قراءة جديدة: فى الحاجة إلى إستراتيجية إشتراكية جديدة

سعيد أبوطالب
sshmsaid@gmail.com

2013 / 8 / 30

قراءة جديدة :فى الحاجة إلى إستراتيجية إشتراكية جديدة
مازال اليسار يرتع فى أزمته ، والتى تبدو أكثر عمقا ووضوحا هذه الأيام .
فالمجال العام مفتوح موضوعيا على مصراعيه بعد 25 يناير و30 يونيو كما لم يفتح من قبل فى التاريخ الحديث وتتساقط الحلول السياسية الدينية والليبرالية تساقطا سريعا وبالضربة القاضية ، إلا أن التأثير اليسارى فى المدى المحيط ضعيف وواهن لأقصى درجة ،فى حين اننا ننظر لهذا الدوراليسارى على اساس ماهو منتظر منه كقيادة طليعية.
كما تصبح هامشية التنظيمات اليسارية من ناحية حجم العضوية ظاهرة تؤكد مرة أخرى أنها لا تجيد قواعد السباحة إلا فى الغرف المغلقة.
إذا كان ماهو مطروح علينا هو برنامج راديكالى جذرى ، يحفر طريقا ديمقراطيا شعبيا نحو الإشتراكية ، فحالنا لا يرضى حبيب أو عدو إذا مانظرنا لحزب التحالف الشعبى ومجموعة أحمد بهاء ومجموعة كمال خليل ، وحلقة الإشتراكيين الثوريين.
كما نرصد أيضا العجزحتى عن التعبئة والحشد وهى حصان اليسار الرابح.
هناك خلل يبدو هيكليا ، ويصاحبه التسطيح الدائم للظواهر والحديث الممجوج عن التنظيم والحامل الإجتماعى وغيرها من مصطلحات لاتثمن على صعيد الإنجازات. العملية.
نحتاج للبحث عن طوق نجاة خارج المدى الضيق ، يجب أن تتسع الصورة كثيرا.
عدت لكتابات صادق سعد (مناضل ومفكر ماركسى من أصول يهودية وأسلم وكان أحد قيادات منظمة العمال وفقراء الفلاحين وله إنجازات فكرية كبيرة ولد 1919 وتوفى 1988 )عن فترة مماثلة تقريبا فى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات عملا بشعار فى الليلة الظلماء يفتقد البدر.
وتذكرت " فى الحاجة إلى إستراتيجية إشتراكية جديدة".


"قضايا أساسية تجابه قيام الجبهة الإشتراكية "، "قراءة ثانية فى أحداث يناير77 "، "فى قيادة المرحلة وإستراتيجيتها".
تحت هذه العناوين تحدث صادق سعد عن رؤيته لإستراتيجية إشتراكية جديدة.
مع مراعاة فروق التوقيت والإصرار الأيديولوجى التقليدى على الدور القيادى للطبقة العاملة، سنكتشف صلاحية كثير مما كتبه لهذه الفترة.


* بشر المقال الأول بجبهة إشتراكية بدلا من الجبهة الوطنية الديمقراطية ، جبهة ذات برنامج تتبدى ملامحه فى إصلاح زراعى جديد بحد أقصى 20 فدانا توزع الأرض بمعرفة لجنة منتخبة من الفلاحين وتكون مزارع جماعية من الأراضى المصادرة. (لاحظ تجاهلنا المخزى لقضايا العمال الزراعيين وفقراء الفلاحين وعدم قدرتنا حتى على رفع المطالب الخاصة بهم ناهيك عن المناداة بإصلاح زراعى جديد)
حد أدنى للإجورتحدده النقابات ويتغير مع الغلاء وحد أقصى 5 أضعاف "يشمل البدلات" وألا تزيد القيمة الإيجارية للمساكن عن 15% من الراتب الشهرى.(نتحدث عن 1إلى 10أو 15 أو 20 ولم يتطرق طرحنا للبدلات ،ولم نقدم أطروحات خاصة فى موضوع القيمة الإيجارية ).
توسيع مظلة التأمينات ضد المرض والشيخوخة والبطالة.
مصادرة أموال المرتشين والمفسدين وتجار السوق السوداء والطفيليين وتأميم رؤوس الأموال الكبيرة المصرية والأجنبية.
إطلاق الحريات النقابية والحزبية والإجتماعية والثقافية والدينية،وإصدار دستور جديد أعدته جمعية تأسيسية منتخبة ،انتخاب المحافظين ورؤساء المدن والاحياء.
الغاء كامب ديفيد وإعلان التعبئة الشعبية للدفاع عن الوطن.
رأى صادق سعد فى البرنامج - الذى نكتشف كثير من نقاطه لحركتنا اليوم - توجها إشتراكيا يمكنه أن يصف الجماهير الشعبية حوله تناضل من أجل تحقيقه.
وإهتم بما قد يراه البعض معوقا للجبهة الإشتراكية :
1- رأى أن التبعية مستمرة ولن تمنع التوجه الإشتراكى " فى دعوة واضحة إلى سحب الصدارة من القضية الوطنية " وأن النضال من أجل معيشة أفضل يستطيع تعبئة الجماهير ضد الإمبريالية.
2- ورأى ضرورة وإمكانية الجبهة الإشتراكية فثمة قوى واسعة ذات مصلحة فى التغيير العميق للمجتمع فى اتجاه وضع حدود للملكية والثروة،والتوزيع العادل للدخل القومى ،وهى ليست ماركسية ، لكنها مرتبطة بأمانى الجماهير الشعبية،كما أنها ليست منظمة فى الأعم والأغلب ، فهى قوى إشتراكية ولكنها ليست ماركسية ،ولها أساليب نضالية سلبية وإنتظارية وتمردات مفاجئة وعفوية .
3- ورأى أن الناصرية وبعض الحركات الإسلامية الغير علمية وسماها الإتمامية (إستند إلى وجود بعض منهم أكثر جذرية ضد الإستعمار والإمبريالية مثل كتابات اليسار الإسلامى وسيد قطب) جزء لا يتجزأ من الحركة الإشتراكية الواسعة على صعيد الإمكانيات المستقبلية (بشر صادق سعد بمادعا له كريس هارمن فى كتاب النبى والبروليتاريا فى 1996)،ورهن ذلك بحركة الجماهير الشعبية القائدة – المنظمة والغير منظمة- مع البرنامج الإشتراكى .
4- دور رئيسى للطبقة العاملة كطليعة وجمهور ، وليس كرمز أو دور بالوكالة،لايمكن للحركة الماركسية ان تقوم بدورها دون التفانى فى خدمة الطبقة العاملة وتفهم فكريتها ومطالبها والمحافظة على إستقلالية التنظيمات العمالية "حتى عن الأحزاب الماركسية" ،ودور الطبقة العاملة هو الضامن للحفاظ على الجبهة من الهزال. (قد نختلف حول دور الطبقة العاملة الآن من ناحية درجة تأثيره فى الجبهة الإشتراكية ولكننا كحركة يسار أبعد مايكون عن الطبقة العاملة ونتعامل معها بالوكالة فعلا.).



• يتحدث المقال الثانى عن 18 &19 يناير : رؤية النظام للإنتفاضة أنها نتاج تحريض المنظمات اليسارية ، فى حين رأتها منظمات اليسار رد فعل تلقائى من الجماهير .
وفى الحالتين يتم إعتبار الجماهير" كومبارس".
يرى صادق سعد هبة يناير خروج عن الإصلاحية ونزوع ثورى يجافى الأطر العامة للإحتجاج المحافظ بأشكاله المختلفة الإصلاحية " التقاضى – الوساطة –الشكوى الفردية والجماعية – الشكوى لله- النضال السلبى " ، كما يرى فيها درجة وعى عالية رغم أنه يرصد أهم ملامحها وهى البعد عن التنظيم (تربط الكلاسيكيات الماركسية بين التنظيم والتأثير وتصر على إعتبار أى حركة غير منظمة حركة فى الفراغ لا جدوى منها ، ومازالت هذه الرؤية منتشرة حتى الآن حتى داخل حزبنا رغم أن أهم الإنتفاضات الشعبية المؤثرة فى مصر تمت بعيدا عن مقولة التنظيم 18-19 يناير ، تمرد الأمن المركزى ، 25 يناير ، ضد الإعلان الدستورى ، 30-6 ) ،تعريف التنظيم هنا هو كل كيان له قيادة وقواعد ولائحة وأعضاء منتظمون ، وهنا فنلاحظ ان أغلبية المشاركين فى الإنتفاضات المذكورة ليسوا منظمين ، ولا يعنى هذا تقديس العفوية فهى تقلل من إمكانية التوجيه والقيادة.
قوة انتفاضة يناير- رغم عفويتها وغياب تنظيمها - كانت فى تفكيكها للنواميس المقررة للنسق المؤسسى القائم ، والقدرة على هزيمة ضغوط البنك الدولى مؤقتا، وإمتداد تأثيرها إلى زيارة القدس وكامب ديفيد ومقتل السادات وحملة 81.
كان تأثير اليسار الماركسى ملموسا فى التعبئة الجماهيرية ،و تقديم البديل الفكرى ، والتمهيد للإنتفاضة ، لكنها لم تكن ومعها النقابات العمالية والمهنية إلا أفرادا مبعثرين فى سطح المحيط الهادر خلال الإنتفاضة نفسها ،( إكتشفنا بسهولة أثناء ثورة 25 يناير مدى تلاشى تأثيرنا على الأحداث ، وفى 30 يونيو حاولنا الاعداد والاستعداد وأطاحت بكل إعداداتنا امواج الجماهير ).
ظهر فى هبة 18يناير حلم بالبديل "كان باهتا وضعيفا" ناصرى تارة رغم تأثير الشعارات اليسارية على المشهد ، وفوضوى تارة أخرى ضد الدولة كجهاز قهر.
وظهر أيضا ماسمى بالأعمال التخريبية ليس فقط من معتادى الإجرام البلطجية بل من موقف طبقى عام لجمهور المهمشين وتبنى أشكال خاصة من القتال المادى والمعنوى ، وكرد فعل للبطش السلطوى بأشكاله المتنوعة الممارس ضد الشعب وهو مايسمى "التمثل".
وبدأت الإنتفاضة بعمال حلوان وبعض المصانع الحربية والدلتا للصلب فى شبرا الخيمة والترسانة البحرية بالأسكندرية وهندسة عين شمس .
(بدأت إنتفاضة 25 يناير من الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة المدينية أساسا وإنضم لها مهمشو المدن وفى النهاية الطبقة العاملة على إستحياء مما لا يمكن معه الحديث عن أن للطبقة العاملة دورا قويا بها ،أما هبة 30 -6 فهى هبة ضمت كل الطبقات تقريبا فى مشهد تاريخى قد لا يتكرر)
وظهر العنف أول ماظهر بعد إنسحاب الطلبة والعمال مساء 18 وإستمر بقوة يوم 19 وتوجه لكل مظاهر السلطة والثورة وأحيانا لبعض المرافق على أساس أنها ليست بلدنا.
ورصد صادق سعد رفض التيار الدينى" للثورة الحمراء" وأسمتها جريدة الإعتصام " ليلة سوداء" كما ورد ب "الإعتصام"(جريدة الإخوان المسلمين ) ،وورد بها أيضا طلب من" شباب محمد " بحل حزب اليسار ، كما هاجم أحمد حسين (رئيس حزب مصر الفتاة فى عهد ماقبل ثورة 23 يوليو )الإشتراكية.
كما خرج بنتيجة هامة وهى أن اليساربمختلف تنظيماته حاول منذ البداية – رغم توقعه للإنتفاضة بشكل ما – أن يحافظ عليها فى إطار الشرعية كإحتجاج فقط ولم يدرك جذريتها ويستوعب عنفها، وإنسحب من الميدان حينما وصلت الإنتفاضة لذروتها وترك الجماهير تخوض المعركة وحدها(فى حديث لخالد محييى الدين مع روز اليوسف قال أنه سمح عن مظاهرة تنظمها إحدى لجان الحزب يوم الأربعاء 19 يناير فأمر بمنعها فورا حتى لا يستغلها المتربصون ، والحزب الشيوعى المصرى فى مجلة الوعى فى 76 أفاد : حزبنا ضد محاولات التخريب التى تهدف فى النهاية إلى ضرب الحركة الجماهيرية ، وأيضا حزب العمال الشيوعى فى 76 فى مجلة الانتفاض :لقد نادينا بضرورة الاطاحة بحكم السادات مدركين ان دون هذا الهدف جهودا هائلة ).
فشلت الانتفاضة وتوازى فشلها مع عجز اليسار عن إدراك حقيقتها وتراجعه أمام مناورات النظام ، وتأكد صعوبة أن تنجح حركة عفوية فى تغيير النظام الحاكم (نجحت 25 ينايرو30-6 وهما يندرجان تحت الحركات العفوية فى تغيير شريحة من النظام وأجبرته على تغيير وجهه بوجه آخر )،ومن الصعب على اليسار أن ينجح فى إحداث تغيير عن طريق الدعاية والتبشيروالإعتماد على الهبات العفوية فقط دون التأثير السياسى والتنظيمى عليها.
ثم أن اليسار رغم عنف وجذرية هبة يناير لم يكن طارحا على نفسه مهمة تسلم السلطة وهو خطأ إستراتيجى يعنى إنفصاله التام عن الطبقات الشعبية.
كانت النتيجة هو بدء تحلل المنظمات الشيوعية فى مصر ، نسمة هواء ذهبت بها فى مهب الريح ، وهى التى كانت تدين بشدة حل الحزب الشيوعى فى 64.
تجدد مرة أخرى و بقوة بعد 18&19 يناير السؤال عن شكل العلاقة بين اليسار والجماهير الشعبية.

• فى المقال الثالث يتحدث صادق سعد عن شكل ومحتوى القيادة للجبهة الاشتراكية ويرى أن القيادة يجب أن تكون للطبقة العاملة فهى أكثر الطبقات تحررا من الحلقية والتعصب السياسى والدينى وأشدها عداء للإستبداد وتمسكا بالديمقراطية ،وهى القادرة على توحيد الطبقات خلفها ، وتمثل القيادة التاريخية فى مصر.(تبدو الأيديولوجيا واضحة هنا فصادق سعد يتحدث عن طبقة عاملة أخرى غير التى نعرفها ، بل أن الصفات التى صبغها على الطبقة العاملة تنطبق بشكل واضح على قطاعات من البرجوازية الصغيرة وبعض شرائح الطبقة الوسطى والمثقفين الثوريين ).
يستبعد التقدم نحو الاشتراكية عبر الطريق الديمقراطى الليبرالى ، إذ يتطلب ذلك شبكة واسعة وكثيفة من التنظيمات الديمقراطية المستقلة داخل الكتلة الشعبية والطبقة العاملة ، وهو يستبعد ذلك على أساس غياب الفلاحين والمهمشين وفقراء المدن والشرائح الدنيا من العمال "العتالين " والحرفيين لا يعرفون تنظيمات مستقلة وأحيانا حتى الغير مستقلة، وحتى التنظيمات الصوفية تسيطر عليها الدولة.
ويلفت النظر إلى وهن الأسس الإجتماعية للديمقراطية الليبرالية ومؤسساتها "الإنتخاب والمجالس التشريعية وغيرها "، كما يؤكد أن البرجوازية الليبرالية لاتسعى إلإ لإصلاحات دستورية ديمقراطية وتجابه بقوة أى ميل لديمقراطية جذرية تميل ناحية الطبقات الشعبية ولفت النظر إلى أن العاملين بمنظمات حقوق االإنسان هم اليساريون!!!.
كما ستحارب الإمبريالية العالمية أية مطالبات بديمقراطية تفتح الباب ضد النموذج الرأسمالى.
الإحتمال الوحيد من وجهة نظره هو أن تسبق التحول الديمقراطى الجذرى ثورة.
ثورة ثم تحول ديمقراطى جذرى.
هل تحقق 25 يناير و30 يونيو الشروط الواجبة للخروج إلى رحابة ديمقراطية جذرية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
استبعد حدوث ثورة ديكتاتورية البروليتاريا ، واستبعد إنقلاب شيوعى او شعبوى (الشعبوية عند صادق سعد مرادفة للإشتراكية الغير علمية الناصرية كمثال ).
رجح صادق سعد نموذج الهبات الشعبية الثورية التلقائية تفتح الفرصة لكى تتولى الحكم قيادة شعبوية وتتكرر الدورة من النصر للهزيمة إذ تأتى الرأسمالية الكبيرة من داخل النظام وتقضى عليه.
يبدو أن صادق سعد لا يتحدث عن خيال بل إن مايحدث فى مصر الآن هو نفس مارصده فى 88.
أما الإنتصار الدائم فيرهنه بإستقلال العمال والإضطلاع بالدور الطليعى وفرض الديمقراطية الجذرية ومعها الكتلة الشعبية التى ليست بالضرورة منظمة بل على الأغلب تتحرك بعفوية ، أى أن مفتاح الموقف فى يد الطبقة العاملة.
الشرط الأول للنجاح هو إستقلالية الطبقة العاملة ، والثانى هو جماهيرة الجبهة الإشتراكية التى تقودها الطبقة العاملة وإلتفاف الجماهير حول برنامجها، والشرط الثالث هو قيادة عضوية ماركسية للطبقة العاملة.
يمكن إستبدال الطبقة العاملة بالطبقات الشعبية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
أمامنا عمل ضخم ، فهل نحن أهل له أم أننا مستمرون فى أكل أنفسنا !!!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن