المنهج الاقتصادي لتحليل مشكلة الطائفية في العراق

فلاح خلف الربيعي
faalah@gmail.com

2013 / 8 / 29

إذا استخدمنا المنهج الاقتصادي في تحليل مشكلة الطائفية في العراق يمكن أن نقول :-
أن الطائفية على الصعيد الكل الاجتماعي المحلي هي مرض اجتماعي أو جرثومة تنتعش في أي بلد متنوع أثنياً ، حينما تجد الظروف الاقتصادية والاجتماعية الملائمة من ركود في الإنتاج وتضخم وفقر وبطالة وانتشار الجهل والتخلف ، وفي تلك الحالة فأنها ستعمل على الفتك بهذا البلد وتدمير بنته الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا الظروف مرت في العراق في اكثر من حقبه تاريحيه ومنها ما شهده في الأمس القريب (2006-2008).
أما على الصعيد الخارجي فقد وجدت القوى الإقليمية والدولية التي تريد للعراق ان يبقى دولة هشة وضعيفة وغير مستقرة وسهلة الاختراق ، أن أهدافها الخبيثة يمكن أن تتحقق بسهولة إذا نجحت في تمزيق النسيج الوطني وزرع الفتنة الطائفية ، لذا فأن تلك القوى استخدمت الطائفية كسلاح مجرب وفعال في تمزيق النسيج الاجتماعي والفتك بأبناء البلد بأقل التكاليف ،من هذا المنطلق يمكن أن نفسر السر في ارتباط معظم الأحزاب والكتل والجماعات الطائفية بالجهات الأجنبية التي توفرها لها الدعم والمساندة والتمويل ، وبذلك فأن تلك الحركات ستتحمل وزر الجريمتين ، جريمة الخيانة الوطنية نتيجة لتواطئها مع المشاريع والمخططات الأجنبية التي تسعى لإلحاق أفدح الإضرار بثروات العراق المادية والبشرية ، فضلا عن الجريمة الأبشع وهي العمل على تمزيق اللحمة الوطنية ونشر الإرهاب وإشاعة الفوضى والخراب وإيقاف عجلة التنمية والإعمار ، كما أن تلك الأحزاب والكتل والجماعات الطائفية غالبا ما تفتقر لأي خطاب سياسي واضح فضلا عن افتقارها لأي برنامج اقتصادي أو تنموي للتغيير وهي في المحصلة ليست أكثر من أدوات بيد الأجنبي .
ومما زاد الأمور تفاقما هو فشل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ 1921 لحد الآن في تطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تدعم عمليات إعادة البناء الاجتماعي والتي تكفل الحفاظ على عنصر التنوع والاندماج الاجتماعي، فضلا عن إخفاق الحكومات التي جاءت بعد عملية التغيير السياسي في العام 2003 في معالجة الآثار المدمرة للحروب والاستبداد وسياسات الحرمان والاستبعاد الاقتصادي والاجتماعي التي مورست خلال العقود الماضية، ويقودنا هذا التحليل إلى أن القول ، بأن هناك علاقة طردية بين ضعف الدولة في النواحي الاقتصادية والسياسية داخليا وخارجيا من ناحية وتعمق مشكلة الطائفية والتشرذم الاجتماعي من ناحية ثانية .

و هنا يرد سؤال تقليدي وهو هل إن المواطن العراقي العادي برئ من تهمة الطائفية إذا حملنا وزرها على الدولة والخارج والكتل السياسية ؟ الإجابة عن هذا السؤال تدخل ضمن الشق الثاني من منهج التحليل الجزئي الذي يركز عادة على تحليل سلوك الإفراد والأحزاب والمؤسسات ، من وجهة نظر هذا التحليل فأن الفرد بطبيعته هو شخص عقلاني ويتمتع بالحس السليم في الدفاع عن مصلحته وبالتالي فأنه سيميل نحو الخيارات التي تعظيم منفعته الاقتصادية والاجتماعية ، وعليه من المستبعد أن يلجأ الشخص العقلاني بمحض إرادته إلى تفضيل السلوك الطائفي على السلوك الوطني الموحد ، فهذا الخيار يتعارض مع فرضية العقلانية والسلوك الرشيد ، و يعني أن هذا الشخص سيعمل على احتضان جرثومة الطائفية داخل بيته أو بيئته الاجتماعية أو مجال حركته أو نشاطه وبالتالي فهو يعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإنعاش تلك الجرثومة ، وهذا النمط من الأشخاص الطفيليين يتسيدون المشهد السياسي والاجتماعي عندما تنتعش الصراعات والتوترات الاجتماعية والسياسية .وبقدر تعلق الأمر بالإفراد يمكن أن نقول إن الطائفية ستظل بالنسبة لهؤلاء هي خيار فردي شخصي أكثر من كونه خيار اجتماعي ، فالشخص الذي ربى نفسه أو تربى على أن يكون غير طائفي سيظل يمقت الطائفية ،ولن يكون طائفياً حتى لو كان ينتمي لأشد البيئات طائفية ، فنظافته الروحية ستقيه من خطر الإصابة بمرض الطائفية ، أما إذا كان شريراً أو ضعيفا أو جاهلا ، أو مصابا بأي عله أخرى تضعف من مناعته فأن هذا الشخص مرشح وبقوة للذهاب نحو الخيار غير العقلاني وهو تفضيل الطائفية على التنوع والاندماج الاجتماعي . وهذا ربما يفسر ارتفاع نسبة السلوك الطائفي بين أوساط الأميين وقليلي التعليم بالمقارنة مع المثقفين والمتعلمين الذين يفضلون العيش في بيئات مغلقة اجتماعيا ودينيا .
وفي الختام نقول أن الاهتمام بالسياسات الاجتماعية والسياسات التي تحفظ التنوع والاندماج الاجتماعي
هي السياسات التي تعمل على إعادة تنظيم القوى الاجتماعية المختلفة وصولا إلى إعادة إنتاج البناء الاجتماعي ويتطلب تحقيق هذا الهدف، زيادة الاهتمام بعملية بناء رأس المال البشري بزيادة الإنفاق على التربية والتعليم والثقافة وكل ماله صلة بعملية بناء الإنسان وتقوية المجتمع المدني المتحضر، أن ذلك إذا ما تحقق يمكن أن يخفف من غلواء الطائفية واستفحال ظاهرة التمزق في النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن