الحركات الإسلامية الحديثة :الإ يديولوجيا الإسلامية والانتماء الطائفي حركة النهضة في تونس والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن - نموذجا

محمد النعماني
nommany2004@yahoo.com

2013 / 6 / 16


إن أهمية الإسلام لا تختزل فقط في ما يمثله من خبرات تاريخية ، وإنما أيضا في ما يمارسه من تأثير قوي للغاية في المرحلة الراهنة كقوة سياسية وعقائدية وروحية ، بفعل طبيعته ذاتها وصورته التاريخية. و منذ البداية مثّل الإسلام أكثر من ديانة بالمعنى الضيق للمعتقدات والطقوس وضوابط السلوك ، إنه نظام سياسي واجتماعي شامل.
و عليه فإن مجرد الحديث عن الحركات الإسلامية الحديثة يلزم الباحث بمسلمات وافتراضات عدة تبدأ من قبول الوصف الذاتي لهذه الحركات بأنها إسلامية ، وتمر عبر رسم الحدود بين إسلامية هذه الحركات ولا إسلامية غيرها ، وتميز نفسها عن التيار الشعبي العام ، ويخصص هذا التمييز بتنسيب نفسها إلى الإسلام كما لو أنها تصدر حكما على المجتمع حولها بالتقصير عن الوفاء لقيم الإسلام ، وتنصب نفسها قائما بمهمة التذكير والدعوة وأحيانا الإكراه على تلافي هذا التقصير . ويتراوح ردود فعل القوى الأخرى تجاه هذه الدعاوي بين رفض مضمونها مع قبول أسسها ، أو رفض الأسس والمضمون معا.
تاريخيا وعلى امتداد حقبة من الزمن تناهز السبعين عاما ، أي تقريبا منذ سنة 1940 نمت الحركات الإسلامية في ظل تكون المفاهيم وتطورها ، باعتبار أن الظروف التاريخية قد تغيرت ، كما أدت الانشقاقات والخلافات إلى تنوع كبير في هذه الحركات . ومع ذلك لا يزال هناك قالب مفاهيمي واجتماعيات مشتركة تجمع فيما بينها. هذه الحركات سواء على الصعيد النظري أو الاجتماعي هي وليدة العالم الحديث ، إذ يجد الإسلاميون في الإسلام دينا بقدر ما يجدون فيه أيديولوجيا ، وهم فصائل الملتزمين الناشطين الذين يولجون أنفسهم ويدخلون في قطيعة واضحة مع بعض السنن والتقاليد.
إيديولوجيا هنالك ثلاث أقطاب جغرافية ، وثقافية ، لهذه الحركات الإسلامية التي تكونت عبر مسارات تاريخية مخضرمة : الشرق الأوسط العربي السني ، وشبه القارة الهندية السنية ، والنطاق الشيعي الإيراني العربي . أما تركيا المعزولة عن العالم العربي فإن لها تنظيماتها الخاصة ، فالوحدة هنا مفقودة على المستوى السياسي كما هي على المستوى الجغرافي. لذلك ينبغي الحديث عن حركات إسلاموية وليس عن أممية إسلاموية . وأعظم هذه المنظمات شأنا هي منظمات الإخوان المسلمين في العالم العربي والتي ترتبط إلى ـ هذا الحد أو ذاك ـ بقيادة التنظيم المصري ، ولكن تنظيمها في الواقع يتم على أساس قومي.
ومن هذا الجذر المشترك تفرعت مجموعات منشقة ، وأقلية(حزب التحرير عام 1952 ، والجهاد الإسلامي في السبعينات...الخ) ، وهي متأثرة إجمالا بأفكار سيد قطب الأكثر راديكالية. بعد ذلك تأتي منظمات شبه القارة الهندية ، يليها المجاهدون الأفغان ، ومؤخرا الإسلاميون المغاربة( جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية وحزب النهضة التونسية) ، ثم حزب النهضة الإسلامي في الجمهوريات السوفياتية سابقا.
هذه الحركات الإسلامية التي وإن اختلفت شكلا ، فإنها مضمونا حملت منذ بضعة عقود من السنين ، ولاسيما خلال العقد الأخير لواء الاحتجاج ضد الغرب ، واضطلعت بمناهضة الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط . فهل يمكن لهذه الحركات أن تقدم نفسها خيارا بديلا للمجتمعات الإسلامية خاصة بعد الثورات العربية أو ما يعرف بالربيع العربي من خلال نموذج الدراسة حركة النهضة في تونس والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن؟ والحقيقة ان نموذج الدراسة كانت مشتركة بينا وبين الزميلة الدكتورة يسرى بن الهذيلي من جامعة تونس وبسب عدم حصولها على تاشيرة السماح لها بالسفر الي بريطانيا والمشاركة في فعاليات الموتمر قررت في اللحضات الاخيرة ان تكرس نموذج الدراسة حول مضمون الخطاب الاعلامي والانتماء الطائفي للتجمع اليمني للاصلاح (الاخوان المسلمون في اليمن) كنمودج لاحد الاحزاب الاسلامية المشاركة في الحكم والمعارضة في اليمن الذي يمثل أنموذجاً ينطبق، بهذا القدرأو ذاك، على سائر القوى والجماعات "الإسلامية" الأخرى الحاكمة او المعارضة في عالمنا العربي والاسلامي



الخطاب الاعلامي للتجمع اليمني للاصلاح
(الاخوان المسلمون اليمن )
التجمع اليمني للإصلاح(الإخوان المسلمين في اليمن )يعدأحد أكبر الأحزاب المعارضة في اليمن، خلال فترة النظام السابق، وتأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن يوم 13 سبتمبر/ أيلول 1990 على يد الراحل عبد الله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد بصفته تجمعا سياسيا ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين .

ويتألف الإصلاح من المؤتمر العام، مجلس الشورى، الهيئة العليا، الأمانة العامة، أجهزة القضاء التنظيمي، هيئات وأجهزة وحدات التنظيم .

وبعد وفاة مؤسس ورئيس الحزب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول 2007 تم انتخاب محمد عبد الله اليدومي رئيسًا للجنة العليا للتجمع .

ومن الشخصيات البارزة فيه الشيخ عبد المجيد الزنداني، وتعد صحيفة الصحوة لسان حال الحزب الذي نجح في الانتقال من المعارضة إلى السلطة بعد فوزه في انتخابات أبريل/ نيسان 1993.

ورغم تقلص عدد مقاعده بالبرلمان بعد انتخابات أبريل/ نيسان 1997 فإن الحزب احتفظ ببعض مواقعه في السلطة واستمر بالتنسيق مع حزب المؤتمر الشعبي العام حتى 2006، حيث قدمت أحزاب اللقاء المشترك ومن ضمنها التجمع اليمني للإصلاح مرشحًا منافسًا للرئيس علي عبدالله صالح، وازادادت شقة الخلاف بين الحزبين مع انطلاقة ثورة شباب اليمن في فبراير/ شباط 2011.

وشارك حزب الإصلاح بالانتخابات النيابية 1993 و1997 و2003، وفاز بالمركز الثاني بكل الانتخابات، كما شارك بكل الانتخابات المحلية, وشارك مع اللقاء المشترك المعارض في الانتخابات الرئاسية لعام 2006.

شارك في حكومة ائتلافية ثلاثية مع حزبي المؤتمر والاشتراكي منذ 30/5/1993 حتى 5/10/1994 ثم حكومة ائتلافية مع المؤتمر من 6/10/1994 حتى 14/5/1997[1]، ووقف إلى جانب الرئيس علي عبد الله صالح في حرب الانفصال 1994.

تعززت العلاقة بين التجمع الوطني وأحزاب اللقاء المشترك المعارض حتى وصلت لمرحلة التنسيق وتقديم قوائم مشتركة بعدد من الدوائر الانتخابية والهيئات والنقابات وتقدمت معاً بوثيقة الإصلاح السياسي الوطني يوم 26/11/2005.

وتجلى ذلك من خلال مشروع الإصلاح السياسي والوطني الشامل الذي تضمن رؤية موحدة إزاء القضايا الوطنية والتوقيع على اللائحة الأساسية لعمل اللقاء المشترك، وتوج هذا التنسيق بدعم التجمع واللقاء للمهندس فيصل بن شملان مرشحا بالانتخابات الرئاسية 2006.
ومع تدهور العلاقة بين المعارضة والحزب الحاكم، شارك التجمع في تشكيل مجلس التشاور الوطني في يونيو/ حزيران 2008 والذي عقدت هيئاته المختلفة ملتقى وطنياً يومي 12 و22 مايو/ أيار 2009 انبثق عنه تأسيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.
وفي 3 فبراير 2011 وبعد خلافات مع الرئيس اليمني لعدم تجاوبه مع الحوار الحقيقي الذي يخرج اليمن من أزمته قاموا مع بقية أبناء الشعب بثورة الشباب والتي تهدف إلى رحيل الرئيس ونظامه الفاسد، وإنشاء دولة مدنية تحتضن الجميع
تميز الخطاب الاعلامي للاصلاح بالعمل على شن هجوماً على قوي الحراك الجنوبي ويتهمه بالتنسيق مع إيران وحزب الله ؛ حيت اتهم النائب في البرلمان عن حزب “الإصلاح” محمد الحزمي قوى الحراك الجنوبي بالعمالة لاسرائيل.. مشيراً إلى ان حركة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مدن جنوبية منذ العام 2007 هي حركة مدعومة من الكيان الصهيوني .

وقال النائب “محمد الحزمي” خلال برنامج “لعبة أمم” الذي بثته قناة الميادين العربية :ان حركة الاحتجاجات الشعبية في الجنوب ماهي إلا أصوات ضئيلة وان غالبية سكان الجنوب لايؤيدون أي دعوات لاستقلال الجنوب .

وقال الحزمي الذي كان يتحدث إلى جانب ضيف آخر هو القيادي في الحراك الجنوبي “د. ناصر الخبجي” ان الشماليين على استعداد لمنح الجنوبيين 80 % من الثروة والسلطة شريطة تخلي الجنوبيين عن مبدأ انفصال الجنوب عن الشمال .
من جانبه قال القيادي البارز في الحراك الجنوبي د. ناصر الخبجي انه يثق ان حركة الاحتجاجات الشعبية في الجنوب ستواصل طريقها حتى تحقيق أهدافها مهما كانت التحديات.
وقال الخبجي انه يتوجب على العالم ان يقر بان الجنوب موقع استراتيجي مهم وان استقرار المنطقة مرتبط باستقرار الأوضاع في الجنوب .(1)
وشن محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح اكبر حزب اسلامي في اليمن هجوما على جماعة الحوثيين معتبرا الفكرة التي يستندون عليها فكرة شيطانية.وقال اليدومي في مقابلة تلفزيونية إن الفكرة التي تقوم عليها جماعة الحوثي فكرة إبليسية (أنا خير منه)" واضاف موقفنا من الحوثيين يتشكل أو يتحدد من خلال الخيار الذي سيختارونه هم لأنفسهم في التعامل معنا كإصلاح. عليهم أن يختاروا الطريقة التي يتعاملون بها معنا وحينها سنتعامل معهم وفقاً لذلك".
.واعتبر الحوثيين نتاجا طبيعيا للرئيس السابق علي عبدالله صالح بمساعدة طرف إقليمي.
وفيما يتعلق بالحروب السبع التي جرت في محافظة صعدة بين الدولة والحوثيين وقد رفضها الإصلاح من اليوم الأول، "وليس من مصلحة أحد رفع السلاح،والفكرة لا تقتل بالرصاصة بل بفكرة أسمى منها."
ويأتي هجوم اليدومي على الحوثيين وسط انقسامات حادة في اليمن وحديث عن تحالف بين الرئيس السابق والحوثيين وايران وجماعة الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض بهدف خلق بؤر صراع وتوتر وخاصة في الجنوب، فيما يتهم الحوثيون الاصلاح والاحزاب المنضوية في تكتل اللقاء المشترك وحلفاءهم من القيادات العسكرية التي انشقت عن نظام صالح بسرقة ثورة الشباب والصعود على جماجم الشهداء الى كرسي السلطة من خلال التقاسم في حكومة الوفاق بموجب المبادرة الخليجية.
وأكد اليدومي التزامهم في حزب الاصلاح بمقررات مؤتمر الحوار الوطني وتأييد حزبه لإقامة الدولة المدنية العادلة والمنضبطة بدستور وقانون والقائمة على الضوابط الشرعية وما اثار قلق البعض هو تأكيد اليدومي في المقابلة انه بحاجة الى من يفسر له معنى "الدولة المدنية" وهو الشعار الذي رفعه شباب الثورة منهم شباب الاصلاح وقياداته خلال التظاهرات التي كانت تطالب برحيل الرئيس السابق علي صالح.
وقال اليدومي إن الثورة نجحت في خلع رأس النظام السابق باعتباره كان يمثل النموذج البائس للظلم ولعدم قدرته على إدارة البلاد. واكد الالتزام بخيار نبذ العنف وحرص حزبه على بقاء المؤتمر الشعبي العام وهو حزب الرئيس السابق انظر(2) صحيفة الرياض السعودية العدد16106 تاريخ 26 يوليو2012م
في المقابل نري في موقع انصار اللة (3) مقال للكاتب على السيد يقول ندرك جميعا أن الحكومة اليمنية وأبواقها الإعلامية ومنابر حزب الإصلاح الإعلامية يسعون لإلقاء الاتهامات وكيل الأكاذيب على أبناء الشعب اليمني من يرفضون التدخلات الأمريكية بكل إشكالها لكي يغطوا على عمالتهم الواضحة فهم يدقون على الوتر الأمريكي والسعودي وهي إيران .. وهم بذلك يغطوا على فسادهم وإجرامهم ويشرعنوا لأنفسهم أن يقمعوا الشعب ويقتلون أبنائه تحت مبررات وذرائع ودعايات كاذبة وتظليلية
كما أن حزب الإصلاح حسب راي الكاتب على السيد هو جزء لا يتجزء من النظام الظالم والعميل بشقيه السياسي والعسكري والقبلي ومنابره الإعلامية هي أيضا شاركت في الحملة الدعائية على الحوثيين ..فمؤسسة الشموع كان لها الدور الأبرز في تزوير الأخبار وقلب الحقائق وتشويه الحوثيين وتلفيق القصص والروايات الكاذبة ضدهم .. فلو نجمع كل أعداد الصحف الصادرة من مؤسسة الشموع منذ أول وهلة للحرب الأولى إلى اليوم لنرى الكثير من القصص والأكاذيب .. والافتراءات التي تلاشت واثبت للشعب اليمني أنها كلها كانت حملات وإعلام موجّه يخدم تلك العصابة المجرمة والعميلة فهم بذلك استهدفوا الحوثيين سياسيا وإعلاميا وعسكريا واقتصاديا واستخدموا كل الأساليب والطرق المختلفة في كل المجالات

وكذلك شاركوا في حرب الجنوب 94م واستخدموا نفس الأسلوب والسياسية الشيطانية التي انتهجها النظام الظالم والعميل طيلة 33عاما من الظلم والتجبر والقمع والتسلط ضد ابناء الجنوب وقوي الحراك السلمي الجنوبي
وفي ظل الثورة الشعبية السلمية في اليمن يقول الكاتب السيد يستهدف الحوثيين من جديد من نفس الجهات التي أشعلت الحروب الست فهم بذلك يستهدفون من قبل ومن بعد .. من قبل الإعلام الموجّه والكاذب الذي لا يمثل إلا النبرة الإعلامية المتشنجة التي تثير النعرات الطائفية والمناطقية وتسوق الأكاذيب .. والافتراءات وتأليف قصص وأخبار غير واقعية .. كالذي تردد في صحيفة الأهالي التابعة لحزب الإصلاح عن تقارب بين قائد الحرس الجمهوري والحوثيين .. وكذلك إرسال ضباط من الحرس إلى صعدة للتدريب الحوثيين فهذا نموذج من الكذب المصطنع والمفبرك فلا يتسع المقام لشرح الكثير من أكاذيبهم وقصصهم الوهمية والزائفة . فمن العجيب أن أصبح حزب الإصلاح بإعلامه وكوادره التي شاركت النظام طيلة 33عاما في حالة هوس وجنون الكرسي فهم سيضحون بالشعب ومقدراته على أن يمسكوا مقاليد الحكم في البلاد .. فالارتهان للأمريكان عندهم طبيعي وبشكل علني ويلتقوا بالأمريكيين ويتلقون الدعم منهم ومن النظام السعودي بشكل علني

في المقابل يقول الكاتب محيب الحميدي (4) ان الإصلاح كمؤسسة جماعية تعمل على خدمة الوطن انطلاقاَ من منهجية الإصلاح والتجديد الديني هو امتداد طبيعي لحركة التجديد الديني اليمنية والتي كان من أبرز روادها الأوائل الإمام الشوكاني وابن الأمير الصنعاني والمقبلي والموشكي والزبيري والبيحاني وعلي أحمد باكثير والحكيمي. وتبلورت هذه الجهود والدعوات الفردية في إطار مؤسسي بعد تفاعلها مع فكر وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في منتصف القرن الماضي واكتمل نضج هذا الإطار مع إعلان التعددية السياسية بعد إعادة تحقيق الوحدة .
ويري الكاتب عبدالقوي حسان بان هناك تحولات في الخطاب الاعلامي للتجمع اليمني للاصلاح في المضامين والمراحل التاريجية (5)
تزامن مع انهيار الإتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات واتساع هيمنة القوى الغربية ذلك التحولات سياسية عالمية نحو الديمقراطية والليبرالية، ما دفع بالخطاب الإخواني _ حسب محمد أبو رمان ادي الي _ خطوات إلى الأمام في ميدان المشاركة السياسية والنيابية والعمل المدني، وعزز من قوة الاتجاه الإخواني المنفتح (البرجماتي) في مواجهة ما بات يعرف بالاتجاه العقائدي (الأيديولوجي) المحافظ”. (الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي، (6) 179).
في هذا السياق، بادرت الكثير من الحركات الإسلامية، إلى تبني مراجعات نقدية واسعة، وتأملات عميقة، وبصورة تكاد تكون شاملة، من الأساليب إلى الاستراتيجيات إلى المفاهيم والأفكار، وكأنها - أي الحركات الإسلامية - تتطلع إلى صياغة جديدة حديثة في بنيتها الحركية، ومشروعها الإسلامي السياسي والحضاري
مهدت هذه المراجعات الطريق المبادرات وتحولات جديدة في الخطاب السياسي للحركات الإسلامية، مما دفع بحركةلإخوان المسلمين إلى تبني مشروع نهضوي عام، يركز على أهم وأبرز القضايا المعاصرة التي تشغل ذهن الفرد والمجتمع والأمة، مثل: قضية الحريات وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني والشورى أو (الديمقراطية)، وشَكّل النظام السياسي للدولة، والممارسة العملية للشورى، والأقليات وغيرها من القضايا. ووفقاً لمحمد أبو رمان “أن هذا التحول يُعد مرحلة جديدة في خطاب هذه الحركة”.
الحركة الإسلامية اليمنية _ ممثلة بالتجمع اليمني للإصلاح _ لم تكن بمعزل عن هذا التحول، واستحقاقات الظروف المحلية والدولية، إضافة إلى ممارسة حزب الإصلاح لأدوار سياسية مختلفة، مُتَنَقِلاً بين السلطة والمعارضة، حيث أعلن عن خروجه إلى المعارضة عقب انتخابات 97م، بعد أن كان شريكاً للمؤتمر الشعبي العام في حكومة 94م الائتلافية، وقد كان لذلك الأمر _ الخروج للمعارضة _ أثرٌ في طبيعة خطابه السياسي باتجاه الأحزاب السياسية، مما أكسبه تطوراً ملحوظاً كان نتاجاً لطبيعة الحراك السياسي الذي شهده المجتمع اليمني.
بدأت ملامح تطور الخطاب السياسي للإصلاح في تلك العلاقات التي نشأت بصورة لم تكن متوقعة من قبل، بينه وبين الأحزاب المنضوية تحت مظلة مجلس التنسيق، وتفعيل ما اتفق على تسميته بـ (أحزاب اللقاء المشترك) والاتفاق على جملة من القضايا مجملهما ملامح التطور في الخطاب السياسي
بالعودة إلى أدبيات التجمع ا 1997م، يمكن يمكن القول أن الإصلاح قد شهد تحولاً ملموساً في خطابه السياسي، من خلال دعوة الهيئة العليا جميع أعضاء التجمع إلى إعطاء الأولوية في نشاطهم العام لقضايا حقوق الإنسان، والانفتاح على كل القوى السياسية والاجتماعية، والإسهام في نشر ثقافة التسامح، ومحاربة ثقافة العنف والتطرف والغلو، وكل ما من شأنه مصادرة حريات الآخرين، أو التعدي على حقوقهم.
ويشير الكانب عبدالقوي حسان ان خلال العشر السنوات الماضية، ومع تداعيات الحرب على العراق، وبروز اتجاه في السياسات العالمية يبحث في موضوع العلاقة مع الحركات الإسلامية، وإمكانيات الحوار والتعايش. شهد الخطاب السياسي للحركات الإسلامية انفتاحاً على كثير من المُتغيرات المتضاربة، بالإضافة إلى “مخاض زاخر تخوض الحركات الإسلامية غماره، باعتبارها جزءاً قوياً وواسعاً من المشهدين العربي والإسلامي”. حسب رضوان السيد في كتاب (الحركات الإسلامية وأثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي،(7) ص 186).
فإذا كانت الدول تحتاج إلى الانفتاح، من أجل وجودها السياسي والاقتصادي في الوضع الدولي، لأن الانغلاق يمثل لديها عنصر اختناق وموت وسقوط، فإن “الحركة الباحثة عن إمكانات الوصول إلى أهدافها السياسية أو الفكرية، حسب محمد حسين فضل الله “تحتاج إلى الآفاق المنفتحة التي تطل بها على ساحات الآخرين، لتستفيد من تجاربهم وخبراتهم، ولتتكامل معهم في بعض الأهداف المرحلية التي لا تستطيع الوصول إليها، ولتنفذ إليهم من خلال الانفتاح الذي يفتح قلوبهم وعقولهم وحياتهم على أفكارها وخططها وأهدافها”. (الحركة الإسلامية هموم وقضايا،(8)) ص 147.
فالفترة التي قضاها الإصلاحيون في اليمن بعد خروجهم من السلطة في 1997م والممتدة حتى عام 2001م، أحدثت لديهم قناعات ورؤى جديدة، تتمثل في ضرورة تفعيل دورهم الحقيقي كمعارضة، فقرروا العودة إلى مربع المعارضة القوي، والذي زاد من صلابتها وجديتها تشكيل تكتل ما يسمى بـ (أحزاب اللقاء المشترك.
وبتشكيل هذا التكتل الذي ضم فرقاء العمل السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يكون الإصلاحيون قد دشنوا مرحلة جديدة من العمل السياسي القائم على مبدأ المشاركة لا المغالبة، أقلقت المؤتمر الشعبي العام الذي يسعى بكل قواه إلى تشويه صورة اللقاء المشترك بطرق أحيانا لا أخلاقية.
تطورت العلاقة بين مكونات أحزاب اللقاء المشترك، لتصل في عام 2005م إلى إخراج رؤية ومشروع موحد لأحزاب اللقاء المشترك، تمثل في (مشروع الإصلاح السياسي الشامل). هذا المشروع جسد مقاربة المستشار طارق البشري (الجماعة الوطنية) والتي تتمثل في “بناء تيار سياسي غالب في المجتمع، يمثل الأمة في عموميتها، ويستوعب القاسم المشترك الأعظم مما تنادي به كل القوى ذات الوجود الفاعل في المجتمع”.(الحوار الإسلامي العلماني،(9) ص 5).
وهكذا بدأ التجمع اليمني للإصلاح مع بقية أحزاب اللقاء المشترك جنباً إلى جنب، في العمل على استراتيجية سياسية وإعلامية موحدة، من خلال النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات، بعيداً عن المعارضة المُفتعلة والصراع الذي يُولد العنف ويُؤجج عناصر المواجهة مع الآخر، ما أكسب تكتل اللقاء المشترك شعبية وحضوراً جماهيرياً، تمثل في سيطرة كوادره على معظم النقابات الطلابية والمهنية كالمعلمين والأطباء وغيرها. كما أن هذا الاصطفاف الوطني لأحزاب اللقاء المشترك، هو الذي مهد الطريق لإشعال شرارة الثورة السلمية الشبابية في 2011م، والتي هدفت إلى استعادة كرامة المواطنين المنهوبة، وحريتهم المسلوبة من قبل النظام السابق.
هذه المرحلة والتحول في الخطاب السياسي للتجمع اليمني للإصلاح، والمبني على الحوار والتعايش وقبول الآخر بل والشراكة معه، يُعد من أهم مكاسب الإصلاح. وتبرز أهم هذه المكاسب في النقاط الآتية:_
- اقتراب (الحركة الإسلامية قبل الوحدة أو الإصلاح بعد الوحدة ) من الواقع، تفاعلاً وعطاءً؛ مما جعل الإصلاح يتعايش بصورة مباشرة مع الواقع الموضوعي بكل تعقيداته وتداخلاته وحساسياته وتناقضاته. هذا الاقتراب دفع بأعضاء الإصلاح إلى التحول من الانغلاق إلى الانفتاح، ومن العمل الذاتي الداخلي إلى الكسب الاجتماعي العام.
- المحاولات التجديدية في فكر الإصلاح، والنهوض بالعمل الإسلامي نحو آفاق حضارية، وتجاوز ما هو مقلق ومُشْكِل في العمل الإسلامي السياسي وفي الفكر الإسلامي العام. فالإصلاح اليوم هو أقرب إلى النسبية من الاطلاقية، وإلى الواقعية من المثالية، وإلى الوسطية من التطرف، وإلى البناء من الهدم، وإلى التفصيل من الإجمال.
- كسر احتكار تمثيل الأمة، وادعاء التعبير عن مصالحها، وهو الذي كان يتزعمه لنفسه كل حزب من الأحزاب السياسية، أو حتى الجماعات الإسلامية. والذي يعبَّر عنه عبد الإله بلقزيز بالقول “بامتلاك البديل الشامل” مؤكداً أن “الشمولية فيه مزعومة، وأنه بالأحرى أقرب إلى النظرة التجزيئية الاختزالية منه إلى ما يدعيه من الشمولية”. (أزمة الفكر السياسي العربي، ص10 (10)
وعلى الرغم من أن التطور والتحول في الخطاب السياسي للإصلاح قد تجاوز مرحلة الأيديولوجية وادعاء امتلاك الحقيقة، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك اتجاهاً _ أو أفراداً حسب توصيف محمد قحطان، _ داخل الإصلاح يُمثل امتداداً لتلك المرحلة، متمسكاً بأفكارها، على الأقل في ما يتعلق بالسجال الفكري داخل الحركة حول مناهج التغيير، وقضايا المرأة والمواطنة المتساوية، والعلاقة مع الأحزاب والقوى العلمانية الأخرى.
الأمر الآخر، مع هذه المتغيرات الجديدة في الخطاب السياسي للإصلاح، يلاحظ تراجع فكرة إقامة (الخلافة الإسلامية) لتحل محلها فكرة بناء (الدولة المدنية الحديثة)، وتراجع فكرة (تطبيق الشريعة الإسلامية)، لتحل محلها (تحقيق العدالة والحرية والمواطنة المتساوية)، وهذا ليس تنازلا عن المبدأ والثوابت الدينية بقدر ما هو تجاوز لمرحلة الاحتكار الديني، والتحدث باسم الدين.
في غمار هذا التحول، يبقى السؤال الذي يطرحه البعض، هل يمكن وصف هذا التطور في الخطاب السياسي والإعلامي لحزب الإصلاح مصلحة برجماتية وأهدافاً تكتيكية سياسية، أم إنه مبدأ استقر في بنيوية وفلسفة الإطار الفكري للحزب؟.
من خلال الوقائع التاريخية، والمواقف السياسية المختلفة، وقبول الإصلاحيين بنتائج الانتخابات، سواءً التي أوصلتهم إلى السلطة أو التي أخرجتهم منها، أو من خلال معارضتهم لبعض القرارات والسياسات الخاطئة. وسواءً كانوا في الحكم أو في المعارضة. يمكن القول إن إيمانهم بالديمقراطية “يُعد مبدأ لا يمكن التنازل عنه” حسب عبدالعزيز العسالي، كما أنهم يطمحون ويسعون إلى إقامة دولة العدالة والمساواة، التي ستعمل على تحقيق جوهر الإسلام، بدلاً من حرفياته الظاهرة المتمثلة بالحدود والأحكام الفقهية.
ومع احترامي لقراءة الكاتب عبدالقوي حسان عن الخطاب الاعلامي للاصلاح اجد نفسي اقول ان الواقع وفي الوقت الراهن يعكس عكس ماجاء الخطاب الاصلاح الاعلامي التي مازال مناطقي وطائفية في العديد من الاحداث الجارية في اليمن وهناء احب ان اشير الي مقال الناشط السياسي علي البخيتي المنشورة في موقع التغيير نت (11) التي قال في ان اخواننا في الإصلاح وقادتهم ووسائل اعلامهم, فقد ورثوا معارك صالح السابقة اضافه الى معاركهم الخاصة في التسعينات, والمتابع لوسائل اعلامهم يلاحظ انتقال الخطاب الإعلامي الذي كان سائداً في الإعلام الرسمي أيام حروب صعده الى وسائل اعلامهم, فما كان يبث من تحريض في القناة الفضائية يبث اليوم في قناة سهيل, وما كان ينشر من أخبار كاذبة في الثورة والجمهورية والمؤتمر نت ينشر اليوم في الصحوة وأخبار اليوم والصحوة نت والمصدر أون لاين ومارب برس, نفس اساليب التشهير والكذب والتدليس التي مورست سابقاً وتاب عنها الإعلام الرسمي احتضنها اعلام الإصلاح.
وان من يديرون المطبخ الاعلامي للإصلاح يتمتعون بغباء منقطع النظير ومن خلال صياغة الخبر أعلاه يتضح للمهنيين في صناعة الأخبار وغير المهنيين ذلك, مشكلة المطبخ الإخواني أنه يبالغ كثيراً في كذبه وافترائه وعندما تتضح الحقائق تسقط مصداقيته ومصداقية الوسائل التي نشرته وهذا يصب في مصلحة الطرف الآخر .
وبالانتقال الى القضية الجنوبية عادت عبارات الوحدة مقدسة والاصرار على شرعية حرب 94 م ورفض الاعتذار وتخوين بعض أطراف القضية الجنوبية واتهامهم بالعمالة, والمفاجئ في الأمر أن ذلك الخطاب ليس من المتشددين أو البسطاء إنما صدر من رأس الاصلاح العميد / محمد اليدومي في لقائه الأخير على قناة سهيل
ويكشف الكاتب البختي عن التطور الجاري في حزب الاصلاح الاسلامي من حيت تطورت معارك الاصلاح واتسعت لتشمل أيضاً حلفائهم الاشتراكيين وبعض وزراء المشترك في السلطة ومنظمات المجتمع المدني والمرأة وما الكلام الجارح الذي صدر من الزنداني قبل ضد كل من الدكتور محمد المخلافي ووزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور ورئيسة منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان أمل الباشا وكل دعاة المدنية الا خير دليل على ذلك إضافة الى فتاوى التكفير التي صدرت ضد بشري المقطري عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي وآخرين, كذلك الاعتداء على بعض الاشتراكيين في تعز من قبل بلاطجة الاصلاح وتكرارها بشكل منهجي, مضافاً اليها الكثير من الاعتداءات على قوى وشخصيات أخرى لا مجال لذكرها هنا .
كنا نعتقد أن رأي الزنداني في المدنية رأياً شخصياً لكن بعد تصريحات اليدومي يتضح ان ذلك رأي الإصلاح وما مطالبتهم بالدولة المدنية الا مطية للوصول الى السلطة و كان اليدومي في لقائه واضحاً في رفضه للمدنية بل والتهجم عليها وتشويهها .
ان فهم الزنداني واليدومي للمدنية فهم شاذ لم يقل به أحد من قبل الا بعض المغمورين في كهوف تورابورا ومَن على شاكلتهم, فالأول قال أن المدنية معناها زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة, والثاني قال ان المدنية مسؤولة عن كل مصائب العرب والمسلمين وسبب في هزائمهم في كل الحروب وهذا حرفياً ما قاله اليدومي بدون مبالغة ومن أراد أن يتأكد عليه الاستماع الي لقاء اليدومي الأخير المنزل في النت على موقع " اليوتيوب " .
ان تلك المعارك التي يخوضها الاصلاح ضد الحوثيين والجنوبيين وحتى ضد حلفائه الاشتراكيين وضد قوى الحداثة عموماً مؤشر خطير يستدعي منا اعادة التفكير
فقد ظهر الاصلاح كرأس حربة في تلك المعارك وبأكبر قادته ومِن على وسائله الاعلامية الخاصة, وهذا يثير الكثير من الضبابية على المشهد السياسي ويخلط الكثير من الأوراق ويظهر الإصلاح وكأنه هو صاحب تلك المعارك أصلاً وما كان صالح وعائلته الا وسيلة تم استخدامها, والحقيقة أن صالح قاد تلك المعارك حفاضاً على كرسي الرئاسة واظهاراً للولاء للسعودية خصوصاً فيما يخص الحوثيين, أي أنه خاض تلك المعارك من باب المصلحة وليس كقناعة ايدلوجية بتلك المواقف, بينما الاصلاح هو المحرك الرئيسي والدافع لتلك المعارك وبقناعة ايدلوجية راسخة وما مواقفه الايجابية التي أظهرها تجاه الحوثيين والجنوبيين وتجاه قوى الحداثة في بداية الثورة الا مواقف تكتيكية مؤقته حتى يتمكن من اخراج صالح ليستفرد بالسلطة .
ويري البعض ان منطق الخطاب الاعلامي للاصلاح لايتعدى ان يكون ضربا من الهستيريا التي ترافق الصدمات والنكبات العظيمة بعد ان تبين لهم ان الشعب اليمني لم يعد ذلك الشعب الذي يعيش بمواريث عهود التخلف والطغيان..ولم يعد بالامكان خداعه بالدجل وباسم الدين وبمظاهر اللحى الوقورة والكلام المنمق المسجوع .. لذلك بات الاصلاح اليوم في حالة ميئوسة يتخبط من خلالها بشتى المفاهيم الفكرية المنافية لاخلاق الشعب اليمني واعرافه الاصيلة . فاصبحت افضل وسائله السياسية هي ( الغاية تبرر الوسيلة ) و (ان كنت لاتستحي افعل ماشئت ) و (اكذب اكذب حتى تصبح الكذبة حقيقة) و ان من يتابع الخطاب الاعلامي للتجمع اليمني للاصلاح لن يجد فيه أي سمة من سمات ديننا الحنيف ، بل انه اقرب مايكون الى لغة سوق تجار الاسلحة والذخائر الذين يحرصون على المساومات الرخيصة على وسائل الموت والدمار في الوقت الذي لم يغب عن ذاكرة احد ان الاصلاح افتى لعناصره اثناء الدعاية الانتخابية اليمنية بان يحملوا السلاح لان الانتخابات هي جهاد اسلامي ضد الكفر ..ونسي الاصلاحيون ان ملفات الارهاب الخاصة بعناصر الاصلاح مازالت على طاولات القضاء ..وان الارقام القياسية لسرقات ادارة المعاهد العلمية التي كان الاصلاح يديرها مازالت في ذاكرة اليمنيين ، وان الجميع يخجل من معاودة تأليبها..
وتري الدكتور بلقيس ابو اصبع (12) ان (التجمع اليمني للاصلاح )-الذي بدأت تتكون معالمه منذ اليوم الأول لتأسيس التجمع- صراعاً غير متكافئ مع رموز المكون التاريخي للتجمع والأطراف المعبرة عنه أنه صراع حاد وخفي يتأسس على الجدلية الثنائية بين ما هو حزب سياسي مدني وبين ما هو جماعة سرية ونسيج اجتماعي يرفض التحديث وينفر منه.
ويمكن ملاحظة تأثير الإرث التاريخي الذي حملته الجماعة إلى داخل التجمع اليمني للإصلاح من خلال التوقف أمام ثلاث محطات:
المرحلة الأولى: الموقف من دستور دولة الوحدة الانتقالي واتفاقية 30 نوفمبر 1989 الوحدوية، وهو الموقف الرافض الذي عبر عنه من خلال رموزه، وبواسطة أشرطة الكاسيت والصحافة ومنابر المسجد، وحشد معه في هذا الموقف العديد من شرائح المجتمع في الريف والمدينة من خلال الحملات الواسعة ضد ما أسماه بالدستور العلماني.
الثانية: الموقف من توحيد التعليم وخوض معركة سياسية إعلامية في البرلمان والشارع السياسي ومنابر المساجد، وهي المعركة التي كانت تشير إلى تخوف الإخوان من مخاطر دمج المعاهد العلمية في مرحلة التعليم الأساسي مع مدارس التربية والتعليم منهجاً وإدارة، وما لذلك من تهديد للمكاسب الهائلة التي حصلت عليها الجماعة من خلال هذه المؤسسة الهامة، سواء على مستوى القرارات والإمكانيات المالية، أو على مستوى مخرجات هذه المؤسسة التعليمية، من كوادر التنظيم وأعضائه وأنصاره، ومن ذلك كادر المدرسين العرب اللذين كان لهم الدور الأساسي في صياغة النشء والمناهج، بما يتوافق مع التطورات الإسلامية لحركة الإخوان المسلمين في اليمن والعالم العربي.
المحطة الثالثة: وهي الموقف من الأحزاب الإسلامية الأخرى التي نشأت بعد الوحدة، وقد كانت حملات الدفاع عن الثورة والجمهورية -التي تصدرت لها صحيفة الصحوة تحديداً، واتهام هذه الأحزاب بمعاداة الثورة والعمل لإعادة النظام الملكي البائد يافطة تغطي خلفها الموقف من الآخر الإسلامي باعتبار أن وجوده يهدد الفكرة الأساسية التي يقوم عليها نهج الإخوان، ألا فهو تمثيل الإسلام، والتعبير عنه دون غيرهم من الجماعات والأحزاب الأخرى (13)
وتري أوساط سياسية وإعلامية توجه الخطاب الإعلامي الجديد لحزب التجمع اليمني للاصلاح وهو الخطاب الذي ترى تلك المصادر أنه يتواكالخطاب الإعلامي الجديد الذي دأب حزب الاصلاح من خلاله ومنذ فترة إلى التلويح بالورقة المناطقية تارة والورقة الطائفية والجهوية والقبلية تارة أخرى.
وفيما تساءلت الأوساط السياسية والإعلامية عن الهدف من وراء تبني حزب الاصلاح مثل ذلك الخطاب الاعلامي المناطقي الجهوي فإن بعض هذه الأوساط ترى أن ثمة ضغوطاً تتعرض لها بعض قيادات الحزب فيما يرى البعض الآخر أن ثمة قيادات في " الاصلاح ط تريد أن تركب " موجة المناطقية

هذا الخطاب الاعلامي "الاصلاحي" يمثل امتداداً لمنهج تبنته قيادات حزب الإصلاح وأخذت على تكريسه مندو تاسيس التجمع اليمنية في وصولاً إلى الاعتصامات والمظاهرات التي جرت في بعض المناطق اليمنية في العام 2011م وادت الي سقوط النظام ورحيل الرئيس المخلوع علي عبداللة صالح من السلطة والتنازل بها الي نائبة عبدربة منصورهادي وفق ما جاء في المبادرة الخلجية التي فرضت علي اليمن الوصاية الدولية والالتفاف واختطاف ثورة الشباب السلمية في اليمن من قبل بعص القيادات العسكرية واحزاب المعارضة اليمنية بالذات قيادات التجمع اليمني للاصلاج التي سعت إلى استغلال مثل هذه الأحداث كمناسبات للتحريض على إشاعة الطائفية والمناطقية في محاولة لارباك السلطة وثورة الشباب السلمية وقوي الحراك الجنوبي والحوثين وتحقيق بعض المكاسب الحزبية وعلى حساب الثوابت والمصالح الوطنية العليا وفي مقدمتها الوحدة الوطنية
الناقد اليمني محمد ناجي أحمد(14) أشار إلى أن بعض القيادات رفع شعار الوحدة الإسلامية وساهم في صياغة الوحدة الوطنية في الثمانينات وفق منطق لا يقبل بالآخر القومي واليساري ، مثل هذا السياسي يتعامل اليوم مع " الأزمة السياسية " التي نعيشها وفق منطق التمترس بحركات مناطقية لم يكتب لها النجاح وسقطت لعدة أسباب منها أنها رفعت يافطة مناطقية في مواجهة يافطة دولة مركزية
وهناك من يرى كذلك ان قيادات حزب الإصلاح لم تتورع في استغلال المطالب الحقوقية للناس بما في ذلك المطالب التنموية وتوظيفها في إطار المنهج الذي تعمل على تكريسه وتروج له في دعواتها المحرضة على المناطقية .
ويضيف الناقد اليمني محمد ناجي بأن قيادات الاخوان تذهب في خطاباتها لأبعد مدى في تكريس المناطقية وذلك باستمرار استهداف التحريض ضد المؤسسة العسكرية والأمنية التي طالب القيادي الاخواني محمد قحطان بضرورة إصلاحها متهما القائمين عليها بقتل الأبرياء في ردفان وفي تعز وسفك الدماء في اب.. منوهاً بما ذهب اليه القيادي الاخواني حميد الأحمر في سياق التحريض على المناطقية ليبرر تزعم اخيه حسين لمجلس قبلي عشائري وذلك في تصريحات صحفية قال فيها إن "هناك هضم للقبائل ولحاشد ولسنحان، مناطق اليمن كلها مهضومة والقبائل من جملة المهضومين والمظلومين .
وزاد بأن قادة حزب الإصلاح الإسلامي يتعمدون تغذية الاحتقانات في كل عزلة وقرية ومدينة ويؤكد هذا النهج فقهاء وقادة الإخوان من خلال الادعاءات بأن الدولة تأخذ أموال النفط والغاز والجمارك والضرائب والقروض والمساعدات والأسمنت والزكاة وأراضي وعقارات الدولة والثروة السمكية ولا تعطي أبناء قرية.. إضافة إلى كون قادة هذا الحزب من اكثر المعارضين لتطبيق قانون حمل السلاح وهو ما يفسره الكثير من المراقبين بالإشارة إلى منهجهم الفكري القائم على الجهاد المسلح كجزء من آلية العمل السياسي للوصول الى الحكم .
وبين هذا وذاك فإن من شأن الخطاب الإعلامي ألمناطقي الجديد الذي تتبناه القيادات السياسية في حزب الإصلاح الاسلامي المعارض في اليمن والذي تسعى من خلاله إلى تحقيق بعض المنافع أو المكاسب الحزبية حتى وأن كان ذلك على حساب الثوابت الوطنية من شأن هذا الخطاب وفقاً لما تراه الأوساط السياسية والإعلامية أن يؤدي إلى اصطدام بين هذه القيادت وبين كوادر الحزب التي يجعلها هذا الخطاب تشعر بالتذمر خاصة في ظل كثير من المسلمات ومعطيات الواقع وذلك على ضوء الفكر العقائدي وكذلك الأيديولوجية الإسلامية التي تربت عليها وعُبئت بها كوادر حزب الإصلاح على مدى السنوات الماضية وبخاصة خريجي المعاهد الدينية وجامعة الإيمان والذين تربوا على أساس ديني يدعو إلى الوحدة ويعتبرها من المقومات الأساسية لنهضة الأمة ومصدر قوتها وعزتها علاوة على كونها من لثوابت الدينية لايمكن التهاون فيها
" المسيرة التنطيمية السياسية للاخوان المسلمون
واذا نظرنا الي المسيرة التنطيمية السياسية لتنطيم الاخوان المسلمون عبرمحطات، نخالها بارزة، على إمتداد المراحل المختلفة لتلك المسيرة، وصولاً إلى المرحلة الراهنة والمُعاشة، واضع في إعتبارها أن الحديث حول مسيرة وتجربة "الإخوان" المسلمون يمثل أنموذجاً ينطبق، بهذا القدرأو ذاك، على سائر القوى والجماعات "الإسلامية" الأخرى والتجمع اليمني للاصلاح التي هو موضوع هذا البحت نموذج لذلك القوي والجماعات الاسلامية ولا شك أن مسيرة الاخوان المسلمون حسب راي الاستاذ عبداللة سلام الحكيمي خافلة بالغة الثراء والغنى، حيث يعتبر "تنظيم" أو جماعة" الإخوان المسلمين الذي تأسس في 22مارس عام 1928م في مصر، أكثر الأحزاب والقوى والجماعات السياسية المُنظمة عراقة وأقدمها وجوداً في عالمنا العربي، وربما في العالم الإسلامي عموما، وتوسعَ وتعمقَ وتجذرَ وانتشرَ سريعاً ليصبح " تنظيماً عالمياً "، عُرِفَ ببنيته التنظيمية الحديدية التي ضمنت لحركته مستوى رفيعاً جداً من الدقة والصرامة والانضباط والكفاءة، والمقدرة الفائقة على تحريك وحشد وتعبئة لقطاعات جماهيرية واسعة، وخاصة في الأرياف، وعلى أرض مصرالتي شكلت بيئة ومنطلق نشأته الأولى، اضطرإلى انتهاج العمل السري تحت الأرض منذ أربعينيات القرن العشرين وعلى نحو تدريجي، تحت ضغط وتأثير وبفعل المواجهات والصراعات السياسية العاصفة التي خاضها في مواجهة السلطات الحاكمة والتي تخللتها بعض أعمال الاغتيالات والتصفيات الدموية المنسوبة إليه، إبان المرحلة الملكية ابتداء، وتلتها مرحلة قصيرة من الانفراج العام عقب ثورة 23 يوليو 1952م بقيادة جمال عبدالناصر، لتتجدد المواجهات والصراعات السياسية بينه وبين النظام الثوري الجديد وتشهد مزيداً من التصاعد والحدة، بسبب رغبة (الإخوان) وسعيهم الممنهج لتحقيق عملية احتوائهم للثورة ونظامها وإحكام سيطرتهم السياسية عليها باعتبارهم القوة الأكثر تنظيماً والأوسع شعبية والأقدر والأكفأ في قيادة الدولة والبلاد من "الانقلابيين العسكريين"، وكانوا قد أعدوا العُدة، منذ وقت مبكر، لتحقيق ذلك الهدف ومن ضمنها إنشاء أجهزة عسكرية سرية مدربة (الجهاز الخاص) المُناط به تنفيذ عمليات خاصة كالاغتيالات والتفجيرات والتخريب للمنشآت الحساسة..الخ. والتي بلغت الذروة بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصرفي الاسكندرية، لتتخذ المواجهة والصراع بين الإخوان ونظام الثورة الناصرية مساراً متصاعداً بالغ القوة والضراوة وتعرض (الإخوان) لأخطروأقوى وأوسع أساليب المواجهة وعلى نحو غير مسبوق في تاريخهم، وأُعدم بعد محاكمات عدد لا يزيد عن أصابع اليدين من قادته، وخاصة قيادات في الجهاز الخاص، وشنت حملات متلاحقة وواسعة من الملاحقات واعتقال أعداد كبيرة من قياداتهم وكوادرهم وأعضائهم وتعرض منهم للتعذيب والقهرمن قبل الأجهزة الأمنية وظلوا في السجون، أو على نحو أدق بعضهم، لسنوات عديدة..الخ. ولسنا هنا بصدد دراسة وتحليل وتقييم ذلك الصراع السياسي المرير، لكننا نريد أن نصل إلى أن "الإخوان المسلمين" رغم اضطرارهم، خلال تلك السنوات إلى الإنكفاء أوالتواري بفعل تأثيرالأساليب الأمنية وملاحقاتها، إلا أنهم نجحوا في الاستفادة من دروسها ومعاناتها إلى حد كبير، بابتكار وسائل وأساليب جديدة وتقوية وتعزيز تحول التنظيم بالكامل إلى العمل السري المطلق تحت الأرض عميقاً وإعادة بناء تنظيمهم وفقاً له، ونجحوا في الدفع بأعداد متزايدة من قياداتهم وكوادرهم، سواء من أطلق سراحهم من السجون، أو أولئك الذين لم يُكشفوا إلى الهجرة خارج مصر في دول عربية أو أوروبية أو أمريكية، مركزين على المال والأعمال والاستثماربالدرجة الأولى بهدف تمويل الجماعة أو التنظيم من ناحية، وتأسيس فروع تنظيمية في دول المهجر ونشرالفكرة عالميا.. (15) وبالنظر إلى أن تلك التجربة بالغة المرارة والقسوة التي عاشتها الجماعة والمرحلة التارخية التي حدثت خلالها، تمثل أهم وأدق وأخطر محطة يمر بها "الإخوان" في تاريخهم، فإننا لا بد أن نسجل بعضاً من أهم النقاط والحقائق المستخلصة منها على النحو التالي:
1) أن الحل الأمني، برغم شدته وقسوته واتساع نطاقه، لم ينجح في تصفية وإنهاء التنظيم، بل خَدمه ودَفعه إلى تجاوز المحنة وإعادة بنيته التنظيمية على نحو مختلف إلى أقصى الحدود.
2) وعلى الرغم من أن تجربة السجون وأجوائها ومناخاتها النفسية والفكرية التي عاش في ظلها الآلاف من المنتمين إلى التنظيم، قد فرخت وأخرجت من تحت عباءة (الإخوان المسلمين) عدداً من الجماعات والحركات المنشقة عنه بُنيت على أفكارشديدة التطرف والميل إلى العنف والتدمير بدافع الإحباط وغياب الأمل، إلا أن التنظيم ظل محافظاً على وجوده، وإن في ظل أقصى درجات السرية والحذر والانكفاء العام وفي نطاق غير واسع واستطاع أن يتلاشى من سطح الأرض ليغوص عميقاً تحت الأرض، مُعيداً البناء بأسلوب حديدي صارم وانضباط دقيق مُتراضاً عليه بقناعات ذاتية راسخة كنوع من حفظ البقاء.. وهكذا نشرَ واقع العمل السري المطلق والشامل أجواءه ومناخاته وفرضَ منطقه وأساليبه وقواعده وثقافته وأفكاره القائمة على الغموض وحلكة الظلام وروح العداء والكراهية والثأر، وعقلية الحذروالتوجس والانغلاق شبه الكلي تجاه أي غريب وأي جديد، وتَعمُق مشاعرالاضطهاد والاستهداف والمظلومية، وتضخم فكر وعقلية التميز وإمتلاك الحق والحقيقة وحدهم دون سواهم من الآخرين، وتحت أجواء ومناخات تلك التجربة البالغة المرارة والقسوة نشأت وترعرعت سلسلة أفكار وتصورات ورؤى حول الواقع ومشكلاته وأوضاعه وبشره وقواه ومكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية اتسمت بقدر كبير من الإحباط والسوداوية والرفض والتكفير لكل ما هو قائم، دون تعريضها لأشعة الشمس وأضوائها والدفع بها في حلبة التفاعل والنقاش والحوار المفتوح والصحي والحر لتحقيق المفاعلة الطبيعية الحتمية تأثيرا وتأثراً وتلاقحاً وإخصاباً وتجدداً وتطورا.ً
3) وكانت الطامة الكبرى تتمثل في الاندفاع الجامح وغيرالمحسوب وغير المسئول، من قِبَل فقهاء التنظيم وقياداته وكوادره التنظيرية الفكرية، تحت تأثيرأجواء ومناخات ومشاعر ومرارات ومعاناة التجربة الآنف الإشارة إلى معالمها، ومن منطلق إعتبار التنظيم مُعبراً أو ممثلاً أو ملتزماً بالإسلام -_الدين_ والحامي والمدافع عنه، لاستغلال واستثمار وتوظيف الدين بشكل مُفرط للغاية ومبالغ فيه واعتسافه وتكييفه على نحو يخدم ويُسوغ ويُبرر ويُشرعن صراع الجماعة السياسي ومواجهاتها العاصفة سواء ضد النظام الحاكم بكل ما يمثله ويُعبرعنه من برامج وسياسات وأفكار ومؤسسات أو ضد قوى وجماعات سياسية أخرى تختلف معها في الرأي والتوجه والغايات، بما فيها تلك المتخذة من الإسلام مرجعية لها..
ويكشف الاستاذ عبداللة سلام الحكيمي الي إن هذا الوضع غير السوي وغير المسئول أنتج ونشر ورسخ وعمٌق منظومات واسعة من الأفكار والصيغ والرؤى على إعتبارها مُعبرة ومترجمة للإسلام _الدين_، ساهمت إلى حد بعيد في تشويه عقلية الإنسان المُسلم وتحريف فهمها الصحيح لدين الله القويم، وألصقت به صفات وسمات بالغة السوء والبشاعة وقدمته للعالم وكأنه ( دين) يحث على القتل وسفك الدماء وإثارة الحروب والكراهية بين البشر، وإبادة كل من يخالفه الرأي والمُعتقد ليس من غيرالمسلمين فحسب، بل ومن المسلمين أيضا! ووقف الخَلقْ فاغري أفواههم إندهاشاً وفزعاً وهم يتابعون أعداداً متزايدة من شبان "مسلمين" كيف يتسابقون، مبتهجين، في تفجير أنفسهم منتحرين وسط مجاميع من المسلمين الأبرياء أطفالا ونساء ومُسنين في مساجدهم ودورعبادتهم ومزاراتهم ويحصدون أرواح المئات بل والآلاف منهم ويسفكون دماءهم، أو وسط آخرين من غير المسلمين، وإن بدرجة أقل كثيراً من ضحاياهم المسلمين! لا لسبب لا لهدف وبلا مُسوغ أو مُبرر، ونسمع أولئك الخلق، عبر العالم، أن الإنسان المسلم يكره الحياة ولا يضع أدنى إعتبار لحياة الإنسان وقدسيتها، ويعشق القتل وسفك الدماء ويمتهن العنف والتدمير، والدين الإسلامي على النقيض كلية من هذه الجرائم والانحرافات السلوكية المقيتة، ولم يقف التأثيرالمدمر الرهيب لماكينة الضخ الفكري المريض والمشوه للإسلام عند حدود الأعمال الإجرامية التي أشرنا إلى أبرزها آنفاً، بل إن المفارقة الجديرة بالتأمل والعبرة أن تلك الأفكار والرؤى والتصورات الناتجة عن سوء إستغلال وتوظيف الإسلام توظيفاً سياسياً مفرطاً ومغلوطاً، عادت بعد حين لتستخدمها قوى وجماعات أكثر تطرفا وغلواً تدٌعي وصلاً وانتماء إلى الإسلام، كسلاح لتكفير وتصفية وإرهاب مُنتجيها ومُبدعيها الأوائل والقوى والجماعات والأحزاب التي رعتها ونشرتها وروجتها! ورغم محاولاتها الهادفة إلى إعادة صياغتها وتصحيحها وإحلال أفكار ورؤى وتصورات أكثر إيجابية وتسامحاً وانسجاماً وتلاؤماً مع جوهر الإسلام وتعاليمه السمحاء الأصيلة، لكنها لا تحقق من النجاح إلا قليلا.!!
ورغم نجاح تنظيم " الإخوان المسلمين" مع مرور الوقت من بناء " تنظيم عالمي" في انتشاره ببنية تنظيمية حديدية وبإنضباط دقيق وصارم وفعٌال، وصَلَ بالتنظيم إلى مستوى يعتبره الكثيرون، بأنه أقوى حزب سياسي مُنظم في الأكثرية الساحقة من الساحات العربية، إلا أنه خلال فترة العقود الثلاثة الأخيرة، وفي ظل متغيرات سياسية مفاجئة شهدتها بعض أنظمة الحكم، وخاصة في مصر واليمن كمثال، اختار في استثمارها أسلوب تقديم نفسه للسلطات الحاكمة الجديدة كقوة داعمة ومساندة لها في مواجهة وتصفية خصومها السياسيين كالقوميين واليساريين والليبراليين..الخ!
ولا شك أنه استفاد من وراء هذا الأسلوب السلبي في التعامل السياسي وحقق مكاسب ومصالح على مختلف الأصعدة، وخاصة في مجال تعزيز وتوسيع قوته وانتشاره التنظيمي جماهيرياً ونقابياً وحضوره السياسي والإعلامي..الخ، وإن ظل متمسكا بثبات بالعمل السري من تحت الأرض مع الظهور الخافت والمحدود لمجموعة من قيادييه البارزين.
وهناء اضيف الي ان هحرة قيادات الاخوان المسلمون الي اروباء وحصولها على الاقامة والجنسية ساعدها على فتح قنوات عديدة للتواصل مع الشباب العربي والمسلم في شتي البلدان العربية والثاتير عليهم كماان المساعدات المالية والاخري التي كانت ومازالت تقدمها الحكومات الاروبية للجمعيات الخيرية والجاليات العربية والاسلامية بهدف دمجها مع المحتمعات الاروبية استغلالها البعض من قيادات الاخوان المسلمون احسن استغلال في تحقيق اهدافهم ومصالحهم وتاسيس الجمعيات الخيرية الاسلامية لضمان استمرار نشاطهم وتدافق الاموال والمساعدات لهم وفي الاستقطاب الحزبي للأفراد وضمهم إلى التنظيم كأعضاء
الاخوان المسلمون وثورة الربيع العربي
لازالت حتي اليوم ثورة الربيع العربي ووصول الاحزاب الاسلامية الي الحكم في تونس ومصر وليبيا تشغل بال واهتمال العديد من الباحتين والدراسين للحركات السياسية والاسلامية حيت مازالت المتغيرات السياسية الحاصلة في بلدان الربيع العربي تفرص تحديات حديدة امام القوي الاسلامية الحاكمة حاضة بما يتعلق بقضايا الديمقراطية والحريات الاعلامية والنشر والتعبير والقبول بمبداء التعددية السياسية والمشاركة في الحكم والتذوال السلمي للسلطة والانتقال السلمي والاوضاع الاقتصادية الفقر والبطالة كل تلك القضايا المتزامن مع التحركات الاحتحاجية للجماهير العربية الرافضة التعامل الايجابي مع السياسيات الحديدة للقوي الاسلامية الحاكمة الذي تمسكت بالسلطة وكشفت عن ازوجيات المعايير مابين الخطاب الاعلامية والشعارات الانتخابية لهذة القوي الاسلامية الحاكمة في الافعال والاقوال والمواقف في التعامل مع المطالب الشعبية والاعتصامات والتحركات الاحتجاجية السلمية الرافضة القبول بحكم القوي الاسلامية في بعض بلدان الربيع العربي نمودجا تونس ليبيا مصر
وسط كل هذه الأوضاع وأجوائها ومناخاتها المختلفة، ، وعند عتبات ومطالع العام 2011م الماضي اجد نفسي اميل الي وجهات نظر الاستاذ عبداللة سلام الحكيمي (16) بان مع انفجر " الربيع العربي" بثوراته الشعبية السلمية العارمة بدءاً بتونس فمصر ثم اليمن فليبيا، وتململات وإرهاصات وتحركات احتجاجية شعبية في عديد من الدول العربية، فكان أسلوباً في آلية الثورات والتغييرات السياسية جديداً ومبتكراً، ولا تزال بعضها مستمرة ومتوثبة رغم مرور عام وبضعة أشهر من عمرها، ونجحت بعضها في إسقاط رموز وقادة ومسئولي السلطات الحاكمة، على اختلاف في مستوى ونسبة ذلك الإسقاط بين ثورة وأخرى، إلا أنها، في المحصلة النهائية، نجحت في فرض تغيير مهم وخلقت أوضاعاً وقوى وحقائق جديدة، ودشنت مرحلة مختلفة تماماً عن مرحلة سابقة ولت وانقضت، أو كادت، وإذا كان من المسلم به – الآن - الثورات الشعبية انطلقت وتفجرت بإرادة الشباب وحماسهم وتطلعهم وتشوقهم المتحرق لحياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقا بالحرية والكرامة والعدالة والحداثة، ولم تلتحق الأحزاب السياسية التقليدية بها إلا لاحقا، فإنه مما لا شك فيه أن تنظيم الإخوان المسلمين أقواها وأكثرها نفوذاً وتأثيراً جماهيرياً والأوفرمالاً وإمكانيات مادية، كان له الإسهام الأبرز في صمود واستمرار وتصاعد وتائرعدد من ثورات الربيع العربي وتحديداً في مصر واليمن وإلى حد ما في ليبيا، ومع نجاح تلك الثورات،
ومع نشوء وبروز واقع جديد وظروف وحقائق جديدة ومختلفة، لم يكن أمام تنظيم الإخوان المسلمين أي مفر او خيار سوى الإظهار والإعلان عن نفسه كحزب سياسي بالكامل ودون مواربة أو تردد، وإلا أفلتت من يديه، شيئا فشيئا، أوراق وخيوط اللعبة السياسية وزمام التحكم بمسارها ومآلاتها المستقبلية، والجميع، بدون استثناء أو خلاف، يجمعون على حقيقة راسخة وساطعة بأن "الإخوان المسلمين" يُعتبرون حزباً سياسياً بامتياز، ليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك باعتباره أقدم الأحزاب السياسية كافة، إذ يزيد عمره الوجودي الفعلي عن 84 عاما متواصلة، وأقواها وأكفأها تنظيماً وانضباطاً وصرامة، وأكثرهم نفوذاً وانتشاراً ومقدرة في وسط الجماهير الشعبية، وأوفرها وأغناها أموالا وإمكانيات مادية واقتصادية واستثمارية على نحو لا يقارن بغيره منفردين أو مجتمعين، باستثناء الأحزاب السياسية التي أقامتها الدولة كواجهة سياسية لها وأداة دعاية ودفاع عن سياساتها ومواقفها، وهذه لا يقاس عليها لأنها غير قائمة بذاتها وبقاؤها وانهيارها مرهون ببقاء السلطة وسقوطها، صحيح أن "الإخوان المسلمين" تنظيماً عالمياً واحداً ووجوده في مختلف البلدان والساحات كفروع تنظيمية لتنظيم واحد أشمل وأوسع،
إلا أن قوته ونفوذه وتأثيره تظل في المقدمة فرعاً كان أم أصلاً وكان التوقع العام يتجه إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين سيعلن تحوله بذات تسميته التاريخية من العمل السري المطلق السرية إلى العمل السياسي الحزبي التعددي العلني، وإنهاء مرحلة "السرية"، لكن ما حدث كان على العكس تماما من ذلك إذ أعلن "المرشد العام" لتنظيم "الإخوان المسلمين" صدور قراره بتشكيل حزب سياسي باسم "حزب الحرية والعدالة" وتعيين رئيس وأعضاء هيئته التأسيسية ، وأوكل لهم أن يكونوا حزباً فكانوا، على نحو مشابه لأسلوب السلطات الحاكمة في بلدان عربية بإنشاء أحزاب سياسية تابعة لها ومعبرة عنها بقرارات جمهورية أي بأوامر سلطانية !! صحيح أن قرار وخطوة المرشد العام بتشكيل حزب سياسي لم تكن الأولى من نوعها فقد سبقتها تجارب مماثلة في بعض الدول العربية قبل " ثورات الربيع العربي" كاليمن والأردن والكويت والعراق وفلسطين وغيرها حيث أنشأ "الإخوان المسلمون" أحزاباً سياسية علنية بمسميات أخرى مختلفة، وبعد (الربيع العربي) يجري إنشاء أحزاب سياسية بذات الطريقة في بلدان عربية أخرى، وهذا الوضع الاستثنائي شبه المتفرد يشير إلى أن الإخوان المسلمين يملكون في كل فرع تنظيمي وفي كل بلد من البلدان العربية، وربما غير العربية، إطارين أو تشكيلين أو كيانين حزبيين بتسميتين مختلفتين
البناء التنظيمي الحزبي للاخوان المسلمون
تعددت العديدمن الدراسات والابحات والكتب والمنشورات الصادرة عن المسيرة التنظيمية لتنظيم الاخوان المسلمون بشكل عام الا ان الاستاذ عبداللة سلام الحكيمي (17) قدم لنا إطلالة سريعة على طبيعة البناء التنظيمي لجماعة الاخوان المسلمون البداية وكيف سارت علية والتزمتة بما في ذلك معايير وشروط البناء التنظيمي الحزبي الذي اعتمدت جماعة الاخوان المسلمون للافراد وضمهم الي التنظيم كاعضاء و منهج وبرنامج التوعية والتثقيف العام والإلزامي للأعضاء للتنظيم والانضباطية الصارمة لحركته ونشاطاته وفعالياته العامة
والأهم من ذلك الولاء المطلق والطاعة التامة من قبل الأعضاء، وعقلياتهم ورؤاهم ومواقفهم
" وتبدأ العملية برمتها، وخاصة بعد دخول الجماعة أو التنظيم في مواجهات ومصادمات عنيفة مع نظام الحكم "مَصر"، وبمختلف حلقاتها ومجالاتها المشار إليها آنفا، تبدأ منطلقة من مقدمة أو مُسلمة أساسية
مؤداها أن الإسلام -كدين- بشموله في خطر تتكالب عليه وتحيط به من كل جانب قوى كثيرة ونافذة ومعادية له وتستهدفه بكافة السبل والوسائل لإجتثاثه وتدميره وتصفيته من الوجود، وتُمثل على إختلافها وتعددها، محور الكفر والإلحاد والشرك،
وبعد التأكيد والتشديد على هذه المقدمة أو المسلمة مباشرة يُطرح السؤال: ما العمل؟، كيف ندافع عن الإسلام - الدين - ونحميه ونحافظ عليه؟؟، وتكون الإجابة المُوجهة والمُتحكم بمسارها بعناية بداية طريق الإلتحاق بالجماعة والإنضمام إلى عضويتها على وجه العموم والإجمال، وكل من يجتاز هذه المرحلة بنجاح وينال التزكية المطلوبة ينتقل إلى صفوف "الأنصار" وهي مرتبة تعني أنه اجتازها أصبح عضوا " مرشحا ولا بد للجميع أن يمكثوا في هذه المرحلة خمس سنوات يخضعون خلالها ً"
لشتى صنوف وأشكال الاختبارات والمحطات والتدقيق والتحري والتقويم المستمر ويخضع لبرنامج تثقيفي مكثف ومتصاعد، فإن اجتازها بنجاح ونال التزكية يصبح عضواً في التنظيم أو الجماعة في أدنى مستوى من المستويات والمراتب التنظيمية المتعددة ويترقى فيها بحسب بلائه وانضباطه وحرصه البالغ على السرية المطلقة ودرجة الولاء والطاعة التامين اللتين يبديهما خلال مسيرته الحزبية.
ويخضع كل عضو، منذ قبوله كمرشح، لبرنامج تثقيفي توعوي مكثف وممنهج لمدة خمس سنوات
- الذي يكتسب أهمية بالغة في بناء الجماعة أو التنظيم - على الأسس والمضامين والأهداف الرئيسية التالية، أو بالأصح أهمها (18) وأبرزها، كما يلي:
1)قراءة وحفظ أجزاء من "القرآن الكريم" وتفسيرها من كتب تفسير مختارة، إضافة إلى "الأحاديث النبوية" وكتاب "رياض الصالحين" كواجب مُلزم لاتهاون فيه.
2) قراءة ومناقشة مجموعة مختارة من الكتب والدراسات ذات الطابع الديني من تأليف قادة وباحثي ومفكري الجماعة
إلى طبيعتها وسماتها تأثر مؤلفوها بنتائج وانعكاسات وأجواء مراحل المواجهات والصراع المرير الذي خاضته الجماعة مع نُظم الحُكم القائمة، بكل معاناتها وآلامها وعذاباتها، وانعكست على كتاباتهم التي أفرطت إفراطا ًكبيراً في إستغلال الإسلام واستثماره وتوظيفه عسفاً وقهراً وتكييفه ومواءمته وتأويله بما يبرر ويسوغ ويخدم صراع وخلاف الجماعة – التنظيم– مع نُظم الحُكم القائمة، وراحت تمدد وتوسع من دائرة "التكفير" و"التفسيق" على نحو غير مسبوق طوال التاريخ الإسلامي، ولم تقتصر تلك الدائرة على نظام الحُكم وسياساته ورجاله ومؤسساته فحسب، بل إمتد ليشمل كل الأحزاب والقوى السياسية والتوجهات الفكرية والايديولوجية وصحفها ورجالها وكتابها، إلى أن وصل الأمر بها حد الحكم على كل "المجتمع" بالكفر والفسوق والارتداد، لتحث وتدعو إلى مفاصلة الجميع باعتزالها ومقاطعتها والهجرة منها بعيدا..الخ، وتعميق فكرة واعتقاد وإيمان أفراد الجماعة أو التنظيم بأنهم وحدهم الذين يملكون الحق والحقيقة باعتبارهم "المسلمين الأنقياء" والفرقة الناجية الوحيدة من عذاب الله ومقته.
ركز البرنامج التثقيفي التربوي المُلزم على تعميق وترسيخ 3)الاعتقاد لدى الأعضاء بضرورة المحافظة على تميزهم ونقاوتهم الدينية واستقامتهم الإيمانية، بتحاشي الاختلاط المفتوح والتعامل والتفاعل غير الضروري مع المجتمع وكل قواه وحركاته السياسية والثقافية والاجتماعية، وعدم القبول أو الأخذ بأي رأي أو فكرة أو حتى بآيات قرآنية وأحاديث نبوية إذا أتت من أي شخص أو جهة أو مصدر خارج الجماعة فلا قبول أو أخذ لأي شيء بالمطلق ما لم يأت عن طريق أميره أو مسئوله التنظيمي في الجماعة ! وبالمقابل توسيع نطاق العُرى والوشائج والعلاقات الإنسانية والاجتماعية إلى أقصى الحدود بين أعضاء الجماعة بعضهم ببعض عبر التزاور الدائم وتَفقُد أحوالهم والخروج في فترات زمنية محددة إلى رحلات الخلاء "الخروج في سبيل الله" والتكافل والتعاون فيما بينهم، وتحاشي ترك العضو في حالة انقطاع عن الجماعة ولو لأيام قليلة حيث يحرص كل الحرص على ربط المسافر منهم إلى أية منطقة أخرى داخل البلاد أو خارجها، بأعضاء الجماعة في تلك المنطقة المسافر إليها! المهم أن لا يترك العضو بأي حال من الأحوال منقطع الصلة بالجماعة ولو لفترة زمنية قصيرة جدا.
4) وحرص برنامج التثقيف التربوي كل الحرص، على غرس وتعميق إعتقاد الأعضاء وإيمانهم
بأن انتماء العضو إلى الجماعة – التنظيم– يُعد مسألة إيمانية عبادية لا يصح أو يكتمل إسلام المرء أو إيمانه بالله تعالى ودينه القويم بدون ذلك الانتماء التنظيمي السياسي، استنادا إلى أن الإسلام دين ودولة، عبادة وسياسة ، والفصل بينهما ضرب من ضروب الكفر والفسوق، وأن الولاء الكامل والطاعة المطلقة للجماعة - التنظيم- ولقيادته وأميره واجب ديني مقدس ومُلزم والوجه الآخر المُكمل للإيمان بالله سبحانه وتعالى والولاء والطاعة المطلقة له سبحانه ولرسوله، وأن التمرد والخروج عن الجماعة - التنظيم - الأمير وشق عصاها كفر وارتداد توجب القتل "من شق عصا الجماعة فاقتلوه"! وإعمالا وتجسيداً لهذه القناعة الراسخة المغروسة في أذهان وعقول وتفكير الأعضاء، فإن أقصى ما كان يذهب إليه أي عضو، في حالة خلافه وعدم اتفاقه بالرأي مع قيادة وسياسة الجماعة- التنظيم-، على ندرة حدوث ذلك - هو الانسحاب بهدوء وصمت والانكفاء الكلي والدائم على النفس دون أي موقف أو ردة فعل من أي نوع.
5) كان ذلك المنهج أو البرنامج التثقيفي التربوي الشامل، بمعالمه وملامحه الرئيسية المشار إليها آنفا، هو المنهج والبرنامج الموحد والمعتمد للإخوان المسلمين وقد أصبحوا " تنظيما عالميا" أمميا واحدا له فروعه المنتشرة في الكثير من الدول العربية والإسلامية وله وجوده ونشاطه وحركته في أرجاء مختلفة من الكرة الأرضية، ويُدار بقيادة سياسية واحدة وعبرآليات وقنوات تنظيمية وسياسية وثقافية واحدة، والحقيقة أن ذلك المنهج والبرنامج الموحد حقق نجاحاً ملموساً في خلق التجانس والانسجام والتماثل الفكري والثقافي والسياسي بل وحتى السلوكي النفسي بين أعضائه على امتداد بلدانهم ومجتمعاتهم ومناطق تواجدهم على المستوى العالمي.
وعلى ضوء معالم ومضامين وشروط ومعايير وأسس البنية التنظيمية والثقافية والسياسية والسلوكية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين والتي أشر إلى أهمها وأبرزها الاستاذ الحكيمي (19) نستطيع القول بأنها بنية مقفلة ومنغلقة على ذاتها طوال مراحل مسيرتها منذ التأسيس وحتى الآن تقريبا، ولم تُبن في بيئة ومناخات مفتوحة يجعلها خاضعة أو محكومة بمقتضيات وعوامل قوانين التأثير والتأثر والأخذ والعطاء التفاعلية الطبيعية.. ومعلوم أن كل جماعة إنسانية نظمت نفسها سياسياً في بنية تنظيمية مقفلة ومنغلقة على ذاتها، عادة ما تتعرض لهزات ومخاطر كبيرة وتجابه تحديات وعواصف عاتية، عند منعرج متغيرات وتحولات سياسية واجتماعية وثقافية وبنيوية تعصف بمجتمعاتها تحقق لها مناخ الحرية والديمقراطية والشفافية الصحيحة، حينها تجد تلك الجماعات ذات البنى التنظيمية المقفلة والمنغلقة على ذاتها والمعزولة عن حركة التفاعلات الحيوية الطبيعية في المجتمع نفسها فجأة وعلى غير استعداد وسط ضوء الشمس الساطع وداخل دوامة عاصفة من تفاعل وتدافع وجدل الآراء والأفكار والتصورات المتلاطمة أمواجها ورياحها الهائجة المائجة، تماماً كأي إنسان حُجب عنه الضوء والنور لزمن طويل ثم غمره النور فجأة فأغشى بصره متخبطاً بحثاً عن طريقه واتجاه سيره، ويجد نفسه بعد ذلك وجهاً لوجه أمام أشياء وصور وأوضاع لم يألفها أو يتعرف أو يتعامل عليها ومعها من قبل!
ومع وفي وسط بداية الإرهاصات المبشرة بمرحلة من التحولات والمتغيرات السياسية الشاملة والجديدة والتي توجت بالثورات الشعبية السلمية العارمة التي شهدتها بعض البلدان العربية ونظم الحُكم العتيقة فيها والتحركات والتململات المُرهصة بانفجار ثورات شعبية مماثلة في بلدان عربية أخرى، والتي انطلقت مطلع العام الماضي، ولا تزال تفاعلاتها وآثارها وارتداداتها حية وقائمة حتى اليوم، استطاع تنظيم الإخوان المسلمين أن يحتل مكان الصدارة الأبرز لواقع ما بعد الثورات الشعبية تلك، وبدا وكأنه عاصفة " تسونامي" تكتسح وتلتهم من طريقها كل شيء أو الجزء الأعظم منه على الأقل، ومع ذلك وفي ذات الوقت وجد نفسه، ولأول مرة في تاريخه، مباشرة ووجهاً لوجه أمام مسئولية بالغة الجسامة والحساسية والخطورة وتحدٍ مصيري يتعلق اليوم بمهمة إدارة الدولة وقيادة المجتمع، وهي مسئولية لا سابق خبرة أو تجربة له بها ولا يملك رؤية سياسية واضحة ومحددة ومتكاملة في كيفية التعامل معها ومواجهة متطلباتها والتزاماتها، في ظرف استثنائي يشهد غليانا شعبيا وسياسيا واجتماعيا هائلا تموج في ظله ووسطه وتتدافع وتتلاطم خضم من القوى والفعاليات التقليدية والجديدة الناشئة وفي ضمنها قوى محسوبة على سلطات حُكم أسقطتها ثورات الشعوب وأقصتها عن الحُكم، لكنها لم تنته ولا تزال بقاياها فاعلة في مؤسسات وأجهزة ومرافق الدولة، وقوى وفعاليات جديدة متدفقة بالحماس والتطلع إلى دور تمارسه ومكانة تحتلها، ورأي عام شعبي أخرجته الثورة من واقع السلبية واللامبالاة والانكفاء وبات واعياً يقظاً متفاعلا نشطاً يرمي بثقله وتأثيره للتحكم بمسارالأحداث وفرض إرادته عليها!! والحديث هنا عن مَصر بالأساس، وأصدر "المرشد العام" قرارا بتشكيل "حزب سياسي" يمثل ويُعبر عن "الحزب الأم"، الإخوان المسلمين الذين باتوا يملكون حزبين سياسيين يعبران معا عنهم!! وكذلك فعلت فروع لهم من قبل في اليمن والأردن والعراق ولبنان وفلسطين، وكما هو جارٍ العمل به في بلدان أخرى مثل ليبيا والمغرب وسوريا وغيرها سيراً على ذات الطريق المُفضي إلى الازدواجية أو الثنائية الحزبية لجماعة واحدة موحدة ! وتساءل الرأي العام عن حكمة ومبررات وأسباب تلك الثنائية الحزبية المستغربة،(20)
ومن وجهة نظرنا كما يسير الاستاذ الحكيمي (21) فإننا نعتقد بأن أهم المبررات والأسباب وراء ذلك تتمحور بالآتي
1) أن "الأخوان المسلمين"، كما هو معروف للجميع، تنظيم حزبي عالمي واحد له فروع تنظيمية في العديد من بلدان العالم وتديره وترسم مسار حركته ونشاطاته قيادة واحدة تخضع بالكامل لسلطة " المرشد العام " وتَحول فروعه التنظيمية في بعض البلدان إلى العمل السياسي العلني بذات التسمية التاريخية الأصيلة "الإخوان المسلمين" من شأنه إحداث حالة من الاضطراب والتداخل وتضارب السلطات والمسئوليات بين "العالمي" و"المحلي" ويجعل العلاقة والمسئولية بين "الأصل" و"الفرع" مُبهمة وغامضة ومتضاربة، ولكن وبالمقابل فإن إصدار التنظيم الأصل لقرار تشكيل حزب سياسي مُعبر عنه بتسمية أخرى مختلفة لا يغير من الأمر شيئا فقيادة الحزب بالتسمية الجديدة وكوادره وأعضاؤه هُم هُم أنفسهم أعضاء في " الحزب الأصل" الإخوان المسلمين" ، ويخضع بالتالي لقيادة وسلطة "المرشد العام" وقيادة "الإخوان المسلمين" سواء على المستوى "العالمي" أو "المحلي"! ومعنى هذا أن إقامة أحزاب سياسية بأسماء مختلفة لا يعدو كونه ضرباً من ضروب العبث واللامعنى.
2) أن تنظيم الإخوان المسلمين نشأ وأسس بنيته التنظيمية والفكرية والثقافية والسياسية،
عبر عقود طويلة من الزمن ومن خلال منهجه التربوي وبرنامجه التثقيفي المشار إلى معالمه آنفا
على أفكار ورؤى واجتهادات اتسمت بالتطرف والغلو وتكفير وتفسيق الآخرين وعدم القبول بهم أو التعايش معهم إلا من قبيل الضرورات التكتيكية المؤقتة، وأن تلك الأفكار والاجتهادات القائمة على استغلال الدين وتوظيفه وتحريف تعاليمه وتكييفها ومواءمتها لخدمة أغراضه وأهدافه ومصالحه السياسية، قد أصبحت راسخة ومتجذرة في فكر وعقليات وقناعات أعضائه على نحو يصعب إعادة تصحيحها وتقويمها من جديد، وأية محاولة في هذا الاتجاه من شأنها إحداث تصدعات وخلافات وانقسامات داخلية خطيرة. ولهذا كانت هناك ضرورة لإعلان تشكيل أحزاب سياسية بأسماء جديدة مختلفة تعبر عن الجماعة - التنظيم- تكون عبارة عن واجهات شكلية ولافتات إعلانية لا وجود حقيقي مختلف لها على الإطلاق، للقبول والتعامل مع واقع سياسي جديد بمنطق المساومات والصفقات والتنازلات وانتهاج سياسات تتعارض وتتناقض مع المنظومات والقناعات الفكرية العقدية السياسية الاجتماعية المتطرفة المهيمنة على أعضاء الجماعة - التنظيم- وخطابه وقياداته وكوادره، وتحميل مسئوليتها بالحزب الجديد التسمية تحت مبرر وذريعة "فقه الضرورات"، كما يقولون، ونأي الجماعة - التنظيم- بنفسها عن تبعات ونتائج وانعكاسات السياسات والمواقف التي تنسب لحزب وهمي لا وجود فعلياً له في الواقع ! على أساس إقناع أعضاء الجماعة - التنظيم- بأن واقع البلاد وظروفه الحالية ومشاكله ليس مؤهلا بعد ولا يقبل في الوقت الراهن فرض فكر وايديولوجية الجماعة - التنظيم - الأصلية والثابتة، وإلى أن يحين الوقت الملائم لذلك فلا بأس ولا ضير من القبول والمشاركة في الترتيبات والسياسات والمواقف التكتيكية بإسم حزب بتسمية أخرى كخطوة على طريق تهيئة وإعداد البلاد لفرض ايديولوجيتهم الأصلية كاملة!
3) أن "الإخوان المسلمين" أوقعوا أنفسهم في إشكالية خطيرة إذ كيف سيبررون ويسوغون، من النواحي الدستورية والقانونية والأخلاقية والأهم من ذلك الدينية، أن يكون لجماعة مُنظمة واحدة ومُوحدة وجهين حزبيين سياسيين يمثلانها ويعبران عنها في نفس الوقت؟ إحدى التخريجات التي رددت قبل فترة أن " الإخوان المسلمين" هم عبارة عن جماعة دينية دعوية وليست حزباً سياسياً!! وهذه التخريجة يدحضها الواقع والعقل إذ كيف تكون "جماعة دعوة دينية" وتكون لها بنية تنظيمية شديدة الانضباطية وبالغة السرية، وتمارس أدوار وأنشطة سياسية بحتة متذ تأسيسها وتخوض مواجهات وصراعاً عنيفاً ومسلحاً ودامياً مع خصومها ، وتسعى بكل الوسائل والإمكانيات للسيطرة على الحُكم، بل وكيف يستساغ عقلياً أن تنشئ "جماعة دعوة" أحزاباً سياسية كبرى ونافذة ومسيطرة؟ وجمعيات الدعوة لها مواصفاتها وشروطها ووضعها وآليات عملها كتنظيم حزبي عالمي وبفروعه التنظيمية ا المعروفة في القوانين السارية
.
4) وهناك من يعتقد أن " تنظيم الإخوان المسلمين لم يصل بعد الي قناعة بالتخلي عن اسلوب العمل الحزبي السري وان لجوءة الي تشكيل احزاب السري الانقلابي المنتشرة في مختلف دول العالم توكد رغبته في تحقيق أقصى الفوائد والمكاسب عبر العمل السري الحزبي وليس العلني وهو اسلوب العمل السياسي الذي مازال يمسك في منذ اكثر من ثمانية عقود من تاريخ تاسيسة

5) وهم قد كشفوا، من خلال بعض المواقف والممارسات وخاصة خلال الفترة الأخيرة،
اعتمادهم على عقلية وأسلوب ذرائعي مُطعم بانتهازية سياسية واضحة، تجعلهم لا يتورعون عن اتخاذ الشيء ونقيضه، وتبرير ذلك سياسياً أو حتى دينياً، ولا يترددون عن نقض تعهداتهم والتنصل عن التزاماتهم إذا اقتضت مصالحهم الخاصة ذلك، ففي بعض البلدان وضع "الإخوان" أنفسهم وقواهم في خدمة ودعم سلطات حُكم ديكتاتورية فاسدة وأصبحوا أدوات بيد تلك السلطات لمواجهة القوى والأحزاب المعارضة لها، وخاضوا معها وإلى جانبها معارك وحروباً عديدة لمجرد تحقيق بعض المكاسب السياسية والمادية ثم انقلبوا عليها وتحالفوا مع القوى المعارضة لها ، واتسمت علاقتهم بها بالسعي إلى الهيمنة والاستحواذ على كل شيء في أوقات الاستحقاقات السياسية والانتخابية والشعبية..الخ، ويقطعون على أنفسهم عهوداً ووعوداً والتزامات قبل تلك الاستحقاقات، وبعدها وأثنائها يتنصلون عنها بدون تحرج، وهذا أمر مُعيب في حق قوى وتنظيمات تصف نفسها بالإسلامية والنضال من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية.
والواقع اليوم أن هذه النقطة تقودنا إلى التاكيد على اهمية دراسات و مناقشة مدى مشروعية إتكاء بعض الحركات الإسلامية الحديثة واستخدام الإ يديولوجيا الإسلامية والانتماء الطائفي والدين في العمل السياسي القائم واستغلاله واستثماره وتوظيفه لتحقيق مصالح و مكاسب سياسية دنيوية والعملية السياسية القائمة على التنافس والصراع بين مختلف القوى والأحزاب السياسية في البلدان العربية والاسلامية لكسب أصوات وتأييد الناخبين في الوصول إلى السلطة والحُكم و متلا ماتقوم بها حركة النهضة في تونس والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن " نموذج (الاخوان المسلمون في اليمن ) وبعض القوي والاحزاب السياسية الاسلامية في عالمنا العربي والاسلامي

المراجع

(1) انطر صحيفة 14 اكتوبر الرسمية العدد15589-31 اكتوبر 2012م
(2)انظر صحيفة الرياض السعودية العدد16106 تاريخ 26 يوليو2012م
(3)الكاتب علي السيد في مقال في موقع انصار اللة
(4) صحيفة الجمهورية في بتاريح 2 ستبمبر 2012م ملامح التطور في خطاب الاصلاح الفكري والدعوي الكاتب محيب الحميدي
(5) صحيفة الجمهورية في بتاريح 2 ستبمبر 2012م عبدالقوي حسان الخطاب الاعلامي للتجمع اليمني للاصلاح المضامين والمراحل التاريجي
(6) الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي، ص 179))

(7) كتاب (الحركات الإسلامية وأثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي، ص 186).
(8) الحركة الإسلامية هموم وقضايا، ص 147).

(9) الحوار الإسلامي العلماني ص 56.
(10) أزمة الفكر السياسي العربي، ص 10
(11) علي البخيتي انطر مقال المنشورة في موقع التغيير نت
(12) الدكتور بلقيس ابو اصبع دراسات ديمقراطية
(13) نفس المصدر دراسات ديمقراطية
(14) الناقد اليمني محمد ناجي أحمد موقع ناس برس
(15) الاستاد عبداللة سلام الحكيمي في مقالة تحليلية نشرت في صحيفة الوسط اليمنية بتاريح 6-6-2012م عن الاخوان المسلمون
(16) نفس المصدر
(17) الاستاد عبداللة سلام الحكيمي في مقالة تحليلية نشرت في صحيفة الوسط اليمنية بتاريح 13-6-2012م الحلقة التانية عن الاخوان المسلمون
(18) نفس المصدر صحيفة الوسط اليمنية بتاريح 13-6-2012م الحلقة التانية عن الاخوان المسلمون
(19)نفس المصدر
(20)نفس المصدر

الورقة العلمية المقدمة الي موتمر الطائفية في الشرق الاوسط المعاصر: الخطاب الديني والسياسي))، والذي عقد في يوم السبت 13/ 4/ 2013، على قاعة مؤسسة الامام الخوئي الخيرية في لندن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن