ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة

محمد الأزرقي
mjiyad@mtholyoke.edu

2014 / 11 / 2

ألسّباق للفوز
بما تبقى من الخيرات الطبيعيّة
تأليف: د. مايكل كلير
ترجمة وتقديم: د. محمد جياد الأزرقي
إعتبر آخر تقرير مرجعي أنّ العام 2013 كان من الأعوام الأشدّ حرّاً مع مستويات قياسيّة مسجّلة لانبعاثات غازات الدّفيئة وتواصل ذوبان الثلوج في منطقة القطب الشّمالي. يجمع التّقرير السّنوي معطيات علميّة وظواهر مناخيّة حللها العام الماضي 425 عالما في 57 بلداً عن المناخ وظهرت في نشرة جمعية الأرصاد الجّويّة الأميركيّة. قال توم كارل مدير الإدارة الوطنيّة لدراسات المحيطات والغلاف الجّوّي خلال عرض التقرير إنّ "هذه البيانات تؤكّد ... احترار كوكبنا". وجاء في التّقرير أنّ عام 2013 كان "أشدّ الأعوام حرّاً في أستراليا وثانيها في الأرجنتين وثالثها في نيوزيلندا".(1)

ارتفعت حرارة سطح المحيطات خلال نفس العام ليصبح بالتّالي من الأعوام العشرة الأشدّ حرّاً في هذا الخصوص. كما ارتفع مستوى المياه بمعدل 3 ميليمترات، وهو يشهد ارتفاعا متواصلاً منذ 20 عاماً. أما منطقة القطب الشّمالي فقد سجلت سابع أشدّ الأعوام حرّاً فيها منذ البدء بجمع معطيات هذا التّصنيف في بداية القرن العشرين. وبقيت انبعاثات غازات الدّفيئة، من قبيل ثاني أكسيد الكاربون والميثان، ترتفع في الغلاف الجّوّي "مسجلة رقما قياسيّا جديدا"، وللمرّة الأولى، تخطت نسبة ثاني أكسيد الكاربون في الغلاف الجّوّي عتبة 400 جزء من المليون، حسب ما جاء في التّقرير المذكور.

كما نشرت وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا بتاريخ 23 يوليو من هذا العام بيانا كشفت فيه عن نجاة الأرض والحضارة الإنسانيّة من الدّمار في العام 2012 بعد مرور أكبر عاصفة شمسيّة بالقرب من الكرة الأرضيّة.(2) وقالت ناسا إنّ تلك العاصفة كانت ستؤثر بدرجة لا يمكن تصوّرها على جميع الشّبكات الكهربائيّة على الكوكب وإعادة الحضارة الإنسانيّة الحاليّة إلى الوراء ثلاثة قرون كاملة. تنشأ العواصف الشّمسية بداية على سطح النّجم الشّمسي نتيجة الإنفجارات والمقذوفات الحمميّة التي تبعث ببلازما متأيّنة تنطلق في الفضاء بدرجات سرعة عالية جدا. وينتج عنها رياح شمسيّة محمّلة بإشعاعات تسبّب عواصف مغناطيسيّة جبّارة عند دخولها في المجال المغناطيسي للأرض. وهذه العواصف المغناطيسيّة الجّبارة لديها القدرة على إصابة جميع الشّبكات الكهربائيّة الأرضيّة باضطرابات وقطع جميع وسائل الإتّصالات المعتمدة على الكهرباء.

إنّه لأمر مرعب حقا أنّ مثل هذه التّغيّرات التي تحيط بكوكبنا الواهن يمكن أنْ تحدث بدون سابق انذار وهي لها ما لها من العواقب الوخيمة على الحياة والبيئة. يهتم الكاتب حبيب معلوف(3) بأمور البيئة والتّلوث ومخزون العالم من الطاقة والمعادن الأساسيّة والمعادن النّادرة والأمن الغذائي. نشر معلوف سلسلة مقالات في صحيفة "السّفير" اللبنانيّة، وهي إحدى الصّحف العربيّة التي أحرص على متابعتها. كتب في إحدى المقالات أنّه في ظلّ بحث العالم عن مصادر جديدة ونظيفة ومستدامة للطاقة، والتّوجه نحو "الطاقة المتجدّدة" Renewable Energy التي تعتمد بشكل رئيسي على ما بات يُسمى "التّكنولوجيا الخضراء" Green Technology ، المُستثمِرة بشكل رئيسي للرّياح والشّمس، برزت مشكلة حاجة هذه التّقنيات إلى أتربة نادرة ارتفعت أسعارها بشكل كبير، بسبب ندرة وجودها وصعوبة استخراج ما موجود منها، الأمر الذي اثر سلبا على الكلفة نتيجة زيادة الطلب عليها بشكل واسع. بدأت الدّول من هنا بوضع استراتيجيات لإعادة التّدوير Recycling والتّصنيع لهذه التّقنيات الدّقيقة توفيرا للمواد الأوّليّة. لكنْ ماذا كانت حصيلة هذه التّجربة؟ وهل يمكن الإعتماد عليها كليّا في المستقبل للتّخفيف من استخراج المواد الأوّليّة النّادرة؟ خاصّة، إذا علمنا أنّ مثل هذه العمليّة تتسبّب في تلوّث التّربة والمياه الجّوفيّة وتسبّب امراضا خطيرة وقاتلة للعمال، الأمر الذي جعل معظم الدّول التي تحترم المعايير البيئيّة للإستخراج وتحافظ الى حد ما على حقوق العمال، تميل الى تفضيل خيار استيرادها على خيار التّنقيب عنها واستخراجها وتنقيتها.

يمضي الكاتب للقول بأنّ الطلب إزداد على المعادن بمعدلات متسارعة وفائقة جدّا نتيجة ازدياد أعداد السّكّان في العالم، وتطلُّع الملايين في الدّول الناشئة إلى نمط الحياة الغربي، كما اتسع تنوّع المعادن المستخدَمة في ظل تطوّر التّقنيات. ونتيجة لذلك، برزت المخاوف القديمة بشأن ندرة المعادن، ونضوب الموارد في السّنوات العشر الأخيرة. تتركّز تلك المخاوف على توقُّع نقص معادن بعينها في المستقبل، مثل الإنديوم، والليثيوم، والعناصر الأرضية النّادرة، والتيلّوريوم، والجرمانيوم، وكلها معادن أساسيّة لتقنيات الطاقة الرّقمية الجديدة الصديقة للبيئة، مثل الخلايا الكهروضوئية، وبطاريّات السّيارات الكهربائيّة ومحرّكاتها.
كانت معادن التّصنيع الإلكتروني ذات جدوى اقتصادي محدود حتّى وقت قريب، ولذلك لم يكن هناك دافع للبحث عنها. ونتيجة لذلك لا نعلم الكثير عن توزيعها في الأرض، أو العمليّاّت الطبيعيّة التي ساعدت على تركيزها. ويتوقع الكاتب، أنّه مع تقدُّم العلوم، يمكن إعادة فحص مناطق التّعدين القديمة، واستكشاف آفاق جديدة. فالمناجم السّابقة في جنوب غرب إنكلترا ربما تبشّر باحتوائها على مادة التّنجستين. فعلى سبيل المثال، تمّ اكتشاف مستودع كبير للعناصر الأرضيّة النّادرة الثقيلة في عام 2009 في نورّا كِر بالسّويد، لكنّ التّحدي الكبيـر يكمن في التّغلب على اعتراضات الرأي العام على المناجم الجّديدة، خاصّة في الدّول المتقدمة، التي يتردّد سكانها غالبًا في قبول عواقب الاستنزاف الواضح للموارد.
يشير معلوف(4) في مقالة أخرى بعنوان " مع زيادة أسعار المعادن 176 % والطاقة 260 %، وتدهور خطير في 60 % من النظام البيئي لحياة الأرض" الى أنّ ارقام التّقرير الثاني عن عملية الفصل: "التّكنولوجيّات والفرص والخيارات المتعلقة بالسّياسات،" الصّادر عن الفريق الدّولي للموارد، الذي يستضيفه برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تظهر أنّ الآثار السّلبيّة للإستخدام غير المستدام للموارد الطبيعيّة قد بدأت تظهر بالفعل. وهو ما يدعم بشكل إضافي الحجّة بشأن زيادة عدم استقرار أسعار الغذاء: 22.4 % خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2012 مقابل 7.7 % خلال الفترة من عام 1990 إلى عام 1999.
يستشهد معلوف بقول أكيم شتاينر، وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة والمدير التّنفيذي لبرنامج الأمم المتّحدة للبيئة، حين صرّح بأنّه قد ازدادت وتيرة استخدام الموارد الطبيعيّة على مستوى العالم، وارتفع المعدل السّنوي لاستخلاص المواد بمعدل قدره 8% خلال القرن العشرين. وهذا هو ما ألحق أضراراً كبيرة بالبيئة وأدّى إلى استنزاف الموارد الطبيعيّة. ورغم ذلك فإنّ هذا الانفجار الخطير في الطلب قابل للتّفاقم نتيجةً النّمو السّكاني وارتفاع مستوى الدّخل.
وعن البيئة والأمن الغذائي يذكّرنا الكاتب زاهر الزّبيدي(5) بمناسبة اليوم العالمي للبيئة في مقالة نشرت على موقع "ألأخبار،" بتحذيرالأمم المتّحدة حول التأثيرات التي تكتنف الأمن الغذائي العالمي مع التّوقعات التي تتحدّث عن إرتفاع عدد سكّان العالم الى تسعة مليارات إنسان في عام 2050 . وكعادة العالم المتحضّر فإنّه تمّ وضع خطط التّنمية المستدامة لمحاولة تطويق أزمة الغذاء العالمي بناء على توقعات الإسقاطات السّكانية العالمية لتوفير الغذاء كمسؤولية أممية كبيرة. كانت مناسبة العام 2013 تتحدّث وفق شعار وضعته المنظمة الأمميّة من خلال تصوّر لعدم إهدار الطعام حيث كان الشّعار " فكِّرْ، كُلْ واقتصِدْ: لا لتبذير الطعام!" لقد أشارت الإحصائيّات الى أنّ هناك هدرا وفقدان ما يقارب ثلث الطعام المنتج المهيء للإستهلاك البشري كلّ عام وبكمية مهولة تبلغ 1.3 مليار طنا، يكون مصيرها الى حاويات النّفايات ومدافنها مخلفة آثار بيئية جسيمة مع تأثيرات إقتصادية كبيرة على مستوى الأمن الغذائي العالمي. كما أنّ لها تأثيرا على مستوى ما يُستهلك من مياه في مراحلة إلإنتاج الزّراعي لتلك المواد وما يرافقها من إستهلاك لأراض زراعية وطاقة الأيدي العاملة ورأس المال الُمستثمر.

تشير الإحصائيات الدّوليّة التي يقتبسها الزّبيدي الى أنّ الولايات المتّحدة ، ترمى نسبة 30% من الغذاء سنويا، أي ما يصل قيمته إلى 48 مليار دولارا. ويُقدّر أنّ نصف المياه المُستخدمة في انتاج هذا الغذاء تُهدر أيضا كون الزّراعة أكبر نشاط بشري مستهلك للمياه. كما تهدر الأسر في المملكة المتّحدة ما يقدر بنحو 6.7 مليون طنّا من الغذاء سنويّا، أي ما نسبته 21.7 مليون طنّا من الغذاء المُشترى. وهو ما يعني أن 32% من الطعام المُشترى لا يؤكل. وتجمع السّلطات المحليّة معظم هذا (5.9 مليون طنّا أو ما نسبته 88%) لكي يُلقى كنفايات. كما يمكن تجنب إهدار 4.1 مليون طنّا من ذلك الغذاء أو ما نسبته 61%، لو توافرت إدارة أفضل له. من جانبها أطلقت منظمة الغذاء العالمية FAW الحقائق المثيرة حين كشفت أنّ 28% من محصول الأراضي الزّراعيّة العالميّة يُهدر، وهذا ما يوازي مساحة الصّين ومنغوليا وقازاخستان مجتمعة. وفي كلّ عام، يُهدر 30% من الأغذية المستهلكة في المنازل والمطاعم، أي ما قيمته 750 مليار دولارا. وإنْ كان علينا أنْ نسدّد للطبيعة ثمن الغذاء غير المستهلك لكلفنا ذلك سبعة تريليونات دولارا هي قيمة المياه المهدرة. كما أشارت المنظمة الى أنّ المياه التي تستهلك في زراعة هذا المحصول تساوي حاجة كلّ الأسر من الماء في العالم.

تركت تعليقات قرّاء صحيفة السّفير وموقع الأخباروتعقيباتهم على ما ورد في تلك المقالات انطباعا في ذهني أنّ القرّاء العرب مهتمون حقا بموضوعات البيئة والطاقة ومصادرها الطبيعيّة والصّناعيّة والأمن الغذائي. طبعا، لم يفاجئني هذا الأهتمام لأنّ العرب واعون لنهب ثرواتهم من النّفط والغاز خاصّة من قبل الإحتكارات الغربيّة . كما انّهم على علم بتبذير الحكام الجّهلة والمغامرين لنصيب البلدان العربيّة من مدخولات الطاقة. وعلى أيّ حال، فإنّ الإنطباع المذكور هو ما حفّزني لترجمة هذا الكتاب الذي يتناول هذه القضايا وأخرى مرتبطة بها ويعالجها بشكل أكاديمي موثق بالدّراسات العلميّة وبملاحظات الخبراء المتخصّصين والمحللين الدّوليين من المهتمّين بوجوب المحافظة على البيئة وحمايتها واستغلال ثروات كوكبنا بطرق سليمة وحكيمة . نُشر الكتاب حديثا، وهو للمفكر المعروف مايكل كلير، الذي نشر قبله أحد عشر كتابا يجد القارئ قائمة بها في نهاية النّص المترجم. تناول المؤلف مواضيع شتّى متقاربة حول البيئة والمصادر الطبيعيّة والحروب المتوقعة بين مختلف الدول التي تتقاطع مصالحها وتتضارب حول تلك المصادر. وإضافة الى عمله كأستاذ لتدريس مادة حلّ النّزاعات Conflicts Resolutions، فللدّكتور كلير إسهامات قيّمة في صحيفة لوس أنجلز تايمز ومجلة Current History ومجلة Foreign Affairs ومجلة The Nation . وهو معروف بنقاشاته الذكيّة الهادئة وحججه الدامغة الواقعيّة وتحمّسه للدّفاع عن السّلام العالمي. فهو معارض عنيد صلب للحروب والصّراعات التي تفتعلها الإحتكارات العالميّة وتغذيها من أجل تحقيق أهدافها النّفعيّة، بغضّ النّظر عمّا تسبّبه تلك الحروب من الآلام والخسائر للشّعوب والبلدان التي تنهب تلك الإحتكارات ثرواتها وخيراتها. سيلاحظ القارئ أنّ هذا المناضل العنيد لا يتوانى عن استعمال مصطلح "غزو" لوصف نشاطات إحتكارات شركات النفط والمعادن العالميّة الكبرى وهي تجول العالم مدعومة بالماكنة العسكريّة المتعطشة للدّماء، كي تنهب ثروات الشعوب وتُحدث الخراب في البيئة وتلوّث الأجواء والمياه والأرض وحياة النّاس. وعندما يتقاعد القادة العسكريّون يصبحون أمناء ومستشارين لتخطيط نشاط الشّركات العملاقة ومتابعتها، فالعلاقة حميمة والمصلحة مشتركة والمدّعوون لحفلات إنجاز المشاريع ينعمون بخيرات الشّعوب المسروقة المغلوبة على أمرها ويتقاسمونها باطلا.
يفتتح المؤلف كتابه بالحديث عن مغامرة روسية جريئة فيقول إنّه في السّاعة الواحدة والنّصف وست دقائق بعد الظهر بتوقيت موسكو، من اليوم الثاني من شهر أغسطس عام 2007، قامت ذراع آلية امتدت من غوّاصة صغيرة جدّا بغرس صارية العلم الرّوسي في قاع بحر القطب الشّمالي. رُكّز العلم الصّغير المصنوع من مادة التّيتانيوم على عمق يبلغ مسافة ميلين ونصف تحت سطح البحر. سأل قائد فرقة الإستكشاف الرّوسيّة آرثر چيلينگاروف "لماذا ثبّتناه هناك؟ في كل وقت يكسب بلد ما شيئا، فإنّه يضع علمه عليه." لقد قام المستكشفون على مدى التّاريخ برفع أعلام بلدانهم في مناطق معروفة مثل منطقة القطب الجّنوبي وقمّة جبال أفرست. وقال المستكشف مضيفا إنّ الفريق الرّوسي كان أوّل من وصل الى قاع القطب الشّمالي وأنّ أعضاء الفريق قرّروا أنْ يفعلوا نفس الشّيء. أضاف چيلينگاروف "إنّني فخور أنّ العلم الرّوسي هناك. حين يذهب أحد ما الى حيث وصلنا فإنّه سيرى ذلك العلم."
لقد غامر چيلينگاروف ورفاقه كثيرا في قيادة غوّاصتهم الصّغيرة عندما توجّهوا الى قاع القطب الشّمالي، لأنّه حتى في وسط فصل الصّيف فإنّ سُمك الجليد على السطح يمتدّ عدّة أقدام، وإنّه لكي تستطيع الغوّاصة الوصول الى حيث يوجد ماء لتغوص نحو الأعماق ثم تطفو ثانية بعد اكمال مهمّتها، هو أنْ تجد فتحة طبيعيّة لكي تنفذ من وسط الجليد وتذهب عميقا. وعندما تمكّن الفريق من إيجاد فتحة بدأت الغوّاصة بالنّزول، ولم يكن أعضاء الفريق على ثقة تامّة بأنّهم سيجدون فتحة أخرى بعد عودتهم الى السّطح. يعترف چيلينگاروف بأنّ الخوف على حياته قد اعتراه واعتقد أنّ فرصة نجاته من هذه المغامرة ستكون بحدود 30%. ولكنْ بعد أنْ تمّ نصب العلم الرّوسي هناك وتمضية ما يقارب السّاعة والنّصف لاستكشاف المنطقة ومسحها والتقاط الصور ووضع الخرائط، بدأت الغوّاصة بالصّعود الى السّطح. وبعد بحث مضنٍ تمكّن الفريق من إيجاد منفذ الى السّطح الجليدي. إستغرقت المغامرة تسع ساعات، ولم يشعر أعضاء الفريق بالأمن تماما إلاّ بعد عودة الغوّاصة الى كاسحة الجليد روسيا.
لقد تركت تلك المغامرة الباب مفتوحا أمام الدّول التي تجاور منطقة القطب المنجمد الشّمالي، بعد أنْ كانت على مرّ الدّهور مبعث اهتمام محدود من قبل الشّعوب المجاورة، باستثناء الدّور الذي لعبته في سيناريو التّدمير الذرّي الفوري المُتبادل بين الولايات المتّحدة والإتّحاد السّوفياتّي، حيث كان من المتوقع أنْ يكون مسار الصّواريخ الذريّة العابرة للقارات في فضاء القطب الشّمالي، وهي في طريقها لضرب أهدافها المنشودة في كلي البلدين. وهو الأمر الذي دفع الولايات المتّحدة لنشر شبكات الرّادار وقواعد للطائرات الإعتراضيّة على أراضي كندا وآيسلندا وگرينلاند، وطبعا ألآسكا.
بعثت كندا رئيس الوزراء ستيفن هارپر شخصيّا إلى أبعد قرية كنديّة في أقصى شمال البلاد تقع على خليج روزليوت الواقع في جزيرة كورنواليس في أرخبيل كندا القطبي. كما اندفعت الدّنيمارك للقيام بردّ مباشر وقويّ بإعلان سيطرتها الكاملة على منطقة گرينلاند. فبتاريخ 11/8/2007، وفي الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء كندا يزور خليج روزليوت لتأكيد إدّعاء كندا في منطقة القطب الشّمالي، إنطلقت بعثة علميّة دنماركيّة على ظهر كاسحة الجليد السّويديّة أودن التي توجّهت نحو المناطق الشّمالية في محاولة لجمع المعلومات وطرح البراهين على أنّ الجرف القاري لسلسلة كومونوسوف تحت البحر هي امتداد لأراضي گرينلاند وليس روسيا. كما زادت النّرويج من اهتمامها بالموضوع. ففي سنة 2007 بدأت تشغيل محطتها للغاز الطبيعي السّائل القريبة من الدّائرة القطبيّة في منطقة هامرفست الواقعة على بعد 825 ميلا إلى الشّمال من عاصمة البلاد، أوسلو. أمّا الولايات المتّحدة فقد استقبلت الأخبار عن بعثة چيلينگاروف الى القطب بالصّمت التّام، أللهمّ إلا بعض التّعليقات السّاخرة التي صدرت عن وزارة الخارجيّة. غير أنّه كان خلف الأبواب المُغلقة قلق كبير دفع الحكومة لزيادة رقابتها على المنطقة بناء على تعليمات من مجلس الأمن القومي الأعلى. وبعد مراجعات استمرّت عدة أشهر لمصالح الولايات المتّحدة في المنطقة، أصدر المجلس تقييما ستراتيجيّا جديدا لمنطقة القطب في شهر كانون الثاني من عام 2009، قبل مغادرة الرّئيس جورج بوش للبيت الأبيض. عُرف ذلك بتوجيهات الرّئيس رقم 66. تشير بنود الوثيقة الرّئيسيّة إلى وجوب تكثيف الحكومة جهودها لتأكيد سيادة أمريكا على الجّرف القارّي الممتدّ شمالا من ألآسكا حتّى القطب الشّمالي. كما وعد الأمر الرّئاسي بتقديم مساعدة الحكومة المركزيّة لكافة الجّهود لاستخراج النّفط والغاز الطبيعي من مخزون المنطقة القطبيّة.
إنّ الذي زاد من هذا الإهتمام هو نشر الدّراسات الجّيولوجيّة التي تشير الى أنّ المنطقة القطبيّة من أكثر مناطق العالم غنى بحقول النّفط والغاز والمعادن التي لم تّستثمر بعد. وحتّى وقت قريب، كانت مثل هذه المعلومات غير متوفّرة. ولكن قبل سنوات قليلة قام مركز المسوحات الجّيولوجيّة الأمريكي بتقدير احتياطي النّفط والغاز في الأراضي والبحر داخل الدائرة القطبيّة. كانت النّتائج التي نُشرت في شهر يوليو من عام 2008 مدهشة للغاية. فالمنطقة التي تشكّل ما يقرب من 6% من مجموع سطح الأرض فيها احتياطي يقارب 22% من مجموع الغاز والنّفط في العالم. وهذا يشمل 13% من احتياطي النّفط الذي لم يُكتشف بعد. ويعادل ذلك ما مجموعه 412 بليون برميلا من النفط، أيْ ما يقارب حوالي 56 ضعفا لما تستهلكه الولايات المتّحدة سنويّا.
تسرّب الإهتمام الى الدّول الأخرى للبحث عن مصادر الطاقة والمعادن في مناطق اخرى نتيجة نضوب تلك المصادر. وهذه الدّول هي الصّين والبرازيل وأنگولا ونايجيريا وأندونيسيا التي باشرت جميعا الّتّنقيب في مياهها العميقة. ففي شهر تموز من عام 2011 بعثت الصّين غواصتها حمامة جيانلونگ إلى عمق 16500 قدما تحت سطح البحر في المحيط الأطلسي. وتُعتبر هذه المسافة العميقة رقما قياسيّا جديدا للمستوى الذي يمكن أنْ تُستخدم فيه في المياه العميقة. "إنّ اقتصاد الصّين يتقدّم وأنّ الحكومة المركزيّة قد أدركت أخيرا أنّه ليس بكاف أنْ تجري عمليات التّنقيب على سطح الأرض فقط،" حسب ماصرّح به الأستاذ وانگ پنخيان رئيس مختبرات الأبحاث البحريّة والجّيولوجيّة في جامعة تونگچي في شنغهاي. ثمّ أضاف القول "إنّنا نبدأ بخطوة كبيرة ونوجّه اهتمامنا لاكتشاف معادن المحيط واستثمارها. وسواء كانت التّنقيبات تجري على سطح الأرض أو في قيعان المحيطات، فإنّ الهدف واحد ويقوم على أنّ مصادر المواد الضّروريّة في طريقها للنّضوب، وأنّنا مضطرّون أكثر فأكثر أنْ نحصل على الكميّات الضّروريّة منها في مناطق تحفّها المخاطر لأسباب تتعلق بالجغرافية والتّكوين الجّيولجي والسّياسة مجتمعة.
ثمّ يمضي المؤلف إلى القول إنّه الى جانب النّقص في توفّر المعادن الأساسيّة على المستوى الواسع، سيشهد العالم في القريب العاجل ندرة مصادر الطاقة الغذائيّة في العديد من المناطق. ففي الوقت الذي تكون فيه الكرة الأرضيّة حاليّا قادرة على توفير المواد الغذائيّة الأساسيّة لمجموع سكّان العالم، رغم أنّ نقل هذه المواد والزّيادة في أسعارها يحرّم وصولها لكلّ المناطق بشكل عادل، فإنّ هذه القدرة ستتعرّض لتهديد فعلي في الأحقاب القادمة بسبب النّمو السّكاني والتّغير المناخي الذي يُسبّب قلة معدّل سقوط الأمطارفي مناطق كثيرة. ولكي تحول دون نقص المواد الغذائيّة الذي لا بُدّ منه، قامت حكومات الصّين وكوريا الجنوبيّة والسّعوديّة ودولة الإمارات العربيّة وقطر بمساندة الشّركات المتخصّصة لشراء مناطق زراعيّة غنيّة شاسعة في أفريقيا وأماكن أخرى لإنتاج المواد الغذائيّة التي تحتاجها تلك البلدان للإستهلاك المحلي. كما قام بعض المُستثمرين والشّركات الماليّة في الغرب بتوفير المبالغ الطائلة في مشاريع مماثلة. إنّ هذه الخطوات "لنهب المواد الزّراعيّة" من سكّانها المحليّين، قد قوبلت بكثير من الفزع وأحيانا بالعنف في البلدان النّامية لأنّ الأراضي الزّراعيّة محدودة فعلا، وأنّ المجاعات ما زالت حيّة في أذهان أولئك السّكّان. وكلما ازداد ارتفاع درجات الحرارة على مستوى الكرة الأرضيّة، فإنّ محاولات تأمين تلك "المصادر الغذائيّة" ستزداد بلا شكّ حدّة، وفي نفس الوقت ستزداد مقاومة شعوب تلك المناطق للوقوف في وجه الإحتكارات التي تهدّد حياتهم وتريد سلب مصادر وجودهم.
يختتم المؤلف مقدمته بالقول إنّ تتابع البحث عن احتياطي النّفط والمعادن الأخرى في المناطق النّائية وتلك التي تتميّز بصعوبة العمل فيها، هو جزء من ظاهرة أكبر وذات أهميّة عالية، وهي تظافر جهود الحكومات والشّركات للحصول على ما تبقى من المواد الأوليّة في العالم. يعترف موظفو الحكومات ورجال الإحتكارات أنّ المخزون الحالي ينضب بمعدّلات سريعة وسيشارف على نهايته بدرجة كبيرة في المستقبل القريب. والطريقة الوحيدة لكي تضمن البلدان تأمين كمّيات كافية من هذه الموارد، وهو الشّرط الأساسي المطلوب لكي تستمرّ الإقتصادات الصّاعدة في نموّها، هو أنْ تحصل على احتياطي جديد في مواقع ليست كثيرة، وهي تلك التي لم تجفّ بعدُ تماما. لقد نجم عن هذا اندفاع عالميّ لإيجاد آخر مخزون احتياطي عالمي بغية استثماره، وهو السّباق للفوز بما تبقى. وفي رأيه أنّ السّباق الذي نشهده اليوم هو آخر سباق من نوعه.
يركّز المؤلف في الفصل الأوّل على مسألة نضوب المعادن الطبيعيّة على المستوى العالمي. يفتتح فصله هذا برواية قصة "الإكتشاف العرضي" لثاني أكبر احتياطي للنّفط في العالم على يد صيّاد سمك مكسيكي إسمه رودنسينو كانتارل Cantarell. واجه هذا الرّجل في عام 1971 مشكلة خلال طلبه للرّزق في شبه جزيرة ياكتان. كانت المشكلة أنّه كلّما ألقى بشباكه، تعلقت بها كتل من النّباتات البحريّة المُشبّعة بالنّفط الذي يبدو أنّه يتسرب من قاع البحر في خليج كامپيجه، الأمر الذي قلل من فرصه لاصطياد الأسماك هناك. تجرّع كانتارل الأمر لبعض الوقت على مضض، ألّا أنّه في النّهاية عرض مشكلته العصيّة على أحد مسؤولي شركة النّفط الحكوميّة Pemex. سارعت الشّركة باجراء مسح استكشافي للمنطقة التي أفاد الرّجل عن وجود الكتل التي تعلق بشباكه فيها. وفي عام 1976 إكتشفت الشّركة ثاني أكبر احتياطي للنّفط في العالم. يعترف المؤلف أنّه لا نعرف إنْ كان الصّيّاد قد حظي بأيّة مكافئة ماليّة عن دوره في اكتشاف هذا المخزون الهائل، لكنّه يعرف أنّ الحقل الجّبار قد سُمّي كانتارل تكريما له.
ولثلاث حقب متتالية كان النفط المنبعث من حقل كانتارل يجري كنافورة ذهب لمصلحة الحكومة المكسيكيّة. وفي حلول عام 1981 كان الحقل المذكور يُنتج ما يُقارب 1.2 مليون برميلا يوميّا، وأنّ ذلك المعدّل قد تزايد في السّنوات التي تلت. سمح هذا الإنتاج الوفير للحكومة المكسيكيّة أن تزيد من إنفاقها على مشاريع التّنمية العامّة، وساعد بذلك حزب الدّستور الثوري على البقاء في الحكم لفترة أطول. في الحقيقة، أنّه لا يوجد أيّ مصدر آخر للإقتصاد المكسيكي في العصر الحديث يضاهي ما قدّمه اكتشاف ذلك الحقل واستغلاله. يقع الحقل في منطقة بحريّة ضحلة المياه وعلى مسافة خمسين ميلا من السّاحل الغربي لشبه جزيرة ياكتان، وسط المنطقة التي سقط فيها جرم سماوي هائل قبل حوالي 65 مليون عاما. يعتقد الكثير من العلماء أنّ النّيزك الذي يُعتبر أكبر جرم ضرب الأرض، قد تسبّب في خلق غيوم كثيفة من الرّماد والغبار الذي غطّى الكرة الأرضيّة وحجب الشّمس ودمّر مصادر الغذاء للعديد من الكائنات بما فيها الدّايناصورات التي اندثرت من الوجود. والحفرة التي سبّبها سقوط النّيزك كانت مليئة بالصّخور والحجارة، وأنّ جيولوجيّة الأرض في تلك المنطقة قد تغيّرت وسهّلت استخراج النفط من الخزين الهائل المتواجد هناك. وصلت طاقة الإنتاج السّنوي لهذا الحقل الى ما يزيد عن 2.1 مليون برميلا في اليوم. وكان هذا من أكثر آبارالنّفط إنتاجا في العالم، باستثناء حقل غوّار في السّعودية.
من الطّريف أنّ الجّيولوجييّن البريطانييّن هم أوّل من مسح المنطقة الشّرقية من السّعوديّة، وتوصّلوا إلى قرار مفاده أنّ الكمّيات المتوفّرة من النّفط قليلة لا تشجّع على الإستثمار! أمّا المستثمرون الأمريكييّون فكان لهم رأي مخالف. في عام 1933 حصلت شركة ستاندر أويل ومقرّها في كاليفورنيا SOCAL على شهادة استثمار للتّنقيب في المناطق الشّرقيّة من السّعوديّة على حافّة الطرف الجّنوبي للخليج الفارسي.(كما وردت تسميته في النّصّ – المترجم) وبعد قيام الحرب العالميّة الثانية أصبح من الصّعب القيام بمسح المنطقة كاملة. ولكن حين وضعت الحرب أوزارها، تحالفت الشّركة المذكورة مع شركات تكسيكو وموبل وأكسون وأسست شركة واحدة سُمّيت شركة النفط العربيّة الأمريكيّة ARAMCO التي بدأت البحث والتّنقيب بشكل مكثف جدّا. وفي عام 1948 تمكّنت الشّركة من العثور على أعلى إحتياطي نفطي على المستوى العالمي في حقل غوّار الذي كانت طاقته الإنتاجيّة اليوميّة 5.8 مليون برميلا. وبعد ثلاث سنوات عثرت أرامكو على ثالث أكبر حقل في العالم، بعد غوّار وكانتارل، حيث بلغت طاقته الإنتاجيّة اليوميّة 2.1 مليون برميلا.
غير أنّ نفس الظروف التي جعلت إنتاج النّفط يتزايد في حقل كانتارل على وتيرة عالية، هي نفسها التي أدّت الى الإنخفاض السّريع فيما يأتي من ذلك الحقل. فكلما تمّ سحب المزيد من الإحتياط كلما بدأت بعض جيوب البئر بالنّضّوب المصحوب بانخفاض الضّغط، الأمر الذي تسبّب في قلة تدفّق النفط الى السّطح. ونظرا لأنّ حاجة البلاد الى النّفط في تزايد حتّى وقت انخفاض معدلات الإنتاج الهابطة، فإنّه بحلول عام 2015 ستتحوّل البلاد من مصدّر للنّفط الى بلد مستورد، وسيكون لهذا ضرر بالغ على اقتصادها.
يرى المؤلف أنّ مأساة نجاح حقل كانتارل وسقوطه تمثل نموذجا عالميا لمنابع الطاقة، وأنّ الكثير من منابع الثّروة في العالم بما فيها النّفط والفحم والغاز الطبيعي واليورانيوم والنّحاس وغيرها من المعادن الرّئيسيّة ستلقى مصير كانتارل. لقد تمّ اكتشافها واستغلالها منذ عدّة عقود مضت، وأنّ انتاجها يتقلص بمرور الزّمن. وطبقا لرأي وكالة الطاقة العالميّة IEA ، فإنّ معظم حقول النّفط قد وصلت قمّة طاقتها الإنتاجيّة وأنّها تواجه الآن الإنخفاض التّدريجي. وما لم يتمّ اكتشاف خزين بحجم المنابع المشار اليها أعلاه ومستوى إنتاجيّتها في السّنوات القادمة، فإنّ إمدادات النّفط في الأسواق العالميّة لا شكّ ستنخفض. وينسحب نفس الشّيء على المواد الأوليّة الأخرى، حتّى وإنْ كانت التّفصيلات عنها تختلف من مادّة الى مادّة. ونظرا لأنّنا نتوقّع اكتشافات قليلة في المناطق المعروفة التي تمّ مسحها بشكل تفصيلي، فإنّ أيّة زيادة في الإنتاج العالمي تتطلب تطوير الإحتياطي الذي سيُستغلّ في مناطق جديدة غالبا ما تكون قاسية المناخ.
وبرأي المؤلف، يُعتبر نضوب المصادر الطبيعيّة القائمة والبحث عن مصادر أخرى هو السّبب الرّئيسي والقوّة الفاعلة لحركة الإستعمار الأوروپي قصد استغلال ثروات المناطق الأفريقيّة والآسيويّة والأمريكتين اعتبارا من القرن الخامس عشر حتّى يومنا هذا. غير أنّ ما حدث في الماضي قد تمّ على مدى فترة طويلة من الزّمن، لكنّه يحدث الآن بشكل متسارع جدّا. إنّ الإحتياطي العالمي الرّئيسي للمعادن الحيّويّة يواجه عمليّة نضوب منتظمة موقوتة، وهذا هو الذي يجعل الحكومات والإحتكارات تتدافع بالمناكب لتجد تعويضا لحاجتها من تلك المعادن. وبشكل عام، فإنّ الإستهلاك التّام لمصادر العالم الطبيعيّة يحدث في نفس الوقت مع تزايد الطلب عليها، وهو المحرّك الى السّباق للفوز بما تبقى منها.
يختتم المؤلف الفصل الأول من كتابه بالقول إنّ الطلب على المصادر الأساسيّة سيزداد بمعدّل يتناسب مع معدل النّمو، وهو ما سيضع ضغطا غير عاديّ على منتجي الطاقة والمعادن لكي يتوصّلوا إلى مكامن جديدة ويطوّروها لتأمين الحاجة لتلك المصادر. وما سيقود هذا الإندفاع هو الحاجة إلى كمّيات إضافيّة من الطاقة، خاصّة النّفط والغاز الطبيعي. وطبقا الى أحدث توقعات وزارة الطاقة الأمريكيّة للأعوام 2008 – 2035، فإنّ استهلاك العالم للوقود السّائل سيرتفع بنسبة 31% أي ما مجموعه 112 مليون برميلا يوميّا، وإنّ استهلاك الغاز الطبيعي سيزداد بنسبة 52% أي حوالي 169 تريليون قدما مكعّبا سنويّا. ولغرض تغطية هذا الإرتفاع في الطلب، فإنّ صناعة الطاقة يجب أنْ تزيد بشكل ملحوظ إنتاج هذه المصادر. سيمكن استخراج المزيد من النّفط والغاز من الحقول الموجودة في المناطق الهايدروكاربونيّة مثل الخليج الفارسي وغرب أفريقيا. ولكنّ أغلب الزّيادة يجب أنْ تأتي من حقول جديدة في المنطقة القطبيّة وسيبريا والمياه البحريّة العميقة جدّا.
يتناول المؤلف في الفصل الثاني مخاطر التّنقيب والحفر في المياه العميقة فيذكّر القرّاء بكارثة تسرّب النّفط في قاع خليج المكسيك. وهي كارثة بيئيّة رهيبة كانت نتيجة تسرّب نفطي هائل أدّى إلى انفجار وحريق في منصّة ديپووتر هورايزن التّابعة لشركة بريتيش پيتروليوم بي پي البريطانية بتاريخ 22 أبريل عام 2010. يُعتبر هذا أكبر تسرّب نفطي في تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكية، حيث قدّر خفر السّواحل الأمريكي مقدار التّسرّب ما بين 35000 إلى 60000 برميلا يوميا، تدفّقت من فتحة البئر الواقعة على عمق 1500 مترا تحت سطح الماء. ومن الجدير بالذكر أنّ الإنفجار والحريق الذي تبعه على ظهر المنصّة قد أودى بحياة 11 شخصا من الفنييّن والمهندسين العاملين عليها. وإضافة للأضرار الجّسيمة التي أصابت البيئة في سواحل ولايات لويزيانا وألاباما والمسسپي وتكسس، فقد تسبّبت الكارثة في مصاعب اقتصاديّة لصيّادي الأّسماك والمأكولات البحريّة وقطاعات السّياحة والنّقل والفنادق والمطاعم.

لقد أشارت لجنة التّحقيق الوطنيّة التي أناط بها الرّئيس أوباما المهمة، إلى أنّ شركات النّفط والغاز لا تتحمّل اللوم وحدها للمضي في عمليات الحفر في المياه العميقة المحفوفة بالمخاطر، لأنّ نشاطات الحكومة أوغيابها قد لعبت دورا أساسيّا في الكارثة. في الحقيقة، من المهم أنْ نعترف أوّلا بأنّ شركات الطاقة الكبرى لم تكنْ وحدها الرّاغبة في زيادة إنتاج النفط والغاز باستغلال مخزون مياه الخليج العميقة للتعويض عن المخزون الذي استُنزف في آبار اليابسة والمناطق السّاحلية. فاعتبارا من فترة منتصف التّسعينات ولحدّ الآن، فإنّ المسؤولين الكبار في الحكومة الأمريكيّة كانوا من المشجّعين على زيادة إنتاج النّفط. كان هدف الشّركات والحكومة هو خفض الإعتماد على النّفط المستورد، ودفع عجلة النّمو الإقتصادي في مناطق سواحل الخليج. لقد أقدم العديد من الرّؤساء والمشرّعين ذوي التأثير البالغ على اتّخاذ خطوات مهمة لتشجيع عمليّات التّنقيب والحفر في المياه الإقليميّة العميقة. فمثلا، صدرت خلال إدارة الرّئيس كلنتون تشريعات لإلغاء الرّسوم أو خفضها من التي تدفعها شركات الطاقة للحكومة المركزيّة مقابل إنتاج النّفط والغاز.
كما تحدّث المؤلف عن كارثة سابقة اخرى لمنصّة عملاقة في المياه الأقليمية الكندية من المحيط الأطلسي. وهي ذات المنطقة التي غرقت فيها سفينة الرّكاب الأسطورة تايتانك بتاريخ 13 إبريل من عام 1912نتيجة اصطدامها بجبل جليدي عائم حيث التهمتها المياه البالغة البرودة وغرق العديد من ركّابها. تعرّضت باخرة الحفر أوشن رينجر ومنصّتها العملاقة الى عاصفة هوجاء من النّوع الذي يهبّ على المنطقة باستمرار وتسبّبت في غرقها. بلغت سرعة الرّياح 90 ميلا في السّاعة وارتفاع الأمواج حوالي 50 قدما. في مساء يوم الأحد بتاريخ 14 فبراير من عام 1982 أرسلت غرفة العمليّات برقيّة لمسؤولي الشّركة لإبلاغهم عن سوء الموقف. في السّاعة 2:45 من صباح يوم الإثنين طلبت الشّركة من العاملين البالغ عددهم 84 شخصا أنْ يتركوا مواقعهم. غير أنّ الإتّصالات مع الباخرة انقطعت وكان من المستحيل على الطائرات المروحيّة أنْ تهبّ لإنقاذ الرّجال على سطح السّفينة في مثل تلك الظروف. وعند طلوع الفجر سارع طيّارو سلاح القوّة الجويّة الكنديّة بالتّوجّه الى المنطقة، لكنّهم لم يجدوا أثرا للباخرة أوشن رينجر ولا للعاملين عليها. وفي النّهاية تمكنت بعثات الإنقاذ من انتشال 22 جثّة. أمّا الأخرون البالغ عددهم 62 فقد ابتلعتهم مياه المحيط الأطلسي الشّديدة البرودة.
لم توقف كارثة أوشن رينجر شركة موبل وشركائها من مواصلة جهودهم لاستثمار حقل هيبرنيا. وفي عام 1988 حين كانت الحكومة تتطلع لدفع النّشاطات الإقتصادية ومعالجة مشكلى البطالة في مقاطعة نيوفاوندلاند، خصّصت مبلغا قدره بليوني دولارا على شكل هبات وقروض مضمونة واشترت لنفسها نسبة من الحصص في عملية استثمار ذلك الحقل. وتمكّنت شركة موبل وشركاؤها بعد مضي عدّة سنوات وصرف 5 بلايين دولارا من بناء أكبر وأثقل وأغلى منصّة لحفر الآبار، لها من المتانة والقدرة ما يجعلها تتغلب على أيّة صعوبات قد تخلقها جبال الجّليد العائمة التي تعترض طريقها. وفي عام 1997 تمكّن حقل هيبرنيا من ضخّ انتاجه من النّفط. وفي الوقت الحاضر ينتج البئر ما يقارب 135000 برميلا يوميّا. كما تمّ تشغيل منصّتين أخريتين هما وايت روز وتيرافنوفا في حوض جان دارك، وهناك خطط قيد التّنفيذ لعمليّات أخرى في المنطقة. فمثلا بدأت شركة أكسون موبل بناء منصّة هبرون على طراز منصّة هيبرنيا وباشرت في استخدامها في منطقة حوض جان دارك. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في بئر هبرون عام 2017 بطاقة إنتاجيّة قد تصل إلى 180000 برميلا في اليوم.
من المعروف أنّ الولايات المتّحدة تتعرّض كلّ عام لسلسلة من الأعاصير التي تضرب البرّ الأمريكي تبلغ فائق قوّتها فوق منطقة خليج المكسيك، الأمر الذي يسبّب تهديدا كبيرا لتدمير منصّات أبراج النفط. ففي شهر يوليو من عام 2005 حدث أنْ كانت منصّة برج الحفر ثندرهورس التي تمتلكها شركة بي پي موجودة في مسار الإعصار المدمّر دينس، فلحقتها أضرار بالغة. لكنّ جهود فنيّي الشّركة أنقذت المنصّة من الغرق، وصرفت الشّركة حوالي 5 بلايين دولارا خلال فترة ثلاث سنوات تمكّنت المنصّة بعدها من استئناف عمليّاّتها في المنطقة. أمّا إعصار كاترينا الذي ضرب السّاحل الأمريكي عام 2005 فقد تسبّب في إحداث دمار كارثيّ في مدينة نيوأورلينز ودمّر 47 منصّة في ذلك الخليج. وبعد شهر من ذلك هبّ إعصار ريتا فدمّر 66 منصّة وألحق أضرارا كبيرة في 32 منصّة أخرى.
في عام 2008، وعندما كانت عمليّات الحفر في وسط الخليج وغربه تجري على قدم وساق، كانت أسعار النفط قد وصلت الى مستويات قياسيّة عالية، كان العديد من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين يدعون إلى زيادة انتاج النفط في تلكما المنطقتين وتوسيعهما لتشمل الجانب الشّرقي من الخليج المحاذي لغرب فلوريدا، وكذلك على سواحل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ التي مُنع التّنقيب فيها لعدّة عقود بسبب الأضرار المتوقعة للبيئة. وفي نفس العام إرتفعت صيحات "أحفرْ حبيبي أحفرْ" في منتديات الحزب الجمهوري واجتماعاته الإنتخابيّة، وحتّى بين مشجّعي المرشّح الديمقراطي برّاك أوباما. وحين تسلم أوباما مقاليد الحكم اتّخذ في البداية موقفا متأنيّا، إلّا أنّه بتاريخ 31 مارس من عام 2010 صدر أوّل إعلان من الإدارة حول تشجيع التّنقيب والحفر، الأمر الذي أدهش الكثير من المراقبين. لقد قرّر أوباما فتح مناطق للحفر ليس في شرق خليج المكسيك فقط ولكنْ على امتداد ساحل المحيط الأطلسي وبحري بوفورت وچوكچيالمجاورين لمنطقة ألآسكا، وهي مناطق كان يسري عليها جميعا حظر التّنقيب والحفر.
يختتم المؤلف فصله الثاني بالقول إنّ التّحدّيات التي يخلقها الحفر والتّنقيب في المياه العميقة قد تكون جزئيا راجعة الى الظروف الطبيعيّة ذاتها. فارتفاع الضّغط في المناطق العميقة غالبا ما يخلق إجهادا كبيرا للعاملين والآلات التي يستخدمونها. وهي تتطلب استخدام تكنولوجيا معقدة ومتطوّرة يتمّ بناؤها لهذه الأغراض. وكما ذكرنا في أعلاه فإنّ منصّات أبراج الحفر تتعرّض للتّقلبات الجّوية والعواصف والأعاصير. وفي المناطق الشّمالية تكون عرضة لاصطدام جبال الجليد الطافية بها. أضف الى ذلك، أنّ الحقول النّفطيّة والغازيّة في المياه البحريّة العميقة غالبا ما تكون مسرحا لمناطق متنازع عليها بين مختلف الدّول، قد تقود أحيانا إلى خلافات حادّة بين تلك الدّول المتجاورة حول استثمار المخزون البحري من النّفط والغاز الطبيعي وتصل حدّ التّهديد باللجوء الى استعمال القوّة العسكريّة مثلما هو الحال في جزيرة الفولكلاند حيث الصراع بين الأرجنتين وبريطانيا. وهناك صراعات أخرى في شرق آسيا بين الصّين واليابان وتايوان وأندونيسيا وماليزيا وفيتنام وبورنيو والفليپين في بحري الصين الشرقي والجنوبي لنفس الأسباب، الحدود المائيّة الأقليمية غير واضحة والثّروات النّفطية والغازية تقبع تحت تلك المياه. ونظرا لأنّ العالم أصبح أكثر اعتمادا على المياه العميقة للحصول على النّفط والغاز لسدّ حاجته الى الطاقة، فلا شكّ أنّ تلك الصّعوبات ستصبح على جانب كبير من التّعقيد.
أوردت رويترز أخيرا أنّ وزارة الخارجيّة الصّينيّة دافعت عن قرار الحكومة بناء فنارات على جزر محلّ نزاع في بحر الصين الجنوبي قائلة إنّ الهدف تسهيل حركة الملاحة. واوردت وسائل الإعلام الرّسميّة أنّ الصّين تعتزم بناء فنارات في خمس جزر في بحر الصّين الجّنوبي من بينها جزيرتان تطالب فيتنام بالسّيادة عليهما. وقالت متحدّثة في بيان على الموقع الالكتروني لوزارة الخارجيّة إنّ الفنارات "ضروروية لضمان سلامة حركة السّفن" وانّها تتمشى مع المصالح العامة والقانون الدولي. هذا وطالبت الولايات المتّحدة والفليپين بتجميد طوعي لأيّة خطوات من شأنها تغيير الوضع القائم في المنطقة ولكنّ الصّين رفضت الاقتراح. وذكرت وكالة انباء الصّين الجديدة (شينخوا) أنّ وزير الخارجية الصّيني وانگ يي التقى نظرائه من بعض دول جنوب شرق آسيا من بينها فيتنام على هامش قمة في ميانمار. وابلغ وانگ نظيره الفيتنامي بام بينه منه أنّ الصّين ستتخذ جميع الاجراءات "لحماية سيادتها الوطنيّة وحقوقها ومصالحها البحريّة."(6)
هذا وكان اقتراح أمريكي بتجميد الأعمال الاستفزازيّة في بحر الصّين الجّنوبي لقي ردا فاترا من الصّين وبعض دول جنوب شرق آسيا هو في الحقيقة انتكاسة على ما يبدو للجّهود الأمريكيّة الرّامية لكبح جماح تصرّفات الصّين لتأكيد سيادتها على البحر. إستغلت الولايات المتّحدة لإزعاج الصّين، اجتماعا إقليميا عُقد في ميانمار في مايو 2014 لتعزيز تدخّلها في التّوترات البحريّة بالدّعوة إلى وقف أنشطة مثل وضع الصّين منصّة نفطية عملاقة في مياه تعتبرها فيتنام جزء من مياهها الاقليميّة.
وكانت الفليپين، حليفة الولايات المتّحدة، قد دعت أيضا إلى تجميد الأنشطة في خطة من ثلاث فقرات لتهدئة التّوترات في البحر الغنيّ بالموارد الطبيعيّة والذي تمر به نحو خمسة مليارات دولارا من التّجارة العالميّة سنويّا. ووصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى نايبيداو عاصمة ميانمار لحضور المنتدى الاقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بجانب وزراء خارجية ودبلوماسيين كبار آخرين من الصّين وروسيا واليابان والهند وأستراليا والإتّحاد الأوروپي ودول جنوب شرق آسيا.
وفي مستهل المنتدى قال كيري "هناك مسؤوليّة مشتركة بين الولايات المتّحدة وآسيان لضمان أمن البحار والأراضي والمواني المهمّة." وأضاف "نحتاج إلى العمل معا لتخفيف التّوترات في بحر الصّين الجنوبي ومعالجتها بطرق سلميّة وفقا للقانون الدّولي."(7) لكنّ لي ليونگ منه الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا التي تضمّ في عضويتها عشر دول قال إنّ وزراء خارجية آسيان لم يبحثوا الاقتراح خلال اجتماعهم أمس لأنّ هناك بالفعل آلية لكبح أعمال مثل استصلاح الأراضي أو البناء فوق الجّزر المتنازع عليها. وأضاف أنّ الأمر يرجع لدول آسيان في تحديد ما إذا كانت ستتعاون مع پكين لتخفيف التّوتر من خلال الالتزام بصورة أكبر بالإتفاق الذي وقع عام 2002. وتزعم كل من بروناي وماليزيا والفليپين وفيتنام وتايوان بسيادتها على أجزاء من بحر الصّين الجنوبي. وتنتهك معظم الدّول التي تزعم السّيادة على مناطق في بحر الصّين الجنوبي هذه المباديء الاسترشاديّة مما أدّى إلى تصاعد التّوتر في المنطقة بين أربع من دول آسيان والصّين التي تزعم السّيادة على 90% من بحر الصّين الجّنوبي.
ننتقل الآن إلى الفصل الثالث حيث يركّز المؤلف على "غزو" المنطقة القطبيّة. ففي الوقت الذي تشتري فيه الشّركات المزيد من تراخيص حقوق الـتّنقيب والحفر، وتُرسل المزيد من بواخر الحفر إلى المنطقة، أضحت گرينلاند، مثلا، قبلة الطامحين في الحصول على ثروة القطب. فالقارة التي كانت مهملة لوقت طويل بسبب قساوة ظروفها الجّوّيّة، أصبحت مركزا لاهتمام منتجي النّفط. وكما تظهر تجربة الجّزيرة، فإنّ استثمار خيرات المنطقة القطبيّة لن تكون سهلة. فدرجات الحرارة المنخفضة جدّا والأعاصير التي يتكرّر هبوبها، ومياه المحيط المتجمّدة وزيادة المخاوف حول مستقبل الحيوانات المهدّدة بالإنقراض وسهولة تدمير البيئة ذاتها، كلّ هذه تشكّل عراقيل يجب أنْ يُحسب لها حساب. ولكنْ في وضع تجاوز فيه سعر برميل النّفط 80 دولارا وتقلصت مناطق إنتاجه حول العالم، فإنّ شركات الطاقة العالميّة ترى أنّ الحصول عليه من منطقة القطب هو إفضل الخيارات التي تبقت لديها.
جاءت المعلومات الموثوقة حول مكامن الطاقة هناك في عام 2008 عندما أصدر مكتب المسوحات الجّيولوجية الأمريكي USGS نتائج تقديراته المنتظمة القائمة على المعلومات الزّلزاليّة والجّيولوجيّة حول ثروة القطب الشّمالي من الهايدروكاربونات. تُشير النّتائج المعروفة باسم تقدير مصادر الثروة الطبيعيّة في المحيط القطبي CARA إلى وجود ما يقارب 1/5 من مجموع احتياطي نفط العالم وغازه الطبيعي الذي لم يُستغل بعد. يتكون ألجزء الأكبر من هذه الطاقة من الغاز الطبيعي ويُقدر بحوالي 1689 تريليون قدما مكعّبا، أيْ ما يعادل 30% من مجموع غاز العالم الطبيعي غير المُستغلّ. وإضافة إلى ذلك يحتوي القطب على ما يقارب 90 بليون برميلا من النّفط، أيْ حوالي 13% من مجموع احتياطي العالم الذي لم يُستغلّ بعد، إلى جانب حوالي 44 بليون برميلا من الغاز السّائل.
وکجزء من التّقرير قسّم مكتب المسوحات القارة القطبيّة الى ثلاثة وثلاثين قاطعا غنيّا بالطاقة، وطرح تقديرات لكميات النّفط والغاز المتوقعة في كلّ منها. يقع نصف هذه القواطع ضمن روسيا والمياه المجاورة لبرّها. ويتوزّع النّصف الآخر بين النّرويج وگرينلاند وكندا وألآسكا. تحتوي هذه القواطع الثلاثة والثلاثين على مخزون من الغاز الطّبيعي والنّفط، غير أنّ 90% من هذا الإحتياطي موجود في ثمانية منها وهي وسط سيبريا وألآسكا القطبيّة وشرق جزيرة گرينلاند وغربها وبحر بارينتس وحوض التقاء أمريكا - آسيا وحافّة النّرويج.
حين اتّضح أن الحفر في محميّة الحيوانات الوطنيّة في المنطقة القطبيّة ANWR أمر صعب، توجّهت شركات الطاقة وحلفاؤها من أعضاء الكونگرس إلى النّظر في بدائل أخرى منها زيادة استنزاف منطقة إحتياط الپترول الوطني في ألآسكا NPRA . تشمل هذه المنطقة مساحة واسعة من الأرض في منحدر ألآسكا الشّمالي الواقعة إلى الغرب من خليج پرودهو، كان اسمها في السّابق مخزون الپترول البحري رقم 4. وُضعت منطقة NPRA جانبا عام 1923 من قبل الرّئيس وارن هاردنگ كمصدر مستقبلي لطاقة القوّة البحريّة الأمريكيّة التي كانت تحوّلت في ذلك الحين من استعمال الفحم إلى الوقود السّائل. تمّ تجاهل منطقة NPRA حتّى عهد قريب نتيجة اكتشافات النّفط في تكسس ولويزيانا والولايات الأخرى. في الحقيقة أنّ مساحة 23.5 مليون هكتارا تزيد بحوالي الرّبع عن مساحة محميّة الحيوانات في ألآسكا بكاملها، وقيل عنها إنّها أكبر مساحة من الأرض ما زالت عذراء في الولايات المتّحدة.
حاول بعض نشطاء البيئة أن يجعلوا منطقة NPRA محميّة أخرى آمنة للحيوانات ومنع الإستثمارات فيها، لكنّ شركات النّفط وسياسيّ الولاية كانوا يريدون فتح المنطقة للحفر فنجحوا في مرادهم. وحين تعرّض الرّئيس أوبامالضغط كبير لإنتاج مزيد من النّفط والتّقليل من اعتماد البلاد على استيراده، أعلن في شهر مايو من عام 2011 أنّ إدارته ستقوم بإجراء المزاد العلني السّنوي لبيع تراخيص الحفر في منطقة NPRA . وجدير بالذكر انّه خلال رئاستي كلنتون وبوش قامت حكومة الولايات المتّحدة بإجراء مزادات علنيّة لبيع تراخيص الإستكشاف في أقسام من مياه شمال ألآسكا، وأنّ شركات الطاقة الرّئيسيّة قد استثمرت الكثير من الأموال على عمليّات الحفر المستقبليّة هناك. ففي عام 2008 جرى مزاد علني لبيع رخص التّنقيب في بحر چوكچي شاركت فيه عدّة شركات منها شلّ وكونوكوفيليپس وأني وستاتأويل، التي استثمرت بشكل مشترك 3.4 بليون دولارا لشراء حقوق الإستكشاف والحفر في المناطق الواعدة.
قوبلت محاولات احتكارات النّفط بمعارضة مضنية من قبل نشطاء البيئة والسّكان الأصلييّن في كندا وألآسكا وگرينلاند والنّرويج لحماية أنفسهم وطرق معيشتهم، وکذلك حماية الحيوانات والمياه والأرض التي تستهدفها تلك الشّركات. فمثلا أنّ معارضي الحفر في مياه ألآسكا يحاولون منع شركة شلّ الهولنديّة، وهي لاعب رئيسي آخر في المنطقة، من تنفيذ خططها للتّوسع شمالا. لكنّ شلّ التي استثمرت بلايين الدّولارات بين الأعوام 2005 و2008 للحصول على حقوق الإستكشافات في بحري بوفورت وچوكچي، لم تظهر أيّة علامة للتّراجع رغم مرور عدد من السّنوات من التّأخير والتّأجيل. كان مقرّرا أنْ تبدأ الحفريّات الإختباريّة في صيف عام 2009، إلّا أنّ تلك الخطط قد قوبلت بمعارضة نشطاء حماية البيئة والمنظمات التي تمثّل سكان القارة الأمريكيّة الشّماليّة الأصلييّن الذين ذهبوا إلى المحاكم مدّعين أنّ شلّ قد أخفقت في القيام بكافة التّقييمات البيئيّة. غير أنّ محكمة مركزيّة أعطت الشّركة عام 2010 إذن البدء بالحفر. لكنّ تلك العمليّة تأجّلت لأنّها وقعت ضمن فترة حظر الحفر لمدة ستة أشهر إثر كارثة خليج المكسيك. وفي مطلع عام 2011، وفي الوقت الذي بدت فيه شلّ وكأنّها قد ذللت كافّة صعوبات الحفر في بحر بوفورت (كان مشروع الحفر في چوكچي في خضمّ إجراءات قانونيّة شائكة تقدّم بها نشطاء حماية البيئة)، قدّم نشطاء البيئة إلتماسا آخر إلى وكالة حماية البيئة طالبوا فيه بالحاجة إلى اجراء دراسة لمعرفة مدى الأثر المتوقع لعادم الديزل المنبعث من مكائن الشّركة على المناطق السّاحلية التي يسكنها الأمريكيّون الأصليّون.
ومن المفيد أن نتذكّر أن احتكارات الطاقة والحكومات لا يعنيها أيّ شيء سوى الثّروة التي تحصل عليها. ولعلّ الوضع في بحر بارينتس خير دليل على هذه النّقطة. فکما هو الحال في نشاطات احتكارات النّفط العالميّة في ألآسكا، قوبلت النّشاطات المماثلة لتوسيع الحفر في بحر بارينتس بمعارضة عنيدة من قبل نشطاء البيئة. من بين كافة بحار المنطقة القطبيّة، يضمّ قاع بحر بارينتس أكبر عدد من المحميّات المختلفة لأنواع عديدة من الأحياء المائيّة المختلفة من ضمنها شعاب مرجانيّة في أعمق مياه العالم، وفيه مناطق غنيّة ببلح البحر mussel، وعلى سواحله غابات أعشاب بحريّة يصنع منها اليود. كما تضمّ منطقة هذا البحر على أكبر عدد من محميّات الطيور البحريّة من ضمنها تجمّعات طيور puffin وrazorbills وlittle auksg وguillemots الإعتيادي وguillemots الأسود. إنّ شعاب المرجان والأنواع المختلفة من الطيور والأسماك ستكون معرّضة لأيّ تسرّب نفطي يحدث في المنطقة. أشارت مؤسسة المحافظة على العالم الطبيعي World Wild Fund في تقرير لها عن مخاطر عمليّات التّنقيب والحفر، بأنّ تسرّبا من حقل گوليات الواقع إلى الشّمال قليلا من ساحل النّرويج الشّمالي، سيكون بالغ التأثير في البيئة المتنوّعة الهشّة في المنطقة.
ومن ناحية أخرى يعيد المؤلف إلى أذهاننا إصرار كافّة الدّول المطلّة على القطب بأنّها في الوقت الحالي ستعمل على حلّ خلافاتها بالطرّق السلميّة. جاءت إحدى الإشارات الإيجابيّة في شهر إبريل من عام 2010 عندما أعلنت روسيا والنّرويج عن حلّ خلافهما الطويل الأمد حول حدودهما في بحر بارينتس، بأنْ يتقاسما المياه بينهما مناصفة. وما عدا ذلك، فإنّ البلدان المجاورة الأخرى للقطب أظهرت ميلا قليلا لحلّ خلافاتها القائمة. ولذلك فإنّ خطورة الصّدام السّياسي وربّما العسكري واردة. وفي الحقيقة فإنّه بزيادة الإحتباس الحراري يصبح من السّهل استخراج الهايدروكاربونات من مياه المناطق الشّماليّة، وهو ما يزيد من حدّة التّوتّرات العالميّة. هذا وصرّح الأدميرال جيمس ستافرديس ممثل الولايات المتّحدة لدى القيادة المركزيّة لحلف النّاتو في ندوة حول قضايا الأمن في المنطقة القطبيّة قائلا "ليس من قبيل الصّدفة أنّ أهدافنا السّتراتيجية تزداد حرارة باحترار المناخ. وفي الوقت الحالي تمّ حلّ الخلافات في المناطق الشّماليّة بالطرق السّلميّة. لكنّ التّغيّرات المناخيّة ستعكّر صفو هذه الحالة في السّنوات القادمة." بكلمة أخرى، إنّ احتمال صدام عسكري في القطب واحد من المخاطر التي سيجلبها علينا احترار المناخ.
يناقش المؤلف في الفصل الرّابع لجوء الشّركات الكبرى لمعالجة التّداعيات في حجم الطاقة والبحث عنها في مصادر ثانويّة مثل ألرّمال القيريّة والغاز الصّخري والهايدروكاربونات غير التّقليديّة، مستخدمة طرق وتكنولوجيا غير معروفة من قبل. ولا يخفي مشاعره بأنّ الخطر المتأتّي على البيئة للحصول على الطاقة بهذه الطرق ليس هيّنا. ثمّ يذكر قصة سرب من الطيّور المهاجرة قاده حظه العاثر فتوهّم وحطّ للإستراحة عند غدير في أباثاسكا، فنفق منه 500 طيرا.
من الطرق التي تستعملها الشّركات في کندا تكنولوجيا جديدة نسبيّا إسمها SAGD ، وهي تشكّل خطرا على الأنهار والجّداول في المنطقة. تتطلب العملية استخدام كمّيات كبيرة من الماء لتوليد البخار الذي يُضخّ إلى أعماق التّربة الرّمليّة القاريّة. تُنتج الكميّات الضّروريّة من البخار باستعمال مراجل كبيرة لغلي المياه تعمل بالغاز الطبيعي. كما تتطلب العملية كمّيات إضافيّة من الماء لنقل القار السّائل وتصفيته. ومع أنها تفترض إعادة استعمال تلك المياه فإنّ قسما منها يتسرّب إلى الجّداول والأنهار القريبة مسبّبا أضرارا بيئيّة. وعندما يمتزج الماء بالرّمال والمحاليل الكيمياويّة، تفترض التّعليمات الحرص على عدم تسرّبه للبيئة ووجوب خزنه في غدران للنّفاية، مع كلّ الأخطار التي يمكن أنّ تجلبها على البيئة.
يزيد حرق كمّيات كبيرة من الوقود ألأحفوري fossil لاستخراج القار وتحويله إلى وقود خام صالح للإستعمال من انبعاث ثاني أكسيد الكاربون وغيره من غازات الإحتباس الحراري GHGs. صحيح أنّ استخراج الپترول بما فيه الحفر الإعتيادي يتطلب استعمال قدر من الطاقة وينجم عنه إطلاق GHGs، لكنّ استخراج القار الكندي يتطلب الكثير جدّا من استهلاك الطاقة بالمقارنة مع المنتجات الپتروليّة الأخرى، ممّا ينجم عنه زيادة نسبة ثاني أكسيد الكاربون في الجّوّ. واعتمادا على ما صدر من معهد پمبينا، فإنّ إنتاج برميل من النّفط من الرّمال القيريّة يطلق ما مقداره 1885 پاوند من ثاني أكسيد الكاربون مقارنا بحوالي 36 پاوند لإنتاج برميل نفط بالطرق التّقليديّة. كما أنّ تدمير مساحات شاسعة من الغابات لاستخراج القار يضاعف المشكلة لأنّ الأشجار تطلق الأوكسجين وتمتص من الجّوّ ثاني أكسيد الكاربون. وهذا ما يزيد مشكلة الإحتباس الحراري شدّة. وكلما ازدادت عمليّات الرّمال القيريّة فإنّها ستخلق لكندا مشكلة ما يسمّى إطلاق Greenhouses Gases، الذي يعني مخالفة پروتوكولات كيوتو. وهو ما يفسّر سبب قرار كندا بالإنسحاب من المعاهدة الدّوليّة رسميّا في أواخر عام 2011.
برغم كلّ هذه المشكلات، يبدو أنّ شركات الطاقة الكبرى تعتقد أنّ الإستثمار في مخزون أثاباسكا (مقبرة الطيور) مسألة مغرية باعتبار المنطقة مصدرا سيعوّض عن تداعيات الطاقة الپترولية من جهة، وزيادة الطلب عليها من جهة أخرى. والدّليل على ذلك أنّ شركة سنكور للطاقة في كندا، التي تنتج ما يقارب 228000 من النّفط الخام يوميّا من موقعين للرّمال القيريّة، تستثمر حوالي 20 بليون دولارا لتطوير مشروع فويا گير الذي سيعتمد على استخدام تكنولوجيا SAGD.
تضمّ لائحة المستثمرين العالميين في الرّمال القيريّة شلّ وشفرون وبي پي وأكسون وغيرها. كما انضمّت للائحة المستثمرين بعض الشّركات الصّينيّة للمساهمة في استغلال رمال أثاباسكا على أمل أنْ تحصل الصّين على حصّة من نفط مقاطعة ألبرتا. ففي عام 2009 حصلت شركة پتروچاينا، وهي إحدى فروع الشركة الوطنية الصينيّة للپترول، على نسبة 60% من أسهم مشروع أثاباسكا للرّمال النّفطيّة. وفي السّنة التالية حصلت شركة صينية أخرى إسمها سينوپك على 9% من أسهم شركة سايناكرود كندا، وهي من أكبر العاملين في منطقة أثاباسكا، مقابل 4.65 بليون دولارا.
يبدو في الوقت الحاضر أنّ شلّ هي اقرب الشّركات لوضع نموذج تجاري لاستغلال نفط الصّخور. وتقوم طريقتها على وضع مدفّئات كهربائيّة في عمق الصّخور، حيث تقوم الحرارة تدريجيّا بتحويل الكيروجين إلى هايدروكاربون سائل يمكن ضخّه إلى السّطح بالأساليب المعروفة. ولغرض منع تسرّب هذا السّائل إلى المياه الجّوفيّة وتهديد مصادر مياه الشّرب، ستقوم شلّ ببناء "جدار جليدي" حول منطقة الحفر.
أمّا عن استخراج الغاز الطبيعي من التّكوينات الصّخريّة، فمن أهم التّقنيات الحديثة التي تمّ تطويرها هو الحفر الأفقي والتّفتيت الهايدروليكي hydrofracking . تقوم الطريقة على الحفر العمودي إلى عمق ما يقارب الميل للوصول إلى المنطقة الصّخريّة، ثمّ يوجّه عمود الحفر اللولبي ليعمل أفقيا لمسافة آلاف الأقدام. وحين اكتمال حفر عدة قنوات بهذا الشكل، تكون الخطوة التّاّلية هي إجراء تفجيرات صوتيّة صغيرة ومتعدّدة لتفتيت الصّخور. ويتبع ذلك ضخّ ملايين الغالونات من المياه المخلوطة بالرّمال وشحوم التّزليق وعدد من المحاليل الكيمياويّة لتوسيع القنوات والسّماح للغاز الطبيعي من الإنفلات من الصّخور والتّجمّع في البئر المركزي بعد سحب خليط الماء. والخطوة الأخيرة هي سحب الغاز الى السّطح.
تصرّ شركات الطاقة على أنّ عمليّات التّفتيت الهايدروليكي HF لاستخراج الغاز الطبيعي لا تشكّل خطرا على البيئة "ويمكن الإعتماد على سلامتها،" حسب ادّعاء جون رچلز رئيس شركة ديفون للطاقة في شهر ديسمبر من عام 2009. وأيّد هذا الزّعم أوبري مكلندن الرّئيس التّنفيذي لشركة چيزپيك في مقابلة في الشّهر التالي حين قال "لقد قمنا بهذه العملية عشرة آلاف مرة دون أيّة حادثة." غير أنّ عدد الحوادث في السّنوات القادمة أثار الشّكوك في تلك الثّقة المطلقة. ففي شهر كانون الثاني من عام 2009 تسرّب الغاز من بئر لم يتمّ إحكام غلقه جيّدا في ديموك في ولاية پنسلفانيا إلى المناطق المجاورة فلوّث مياه الشّرب لعدد من البيوت المجاورة. أنكرت الشّركة التي حفرت البئر أصلا وهي كابوت للغاز والنّفط مسؤوليتها عن ذلك التّلوّث، لكنّها عادت ووافقت بعد ذلك على دفع 4.1 ملين دولارا كتعويض لتسعة عشر عائلة تضرّرت من ذلك التّلوّث. وبعد عام ونصف في شهر حزيران من عام 2010 إنفجر بئر كانت تقوم بحفره شركة EOG في وسط غرب پنسلفانيا فأطلق ما مقداره 35000 غالونا من المياه الملوّثة بالمواد الكيمياويّة السّامّة لارتفاع 75 قدما في الجّوّ. قامت الشّركة على الفور ببناء سدّ لاحتواء المياه السّامّة، ولكنْ يُعتقد أنّ قدرا منها قد تسرّب تحت التّربة.كما حدث انفجار آخر في شهر أبريل من عام 2011 في شرق پنسلفانيا في بئر تملكه چيزپيك للطاقة فتسرّبت منه آلاف الغالونات من المياه الملوّثة بالمواد الكيمياويّة إلى الحقول والجّداول قبل أنْ يتمكّن مهندسو الشّركة من السيطرة على الموقف.
وفي رأي المؤلف أنّ الأدهى من ذلك هو أنّ المياه المُسترجعة تشمل مواد مسرطنة مستعملة في عمليّة HF مثل البنزين وغيره من المواد الإشعاعيّة مثل الرّاديوم واليورانيوم الموجودة أصلا في باطن الأرض فتجلبها معها إلى السّطح. لقد وُجد أنّ مستوى التّلوث بهذه المواد يبلغ 100% ويصل إلى 1000% من المستوى الآمن لتلك المواد الإشعاعيّة. أستشهد المؤلف في نهاية الفصل بتقرير لصحيفة نيويورك تايمز أشار إلى أنّ تلك المياه وجدت طريقها إلى الأنهار مثل نهر مونوگائيلا ونهر سسكوانا اللذين يزوّدان الملايين من النّاس بمياه الشّرب في مدن بالتيمور وهارسبرگ وپتسبرگ. ومع ذلك يصرّ مسؤولو الصّناعة أنّ دفع المياه الملوّثة إلى شبكات الصّرف الصّحي ليس بذات خطورة. "إنّ مستوى الإشعاع الواطيء لا يشكّل خطرا على حياة النّاس،" حسب ادّعاء جيمس گري، مدير العمليّات العام في شركة تيرانا للطاقة. ومن جانب آخر يُحذر نشطاء البيئة ومسؤولو الصّحّة أنّ المواد الإشعاعيّة التي تتجمّع في مياه الشّرب أو تستعمل لسقي المزروعات أو أكل الأسماك، ستؤدي إلى زيادة معدّلات الإصابة بمختلف أمراض السّرطان.
ومع كلّ ذلك فإنّ دولا أخرى في عالمنا العربي تحاول أنْ تسلك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر. قالت مصادر في قطاع الطاقة بأنّ أربع شركات أبدت اهتمامها بتقديم عروض للعمل على إنتاج الغاز غير التّقليدي في السّعودية، في الوقت الذي تمضي فيه المملكة قدما في خططها لتطوير حقول الغاز الصّخري. وذكرت المصادر في تقرير نشرته رويترز أنّ الشّركات الأربع هي جي أس لخدمات الهندسة والبناء من كوريا الجنوبية وماري تكنيمونت الإيطاليّة وجي جي سي اليابانية وأس أن سي - لافالين الكنديّة.
يمثل البحث عن الغاز واحدة من أولويّات السّعوديّة في الوقت الذي تكافح فيه لمواكبة الطلب المحلي الذي يزداد بوتيرة سريعة. وتخطط أرامكو لإنتاج 200 مليون قدما مكعبا يوميا من الغاز الطبيعي غير التّقليدي بحلول عام 2018 لتوفير الإمدادات اللازمة لمشروع وعد الشّمال ومحطة كهرباء. استلهمت السّعودية فكرة دراسة احتياطاتها الضّخمة من الغاز غير التقليدي من طفرة الغاز الصّخري في الولايات المتّحدة التي حوّلتها من أكبر مستورد للغاز في العالم إلى دولة مصدّرة له. تتوقع السّعودية التي تملك خامس أكبر احتياطات مؤكدة من الغاز في العالم أنْ يزيد الطلب المحليّ على الغاز الطبيعي الذي تستخدمه بالأساس في توليد الكهرباء إلى الضّعفين تقريبا بحلول عام 2030، مقارنة مع مستويات 2011 البالغة 5.‏3 تريليون قدما مكعبا سنويا. وقدّر وزير النّفط السّعودي احتياطات الغاز غير التقليدي في البلاد بما يزيد على 600 تريليون قدما مكعبا، وهو ما يفوق ضعف احتياطياتها التقليدية. (8)
وتحت عنوان "الأردن يولّد الكهرباء من حرق الصّخر الزّيتي في مشروع ريادي،" ذكر مقال نُشر في إحدى الصّحف العربيّة، أنّ الاردن وقع على مجموعة اتفاقيات تتيح له توليد الكهرباء عبر الحرق المباشر للصّخر الزّيتي وتلبية 25 بالمئة من استهلاكه للطاقة خلال ست سنوات، في البلد الذي يملك ثاني أكبر احتياطات في العالم من هذه المادة الپترولية. جاء الاعلان على لسان ‬-;-رئيس‭-;- ‬-;-الوزراء‭-;- ‬-;-الاردني الذي اكد ‬-;-"حرص‭-;- ‬-;-الدّولة‭-;- ‬-;-على‭-;- ‬-;-السّير‭-;- ‬-;-بخطى‭-;- ‬-;-منظمة‭-;- ‬-;-وواثقة‭-;- ‬-;-نحو‭-;- ‬-;-أمن‭-;- ‬-;-الطاقة‭-;- ‬-;-الذي‭-;- ‬-;-يُعتبر‭-;- ‬-;-من‭-;- ‬-;-أهم‭-;- ‬-;-التّحديات‭-;- ‬-;-الاستراتيجيّة‭-;- ‬-;-للاقتصاد‭-;- ‬-;-الوطني من خلال تنفيذ هذا المشروع الاول من نوعه على مستوى العالم." ويبلغ حجم‭-;- ‬-;-الاستثمار‭-;- ‬-;-في‭-;- ‬-;-هذا‭-;- ‬-;-المشروع‭-;-‭-;- ‬-;-ملياري‭-;- ‬-;-دولارا‭-;-.‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-
كما بيّن‭-;- ‬-;-انّه‭-;- ‬-;-سيتم‭-;- ‬-;-تنفيذ‭-;- ‬-;-هذا‭-;- ‬-;-المشروع‭-;- ‬-;-من‭-;- ‬-;-قبل‭-;- ‬-;-شركة‭-;- ‬-;-العطاءات‭-;- ‬-;-وهي‭-;- ‬-;-تضمّ‭-;- ‬-;-ائتلاف‭-;- ‬-;-كلّ‭-;- ‬-;-من‭-;- ‬-;-شركة‭-;- ‬-;-أس تي‭-;- ‬-;-إنيرجي‭-;- ‬-;-الأستونية‭-;- ‬-;-وشركة ‬-;-واي‭-;- ‬-;-تي الماليزية‭-;- ‬-;-بالإضافة‭-;- ‬-;-لشركة‭-;- ‬-;-نير‭-;- ‬-;-إيست‭-;- ‬-;-الأردنية‭-;-.‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;- يمضي الكاتب للقول بأنّه توجد كميات ضخمة من الصّخر الزّيتي يمكن استغلالها تجاريّا في المنطقتين الوسطى والشّمالية الغربية من البلاد. وحسب تقديرات مجلس الطاقة العالمي فانّ احتياطيات الأردن من مخزونات الصّخر الزّيتي تصل إلى ما يقارب 40 مليار طنا مما يضعه كثاني أغنى دولة باحتياطيات هذا المصدر بعد كندا، والأولى على مستوى العالم بالاكتشافات المؤكدة بنسبة استخراج بترول تصل ما بين 8% - 12% من المحتوى.(9)
وجدير بالذكر أنّ التّقريرين عن السّعودية والأردن لمْ يذكرا أيّة إجراءات حول حماية البيئة وصحّة البشر من الأخطار المُتوقعة نتيجة تنفيذ هذين المشروعين. وفي المقابل نرى أنّ القاهرة توجّه أنظارها للشّمس لسدّ العجز الكبير في الطاقة، إذ أكّدت الحكومة المصريّة أنّ محطات الطاقة الشّمسيّة ستعمل على سدّ فجوة الطاقة التي تعاني منها مصر حاليّا. وقالت الحكومة إنّها ستتمكن من سدّ العجز في توليد الطاقة من خلال مشاريع الطاقة الشّمسيّة خلال 3 إلى 5 سنوات، في وقت أعلنت فيه شركتا بريتش گاز وپتروناس عن تأجيل تطوير حقول غاز مصريّة في البحر المتوسط. وتتوقع الحكومة أنّ محطات الطاقة الشّمسية ستعمل على سد فجوة الطاقة التي تعاني منها مصر حاليا، خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات. وقال وزير التخطيط المصري خلال مؤتمر "مصر – الطريق إلى المستقبل" الذي عُقد في القاهرة على مدار ثلاثة أيام، إنّ رجال الأعمال عرضوا على الحكومة بناء محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة الشّمسيّة، وأنّ الحكومة ستعلن خلال الشّهر الجّاري عن سعر شراء الطاقة من هذه المحطات التي ستطرح إنشاءها أمام القطاع الخاصّ خلال شهرين.(10)

في الفصل الخامس ينتقل المؤلف من موضوع البحث عن مصادر الطاقة إلى قضايا التّعدين في مناطق التّخوم في أفريقيا وآسيا وأمريكا الشّماليّة. ومن الملفت للنّظر أنّ الإحتكارات الغربيّة التي قال إنّها تنادي بالمسؤوليّة الأخلاقيّة وتشكو من غيابها وانتشار الفساد وتلاعب حكّام گابون وغينيا في مدخولات الموارد الطبيعيّة، لا تجد غيضا في علاقاتها الوثيقة بالمسؤولين الحكومييّن المرتشين ونهب موارد اليورانيوم في النّيجر. وحتّى إن كان في القول شيء من الحقيقة، لكنّ تلك الشّركات ترسم بهذا جزء من الصور وتلوك مقطعا من القصص النّمطية. كما يظهر المؤلف زحف شركات التّعدين الصينيّة نحو القارة للحصول على نصيبها من المعادن. ففي شهر مارس من عام 2005، كانت حكومة گابون تتطلع لبدأ العمل في أكبر مناجمها فمنحت شهادة استكشاف لشركة برازيليّة إسمها Vale S.A.، وهي مُنتج رئيسيّ للحديد. وحين أكملت الشّركة عمليات بحثها وقدمت نتائج اختباراتها في السّنة التّالية، تلقت صدمة غير متوّقعة من الحكومة. لقد أعلن حاكم البلاد العسكري عمر بونگو أونديمبا أنّه لن يُسمح للشّركة أنْ تقوم بالتّعدين الفعلي، وبدلا من ذلك وُضع تطوير منجم بالينگا بعهدة شركة صينيّة CMEC.
كشف الرّئيس بونگو عن حزمة من الفوائد ستجنيها البلاد من خلال تكليف الشّركة الصّينيّة بالمهمّة. تعهّدت الشّركة باستثمار 3.5 بليون دولارا لتطوير المنجم من ضمنها مدّ خط لسكك الحديد بطول 330 ميلا لربطه بميناء عميق ستبنيه الشّركة على المحيط الأطلسي. إمتدح المسؤولون الگابونييّون سهولة التّعامل مع الشّركة الصّينيّة لأنّها لا تفرض متطلبات لكشف الحسابات ولا تفرض القيود وتعاملهم بالإحترام على عكس شركات الإستثمارات الغربية. وعلى حدّ قول أحد المسؤولين الكبار إنّه "عندما يأتي الصّينيّون بالأموال، فإنّهم لا يضعون قيودا ولا يلقون دروسا في الأخلاق العالية." غير أنّ العديد من المحللين يعتقدون أنّ هناك أسبابا خفيّة لم يُبح عنها وهي أنّ شركة CMEC قد حصلت على شهادة الإستثمار بعد أنْ دفعت مبالغ كبيرة كرشاوى لعدد من المسؤولين.
تظهِر غينيا، مثلها مثل گابون، الفرص والمشاكل التي تظهر للوجود حين تندفع شركات التّعدين الرّئيسيّة نحو التّخوم حيث توجد المعادن. ومعروف عنها أنّها غنيّة باحتياطي ضخم من خامات الحديد والبوكسايت، وغيرها من المعادن الثمينة. بدأ العديد من الشّركات الغربيّة عملياتها لتعدين البوكسايت منذ حقب مضت، وتبلغ نسبة ما تنتجه البلاد من هذا المعدن 1/10 من مجموع الإنتاج العالمي. وكغيرها من شعوب أفريقيا، فإنّ غنى غينيا بالمصادر المعدنية لم يسفر عنه إلّا القليل من التّنمية وجلب عليها الكثير من انتشار الفساد الحكومي والفقر المدقع والحروب الدّاخليّة. وفي ضوء ظروف غير مستقرّة كهذه، فإنّ احتياطي البلاد من الخامات المعدنية أصبح سببا للخلافات السّياسيّة والمنافسات الحامية بين الشّركات الرئيسيّة، التي زادت المشكلة تعقيدا. يعتقد بعض الخبراء أنّ الإحتياطي في منجم سيماندو من خامات الحديد هو أكبر ما موجود في العالم. وأنّه بالإمكان استخراج 350 مليون طنّا متريّا من الحديد في السّنة، الأمر الذي يجعله بين أكبر مناجم العالم إنتاجا. غير أنّ إعداد البُنى التّحتيّة لاستخراج الخامات ونقلها إلى موانئ الشّحن على ساحل الأطلسي ستكون عمليّة مكلفة. ومع ذلك فإنّ المردود الإقتصادي المتوقع من استغلال هذا المنجم يفوق تلك التكاليف بكثير جدّا، الأمر الذي جعله هدفا مغريا لا يمكن مقاومته من قبل شركات التّعدين.
في عام 2006 منح رئيس غينيا لانسانا كونتيه حقوق الإكتشاف لتطوير منجم سيماندو الى شركة ريو تنتو. وهي شركة تعدين متعدّدة الجّنسيّة لها مقرّان في لندن وملبرن. وبعد أنْ تأكّدت الشّركة من وجود مكامن المعادن، إستثمرت 680 مليون دولارا لقطع الأشجار ومدّ الطرق وأسلاك الكهرباء وكل ما تحتاجه من أجل بدء عمليّات التّعدين. وكما وجدت شركة فال في گابون، أدركت ريو تنتو أنّها لنْ تحصل على العقد المطلوب من الحكومة. ففي منتصف عام 2008، وبحجّة تباطئ الشّركة في عمليّاتها لبدء الإنتاج، أصدر كونتيهأمرا لاقتطاع نصف عقد ريو تنتو ومنحه لشركة BSG للمعادن الإسرائيليّة. قامت BSG بدورها ببيع 51% من أسهمها الى شركة فال التي أضحت هذه المرّة منتفعا وليس ضحيّة حيل حكومة غينيا وخداعها، برأي المؤلف.
إحتجّت شركة ريو تنتو بقوة على خطوات الحكومة، إلّا أنّها هُدّدت بالطّرد، الأمر الذي اضطرّها للتّسليم بالأمر الواقع. وفي شهر إبريل من عام 2011 وافقت على إسقاط مطالبتها بما فقدته من نصف امتيازاتها عام 2008. وأكثر من ذلك أضطرّت إلى دفع مبلغ 700 مليون دولارا لحكومة غينيا لتجديد شهادة استثمارها قانونيّا. وبعدها أعلنت ريو تنتو أنّها ستدخل في شراكة مع شركة ألألمنيوم الصّينيّة Chinalco، وحصلت بالمقابل على 1.3 بليون دولارا. ويُعتقد أنّه باتّخاذ تلك الخطوة، أصبحت العلاقة مع الحكومة جيّدة، في الوقت الذي توثقت فيه عرى صداقة تلك الحكومة مع پكين، فأصبحت الصّين المستفيد من الموقف.
في النّيجر تحتكر شركة الذرّة الفرنسيّة Avera تعدين اليورانيوم. غير أنّ الدّخل الذي جلبته هذه الصّناعة كان دائما من نصيب النّخبة التي تدير البلد والشّركات التي تمتلك المناجم. لم يجنِ شعب النيجر البالغ عدده 16 مليونا شيئا من ثروات التّعدين، وما زال ثلثا السّكّان يعيشون على دخل يبلغ أقّل من دولار في اليوم للمواطن الواحد. أكتشِف هذا المعدن الثمين عام 1958 على يد الفرنسييّن في حوض تم مرسوي في شمال مقاطعة أگاديز. وفي الأساس كانت الخامات المستخرجة تُستعمل لصنع الأسلحة الذريّة الفرنسيّة. وخلال فترة لاحقة كانت الإمدادات تذهب لمشروع فرنسا الذرّي الطموح لتوليد الطاقة الكهربائيّة. تحصل فرنسا على ما يقارب ¾ حاجتها من الكهرباء عن طريق المفاعلات الذريّة. وهذه نسبة تفوق ما يمكن أنْ نجده في أيّ بلد في العالم.
تُستخرَج خامات اليورانيوم من منجمين في مقاطعة أگاديز هما Arlit وAkouta . يُنتج هذان المنجمان ما يُقدّر بحوالي 4000 طنّا متريا مكعّبا في العام، وهذا يعادل 1/10 من مجموع أنتاج العالم بكامله. غير أنّ ذلك غير كاف في رأي Avera التي تودّ تأمين إمدادات موثوقة من خامات اليورانيوم وتوسيع نشاطها في بناء محطات توليد الكهرباء باستعمال الطاقة النّوويّة. وهي تنوي فتح منجم ثالث في نفس المقاطعة في منطقة أيمورارين. تقول الشّركة إنّه سيكون أكبر منجم لليورانيوم في أفريقيا والثاني على المستوى العالمي. وفي سعيها للتّوسع في الإنتاج، إتفقت الشّركة مع حكومة النّيجر أنْ تستثمرمبلغا قدره 1.5 بليون دولارا لتطوير هذا المشروع الجديد. وعندما بدأ الإنتاج عام 2013 كان من المتوقع أنّ المنجم سيوفّر 5000 طنّا من اليورانيوم سنويّا، وهذا يضاعف ما تنتجه النّيجر في السّنوات الأخيرة. يصرّ المسؤولون في شركة أفيرا على أنّ نشاطات التّعدين تزيد من التّنمية في البلاد وتعمل على معالجة موضوعي المجاعة والفقر. غير أنّ سيطرة الشّركة على اقتصاد البلاد وعلاقتها الوثيقة بالمسؤلين الحكومييّن المرتشين الفاسدين، قد عزلها عن قطاع كبير من سكّان البلد، وخاصة المعارضة الشّديدة بين قبائل الطوارق.
وكما رأينا زحف الشّركات الصّينية نحو غينيا وگابون، فإنّها وصلت إلى النّيجر للحصول على نصيبها من المعادن. فخطط الصّين النّوويّة الطموحة تدير الآن 11 محطّة وتنوي بناء 16 محطة أخرى في السّنوات القادمة. وهذه المحطات تحتاج إلى كمّيات كبيرة من اليورانيوم الذي يجب أن يُستورد من الخارج. باشرت شركة الحكومة الصّينيّة لليورانيوم Sinyo-U أعمالها في منجم في مقاطعة أگاديز، ومن المتوقع أنّه في عام 2015 سيُصدّر إلى الصّين حوالي 2500 طنّا من اليورانيوم كلّ سنة. رحّب الكثير من السّياسييّن في النّيجر بوصول الشّركات الصّينيّة ورأوا في ذلك فرصة لبلادهم للتّخفيف من تغوّل الإحتكار الفرنسي الكامل لعمليّات التّعدين، ويضمن في نفس الوقت ثمنا أعلى لليورانيوم المُنتج هناك.
في موقع يُسمّى إيناك في محافظة لوگار على بعد عشرين ميلا من العاصمة كابل، وجد الجّيولوجيّون الأمريكيّون أكبر احتياطي في العالم للنّحاس يحتوي على ما يقارب 12 مليون طنّا متريّا مكعّبا من الخامات العالية الجّودة، إضافة إلى 17 مليون طنّا متريّا مكعّبا أخرى في المناطق المختلفة المجاورة. وفي منطقة قريبة من ذلك إسمها حجّيگاك وجد المسّاحون ما وصفوه "بأكبر مخزون لخامات الحديد في آسيا." وفي أماكن أخرى من أفغانستان أشار مكتب المسوحات الجيولوجيّة الأمريكي إلى احتياطات واعدة للبوكسايت والذهب والرّصاص والتنگستن والزّنك، وغيرها من المعادن الخاصّة النّادرة والنيبيوم. وخلاصة القول أنّ المعادن التي لم تُستثمر بعد تُقدّر بحوالي أكثر من تريليون دولارا.
أجرت حكومة أفغانستان عام 2007 مزادا علنيّا لبيع شهادات الإستثمار لتطوير منجم أيناك، الذي اجتذب عددا من المستثمرين المهمّين. وبعد فرز عمليّة تقديم عطاءات معقدة، حصلت الحكومة على عرض بقيمة 2.8 بليون دولارا تقدّمت به شركة صينيّة للمعادن إسمها MCC التي نافست وفازت على خصوم من قبيل فيليپس دوج الأمريكيّة إلى جانب شركات كُبرى أخرى من روسيا وكندا والمملكة المتّحدة. وكما فعلت نفس الشّركة في عقدها لاستغلال منجم بالينگا لخامات الحديد في گابون، تعهّدت MCC أنْ تبني لمشروع أيناك خطين لسكك الحديد يربطان المنطقة بدولتي أوزبگستان وپاكستان، إضافة الى بناء محطة تزوّد كابل بما تحتاجه من القوّة الكهربائيّة. جرى ذلك وسط صدمة كبرى للمسؤولين الأمريكييّن العسكرييّن والمدنييّن الذين لم يخفوا حيرتهم ازاء هذا الأمر، وأشاروا إلى قضيّة 1500 شرطي يحرسون المنشأة الصّينيّة ومن درّبهم وزوّدهم بالسّلاح!
تتجاوز قيمة مكامن منغوليا غير المُستغلة بعدُ 1.3 تريليون دولارا. لكنّ التّعامل مع الشّركات العالميّة العملاقة المستعدّة لاستغلال مكامن الثروة المعدنيّة من جهة، والضّغط الجّيوسياسي من الجّارتين الصّين وروسيا من جهة أخرى، لم يكونا أمرا سهلا. فمثلا صرفت شركة آيفانهو الكنديّة ما مقداره 4.5 بليون دولارا لتطوير منجم Oyu Tologi عام 2002، وحصلت على الموافقات الضّروريّة للبدء بالعمل عام 2008. ولكن فُرض عليها أنْ تعطي 34% من أسهم المنجم للحكومة، وما زالت تلك الحكومة تمارس ضغطا مستمرا لزيادة حصّتها بنسبة أكبر. ومن الجدير بالذكر أنّ في هذا المنجم أكبر احتياطي من النّحاس والذهب في العالم لم يُستغّل بعد. ويُعتقد بأنّه يحتوي على 38 مليون طنّا من النّحاس و1500 طنّا من الذهب.
وهناك قضية منجم Tavan Tologi لفحم الكوك الواقع في جنوب صحراء گوبي. يُستعمل هذا الصّنف من الفحم في صناعة الفولاذ وهو أجود نوعيّة من الفحم المُستخدم لتوليد الطاقة الكهربائيّة. يُعتبرهذا المنجم أكبر منجم في العالم لهذا الصّنف من الفحم ويُقدّر الإحتياطي فيه بحوالي 7.5 بليون طنّا متريّا، بقيمة بحوالي 15 بليون دولارا. مُنحت العقود كافّة إلى شركة شينهوا العالمية التي تمتلكها الحكومة الصّينيّة التي مارست ضغوطا لفوز شركتها بالعقود. قد يكون ذلك نتيجة لرغبة الحكومة المنغوليّة لترضية جارتها القويّة، وليس وفق حسابات تجاريّة ذكيّة.
وحدث شيء مشابه بالنّسبة إلى أكبر مخزون لليورانيوم في البلاد. يقع المنجم في منطقة دورنود في شرق البلاد، وتمّ اكتشافه أصلا من قبل الجّيولوجييّن السّوفيات في فترة الثّمانينات. تمّ منح شهادة الإستثمار إلى شركة خان للمصادر الطبيعيّة ومركزها في تورنتو. وهي تعتقد أنّ المنجم يحتوي على كمّيّات كبيرة من اليورانيوم. وفي عام 2009 ألغت وكالة الطاقة الذريّة المنغوليّة رخصة شركة خان لاستغلال منجم دورنود وطلبت من شركة Atomredmetzoloto الرّوسيّة أنْ تتقدّم بعرض سريع للحصول على حقوق الإستثمار. إلّا أنّ شركة خان رفعت دعوى لتثبيت ملكيّتها للمنجم أمام محكمة منغوليّة في العاصمة أولان باتور. ورغم أنّ المحكمة نظرت في الدّعوى عدّة مرّات، فإنّ مصير الطلب لم يُبتّ فيه بعد.
لا تستطيع منغوليا إغضاب جيرانها الأقوياء، إذ تلعب الصّين وروسيا دورا حيويّا في التّجارة والنّقل، وأنّ كلي البلدين يطمحان لاستثمار ثروات منغوليا الطّبيعيّة. ولذلك فإنّ الكثير من القرارات الخاصّة بالتّعدين تكون محكومة بعوامل جيوسياسيّة أكثر من الإعتبارات الإقتصاديّة. لا شكّ أنّ بعض المنغولييّن سيستفيدون في النّهاية من توفّر فرص العمل في المناجم، وأنّ البلاد ككلّ ستحصل على الضّرائب التي هي بأمسّ الحاجة إليها. ولكن برأي المؤلف، يبقى أنّ المستفيد الرّئيسي من معادن منغوليا، هي الشّركات الأجنبيّة الخاصّة والحكوميّة.
يخصّص المؤلف الفصل السّادس من كتابه للحديث عن الثرى الفريد ومعادنه النّادرة التي يحتوي عليها. من مميّزات هذه المعادن أنها تكسب ما تُخلط معه قوّة منيعة ووزنا خفيفا ومقاومة للصّدأ وقدرة على تعرضه لدرجات الحرارة العالية. ولذلك فهي أساسيّة في صنع الكثير من الأجهزة الألكترونية المتقدّمة التي تُستعمل في العديد من الإستخدامات الصّناعية المدنيّة منها والعسكريّة. إلّا أنّ الحادثة التي يرويها المؤلف حول أيقاف شحن هذا الثرى ألى اليابان أثارت عددا من الأسئلة في الإعلام وقاعات الكونگرس الأمريكي وغيرها من المُنتديات العامّة. ما هو الثرى الفريد؟ لماذا هو مهمّ؟ لماذا تلعب الصّين هذا الدّور البالغ الأهميّة في إنتاجه؟ وماذا يمکن عمله لکسر احتکار هذا التّسلط في مثل هذا الميدان؟ يمضي المؤلف للقول إنّ هذه الأسئلة وغيرها ستزداد أهميّة كلما تزايد اعتماد العالم على هذه المعادن النّادرة في صناعاته. إنّ المقاطعة المؤقتة التي فرضتها الصّين على اليابان بوقف تصدير الثّرى النّادر، قد دفع إلى الواجهة وجهات النّظر المختلفة حول ندرة المصادر الطبيعيّة، وأنّ المعركة القادمة ستكون حول أنجع السّبل للحصول على المعادن الحيّويّة. فالعناصر النّادرة من قبيل روديوم ونيوبيوم ولانثانيوم وسمريموم ليست مألوفة كما النّفط والغاز، لكنّ عدم توفّرها سيخلق متاعب وفوضى في أغلب الصّناعات الحديثة. وهذا هو ما دفع الحكومات حول العالم لأنْ تقوم بإجراءات ملحّة للتأكّد من الحصول على نصيب بلدانها من تلك المعادن التي لا غنى عنها.
نشرت وكالات الإعلام العالميّة بتاريخ 22 سبتمبر من عام 2010 خبرا مثيرا لم يسبق له مثيل، فقد أوقفت السّلطات الصّينيّة شحناتها من الثّرى النّادر المتوجّهة إلى اليابان. تدخل هذه المعادن باعتبارها عنصرا مهمّا في صناعة العديد من المنتجات الألكترونيّة المتقدّمة، بدأ من أجهزة التلفون المحمولة ومرورا بالسّيّارات الهجينة وانتهاء بأجهزة الألكترونات في الطيران وغيرها. ولذلك فإنّ الخطوة الصّينيّة قد أثارت الكثير من الذعر في اليابان، خصوصا وأنّ العديد من الصّناعات المتقدّمة تعتمد على الصّين اعتمادا كليّا فيما تحتاجه من ثراها النّادر. لمْ تصدر الجّهات الحكوميّة في پكين أيّة أوامر رسميّة أو توضيح، لكنّ المراقبين الأجانب افترضوا أنّ تعليق تصدير تلك الشّحنات مرتبط بمسألة عالميّة كانت ولا تزال تلقي بظلالها القاتمة على الوضع منذ ذلك الوقت. لقد اعتقلت اليابان قبطان سفينة صينيّة لصيد الأسماك، ووجّهت له تهمة صدم سفينته عمدا بزورق لخفر السّواحل اليابانية في بحر شرق الصّين.
كان القبطان الصّيني دزان چسيونگ قد اعتُقِل قبل أسبوعين واتّهِم بأنّه صدم سفينته عمدا بقارب ياباني قرب مجموعة من الجزر الصّغيرة الخالية من السّكّان، والتي تدّعي ملكيّتها كلّ من الصّين واليابان في نفس الوقت. يُطلق اليابانيّون على تلك الجزر الصّغيرة إسم سنكاكو، بينما يسمّيها الصّينيّون دياو يو. تقع الجزر بين جزيرة تايوان وسواحل اليابان عند ولاية أوكيناوا. لا تزال تلك الجزر وعلى مدى عدّة سنوات سببا للمشاحنة بين البلدين. عندما علم المسؤولون الصّينيون بأمر اعتقال القبطان چسيونگ طالبوا بإطلاق سراحه على الفور مردّدين بغضب أنّه تمّ احتجازه بينما كان يصيد الأسماك في مياه الصّين الإقليميّة. صدر تحذير من وزارة الخارجيّة على لسان المتحدث باسمها ما تزاخو قال فيه، "إذا استمرّ الجانب الياباني متعلقا بالعناد في سلوكه، فإنّ الصّين ستقوم باتّخاذ إجراءات مضادّة تتحمّل اليابان تبعيّاتها." وبعد أيّام من صدور هذا التّحذير، توقفت استيرادات اليابان من الثّرى النّادر. لا نعلم مدى تأثير تلك الخطوة في التّأثير على القرار الياباني، لكنّ چسيونگ أطلِق سراحه بعد أيام من ذلك، فسجّلت الصّين بذلك انتصارا جيوسياسيّا كبيرا.
إنّ الصّراع بين البلدين حول مياه بحر شرق الصّين هو نتيجة للسّباق نحو تأمين المصادر الطبيعيّة النّادرة. صحيح أنّ جزر سنكاكو/ دياو يو نفسها ليست بذات قيمة إقتصاديّة، لكنّ من يحظى بالسّيطرة عليها يمكنه أنّ يدّعي ملكيّة المناطق البحريّة المجاورة، والتي تحتوي مياهها العميقة على مكامن كبيرة ومهمّة للغاز الطبيعي. لقد أدرك اليابانيّون أنّ الصّين تحتكر بشكل تامّ تقريبا تلك الإمدادات النّادرة، وهو الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع الأصوات لاتّخاذ الإجراءات المباشرة. سارعت الحكومة اليابانيّة بتخصيص مبلغ 1.2 بليون دولارا لزيادة مخزون البلاد من الثّرى النّادر، وخُصّص نصف المبلغ تقريبا لمشاريع التّعدين في البلدان الأجنبيّة. هذا وكان وزير الخارجيّة سيجي مهارا قد صرّح بأنّ "تأمين مخزون كاف على المدى البعيد من المعادن بما فيها الثرى النّادر، هدف يحتلّ الأولويّة في دبلوماسيّة اليابان الخارجيّة. وسنعمل كفريق واحد لتأمين المساندة القويّة لشركاتنا الخاصّة." وبعد ذلك بقليل، عقد رئيس الوزراء سلسلة اجتماعات مع قادة منغوليا وفيتنام لمناقشة إمكانيّة مساهمة اليابان في مساعي التّعدين في ميدان المعادن النّادرة الجّارية في البلدين المذكورين.
كما أثارت خطوة الصّين بإيقاف تصدير المعادن النّادرة إلى اليابان، قلق الولايات المتّحدة وفزعها، لأنّها مستهلك كبير لتلك المعادن في صناعاتها العسكريّة والتّجاريّة. فبعد أسبوع من إيقاف الصّين شحنات المعادن النّادرة لليابان، وافق مجلس الشّعب الأمريكي على قرار يطلب من وزارة الطاقة ريادة إجراء بحوث مركّزة هدفها "تأمين مخزون كاف على المدى البعيد من المعادن النّادرة التي يتطلبها أمن البلاد واقتصادها ورفاهيّتها وحاجاتها الصّناعيّة." هذا وكان ديفد ساندلو، نائب وزير الطاقة لشؤون السّياسة والقضايا الدّوليّة، قد أفاد في شهادته أمام لجنة مجلس الشّيوخ الخاصّة بالطاقة والمصادر الطبيعيّة بأنّ إدارة أوباما تراقب الموضوع عن كثب وستعطي الأولويّة لتأمين تلك الإمدادات.
لكنّ إطلاق اليابان لسراح القبطان الصّيني چسيونگ لم يُعجّل في إرسال إمدادات المعادن النّادرة إلى اليابان. وبعد مرور عدّة أسابيع على استمرار تجميد طلباتها، بدأ الموقف يزداد تأزّما. إلتقت وزيرة الخارجيّة هيلاري كلنتن عدّة مرّات مع وزير خارجيّة اليابان سيجي مهارا لمناقشة القضيّة، وطلبا ضمانات من الصّين بأنْ تفي پكّين بالتزاماتها التّجاريّة. وفي أواخر نوفمبر من عام 2011 وبعد مرور شهرين ونصف الشّهر على بدء الأزمة، بدأت بعض شحنات المعادن النّادرة تصل إلى طالبيها في اليابان. لكنّ الصّين خفّضت رسميّا صادراتها من المعادن النّادرة بنسبة 35%، الأمر الذي يعني أنّ العالم سيواجه مشكلة عوز كبيرة لهذه المعادن الحيويّة.
تحتوي معادن الثرى الفريد REE على سبعة عشر عنصرا، لكلّ منها صفاته الخاصّة، وأكثرها تكون موجودة في العادة بالقرب من بعضها البعض. ألمثال على ذلك مجموعة العناصر ذات التّركيبات الذريّة العالية والخصائص المتشابهة، وتضمّ لانثانيوم (عدد ذرّاته 57) ولوتتيوم (عدد ذرّاته 71). وبالمقابل هناك مجموعة أخرى من هذه العناصر تضمّ يتريوم (عدد ذرّاته 39) وسكانديوم (عدد ذرّاته21) فلهما تركيبات ذريّة واطئة وخصائص متشابهة أيضا. تتميّز معادن الثرى النّادر بقدرتها على تكوين معادن فائقة القوّة خفيفة الوزن وذات قدرة على تحمّل الحرارة العالية، إذا خُلِطت مع المعادن الأخرى. كما أنّ لها خصائص ضوئيّة مثل فلورسين القادر على إطلاق نور ناشئ عن امتصاص الإشعاع من مصدر آخر، وكذلك إطلاق الحزم الضّوئيّة الملتحمة. ولأغلب هذه العناصر إستعمالات صناعيّة هامّة أخرى.
تعتمد صناعة الكثير من الأجهزة الألكترونيّة المحمولة بما فيها الهواتف والكومپيوترات والآي پاد على معادن الثرى النّادر، ومن المعروف أنّ هذه المعادن كانت قد استُعملت لوقت طويل لأغراض متعدّدة مختلفة. فشاشات الكومپيوترات وأجهزة التّلفزيون التي تحتوي على الكرستل السّائل تستعمل أيضا عنصري يورپيوم والفسفور الأحمر. وحين تُصنع أسلاك الفايپر أوپتك لنقل المعلومات البعيدة والتي تعتمد على موصّلات الليزر، يُضاف عنصر أربيوم إلى خليط معادن صنعها. كما أنّ عددا من معادن الثرى النّادر ضروريّة في صناعة تصفية المواد الپتروليّة والمحوّلات التي تُستعمل في محركات السّيارات لتقليل كميّة العادم الذي تطلقه. كما يُستعمل عنصر سيريوم في تنقية كافة منتجات الزّجاج اعتبارا من المرايا الإعتياديّة إلى عدسات النّظارات الطبيّة وعدسات آلات التّصوير.
ثمّ يمضي المؤلف للقول إنّه حتّى وقت قريب، حظيت معادن الثرى النّادر باهتمام أكثر عندما ازدادت "التكنولوجيا الخضّراء" شيوعا. واعتمادا على ما تقوله وزارة الطاقة الأمريكيّة، فإنّ تطبيقات "الطاقة النّظيفة" تشكّل نسبة 20% من استهلاك معادن الثرى الفريد REE وإنّ هذه النّسبة ستزداد خلال الحقب القادمة. فمثلا يلعب هذا الثرى دورا حيويّا في المغانط الكهربائيّة المتقدّمة والبطاريّات الخفيفة الوزن التي تُستعمل بشكل جلي في منتجات "الطاقة الخضراء." تُصنع المغانط الإعتياديّة من الحديد والكوبالت والنّيكل، وعادة ما تفقد قدرتها على الجذب عندما تتعرّض لحرارة عالية. ولكنْ حين تُضاف عناصر الثرى الفريد للخليط، فإنّ المغانط تحافظ على قدراتها حتّى لو تعرّضت لدرجات حرارة عالية، مما يجعلها مُفضّلة جدّا في صنع مراوح توليد الطاقة ومحرّكات السّيّارات. وفي نفس الوقت فإنّ البطاريّات التي تسخدم المعادن النّادرة تكون أخف وزنا من تلك المصنوعة من الرّصاص وخليط النّيكل وكادميوم، وتحافظ هذه البطاريّات على شحنتها لفترة أطول، وهذا من المستلزمات الضّروريّة لبطاريّات السّيارات الكهربائيّة والسّيارات الهجينة. فمثلا سيّارة تويوتا پريوس، وهي أكثر السّيّارات الهجينة شيوعا، تعتمد بشكل رئيسي على معادن الثرى النّادر. وطبقا للتّقديرات، فإنّ كلّ محرّك كهربائي يتطلب إضافة رطلين من نيوديميوم إلى خليط معادن صنع ذلك المحرّك، وإنّ بطاريّة پريوس تحتاج إلى 22 – 33 رطلا من لانثانيوم.
يذكّرنا المؤلف أنّ الصّفات المتميّزة لمعادن الثرى الفريد تجعلها ذات قيمة عالية في استخدامات الصّناعة العسكريّة أيضا. واعتمادا على شهادة أمام الكونگرس عام 2010 أفاد ممثلو دائرة المحاسبة الحكوميّة GAO "أنّ استخدام معادن الثرى النّادر أساسي في صنع الأنظمة الدّفاعيّة. وهذه تشمل القذائف الدّقيقة التّوجيه (القذائف والقنابل الذكيّة) والليزر وأجهزة المواصلات وشبكات الرّادار وإلكترونات الطيران، وكذلك الأقمار الصّناعيّة." كما ذكر ممثلو الدّائرة بشكل خاص رادار Aegis Spy-1 ، الذي يحتوي على مغانط مصنوعة من عنصر ساماريوم والكوبالت، وكذلك دبابة إبرمزM1A2 التي تستعمل تكنولوجيا مشابهة والمدمّرة DDG-51 التي تعتمد على محرّك هجين يستخدم مغانط يدخل نيوديميوم في صناعتها. كما تُستعمل مغانط المحرّكات المصنوعة من الكوبالت وساماريوم الضّروريّة لتوجيه القنابل والقذائف الذكيّة، وكذلك في صنع زعانف مؤخّرة الطائرات المقاتلة ذات الأداء المتميّز F22 Raptors.
يختتم المؤلف فصله بالقول إنّ حقيقة كون معادن الثرى النّادر التي تُستعمل في العديد من الصّناعات التّكنولوجية العالية، هي السّبب الوحيد الذي أطلق موجة الذعر على المستوى العالمي إثر التّقييدات التي فرضتها الصّين على تصدير الثرى النّادر. وممّا زاد الأمر تعقيدا أنّ الرأي العام أدرك فجأة أنّ الصّين تحتكر تعدين هذا الثرى احتكارا كاملا يشمل استخراجه ومعالجته وتصفيته. غير أنّه يذكّرنا بأنّ معادن الثرى النّادر ليست وحدها هي العناصر الخاصّة التي تلعب دورا هامّا في الصّناعات التّكنولوجيّة المتقدّمة. فالتّحذير العالمي حول المعادن النّادرة REE قد زاد من شدّة المخاوف حول توفّر مصادر طبيعية أخرى لها. وطبقا لما تقوله وكالات حكوميّة مختلفة حول العالم، فإنّ العديد من البلدان تراجع سبل تحاشي النّقص في إمداداتها من "المعادن الضّروريّة"، وهي عناصر جوهريّة للتّكنولوجيا الحديثة، ولكنّها غير متوفّرة، إمّا بسبب ندرة مكامنها فعلا، أو لأنّ وجودها يقتصر على مناطق قليلة تطغى عليها المشكلات وتكون مسرحا للنّزاعات. تضمّ قائمة المعادن الضّروريّة عناصر مثل إنديوم وگاليوم وليثيوم ونيوبيوم وپالاديوم وتانتالوم وفاناديوم. وهذه جميعا عناصر غير معروفة لعامّة النّاس، لكنّ ذلك لا يُقلل من أهمّيتها. يُضاف العديد من هذه العناصر من أجل صنع أنواع خاصّة من الفولاذ والألمنيوم والأدوات المقاومة لدرجات الحرارة العالية والتي تدوم لفترة طويلة. فعنصر نيوبيوم مثلا يُستخدم لصنع خليط جيّد الأداء يُستعمل لصنع أنابيب النّفط والغاز. ويُستعمل المنغنيز وفاناديوم في صنع الفولاذ المقاوم جدّا للصدأ ويمتاز بالمتانة الشّديدة. أما الخليط الذي يُضاف إليه عنصر تيتانيوم فيجعله خفيف الوزن فينال الأهميّة العالية في صناعة الأجهزة والمعدات الجّوية والفضائيّة. وهناك عناصر من المعادن الضّروريّة تدخل في صنع أجهزة الطاقة النّظيفة. يُستعمل گاليوم وإنديوم مثلا في صنع خلايا جمع الأشعّة الشّمسيّة، ويُستعمل ليثيوم كأحد العناصر لصنع بطاريات السّيّارات المتقدّمة. تتطلب الصّناعات المشار إليها قدْرا قليلا من تلك العناصر، ولكن من المستحيل أنْ نحصل على النّتائج المطلوبة دون إضافتها.
بعد أن فرغ المؤلف من فضح نهب الخيرات الطبيعيّة وسلبها حول العالم على يد الإحتكارات الأجنبيّة خلال استعراضه الذي شمل الفصول السّتة الأولى من الكتاب، يكرّس الفصل السّابع لنهب وسلب من نوع آخر، ألا وهو الذي تركّز ولا يزال على الأراضي الخصبة الصالحة للزّراعة في الدّول الفقيرة غالبا. يورد المؤلف ما جرى في حفل استقبال رسمي بتاريخ 26 يناير من عام 2009 حين تلقى ملك السّعديّة هديّة متواضعة لكنّها بالغة الأهمية، وهي عبارة عن حفنة من الرّزّ. كانت تلك الحفنة عيّنة من محصول زُرع في أرض يمتلكها عدد من المستثمرين السّعودييّن في إثيوبيا بموجب أمر ملكي خاصّ. بعد أزمة الغذاء العالميّة في عام 2008، توقف بعض المصدّرين مؤقتا عن إرسال شحنات القمح للملكة، وهو ما دفع بالعاهل السّعودي إلى إنشاء مؤسّسة برأس مال ضخم خُصّص لتمويل العمليّات الزّراعيّة في البلدان الأجنبيّة لتأمين حاجة المملكة من المواد الغذائيّة الرّئيسيّة. "إمتدح الملك الجّهود الإيجابيّة للمشروع وحثّ القادة على مضاعفة جهودهم لتحقيق الأهداف المطلوبة،" حسب ما ورد في تقرير وزارة الخارجيّة السّعوديّة عن ذلك الإحتفال.
كانت السّعوديّة لغاية أزمة عام 2008 قادرة على تغطية احتياجاتها من المواد الغذائيّة عن طريق شرائها من الأسواق العالميّة، لأنّ الأراضي الزّراعيّة فيها محدودة جدّا. ولذلك فإنّ انتاج الرّزّ وغيره من المواد الغذائيّة ليس بديلا ممكنا في البلاد. وبعد أن لاحظ الملك سقوط نظام الإستيراد وتداعيه بذلك الشّكل، أدرك أنّه لا يمكن الإعتماد على التّجار الأجانب لتزويد المملكة بحاجاتها من المواد الغذائيّة. وإذا كانت الأرض السّعوديّة غير صالحة للزّراعة، فإنّه يتعيّن على الشّركات السّعوديّة أن تشتري الأراضي الزّراعية في الخارج وتزرعها وتصدّر حاصلها الى البلاد. تكلفت الحكومة من جانبها بتأمين الأموال اللازمة بموجب ما سُمّي مبادرة الملك عبد الله للإستثمارا ت الزّراعيّة في الخارج.
تمكّنت السّعودية من الحصول على الأراضي المطلوبة في أثيوبيا بوساطة رجل أعمال أثيوبي وُلد في السّعوديّة إسمه محمد حسين المودي، وهو من أكبر رجال الأعمال ومن الشّخصيّات الغنيّة المرموقة. أسس الرّجل شركة أطلق عليها إسم النّجم السّعودي للتّنمية الزّراعيّة. وهي التي قامت بأوّل محاولة لزراعة الرّزّ في أثيوبيا وتصديره للمملكة بموجب المبادرة المشار إليها. كان هو نفسه الشّخص الذي قدّم عيّنة الرّزّ هديّة للملك في احتفال يناير من عام 2009 في الرّياض. تقوم شركة النّجم بإدارة مشروع تجريبي مساحته 25000 هكتارا خُصّص لزراعة الرّزّ في منطقة الويرو في أثيوبيا. وتنوي الخطة الموضوعة للمشروع التّوسّع في زراعة محاصيل أخرى لاستهلاك السّوق السّعودي في مساحة تبلغ 750000 هكتارا من الأراضي الزّراعيّة التي اشترتها الشّركة من الحكومة الأثيوبيّة. ومن المتوقع أن يستثمر المودي 4-5 بلايين دولارا على مشاريعه في تلك البلاد الأفريقيّة.
إنضمت شركات أخرى للإستفادة من مبادرة الملك لتحقيق الأمن الغذائي للبلاد، بإقامة مشاريع أخرى. فمثلا قامت شركة هيل للتّنمية الزّراعيّة Hadco، وهي شركة معروفة بارتباطها الوثيق بالحكومة، بعقد صفقة اشترت بموجبها 22800 هكتارا في شمال السّودان، واسثمرت مبدأيّا 45 مليون دولارا للبدء في زراعة القمح والذرة وفول الصّويا، على أن تُصدّر المحاصيل إلى المملكة. ومن المتوقع أن تقوم مؤسّسة تملكها الحكومة وهي مؤسسة الإستثمار للتّنمية الصّناعيّة بتأمين 60% من تكاليف شركة Hadco للمضيّ في مشروعها. وهناك شركة إسمها سافولا للأطعمة، تنوي القيام باستثمارات لزراعة مختلف المحاصيل في السّودان وتصدير منتوجاتها للخارج.(8)
أثار الإنتشار السّريع للمشاريع السّعوديّة في البلدان الأفريقيّة الفقيرة جدا مثل السّودان وأثيوبيا، بعض التّساؤلات. كتبت نانسي ماكدونالد من مؤسسة ماكلين ، التي زارت مشروع النّجم السّعودي في ألويرو، انّها شاهدت حرسا يحملون بنادق AK-47s لحماية البيوت الزّجاجيّة التي تُروى بنظام يُدار بتكنولوجيا الكومپيوتر المتقدّمة، وسط منطقة لا يزال المنجل والمحراث الذي تجرّه الثيران هما ما يستعمله الفلاحون، الذين يعاني الملايين منهم من حالات سوء التّغذية المزمنة. "في كلّ يوم، يأتي حوالي 1000 شخص ممّن يعملون في جني الخضروات الطازجة ووضعها في صناديق تزن مئات الأطنان وتحميلها على سيّارات شحن جاهزة،" وفق ما جاء في تقرير ماكدونالد. "وعندما تصل الشّاحنات إلى العاصمة أديس أبابا فإنّها تفرغ حمولاتها في طائرات تنطلق إلى عدد من مدن الشرق الأوسط، دون التّوقف بأيّ من المدن الأثيوبيّة التي تُعتبّر أكثر مدن العالم جوعا."
ليست السّعوديّة وحدها هي التي تسعى للإستحواذ على الأراضي الزّراعيّة لإنتاج محاصيل تُصدّر للملكة، فهناك العديد من البلدان التي تضخّ الأموال لشراء الأراضي الزّراعيّة الخصبة في البدان الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبيّة وجمهوريات الإتحاد السّوفياتي سابقا وأستراليا. تضمّ القائمة أمارات الخليج كافة والصّين والهند وكوريا الجّنوبيّة. من النّاحية النّظريّة، فإنّ استثمارات من هذا القبيل قد تأتي بالمنفعة المُتبادلة لكلي الطّرفين، لكنّها في واقع الحال تثير عددا من الأسئلة الأخلاقيّة والسّياسيّة غير العاديّة. وأكثر من ذلك، فإنّ الإتّساع المتنامي للإستحواذ على الأسواق العالميّة للأراضي الصالحة للزّراعة بدأت تجتذب انتباه واهتمامات المستثمرين الخاصّين الذين يرون فيها فرصة ستأتي بمردود عال. وعليه فقد انضمّت إلى الجوقة بنوك ومؤسّسات مالية وافراد، وكلّ يسعى للحصول على نصيبه من نهب الفوائد. وهذا أمر سيؤدي في النّهاية إلى مخاطر الجوع وانتشار المجاعات التي لا يحسب لها هؤلاء أيّ حساب.
إن الإندفاع لشراء الأراضي الزّراعيّة الخصبة، أو ما يسمّيها النّقاد "سلب الأراضي" ناجم عن قناعة أنّ الأراضي الزّراعيّة أصبحت "سلعة" أخرى حالها حال النّفط والغاز والنّحاس والپلاتينيوم، وغيرها من المواد التي تناولها المؤلف في الفصول السّابقة. والشيء الوحيد الذي يجمعها هو عدم التّوازن بين ما يتوفّر من هذه المصادر وبين الطلب المُتزايد عليها. وكما رأينا فإنّ النّضوب وانخفاض مستويات الإنتاج لم يعد يتناسب مع الإستهلاك العالمي. ألحقيقة أنّه لم يُنظر للأراضي الزّراعية هذه النّظرة من قبل، لأنّه كان بالإمكان التّوسع لزرع حقول جديدة حول المناطق السّكنيّة. أمّا اليوم فلم تعدْ هناك تخوم زراعية بحاجة إلى الإكتشاف والإستغلال، وأنّ ما موجود منها قد أصابه التّصحّر وزحفت نحوه مشاريع بناء البيوت السّكنيّة والمشاريع الصّناعيّة. ومع الزّيادة المضطردة في عدد السّكان، فإنّ الحاجة إلى المواد الغذائيّة، في تزايد مستمرّ. ولذلك فإنّ السّباق لنهب الأراضي الزراعيّة جار على قدم وساق.
كم بالضّبط سيزداد الوضع الغذائي سوء في السّنوات القادمة، هو موضوع نقاش واسع.(11) يعتقد بعض الخبراء أنّ التّقدّم التكنولوجي كفيل بحل المشكلة. فإذا قمنا بوضع الإستثمارات الكافية لتطوير الأساليب الزّراعيّة وتمكّنا من استخدام الحبوب المحسّنة على نطاق واسع، خاصّة تلك التي تكون قادرة على مقاومة درجات الحرارة العالية وتقاوم الجفاف المترتب عن التّغيّرات المناخيّة وتكون قادرة أيضا على مقاومة الحشرات والأوبئة النّباتيّة، سيكون من الممكن إطعام البشريّة بشكل كاف حتّى وإنْ بلغ عدد سكان المعمورة 9 بلايين نسمة في عام 2050. وهناك آخرون أقلّ تحمّسا لأنّهم يرون "أنّ الأراضي الصّالحة للزّراعة تختفي تدريجيّا،"حسب ادّعاء لستر براون من معهد سياسة الأرض. "ثلث سطح التّربة الصالحة للزّراعة يتآكل بسرعة." ويحذر براون أنّه ما لم تقم الحكومات بخطوات عاجلة للمحافظة على تلك التّربة والإقتصاد باستعمال المياه وخفض نسبة الكاربون الذي يُطلق إلى الغلاف الجّوي، والتّحكّم بالنّمو الدّيموگرافي أو السّکّاني، فإنّ أسعار المواد الغذائيّة ستلقي بالعالم وسط موجة من الفوضى العامرة.
يفرّق المؤلف بين صنفين من الإستثمار الزّراعي، وهما تحقيق الأمن الغذائي والحصول على الأرباح. تمثل نشاطات السّعودية وإمارات الخليج والصّين والهند وكوريا الجنوبيّة الصّنف الأول. أما الصّنف الثاني فيمثله المستثمرون الأجانب من الإغنياء والبنوك والمؤسسات الماليّة المختلفة وشركات الإستثمار. هناك قناعة بإنّ الأراضي الزّراعيّة الخصبة ستزداد شحّة وسترتفع أثمانها في السّنوات القادمة، الأمر الذي سيتيح فرصة لا مثيل لها للرّبح والغنى لمن يعرف من أين تؤكل الكتف. يقول محلل الإستثمارات دگ هوكنز الذي يعمل لصالح شركة هاردمن ومركزها في لندن، إنّه في عام 2050 سيكون بإمكان الفرد أنْ يناقش بأنّ الحقول ستثبت أنّها ذات قيمة ستراتيجيّة طويلة الأمد أكثر من النّفط والغاز.

بعيدا عن استثمارات الدّول الغنيّة لتحقيق الأمن الغذائي وجهود احتكارات الإستحواذ على الأراضي الزّراعيّة ونهبها من أجل تحقيق الأرباح الخياليّة، دعت منظمة فاو التّابعة للأمم المتّحدة إلى استثمار 83 مليار دولار سنويا في المتوسط لرفع الإنتاج الزّراعي بنسبة 60 بالمئة من أجل إطعام سكان العالم الذين من المتوقع أن تتجاوز أعدادهم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050. قالت فاو منظمة الغذاء والزّراعة ، إنّ الاستثمار المسؤول في الزّراعة والنّظم الغذائيّة هو الذي يساهم في الأمن الغذائي وينهض بالتّغذية، ولا سيما في المناطق الأشد فقرا في العالم. وأضافت أنّ برامج الاستثمار ينبغي أن تركز على زيادة الإنتاج المستدام ورفع إنتاجيّة الأغذية المأمونة والمغذيّة والمقبولة ثقافيا، والحدّ من خسائر المواد الغذائيّة وإهدارها، إضافة إلى تحسين الدّخل وتعزيز العدالة التّجاريّة من خلال مراعاة مصالح أصحاب الحيازات الصّغيرة. ثمّ أكدت أنّ الاستثمارات المسؤولة في الزّراعة ينبغي أن تسهم في تحقيق المساواة بين الجّنسين وخدمة الصّحة العامّة وتمكين الشّباب واحترام حقوق الحيازة المشروعة للأراضي ومصائد الأسماك والغابات. كما شددت على أهميّة مراعاة استخدامات المياه القائمة والمحتملة، وضمان الإدارة المستدامة للموارد الطبيعيّة، والتّخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه.
كشفت فاو أيضا أنّ 90 بالمئة من إجمالي 570 مليون مزرعة في العالم، تُدار بأيدي الأسر المُزارعة، مما يعني أنّ المزارع العائلية تمثل الشّكل الرّئيسي في القطاع الزّراعي في العالم. وقالت إنّ تلك الأسر المزارعة تنتج نحو 80 بالمئة من غذاء العالم، أي أنّها تلعب دورا مهما في الطريق إلى الأمن الغذائي المستدام والقضاء على الجوع مستقبلا. يقول خوزيه غرازيانو دي سيلفا، المدير العام لمنظمة فاو، إنّ مدى انتشار المزارعين الأسريين ومقدار إنتاجهم يعني "أنهم عامل حيوي فعليا في حسم مشكلة الجوع″-;- الذي لم ينفكّ يعاني منه أكثر من 800 مليون شخص. تحمي المَزارع الأسرية نحو 75 بالمئة من جميع الموارد الزّراعية في العالم، كما تعدّ أساسيّة لتحسين الاستدامة البيئية والموارد، رغم أنها لاتزال من بين الأشد عُرضة لآثار نضوب الموارد وتغيّر المناخ.
ووفقا لتقرير حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لعام 2014، فقد انخفض العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من الجّوع في العالم بنحو 37 مليون نسمة، ليبلغ 805 ملايين نسمة. حقق 63 بلدا الأهداف الدّوليّة الخاصّة بخفض معدّلات الجّوع قبل حلول عام 2015، وهو دليل على ما يمكن إنجازه من تقدم حينما تتضافر جهود الحكومات ومنظمات المعونة الإنسانيّة والقطاع الخاصّ من أجل إحداث تغيير دائم. هذا وذكر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أنّ الدّراسات كشفت أنّ الجّوع يمكنه الحدّ من قدرة القوّة العاملة للدولة بنسبة تعادل نحو 16.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يقلل بشدّة من قدرة البلدان النّامية على تعزيز النّمو الاقتصادي وتنفيذ استثمارات هي في أمسّ الحاجة إليها. وكشف برنامج الأغذية العالمي في ذكرى يوم الغذاء العالمي، أنّ القضاء على الجّوع يمكن أن ينقذ حياة 3.1 مليون طفل في العام الواحد، وأنّ الأمهات اللائي يحصلن على تغذية جيّدة يصبح أطفالهن أكثر صحة ولديهم أجهزة مناعة أقوى. ثمّ أضاف قائلا إنّ القضاء على نقص التّغذية لدى الأطفال يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النّامية بنسبة 16.5 بالمئة. وأكدت المنظمة أنّ الدولار المستثمر في الوقاية من الجّوع، يمكن أن يعود بفوائد بين 15 إلى 139 دولارا، إضافة إلى أنّ التّغذية السّليمة في وقت مبكر من الحياة، قد تعني أكثر زيادة الأعمار بنسبة 46 بالمئة. ثمّ أضافت أنّ القضاء على نقص الحديد في الغذاء لدى السّكّان، يمكن أنْ يحقق زيادة الإنتاجيّة في مكان العمل بنسبة 20 بالمئة، وأنّ القضاء على وفيّات الأطفال المرتبطة بالتّغذية، يمكن أنْ يزيد القوى العاملة بنسبة 9.4 بالمئة.(11)
وإذا لم تتمّ معالجة قضايا الإستحواذ على الأراضي الزّراعيّة بحكمة، فإنّ سنديسو نگونيا، رئيس السّوق المشترکة لشرق أفريقيا وجنوبها، يحذر "بأنّك ستنتهي بخلق مستوطنات رخاء باستعمال أيد عاملة رخيصة في ريف محروم من ذلك الرّخاء." إنّ وجود تلك المستوطنات المحظيّة وسط المجتمعات الرّيفيّة التي ينخرها الفقر والعوز، لا شكّ ستولد الكثير من الإستياء بين الفلاحين، الذين وُعدوا بجني الفوائد من الإستثمارات الأجنبيّة، وهم الآن ليسوا بأفضل حال ممّا كانوا عليه.
يثير المؤلف في نهاية الفصل السّابع السؤال عمّا إذا كانت الإستثمارات للإستحواذ على الأراضي الزّراعيّة ستطلق حقا بداية للنّمو الزّراعي في البلدان الفقيرة كما تكرر پاين وغيرها من المُنتفعين. لقد كان ذلك النّقطة الأساسيّة في مراجعة البنك الدّولي للإستثمارت الأجنبيّة في عام 2010. لم تكن نتائج تقرير البنك المذكور مشجّعة على الإطلاق. يقول البنك إنّه من النّاحية النّظريّة، فإنّ الإستثمارات الأجنبيّة في الميدان الزّراعي يمكن أنّ تؤدّي إلى نتائج إيجابيّة "عن طريق توفير فرص العمل وتأمين الخدمات الإجتماعيّة وزيادة التّعليم وتحسين مدخولات السّكّان المحلييّن." غير أنّ الدّراسة قد فضحت المستثمرين الأجانب واتّهمتهم بأنّهم لم يفوا بالوعود التي قطعوها للحكومات والمجتمعات المحليّة. وتختتم الدّراسة بالقول إنّه في ضوء مثل هذه الظروف، فإنّ الكثير من المشاريع "قد فشلت في تحقيق ما كان النّاس يتوقعون منها، وبدلا من ذلك جنت شركات الإستثمار الكثير من الفوائد الماليّة لنفسها ... وتركت النّاس في وضع أسوأ ممّا كانوا عليه قبل وصول تلك الإستثمارات،" حسب تقييم المؤلف.
وهناك مسألة كبرى تتعلق بالكثير من صفقات الإستحواذ هذه، وهي أنّ الأراضي التي عُرضت على المستثمرين الأجانب بيعا أو استئجارا باعتبارها "أرضا عذراء لا يسكنها إلا القليل"، أو أنّها غير مُستغلة على الإطلاق أمر غير صحيح. لقد وُجد في أغلب الحالات أنّ تلك الأراضي يسكنها الرّعاة والسّكّان المحلييّون، الذين قد لا يملكون أوراقا رسمية ثبوتيّة بأنّهم المالكون الحقيقيّون للأرض، لكنّهم سكنوها هم وأجدادهم لعدة قرون واستعملوها لأغراض عدّة. وأكثر من ذلك، أنّ أولئك النّاس شديدو الإيمان بأنظمتهم التّقليديّة التي تنظر إلى الأرض باعتبارها شيئا مقدّسا. وعليه فإنّ محاولات المستثمرين الأجانب لعزلها ووضع الأسيجة حولها يُعتبر تدخّلا في طرق حياتهم وطلب رزقهم وتهديدا لوجودهم. قد يبدو هذا الإستحواذ مناسبا لبعض الوقت لكنّه سيثبت أنّه سريع الزّوال. فمع تزايد التّغيّرات المناخيّة سوء سيكون الغذاء أقلّ توفّرا. ومن المشكوك فيه أنّ سكّان أثيوبيا وغيرها من البلدان سيقفون مكتوفي الأيدي وهم يرون أنّ محاصيل حقولهم تُشحن إلى بلدان أخرى، بينما يتضوّر أطفالهم جوعا. متى وأين سيحدث هذا الإنفجار، فأمر لا يمكن التّنبؤ به. ولكن ليس من الصّعب أنْ نتصوّر أنّ ضغوطات من هذا النّوع ستبقى دائما في طور السّبات.
يطرح المؤلف في الفصل الثامن والأخير من كتابه رأيا أجده حقيقة إنذارا يجسّد توقعات لمرحلة أشدّ إيلاما وخطرا ويوصي القرّاء أن يتلمّسوا جانب الحذر، قدر تعلّق الأمر بوضع شركات المصادر الكبرى. فهو يرى أنّ القوى العالميّة ستجد نفسها في السّنوات القادمة أكثر عدوانيّة في السّباق للفوز بما تبقى. ونظرا لأنّ الطريق للحصول على المصادر الطبيعيّة هو لأغراض المحافظة على نشاطاتها الإقتصاديّة، فإنّ الشّعوب جميعا ستجد نفسها تتصارع للحصول على تلك المصادر. ورغم أنّ الدّول تختلف عن الشّركات قدر تعلّق الأمور بالهجوم المباشر و"ابتلاع" الخصوم، فإنّ تلك الحقيقة تفسح المجال لقيام الحروب بهدف الحصول على موقعها الذي تستحقه في السّلم السّياسي والإقتصادي، وما يترتب على ذلك من درجة رخاء المواطنين ورضاهم. فالبلاد التي تنجح في بسط سيطرتها وتحصل على ما تحتاجه من المواد الحيويّة ستحصل على موقع بارز، في حين أنّ الدّول التي تتقاعس ستنزل إلى الحضيض.
من الطبيعي، إنّ الرّغبة في السّيطرة على المصادر الطبيعيّة كانت وراء قيام النّزاعات العالميّة عبر تاريخ الإنسانيّة. فالسّلالات الحاكمة تحاربت من أجل الحصول على الأراضي الزّراعيّة وغلالها. وتحاربت الدّول الإستعماريّة الأوربيّة فيما بينها من أجل فرض السّيطرة على المناطق الغنيّة بالمصادر الطبيعيّة خلف البحار. ولحدّ ما، فإنّ السّباق للفوز بما تبقّى منها يمكن أن يُفسّر بأنّه استمرار للصّراع القديم. ولكن في القرون الوسطى شهد العالم صراعات بين عدد محدود من القوى. أمّا اليوم فإنّ الثورة الصّناعيّة قد امتدت إلى عدد أكبر من البلدان. ولذلك ازداد عدد المتنافسين عمّا كان عليه. كما أنّ القوى التي برزت إلى الميدان خلفها أعداد كبيرة من السّكّان وتزداد نموّا، وأنّ رغبتها لاستهلاك البضائع من كلّ الأنواع لا يمكن تجاهلها أو إنكارها. وفي نفس الوقت، فإنّ العديد من المصادر في تناقص وأنّ القليل من المكامن الجديدة لا يزال ينتظر الإستثمار. وحين يتزايد عدد الشّعوب المشاركة في السّباق ويقلّ عدد وحجم المكافئات التي يجب أن يتقاسمها المتنافسون، فإنّ الصّراع سيزداد حدّة وتواجه الحكومات ضغوطات شعبيّة لتلعب دورا مهمّا فاعلا في ذلك الصّراع.
من أكثر الأمثلة وضوحا على دور النّشاطات الحكوميّة واستجابتها لتلك الضغوط هو الزّيادة الكبيرة في تخصيص الأموال لضمان الحصول على المعادن الطبيعيّة الضّروريّة. تتبوّأ الصّين مركزا متميّزا في هذا المجال عن طريق منح الحكومات الأجنبيّة والشّركات التّابعة لها قروضا كبيرة مغرية كطريقة لضمان تصدير معادنها إلى الصّين. ففي واحدة من تلك الصّفقات التي أبرمت عام 2009 منح بنك الإنماء الصّيني CDB قرضا بقيمة 25 بليون دولارا لشركتي روزنف وترانسفت اللتين تمتلكهما الحكومة الرّوسيّة، وهما شركتان متخصّصتان بالنّفط ومدّ الأنابيب، مقابل التزام روسيا بتصدير 300000 برميلا إضافيّا سنويّا للأعوام العشرين القادمة. وبعد عدّة أشهر منح نفس البنك 10 بلايين دولارا كاعتماد لشركة پتروبراس التي وعدت تزويد الصّين بحوالي 200000 برميلا من النّفط البرازيلي يوميّا. وفي السّنة التّالية، قدّم البنك المذكور قرضا بقيمة 20 بليون دولارا لحكومة فنزويلا بعد أن وعد رئيسها آنئذ شافيز بأنْ يكون البنك شريكا في تطوير حقل نفط رئيسيّ في بلده. أمّا صناعة التّعدين فاستفادت هي الأخرى من نشاطات بنك الإنماء الصّيني عندما قدّم مبلغ 9 بلايين دولارا كقرض لحكومة الكونغو الدّيمقراطيّة مقابل استثمار مكامن المعادن الثّمينة فيها. كما وعد البنك حكومة غينيا بقرض قيمته 7 بلايين دولارا لنفس الغرض. وعندما تخترق الإستثمارات التي تقف وراءها الحكومات هذه الميادين، لم تعد القضيّة قضيّة سوق عالميّة بل تصبح السّياسات الدّوليّة هي التي تلعب الدّور الرّئيسي في توزيع المعادن الضّروريّة حول العالم.
يعترف المؤلف أنّه إذا استمرّ السّباق للفوز بما تبقى من المعادن على هذا المنوال، فإنّه سيؤدي إلى اختفاءها علما بأنّ الكثير منها قد نضب فعلا في وقتنا الحاضر. وعليه ستكون البراري والمناطق الطبيعيّة الجميلة عرضة لغزو آلآت الإحتكارات الجّبّارة، والذي سينجم عنه نتائج بيئيّة كارثيّة. وفي النّهاية فإنّ البعض من تلك الإحتكارات سينتهي بالإفلاس أو يُستحوذ عليه من قبل الخصوم، وهو ما سيؤدّي إلى البطالة وخسارة أصحاب أسهم الإستثمار لأموالهم، ويصبح الصّدام العسكري العالمي حقيقة محتملة الوقوع. أمّا السّكان المحليّون الذين يعتاشون على ما يتوفر لهم في مناطقهم البعيدة المعزولة، فإنّهم يصبحون مُستهدفين عن طريق مشاريع الإحتكارات التي ستؤثر على حياتهم وتقود إلى خراب اقتصادي وثقافي، إنْ لم يكن فناء حقيقيّا لهم ولحياتهم. وفي النّهاية، سيصل ذلك الضّرر للبشريّة كاملة إذ ستزداد اسعار السّلع الضّروريّة زيادة هائلة، وستختفي بعض المواد الأساسيّة من الوجود تماما وستكون عجلات الصّناعة أكثر بطئ في حركتها.
يقترح المؤلف في الصّفحات الأخيرة من كتابه على البشريّة مسارا آخر. بدلا من الإندفاع لاستخراج ما تبقى من مصادر الأرض الحيويّة، فإنّ بإمكان القوى الإحتكاريّة والسّياسيّة أن تغيرّ مسارها إلى سباق للتّكيّف، وهو سباق لمعرفة من سيكون البادئ في تكييف مواد جديدة وطرق جديدة وأساليب جديدة من النّوع الذي سيحرّر العالم من اعتماده على المصادر الطبيعيّة المحدودة. سيكون هذا السّباق مدفوعا بإدراكنا عاجلا أم آجلا بأنّ جميع البلدان ستُجبر على التكيّف لحياة يندر فيها وجود المصادر، وأنّ كلّ ما يمكن عمله هو تحقيق هذا التّحول مبكّرا لأنّ ذلك سيأتي علينا بفوائد جمّة. إنّ السّباق للتّكيّف سيُجزي الحكومات والشّركات والمجتمعات التي ستأخذ المبادرة لتطوير أنظمة لزيادة الكفاءة والإقدام على عمليّات نافعة للبيئة وتوفّير وسائل المواصلات الصّديقة لها. وسيُعاقب أولئك المُتشبّثون بالعادات الجّارية. وفي النّهاية فإنّ القوّة والثروة سوف لن تأتي من فرض السّيطرة على المصادر النّاضبة، بل في الإستخدامات التّكنولوجيّة المتطوّرة. ثمّ يمضي للقول بأنّه لا بُدّ من الإعتراف بأنّ إزالة الإعتماد على الوقود الهايدروكاربوني وغيره من المواد النّاضبة لن يحدث بين ليلة وضحاها، لأنّ هذا الإعتماد كبير للغاية. ولكن مهما حاولت الحكومات والشّركات أنْ تنكر، فإنّ المصادر غير المتجدّدة في كوكبنا لن تفي بالحاجة المتزايدة للسّكان حول العالم. وأكثر من ذلك، فإنّ طرق الإنتاج الحاليّة قد أحدثت وتُحدث أضرارا بالغة للبيئة العالميّة. وعليه، فإنّ المضيّ باستخدام تلك الطرق الصّناعيّة يُثبت بأنّه أمر محال له أن يستمرّ. وهذا يتطلب وضع نظام صناعي جديد، وهو مهمّة طويلة الأمد.
يمتدح المؤلف جهود الصّين في التّكيف، ومعها يمتدح ألمانيا وفرنسا وهولاندا وإيطاليا وأسپانيا والبرازيل، ويضع الولايات المتّحدة في المرتبة العاشرة اعتمادا على الأموال المخصّصة للبحوث في ميادين الطاقة المتجدّدة والطاقة النّظيفة الصّديقة للبيئة بين البلدان من أربع رياح الأرض. وإذا كانت تلك الشّعوب مشغولة بالتّكيّف الجّديد، فما هو الحال عندنا في أرض العروبة؟ أجدني متفقا مع الرأي القائل،(12) بانتشار السّرقات والتّهريب والمخدّرات والاغتصاب والابتزاز والاعتداء على جميع أنواع الحرمات، وتهريب السّلاح، وأكل مال اليتامى، وطرد الآمنين من بيوتهم، والتّنكيل بمستقبل البشر، واستباحة الأملاك والبيوت، وتعذيب النّاس، وتزوير الإفادات والشّهادات والأموال، ونكث الوعود، ونشر الكذب. وما تفرَّع عن كل هذا.
تجتذب القضايا العادلة في أذيالها ظُلاَّما صغارا وزعرانا وقتلة وحراميّة، كما تجتذب مقلدين ومخلصين وأمناء وذوي أخلاق. وينمو الفصيل الأول في سرعة، ويعثر على أناس كاملي الاستعداد، مجهّزين نفوسهم المريضة وغرائزهم الهمجيّة وشهواتهم إلى العبث والجّريمة والمال الملوث. ويتخذ هؤلاء لأنفسهم أسماء وألقابا مقدسة يخبّئون خلفها أسوأ أنواع الخطايا البشريّة والخيانات القوميّة. وقد برزت هذه الفئة من الطفيليّات في كل مكان وكل المراحل، وحول جميع القضايا. وهي لا تتورّع عن شيء. ولا تقف عند شيء. وإذ يعاني الذين يعانون، جماعات وجماهير وشعوبا، فإنّنا لا نشاهد ولا نقرأ عن صغار المجرمين، وتجار الرّقّ، ومعذبي العجزة، وسارقي الأدوية، والمنكّلين بالمرضى، ونهّابي الخبز، وسارقي النوم من أجفان الأمّهات والأطفال.
يكتب المحللون عن المؤامرات، ويرددون كثيرا اسمي سايكس وبيكو، ويحدّثوننا عن الشّرق الأوسط الجّديد والفوضى الخلاقة. والحقيقة الوحيدة هي أنّنا محكومون بعار قديم، ووحشية عتيقة، وكفر بشري مقيم نمنحه أسماء وألقابا مقدّسة لكي نغطي ما لا يُغطى من قهر وظلم وعربدة همجيّة. نستعير أسماء وهمية لحقائق لا تقبل أيّ وهم، وهي أن المرتكبين منّا، والجّزارين منّا، والذبّاحين منّا، وأبطال الجّرائم المريعة منّا أيضا.
ولن تنتهي هذه الموجة من الجّنون الإجرامي العام ما لم نجرؤ على الاعتراف بأنّ أبطالها من رفاقنا وجيراننا وأصدقائنا والنّاس الذين كنّا نراهم في الشارع ونعتقد أنّهم بشر. أمّا أن نذهب إلى المقهى لنقرأ كبار المحللين يكتبون لنا أنّ هذه مؤامرة، فسوف يأتي يوم غدا نراهم على أبواب المقهى والمحللون هاربون في الخارج. وسوف يكون كلّ أوان قد فات عندما ندرك أنّ المؤامرة الكبرى هي خداعنا لأنفسنا وخنوعنا للتّخدير والخلط الغرائزي الأعمى ما بين الجّهل والخوف. صدّقوا ما ترون. ما من مؤامرة أفظع من التّخلُّف.
للأكثريّة مكانها، لكن للأقليّات ترابها وسماءها وجذورها وتاريخها. مؤلم أنْ ترى العروبة تنطفئ، مؤلم أنْ نكون أمّة يائسة تطلب مساعدة أمريكا وتسلّم قرارها إلى تركيا وإيران. وأمّا هي فلم يبقَ لها سوى أن تتشرّد في البراري وتغرق في البحار. وبهذا المعنى يبدو الجّزم بعدم واقعيّة "جهاد النّكاح" مثلا أشبه بمغامرة. لا سيما عندما نعرف أنّ هناك من غامر، ومن غير مريدي "داعش"، في نفي أو استبعاد ما جرى من عمليّات سبي وبيع للنّساء الإيزديات في الموصل، إلى أن أصدر التّنظيم بياناً مطوّلاً شرح فيه "المسوّغات الشّرعيّة" لعمليّات السّبي واعترف بأنّ ما قام به نشطاؤه في الموصل إنّما هو من باب ممارسة "حقهم الشّرعي". إذاً إنّها اللحظة التي تُلغى فيها المسافة بين الخيال والواقع.

د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس- كلية ماونت هوليوك
قرية مونتگيو- ماساچوست، الولايات المتّحدة
mjiyad@mtholyoke.edu

The Race For What’s Left
The Global Scramble For The World’s Last Resources
By: Michael T. Klare
PICADOR
A Metropolitan Book Henry Holt & Company, New York
ISBN 978-1250-02397-1

References

1. http://www.annahar.com/article/15240
2. http://www.france24.com/ar/20140725
3. http://www.assafir.com/Article/13/357170/
4. http://www.assafir.com/Article/13/355716
5. http://alakhbaar.org/home/2014/6/169793.html
6. http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN0G906D20140809
7. http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN0G905620140809
8. http://www.aawsat.com/home/article/170751
9. http://middle-east-online.com/?id=183480
10. http://www.alarab.co.uk/?id=32566
11. http://www.alarab.co.uk/?id=35
12. http://www.aawsat.com/home/article/198736



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن