من يُنقذ إسرائيل من نفسها؟

منعم زيدان صويص
munim1944@gmail.com

2014 / 6 / 10

في أيار عام 1948، قررت بريطانيا، القوة المنتدبة على فلسطين، أن تنسحب وتترك العرب واليهود ليصفوا حساباتهم، وكان كلا الطرفين يشن الهجمات على القوات البريطانية، وكل منهما كان يعتقد أنه سينتصر على الآخر بعد جلاء الإنجليز. اليهود كانوا قد جندوا 60000 رجل وإمرأة مسلحين ببنادق أتوماتيكية ورشاشات، والفلسطينيون لم يكن لديهم أسلحة لأن بريطانيا كانت تصادر كل قطعة سلاح لديهم وتعلق رجال المقاومة الفلسطينيين على أعواد المشانق، ولكنهم إعتمدوا على الدول العربية وتوقعوا أن جيوشها ستقضي على الكيان الجديد. وقد برهن الجيش العربي الأردني أنه القوة العربية الوحيدة التي يُعتد بها، واستطاع هذا الجيش عند وقف إطلاق النار أن يحتفظ بما أصبح يسمى الضفة الغربية ومن ضمنها أغلى شيء في فلسطين وهي القدس.

لقد حققت إسرائيل أول إنتصاراتها وأسست دولة، ولم يصدق اليهود ما حصل، وخاصة الحركة الصهيونية، وأصدقاء إسرائيل في الغرب، لأنهم لم يتوقعوا إنتصارا كهذا. وفي السنوات والعقود التالية حققت إسرائيل إنتصارات أخرى، وكان الكثيرون في الغرب يتعاطفون معها، فقد تخلصوا من مشكلة اليهود عندهم وشعروا أنهم كفّروا عما اقترفوه من ذنوب تجاه اليهود عبر العصور، رغم أنهم جعلوا من الفلسطينيين كبش فداء. لقد وعد الإنجليز اليهود، بعد الحرب العالمية الأولى، أن يسمحوا لهم بإنشاء "وطن قومي" في أرض فلسطين، ونفذوا هذا الوعد خلال الثلاثة عقود التي تلت هذه الحرب، وغادروا فلسطين بطريقة لا أخلاقية وخيانية بعد أن مكّنوا المهاجرين اليهود من بناء قوتهم وجردوا الفلسطينيين من أي نوع من السلاح، ولم يتحملوا هجمات العصابات اليهودية الدموية بقيادة مناحيم بيغن ويتسحاق شامير فهربوا وتركوا الفلسطينيين فريسة لليهود. ومنذ ذلك التاريخ أخذت الولايات المتحدة على عاتقها تقوية إسرائيل وتسليحها بحيث تستطيع مجابهة "كل الجيوش العربية مجتمعة."

كانت إنتصارات إسرائيل ناتجة عن ضعف العرب وجهلهم و فرقتهم، ولم يكن الإسرائليون بعيدي النظربما يكفي، لأنهم إعتقدوا أنهم سيبقون منتصرين على العرب إلى الأبد، واكتفوا بالإعتماد على قوتهم العسكرية، وتبنوا نظرية القلعة وظنوا أنهم خالدون وأنهم شعب الله المختار، وبقيت إسرائيل في وضع جيد طالما أن الدول العربية تهددها ولا تفعل شيئا، لأن هذا التهديد يجلب لها عطف ومساعدة الغرب، وطالما بقيت الشعوب العربية مقموعة رغم التعبئة النفسية ضد إسرائيل. واستمر تعاطف العالم الغربي مع إسرائيل، وكان من الممكن أن يستمر هذا التعاطف وهذه الإنتصارات لولا الثورات الشعبية العربية في هذا القرن التي كشفت عن ضعف الأنظمة العربية وبرهنت أن صراخ إسرائيل وخوفها من الدول العربية لا أساس له، وأنه لا يوجد شيء يهددها، وأنها أصبحت كراعي الغنم الذي كذب على أهل قريته مدعيا أن الذئب قد هجم على خرافه، ولذلك لم يصدقوه بعد ذلك عندما هاجمه الذئب فعلا.

أنا أعتقد أن إسرائيل قد بلغت قمة قوتها، وليس أمامها سوى الإنحدار، وأنها لا يمكن أن تبقى منتصرة على الشعوب العربية المعادية لها إلى الأبد وخاصة بعد أن إنكشفت عنصريتُها أمام العالم بعد بناء الجدار العازل ومطالبتها بالإعتراف بها كدولة يهودية. ولو نفعت القوة العسكرية وحدها الأمم لما سقط الإتحاد السوفيتي وتحلل إلى مكوناته الأصلية.

الأجيال الجديدة في العالم الغربي لا تعرف إسرائيل جيدا، ولا تؤيدها آيديولوجا، ولا تتذكر ما يسمى بالمحرقة، فقد مضى حوالي ثلاثة أجيال على قصص النازية واليهود والهولوكوست، ولكن كل هذه السنوات لم تخفف من مأساة الشعب الفلسطيني الماثلة أمام العالم.

أنا أشعر أن التأييد الدولي لإسرائيل بدأ يفتر، فقصة التهديد العربي لإسرائيل إنكشفت، وقصة البرنامج النووي الإيراني باتت تنكشف تدريجيا بعد الإتفاقات التي توصلت اليها أيران مع القوى العظمى زائد واحد، وقد إستفادت إسرائيل من التهديدات الإيرانية لعدة سنوات نسي العالم خلالها القضية الفلسطينية، واستفادت إيران أيضا من ذلك بأن رفعت من درجة نفوذها وشعبيتها في المنطقة. حتى تأييد الولايات المتحدة لأسرائيل طرأ عليه تغيير واضح، بعد أن إصطدم موقف نتانياهو مع مواقف أوباما وبقية المسؤولين الأمريكيين. وارتفعت وتيرة الخلافات بين الجانبين لدرجة أن كيري صرح بأنه إذا لم تقم دولة للفلسطينيين في فلسطين فستصبح إسرائيل دولة عنصرية. لقد وضعت سياسة القادة الإسرائيليين دولتهم في عزلة. الولايات المتحدة لا تريد إسرائيل أن تضعف، ولكنها تشعر أن إسرائيل تؤذي نفسها برفض "الدولة الفلسطينية القابلة للحياة" والإستمرار في بناء المستوطنات التي أصبحت تصفها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أوروبا، بأنها غير شرعية. في الحقيقة، الولايات المتحدة، وجزء كبير من يهود أمريكا، يريدون فقط أن ينقذوا إسرائيل من نفسها.

أما وزارة الخارجية الأمريكية، فأكدت استعداد واشنطن للتعاون مع حكومة التوافق الفلسطينية، معتبرة الانتقادات الإسرائيلية بهذا الشأن بدون أساس. وردت إسرائيل بشدة وقالت إنها تعرضت "للخيانة من الحليف الأمريكي." ورحبت الامم المتحدة بتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية الجديدة مؤكدة استعدادها لتقديم دعمها للجهود المبذولة لانهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

إسرائيل لن تعيش، وما كانت لتعيش، بدون تهديد وخاصة التهديد الخارجي، ولكنها لا تستطيع أن تتغلب على التهديد الداخلي، ولهذا فهي ستركز على التخلص من الفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية، ولا أظنها تستطيع ذلك في المستقبل المنظور وخاصة بعد أن إكتشف العالم لُعبتها. هل ستغير سياستها قبل فوات الأوان وتقبل أن تعيش كدولة عادية في المنطقة إلى جانب دولة فلسطينية؟ هل تنقذ إسرائيل نفسَها من نفسِها؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن