رؤيا نادل..(قصة قصيرة...)

محمد كامل العبيدي
med_kamelabidi@yahoo.fr

2013 / 7 / 6

انتهى النادل من آخر طلب..وجلس في الركن الأخير ليستريح.. كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، كانت ليلة رطبة صاخبة مضنية..انتزع حذاءه بعناء.. وضع يده اليمنى على جبينه متكئا على النافذة وراح يراقب داخل الحانة حينا و حينا آخر يطلق نظرة طويلة إلى الخارج...والدّخان يتصاعد بقوة.. قهقهات أربعة نسوة يطفن بخمسة رجال أرهقهم كثرة الشرب و تصنّع النساء.
في الخارج بدا نور الفجر يبزغ..
هذا منادي ينادي: "الصلاة خير من النوم..الصلاة خير من النوم".
تمتم في هدوء و غصّة: وهل كان لي فيه حظ؟؟
دفع حذاءه بساقيه المنهكتين من تعب الوقوف وتلبية رغبات لا تنتهي من الشرب و الأكل، ليأخذه بين يديه و يخرج حافي القدمين إلى حيث الشاطئ القريب.
تنهّد طويلا قائلا: "إييييه ما أعذب نسمة البحر بعد تلوث شربته طول ليل"...و راح يجر ساقيه إلى الصخرة المتلاطمة مع الموج ليجلس و يمد نظره طويلا إلى مداد البحر و ينعم ببرودة تدغدغ ساقيه مع كل غمرة ماء...
طلع الفجر وبدت خيوط حمراء تمتد على الماء و نظره لم يفارق البحر..صمت جميل و صوت الموج خفيف كرقة همسة حبيبة في أذن حبيبها ساعة هناء..
بينما هو كذلك و مع طلوع الشمس إذ تفاجئه على حين التفاتة امرأة ترتدي بنطلونا أبيضا فضفاضا و قميصا في نفس النصاعة و البياض ربطته على حزامها ترفل الخطى و حبات الرمل تقبّل ساقيها حمدا لما جادت به السماء..
هاهي في كل خطوة تترك "رسمة" على الرمل يسعى إليها ماء البحر ليفوز بها..والشعر الحريري يتدلى في انسياب حينا و حينا يقفز على إيقاع رقصات نهديها المكتنزين إغراء...
-"ما هذا؟!
أأحلم ؟!
أم هدية من السماء؟
لم تمطر يوما لؤلؤا ولا حوريات كما أرى..لم تمطر يوما و ما ينبغي لها.. فما أرى؟! "
جالت بخاطره كل هذه الأسئلة و راودته نفسه عنها...وبعد تنهيدة طويلة قال:" رحماك ربي..ماذا أرى؟ ..لا تجوز لي فأنا ما كنت يوما ممن قام ليلا و ما أقمت لك صلاة و لا دعاء..سبحانك تُهدي ما تشاء لمن تشاء..سبحانك عمّا أرى..سبحانك صوّرت فكانت نجمة تنافس أشعة الشمس و أكثر بهاء... "
و أغمض عينيه المحترقتين ليصدق ما رأى و حين غفلة أفل ما كان يرى...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن