مبادرة القطاع الخاص..تنمية أم تبعية احتلال دائم؟؟

كمال هماش
kam.ib2000@gmail.com

2014 / 6 / 4

نشرت بعض وسائل الاعلام الجدية مؤخرا ما يسمى ( مبادرة القطاع الخاص..انمو والتوظيف)، وذلك استنادا الى دراسة اعدتها مؤسسة بورتلاند ترست للابحاث،هذه المؤسسة التي تأسست عام 2003 ( في اوج الهجمة على المنظمة والسلطة وحصار ابو عمار)،بهدف الترويج للسلام والاستقرار بين الفلسطينيين والاسرائيليين عن طريق التنمية الاقتصادية ،كما تختصر رؤيتها.
ولسنا هنا بصدد اسقاط وجهة نظر ابتدائية على هذه المبادرة ومن أعدها ، رغم وضوح المؤشرات الرئيسة في الحديث عن سلام اقتصادي وتخديم كافة قضايا الشأن الوطني لمصالح المستثمرين المحليين والدوليين تحت ذريعة التنمية ومحاربة البطالة.
ورغم استعراض الارقام والاحصاءات الخاصة بالاقتصاد الفلسطيني وسوق العمل والاحتفاء بدورها في تحفيز القائمين على المبادرة ، الا ان قراءة وتحليل هذه الارقام ليس بالضرورة ان تكون بدقة الارقام نفسها.
فاللجنة التنسيقية للمبادرة والتي ترى ان لا يقف القطاع الخاص مكتوف الايدي امام الجهد السياسي بل دعمه للمساهمة في التنمية المستدامة ، تغفل تماما دراسة اسباب انتكاس خطط وسياسات التنمية منذ نشوء السلطة،تلافيا للتعرض لمركزية دور سياسات الاحتلال السلبية.
و قد نوافق على ان الاصرار على امكانية السير في عملية تنموية تنجزها المبادرة ضمن فرضية واحدة لا ثاني لها وهي التوازي مع سياسات الاحتلال وتكريس التبعية الاقتصادية،مما يفرغ هذه المبادرة من اي مضمون يستهدف التاسيس للاستقلال الوطني فعليا ، وان اوهمت البعض كثرة التفاصيل عكس ذلك.
ان العنوان البراق للمبادرة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل ، يتجاهل التجربة الفلسطينية التي قامت خططها التنموية على سيناريوهين لم ولن يتغيرا، ويتمثلان في امكانية زوال الاحتلال واقامة الدولة المستقلة من جهة ، واستمرار الاحتلال وسياساته من جهة اخرى.
فالعنوان وتفاصيل الخطط المطروحة لتحقيق اهداف المبادرة، لا تخرج في مجموعها عن النمط المتبع في تقديم الوصفات الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) لمعظم الاقطار متردية الاقتصاديات ، ودون الاخذ بعين الاعتبار عدم سيادة الفلسطيني على ارضه ومصادره الاساسية لانشاء اقتصاده الخاص وبناء خياراته في السياسات بالحد الادنى من الحرية .
وبذلك فان هذه المبادرة افقدت نفسها القدرة على ابداع دور مميز للقطاع الخاص في قيادة المشروع الاقتصادي الوطني في مرحلة تحرر وطني مستعصية ،وبقيت تدور في فلك التصورات الحالمة لشرق اوسط جديد ، يكون فيه هذا القطاع تابعا طفيليا ومقدما للوجستيات وخدمات الترفيه للمستثمرين الدوليين وعلى رأسهم المستثمر الاسرائيلي،الى جانب الخضوع للمحددات التي يضعها الاحتلال لانجاح الاستثمارات .
وما من شك في اهمية الاقتصاد في صناعة الاستقرار والسلام في اقاليم العالم المختلفة والمتصارعة منها ، هذ لأن الصراعات ذاتها قائمة على تناقض المصالح الاقتصادية وتحالفاتها .
اما في الحالة الفلسطينية فان خليطا من العنصرية الدينية والعرقية معززة باحتلال استيطاني لشعب منكوب، هي ما يميز الصراع، مما يجعل من العصي على الاقتصاد خدمة السياسة في الشق الفلسطيني للقضية، في وقت تميل فيه موازين القوى لصالح فرض سياسات ذليلة على الفلسطيني خادمة لسياسة واقتصاد الاحتلال.
لهذا فان المبادرة تمثل استكمالا سياسيا لاعلان اوسلو واقتصاديا لاتفاقية باريس، وان استمرت المفاوضات الى ما لا نهاية في ظل خطاب سياسي فلسطيني ،يطمئن الاسرائيليين يوميا بان النضال الفلسطيني لن يتجاوز الانشطة السلمية ،والبقاء تحت الحد الادنى لعنف مظاهرات الاسرائيليين ضد حكومتهم.
وبحكم عدم الاختصاص في مجال الاقتصاد الصرف، فانني لن اخوض في مصفوفة الخطة الاستراتيجية لمضمون المبادرة وانشطتها، الا ان هذا (الجهل بالاقتصاد والاستثمار)لا يمنعني من ملاحظة ان المبادرة لم تتجاهل واقع الاحتلال فقط وانما همشت المجتمع الفلسطيني لصالح نزعة اقتصادوية لرجال المال .
معتبرة ان الانتظار حتى عام 2030 لتخفيض نسبة البطالة الى 8% انجاز كبير في حين انه تأبيد للاحتلال والتبعية، وفي هذه الحالة فانه يمكن للمبادرة التوصل لنسبة البطالة هذه باستسلام سياسي غير مشروط للاحتلال مقابل استيعاب العمال الفلسطينيين واختصار الجهد الاستثنائى لجلب المستثمرين لبيت لحم واريحا.
وقد يعتبر بعض رواد المبادرة وموظفيهم من القطاع الخاص ان هذا الكلام تسطيح وتسخيف لتوجهات القطاع الخاص، الذي بات يقرر في الشأن الوطني اكثر من منظمة التحرير، الا انه حيال هذا القول يمكن الاجابة بان لاحاجة لتسخيف او تسطيح ما هو سخيف وسطحي في المنظور السياسي والتنموي.
واخيرا وفي مقابل دراسة مؤسسة بورتلاند ترست، فان دراسة اعدها مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت عام 2012 من قبل الباحثة نيثيا ناغارجان تحت عنوان – التنمية في ظل الاستعمار- جديرة بان تمثل دليلا سياساتيا وطنيا وانعتاقيا ،لدعاة التنمية الاقتصادية بأي ثمن والتي تتحول بالضرورة الى تنمية رؤوس اموالهم واضافة احتكارات جديدة وهيمنة على مقدرات الحياة لابناء الشعب الفلسطيني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن