التضامن الإنساني حاجة إنسانية ماسة وملحة في أوضاع العراق، وطننا المستباح!

كاظم حبيب
khabib@t-online.de

2014 / 11 / 21

تعرض شعبنا لويلات وكوارث ومآسٍ ومظالم لا حصر لها على امتداد القرون والعقود والسنين المنصرمة. وخلال النصف الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الجديد والسنوات الأولى من العقد الثاني فقد العراق أكثر من مليون وربع المليون إنسان في الحروب والاستبداد والحصار الاقتصادي وبؤس السياسات الاقتصادية والاجتماعية والإرهاب والفساد والفقر والحرمان وسياسات الاحتلال والاجتياح، كما تعرض العراقيون والعراقيات إلى رقم يقترب من عدد القتلى أو يعادله من الجرحى والمعوقين والمفقودين وثلاثة أضعاف عدد القتلى من المهجرين والمهاجرين والنازحين المتهجولين في داخل العراق وفي الشتات العراقي. دعونا نتعرف على حجم المأساة العراقية من خلال بعض الأرقام:
** تقلص عدد السكان من الصابئة المندائيين من 70000 نسمة أو يزيد إلى 5000 نسمة لا غير، والكثير ممن تبقى منهم يعيش بإقليم كردستان وليس على ضفاف نهر الفرات، موطنهم الأصلي. أكثر هؤلاء الناس لم يتركوا أرض العراق، بل فرضت عليهم الهجرة قسراً، بسبب الاستبداد الحكومي والإرهاب الديني والطائفي على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة التي شردتهم وقتلت الكثير منهم واستولت على ما يملكون.
** بلغ عدد المسيحيين بالعراق في العام 2003 وبعد هجرة كبيرة إلى الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا حوالي 1500000 نسمة. وانخفض العدد في العام 2013 إلى حوالي 450000 نسمة، ثم انخفض في ربيع العام 2014 إلى عدد يتراوح بين 250000-300000 نسمة. أما اليوم وبعد اجتياح الموصل والمآسي التي تعرض لها المسيحيون، فقد انخفض العدد إلى حدود 150000 نسمة لا غير. أي فقد العراق خلال 11 سنة منذ سقوط الدكتاتورية الصدامية ما يقرب من 1250000 نسمة أو ما يعادل 90 % من مجموع مسيحيي العراق في العام 2003. ومن تبقى منهم موزعون على إقليم كردستان العراق بشكل خاص وبغداد، في حين فرغ جنوب العراق منهم.
** أما الإيزيدية الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب كونهم من الكرد ومن المناضلين ضد الدكتاتورية، فإنهم، وبعد سقوط الدكتاتورية، تعرضوا إلى إرهاب بشع من جانب قوى الإرهاب الدموي من عصابات القاعدة وقوى الإسلام السياسي الأخرى، وخاصة في محافظة الموصل ومن ثم خلال الاجتياح الأخير لأقضيه ونواحي وقرى التي أغلبية سكانها من الإيزيديين الكرد من جانب عصابات داعش التكفيرية. قدر الإيزيديون عدد نفوسهم قبل سقوط الدكتاتورية بحدود 500000 نسمة، وأغلبهم يعيش في محافظة نينوى. وخلال فترة الحكم الدكتاتوري ترك الكثير منهم العراق إلى أوروبا على نحو خاص بسبب حملات التعريب ضد الكرد التي مارسها النظام البعثي. ولكن المصيبة الكبرى والكارثة التي تعرضوا لها تمت في الاجتياح الأخير لعصابات داعش لمناطق سكناهم وبشكل خاص في سنجار وما حولها وإلى تخريب هائل لمعابدهم. وكان النزوح الكبير أو الهروب الجماعي من سنجار حيث قتل واسر الكثير منهم باعتبارهم "مرتدين!" عن الإسلام، وهي تهمة قبيحة وجريمة ارتكبت بحق أبناء وبنات الشعب الكردي وعموم الشعب العراقي. علماً بإنها ديانة قديمة وأقدم بكثير من الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام وقاومت جميع نوائب الزمان. وبدأت أوروبا تستقبل من جديد الكثير منهم.
** وهكذا تعرض أبناء وبنات الشبك والتركمان من تلعفر إلى ما يماثل ذلك وهجر الكثير منهم إلى المناطق التي أغلبية سكانها من الشيعة، وهم، كما يشيرون، يتعرضون لمشكلات كبيرة.
** وفي جانب آخر من مأساة العراق نجدها في واقع المسلمين الشيعة والسنة. فهم أيضاً تعرضوا للإرهاب الطائفي من قبل المليشيات الطائفية المسلحة السنية كالقاعدة وأنصار السنة وغيرهم، إضافة إلى تعرض أبناء السنة لإرهاب وانتقام المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة. وقد غادر أكثر من مليوني إنسان من شيعة وسنة البلاد العراق إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واستراليا وغيرها بسبب تلك الجماعات الإرهابية التطهيرية على امتداد الفترة الواقعة بين 2003 -2014، وكذلك النزوح الداخلي. وها نحن نعيش اليوم أيضاً اجتياح الموصل والفلوجة ومناطق أخرى من العراق وكذلك العمليات الإرهابية ضد السنة من قبل عصابات داعش وكذلك ضد الشيعة في العمليات الإرهابية الانتحارية ببغداد وفي غيرها من المدن العراقية.
إن هذا الواقع المزري الذي ساعد عليه النظام الدكتاتوري السابق وقوات الاحتلال وعمقه النظام السياسي الطائفي السائد بالعراق والمحاصصة الطائفية في توزيع وممارسة الحكم قد أديا إلى جدب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والتضامنية في آن واحد وحل محله الثأر والانتقام والهويات الفرعية القاتلة. وهو الأمر ليس بالمقلق فحسب بل والخطير جداً.
ولكن، ورغم كل ذلك ورغم كل التغيرات التي طرأت على أخلاقيات الإنسان العراقي وأوضاعه النفسية والعصبية والمعيشية بسبب الاستبداد والظلم والظلام الفكري والديني والطائفي والحروب والحصار، بقي نفس التضامن النسبي قائماً بالبلاد، وإلا لكانت الخسارة أفدح بكثير مما حصل له حتى الآن.
التضامن والتكافل الاجتماعي هو الذي أبقى الأمل باسترداد الشعب العراقي لعافيته بتخلصه من الحكم الطائفي ومن المحاصصة الطائفية ومن السلوك اليومي الطائفي لأبناء وبنات المجتمع، أي الخلاص من الهويات الطائفية القاتلة وحلول هوية المواطنة والوطن محلها, هوية المواطنة المتساوية والموحدة والمشاركة في بناء المجتمع العراقي. التضامن الإنساني المطلوب لا في العائلة الواحدة أو الجماعة الواحدة أو الطائفة الواحدة أو العشيرة الواحدة أو القومية الواحدة، بل بين جميع أبناء وبنات الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية الإنسانية.
لقد فُرضت على المجتمع العراقي سياسات قومية عنصرية وشوفينية ودينية وطائفية مقيتة جداً مزقت نسيجه الوطني الاجتماعي على امتداد قرن من الزمان وبصيغ وأشكال مختلفة، وهو ما يزال يعاني من أشكال من التمييز، إضافة إلى التمييز القهري المرير ضد المرأة العراقية, فهل لهذا الليل الطويل المظلم أن ينتهي، وهل لهذا النفق الطويل من ضوء يخترقه. إن الوعي بالحرية والتضامن والإخاء هو الأمل هو الوحيد للخلاص لا من الاجتياح الداعشي للعراق فحسب، بل إنه الأمل في إعادة اللحمة للشعب العراقي، الأمل بالخلاص من الحكم الطائفي والمحاصصة الطائفية، الأمل بعودة الصفاء والتضامن والإخاء لأبناء وبنات الوطن الواحد بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه. ويبدأ ذلك بالوعي وإدراك أهمية التضامن أولاً وقبل كل شيء وبالاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات للجميع دون استثناء وبمساواة تامة وبفصل الدين عن الدولة. فهل نحن سائرون على هذا الطريق؟ الأيام وحدها والشعب العراقي وحده والمخلصون من مفكريه وسياسييه هم الذين بمقدورهم الإجابة عن هذا السؤال!
21/11/2014 كاظم حبيب



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن