دعوة للدخول فى النادى الإنسانى

مجدى خليل
magdi.khalil@hotmail.com

2015 / 1 / 1

دعوة للدخول فى النادى الإنسانى
المشاركة فى القيم أهم من المشاركة فى الدم
مجدى خليل
أحدث السيد المسيح له المجد بالحب والتضحية ثورة فى القيم لم تعرفها البشرية من قبل،بعيدا عن التحيز الناتج عن قرابة الدم وعن العرق واللون والجنس والدين والمذهب والنوع والشكل والغنى والفقر والوضع الوظيفى والاجتماعى، وطارحا العداوة بين البشر. ومن هذه القيم الرفيعة أن يسوع المسيح عرف القريب بشكل مختلف تماما وصادم للفكر البشرى وللفكر اليهودى الذى كان سائدا فى وقته، مؤسسا بذلك ما يمكن تسميته ب " النادى الإنسانى"، وكان ذلك عندما جاءه واحدا من الناموسيين ،الذين يحفظون التوراة، وأراد أن يختبره لعله يسقط يسوع فى نقد التواراة أو الناموس، فكانت هذه القصة كما جاءت فى انجيل لوقا الأصحاح العاشر:-
(وإذا ناموسي قام يجربه قائلًا يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ. فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك. فقال له بالصواب أجبت افعل هذا فتحيا. وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوع ومن هو قريبي؟.
فأجاب يسوع وقال إنسان كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض أن كاهنًا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي أيضًا إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا واركبه على دابته وآتى به إلى فندق واعتنى به. وفي الغد لما مضى اخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟. فقال الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا).
التفسير المسيحى لهذه القصة والتفسير الإنسانى يصبان فى أتجاه واحد وهو أن السيد المسيح جاء ليغير طبيعة الإنسان، ليعيد ميلاد الإنسان من جديد، من وضع الموت إلى وضع الحياة، ومن الخطية إلى البر،ومن العصبية الضيقة إلى الإنسانية الأوسع والأرحب. المسيح أسس ناديا إنسانيا عضويته إختيارية لمن يرغب فى دخوله، ولكن بشرط واحد أن يؤمن بقيم هذا النادى الإنسانى الرفيعة الراقية، وقيم هذا النادى الإنسانى تتمثل فى درته الفريدة وهى " الموعظة على الجبل"،التى أستقت معظم مواثيق حقوق الإنسان جزءا يسيرا منها ولم تصل إليها بعد.
عندما طرح السيد المسيح مثل " السامرى الصالح" أختار معانيه بدقة، فاورشليم هى مدينة السلام، مدينة الله،وأريحا هى مدينة الموت، فأريحا مدينة اللعنة " يش 26:6"،وترمز للأرض الملعونة بسبب الخطية، ومن ينحدر من مدينة السلام إلى مدينة اللعنة لابد أن يواجه متاعب كثيرة فى الطريق، فقد كان الطريق بينهما خطرا قفرا موحشا يشق الصحراء لمسافة 18 ميلا،ومن كثرة اللصوص والمخاطر فى هذا الطريق أطلق عليه وقتها " طريق الدم". عندما مر اليهودى بهذا الطريق وتركه اللصوص بين الحياة والموت، مر عليه أثنين من أهله وعشيرته وهما كاهن الشريعة اليهودى ولاوى الناموس اليهودى أيضا، ولكنهما لم يقدما له شيئا خوفا من اللصوص، فالشريعة تدين والناموس يشخص حالة الإنسان ولكن كليهما لا يستطيعا تقديم الخلاص للإنسان،وكان الخلاص على يد السامرى المنبوذ والمحتقر من اليهود والذى يصنف عدوا فى اليهودية،هذا السامرى جاء لخلاص كل إنسان،لا يهمه إن كان يحبه أو يعاديه،لا يهمه لونه أو جنسه أو عرقه..كل ما يهمه إنه إنسان. هذا السامرى الصالح هو السيد المسيح المحتقر والمرفوض من خاصته رغم إنه لم يكن سامريا بالميلاد،ولكن شعبه رفضه واحتقره وصلبه فى النهاية.
خلاصة كلام السيد المسيح فى هذا المثل،لكى تكون عضوا فى النادى الإنسانى عليك أن تفعل الخير للجميع،أن تعتبر جميع أفراد الإنسانية أقرباءك،حتى هؤلاء الذين يكرهونك ويعادونك عليك أن تعتبرهم اقرباءك وتفعل معهم الخير. ولهذا تسمى عشرات المستشفيات فى أمريكا بأسم " السامرى الصالح Good Samaritan Hospital، فهذه المستشفيات لو حضر اليها أسامة بن لادن أو أيمن الظواهرى أو أبو بكر البغدادى مصابا ستعالجه بصرف النظر عن أى شئ،هى لا تنظر إلا إلى احتياجات المريض وليس لها علاقة بأى مسائل أخرى، وهكذا المسيح جاء لخلاص جنس البشر كله من آدم إلى يوم الدينونة العظيم.
عندما سأل هذا الفريسى السيد المسيح ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية كانت الأجابة واضحة: أن تسير فى طريق السامرى الصالح، طريق الحب والمغفرة والتضحية والعطاء والخير للجميع،ألم يقل السيد المسيح "أنا هو الطريق والحق والحياة".
النادى الإنسانى مؤسسه هو شخص واحد وهو السيد المسيح له كل المجد،ورئيسه أيضا هو شخص السيد المسيح له المجد،وهذا النادى مفتوح لكل البشرية بشرط الإيمان بالقيم التى وضعها رئيس النادى فى موعظته على الجبل.وليس معنى هذا أن كل مسيحى هو عضو فى هذا النادى،ولكن فقط من يؤمن بقيمه ويسير على خطى مسيحه.
ويبقى السؤال إذا كان هذا النادى مفتوحا لجميع البشر من جميع الاجناس ومن كل الأمم كما تقول، فمن يقدر على تنفيذ تعاليمه المتمثلة فى " أحبوا أعداءكم، باركو لأعنيكم،أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لآجل الذين يسيئون اليكم ويطرودونكم.............."؟... الأجابة أن من يستطيع تنفيذ هذه التعاليم السامية لابد أن يكون مسيحا آخر، أى يلبس المسيح داخله، أى يعيش المسيح فى أعماقه،لأنه قال لتابعيه " بدونى لا تقدروا أن تفعلوا شيئا"، وقال عنه بولس الرسول ،" أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى".. ولكن المسيح يعاتب خاصته بأنهم لم يطلبوا شيئا بأسمه حتى الآن، وقال لهم " اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وكل هذا يزاد لكم"،أى أطلبوا المسيح أن يعيش فيكم وكل شئ سيكون سهلا بعد ذلك، وكرر نفس المعنى وقال " اسألوا تعطوا..اطلبوا تجدوا..اقرعوا يفتح لكم".. فأنا موجود أمس واليوم وإلى الأبد ولكنكم لم تطلبوننى.
القرابة ليست هى المشاركة فى الدم،ولكن القرابة الحقيقية أن تعيش قيم هذا النادى الإنسانى التى تجعلك تنظر لكل محتاج على أنه قريبك،أى إنسان محتاج إلى لمسة شفاء وحنو،أى شخص محتاج إلى أن تعيد له الكرامة،أى إنسان مهان ومسلوبة حقوقه،أى شخص يحتاج إلى أى مساعدة من أى نوع..هذا هو قريبك الذى يحتاج إلى أن تمد اليه يد العون...حتى الحيوان تتعامل معه برأفة وحب ورفق.
يروى المطران بشارة وردة،رئيس أساقفة أربيل،إن الأم تريزا طلبتَ لقاء البابا يوحنا بولس الثاني فأُعطيَّ لها موعدٌ للقائه. وبينما هي متوجهةٌ نحو مكان اللقاء، رأت مُشرداً على الطريق فنزلت وعاملتهُ بالرحمة، وهذا يعني أنها تأخرّت على الموعد. فعندما وصلت مكتب البابا، قالوا لها: كيف تتأخرين على موعدٍ هامٍ كهذا؟ فأجابت إلتقيتُ المسيح في الطريق، وهذا الذي أخرّني عن لقاء خادمه على الأرض.
فالقريبُ هو إنسان أصلُ إليه، لأنه سيُوصلني بالله، أو بالأحرى يجعلني قريباً على فكرِ الله، الله الذي يُفكّر دوماً بفقرائهِ وبإحتياجاتهم. هذا الفقير سيمنحنا فرصة أن نكون له مسيحاً آخر.
فى النادى الإنسانى الذى أسسه السيد المسيح الشراكة فى القيم أهم من الشراكة فى الدم، باختصار أنت فى هذا النادى تشارك المسيح قيمه وتعاليمه السامية،أى تكون مسيحا جديدا لكل المحتاجين والمعوزين والمضطهدين والمرضى والمتألمين.
ما أروع هذا النادى.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن