حذار من المبالغة بشعار (التغيير) !*

محمد ناجي
muhammednaji@yahoo.com

2014 / 4 / 10

منذ أسابيع ونغمة (التغيير) ملء السمع والبصر أيضا ، حتى أصبحت ، مع قرب موعد الانتخابات لمجلس النواب في 30 نيسان/أبريل ، أكثر كلمة ترددها الألسن في العراق . ومن خلال متابعة لعدد من القوائم والمرشحين ، وما ينشر هنا وهناك ، نرى بأن هذه النغمة ليست واحدة ، بل هي نغمات فيها ( كل يغني على ليلاه ) ، ومنها السلطة والنفوذ والمال والامتيازات المادية والاجتماعية والترفيهية ، وقلة أقل من القليلة همها المواطن والوطن . وفي متاهة التغيير المنشود أصبح المواطن/الناخب أكثر حيرة وضياع ، ولا يصدق ما يدور حوله ، حين يسمع الجميع يرددون : موطني ... موطني ... وترشيحهم تكليف شرعي ، وفيهم من يوزعه مع وجبة الدجاج المشوي ، وآخر يقسم بالله العظيم أن ترشيحه جاء بأمر من رسول الله (ص) . لهذا ولغيره نجد أن الابتذال لشعار (التغيير) ورفعه حتى من قبل الفاسدين فيه تشويش وخلط للأوراق ، وستكون له لاحقا نتائج سلبية تعيق جهود الأقلية التي تسعى وتعمل في سبيل التغيير الحقيقي .
أن التغيير مطلوب ، بل ضروري للخروج من (المهزلة) العراقية الراهنة ، ولكن ما هي فرص التغيير وفي أي اتجاه ؟ هل هو تغيير في الوجوه ، في لعبة تبادل للكراسي في السلطة والنفوذ ، وإعادة توزيع للحصص في الكعكة العراقية ، وهو المتوقع والذي يريده الأقطاب المؤثرون في الساحة السياسية ؟ أم تغيير حقيقي يسعى لإقامة نظام سياسي بنهج جديد أساسه مصلحة المواطن كهدف ومحور لكل ما يجري في العراق ، وهو ما تعمل من أجله أقلية من القوى السياسية متحالفة في قائمة واحدة – حسب علمي - رغم أنه ضعيف الاحتمال ؟
انطلاقا من الواقع اليومي الملموس ، وخطب وفتاوى وتصريحات ووقائع ، فلا نأتي بجديد حين نقرر بأن من يملك السلطة ويجلس في مواقع القرار هم في أغلبيتهم فاسدون ويديرون البلد بطريقة أقرب لعقلية وأسلوب المافيا من العمل السياسي والإداري المسؤول والعلمي ، وإن هؤلاء وليس غيرهم مسؤولون عن تنظيم قوائمهم الانتخابية ، ولاشك أنهم لم يعتمدوا على معايير (الكفاءة والنزاهة والتاريخ النظيف ) فيمن رشحوه ، بل من الواضح إن الفاسد لم يختر غير حاشيته الموالية له ، ومثيله الفاسد والمتملق ، والذي يسهل توجيهه وتسييره وفقا لمشيئة رب القائمة وولي النعم ، وكما يقال ( الطيور على أشكالها تقع ... وشبيه الشيء منجذب إليه) ؟ وان حشر شخص مغاير لهذا السياق ولطبيعة وانتماء أصحاب القرار في القوائم ، فهو لضرورة انتخابية ، وذرٌ للرماد في العيون ، ومن يقرأ أسماء المرشحين في قوائم القوى التي تتصدر المشهد العراقي ، وفي غيرها ، يجد أمثلة كثيرة تعزز هذا الاستنتاج .
أما دور المواطن الذي يتحدث عنه الجميع ، ويبالغون في رمي المسؤولية على عاتقه ، ففي الواقع لن يكون أكثر من (اختيار أفضل السيئ والفاسد الذي تعرضه عليه المافيات في البازار الانتخابي ) هذا إن افترضنا أنه أحسن الاختيار ، في مجتمع تسود فيه خنادق العائلة والعشيرة والدين والطائفة مع ثقل خاص لرجال الدين وشيوخ العشائر ، وآلية دعاية انتخابية ، يغلب عليها شراء الذمم والوعود الزائفة ، وصور المرشح الشخصية بعمامة أو عقال أو بدلة وربطة عنق وطقم ملابس وأحيانا بنقاب !
ولكن رغم كل شيء سيكون هناك تغيير لا يخلو من فائدة ، حتى بالسيناريو الشكلي المتوقع ، ففيه (جرة إذن) ودرس للفاسدين الحاليين واللاحقين ! ومن المتوقع إزاحة المالكي ودولة القانون عن مواقع السلطة والقرار ، لأكثر من سبب في مقدمتها أنه المسؤول الأول عن الفشل في إدارة الدولة ومحاربة الفساد والإرهاب ، وهذه نتيجة مألوفة وطبيعية في كل بلدان العالم ، حيث يعاقب المواطن/الناخب حزب السلطة ويحمله مسؤولية الفشل . كذلك من المحتمل فوز هذا أو ذاك من العناصر النزيهة والكفوءة والديمقراطية ، إلا أنه بنسبة هامشية وغير مؤثرة على المشهد والقرار السياسي ، وهذا حدث من قبل في مجلس النواب ومؤخرا في مجالس المحافظات ، لكن التغيير لن يكون أكثر من هذا ، لأنه سيكون في نفس الدائرة ، أي تغيير وجوه وإعادة توزيع للحصص والنفوذ والثروة في الدولة ، وهذا يعني أن البديل للمالكي سيكون (خوجه علي بدلا من ... ملّه علي ) .
والخلاصة ، لابد للعاملين من أجل التغيير الحقيقي ، من مصارحة المواطن بأن مشاركته بالتصويت فقط غير كافية ولن تخلق المعجزات . وإن التغيير الحقيقي المنشود ، بمعنى قيام (دولة المواطنة) بدلا من نهج المحاصصة ، والقضاء على الفساد والمفسدين والإرهاب والإرهابيين ، يستوجب عمل يومي متواصل في الشارع قبل الانتخابات وبعدها ، وحضور المواطن في الساحة ومشاركته في هذا العمل هو الشرط الحاسم للتغيير . أما والمواطن غائب ومغيب ، كما في واقع اليوم ، المغرق في السلبية ، والعملية السياسية تتحكم بها عقلية نفعية ذاتية وتحالف مصلحة للسياسي الفاسد + الطائفية + العشائرية + الجهل + المال السياسي المحلي والإقليمي ، ونظام انتخابي ودعائي مشوه وفاسد ، فتوقع التغيير الحقيقي وهم ومبالغة وإشاعة لآمال لا أساس لها ، وخطأ ستكون له نتائج سلبية ، وهنا مكمن الخطورة ، حين يكتشف المواطن – بعد الانتخابات – أنه لم يقبض سوى الريح ، وانه أصبح مرة أخرى ضحية لـ(بوري معدّل) فسيعود حينها ، وهو المعروف بعاطفيته وانفعاله ، منكسرا إلى مزيد من السلبية واليأس والانعزال وجلد الذات ، وهذا بالضبط ما يصب في طاحونة أقطاب المافيا السياسية العراقية .

*المقال يمثل وجهة نظر وقراءة لمعطيات الواقع ( أساسا في وسط وجنوب العراق) ، ولكن لا نستبعد حدوث مفاجآت تقلب الأمور رأسا على عقب في اللحظة الأخيرة ، في بلد محوري في الشرق الأوسط والعالم ، مفتوح ومشرع الأبواب لتداخلات وتفاعلات ومشاريع كثيرة محلية وإقليمية ، وجمهور عاطفي جامح بتجربة ديمقراطية هشة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن