حوار مع القاص والروائي محمود عبد الوهاب

مقداد مسعود
m.mookdad@yahoo.com

2013 / 12 / 2

العابر الإستثنائي الجميل..محمود عبد الوهاب
حاوره: مقداد مسعود

مقداد مسعود..يقدم أستاذنا (محمود عبد الوهاب) في إتحاد أدباء البصرة/ 14/6/ 2002 ،في أحتفائية صدور رواية
رواية (رغوة السحاب )

*علاقة المثقف بالسياسي: علاقة إرتياب...
*السارد لايعني المؤلف،من يفهم غير ذلك،يعاني إضطرابا في وعيه بالسرد.
*لاأميل إلى كتابة يومياتي في دفتر خاص....

من وجهه، تشرق شمس الشتاء.في قلبه سيول من الأشجار المضاءة بالقطوف..هو وهو وحده: مدربنا
الأول على إلفة الإمكنة،والوفاء للوجوه الناصعة،ولولا تدريبه المتواصل لأرواحنا،لما كانت الحياة: مغامرة تستحق العناد،بالنسبة لنا نحن الذين رأينا : صوته رايتنا الشاهقة...
هو لاينسى من المرأة إلا وجهها أو فاعلية النمط ... يرى سواه في المرآة، ويرى ..يقظة مدببة ترابط
في منامه فيسترها بنصوصه وهو يكتبها بالممحاة. سأكشط فعل الممحاة وأسميها (الوحشة).
هو محمود الجميل والعاشق والمعرفي الدؤوب ، هو الهداّف يحول ألامه الشخصية : كرةً..مسجلا أحلى الاهداف على الحياة، ولايرى مكابداته إلا نصا مسرحيا، فيمثله بمهارة مخرج بارع،وهكذا يمنحنا تمرينا
روحيا لتكون السعادة حصتنا الدائمة..
وهو الإستثنائي العابر جسر الحياة إلى الحياة ومن الحياة .
يقتسم معنا الرغيف،شرط أن يكون غادر التنور للتو..يقتسم معنا الضوء والكتاب، وماتبقى في جيبه وقلبه
الذي يغار منه الجمّار..لايتأنى إلا في الأجوبة،كأنه يقدم بحثا علميا.يفرح كثيرا وهو يقرأ مخطوطاتنا أو
نصوصنا المنشور في الصحف والمجلات،كأنه يتمرى فيها .يتأمل الوجود بظاهره وكمونه، لابعيني
عالم آثار......محمودنا يتأمل ليتماهى بصوفيةٍ من براءة إختراعه هو...محمود عبد الوهاب : نخلة بصرية
مغروسة، في درابين بصرتنا القديمة،في محلة (يحيى زكريا) ..(السيمر)..(العباسية)،تعرفه بغداد
وبيروت لاتنسى ذلك الطالب الجميل الذي نجح في أختبار القبول في جامعة(كامبردج) وكان من العشرة
الأوائل.مع المناضل غانم حمدون.لكن نجاحه في بيروت لم ينقله الى لندن، صوت إحتضار أمه استعاده من مستقبله الأنكليزي إلى بصرة الأم ،في إحتضارها؟! مَن أستعاده الأم؟ لماذا القدر مات مغتظا من الجميل محمود؟!..الأم تموت والجميل يداهمه قطار 8شباط 1963 الأمريكي، ويلتقطه من بيت أو وكر حزبي في بغداد .. (أخذني اليه في عام 1996 وقفنا نتأمله في الشارع )إلى غيابةٍ..
.....................................................................................................
في بيته، في تلك الغرفة الهادئة، الحقائب في تراتبية شعرية،ومن هذه الحقائب ..هبطت علي قصة
قصيرة لسيرة إستاذي( زهرة البيلسان)...نشرتها في أوائل هذا القرن في صحيفة العراق...
الحقيبة الزرقاء: وارشو
الحقيبة السوداء: خان الخليلي
...الزرقاء: بلودان / قاسيون
البيضاء: اجعيتا/ بيروت...
أسلوبيا..يمت بصلة قربى لإرنست همنغواي، ومن شدة تعلقه..ترجم قصصا لهمنغواي، تستوقفه هندسة جملة همنغواي.. ومحمودنا مريض بتيشخوف الذي لاتهمه الأمور الكبيرة..ما أن صعد في قطاره القصصي إلى بغداد
وهو صعود مدوي يومها،منذ...وهو لايستوقفه إلا.. الدلالي في الوحدة السردية، وتهمه المفردة ضمن سياقها الوظيفي، لاالجمالي..حين تسأله ..لايرتجل اجوبة وهو العارف..يتصل بك ليلة ويوثق إجوبته بمراجع مكتبته
الزاهرة..منذ سنوات طويلة وأنا أرافقه بشكل يومي،أرافق الشباب فيه..وحيوية المعرفي،من محمود عبد الوهاب
تعلمت الكثير الكثير معرفيا وسلوكيا..وشرّفني إستاذي بقراءة نصوصه وهي مخطوطة بالقلم الرصاص، ولأني
من أقرب الأصدقاء العارفين بأوضاعه البيتية الخاصة، لم أمارس ضغوط الصداقة،لأفتعل حوارا صحفيا
مع من هو بحق مَعلم من معالم البصرة..تحاورنا ، حول هذه الأسئلة إستاذي وانا لمدة لاتقل عن نصف
سنة...وعيا منا أن الحوار ليس فاصلا أعلانيا، او قصيدة عمودية مرتجلة، تعاملنا مع الحوار ،كنص أدبي
تصنّع في ميتافيزيقية الذات وإبيستمولوجيا الحقيقة،وهكذا صيّرنا الحوار مسرحة لغوية تمكن كُلا منا
أستاذي وأنا، من التقارب المعرفي،مما يعتقده كلانا: حقيقية ، إذن الحوار لاينتج حقائق ..بل يثبت حقيقة
من خلال مسرحة الحوار،التي أحيانا تتجاوز تفاعل الأشخاص إلى تفاعل ثقافات...*
*ماذا تعني الكتابة عندك..؟
*الكتابة ..مفهوم عام،متعدد الرؤى والوسائل والغايات، غير ان سؤالك يتوجه إلى مايعنيني من جنس الكتابة،
ومايعنيني حقا من الكتابة الحقل الذي أشتغل فيه، أي ماهو إبداعي، وعلى وجه خاص: السرد بمنجزه القصصي
والروائي،والكتابة إبداعات ،على ماتنفرد به من خصوصية قوانينها الجمالية ،لاتعمل بمعزل عن كونها نشاطا
إنسانيا، في تعبير المبدع عن عصره بإنفتاح على ماهو كوني، من خلال ماهو ظرفي أي كما يقال من الخاص
إلى العام،وذلك بقراءة الواقع الموضوعي قراءة معمقة وإمساك موضوعيته الدالة والتعبير عنها في بناء مركب
جمالي قد يستغرق زمنا لايستوفيه زمن الحدث الساخن آلآني،الذي هو باعث التحفيز في الكتابة،ومن هنا فإنك
ترى ان ألأعمال ألإبداعية الكبيرة غالبا،ماتأتي متأخرة عن زمن( المتغير) بحكم ألإشتراطات الصعبة التي تفرضها قوانين ألإبداع.
*كيف تفهم دور المثقف والسياسي في الحياة العامة؟
*ينبغي علينا أن نحدد ماذا نعني بالمثقف وماذا نعني بالسياسي، فمفهومها مدرك مما هو متداول وشائع، يتضمن
مفهوم المثقف : المتعلم ألأخلاقي والمعرفي والمبدع والتكنولوجي وغيرهم، والسياسي قد يعني العضو في حزب ما، أو الملتزم بمنظومة فكرية من دونما إنتماء،وقد يعني السياسي أيضا صانع القرار فأيهم تعنيه؟ علاقة المثقف بالسياسي،لاتخلو من إلتباس،فكأنما لاتفهم السياسي إلا إذا كان منتميا إلى حزب ما، وعلى غير ذلك، فقليل منا،
من يفهم ان المثقف – خاصة المبدع- منتج أفكار في حقله ألإبداعي،وإن تلك ألأفكار لاتخلو مما هو سياسي ذلك
لأن الممر إلى الثقافة،غالبا ما يأتي من بوابة الوعي السياسي، ما أعنيه بالسياسة هنا ليست ألأيدلوجية، لكن بمعنى مقاربة الحياة العامة ومعايشتها،إنك تدرك حتما ،ان المثقف يمارس (التفكير) السياسي غير الجمالي
فيما يكتب،لكن السياسي،يمارس(الفعل) السياسي في نشاطه اليومي..أود أن اضيف أيضا ان علاقة المثقف
بالسياسي: علاقة إرتياب غالبا،فالمثقف يتهيب من سطوة السياسي، حرصا على حريته في التعبير وألإبداع
لأن المثقف، يخشى من إستحواذ السياسي على تلك الحرية،كما أن السياسي لايطمئن إلى المثقف كليا، لأنه
يتمثل فيه رقيبا مشاكسا على مشروعه،غير ان المصلحة الوطنية، تفرض على المثقف والسياسي معا
نوعا من الفهم والتصالح عبر حوار إيجابي لمواجهة ألأخطار المشتركة التي تعصف بأهدافهما لبناء
مجتمع إنساني ووطن آمن.
* كنتَ في صدد مشروع كتابة(رواية)،تكون شخوصها من بعض مجموعتك القصصية
(رائحة الشتاء) بحيث تجمعهم : الرواية/ المشروع،في موضوعتها وفضائها
ماذا أنجزتَ منها؟
*صحيح..يوما ما كنتُ مبتهجا، بموضوعة الرواية / المشروع وطرافتها.شغلت بهيكلتها ووضعتُ
مخططا لبعض فصولها، كان ذلك قبل ان اطلع على رواية (ملاك الجحيم) للروائي الأرجنتيني
أرنستو ساباتو،وبعدإطلاعي على رواية(ساباتو)،تغير كل شيء..كانت دهشتي كبيرة عندما وجدت
ان(ساباتو)،قد وظف رواية( ملاك الجحيم) في صنع موضوعاتها،بتشابك ماهو واقعي بما هو متخيل
من روايته(أبطال وقبور)،مثل برنو ومارتين واليخاندرا ودانيال ولافاجي والأخيران شخصيتان
معروفتان في التأريخ الأرجنتيني وكاستيل وهو أحد شخوص روايته(النفق) أيضا..في تلك الحالة
أي بعد إطلاعي على رواية سوباتو ومقاربتها لمشروع الرواية،التي أنا في صدد كتابتها،أدركت
ان من المغامرة،مواصلة الكتابة في روايتي، فأنت تعرف أن الوسط الثقافي إرتيابي لايقتنع ب
(جديديك) إذا كان له مايماثله عند الآخر،بخاصة إذا كان الآخر روائيا له شهرته ،وهكذا ترانا
(نئد) جديدنا خشية الأتهام بالسرقة أو التقليد في الأقل..حسنا فعلت كرستيفا وفوكو وبارت،
عندما أبتدعوا مفهوم(التناص)إنهم بذلك حرروا- رقابنا- نحن الكتّاب من تهمة سرقة إبداع
آلآخر..أعجب هنا لماذا يتقبل الوسط الثقافي(توارد)مسعى عالمين في الفيزياء مثلا في موضوعة
التجربة العلمية الواحدة المتماثلة ،في حين لايتقبل(توارد) موضوعة الكتابة الإبداعية عند مبدعين؟
أليس هذا يعني إننا نفكر بعقول تعتقد بتدني التجارب الإبداعية وبتعالي التجارب العلمية،أي بعبارة
إننا نجعل من(التماثل) في الموضوعة الإبداعية: تهمة في حين نجعل من(التماثل)..
في التجارب العلمية إبتكارا وأصالة !!
*لك علاقة بعدد كبير من مجايليك مثل عبد الملك نوري ،فؤاد التكرلي ،السياب ،البريكان
،حسين مردان ،سعدي يوسف وغيرهم،ألا ترى أن من الضروري كتابة سيرة قد تضيء
جوانب من مسيرة الأدب العراقي..لماذا لم تفعل ذلك؟
*تتحكم بذلك دوافع متعددة،منها المزاج وشدة التأزم في موضوعة الكتابة،وربما الإفتقار إلى تفاصيل
العلاقة وأهميتها المعرفية للقارىء،فأنا عادة، لاأميل إلى كتابة يومياتي في دفتر خاص،قد أفعل ذلك
عند ضرورة ما،وقد بدأت بكتابة ما يشبه السيرة، نشرت بعضها في مجلة الأقلام،عن الصديق مهدي
عيسى الصقر،وفي جريدة المدى عن القاص الرائد عبد الملك نوري،وفي مناسبات كتبت عن الشاعر
البريكان،وأحتفظ بعدد من الصفحات المحدودة ،من جوانب السيرة الذاتية التي لم أنشرها بعد.
*هل أسهمت في كتابة مقدمة لمنجز إبداعي،أصدره صديق أو واحد من معارفك؟
*لم يحدث ان طلب مني صديق،كتابة مقدمة لمنجزه الأبداعي،وأعني بالمنجز –هنا- كتابا إبداعيا
لانصا من النصوص،وفي الحالة الثانية،قمت فعلا بكتابة تعريف ببعض نصوص الأصدقاء، وفي
حالات محدودة جدا،فأنا لاأميل عادة إلى كتابة مقدمة لكتاب ،ذلك لأن المقدمة ستكون قراءة من
القراءات،وربما ستكون قراءة مفسرة للكتاب الأبداعي،وقد تقسر المتلقي على الخضوع لها
في طرائق قرائته للكتاب .
*روايتك-المخطوطة- سيرة بحجم الكف،ما علاقتها بقصتك القصيرة، سيرة التي
تضمنتها،مجموعتك القصصية(رائحة الشتاء)؟
*القصة القصيرة(سيرة) حاضنة للرواية(سيرة بحجم الكف)،لكن ذلك لايعني محايثتها،في السرد
فالرواية(سيرة بحجم الكف)،لاعلاقة لها بالقصة القصيرة(سيرة)،من حيث التخيل أوالبناء أوالشخصيات
أونهاية الرواية.ان كلا منهما نص مختلف.
*ماحجم السيرة الذاتية في قصصك..؟
*لاتخلو قصصي من تجربة الذات،لكنها لاتعني(الذات) بعينها.إنني أبني على مساحة محدودة من التجربة
الذاتية، قصصي معظم هيكليتها :متخيل..أما ضمير المتكلم،في القصة،فهو لايعني شخص القاص.ان ضمائر
السرد(أنا وأنت وهو...)ليست سوى علامات دالة على السارد،الذي لايعني أبدا أنه المؤلف
من يفهم غير ذلك يعاني إضطرابا في وعيه بالسرد.
*الحوار منشورة في جريدة (طريق الشعب)/العدد 30/ السنة 71/ الأربعاء 5تشرين الأول/ 2005
*مقدمة الحوار منشورة بعنوان (بورتريه/العابر الأستثنائي الجميل محمود عبد الوهاب)/ طريق الشعب/ العدد 28/ السنة 73/ الأحد/ 16/ أيلول/ 2007



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن