قصة حب مجوسية

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2014 / 2 / 23

قصة حب مجوسية

هذه الرواية الصادرة عام 1974 للروائي عبد الرحمن منيف، تحمل فكرة التمرد على المجتمع من خلال علاقة الحب التي تنشأ بين بطل الرواية وليليان المتزوجة والأم لطفلين، حالة التمرد لم تقتصر على هذا الأمر وحسب بل تعدها إلى تناول العلاقة الجنسية بين بطل الرواية وكلا من ميرا ورادميلا وباولا، بحيث يصور لنا الكاتب وكأننا في الحي اللاتيني الذي رسمه سهل إدريس، لكن هنا كان عبد الرحمن منيف يتميز بوصفه حالة من الحب العذري، رغم انه يستطيع أن يقدم على فعل الجنس بكل سهولة مع الفتيات التي ذكرن سابقا، فيصف ليليان التي تعلق بها عاطفيا كما يلي "عينان تترجرجان بالحزن، شفاه رقيقة والسفلى مرتخية بإثارة موجعة، أما الوجه فقد لوحته الشمس، فبدا غامضا ومجبولا باللذة والفجيعة وملعونا، لم أر جسدها العاري، ولا أدري لماذا استولت علي مشاعر قاسية أقنعتني أني لا أملك حق النظر إلى جسدها، وفي لحظة أخرى استبد بي شعور أقوى بان نظرتي لو امتدت إلى ذلك الجسد يمكن أن تلوثه" ص10، إننا أمام حالة من تقديس الأنثى ، فهي هنا ليست متاع للجنس أو للإنجاب بل متاع للنظر والجمال، ولفيض العاطفة، التي يفتقدها بطل الرواية، فهي عنده بمكانة مقدسية، لا يمكن أن تمس، هي الأم التي يفتقد حنانها في الغربة، هي الأنثى التي تمنحه الراحة والسكينة، هي النعومة التي تسري بين يديه، ما أن تبتعد الأيدي حتى نشعر بالحنين والحب للتلاقي من جديد، فها هو يعترف بهذه الأمر "لم أفكر أن تتحول هذه المرأة بين يدي إلى رادميلا.. كنت أريد أن المس يدها، أن اقلبها ، أن أضع رأسي على حضنها وأغفو، وإذا فكرت أكثر من ذلك اقطعوا رأسي وأعطوه للكلاب، انتم أيها الشديدو التزمت.. ماذا تستطيعون أن تقولوا عن الأفكار الصغيرة التي تحركت في رأسي؟" ص34 و35، من هنا نستنتج بان الكاتب يريدنا أن نتخلى عن أفكارنا البائدة عن المرأة، وان فكرة أي علاقة معها تؤدي إلى الجنس خاطئة، فيهو يطرح فكرة متناقضة عما يعتقده المجتمع، وكأنه بهذا الطرح يتحدى الأفكار السوداء التي تسيطر على العقلية العربية، فرغم انه رجل ومارس الجنس مع العديد من النساء لا انه مع ليليان شيء آخر، وكأن فيها شيء من أمه التي يفتقدها
، وإلا ما معنى أن يقول "أن أضع رأسي على حضنها وأغفو" كما نجد في المشهد السابق الثورة على مفهوم المجتمع للمرأة وما تحمل من فكرة (الحرمة) التي يجب أن تبقى خلف الستار، فالتحدي للمجتمع ولفكرته عن المرأة كانت في أوجهها من خلال هذا الطرح.
العلاقة بين بطل الرواية وليليان لم تتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزها إلى مستوى أعلى، وتقدما إلى مصاف الحب الصوفي، فها هو يطور فكرته عن محبوبته إلى حد التلذذ بالعذاب والوله بها "تقدمي أيتها المعبودة، تقدمي ودوسي فوق عظامي، إن اللحظة التي تطأني قدميك هي لحظة ولادتي، لحظة عناقي مع العالم والطبيعة وكل الأسرار المقدسة في هذا الكون، لا تترددي وأنت تدوسين، إن عظامي تحتاج لقدميك المقدسية لكي تتطهر، لكي تقوى وتكون أكثر عنفوافا وقوة" ص96، إذن الراوي لا يكتفي بما طرحه عن مكانة ليليان بل يتقدم إلى الأمام متجاوزا كل الأفكار البائدة عن المرأة، فهي هنا أخذت صفة المعبودة، أي مكانة الرب، وهذا بحد ذاته اكبر تحدي وتجاوز للأفكار السائدة في المجتمع.
هناك حوار طويل يجري بين الراوي والكاهن في غرفة الاعتراف، يؤكد على حالة التناقض القائمة بين الراوي والفكر الديني، فهو من خلال الحديث يتجاوز الفكر الديني الذي يحرم مثل هذه العلاقة
"ـ اعترف يا ولدي، ويسوع سيفغر كل شيء
ـ أحببت امرأة متزوجة، وما زلت أحبها، ولا أقوى على أن اكف عن حبها لحظة واحدة، فماذا أفعل؟
ـ ألم تسمع ما قاله يسوع المخلص وهو ينهى عن اشتهاء نساء الغير؟
ـ ولكن لم اشتهيها يا أبانا، ولم أفكر بأي شيء ملوث
ـ والحب
ـ أحب بطهارة، وأريد أن أبقى طاهرا" ص81، هذا الحوار بمثابة لطمة لكل الأفكار التي يعتقدها المجتمع، فرغم أن الكاتب قدم لنا أبطال الرواية على أنهم مسيحيين، وهم بطبيعة الحال أكثر تحررا من المسلمين، فكان بهذا الوضع كمن يتجاوز المتحررين إلى الأكثر تشددا، فإذا كانوا الأقرب لتحرر وجدوا هذه الثورة وهذا الفكر الثوري اتجاه المرأة، فما بالنا بالأقل حظا من التحرر وأكثر انغلاقا على الذات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمرأة!
علاقة الاسم "قصة حب مجوسية" مع المضمون
نؤكد بان الكاتب اختار اسم المجوسية كرد ثوري على حالة المرأة في المجتمع العربي، وأيضا كشكل من أشكال الثورة على المعتقد الديني السائد في المنطقة العربية، وكأنه يتقدم إلى المجوسية التي تحمل فكرة النار المقدسية، فهو من خلال الاسم يكون قد أشار إلى النار التي يجب أن تبقى متقدة في المجتمع خاصة تلك التي تتعلق بالمرأة، وأيضا تحمل فكرة التخلي عن الدين، إن كان مسيحيا أم إسلاميا، لصالح الفكرة التي قدمها، فهو يسير إلى الأمام وليس إلى الخلف، يجعلها في مكانة عالية جدا، لا يستطيع المجتمع أن يصل إليها، وما الحوار الذي دار بين البطل والكاهن، إلا دليل عن أن المرأة في هذه الرواية قد تجاوزت مكانة البشر، وتقدمت إلى مصاف الربات المقدسات.

المدينة
الكاتب وصف لنا المدينة، فرغم انه لم يحددها أن كانت في الشرق أو الغرب، إلا انه لا ينسجم كثرا معها، فهي بالنسبة له جزء من حالة عدم الاستقرار النفسي الذي يشعر به "أما الرغبات فالمدينة تابوت كبير يتسع لكل شيء" ص42، هذه إحدى الصور التي تشكلها المدينة عند الراوي، فهو لا يكتفي بهذا الوصف بل يقدم لنا حالة عدائية اتجاهها فيقول "وشيئا فشيئا بدأت المدينة تصبح لي عدوا، تبددت الأحلام، أما الخيمة الكبيرة التي تصورت أن المدينة تقيمها فوقها لكي تظل الناس، فأصبحت عراء شاحبا" ص91، هناك عدم انسجام بين الراوي والمدينة، فهي كائن يسبب له حالة الاغتراب.

الجنس

هناك العديد من الصور الجنسية يطرحها الكاتب في الرواية، لكننا نجده غير منسجم مع هذا افعل، فرغم أن السارد يطرح لنا العديد من مغامرته الجنسية، لا انه يبغض ويشمئز من هذا الفعل، فهو كان يقدم على الجنس قبل أن يصل إلى حالة من الصوفية اتجاه ليليان، وان فعله قبل اللقاء بها، فهو كان في نزوة الشباب، وان فعلها بعد اللقاء بها، فهو جاء كحالة من التفريغ عن النفس ـ عاطفيا ـ ليس أكثر، لكن الجنس بالنسبة له جاء بهذا الوصف " وهناك كانوا يشبكون أيديهم بقسوة، ويقبلون بعضهم بشهوة الكلاب.. حتى إذا تحركت الدماء، قذفوا في سراويلهم أو ركضوا مثل القطط مذعورة إلى الفراش" ص23، نعتقد بان هذا الوصف يتناقض تماما مع الحالة التي رسمها الراوي لليليان، فهي شيء لا يمس بل يبقى طاهرا نقيا كالقمر من حق الكل التمتع بالنظر إليه، ولا يجوز لأحد امتلكه.
في النهاية نقول بان هذا العمل يعد من الأعمال النادرة التي يجوز فيها الكاتب فكرة المجتمع عن المرأة، وقدمها على أنها شيئا مقدسيا، واكبر من أن تكون ملكا لشخص بعينه.

رائد الحواري



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن