إحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأديب الفلسطيني الكبير علي الخليلي .. تقرير الشاعر محمد حلمي الريشة

ابو زيد حموضة
tanwer_56@yahoo.com

2014 / 10 / 28

فلسطين المحتلة / نابلس
27/2014

لمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الأديب الفلسطيني الكبير علي الخليلي، الشاعر والباحث والروائي والناقد والتراثي والصحافي، عقد المنتدى الثقافي التنويري (تنوير) ندوة ثقافية في مقره بنابلس، إيماناً من المنتدى بأهمية استحضار هذه القامة الإبداعية الكبيرة.

تولى تسيير الندوة وشارك بمداخلة فيها الناقد والأكاديمي أ. د. عادل الأسطة، الذي تناول فيها محطات ثقافية عدة في حياة الأديب الراحل، منذ أن كان في ليبيا ولبنان إلى أن عاد واستقر به المقام في مدينته نابلس بفلسطين، في العام (1976)، لإنشاء حركة ثقافية في الأرض المحتلة، وقد استطاع فعلاً إنشاءها من خلال "الفجر الأدبي" التي أصدرها بداية صفحة أدبية في جريدة "الفجر"، ثم ملحقاً خاصاً معها، ومن ثم مجلة شهرية، استقطب فيها شعراء وأدباء وكتاب فلسطينيين، وأبدى اهتماماً خاصاً آنذاك بالجيل الثمانيني، والذي أطلق عليه اسم "أدباء الجيل الرابع". وفي مداخلته المطولة نسبياً، تحدث الدكتور الأسطة عن هواجس عدة في حياة الأديب الراحل عدا عن هاجس إنشاء حركة أدبية، منها هاجس كتابة قصيدة جديدة خارجة عن مألوف شعر الأرض المحتلة، حيث محاولاته الاختلاف عن الأنموذج السائد، حيث ظل هذا الهاجس ملحاً عليه طوال مشواره الشعري، على الرغم من عدم تفاعل القارئ/ المتلقي معها، هذا الذي اعتاد على شعر ارتبط بالغناء والإنشاد منذ أكثر من (1400) سنة، وشعر الشاعر الراحل يكاد يفتقد السمة الغنائية. ثم تحدث عن هاجسه في كتابة رواية، وهو الذي كتب عدة روايات، ومع هذا تساءل: هل كان الأديب الراحل مهيئاً لكتابة نقد في الرواية؟ حيث توجه نحو كتابة نقد عنها، مع عمله على كتابة نقد في الأنواع الأدبية الأخرى. كذلك هاجسه في كتابة المقالة الأدبية من خلال تناول ظواهر ثقافية ومراجعات كتب في أنواع أدبية عدة، عدا عن عمله الصحافي الذي كان يستنزف منه وقتاً طويلاً.
قّدم الكاتب التربوي علي خليل حمد قراءات شعرية لمقتطفات من قصائد الشاعر علي الخليلي، بدأ فيها تعاطفه قويا ومؤثرا مع أصدقاء الفكر وشهداء فلسطين؛ فمن قصيدة "الرمق الأخير- إلى معين بسيسو"، ومن قصيدة "إلى عصام السرطاوي"، ومن قصيدة "نابلس تمضي إلى البحر"، ومن قصيدة "عكا يا عكا"، ومن قصيدة "إلى هوشي منه وهو في السجن"، ومن قصيدة "الصمود ساعة الصفر- إلى ناظم حكمت وبابلو نيرودا"، و"زلزلة باقية- إلى أبي سلمى".
واشار حمد الى أن هؤلاء الاعلام كانوا أقل حضورا في قصائد علي الخليلي الأخيرة، وأن من أكثرهم ترددا في شعره الشاعر عبد الكريم الكرمي " أبو سلمى " ومحمود درويش الذي قرأ حمد قصيدة رثاء الخليلي له، وقال أنها من أجمل ما كتب علي الخليلي من شعر.
الشاعر محمد حلمي الريشة، مدير بيت الشعر الفلسطيني، قرأ "شهادة لا تطيق اكتمالها- علي الخليلي.. خازن الأدب في خوابي القلب"، وهي الشهادة/ الرسالة التي ثبتها الشاعر الريشة، وفاء وإخلاصاً وشكراً، في مجلدات الأعمال الشعرية للشاعر علي الخليلي (يا للقدر: لقد رآها المرة الأولى والأخيرة ليلة وفاته!) حيث تحدث فيها عن بداية علاقته به، منذ اللقاء الأول الذي جمعها في العام (1977) بنابلس؛ مدينة الشاعرين، وهي مدينة الشعراء: إبراهيم طوقان، وفدوى طوقان، وعبد اللطيف عقل (رحمهم الله). نقتطف من هذه الشهادة/ الرسالة آخر ما جاء فيها:

"ولاَ أَدري كيفَ أَنتهي إِليكَ؟
أَتدري، أَيُّها العصيُّ علَى أَصابعِي لتشكُرَكَ، كأَنَّكَ مانِعُها بامْتنانٍ! كيفَ أُشكِّلُ "شُكرًا" مغايرًا يليقُ بلقائِكَ السَّخيِّ؟ هَا أَنا أَفشلُ مرَّةً أُخرى وأُخرى، فأَمقتُني بحنانٍ، كيْ لاَ أَجرحَكَ بعقابِ ذَنبي.

كيفَ أَفشلُ، وأَنتَ الَّذي حينَ حكيتُ لكَ عنْ معلِّمِ التَّربيةِ الدِّينيَّةِ (كنتُ طالبًا فِي الصَّفِ الثَّالثِ الإِعداديِّ) الَّذي أَخرجَني ستَّ حصصٍ متتاليةٍ، بعدَ أَن كانَ قرأَ "أُولى قصائدِي" ومَا هيَ بقصيدةٍ طبعًا، غزلاً، وقد نُشرتْ فِي جريدةٍ أَحضرَها إِلى الصَّفِّ، كيفَ علَّمتَني، بكلِّ أَبويَّةِ المعلِّمِ، أَنَّ الشِّعرَ عدوُّ المباشرَةِ، وأَنَّ لهُ لغةً لاَ يعرفُها إِلاَّ الشُّعراءُ، وأَنَّه يجبُ أَن يُكتبَ بِها مهمَا كانتْ عاديَّةُ الموضوعِ أَو كانَ ذَا قداسةٍ،وضربتَ لِي أَمثالاً عدَّةً أَبرزتَ لِي فِيها أَن لاَ منطقَ فِي الشِّعرِ، وأَنَّ الحقائقَ يمكنُ إِعادةُ صياغتِها بمخيلةِ الشَّاعرِ بلغتهِ الشِّعريَّةٍ الَّتي يبتكرُها لهُ. وقدْ عدتُكَ بعدَ عدَّةِ أَيَّامٍ بقصيدةٍ جديدةٍ بعدَ أَن استوعبتُ كلامَكَ، ونشرتَها لِي صفحةِ "الفجرِ الأَدبيِّ" بعدَ أَن كُنتَ تنشرُ لِي تشجيعًا فِي زاويةِ "الضَّوءِ الأَخضرِ"، إِيذانًا بالعبُورِ. مِن يومِها وأَنا أَهتمُّ بلغتِي الشِّعريَّةِ عبرَ إِثراءِ ابتكارِها، علَى الرَّغمِ منَ اتِّهامي بالغموضِ والإِبهامِ، و"الشِّعرِ الزِّئبقيِّ" مِن أَصدقاءَ كتَّابٍ أَنتَ تعرفُهم مِثلي.

والآنَ.. لِمَ هذهِ اللُّغةُ لاَ تُسعفُني فِي تشكيلِ شُكرِكَ، وقدْ كُنتَ أَشرتَ إِليها عبرَ قراءتَيْكَ النَّقديَّتينِ لمجمُوعتينِ مِن مجمُوعاتي الشِّعريَّةِ، وتحديدًا عبارتكَ: "اللُّغةُ لعبةُ هذَا الشِّاعرِ بامتيازٍ، فِي تجليَّاتٍ عاليةٍ غيرِ مسبُوقةٍ". للمناسبةِ: لقدْ مَنحتني فِي قراءتَيْكَ لقبَ "شَاعر"، ووصَفْتني بـ"الصَّديقِ الشَّاعرِ"، فَفرِحتُ جدًّا؛ كهديَّةٍ مِنكَ إِلى تلميذِكَ منذُ العامِ (1977) وإِلى مَا بعدَ (2013). إِذًا؛ الكتابةُ ليستْ فرحًا فقطْ، بلْ ثَمَّ مَا هوَ أَوسعُ مِنها ومِنهُ. ولكنْ.. أَلاَ يجبُ أَن تعودَ لتفتحَ "مكتبةَ الوطنِ"، وتُعيدَ عليَّ الدَّرسَ الأَوَّلَ؟ كتبتُ هذهِ العبارةَ وأَنا ابتسِمُ، فابتسِمْ ضدَّ حزنِكَ، وضدَّ مرضِكَ، وضدَّ عزلتِكَ علَى الرَّغمِ مِن أَنَّها مِن مزاجِ الإِبداعِ.. أَيُّها النَّقيُّ مثلَ ثوبٍ أَبيضَ لمْ يُنسَجْ بعدُ، وأَيُّها البهيُّ مثلَ بلبلٌ بحجمِ الشِّعرِ كلِّهِ."

المداخلة الأخيرة كانت المسرحي والنقابي نعيم جاموس، تحدث فيها عن معرفته القصيرة بالأديب الخليلي، وقال: لكنها كانت مؤثرة، وتركت بصمتها، كوننا نتلاقى فكرياً، وقد انشد لي لاهتمامي بالمسرح، فشجعني على كتابة "الاستكشات" المسرحية، وشجعني أيضاً على كتابة مسرحية "الطوفان" التي عرضت أكثر من عرض في حينها.

بعد الانتهاء من تقديم المداخلات، جرى تحاور بين المحاضرين والحضور، تراوح بين الاستفسار والتعليق، وكان في هذا إثراء آخر لهذه الندوة، التي أحيت الذكرى الأولى لرحيل الأديب الفلسطيني الكبير علي الخليلي، في حين أنه لم تكن هناك أية ندوات أخرى، لا على المستوى الثقافي الرسمي، ولا على المستوى الثقافي العام.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن