الحكومة القادمة..شراكة الأقوياء

محمد الحسن
mohammed.alhassan55@yahoo.com

2014 / 5 / 5

الحديث المرافق للحملة الإنتخابية تضمن الكثير من اللغط, سيما إنّ المتحدثين بشكل الحكومة لم ينتظروا النتائج لمعرفة إتجاه البوصلة؛ فمن أصر على "حكومة أغلبية" لم يكن راغباً بها فعلياً بقدر ما تمثّل له دعاية إنتخابية تحاول إلغاء علامات الإستفهام المذيّلة للإداء الحكومي..!
الأغلبية السياسية تعني حصول أحد الكتلة المشاركة بالإنتخابات على أكثر من (165) مقعد نيابي؛ مادون هذا الرقم فالأمر لا يعتد به..لم تكن التوقعات ترجّح أو تضع خيار حصول أي كتلة على ذلك العدد في الحسبان؛ فالوضع واضح جداً؛ ساحة شيعية كل مقاعدها لا تتجاوز (170) متوزعة بين ثلاثةِ قوى رئيسية غير متفقة على شكل الحكومة أو رئيسها المقبل. من هنا, فشكل حكومة الأغلبية وفق المفهوم السياسي لا يمكن تحققه بوصفه الدقيق؛ أي تحالف يحصل بعد إعلان النتائج سيعطي للحكومة أسماً آخراً..الأمر الواقع عقّد المسألة كثيراً؛ فحسابات الأرقام لا تمّكن أي فريق راغب بالأغلبية من التحدث بقدرة وثقة. دولة القانون تضيف لخسارتها السابقة (مجالس المحافظات) خسارة جديدة, إذ رجحت التوقعات حصولهم على ثمانين مقعداً في أحسن الأحوال؛ فيما تشير النتائج الأولية إلى قوة منافسة صعدت وأكدّت صعودها في هذه الإنتخابات, إضافة إلى أمتلاكها عامل قوة جديد وهو العلاقات الجيدة على المستوى الوطني..هذه المعطيات تزيد من الوضع غموضاً, فليس من السهل أن يتنازل السيد المالكي عن موقع رئاسة الوزراء, كما إنه من العسير جداً وصوله للموقع بصورة طبيعية وفق حصوله على مقاعد كردية أو سنية مؤهلة..
لا ريب إنّ العملية شائكة؛ بيد إنها قابلة للتحليل والتفكيك عبر قراءة الرسائل المباشرة وغير المباشرة والتحركات التي تقوم بها القوى السياسية..أول تلك القوى المتحركة, هي أقواها, بعض القوى فضلت الصمت المعبر عن حالة من الترقب أو الإحباط..الشيء المهم, هو إن الخريطة السياسة ستشهد تغييراً منظوراً وفق الإستحاق الإنتخابي الحالي..
قبل أكثر من عام, وتحديداً قبيل إنتخابات مجالس المحافظات السابقة, كتبت (إن أي حكومة عراقية مقبلة سيكون لكتلة المواطن فيها دور كبير).. هذا القول يستند إلى معطيات كثيرة في الساحة السياسية, أهمها الصعود الذي حظيت به هذه الكتلة والذي يجعلها القائمة الوحيدة المضاعفة لمقاعدها؛ فيما يتراجع الآخرون. المعطى الثاني هو إن كتلة المواطن, أستأثرت بصفة مهمة جداً, ذلك بكونها الوحيدة التي مارست دور المادة الرابطة بين جميع القوى السياسية؛ ولكون الحكومة المنتهية الولاية لم تمثّل بها الكتلة, بدت أكثر تفككاً من سابقاتها, فضلاً عن الدور المحوري الذي لعبته زعامة المجلس الأعلى في التقريب بين الفرقاء؛ فصار إستبعاد كتلة الحكيم من الخطوط الحمراء عند غالبية المشتركين بالعملية السياسية, ذلك إنهم يرون بها ضماناً لتحقيق الإلتزامات وتبنيها لدعوات الحوار ونبذ التطرف السياسي والخلاف القائم على أسس طائفية وقومية شعاراتية؛ من هنا جاءت دعوات التغيير منسجمة مع جميع الإرادات الباحثة عن تحريك الراكد في العملية السياسية وتداعياتها الأمنية والإقتصادية والخدمية..
أربعة أسابيع سابقة للإنتخابات والمرجعية تطالب علناً بالتغيير, وما أن أنتهت الإنتخابات, في صبيحة اليوم التالي يتجه الحكيم إلى النجف ويلتقي بجميع المراجع؛ يوم جمعة, وذكرى الأول من رجب يوم الشهيد العراقي..في كربلاء ممثل المرجع الأعلى يأمل بأن النتائج ستغيّر الوضع؛ بينما يتجه الممثل الآخر للمرجع الأعلى ليجلس في القاعة التي يخطب بها الحكيم!..لم يعد هناك ما هو مبهم, أتضحت الصورة, فالنجف بثقلها الديني لا تريد التجديد ومصرّة على التغيير..رسالة فهمها الجميع, ويبدو إنها جاءت كرد على الرسالة التي أطلقها السيد رئيس الوزراء عشية الإنتخابات بقوله "إذا لم يتم أختياري كرئيس وزراء سأكون مضطراً لترك المنصب"..يبدو إن التغيير لا يشمل شخص الرئيس؛ إنما قائمته أيضاً, وهذه المرة بإصرار كبير..لم يطلق السيد المالكي كلمته تلك إلا لكونه متيقناً بإن ترجيح حكومة الإغلبية والإصرار عليها يعني إن كتلة دولة القانون ستكون في المعارضة كونها تمثل أقلية في المجلس القادم..
السيد المالكي ذلك الخطيب الذي لم يدع مناسبة إلا وأمطر خصومه وأصدقائه على حدٍ سواء بوابل من كلماته المتهمة إياهم بالتعطيل؛ هذه المرة يبدو أكثر أتزاناً وعقلانية؛ يتحدث بقبوله للجميع, ويمدّ يده للجميع دون إستثناء, سنة, شيعة, عرباً, وأكراداً..بالتأكيد لم يدع الأمور تسير بذات السلاسة المهيأة وفق النتائج الأولية, والتي تشير إلى سهولة إستبداله وقطع الطريق على كتلته..أنباء مسرّبة تشير إلى إن طائرة السيد الرئيس أقلعت يوم السبت, متجهة صوب الجمهورية الإسلامية؛ قد يكون تبدلاً في الموقف الإيراني الداعم للولاية الثالثة, لذا فإن ذهاب السيد المالكي بغية كسب الدعم لا تجديده!..
هل الإيرانيون بحالة تسمح لهم في الدخول بتفاصيل الوضع العراقي وقواه السياسية الكثيرة والمصرّة على رفض تولي المالكي؟! ما مدى إستجابة القوى السياسية الرافضة لولاية ثالثة لإي دعم إيراني محتمل؟!
لا تبدو هناك إجابة واضحة حول السؤال الأول؛ فالموضوع يتعلق بعلاقة إيران مع الشخص البديل والوضع الداخلي الإيراني, إضافة إلى النظرة الإيرانية للإداء الحكومي طيلة الفترة السابقة سيما عدم قدرة الحكومة على الإحتواء وتقليص فجوة الخلافات على مستوى التحالف الشيعي من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة أخرى..
في كل الأحوال تبقى المعادلة خاضعة لعاملين مهمين, الجغرافية والحساب..فأي حكومة لا تمثل الجغرافية العراقية لن تولد إطلاقاً, فيما إن هذا الطرف المهم يتحقق حسابياً في ظل محور جديد قد يتشكل قريباً أهم أطرافه (الحكيم, الصدر, البارزاني, النجيفي, علاوي) ليحل أسم الحكيم بديلاً عن أسم المالكي في محور أربيل 2010 (المالكي, الصدر, النجيفي, علاوي, بارزاني)..
غير هذه المعادلة, هنا معادلة ممكنة رغم صعوبتها؛ بإن يدخل التحالف الوطني بكامل قواه في حكومة لا يرأسها السيد المالكي, أو أن يدخل السيد المالكي كرأس لحكومة متنازلة ومقيّدة بمواثيق مرهقة, وهذه نتيجتها لن تختلف عن الدورة السابقة من حيث رداءة الإداء والأزمات الخانقة والتراجع الأمني.
يبقى الخيار الوطني المجرد من أي مؤثرات خارجية مرجحاً حكومة أغلبية ممثلة للجميع؛ بمعنى توليفة حكومية جديدة تضم الأطراف الفائزة والمقبولة على المستوى الوطني, تقابلها توليفة برلمانية معارضة يقودها السيد رئيس الوزراء الحالي..!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن