الدين والتعليم والفن.. ثالوث التحرش الجنسي

عبدالحليم حفينة
HALIM.HEFAINA@GMAIL.COM

2014 / 6 / 10

الدين والتعليم والفن.. ثالوث التحرش الجنسي


الأغرب من حادثة التحرش الأخيرة، كم الإستغراب والإندهاش الذي حلّ على غالبية المصريين، وكأن حوادث التحرش ببشاعتها حالة مستحدثة علينا! وكأننا أيضًا فوجئنا بغياب القيم والأخلاق!! فبعد كل حادثة كتلك تعودنا أن نُخرج المشاعر السلبية تجاهها في شكل شجب وإدانة، وهذه عادة عربية أصيلة متعارف عليها في علاج جُلّ مشاكلنا، أو بالأحرى تسكينها. وأمام ظاهرة التحرش نحتاج إلى فهم أعمق لأصل المشكلة وأسباب تفشيها بهذا الشكل المريع، ومنذ فترة وأنا أريد أفتح نقاش جديد حول تلك القضية، ونفكر فيها بصوتٍ عالٍ بواقعية؛ علًنا نصيب من حلها شيئًا.

أعتقد أن ظاهرة التحرش ترجع إلى خلل في روافد تكوين الشخصية المصرية بالأساس، بمعنى أن المكونات الأساسية للإنسان المصري حدث بها تشوه أخرجت لنا هذه السلوكيات المشينة، وعبر التاريخ الإنساني كانت أهم تلك المكونات الدين والتعليم والفن؛ فالدين الذي يتعلم من خلاله الإنسان القيم والسلوكيات التي من خلالها تضبط إيقاع حياته، والمكون الثاني التعليم الذي يعتبر مقدار ما يتلقاه الإنسان من معارف وعلوم تزيد من تقويمه وإتساع أفقه، أما الفن؛ فهو كل عمل يسمو بالروح ويهذب النفس، وتلك المكونات التي إن صلحت؛ أخرجت لنا إنسان متحضر، وإن فسدت؛ أنتجت لنا مجتمع كالمجتمع المصري.

وأزعم أن في العقود الثلاثة الأخيرة حدث تدمير هائل في المكونات الثلاثة، خاصة أن ثمة إرتباط بينهم، فقد شهدت مصر بداية من نهاية السبعينات موجة مد سلفي غمرت المجتمع المصري بالتزامن مع تراجع دور الأزهر الشريف؛ حيث وصل نفوذ المد السلفي إلى عمق المجتمع، وبدأ يختزل قضايا المرأة في قضايا: الحجاب الشرعي، الإختلاط، سن الزواج وغيرها من القضايا التي صدرت للمجتمع المرأة كإنسان خلق لغاية ممارسة الجنس فقط، وهكذا تراجع دور الدين الوسطي الذي يعترف بالمرأة كإنسان له كل حقوق، لحساب تأويلات متشددة شوهت صورة المرأة في عقول الناس.

ويأتي التعليم بأهميته وثقله كأهم روافد تكوين الإنسان، ولنا أن نرى شعوب وأمم خرجت من غياهب الجهل والفقر والمرض إلى أفاق الحضارة والعلم والتقدم، ولنا في الملايو (العرق الأساسي المكون للشعب الماليزي 60% ويتبقى 40% ما بين هنود وصينيين) المثل الأهم، فقد تحولوا في ثلاثة عقود تقريبا من مجرد مزارعين فقراء إلى متعلمين يحققون لبلادهم معدلات عالية من التنمية والتقدم. ولست بحاجة للتحدث عن معالم إنهيار نظام التعليم المصري، ولكن يعنيني أن أستعرض أهم نتائج هذا التدمير، ألا وهو تدمير قيمة العلم والمعرفة وتحويل العملية التعليمية برمتها إلى مشروع إستثماري يهدف في النهاية للربح فقط!! وإذا غابت الرغبة في تحصيل العلم والمعارف عن أي مجتمع تفشت كل الأمراض التي تفتك به.

وعلى إعتبار أن الفن يسمو بالروح ويهذب النفس، فما بالك إن فسد الفن؟! فقد تحول الفن إلى مشروع إستثماري آخر كبير يبيع الجنس في معظم الأعمال الفنية تقريبا، ونرى تراجع كبير لدور المسرح لحساب سينما الجنس والمخدرات، تراجعت أيضًا الأغنية المصرية التي تعبر عن هويتنا وتراثنا، وظهرت أغاني مشوههة مغلفة بالإيحائات الجنسية الفجة.

فالمجتمع الآن أصبح نتاج الدين بتفسيراته المتشددة والتعليم بفساد نظامه والفن بتشوهه وإنهيار ذوقه، وهذه هي الروافد التي تبني الإنسان في مصر، فماذا تعتقد أن تنتج بتشددها وفسادها وإنهيارها؟! ماذا تتوقع أن تنتج غير مشهد إغتصاب شنيع في قلب ميدان التحرير؟! ولا أرى أبدًا أن القضاء على تلك المشاهد من حياتنا يكون عن طريق حملات شعبية ضد التحرش، الحل الواقعي في رأيي يكمن في بناء منظومة تعليم حديثة، ومراجعة وتصويب الخطاب الديني، ثم تقويم الفن بالفن الهادف الراقي، وحماية كل تلك الإجراءات وتدعيمها بحزمة تشريعات جديدة، هذا إن أردنا أن نقضي على التحرش لا أن نخفف آلامه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن