الملحدون وممارسة التسقيط في الخطاب الديني

سنان الخالدي
hello_se1983@yahoo.com

2013 / 7 / 13

هذه الأيام نشهد حرباً ضروسا من قبل ملحدين متطرفين أنتشروا في مواقع التواصل الاجتماعي، يجادلون بتعصب ويجهدون انفسهم محاولين تسفيه عقولنا وما نؤمن به كل حسب معتقده الديني، هم يعانون من حالة مرضية تدفعهم إلى التصلب في الرأي والمعاندة في قبول الحق، والواحد منهم يرى في نفسه أنه وصل إلى مرحلة الكمال المعرفي والغنى الثقافي .
يحفظون سورا من القرأن ومن احاديث الرسول, يخرجون علينا من صفحات الفيس بوك بصور غريبة لفلاسفة او انبياء هنود و ايرانيين, و لهم في الغالب اسلوب مُستفز, يصدمونك بكلماتهم وأسألتهم القديمة الجديدة ( من خلق الله؟ أين الله ؟ هل خلقنا الله ليعذبنا ؟ . . . . الخ من هذه الاسئلة التي يدعون انهم وصلوا لإجاباتها بالتفكير المنطقي و التأمل الفلسفي العميق و الاستدلال العقلي، فتراك بمجرد ان تقرأها تلبس عمامة المتدينين المتشددين رغم انك في حالتك الأعتيادية اكثر المنتقدين لهم .
وما كان وجودهم إلا كرد فعل طبيعي لسقوط التدين داخل الأوساط الثقافية في المجتمع بعد عديد الكوارث و المآسي التي حصلت باسم الدين .
ومما لفت انتباهي هذه الأيام هو أنتقاصهم من التشريع الاسلامي واتهامه بإنه دين الأعتداء و القتل، دين لا يحترم الانسانية بل يهينها، دين لا يعرف العدالة والتسامح والمحبة.
هم دائما يتلقفون فتاوى الجهلة ممن ينسبون انفسهم للأديان وهم للأطيان اقرب، ويقتطعون نصوصا من الاحاديث النبوية والكتب السماوية كي يستطيعوا نقد و تفنيد الاديان وبالاخص دين الاسلام منها و التدليل على بشرية القران للبرهنة على صحة الالحاد في حملتهم التنويرية، فسعوا جاهدين الى فرض وجودهم خصوصا بعد ان استفحلت ظاهرة التطرف الاصولي، وغدت تهدد الدول والشعوب مشرقا ومغربا، لكنهم فشلوا في ذلك .
ومما لاحظته هذه الأيام انهم ينسبون الشبهة إلى القرآن ببعض الآيات منه كهذه الآية :
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون )
وقد حاورت احدهم بهذا الخصوص بعد قام بنشر هذه الآية مدعيا ان الاسلام يحث على قتل اهل الكتاب فقلت له:
أنا مسلم وانت ملحد لست من اهل الكتاب، وهذه الآية لي فما شأنك انت ؟ أعلم ان الثقافة هي احترام الحضارات الآخرى . فأترك عنك مجادلتي فالآية واضحة وهي في سورة التوبة التي لم تقرأ فيها :
(( وإن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون * يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فأستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ))
و الاية التى امامك من سوره التوبة أيضا وهي لا تحض على قتال كل اهل الكتاب من اليهود والنصارى بل تقاتل من اعتدى فقط . والآية الأولى التى امرت بقتال اهل الكتاب كانت لها أسبابها، ألا وهى غزوة تبوك ومعركة مؤتة
التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الشام من النصارى من العرب والرومان .
فالمقلب لصفحات كتب السيرة والمطالع لإسباب الغزوات يعلم إن الذي أشعل نار الحرب هذه هم أهل الكتاب .
و أول تلك الأسباب التي دعت المسلمين بقتال أهل الكتاب من اولئك؛ هو الإعتداء بقتل سفير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عمير الأزدي ـ على يدي شُرحبيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصرى
وبما انهم قتلوا سفير رسول الله؛
إذاً هم المعتدون .
هل اعتدى المسلمون يا ملحد أم هم المضطهدون؟
وهناك آية في اول سورة من كتابنا الذي لم تحترمه انت تقول :
(( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ))
فان الله الذي امرنا بالقتال امرنا بعدم الاعتداء لأنه سبحانه لا يحب المعتدين .
إذا نخلص الى نتيجة قتال أهل الكتاب إذا قاتلونا فقط
واذا سالمونا قال الله عنهم :
(( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ))
و لدينا عشرات الآيات والأحاديث التي تدحض ما تحججت به لتضمن استمرارية التوهان لديك ...
ومع هذا لم أجبرك لكي تقتنع بديني ولن افعل ذلك، لكن عليك احترام الناس كي يحترموك، وكن على قدر المسؤولية في أن لا تحرج نفسك امامهم، وكن كفؤاً في ان تحاورهم لا ان تجادلهم، هذا ما اعتقدوا به فأصنع لنفسك معتقداتك ثم ادعوا لها بأدب لا بتسقيط الآخرين باسلوب ماكر او أن تلصق بهم تهمة شنيعة بغض النظر عما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة ثم تروج لها لدى الخاص والعام هارباً من ضياعك .
إن التسقيط الذي يستخدمه هؤلاء هو نوع من الإرهاب الفكري الذي يساهم وبشكل كبير في جمود الحراك الثقافي في المجتمع والحيلولة دون تنمية المجتمعات من الناحية المعرفية والثقافية بهذا التعصب لآراءهم التي يتعبرونها صحيحة غير قابلة للجدل ، وقد ذكرهم الدكتور علي الوردي في كتابه ( مهزلة العقل البشري ) قائلاً : فإذا رأوا انساناً متعصباً لرأيه غضبوا عليه ولعنوه، وما دروا بأنهم مثله متعصبون ، ومثلهم بهذا كمثل الغراب الذي يعيب غراباً آخر بسواد وجهه و هو مثله اسود الوجه )) . فما ان يفشلوا في الحوار مع أضدادهم بالفكر حتى يبدأوا بالأستناد إلى اقوال من نصبوا انفسهم سفراء الله في الارض ، و كلاهما فاشل في تسفيهه ومكابرته وبلادته .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن