حذاري حذاري!

علي لّطيف
salemalid@yahoo.com

2014 / 3 / 26

حذاري حذاري!

العالم أصبح مكاناً سيئاً للعيش, الحياة بدأت تُباع وتُشترى, وتُسوق وتتسوق الحياة بحد ذاتها من أجل الحياة. في قبرص ومالطا يمكنك شراء جنسية أوروبية تتجول بها الإتحاد الأوروبي والعالم كما تريد, احذر لكن, لا تكن فقيراً, واحذر أن لا ترتدي دائماً معطفاً جيداً ليدفئك عندما تنام في محطة قطار في النرويج, لأنه يا رفيق/ة إن لم ترتدي معطفاً ليدفئك, ستساعدك ميلندا, وناتالي, وجورج, وسام, ستحس بالذل والحب وستبكي وسيظنون أنك مجنون عربي قذر وسيهربون من حولك وسيبلغون الشرطة عنك لأنك تمثل خطراً على سلمهم الاجتماعي, ستأتي الشرطة وستقبض عليك بتهمة الارهاب وستعطيك معطفاً لكي لا تشعر بالبرد وهم يقودونك إلى مركز الشرطة, وسيبلغون مصلحة الهجرة عنك, وبعد أسبوعين من الطعام الجيد والراحة النفسية في سجن نظيف, ستعود إلى المكان الكريه الذي تركت, وأنت لا تريد ذلك, لهذا إرتدي معطفاً جيداً.
وحذاري أن تكون واعياً في مصر, لا تريد أن تكون الميت 29 بعد ال500 في الاعدامات القادمة التي استمرت المحاكمة فيها يومين فقط, حذاري أن تقف في صف أي طرف, فكلهم يستغلون الجهل المترسخ في عقول الناس, يستغلون أمل الناس, يقولون لهم (سنحقق أحلامكم بالرغد والرخاء وآخرون يقولون سنحقق أحلامكم بالجنة والحوريات), أنت لا تريد أن تعد بكذبة, لا تريد أن تكون يهوذا آخر, أو بروتس آخر, أو معاوية بن أبي سفيان آخر, لهذا غادر, أعلم أن هذا صعب عليك, أن ترى الأطفال ما عادوا أطفالاً بعد تذوقهم للدم, أن ترى النساء المخمرات عاريات, والعاريات مخمرات, وكلتاهما فقدا كل شيء جميل وُجد في المرأة, لكن (هي هكي يا سيسي), لهذا غادر, لا تكن الضحية ولا الجلاد ولا تجعل ضميرك يؤنبك بصمتك, غادر وليسقط الجميع, ولتسقط أنت بعيداً بجانب شيء جميل.
لا تأتي إلى ليبيا ولا تونس, ففي في الأولى الحياة سيئة جداً لدرجة أنني كاتب هذه الكلمات ميت, لا نبض في قلبي, ولا أظن أن دمي أحمر, دمي أسود كالنفط, رائحتي كريهة كالنفط أيضاً, أتعلم معنى أن تمارس الحب مع امرأة كالنفط, الأمر سيء كأنك تحترق ولا ماء على هذه الأرض يمكنه انقاذك, أتعرف ذاك الفيلم الأميركي حول أولئك الناس الموتى الأحياء أصحاب الدماء السوداء, أنا منهم والناس حولي هنا منهم. بئر نفط أسود اكتشفه أحد الليبيين بصدفة سيئة لأنه كان يبحث عن الماء ليروي أرضه, ظن الرجل أن هذه المادة السوداء كريهة الرائحة من عمل الشيطان, فذهب بسرعة لشيخ القرية, الذي كان جالساً مع أحد موظفي المملكة, أخبرهم الرجل بما حدث معه, فاستغفر شيخ القبيلة الله, أما موظف المملكة فعلم ما كان الأمر عليه ولكنه لم يقل أي شيء لشيخ القرية, وحدث وراء حدث, وصل الأمر إلى الملك جورج وإلى شركة بريطانية رأسمالية لا يهمها إلا حجم بطن مالكها وعظمة المملكة, وهكذا أصبح لليبيا نفط, واليوم أصبح كل مسلح وأي شخص آخر يُهلل من أجل هذا الشيء الأسود البشع؛ وفي البوابات الأمنية إن كنت أسود البشر فحذاري حذاري, لقد ارتكبت تهمةً تستحق الذل عليها هذا لو كان قاضي البوابة شخصاً جيداً.
أما في تونس, فالفقر (يلعن بو الفقر), ربما هذه الجملة تكفي, وربما لا؛ أظن أنني أحب تونس لأنني رأيتها بأعين الناس الجيدة التي تسكنها, ربما أشعر بالغيرة من تونس, ربما أكذب على نفسي بتضخيمي لجمالها لأنني أرى أنها نموذج جيد لأفضل بلد شرقي متخلف, ربما أنا فقط أحب تونس بسببها.
وحذاري حذاري من وحوش البراري, أعني لا تذهب إلى سوريا, هناك توجد رؤوس كثيرة ملقاة على الأرض, وأعلام سوداء, وأظن أحيانا أن مقاتلي موقعة الجمل وصفين والنهروان عادوا إلى الحياة وأصبحوا يقاتلون هناك ولا يُفرقون بين مريم الليبية الجميلة التي تريد أن تكون طبيبة في فرنسا وحفرة حفروها ليدفنوا بها رؤوس أعدائهم, حذاري لا تذهب إلى سوريا, فسوريا أصبحت خارج سوريا, إلا لو استطعت مثلاً أن تنقذ السورية التي حرقت نفسها في مدينة طرابلس في لبنان أمام مقر الأمم المتحدة في اليومين السابقين, أو يمكنك شراء بضعة سوريات قاصرات من مخيمات اللاجئين في السعودية, اشتري ثلاثة بسعر واحدة, ومن بعد ذلك حررهّن من عبودية البؤس, لكن لا أظن أنك تستطيع أن تفعل ذلك, أو لو كنت طبيبا أو ممرضا فتطوع في أحد المستشفيات الإسرائيلية على الحدود, وعالج السوريين الجرحى, على الأقل لا تقلق من نقص المواد اللازمة للعلاج, لا أظنك تريد أن تدخل في تجارة مع منظمات الأمم المتحدة على الحدود من أجل شراء المواد اللازمة لمساعدة اللاجئين التي جاءت أصلا من أجل مساعدة اللاجئين, سيخيب ظنك بالحياة عندها, أعني ستذهب إلى اسطنبول وستحاول ممارسة الجنس مع عاهرة عربية لتنسى, لكنك لن تنسى, لأنها ستدعو الله أن ينتقم منك عندما ستعلم أنك لا تملك المال الكافي لتدفع لها ثمن الليلة؛ أنت لا تستطيع إنقاذ أي شيء بما في ذلك نفسك, لذا غض بصرك كما فعلت منذ الأزل, لأنك لا يمكنك فعل أي شيء آخر.
ولو كنت ستذهب إلى كأس العالم في البرازيل هذا العام, لا تنسى مضاجعة الفتيات القاصرات ب6 إلى 10 يورو, برعاية دعائية ضخمة من شركات أجنبية عالمية, وبدعاية أكثر حدة من قبل عقلك, وعندما وَجدتُ نفسي أشتم الرأسمالية التي أباحت للشركات الكسب بأي طريقة بمتاجرتها بالألم والبؤس والفقر, أخبرني أحدهم أن البلدان الشيوعية السابقة هي أكثر البلدان تصديراً للدعارة, الأخ لا يعلم أنني لست شيوعياً, ولا أحبذ ممارسة الجنس مع القاصرات ولا أرضى لنفسي أن أشتم نساء بلدٍ كامل لأنه شيوعي فقط, لكن يبدو أن الدفاع عن دعارة الأطفال (موضة) جديدة هذه الأيام, أو أن الرجل من اليمن (مع كامل احترامي لأولئك الذين بصقوا على توكل كرمان) أو باكستان أو أفغانستان أو أنه (برلسكوني) الهوى أو برجوازي أمريكي يحب الأطفال الفقراء أو مايكل جاكسون.. إلخ؛ على العموم لو كنت ستذهب إلى كأس العالم في البرازيل هذا العام, لا تنسى أن تذهب إلى كأس العالم في قطر بعد عدة سنوات قادمة, لربما يقوم الاتحاد القطري العام لكرة القدم بشراء وقتك لتشاهد مباراة قطر مع الولايات المتحدة الأمريكية, كما يفعل اليوم بشراء وقت العمالة هناك لمشاهدة مباراة ما من مباريات الدوري القطري, لا تنسى أن تجلب معك مالاً, لو كنت أعني لا تريد أن يشترى أحد ذمتك كما اشترت قطر الإسلاميين.
أوروبا مهد التنوير, هكذا قال الرئيس الأمريكي في آخر خطاب له أمام الأوروبيين, ألا يعلم الرجل أن 85% من حروب العالم حدثت في أوروبا, ألا يعلم أن 14% من حروب العالم الباقية حدثت بسبب حملات الاستعمار الأوروبية, ألم يسمع بالمجازر التي قامت بها ألمانيا بحق شعب الهيريرو في جنوب أفريقيا, وجرائم إيطاليا في ليبيا, وبريطانيا في مصر, وفرنسا التي قتلت فقتلت فقتلت ثم ادعت الإنسانية, الإنسانية لا يمكن أن تكون مذهبا كاملا لوطن أو جماعة, بل هي مذهب لإنسان مفرد, واحد, لا غير, لأن الإنسانية أسمى من الأوطان, لذا لا يمكن حد التنوير في بلدٍ واحد أو قارة واحدة أو جماعة واحدة, التنوير ملك للعالم أجمع لأن التنوير يخاطب الفرد, ولا يخاطب الجماعة, يبدو أن رئيس أعظم دولة في وقتنا هذا لا يعلم ذلك, أو أنه يتغاضى عن ذلك, وينسى القيم الجيدة في الدستور الأمريكي عندما يجلس مع حلفائه من الطغاة من السعودية إلى إسرائيل إلى رؤساء شركات الموت التي تبيع الموت بلا أي تمييز بين أيٍ من الأحياء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن