بحزاني لَنْ تخشع وجبل سنجار لنْ يركع ..

صباح كنجي

2014 / 12 / 7

بحزاني لَنْ تخشع وجبل سنجار لنْ يركع ..

من الطبيعة سحرتني الجبال.. لحدٍ بات بيني وبينها تآلف روحي منذ طفولتي حينما كنت اخترق شعاب وممرات جبل بعشيقة وبحزاني.. المغتصب من شراذم داعش اليوم.. وانا ما زلت طفلا لم يبلغ السابعة من العمر لملاقات ابي ورفاقه في عين فنجان .. مع اول مفرزة للانصار تشكلت لمقاومة انقلاب شباط الدموي عام 1963 ..
بعدها بأشهر.. حينما بدأ الفاشست يبحثون عن اسرته.. توجهت امي بنا الى سنجار.. لتحمي اطفالها الاربعة.. بين اقرباء لها من بقايا عائلة حسين قنجو نجوا من مذابح فرمان اسلامي عثماني سابق .. وتتخفى بالقرب من عمي المعلم في قرية ملك.. لبعض الوقت قبل اعتقاله وسجنه إذ كان هو الاخر شيوعياً.. حينها خبرت شعاب ثاني جبل ونحن ننتقل بين خانصور وكرسي وملك و وسمي هيستر وغيرها من القرى والمدن الملتصقة بالجبل ..
جبل سنجار بمياهه العذبة.. التي تروي بساتين التين والرمان والتفاح وبقية الثمار والمحصولات التي يزرعها السنجاريون النشطون بملابسهم البيضاء وملامحهم القاسية واغانيهم الجميلة ..
في مرحلة الكفاح المسلح مع نهاية عام 1978 عشقتُ الجبال في كردستان اكثر من اي شيء في الكون .. الجبال بتفاصليها .. شموخها .. كهوفها .. ممراتها .. خفاياها وخباياها .. والكثير الكثير من اسرارها .. اسرار الجبال .. لا يمكنك انْ تتوصل اليها الا اذا تألفتَ مع صخورها ..
هذه الصخور التي حمتنا وانقذتنا من الموت وقصف طائرات الدكتاتورية وصواريخ وقنابر جيوشه الجرارة .. في هذه المعادلة الحربية غير المتكافأة بيننا كأنصار وبين جيش الاستبداد والمأجورين من الجحوش الكُرد لم تكن الجبال حيادية .. لم تكن ضخورها صماء كما يتصور البعض .. كانت الجبال تقاوم.. الصخور تحس بنا فتحمينا من شضايا القاذفات والانفجارات.. كأي ام تسعى لحماية ابنائها .. تنأى المخاطر عنهم..
لهذا رددتُ مع نفسي في محنة الانفال عام 1988 شيئاً عن هذه العلاقة الثورية بين الطبيعة والانسان المكافح من اجل الحرية.. قلت في احلك واصعب الاوقات التي مررت بها.. وحدي اجول بين شعاب جبل كاره عام 1989 وسط الخراب والدمار الذي مسح القرى والمدن واباد السكان في انفال عام 1988 ولم يخلف الاّ الربايا والمواقع العسكرية التي انتشرت وتواجدت في جميع اصقاع كردستان كالسرطان..
حينها .. في ذلك الزمن المرافق لجريمة الانفال .. قلت احدث نفسي مستذكراً امي التي غيبتها الانفال.. وهي تنتقل بنا بين شعاب جبل سنجار وممراته مستمداً من صبرها وثقتها بنفسها الصمود ومن ارادتها العزيمة والاصرار على تجاوز طوق الموت رغم المحنة التي كادت أن تشل حركة جسدي.. أذ بقيت لأكثر من سنة ونصف بعد الانفال وحدي الوذ.. من كهف لآخر.. اقاوم الجوع.. البرد .. شبح الموت.. في كل لحظة ..
في طيفها قالت لي:
اصبر
كاره سيبقى
متين سيقاوم
هندرين لن يساوم
ها هو التاريخ يتجددُ في سنجار .. بعشيقة.. بحزاني .. يا أمي .. المحنة تعود .. لم اعد وحدي محاصر بين الجبال لأستنجد بصبرك.. لم تعد الجبال وحدها مستهدفة.. المدن .. القرى .. كل الناس.. في سهل نينوى من مسيحيين وايزديين وشبك ومندائيين حتى حدود سنجار وما بعدها في كوباني.. اصبحوا مستهدفين .. جبالنا وطأتها اقدام السفلة.. بعشيقة وبحزاني هجرها الناس.. تركوا بيوتهم .. ممتلكاتهم .. قطعان داعش الهائجة انطلقت من الموصل.. زحفت جحافلهم نحوهم .. حاملة رايات الله اكبر.. ولا اله الا الله .. اصوات تكبرُ بنداء الموت.. اجتمعت من كل اصقاع العالم بكافة لكنات العرب والمسلمين .. تستهدف البشر في سهل نينوى ومدن سنجار وقصابتها.. قطعان متطرفة من قتلة المسلمين السفاحين.. التواقين لدخول الجنة.. ملاقاة الحوريات .. تناول وجبة الحساء مع قثم بن عبد اللات.. نبيهم.. الذي وعدهم بفردوس فيها انهار من خمر وعسل وغلمان وحور عين.. شريطة ان يكون الملتحق بدينه وعصاباته مستعداً لقتل الناس.. مستعداً سفك دمائهم.. وجاهزاً للفتك بالبشر الذين لم يرضخوا لدينه وميوله الاجرامية.. ممن وصمهم بالمشركين.. صنفهم بالكفار.. اجاز قتلهم.. سبي نسائهم.. استعباد اطفالهم .. تدمير قراهم .. نهب ممتلكاتهم ..
رايات سوداء .. رايات الدين .. رايات إلهُ الموت تتجمع من كل حدب وصوب لتزلزل كما وعدهم كتابهم الجبال وتصدعها .. (لوْ أَنْزَلْنَا هَٰ-;-ذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ-;- جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ-;-)..
ها هي جحافل الدين الهمجي.. من مجرمي القاعدة ودولة الاسلام في الموصل.. ودواعش دولة الخلافة الاسلامية التي يقودها خليفة مثقوب.. تتجمع لتستهدف هذه المرة تحديداً جبلي (بعشيقة وبحزاني) و سنجار .. حاملة معها الآلاف من نسخ القرآن.. غازية مناطق الإيزيديين.. تستبيح مدنهم.. قراهم .. تنكل بهم وتسبي نسائهم وتستعبد اطفالهم في عصر التكنولوجيا وثورة العلم موقنة من ان الجبال ستخشع وتتصدع كأننا في عصر البداوة والتخلف والبربرية ..
الايام الحربية تتواصل منذ اشهر .. قد تطول المحنة.. ويخسر الايزيديون ومن معهم المزيد من الضحايا في ساحات المواجهة.. وفي تجمعات النازحين الذين يتعرضون الى اوضاع قاسية.. في خيم لا تصمد امام الريح والامطار.. ولا تقيهم من البرد والزمهرير ..
ناهيك عن استغلال حالتهم من قبل دواعش السياسة من كُرد وعرب.. بينهم من وصل به الجشع.. الطمع.. الخسة..الانحطاط.. درجة جعلته الادني بين السافلين يستحوذ ويسرق المساعدات الانسانية المقدمة من المؤسسات والدول التي هبت لتقف مع الضحايا وتشد من ازرهم ..
في هذه الفجيعة .. مع قسوة الحدث ..هول الطغيان وانثناءاته .. ثمة أمل .. ثمة خيط من بياض يلوح لينبأ بضوء وشعاع جديد .. كاشفاً من اعلى قمة مقدسة في جلميران.. إنّ الجبل.. جبل سنجار لن يخشع ويتصدع كما توهم المجرمون .. اندحرت فلولهم وانهارت معنوياتهم .. في هذا الافق الملبد بالغبار والدخان والنار والصواريخ وصيحات شراذم الحمقى وهم يكبرون .. الله اكبر .. لا اله الا الله .. دولة الاسلام باقية ..
ثمة حقائق اخرى تتبين .. تتضح .. تنكشف .. في مواجهة الاوهام واكاذيب الدين الاجرامي .. تبدأ .. من بعشيقة وبحزاني وتنتهي بسنجار لتؤكد باليقين الراسخ..
ان الجبال .. جبل سنجار.. جبل بعشيقة وبحزاني.. لن يخشعا ولن يتصدعا ..
مع هذا الصمود.. بهذه النتيجة.. ينهار ويتداعى ركن الدين المستند للاوهام .. اوهام دعاة الغزو الجديد لدواعش الاسلام التي تصورت.. ان الجبال ستخشع وتتصدع كما مسطر في تلك الآية التي سقطت لتتهاوى من قمة جبل بحزاني لتنحدر متدحرجة للاسفل.. ساقطة تجثو بين قدمي شرفدين..
يتواصل السقوط ويتتابع ..
سقطت مفاهيم الاسلام المعتدل
سقط دين الرحمة
سقط القرآن .. الفرقان.. المصحف .. كتاب الله بكافة تسمياته وتوصيفاته
سقط التاريخ المزيف لدعاة الاسلام المحسن.. البراق .. المصفى من الجرائم
سقطت عدالة الاسلام والمفاهيم الانسانية التي تلصق به
سقط الفقه الاسلامي بكل الوانه وتسمياته.. سقط شيخ الائمة ابن تيمية
سقط .. الازهر .. سقط الوهابيون ..
ومعهم سقطت احزاب الاسلام السياسي للسنة والشيعة ..
سقطت المؤسسة السياسية العراقية .. سقطت الاحزاب .. المنطمات ..
سقطت دولة الاستبداد والقمع ..
سقطت حكومة اللصوص والحرامية بكافة نسبها وحصصها..
سقط البرلمان ..
سقطت المؤسسة السياسية الكردية .. سقط اللون الاصفر والاخضر والاحمر وبقية الوان الطيف السياسي المبتذل
سقط الفكر المتخلف المستند للطائفة والدين والقومية ..
سقطت مؤسسة العشيرة ..
ومعهم وقبلهم.. سقط الله .. اختفى من الوجود.. تاركاً الساحة لثوار المقاومة يقررون اعادة ترتيب الكون من جديد .. لتعلن من جلميران في قمة جبل سنجار بدء الزمن الجديد.. تاريخ ميلاد الشعوب.. وخياراتهم الانسانية الحرة ..
سأعود لسنجار يا امي لأبحث عنك بين الامهات الثكالى والمسبيات لنواصل السير من جديد في كلي كرسي نحو ملك.. نعبر الى سمي هستر ومنها نتسلق اعلى القمة في الجبل.. نرفع مع الثوار المقاومين للهمجية راية الانتصار البيضاء.. نغرسها في الصخر.. كي يعم السلام بين البشر.. في هذا الكون الجميل المخضر بالشجر ..
سنجار ستبقى
سيبقى الجبل أبياً عصياً يستمدُ شموخه من شرفدين
السنجاريون سينتصرون
المجرمون سيندحرون
القتلة .. غلاة الدين.. سيمحقون
ونعلن .. نحن الناجين من الموت.. مشروعاً لانقاذ المسلمين
وتحريرهم من اوهام واكاذيب الدين
ذلك بيان مبين
به نستعين
مع الملحدين
في مواجهة الظالمين
من رهط فواحش ودواعش وجواحش المعتدين
المهاجمين للمسالمين
تحت يافطة رب العالمين
ـــــــــــــــ
صباح كنجي
6/12/2014 هامبورغ



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن