في منطق الفرقة الناجية والجهل المقدس

ايت خويا سعيد
said.nasuri@hotmail.fr

2013 / 8 / 14

“قتلي لعدوي عدل ، وقتل عدوي لي ظلم ، رأيي وديني صواب ، ورأي المخالفين ودينهم خطأ . هذا منطق كل الاذكياء - وكل الأغبياء”
عبد الله قصيمي
يبدو أن ما باتت تشهده المجتمعات العربية من حراك أبان عن وجود شرخ كبير داخل الأوساط المكونة لهذه المجتمعات ،وعن تناقض واختلاف جذري حاصل بين قطبين، وكلهما يضم في صفوفه و يستقطب أعداد واسعة من شرائح المجتمع، وتنبني العلاقة بين هذين التيارين أو القطبين على الرفض المتبادل ، ويرجع هذا الرفض بالأساس إلى المرتكزات والأسس التي تقوم عليها التركيبة الثقافية وكدى المبادئ والانتماءات الفكرية لكل تيار على حدا ، وإننا وقصد فهم أسباب الرفض والتعارض فإنه
لا مناص لنا من التركيز على المبادئ والأسس التي تميز التيارين،
يدافع التيار الأول عن الثورة وحقه فيها انطلاقا من تصوره الخاص، حول السياسة المجتمع الإنسان ، وهو في موقفه هذا نراه ينظر للمستقبل من زاوية ماض يراه مثاليا ونموذجا ،تصلح محاكاته في كل الأزمنة، في مقابل هذا التيار يبرز القطب المعارض بطابعه الفكري ،وسياقه الثقافي المختلف ،حاملا فهما يختص به حول السياسة الإنسان والمجتمع ،وإننا نرى أن الفريق الأول يلبس ثوب الإسلام ،ويدافع به عن مصالحه إنه يدعي لوحده النجاة فهل يصح هذا الرأي؟؟ أم أن المسألة لا تعدو أن تكون تشويها وتحريفا للدين له امتدادات وجذور ضاربة في التاريخ، وليست وليدة الظرفية الحالية ، لنفترض جدلا، أن هناك فرقة ناجية فلماذا هذا التعدد والتنوع الذي نلحظ في الفرق التي تنسب لنفسها النجاة دون أخرى؟؟
إن أي فكر يتأسس على منطق الفرقة الناجية بضرورة هو فكر إقصائي، إن الذي يتصور نفسه مجتبى وأن القوى الغيبية وحدها من لها الحق في محاسبته. (ولما قد تحاسبه فهو يدافع عنها ؟؟) لن يكون إلى متقوقعا على ذاته ،(وكيف لا يكون؟) كيف يكون من يرى غيره هالكا وكيف يأخذ منه وكيف له أن يقبل أن يشاطره الزمان والمكان
إن هذه البنية التي تحتضن هذا الفكر هي بؤرة لأبشع الجرائم، متى نشب الخلاف داخل هذه الفرقة التي تدعي لها النجاة دون سواها، هذا القول يمكن لأي منا التحقق منه يكفينا فقط، أن نتأمل القتلى وأعدادها بمجتمعات عربية إسلامية (سوريا، العراق..) يتخندق فكرها داخل دائرة الفرقة الناجية و كيف أن عملية القتل بها جارية على قدم وساق ،وكلا طرفي القتل يحسبان نفسيهما أنهما على الفرقة الناجية ،وأن قتيلهما شهيد إلا أن القتل هو القتل أفظع مايمكن أن يرتكب منجرائم ،وإن تنوعت التبريرات في فعله وتلونت، إن لا أحد منا يستطيع أن ينكر على الدين حضوره كضرورة لتقويم الروحي ،غير أنه بموزات هذا كذلك يصبح الدين ألية لإنتاج التخلف ،الجهل وتقديسه واحتاضنا لتطرف عندما يتم تفريغه من جوهره والزج به في السياسة، وتسخيره لضمان استمرار سلطوية فئة على أخرى.
وكي أوضح ما أرمي تبيانه فإني أقولها بصريح العبارة ،ليس هناك من اختلاف أراه بين أروبا سلطة الكنيسة وبين العالم الإسلامي في عصره الحالي ،فإن كانت أروبا عرفت ما سمي ،بصكوك الغفران ،محاكم التفتيش ،فإن العالم الإسلامي يشهد ما يمكن أن نسميه قداسة الشيخ وترفع علمه وسلطة قنوات تجارة الدين فما يروج له من خطابات أسطورية حول الدين وحول حياة الآخرة والمسائل المستقبلية لا يمكن اعتبارها إلا على أنها تدخل في عليات خندقة العقل والفكر العربي، أو كما يسميها محمد أركون عملية تقديس الجهل ،إن العقل الذي يصدق بأنه قوته اليومي وكسبه خارج عن إرادته ،وأن حياته والشاكلة التي يعيش بها إياها ليست نتاجه لن يكون إلا عقلا يحاجج بالخرافة، ويتخذها منطقا، إن طبيعة الوجود لذى الفئات المعتقدة في الأسطورة والخرافة يمكن درجه في الوجود المبتذل ،كما يراه مارتن هيدغر إنه وجود يبحث عن تصديق أي شيء ليحقق الراحة النفسية وإن كانت الأفكار التي تقوم عليها هذه الراحة، لا تمت للحقائق والذهنية العلمية بصلة.
قد يرفض البعض طرحنا هذا ،ويعتقد أننا إزاء التنقيص أو الطعن في الدين، ويحاجج بكون الأخير لا ينفك يؤثر في كل جوانب حياة الفرد المسلم ،وأننا لا نعطي هذا لأمر حقه ، وردنا على هذا لقول أننا لانشك في مصداقية هذا الكلام وحقيقته ولا نعارضه وأننا على علم تام أنه "حتى فترة قريبة لم يكن المواطن المسلم أو الفلاح المسلم يحمل أية اهتمامات سياسية أو يقوم بأية وظيفة ذات طابع سياسي ولم يكن في متناول يده عن الأدبيات سوى الأدبيات الدينية ولم يكن يعرف شيئا عن العالم الخارجي باستثناء القليل إلا من خلال منظار ديني وبالتالي الديني يعني كل شيء بالنسبة إليه" صادق جلال العظم
إنما نرفضه هو مالا ينبغي قبوله من عمليات توريت الخطاب الأسطوري حول الدين، والتي ثم معها إفراغ الدين من جوهره و طابعه العقلاني، إن هذه العملية تؤسس لموروث تقافي يقدس الماضي وكأنه الحقيقة والمصير الوحيد الذي خلق له الإنسان، إن الذي يرجع إلى الماضي أكثر مما يتطلع إلى المستقبل ،لا يعيش حاضره أليس المستقبل إلا نتاج ما خططه أهل الحاضر!! إن الخوف من المستقبل مصدره الأوحد الجهل بما ينبغي عمله في هذا الحاضر وجعله أفضل، وإن كنا على اقتناع بفاعلية حضور الديني في توجيه سلوك الفرد المسلم وميولاته ،فهذا لا يعني أن الدين أي دين معطى نهائي وثابت ،فرغم كونه يتجلى على أنه متعال وخارج عن قدرة الأفراد، إلا أنه يبقى تلك البنية الفوقية التي لا تأخذ شكلها إلا انطلاقا من واقع وحاضر البنية التحتية وحاجاتها .
ويمكننا القول أنما تشهده المجتمعات الإسلامية ،وخاصة تلك التي شهدت تمردات أطاحت بالأنظمة الحاكمة، من صراع بين التيار التقدمي والأخر المخالف له هو صراع قديم جديد.
قديم لكونه عبارة عن حالة من التقابل بين ماض يبحت له عن مكان داخل حاضر سمته الأساس أنه لا يقوم إلا على الفصل بين السابق واللاحق و حاضر يرفض إن ينتسب واقعه أو أن يتقيد بالماضي وهو تقابل دائم مدام هناك ماض وحاضر ومجتمع يأخذ من الأول حسب حاجته و يشكل الثاني وفق ما يظهر له على أنه الصائب.
وجديد لأن حالة التقابل بين جذور الماض التي ينتمي إليها فريق المحافظة وفريق ذو الطابع التقدمي تجاوزت حدود الخطاب الشفهي إلى الفعل والإعلان عن حالة التعارض والرفض المتبادل، إنه حالة تلخصها قولة أنطونيو غرامشي "القديم يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد بعد وفي هذا الفاصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها."
ووفق هذا كله فإن ما يمكن أن نخلص إليه ،هو أن منطق الفرقة الناجية يستند كتدعيم لطروحاته على الجهل المقدس، فالثاني عملية يتم فيها تغيب العقل في الجانب العقائدي والديني، يصبح خلالها الفرد المتدين يؤمن بأمور يجهل صحتها ،ويصدق بأشياء لا يقبل النقاش فيها هذا الجهل الذي يصير مقدسا في ارتباطه بالدين ، توظفه الفرقة الناجية وتأسس عليه قطعياتها ويقينياتها.
أن ما يجهله من يتصورون أن هناك فرقة يحق لها النجاة دون غيرها ،أن الإنسان قادر على أن يحيا وأن يعيش خالقا لنفسه ما يبهجه وما يسعده ،قد يكون لطبيعة الخلق وشكلها أثر سلبية مضرات عليه، لاكن يبقى الإنسان وحده القادر على تجاوز ما يهدد وجوده ،إنه قادر على تجاوز ما يظهر لنا اليوم ومن زاوية نظرنا الحالية والضيقة مستحيل تخطيه ،إنه الإنسان إنه الغد الممكن ،هكذا يجب أن نعرفه، وهكذا يجب أن يرى وهكذا هو.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن