الأخوان المسلمين وحرب الشائعات

صفوت سابا
safwatsaba@outlook.com

2013 / 7 / 13

في عام 1965حضر"إرنست وينر" (Ernest Weiner) الملحق الثقافى للولايات المتحدة الأمريكية فى روسيا معرضاً إحتفالياً لموسيقى الجاز (Jazz) في نادى البلو بيرد (Blue Bird) في موسكو. وفى الوقت الذى إنشغل فيه مديرو النادي الروسى بمراقبه جمهور الحضور لضمان سلامة الدبلوماسي الأميركي، كان "وينر" مستغرقاً فى تفكيره فى كيف أصبحت موسيقى الجاز عاملاً جوهرياً في تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكيف أصبحت رمزاً عالمياً للحرب البارده التى شنها الأمريكان على الروس لتذويب الثقافه الروسيه فى ثقافه الولايات المتحدة وحلفائها.

والحرب البارده لاتعتمد على الأدوات التقليديه للحرب ، بل تقتصر إسلحتها على الهمس السري والإيحاء النفسي والمؤثرات الثقافيه. وتعود بداياتها إلى الفتره ما بين 1974 - 1991 التى شهدت توتراً سياسياً وعسكرياً مستمراً بين معسكر الكتلة الغربية – بقياده الولايات المتحدة و حلف شمال الاطلسي (الناتو) - والكتلة الشرقية بقياده الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو. وقد سميت بهذا المسمى لأنه بالرغم من أن كلاً من المعسكرين كانا يمتلكان أسلحةً نوويةً ، الا أنهما قد لجأ إلى إستخدام حرباً نفسية مستمرة وغير مباشرة لفرض نفوذهما فى العالم أجمع.

وللحرب البارده أنواعاً وأشكالاً كثيره ، منها "حرب الأعصاب" أو "حرب الشائعات"، وهى موضوع مقالى هذا.
بحسب القاموس المحيط تاتى كلمه "شائعةُ" مِن شاع الخَبَرُ إذا ظهر وانتشر ، وقيل: "الشائعه" هي رواية مُصْطَنَعة يَتِمُّ تَناوُلُها بأيِّ وسيلة متعارف عليها، دونَ الإهتمام بـمَشِيعُها أى مصدرها ، وهو الحَقودُ الذى يذيع خبراً كاذباً بقصد إثاره البَلْبلة والفتنة في المجتمع.
حرب الشائعات هى حربٌ نفسيهٌ من الطراز الأول ، لايُسْتَخْدَم فيها الأسلحه التقليديه للحرب من دبابات أو بنادق أو صورايخ أو غيرها ، بل أى من الاساليب والحيل النفسيه والاجتماعيه التى من شأنها ان تؤثر فى مشاعر وإنفعالات شعوب العدو. وتُعَـدْ المعلومات من اهم أدوات هذه الحرب وغالباً ماتُبَثْ للمجتمع المُسْتَهْدَف عن طريق أفراد أو جماعات تنتمى إلى هذا المجتمع بهدف إضعاف جبهته الداخلية ، وخفض معنوياته وتفككه .
وهذا ما يتبعه الإخوان المسلمين فى هذه الايام ، فنراهم يبثون شائعاتهم فى صوره أخبار أو كلمات مكتوبه أو مسموعه ، فيديوهات مرفوعه على مواقع إليكترونيه أو غيرها كالنكات التى تسخر من الجيش المصرى أو رئيسه الحالى أو الإنجازات التى تمت حتى الآن فى المرحله الإنتقاليه.

وفى الظروف التى تمر بها مصر بعد ثوره يونيه المجيده ، نرى شائعاتاً كثيرةً تاتى فى ثياب أخبارٍ كاذبهٍ - ينشرها جماعات الأسلام السياسى بقياده الإخوان المسلمين - على صفحات التواصل الإجتماعى والتى تتناقلها أحياناً إجهزه الإعلام الأخرى.
وتعتمد الشائعات على حقائق جزئية يمكن رصدها في الواقع مما يجعل الخبر المراد ترويجه يبدو منطقياً بسيطاً ، قابلاً للتصديق و الحفظ ، فيجد قبولاً فى نفس مُتَلَقِّيه لينتشر بسهوله من شخص إلى آخر. وأحياناً ما يكون الخبر صحيحاً فى معظمه ، إذ ينحصر كذبه فى كلماتٍ أو ألفاظ قليله - بالزياده أو النقص - ولكنها قادره على تغير من معنى الخبر كله . وقد تأتى الشائعه فى صوره المبالغه فى إذاعه خبراً معيناً يحتوي على جزء ضئيل من الحقيقة. وكثيراً مانرى الإخوان المسلمين يزينون شائعاتهم بنصوصٍ دينيهٍ ترتبط فى أذهاننا بالمصداقيه ، حتى يقبلها القارئ دون البحث عن معايير تؤكد صدق هذا الخبر. وهم بهذا يتحايلون على أياتٍ من القرآن الكريم وكأن الشعب المصرى يجهل كتابه العزيز.

وبشائعاتهم يهدف الإخوان المسلمين إلى إظهار الحكومه الحاليه للشعب المصرى والشعوب الأخرى على أنها عاجزه على التعامل مع المشاكل التى تواجها البلاد ، فتنتشر الفوضى بين افراد الشعب ، ويغيب القانون مما يزكى الأقتتال الداخلى ، والإضعاف الذاتى والإنقسام المجتمعى. كما تهدف شائعات الإخوان المسلمين إلى إثاره عوامل التفرقة في صفوف القوى السياسيه التى لاتتفق معها فى رؤيتها وفقا للمبدأ الشهير: " فرق تسد ". بالإضافه إلى التشكيك فى القوات المسلحه المصريه العظيمه وعقيدتها وأخلاقها ومبادئها حتى يصاب الشعب بحاله من فقدان الثقه فيها ، والقلق على الحاضر، والخوف من المستقبل ، فتكون عوده مرسى خياراً منطقياً ، غير عالمين أن مرسى لن يعود. وما مؤتمرات الأخوان المسلمين وشعاراتهم الا أسلحة موجهه إلى الروح المعنويه لشعب وجيش مصر حتى يُسَلَّم بقوتهم وبضعف صفوف خصومهم السياسين فييأس الشعب ويقبل نفسياَ على الأقل بأن الرئيس السابق عائد إلى الحكم. وتشير الملاحظات المبدئيه أن قاده الإخوان المسلمين قد دفعوا بشباب جماعتهم للقتل فى حادثه الحرس الجمهورى ، ليكسبوا تعاطف الشعب المصرى، ويصورون جيشنا الباسل على أنه لا يعبأ بالخساره البشريه ، كما يرسلون رساله إلى العالم الخارجى لإدانه الجيش بهدف إظهار قادته على انهم إنقلابيون وليسوا رجال دوله.

والخبر المزيف فى حد ذاته لايمثل شائعه مكتمله الأركان ، فالشائعه تحتاج إلى مَنْ يُرَوَّج لها من الأفراد بدون تدقيق أو تأكد من صحتها ، فلهذا يقع على عاتق القارئ مسئوليه وأد الشائعه بالأمتناع عن ترديد مالم يتأكد من صحته أو مالا تذيعه جهات مؤثوق فيها.

وتظهر الشائعات وتنتشر فى غياب معلومات حقيقه عن الأحداث التى يهتم بها الشعب ، والتى يُنْتَظَر صدورها من مصادر موثق بها. لهذا كلما صارحت الجهات المسؤله الشعب بالحقائق ، كلما عجزت الشائعات عن تحقيق أهدافها.
لكن كيف نفرق بين الإشاعه والخبر الحقيقى ؟ هذه بعض الأدوات التى إستخدمها للتحقيق من الأخبار التى أقرأها:-
1 - من المهم أن تتعرف على مصادر أى خبر قبل قرأته ، تأكد من إسم الجريده أو الموقع الإلكترونى الذى نشره ، أسأل نفسك هل هذه المصادر ذات سمعه معتبره بين وسائل الإعلام والقراء.

2 - إسأل نفسك - بعد قراءة المقال - أسئلة لتحديد العناصر الأساسيه لهذا الخبر مثل: "من هو بطل هذا الخبر؟ ماهى فحوى هذا الخبر؟ زمن حدوثه ؟ أين حدث؟ لماذا وكيف حدث بهذه الصوره؟ ". فغياب الإجابه عن أى من هذه الأسئله يجعلنى أشك فى صحه هذا الخبر.

3 - لاحظ الأسلوب الذى يتبناه كاتب الخبر فى الكتابه عن عناصر الخبر وأبطاله ، فهو مؤشرا حقيقياً عن مهنيه كاتب المقال ومدى موضوعيته أو تحيزه.

4 - لاحظ بعض المؤشرات التى توحى بصدق الخبر مثل : هل أورد الكاتب مصادر إدعائته ، وهل إلتقى بشهود عيان الحدث؟ وهل أتفق شهود العيان على نفس أحداث الخبر ؟ وهل يفسر بعض الشهود مايسرده بعض الشهود من أحداث.

5 - ارصد المصادر المبهمه التى يوردها الكاتب فتشكك فى مصداقيته مثل: "وقد قال مصدر" ، "وقد صرح مسئول" ، " تداول نشطاء على صفحات الفيس بوك " ، "أعلنت صفحة إليكترونيه، عبر موقع التواصل الإجتماعى الفيس بوك" ، " كشفت مصادر قريبة الصلة من ... " ، " خبير عسكري : ... " وغيرها.

6 - حاول أن تعيد كتابة هذا الخبر- وذلك باستخدام نفس المعلومات التى وردت فى الخبر- وحاول أن تحكي خبراً مختلفاً تماما عن الذى قرأته. فأن إستطعت أن تفعل ذلك، فهذا معناه أن المادة المنشوره يمكن تعديلها للوصول بنسخة أخرى من ماده الخبر المنشور.

7 - تعلم كيف تفرق بين الخبر والبيانات الصحفيه التى تنشرها المؤسسات لنشر وجهة نظرها عن اخبار معينه ، وهذه ليست أخبار فى ذاتها وإنما تفسيراً موجهً من قبل منظمات معينه.

إنه لمن المحزن حقا أن نرى بعض المواقع الإلكترونيه والجرائد اليوميه - التى يفترض أنها مهنيهٌ بقدر كاف يجنبها ترديد أخباراً كاذبه ً – تقع فى فخ الشائعات ونشرها. لهذا أتمنى أن قانون الإعلام الجديد يُحَمِلْ هذه القنوات الإعلاميه مسئوليه نشرها للشائعات. كما أرجو أن يقوم المسؤلون بإنشاء موقع الكترونى لمراقبه الجرائد ألتى تنشر أخباراً مشكوكاً فى صحتها ، كما أثق أن القارئ المصرى سيعاقب الجرائد التى تنشر تلك الإخبار بمقاطعتها.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن