بين الأمير المنبوذ و سخافة الصحافة تضيع حرية الرأي... وتضيع معها حرية التعبير

ابراهيم حمي
brahim.himmi@gmail.com

2014 / 5 / 4

هشام العلوي أو الأمير مولاي هشام أو الأمير الأحمر، كما تسميه الصحافة الأجنبية، والغريب في الأمر أن هذا الرجل أسال مداد كثير هذه الأيام بين من يدافعون عنه وعن آرائه وبين من يهاجمونه و يعتبرونه شخصا شاذا عن القاعدة الملتصقة بأذهان بعض الذين لا زالوا يقدسون الأسر الحاكمة، وفي هذا الإطار يعتبرون هشام خارج المحيط الذي ينحدر منه، أي المؤسسة الملكية أو الأسرة الملكية كأوضح تعبير، والحقيقة أن لكل هذا اللغط الصحافي والإعلامي جوانب أخرى خفية،، تصب في جوهر حرية التعبير وكيفية تدبير الاختلاف في إطار التدبير الديمقراطي بالمغرب. لهذا تظهر أن المسألة لا زالت تحتاج لتحديد معنى الاختلاف، ويتضح هنا ماذا صعوبة أن تكون مختلفا في آرائك ولك شخصية وأفكار مستقلة عن محيطك. وبغض النظر عن كوننا نختلف أو نتفق مع هذا الرجل في تصوره للأشياء، ونعتبر ذلك يدخل في إطار حقوقه الفردية والشخصية كأيها الناس من حقه أن يكتب ما يشاء ويفكر كما يريد، ونتعامل مع إنتاجه الفكري بمعايير ومقاييس لا علاقة لها بصفته الاعتبارية التي يريده البعض أن يسجنه داخلها، رغم أن الرجل اختار لنفسه صفة أخرى منذ مدة. لقد اختار هشام العلوي أن يظهر للناس كمثقف وليس كأمير، ومن هذه الزاوية كان يجب التعامل معه والتعاطي مع كل إنتاجاته الفكرية، و على هذا الأساس كان يجب مناقشته وحتى انتقاده، وليس كأمير عاق ومتمرد وخارج عن تقاليد وضوابط الأسرة الملكية. فهذا أمر يخصه ويدخل في اختياره وحقه الشخصي. ولكن ذهنية المغاربة أو على الأقل أغلبيتهم، ومن ضمنها أيضا الصحافة، لديهم صعوبة في تقبل الاختلاف مع المحيط، كما أن ثقافة الاختلاف بعيدة عن منطق التفكير في المجتمع المغربي، وهذا النمط الرافض للاختلاف هو المسيطر حتى في ذهنية النخبة للأسف الشديد، وضمن هذه النخبة الصحافة، التي لا زالت تحمل رواسب وأنماط سلوكية تسعى لتكريس الخطوط الحمراء في أذهان المواطنين عموما، وفي المجال الصحافي بالخصوص. وهذا الجانب يتعلق أيضا بنوعية الصحافة المتواجدة عندنا بالمغرب، طبعا لا ننكر أن هناك صحافيين مقتدرين ومحترمين و ملتزمين بقواعد المهنة وحرصيين على الأمانة والرسالة الإعلامية ودورها التنويري للرأي العام، وهؤلاء يحترمهم الجميع ما داموا يحترمون دورهم ومهنتهم ورسالتهم الإعلامية الجادة والهادفة أيضا.
ولكن هناك نوعية أخرى من الصحافة تبحث دوما عن القضايا المثيرة للجدل حتى ولو كان هذا الجدل تافها ومغلوطا في سياقه، ولا تتوفر فيه الشروط والأمانة الصحفية المفروضة في كل مادة إعلامية، تتوخى إحاطة الرأي العام بكل جوانب القضية وتنويره دون الزج بالذات الصحافية كطرف في القضية، وهذا ما حصل بالضبط حول كتاب الأمير المنبوذ، الذي كشف عن الارتزاق الصحافي الموالي لهذا الطرف أو ذاك، لأن الصراع هنا عائلي ويخص الأسرة الملكية، بالضبط بين هشام وإبن عمه الذي هو الملك.
إذن الأسماء التي يتم تداولها في هذه القضية العائلية، حشروا أنفسهم فيها من باب الارتزاق ليس إلا ومن باب نصرة طرف على طرف أخر، وهذا هو التفسير السليم والواقعي منذ أن ظهر الصراع أولا مرة وقبل صدور هذا الكتاب الذي فضح فعلا أغلبية المنبوذين من الصحافة، والذين حشروا أنفسهم بين الطرفين المتصارعين، أو بأدق تعبير بين هشام وأسرته، وإلى حدود هذا الصراع الغير الواضح بشكل جلي وملامحه الغامضة، وتحيطه العديد من الأسرار و التحفظات، وهذا أيضا شيء طبيعي لأن الأمر يتعلق بأسرة ملكية، من الصعب جدا على أين كان أن تتوفر عنده كامل المعطيات وحتى إن توفرت لدى البعض فمن المستحيل الإدلاء بها أو تسريبها في الوقت الحالي لأسباب معروفة ولا جدوى من ذكرها هنا، وما يهمنا هنا فقط هو حق الاختلاف، وما هي درجة احترام المختلف معك في الرأي، كيف ما كان وزنه أو عرقه أو دينه أو ثقافته أو منصبه.
وبناء عليه، على الذين يتحاملون ويهاجمون وينتقدون الأن هشام العلوي، بعدما كانوا في صفه ودافعوا عن آرائه ومواقفه، أن يتحلوا بشيء من الموضوعية وحتى الأمانة التي تقتضيها مهنتهم ورسالتهم الإعلامية بكل استقلالية تفرضها مزاولة الصحافة، وأيضاً حفاظا على المصداقية لمستقبلهم المهني، وخدمة للحقيقة المطلوبة ولا شيء أخر غير هذا.
وفي السياق نفسه، وأيضاً في إطار التعامل مع هشام العلوي وكتابه، كان من المفروض أن تجادله وتنتقده الصحافة من منطلق عادي جدا كأي إنتاج فكري أخر، لأن صاحب الشأن اختار أن يكون مثقفا و صاحب رأي، وفي اعتقادي أن هذا من حقه ويجب التعامل معه على هذا الأساس دون استحضار أية خلفية أخرى قد تعطي للمسألة بعدا أخر، وقد تأول الأشياء إلى عكسها تماما وتضيع الحقائق في سياقات التأويل والتأويل المضاد، ويسقط الكل في تضليل للرأي العام، وهذا يتنافى ودور الصحافة الحرة والمهنية الجادة والهادفة للرقي والسمو بمهمة المتاعب لتكون سلطة رابعة بجدارة، وأيضاً جديرة بالثقة والمصداقية التي نتمنى أن تكون عليها الصحافة الوطنية.
أما وقد انزلقت بعض المنابر الإعلامية إلى إصدار أحكام ومواقف من الكتاب المذكور، فهذا يبعد الصحافة عن النزاهة و الاستقامة و الاستقلالية المفروض أن تكون عليها حتى تنسجم ومطالب النخبة الوطنية وكافة القوى الحية المتواجدة في الساحة.
ومن الناحية الأخرى أن بعض الصحافيين حشروا أنفسهم وسط دائرة الصراع بين هشام و أسرته إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يؤكد عملية الارتزاق الصحفي و التخندق لخدمة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أيضا لا يليق بالصحافة الحرة فعلا، لأن ما كتبه هشام بالرغم انه يتناول بعض النواذر والطرائف للملك الراحل إلا أن ذلك يعتبر شأنا أسريا وعائليا ما دام الذي كتب ونشر ذلك هو عضو من الأسرة الملكية، وله المسؤولية الكاملة على ذلك وهو أيضا بكامل وعيه بها، وهنا تطرح ملاحظات من ضمنها أن الذين هاجموا وانتقدوه لم يحددوا بالضبط أي هشام يقصدون بإنتقادهم، هل هشام الكاتب؟أم هشام الأمير؟ لأن هناك فرق شاسع بين هشام وهشام، فإن كان قصدهم هو هشام الكاتب فإن الانتقاد لابد أن يستوفي لشروط النقد وحدوه، بمعنى أن الكاتب إنسان له كافة الضمانات والحقوق ليكتب ما يشاء وعلى الجهة المتضررة حق الرد أو اللجوء للقضاء وكفى، وعلى الصحافة أن تلتزم الحياد.
أما إن كان القصد هو الأمير فهذا شيئا أخر، وعلى من انتقد الأمير أن يكون على علم أن هشام لم يهدر دمه بعد، و لم تعلن المؤسسة الملكية أنها تبرأت منه ليصبح منبوذا و قابلا لضربات الصحافة و التعامل معه كابن عاق وخارج عن القانون. فعلى هذه الصحافة أن تعلم أن هشام العلوي لا زال يتمتع بكل الصفات الاعتبارية و حتى المادية و القانونية التي يتمتع بها كل أمير ينتمي للأسرة الملكية. إذن على هذه الصحافة أن تحاكم حسب القوانين و الدستور المغربي، وحتى حسب قناعة هؤلاء الصحافيين الذين يتملقون للأسرة الملكية و للملك بالذات. و لهذا فعندما يفقد الصحافي مبادئه و دوره التنويري في حمل رسالته بأمانة و إخلاص يسقط في المستنقع و يتيه مع الرياح و يميل حيث تميل، و هذا ما وقع بالضيط مع بعض الصحافيين الذين تملقوا لهشام و تنكروا له فيما بع،. و الأسباب واحدة للعيان و لا تحتاج لأي ذكاء خارق لتفسيرها.
إذن فعلى الصحافة أن تحدد ماذا تنتقد؟ و على من تتحامل؟ على هشام الأمير أم على هشام المثقف؟. وفي كلا الحالتين فان ما ينقص الصحافة او بعض الصحافيين هو التشبع بالديمقراطية و بجوهر الحرية التي هي الأساس و هي المبتدأ و الخبر في بنود الميثاق الصحافي عالميا و محليا. فعلى الصحافي أن لا ينحاز الا للحرية و حرية التعبير بالخصوص. و تسعى أيضا لترسيخ وحدة الاختلاف لتتمكن ان تتبوأ فعلا عرش السلطة الرابعة، لا أن تكون تابعة للرموز النافذة في الدولة و تسقط في السخافات الصحافية، و تحتقر بفعلها هذا ذكاء الرأي العام و ذكاء المواطنين، و هي لا تحتقر الا نفسها. إنما كتبه الأمير في كتابه هي قناعة تخصه و على الصحافة ان تتعامل معه على هذا الأساس لا ان تكون مدافعة عن جهة معينة دون طلب منها. و لا سيما أن ما نشره هشام بعض منه اصبح في حكم التاريخ و يعلم به العديد من المغاربة قد يكون حقيقة و قد يكون حقيقة مبالغ فيها، و على اية حال فانه مسؤول عما يكتب و له الحق ان يكتب ما يشاء فلا يجب ان نميز كتابه عن كل كل ما يكتب لا لشيء الا لكونه أمير او لكونه اميرا منبوذا من طرف اسرته، و حتى هذه الصفة الأخيرة لا يحق لأي كان ان يتدخل فيها لانها تهم قناعات و اختيارات هشام ، و هذا من حقه التي تضمنه كل المواثيق الدولية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن