هل ستفقد مصر نيلها؟

توفيق أبو شومر

2013 / 6 / 22

كتبت عام 2007 مقالا بعنوان الحرب المائية الثالثة أشرتُ فيه إلى أن ألفيتنا الثالثة ستعيد العالم إلى بدائيته الأولى(كيانات وإثنيات وقبائل تتصارع على الماء والكلأ)!
"قُتِلَ ستةُ أشخاص من قبيلتين متصارعتين على المياه في اليمن، لأن الماء تصل كل شهر مرة، كما أن معظم مشكلات السودان هي من قبيل الصراع على الماء!"
خبر تناقلته وكالات الأنباء
من المعروف أن تركيا منبع نهري دجلة والفرات أقامت عدة سدود على النهرين، وأبرزها سد أتتاتورك، وهي تتحكم في كمية المياه التي تصل إلى كل من سوريا والعراق، وهناك صراعٌ خفي بين تلك الدول على الحصص المائية!
وأشرت في المقال السابق إلى أن الدول التي تستعد لهذه المعركة هي الدول التي تملك مفاتيح المخزونات المائية في باطن الأرض، وإسرائيل هي الدولة الأولى الرائدة في هذا المجال، فقد أعدت الدراسات المائية حتى قبل تأسيسها بعقدين على الأقل، وليس من قبيل المبالغة القول:
إن إسرائيل من أبرز دول العالم في الدراسات المائية، كما أنها هي أول دولة في العالم أعلنت الحرب المائية!!
فقد شنت عام 1964 وعام 1965 سلسلة غارات على مشاريع تحويل روافد نهر الأردن، ودمرت كل المشروع، وكان مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964 قد قرَّر تحويل روافد نهر الأردن، لأن إسرائيل تريد تحويل مياه نهر الأردن لري منطقة النقب، وكانت تلك هي إرهاصات حرب 1967 !!
كذلك فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تضع إستراتيجيتها الحربية وفق الأبحاث والدراسات المائية، لذا فإن احتلال الجولان ليس سوى احتلال لأهم مصادر المياه التي تمد إسرائيل بربع احتياجاتها، كما أن مستوطناتها الكبيرة لم تُؤسس عشوائيا، بل إنها تقع فوق البحيرة المائية الفلسطينية، وأقامت كل مستوطناتها السابقة في غزة أيضا فوق البحيرة المائية الحلوة ، كما أنها هي الدولة الوحيدة التي تضع المياه في مقدمة جداول المفاوضات مع دول العالم!
وإليكم مقالا كتبه لصحيفة الجورسلم بوست يوم 7/6/2013 سفيرٌ إسرائيليٌ سابق في مصر والسويد وفي رومانيا هو تسفي مازل بعنوان:
هل ستفقد مصر نيلها؟
والمقال يؤكد بأن سفراء إسرائيل ليسوا إلا جنودا وسياسيين وموظفين ساميين حصلوا على وظيفتهم مكافأة لعملهم من أجل إسرائيل،وليسوا كسفرائنا يحصلون على السفارات بالولاءات أو مطرودين ومبعدين عن الوطن ، فسفراء إسرائيل عيونٌ .
هذا السفير ظل يطارد كل منتقدي إسرائيل في السويد وأطلق عليهم لقب لا ساميين وهو نموذج حي للسفراء في إسرائيل، يتبع رأي المؤسسة الإسرائيلية المتيقنة بأن الحروب القادمة هي حروبٌ على الماء!!
وفي المقال يتتبع السفيرُ الإسرائيلي جذور أزمة مياه النيل في مقال توضيحي مهم يقول:
أثار إعلان إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق إلى سد النهضة فيها لتوليد الكهرباء يوم 28/5/2013 صدمة في مصر، فقد وصل الأمر بمصريين كثيرين إلى الدعوة لشن حربٍ على أثيوبيا!
قال هيرودوت في القرن الرابع قبل الميلاد(مصر هبة النيل)، وظل هذا القول سائدا حتى اليوم، هذا النهر يجري مسافة أربعة آلاف ميل، أسس أقدم الحضارات، 95% من مصر هي صحراء، كما أن النيل لا يجلب الماء فقط، بل يجلب الطمي والتربة الخصبة، مما يساعد على زراعة مليون كيلومتر مربع إي 4% من المساحة الكلية، ويتفرع النيل في الشمال إلى فرعين قبل أن يصل إلى البحر، ويخلق بينهما الدلتا وهي أهم مصادر حياة المصريين، حيث يعيش على ضفافه اليوم خمسة وثمانون مليون مصري.
اعتاد المصريون أن يعتبروا النيل ملكا خالصا لهم، وهم يعترفون للسودان بحصة صغيرة على مضض!
وفق المعاهدة الموقعة عام 1929 فإن نصيب مصر هو 48 مليار متر مكعب ، وكانت مصر ومعظم البلاد الإفريقية تحت الانتداب البريطاني في تلك الفترة، أما نصيب السودان فكان أربعة مليارات فقط، وتمنح المعاهدة مصر حق مراقبة منابع النيل، وكان محظورا على الدول الإفريقية بناء السدود، لذلك تملك مصر الحق في مراقبة منابع النيل، فهناك لجنة مصرية على ضفاف بحيرة فيكتوريا.
وفي عام 1959 جرى تعديل الاتفاقية، بحيث تحصل مصر على 555 مليار متر مكعب سنويا، والسودان على 18.5 مليار متر مكعب إي 87% من مجموع المخزون السنوي لكل مجاري النيل، وهذا يجعل 13% من دول أعالي النيل كإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي ورواندا وكينيا والكونغو لا تستفيد من هذه المياه.
كما أن الاتفاقية أجازت لمصر أن تبني سد أسوان وبحيرة ناصر التي تتسع 168 مليار كوب، وهذا مكَّن المصريين من توليد 2100 ميغاوات من الكهرباء، وجعل بحيرة ناصر تتحكم في الفيضان، حتى لا يهدد القاهرة.
شهدتْ إفريقيا تغييرات جمة في الخمسين سنة الماضية، في قطاع النمو السكاني، لذلك فقد نُظِّمت اللقاءات حول مشاكل المياه مع مصر، التي كانت ترفض رؤية المشكلة، فمنعت الدول الإفريقية الأخرى من الاستفادة من مياه النيل، وضغطت على البنك الدولي لمنعه من تقديم معونات وقروض للاستثمار في مشاريع مائية وكهربائية بتهديدات مبطنة، غير أن المشكلة ظلت كامنة، ففي مايو 2010 قدمتْ دول أعالي النيل مشروعا اسمه (اتفاقية عنتيبي) في مؤتمر شرم الشيخ، ويقضي المشروع باقتسام مياه النيل، فرفضت مصر الاتفاقية، وظلت مصرة على اتفاقية 1929-1959 ، لذا فقد قررت الدول الإفريقية تبني المشروع الجديد!
لم يكن نظام مبارك أو الجيش المصري مستعدا لمناقشة الموضوع مع الدول الإفريقية، وظلت إثيوبيا تخطط لبناء السد لتطوير بلدها، مع العلم بأن النيل الأزرق يمد نهر النيل 85% ومصدر النيل الأزرق هو إثيوبيا، وهي أكبر الدول الإفريقية، فسكان إثيوبيا سيتجاوز عددهم عدد سكان مصر في السنوات المقبلة!
شرعت إثيوبيا في بناء عدة سدود، أبرزها سد النهضة الذي صُمِّمَ ليحتجز مائتي مليار كوب، وسيولد ستة آلاف ميغاوات من الكهرباء.
إن التهديد المصري لم يردع إثيوبيا، وفجأة خلال الأسبوع الماضي بعد اجتماع الرئيس المصري مرسي مع رئيس وزراء إثيوبيا هيلاماريام، جرى الإعلان عن تحويل النيل الأزرق لسد النهضة، واعتبر المصريون هذا الإعلان إهانة لهم، لأن مرسي لم يكن يعلم عن هذا البيان، على الرغم من أن إثيوبيا أعلنت:
إن حصة مصر من مياه النيل لن تُمس!! فالسد لن يكون جاهزا إلا في عام 2017 .
لم يثق المصريون في هذا التصريح، وهم خائفون على حصتهم ، وعلى إبطاء سير ماء النيل، مما سيخفض الماء إلى 759 مليار كوب، فأعلنت مصر بأنها لن تتسامح في حصتها، وهم اليوم ينتظرون تقرير اللجان.
طالب السياسيون بوقفة حازمة في وجه إثيوبيا، حتى لو وصل الأمر لإعلان هجوم عسكري على منشآت السد، كما أن مجموعات إسلامية أفتت بالجهاد ضد إثيوبيا، ودعا آخرون إلى منع السفن الإثيوبية من المرور في قناة السويس.
وقال مرشح الرئاسية السابق حمدين صباحي:
"يجب تطبيق العقوبات على إيطاليا وأمريكا وإسرائيل أيضا لأنها تدعم وتمول إنشاء سد النهضة"
كما أن وزارة الري تقول : إن الوقت لم ينفد، فهناك مجال للمفاوضات، والعجز سيصل إلى سبعة مليارات كوب، وسيصل عدد سكان مصر 2050 إلى مائة وخمسين مليونا، وسيصل العجز حينئذِ إلى 21 مليار كوب.
ومما يُشعل فتيل الأزمة أن السودان أعلنت بأنها لن تتضرر من إقامة سد النهضة، وهي تستغل هذا الحدث للحصول على مكاسب سياسية لإرغام مصر على الاعتدال بشأن النزاع على منطقتي حلايب وشلاتين على البحر الأحمر، وتدعي مصر ملكيتهما!
كما أن إسرائيل متهمة أيضا بعدة خطايا، أبرزها أنها تحرض إثيوبيا على مصر، وتقدم لها مساعدات في مجال الزراعة، مما يزيد من حاجة إثيوبيا للمياه، وتنسى مصر نفسها أنها تتعاون مع إسرائيل في مجال التكنولوجيا الزراعية منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، فمصر شكرت إسرائيل على مساعدتها في مجال توفير مياه الري واعتماد التنقيط في الري في الصحراء، فالزراعة المصرية تعتمد اليوم على التكنولوجيا الإسرائيلية ففي كيبوتس برور حايل Bror Hayil تدرَّب آلاف الشباب المصريين على فنون الري.
ظلت مصر ترفض منذ عقود التفاوض مع دول أعالي النيل لزيادة نصيبها، وظل الإعلام محاصرا وممنوعا من قبل المصريين ولم تسمح له مصر بإجراء الاستطلاعات حول الموضوع، وظل 1600 مليار كوب تصب في النيل لخمسة وثمانين مليون مصري، يتبخر كثيرٌ منها. فهل حان الوقت لمفاوضات جدية؟
وهل يمكن أن يعي المصريون احتياجات دول حوض النيل لتنتهي الأزمة؟!!"
انتهى مقال السفير ولم تنتهٍ الأزمةّّ!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن