صورة المرأة فى مسرح توفيق الحكيم بين الرجعية والتحضر

ابراهيم حجاج
ledol30@yahoo.com

2014 / 4 / 21

إن النظرة الدونية للمرأة المصرية والعربية خاصة فى نهايات القرن التاسع عشر ، تعد جزءا أساسيا من المورث التاريخي نتيجة الجهل والأمية وانعدام الوعي الثقافي، حيث تعتبر الثقافة التقليدية الريفية هى الثقافة السائدة فى مصر من حيث النظرة إلى دور المرأة،. فالذكر دائما ما يمثل “القوة والسطوة والسيادة”، أما الأنثى فهى المخلوق الأضعف الذى ينحصر دوره فى الخضوع والطاعة والاستسلام لسطوة الرجل. وتسود هذه النظرة الريفية فى المدن والريف على السواء، وفى بدايات القرن العشرين رد إلى المرأة العربية جزء من اعتبارها وأخذت كغيرها من نساء العالم المتمدن بعض من حقوقها، مع دوى صوت قاسم أمين وهدى شعراوى بالنداء لتحرير المرأة ، حيث صدر كتاب قاسم أمين: تحرير المرأة ، عام 1899م، بدعم من محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. ويتناول فيه حجاب المرأة فيؤكد أنه ليس من الإسلام فى شىء، وأن الدعوة إلى ازالته ليست خروجاً على الدين وقد قوبل الكتاب بهجوم عنيف ، لذا نشر قاسم امين كتابه الثانى "المرأة الجديدة"، عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول. وفيه ساق أدلة عقلية وشرعية لدمغ المعارضين ودحض أفكارهم البالية. فقد كان يرى "أن تربية العقل والأخلاق تصون المرأة ولا يصونها الجهل. بل هي الوسيلة العظمى لأن يكون في الأمة نساء يعرفن قيمة الشرف وطرق المحافظة عليه. وأن من يعتمد على جهل امرأته مثله كمثل أعمى يقود أعمى مصيرهما أن يترديا في أول حفرة تصادفهما في الطريق".

ومن الطبيعى أن يرفض هذه الاراء أصحاب الاتجاه المحافظ ومنهم واحدا من أعلام الأدب والثقافة والتنوير الذى وقف كحجر عثرة أمام هذه الدعاوى التنويرية وأقصد هنا الكاتب الكبير توفيق الحكيم الذى خص المرأة الشرقية بجزء كبير من إنتاجه الأدبي. والغريب أن هذا الإنسان الحقوقي والذى يعد من القلائل الحائزين على الشهادة الأكاديمية من فرنسا في ثلاثينيات القرن الماضي، يتخذ هذا الموقف المعادي ضد المرأة والذى عبر عنه في العديد من كتاباته وإبداعاته الفكرية.
فبالرغم من أن المرأة نصف المجتمع، وتخوض في جميع المجالات العلمية والفكرية، لكنها فى نظره لاتضاهي الرجل فكرياً في إبداعه وثقافته، فجوهر إبداعها يعكس ضوء الإبداع الذكوري، فهي لاتمتلك مطلقاً موهبة الإبداع الفكري. وفى هذا الصدد يقول" المرأة مثل القمر لاتشع ضوءاً من داخل نفسها، بل تعكس الضوء الأتي إليها من شمس عقل الرجل". كما أن "توفيق الحكيم" قد أسقط عن المرأة قيمتها ودورها الاجتماعى، واسقط عنها الكينونة الإنسانية حين وصفها بأنها مخلوق تافه، وعبر عن ذلك قائلاً:"أن المرأة مخلوق تافه، صنعت من ضلع تافه من أضلاع أدم وخرجت من الجنة وأخرجته بسبب تافه". كما ألصق الحكيم بالمرأة العديد من السلوكيات القبيحة ومنها على وجه التحديد الخداع!. ملخصاً رؤيته بقوله:"منذ فجر التاريخ والمرأة تتنزين أي تخدع، ولقد عرف الطلاء على وجه المرأة قبل أن يعرف على جدران الهياكل".
ويتمادى أكثر في معاداته للمرأة، فيجد أن الخداع فيها طبع متأصل لايمكن أن تتخلى عنه أبداً. فمسعاها في الحياة يقتصر على خداع الآخرين، وإن لم تجد أحداً تخدعه فإنها تخدع نفسها.
وقد انعكست آراء الحكيم على أعماله المسرحية ومن أهم النصوص التى تصدت لفكر "قاسم أمين" التحررى مسرحية " المرأة الجديدة" التى جاءت ردا على كتاب "قاسم أمين"، الذى يحمل نفس الاسم وفيها يعكس صورة المرأة الشرقية التي أخذت بمظاهر التطور واندفعت تقلد المرأة الغربية التي تحررت قبلها فجعلت منها مثلها الأعلى. فالمسرحية تصور الأفكار الجريئة التي تعتمل في صدور بعض المتعلمات والصراع القائم بين حرية مطلقة يتطلعن إليها وعادات وتقاليد اجتماعية ما تزال تحكم المجتمع الذى يعشن فيه.
تبدأ المسرحية بشخصية البطلة التي تجد اهتمامات التعليم و العمل و الصداقة أهم من فكرة الزواج ، فيخاف عليها والدها ، من أن تأخذها الطموحات عن فكرة الزواج ، فحاول وضع شاب في طريقها كي تُعجب به ، على أنَّه شريك لها في عملها الحر ، فأحبَّها الشاب بصدق و حاول أن يُفاتحها في مسألة الحب و الارتباط بعدما أعجبتها عقليته . لكنَّها ردَّت عليه بجملة سيذكرها التاريخ ل ( توفيق الحكيم) " أصحاب و بس!)" كما قدم "الحكيم " فى هذه المسرحية صورة لصنف المستهترات من النساء اللاتي لا يعرفن من الحياة إلا ملذاتها فيتهالكن على اقتناصها فى اعتقادهن أن عنوان التقدم هو الجري وراء الشهوات المادية والأخذ بأكبر قسط منها، كما قدم الخيانة الزوجية المستترة تحت شعار الحرية فقد كان يخشى من الفهم الخاطىء للحرية ، واستباحة المحرمات باسمها. إذ يعيب توفيق الحكيم سلوك هذه الأصناف من النساء اللاتي لم يعرفن من المدنية والتحرر إلا بريقهما وزيفهما واستمر الحكيم فى مهاجمته للمرأة فعارض خروجها للعمل فى مسرحيته "النائبة المحترمة" التى أهملت بيتها وزوجها وطفلها الصغير المريض وتنشغل كلية بعملها كنائبة فى البرلمان مما يفقدها إبنها الوحيد الذى يموت نتيجة الاهمال فى علاجه . أما فى مسرحية "بيجامليون" فيعرض فكرة المرأة التى يصنعها الرجل فتهجره حبا لرجل آخر والمسرحية مأخوذة عن إحدى الأساطير اليونانية التى تتناول قصة (بجماليون) النحات البارع الذى صنع تمثالا لامرأة بارعة الحسن والجمال ، فهام به ، فابتهل إلى( افروديت) إلهة الحب أن تهبه امرأة في جمال هذا التمثال ؛ ليتزوجها فاستجابت( افروديت )لابتهاله و رأت أن تقدم له هدية أفضل مما طلب ، بأن تبث الروح في تمثاله وتبعث فيه الحياة ، وهكذا تزوج النحات الملك المرأة التمثال و اسمها( جالاتيا) لكن الزوجة عندما تحولت الى فتاه ورأت ما هى عليه من جمال رائع سرعان ما تحولت إلى امرأة مفتونة بجمالها يملأها الغرور والأنانية فتتركه لتهرب مع شاب وسيم. فعاد إلى( افروديت) يعبر لها عن ندمه و يرجوها أن تنسل الروح منها فاستجابت( افروديت) ثانية إلى طلبه ، فأعادتها تمثالا كما كانت ، فما كان من النحات إلا أن حطم التمثال كراهية للمرأة التي عايشته .
لقب عدو المرأة هو اللقب الذى لازم الأديب المصري الراحل توفيق الحكيم، والأمر الذي نسلم به أن فكرة عداوة توفيق الحكيم للمرأة لم تولد من فراغ. لذا كان لابد من محاولة الوصول إلى ما وراء ذلك العداء القديم للمرأة. يرى البعض أن السبب فى عداوة "الحكيم" للمرأة انما يكمن فى تجاربه العاطفية الفاشلة ففي أواخر دراسته الثانية من تعليمه الثانوي عرف الحكيم معنى الحب فكان له أكبر الأثر في حياته. وقصة هذا الحب أنه أحب فتاة من سنه كانت ابنة أحد الجيران، أنها أحبت شخصاً آخر غيره وكانت تستعين به لاشعال نار الغيرة فى قلب من تحبه. وكانت لهذه الصدمة وقعها في نفس الحكيم، الذي خرج بصورة غير طيبة عن المرأة من خلال هذه التجربة الفاشلة

ومع ما أشيع عن توفيق الحكيم من عداوته للمرأة فإن كتاباته شهدت فى فترة معينة بعكس ذلك تمامًا فقد حظيت المرأة بنصيب وافر في أدب توفيق الحكيم،‮-;- ‬-;-وتحدث عنها بكثير من الإجلال والاحترام الذي‮-;- ‬-;-يقترب من التقديس‮-;-، خاصة انتاجه الأدبى بعد عام 1946 وهو العام الذى تزوج فيه الحكيم حتى قيل أن لزوجته الفضل الأكبر فى تغيير رأيه عن المرأة ، وتوقفه عن الهجوم عليها خاصة بعد أن أثبتت تجربة تحرير المرأة نجاحها، فقد صرَّح الكاتب ( توفيق الحكيم) في مقدمة الطبعة الثانية لمسرحية "المرأة الجديدة" عام 1956م بأنَّ تخوفه من تحرير المرأة وقت كتابة المسرحية أثبت عدم صحته. فقد .احتلت المرأة فى مسرح "توفيق الحكيم" فى هذه الفترة مكانة مرموقة عالية حيث كرمت وأعطيت حقها من التقدير والاحترام، ولم يعد ينظر إليها على أنها متاع مملوك للرجل، تأكل وتشرب وتنجب وكفى، بل أصبحت محترمة، خلافا لما كان سائدا.

فعلى سبيل المثال تناول الحكيم فى مسرحية "الصفقة" ، قصة الفلاح المصرى ومعانته من الإقطاع وعذابه في سبيل الحصول على قطعة أرض يمتلكها، فنعرف من خلال المسرحيه ان الأرض التي كان يعمل فيها الفلاحون قد عرضت للبيع ويجمع أهالى القرية كل ما يملكونه من مال فى سبيل الحصول على هذه الصفقه التى يريدها حامد بك الاقطاعى الكبير ويعجب " حامد بك " بــ "مبروكه" ابنة الفلاح البسيط " عوضين" وخطيبة " محروس" ويساومهم اما ان تذهب الفتاة معه البيت لرعاية ابنه وإما ان يذهب ويفاوض الشركة علي الأرض ، ويقع الفلاحين الفقراء في مشكله معقدة .. فالمساومة هنا بين أمل حياتهم وعرضهم ويدب اليأس في نفوس الفلاحين إلا ان " مبروكة " تنقذ الموقف وتطلب من أبيها ان تذهب ولا داعي ان يقلق عليها فهي واعيه وتعرف كيف تصون نفسها وصدقت الفتاة الذكيه في كلمتها فقد استطاعت ان تخرج سالمة آمنه من بيت "حامد بيك" بعد يومين فقط ودون ان تدع للرجل مجالًا للخروج من بيته وبذلك أضاعت منه الصفقة ، حيث ادعت مرضها بداء الكوليرا فطردها "حامد بك" وأحاطت قوة الشرطة منزله مانعة اي شخص من الدخول او الخروج حفاظًا علي سلامة أهل البيت ..وتنتهي المسرحية بنجاح الصفقة لصالح الفلاحين بفضل ذكاء مبروكة وحسن تصرفها وكأنه يريد أن يقول: لا سبيل لتقدم الريف الا بتقدم المرأة ونهوضها بمسئولياتها كسيدة لا جارية.

ويعطى د "أحمد صقر" نماذج من صورة المرأة فى مسرحيات الحكيم فمن خلال نصه "شهرزاد" جعل لها الحق فى القيام بالخطوة الأولى المتمثلة فى مبادرتها من أجل تغيير حال شهريار، ويتحقق هذا لـ"شهرزاد" التى رفضت ما كان يقوم به "شهريار" تجاه النساء ونجحت فى أن تصرفه عن حبه وعشقه لسفك الدماء وتحول إلى طلب المعرفة والعلم، كذلك شخصية الغانية فى مسرحية "السلطان الحائر" تنجح فى إعطاء "السلطان" و"القاضى" بل الجميع درسا فى إصرارها على أن يصححوا نظرتهم إليها كامرأة ساقطة تسعى من أجل المال واللذة، وتعطيهم درسا في التمسك بالقيم والقانون والابتعاد عن القوة" إن "الحكيم" هنا ينجح فى أن يجعل الغانية قادرة على إبداء الرأى، بل وتغيير ما حولها، فهى لم تعد المرأة التقليدية، بل أصبح لها الحق فى المشاركة وإبداء الرأى فى كثير من الأمور مما يجعلها قوة محركة دافعة لتسيير عجلة الأمور.
ومما سبق نخلص إلى أن المرأة في مسرح توفيق الحكيم قد ظهرت على صورتين متناقضتين. كان في أولاهما معادياً لها، بينما كان في الأخرى مناصراً ومتعاطفاً معها.وذلك نتيجة لتجارب الكاتب الذاتية وكذلك تغير النظرة المجتمعية الإصلاحية للمرأة التى تتجاوز النظرة السائدة، وتعطى المرأة بعض الحقوق، والتى ترى أن مشكلة المرأة هى مشكلة المجتمع بأسره، فالمرأة هى الأم والأخت والزوجة والابنة، وبالارقام تمثل الآن أكثر من نصف المجتمع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن