هو الشيء نفسه بالنسبة للمجتمع الذي يقوم في حياته على الثقة العمياء و من دون الحاجة إلى التثبت ، كما يحدث عند قراءتنا لمعلومة فيجريدة حيث تفترض التصديق دونما توفرنا على دليل على ذلك .
إن التحقق و التثبت من صحة معلومة ما ، لذو اتصال و ثيق مع هوية القائم بالمهمةتلك . إلى ذلك فغياب الثقة يولد الريبة و الشك في صدقية و ثبوتية المعلومة .
يستنتج من هذا أن معايير التثبت و تصديق المعلومة دائما تكون غير موضوعية بدرجة عالاية . ليتم بلوغ تعريف للشائعة على أنها " معلومة غير مثبتة متداولة ؛ على العامةتحليل لغزيتها في غياب شاهد على ثبوتيتها . كما أن الملفت في الشائعة وصولها إلينا من معارفنا من غير أن يكون شاهدا مباشرا على منقول الحدث بقدر كونه من معارف ذات الشاهد ـ أو المؤطر مصدر الحدث العاري من الصحة بهدف إحداث اضطراب ما في المجتمع ـ . و هذا أقرب إليه من الصحافي التلاقائي السارد للحدث من كثرة حبه للناس أإو رغبة منه في تقاسم ما رآه أو سمعه مع الآخرين "
و تأسيساعلى ما سبق فتعري الشائعة المستند إلى خاصية " غير المثبت " يوصل منطقيا إلى الباب أو الطريق المسدود ، لتصبح هي نفسها داخلة في نطاق المنقول شفويا دون وسائل الإعلام المتعارف عليها اجتماعيا و رسميا .
وبالرجوع إلى بعض ما تثيره مكاتب المعلومات الحربية من واقعية المشكلة ، فإنه يصبح ملحا البحث عن سبل الحد من تناقل الشائعات .
إنه من المستحيل كبح التواصل بين الناس خاصة زمن الحروب حيث يبلغ القلق بالناس الذروة و يحملهم على التساؤل و تبادل الأفكار و الآراء بأمل تهدئة ما ينتابهم . و حسب المتخصص كناب فإنه و ضع توصيات خمس للحد من انتشار الشائعة ، و هي على قدر من الأهمية لما لها من أثر ضمني على جعل الشائعات مربكة طيلة مدة تداولها من هذه التوصيات :
ـ الثقة بالإعلام الرسمي الذي يخلص من عبء البحث عن التثبت هنا أو هناك ..
ـ وجوب إيمان القاعدة الشعبية بقادتها بصدق و ثبا و بحكومة دولهم في تدبير حربيات ومدنيات بلدانهم مع هجر و فضح أوساط الريبة المغذية للشائعات.
ـ التصدي للبلاغات الكاذبة فور ظهور أية معلومة غير مثبتة و مغلوطة .
ـ إزالة وردم بؤر الجهل بالمجتمع و الخونة منها المعتبرة ثقة من الأعيان و الوجهاء في البلدان التي ما تزال تعمل بالوجاهة ؟؟؟؟
ـ توفير الشغل و العمل لعريض فئات الشعب تجنبا للضجر الذي يولد عادة الضجيج للخروج من الرتابة و الروتين .
و رغم كون المتخصص كناب قد صاغ توصياته زمن الحرب الكونية الثانية فإنه تمكن قراتها قراءة معكوسة زمن السلم بل و مثيرة للسخرية حيث ليس من سبيل آخر يجنبنا ذات القراءة .
و جدير ذكره أن هذه القواعد لها فضل بلورة جذور الحكم المسبق . و كون الشائعة مربكة ليس مرده إلى كونها " خاطئة . و إلا فلماذا تثير انتباهنا . و قد تكون كذلك إذا ما اعتبرنا محدودية السلطة في التحكم فيه . إنها الوجه الآخر للعصيان المدني اللامادي و مقدمة المد الثوري في بعض الأنظمة السياسية الأشد رقابة على جيوبها ... هذا إذا استثنينا النقل الشفوي المشروع لكل معلومة يرى على أنا رسمية .
إن أشهر تعريف للشائعة يعود للأمريكي " تي شيبوتاني" باعتبارها : " أخبار ملفقة تتولد من نقاش جماعي " باعتبار مصدرها " حدث مهم و ملتبس " من " مثل " اجتياز عشرات الدبابات شوارع مدينة بني انصار بالناضور ليلة ما " ستتساءل العامة عن حقيقة ما يجري ، و حسب تي شيبوتاني " فالشائعة تنشأ عن تشارك المجموعة في مواردها الفكرية من أجل إيجاد تفسير مرض للحدث " هذا فضلا عن السيرورة في تدفق معلومات أخرى و مسارات تأويلها و التعليق عليها و تأييدها أو تفنيدها و دحضها بالتعقيبات المغرضة إما بالدفع بها أو في مسار التراجع عنها ( إنها حرب الجهال على من يعلمون ؟؟؟) . و هكذا يرى تي شيبوتاني أن الشائعة فعل جماعي هدفه تلبيس معنى الحقائق الغامضة (إنها حلي عروسة الظلاميين ) . فهل مرد الدبابات المفترض تجوب شوارع بني انصار بالناضور ليا إلى احتمال اكتساح اسبانيا لمدن الشمال بعد أزمة جزيرة ليلى مثلا ؟ ( لا أريد التمثيل لذلك بمنطقة أخرى أكثر حساسية في وطني الحبيب المغرب ) .هل.... هل..... هل ..... و بكثرة التساؤلات و التعليقات و التأويلات تخرج المجموعة بتفسير أو تفسيرين معد مسبقا بأن الإستعدادات جارية لاستقبال العاهل الإسباني بمدينة الناضور مثلا .
إن نمو الشائعة لا يرجع إلى تشوهات في الذاكرة بل إلى توالد و نمو التعليقات و التأويلات المواكبة لها ، و باختصار يقدم تي شيبوتاني الحجة على الشكل التالي :
الشائعــــــة = الأهميـــــة × الإلتبـــــاس
أي إن أهمية الحدث و التباسه المطلق هو منشأ الشائعة ــ ( و قد تكون الحجة أعلاه جوابا على جزء السؤال القدم به لهذا المقال : ـ ماذا حدث لو بدأوا في استهدافك بنشر إشاعة مرض قريب لك أو بإصابة زميل لك في العمل بالعمى ؟ كيف ستتعرف مصدر الشائعة قبل أن يتدخل مصدرها قائد الجماعة المعبأة لنشرها وسط العامة ليعلن أنك المقصود بالسهم ؟ هل الشائعة جريمة ؟ هل مصدرها مجرم ،؟ هل مجتمع الشائعة مجرم ؟ )ـــ هذا في غياب طاقة المجموعة التعبوية في المعادلة أعلاه ، و هو الأمر نفسه في ترويج المنتوجات الإستهلاكية عن طريق الدعاية ( الإشهار) ..
بشكل عام تعتبر الرموز المبهمة وسيطا لا يقاوم في بنية الشائعة السردية لا سيما أنها مثيرة و محيرة و محفزة على السؤال و ولدة له .
بهذا تصبح الشائعة بمثابة السوق السوداء للمعلومة أو للمعلومات . و انطلاقا دائما من ىتعريف تي تشيبوتاني يستنتج الباحث أنه تعريف يتعلق بنشأة الشائعة و تطورها ، انطلاقا من حدث ما . غير أن الشائعة لا تقوم و تنهض من حدث غامض بل مهنا ما يولد الحدث نفسه ، و كل ذلك يكون حسب السياق الإجتماعي و السياسي الذ يقبل فيه الجتمع بالشائعة .
التحليل النفسي للشائعة
" لا تستند الشائعة إلى أي أساس ، و لعل هذا التعريف أكثر التعاريف على الإطلاق " عن مجلة متخصصة . و عند إي مورين ف " الشائعة لا تستند إلى وقائع مثبتة " يجعل الشائعة مرضا عقليا يصاب به المجتمع ، أو هي أشبه " بسرطان عقلي" و في هذا الخصوص نورد تصريحا لكاتب المقال الإفتتاحي في جريدة لوموند الفرنسي بيار فيانسون حيث كتب يقول : " لم يسبق أن أجريت معاينة أي شكل آخر من أمراض الرأي المعدية التي تصيب تحديدا الطبقة السياسية (...) ؛ مرض يمكن أن نطلق علي تسمية " الشائعة السياسية " ." لوموند 28 أيلول /سبتمبر 197.
و المركب الشائعة و المرض ، إن لم نقل الجنون ، بات منطقيا لأن تناقل معتقد من طرف العامة دون مسوغ وجوده أو يروم إيجاد غيره على حساب ثقة المجتمع ، هو من قبيل الهذيان الجمعي و من قبيل السلوك غير المنطقي و يندرج تحت إيتيكيت الجنون كمرادف اجتاعي للهذيان بمفهوم سيغموند فرويد حيث يصبح المجتمع طيلة مدة تناقله للإشاعة عصابا يهذي .
و عليه فإنه بات مستحيلا تفسير الشائعة خارج الطب النفسي . و أن تصديق الناس للشائعة تبرير على أنهم مجانين فعلا .
و ما يمدنا به التحليل النفسي في إطار دراسة الشائعة فمنفعة غاية في الأهمية و هو يمكننا من استنزال اللعنة على الذين يفكرون خلافنا و لا يؤيدونالحقيقة الرسمية لأنهم ينعمون في جهالتهم تحت نير الهذيان وكفرا بالأنظمة الرسمية و يسعدون تحت نير الهذيان و يرزحون تحت عجزهم عل التفكير المتحضر و هم بربر و يبلورون بسلوكهم ذاك تطلعهم إلى تأليههم من طرف العامة من دون الإله المعبود عادة من طرف الطوائف المتدينة لأن الإشاعة تكون في مجتمعات الديانات المتباينة . و هم بذلك يؤسسون لكيانات تسلطية تحظى بسلطة بديلة عن سلطات الحكم الرمي و النظام السياسي الرسمي ، و هم ليسوا غير كيانات وهمية مجنونة تهذي كلما ضبطت تقدم قرابين لساسات بلدانها و تخر ساجدة لهاحتى تمر الأزمة : مجانين فعلا ....
ولأن الحياة الإجتماعية ترتكز على الثقة إن بلوغ الشائعة الناس ، إنما عن طريق المقربين و ليس عن طريق الغرباء ، و يعتبر كل الآخر لا يهذي .
و جدير بالإشارة أنه بسبب كون الإشاعة مهمة و نادرة نذرة الذهب في الإنتفاع بقيمته ، و ما دات الإشاعة تنطوي على قيمة ما ، فإن الشخص الذي يبث الشائعة و يجعل لأجل ترويجها شركاءه مؤتن عليهم ، و على سرها أيضا بإشراكهم فيه ، يخرج من الصفقة بمجد يذكر و ينقل على الألسنة ما بعد ذيوعها و تحقيق هدفها ، و يؤكد ذلك كله حصوله على ولاء ما في مجتمعه و قدسية تهله لتقدم الطائفة و تقلد أمانتها و أمينا على سرها ، رائدا مبجلا يتلقى القرابين و تطيعه الجماعة و الطائفة ، يصبح فيما بعد بلقب الزعيم الروحي للطائفة .
و يظهر أن سرعة الشائعة ترتبط بقيمة المعلومة .
و على العكس إن ما أكدته التجارب فالشائعة لا تشرف و لا ترفع مطلقها بالقدر الذي تضعه و تحط من قدره .
و إليك يا متربصا بالناس بالشائعة إنك مفضوح فلا المريض ولا الأعمى موجود و لكن الخدم عبيدك ممسوخ و جامعتك ساقطة لا محالة .
سنلتقي في بقية البحث مع فصول أخرى في الشائعة .... ترقبوا الجديد و شكرا على مساندكم لنا قلما يافع يثري و يغني الساحة الفكرية و ذلك بمناسبة تخطي المئة ألف قارئ و زائر لموقعنا الفرعي ببوابة الحوار المتمدن ، كما أقدم بشكري الجزيل لكل من يقدر الفر و يجعله منارا للهدى و سبيلا للرقي بالإنسان ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن